أمّا كونه عارضا للألفاظ بحسبهما ، فلا ريب فيه.
وأمّا كونه عارضا للمعاني لغة ، فظاهر من إطلاق الادباء واستعمال الفصحاء إطلاقا شائعا ، واستعمالا ذائعا ، كقولهم : « عمّ العطاء » و « عمّ البلاء » و « عمّ الخصب » و « عمّ الجدب » و « عمّ المطر » و « عمّ الخير » وغير ذلك (١).
وأمّا كونه عارضا لها عقلا ؛ فلأنّه كما يصحّ في الألفاظ أن يوجد لفظ واحد شامل لألفاظ كثيرة متعلّق بها تعلّق الصدق والحمل لا تعلّق الحلول ، فكذلك يصحّ أن يوجد معنى ذهني يشمل أفرادا كثيرة يحمل عليها بالحمل الإيجابي. وإنكار ذلك مكابرة. والظاهر أنّ من أنكره من الاصوليّين ممّن أنكر وجود المعاني الذهنيّة.
وظهر من ذلك أنّ الأمر العامّ إذا لم يكن من الألفاظ لا بدّ أن يكون من المعقولات الذهنيّة لا الأعيان الخارجيّة ؛ لأنّه لا يمكن أن يوجد في الخارج ما يتّصف بالعموم ـ أي يكون صادقا ومحمولا على كثيرين ـ إلاّ أن يثبت وجود الكلّي الطبيعي في الخارج.
فصل [٣]
ما يفيد العموم إمّا يفيده عرفا ، كقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ )(٢) ، فإنّه يوجب عرفا حرمة جميع الاستمتاعات.
أو عقلا ، وهو إمّا ترتّب الحكم على الوصف بإحدى الطرق المثبتة للعلّيّة ؛ لأنّه إذا ثبتت العلّيّة ، يحكم العقل بعمومها ، أي ثبوت الحكم أينما وجدت ، كقوله : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا )(٣) ، ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا )(٤).
أو دليل الخطاب عند من يقول به ، كقوله عليهالسلام : « في سائمة الغنم زكاة » (٥) فإنّه يفيد انتفاء الزكاة عن جميع ما عدا السائمة. أو اشتمال السؤال على ما يحكم العقل لأجله بعموم الحكم
__________________
(١) راجع منتهى الوصول لابن الحاجب : ١٠٢.
(٢) النساء (٤) : ٢٣.
(٣) المائدة (٥) : ٣٨.
(٤) النور (٢٤) : ٢.
(٥) انظر تهذيب الأحكام ٤ : ٢ ، ح ٢ ، والاستبصار ٢ : ٢ ، ح ٢.