كان اللازم أن يعدّ من النوع الثاني ، إلاّ أنّه لمّا لم يشاركه أحد ، ولم يلتفتوا إلى قوله ، وعدّوه من الشواذّ ، جعلناه من النوع الأوّل.
وممّا يدلّ على أنّ الجمع المضاف للعموم احتجاج فاطمة عليهاالسلام على أبي بكر ـ حيث منعها من توريثها عن أبيها ـ بقوله تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ )(١) ولم ينكر عليها أحد من الصحابة ، بل عدل أبو بكر إلى رواية رواها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله (٢). وفهم الخليل إيّاه من قوله تعالى : ( إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ )(٣) ؛ حيث قال : إنّ فيها لوطا وقرّره الملائكة.
وممّا يدلّ عليه وعلى سابقه احتجاج عمر على أبي بكر في قضيّة قتال مانعي الزكاة بقوله عليهالسلام : « امرت أن اقاتل الناس حتّى يقولوا : أن لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوه فقد حقنوا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّه » (٤) أي حقّ هذا القول وهو كلمة التوحيد ، فقرّره الصحابة ، وعدل أبو بكر إلى قوله : « إلاّ بحقّه » والزكاة من حقّه ، فدلّ على أنّهم فهموا منه عموم لفظ « الناس » في وجوب قتالهم قبل تلفّظهم بكلمة التوحيد ، وعموم ضميره في عدم جواز قتالهم بعده ، وعموم الجمع المضاف وهو « الدماء » و « الأموال » (٥).
واعلم أنّ كلّ واحد من المعرّف باللام والإضافة إلى معرفة والموصول ، يجري فيه الاستغراق وتعريف الجنس والعهد الخارجي والعهد الذهني.
فعلى التقدير الأوّل يفيد العموم نصّا ، بخلاف التقادير الأخر ، فلا بدّ في فهم العموم منه إلى قرينة ، ولذا قيل : العموم إمّا يثبته اللفظ بنفسه من غير قرينة ، كأسماء الاستفهام والشرط ، أو مع قرينة في الإثبات (٦) ، كالجمع المحلّى باللام ، والمضاف جمعا ، أو اسم جنس مفرد أو الموصول أو مع قرينة في النفي كالنكرة في سياقه ؛ لأنّها تدلّ على نفي الفرد المنتشر ، أو الطبيعة من حيث هي. ويلزم على الأخير نفي جميع الأفراد ، الذي هو العموم.
__________________
(١) نساء (٤) : ١١. إشارة إلى « طبيعة كلّيّة ».
(٢) انظر الاحتجاج ١ : ٢٦٨ ، ونهاية الوصول إلى علم الاصول ٢ : ٢٢٧ ، والإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٤٤٥.
(٣) العنكبوت (٢٩) : ٣١.
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ ، ح ٣٩٢٧ ، وصحيح البخاري ١ : ١٧ ، ح ٢٥ ، وصحيح مسلم ١ : ٥٣ ، ح ٣٦ / ٢٢.
(٥) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ١٠٣.
(٦) انظر تمهيد القواعد : ١٥٦ ، القاعدة ٥١.