يفتقر ثبوته إلى دليل شرعي ، فالحكم بالصحّة يتوقّف على دلالة شرعيّة عامّة أو خاصّة ، وحينئذ لا يكون النهي مانعا عنها ؛ لعدم التنافي ، بخلاف العبادات ؛ لأنّ الحرمة فيها لمّا كانت منافية لصحّتها فلا يجوز اجتماع الأمر والنهي فيها ، فالنهي يدلّ على فسادها ، وإن دلّ عامّ أو خاصّ على صحّتها ، فيقع بينهما التعارض. هذا.
واحتجّ من قال بدلالته على الفساد في المعاملة أيضا بوجوه :
منها : أنّ العرف يفهم منه الفساد ، والأصل عدم النقل (١).
وجوابه : منع فهم العرف الفساد السببي ، بل لا يخطر ذلك ببالهم.
ومنها : الدليل الثاني (٢).
والجواب عنه : أنّه إن اريد بالحكمة حالة ملائمة لكون الفعل مطلوبا للشارع ، فلا نسلّم دلالة الصحّة السببيّة على وجودها ؛ إذ من الجائز عقلا انتفاء الحالة الملاءمة في الطلاق وعقد البيع وقت النداء مع ترتّب البينونة وانتقال الملك عليهما.
نعم ، هذا في العبادات معقول ؛ لأنّ الصحّة فيها لمّا كانت عبارة عن حصول الامتثال وموافقة الأمر ، فالنهي فيها يدلّ على وجود الحالة الملاءمة.
وإن اريد بها حالة مطلقة أعمّ من أن تكون ملائمة ، أو مستتبعة للآثار ، فاقتضاء الصحّة لها مسلّم إلاّ أنّه لا معنى للترديد حينئذ ؛ لأنّ الحالة المستتبعة للآثار لا تعارض حكمة النهي حتّى يقال : إنّها مساوية لها ، أو راجحة عليها ، أو مرجوحة عنها ؛ لعدم التضادّ بينهما.
ومنها : الدليل الثالث (٣).
وقد عرفت جوابه (٤).
ومنها : أنّ ترتّب الآثار على المعاملات ليس أمرا عقليّا ، بل هو بمجرّد جعل الشارع ووضعه ، فهو من قبيل الأحكام الوضعيّة الناقلة عن الأصل ، فلا يحكم به إلاّ مع العلم أو الظنّ الشرعي ، ومع تعلّق النهي لا يحصل شيء منهما.
__________________
(١) راجع : الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٨٠ ، ومنتهى الوصول لابن الحاجب : ١٠٠ و ١٠١ ، والوافية : ١٠١.
(٢) أي الوجه الثاني ، وقد تقدّم في ص ٦٩١.
(٣) قاله ابن الحاجب في منتهى الوصول : ١٠٠.
(٤) تقدّم في ص ٦٩١.