واحتجّ القائل بالدلالة مطلقا بحسب الشرع لا اللغة أمّا على الجزء الإثباتي : فبما تقدّم من عمل السلف (١) ، وقد عرفت أنّه ثبت (٢) به المطلوب (٣) في العبادات دون المعاملات. وأمّا على الجزء السلبي : فبأنّ فساد الشيء عبارة عن سلب أحكامه ، وليس في لفظ النهي ما يدلّ عليه لغة (٤).
والجواب عن الثاني : أنّه إن اريد بالأحكام الآثار التابعة للعقود والإيقاعات ، فعدم دلالة النهي عليه لغة مسلّم نحن نقول به ، إلاّ أنّه كذلك أيضا بحسب الشرع كما تقدّم (٥).
وإن اريد بها ما يشمل عدم موافقة الأمر ، فعدم دلالته عليه ممنوع ، فإنّ النهي يدلّ عليه لغة كما يدلّ عليه شرعا ، ولا فرق في هذه الدلالة بين اللغة والشرع ؛ لأنّه ليس مدلولا مطابقيّا ولا تضمّنيا لشيء منهما ، ولازم عقلي لكلّ منهما ؛ لأنّه لازم للتحريم الذي يدلّ عليه النهي لغة وشرعا. هذا.
وممّا ذكرناه فيما تقدّم (٦) قد ظهر حجّة القائل بالدلالة إذا تعلّق النهي بعين الشيء ، أو جزئه ، أو وصفه اللازم ؛ وعدمها إذا تعلّق بوصفه المفارق مع جوابها.
إذا عرفت ذلك ، فيتفرّع عليه بطلان الطهارة بالماء المغصوب ، والصلاة في المكان المغصوب ، والصوم سفرا عدا ما استثني ، والحجّ المندوب بدون إذن الزوج والمولى ، وبطلان الوضوء إذا ترك غسل الرجلين أو مسح الخفّين في موضع التقيّة ، وصحّة البيع وقت النداء ، وقس عليها أمثالها.
وممّا يتفرّع عليه ذبح الأضحية ، أو الهدي بآلة مغصوبة ، وإيقاع الصلاة مع كون المصلّي مستصحبا لشيء مغصوب.
وبعد الإحاطة بما ذكر لا يخفى حقيقة الحال فيهما.
__________________
(١) تقدّم في ص ٦٩١.
(٢) في « ب » : « يثبت ».
(٣) في « ب » : « المطلب ».
(٤) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٠٠.
(٥) تقدّم في ص ٦٩١.
(٦) تقدّم في ص ٦٨٩.