فَاعْبُدُونِ » (١) وهذه هي المعاني المشهورة له بل يشمل من هجر السيئات لأن فضل الهجرة بالمعاني المذكورة إنما هو للبعد عن الكفر والمعاصي ولذا لا فضل لمن هجر منافقا أو كافرا كالمنافقين الغاصبين لحقوق أئمة الدين فإنه لا فضل لهم ولا يعدون من المهاجرين فمن هجر الكفر والسيئات والجهل والضلال مشاركون معهم في الفضل والكمال.
ويحتمل أن يكون المراد أن المهاجرين بالمعاني المذكورة إنما يستحقون هذا الاسم إذا هجروا السيئات على سياق سائر الفقرات.
قال في النهاية الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل وقد هجره هجرا وهجرانا ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية يقال منه هاجر مهاجرة والهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله « إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ » (٢) فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه واله ويدع أهله وماله لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة والهجرة الثانية من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى فهو مهاجر وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة وهو المراد بقوله لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة فهذا وجه الجمع بين الحديثين وفيه هاجروا ولا تهجروا أي أخلصوا الهجرة لله ولا تتشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم انتهى.
وقال الراغب (٣) المهاجرة في الأصل مصارمة الغير ومتاركته من قوله « وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا » (٤) وأمثاله فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى
__________________
(١) العنكبوت : ٥٦.
(٢) براءة : ١١١.
(٣) مفردات غريب القرآن ص ٥٣٧.
(٤) البقرة : ٢١٨.