نعم ، إن علم جعل الشارع معاملة معرّفة لشيء من الأحكام ، أمكن الحكم بترتّب آثارها عليها وإن تعلّق النهي بعينها أو جزئها أو وصفها (١).
وأنت خبير بأنّ هذا اعتراف بعدم دلالة النهي على الفساد ، فهو حجّة لنا.
ومنها : ما ورد في بعض الأخبار (٢) من استدلال الأئمّة على حرمة بعض العقود والإيقاعات بالمناهي المجرّدة عن القرائن ، مع كونها فاسدة في الواقع ، فيظهر منه أنّ مرادهم من الحرمة الفساد (٣).
والجواب : أنّهم عليهمالسلام لم يستدلّوا بها إلاّ على الحرمة. وكونها فاسدة للدلالة الخارجيّة لا يقتضي أن يكون المراد من الحرمة الفساد.
ومنها : قول الباقر عليهالسلام : « من طلّق ثلاثا في مجلس على غير طهر لم يكن شيئا ، إنّما الطلاق الذي أمره الله عزّ وجلّ ، ومن خالف لم يكن له طلاق » (٤) ، ووجه دلالته أنّه عليهالسلام نفى حقيقة الطلاق إذا كان منهيّا عنه ، وأقرب المجازات إلى نفي الحقيقة الفساد.
وقوله في حسنة زرارة ـ بعد ما حكم بصحّة تزويج العبد إذا وقع بدون إذن سيّده ثمّ أجازه ، وقيل له : إنّ بعض أهل الخلاف يقول بفساد أصله فلا يحلّه الإجازة ـ : « إنّه لم يعص الله ، إنّما عصى سيّده ، فإذا أجازه فهو جائز له » (٥).
وجه الدلالة أنّه يدلّ على فساد النكاح إذا كان معصية لله تعالى ، وفعل المنهيّ عنه معصية (٦).
والجواب : أنّهما لا يدلاّن إلاّ على فساد ما لم يؤمر به بوجه وكان منهيّا عنه أو معصية ، ولذا حكم بصحّة تزويج العبد بعد الإجازة ؛ لأنّه كان مأمورا به أوّلا ؛ نظرا إلى جواز إيقاع الفضولي. وبطلان ما لم يؤمر به أصلا ممّا نقول به ، كما تقدّم (٧).
__________________
(١) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٠٠.
(٢) تهذيب الأحكام ٧ : ٢٩٧ ، ح ١٢٤٣ و ١٢٤٤.
(٣) قاله الفاضل التوني في الوافية : ١٠٦.
(٤) الكافي ٦ : ٥٨ ، باب من طلّق لغير الكتاب والسنّة ، ح ٧ ، وتهذيب الأحكام ٨ : ٤٧ ، ح ١٤٦.
(٥) الفقيه ٣ : ٣٥٠ ، ح ١٦٧٥ ، وتهذيب الأحكام ٧ : ٣٥١ ، ح ١٤٣٢.
(٦) قاله الفاضل التوني في الوافية : ١٠٦.
(٧) في ص ٦٨٩.