طبيعة كلّيّة يجتمعان في شيء هو فرد لكلّ منهما. ولا شكّ أنّ طبيعة المنهيّ عنه حينئذ عرض مفارق بالنسبة إلى طبيعة المأمور به وإلى هذا الفرد.
مثاله ورد الأمر بمطلق الصلاة ، وتعلّق النهي بمطلق التصرّف في المكان المغصوب ، وهما قد اجتمعا في الصلاة في المكان المغصوب. والتصرّف في المكان عرض مفارق بالنسبة إلى مطلق الصلاة وإلى هذا الفرد.
وإذا لم يجز اجتماع مثل هذا الأمر والنهي ، دلّ النهي على فساد مثل هذه الصلاة. هذا.
وإذا تعلّق النهي بشيء لعينه ، أو جزئه ، أو وصفه اللازم ، أو المفارق من غير أن يكون مأمورا به ، أي لم يتعلّق به أمر يدلّ على الوجوب ، أو الندب ، أو الإباحة عموما ، أو خصوصا ، كالإمساك في يوم وليلة بقصد التقرّب فلا ريب في دلالته على فساده ، ولا يكون عبادة موافقة لأمر الشارع ، ولا معاملة يترتّب عليها الأثر الشرعي ، بل يكون بدعة وضلالة.
وإن كان مأمورا به بأحد الوجوه المذكورة ، فلا بدّ في الأوّل (١) من الجمع إن أمكن ، وإلاّ فالطرح. وكذا في الثاني. وفي الثالث لا بدّ من حمل العامّ على الخاصّ. وفي الرابع من تخصيص أحدهما بالمؤيّدات الخارجيّة ؛ لئلاّ يلزم الاجتماع بوجه ، كما تقدّم مفصّلا (٢).
فإن قيل : إذا لزم من امتناع اجتماع الأمر والنهي دلالة النهي على الفساد ، فأيّ حاجة إلى عقد المسألتين؟
قلت : لا يلزم منه إلاّ دلالة النهي على الفساد في العبادات لا المعاملات ؛ لأنّه اقتضى استحالة اجتماع الوجوب والحرمة بل الإباحة والحرمة حرمة المنهيّ عنه ، وهو عين فساده إذا كان عبادة ، أو مستلزم له لزوما بيّنا ؛ لأنّ فساده عدم كونه مراد الشارع وهو عين الحرمة أو لازمها.
وأمّا المعاملة ، فحرمتها ليست عين فسادها ولا مستلزمة له ؛ لإمكان أن لا تكون مطلوبة للشرع ولكن يترتّب عليها آثارها ، فمطلوب القوم من هذه المسألة بيان دلالة النهي على الفساد السببي (٣) ، أو عدم دلالته عليه.
__________________
(١) أي النهي عن الشيء لعينه.
(٢) تقدّم في ص ٦٨٧.
(٣) تقدّم في ص ٦٨٦ معنى الفساد السببي.