إنّما الخلاف في أنّه هل هو عامّ لفظي يقبل التخصيص ـ حتّى لو قال : « أردت مأكولا خاصّا » يقبل منه ـ أو عقلي لا يقبله؟ فذهب الأكثر إلى الأوّل ، والحنفيّة إلى الثاني (١).
وتحرير محلّ النزاع : أنّ مفعول « لا آكل » مثلا عند الحنفي محذوف غير ملحوظ عند الذكر أصلا ، بل هو منسيّ والفعل بمنزلة اللازم ، فيكون قضيّة طبيعيّة يكون المراد منها نفي الماهيّة من حيث هي ، لا نفي الأفراد وإن كان مستلزما ، فلا يقبل التخصيص ؛ لأنّه فرع التعميم في الأفراد ، وعند الأكثر مقدّر مراد ، وهو كلّ ما يقع مأكولا ، فيكون قضيّة محصورة يكون المراد منها نفي الأكل بالنسبة إلى كلّ مأكول ، فيقع التعميم في الأفراد ، فيقبل التخصيص. ولا كلام للحنفي والأكثر في ثبوت الاحتمالين في فصيح الكلام ، إنّما كلامهما في الظهور.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الحقّ أنّه يقبل التخصيص وإن كان ظاهرا في الإنشاء ؛ لأنّ الظهور لا يمنع التصريح بالخلاف ، فيكون التخصيص قرينة صارفة عمّا هو ظاهر فيه.
وأيضا لا يشترط في التخصيص التعميم في نفي الأفراد صريحا ، بل يكفي التعميم فيه وإن كان لازما لنفي الماهيّة.
احتجّ الحنفي بأنّه نفي فعل مطلق ، فلا يصحّ تفسيره بمخصّص ؛ لتنافيهما ؛ إذ لا شيء من المطلق بمشخّص ، وبالعكس ؛ لأنّ الإطلاق عدم القيد (٢) ، والتشخّص وجوده.
وجوابه : أنّه إن أراد بالمطلق ما يكون قيد الإطلاق مأخوذا فيه ، يمنع أنّه نفي فعل مطلق بهذا المعنى ؛ لقرينة التخصيص ، ولاستحالة وجود هذا المطلق في الخارج ؛ لأنّ الكلّي المبهم لا يوجد إلاّ في الذهن. كيف؟ ولو كان للمطلق لم يحنث بالمقيّد. وإن أراد به المقيّد المطابق للمطلق ، فنمنع (٣) المنافاة.
__________________
(١) حكاه الغزالي في المستصفى : ٢٣٧ ، والفخر الرازي عن الحنفيّة في المحصول ٢ : ٣٨٤ ، ونسبه ابن الحاجب إلى أبي حنيفة في منتهى الوصول : ١١١.
(٢) كذا في النسختين. والأولى « عدم التقييد ».
(٣) في « ب » : « فيمنع ».