الأوّل على العموم ، ثمّ ما يختصّ به بعض منه ثمّ تبيّن (١) حقيقة الحال في كلّ واحد من أقسام النوع الثاني.
فصل [٥]
ممّا يدلّ على كون جميع أقسام النوع الأوّل للعموم تبادره عنها عند الإطلاق وهو دليل الحقيقة ، وجواز الاستثناء منها وهو معيار العموم ، وتصريح أكثر أهل اللغة (٢) وقولهم في المقام حجّة ، واستدلال السلف بها عليه شائعا ذائعا من غير نكير (٣). وبأصالة عدم النقل يثبت العموم لغة.
وممّا يدلّ على أنّ لفظ « كلّ » و « جميع » وما يصرف منه ، وأخواته ومرادفاته للعموم ـ سواء كانت للتأكيد أو غيره ـ أنّ قولنا : « قام كلّ إنسان » يناقض « ما قام كلّ إنسان » بالاتّفاق ، ولو لم يكن الكلّ للعموم كانت القضيّة (٤) الاولى مهملة ، وهي في قوّة الجزئيّة ، والثانية أيضا جزئيّة ، والجزئيّتان لا تتناقضان ؛ لأنّ النفي عن الكلّ لا يناقض الإثبات في البعض.
ولا يرد أنّه إذا كان (٥) سور إيجاب جزئي ، يكون سلبه سور سلب كلّي ، كما في قولنا : « واحد من الناس كاتب » « ليس واحد من الناس كاتبا » ؛ لأنّ « ليس كلّ » لا يفيد العموم وفاقا ، ويرشد إليه قولهم : « ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا كلّ سوداء تمرة ».
وأيضا الجزء نقيض الكلّ ، ولو لم يكن الكلّ مستغرقا ، لم يكن الجزء نقيضه.
وأيضا لو كان « كلّ » و « جميع » وما بمعناهما للعموم والخصوص على الاشتراك ، لكان قول القائل : « رأيت الناس كلّهم أجمعين » مؤكّدا للاشتباه ؛ لأنّ مدلول اللفظ يتأكّد بتكريره ، مع أنّا نعلم أنّ مقصود أهل اللغة إزالة الاشتباه بتكرار هذه الألفاظ.
ولقائل أن يقول : قصد إزالة الاشتباه قرينة على إرادة العموم منها ، فيخرج عن المبحث.
__________________
(١) في « ب » : « تتبيّن ».
(٢ و ٣) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ١٠٢ ـ ١٠٥.
(٤) في « ب » : « الصيغة ».
(٥) أي كان قام كلّ.