وأما الاصابع فكلّ واحد منها مخلوقة من ثلاثة عظام تسمّى بالسلاميّات . والسفلانيّة منها أعظم ، والفوقانيّة أدقّ وأصغر على التدريج ليتحسّن نسبة ما بين الحامل والمحمول . وعظامها مستديرة لتتوقّى الآفات ، وجعلت صلبة عديمة التجويف والمخّ مقعّرة الباطن محدّبة الظاهر لتكون أقوى في القبض والضبط والجرّ .
والوسطى أطول ، ثمّ البنصر ، ثمّ السّبابة ، ثمّ الخنصر ، لتستوي أطرافها عند القبض ولا تبقى فرجة ، وليتقعّر هي في الرّاحة ويشتمل على المستدير المقبوض عليه .
ووصلت سلاميّاتها كلّها بحروف ونقر متداخلة بينها رطوبة لزجة ، ليدوم بها الابتلال ولا تجفّفها الحركة . وتشتمل على مفاصلها أربطة قويّة ، وتتلاقى بأغشية غضروفيّة . ويحشو الفرج في مفاصلها لزيادة الاستيثاق عظام صغار تسمّى سمسمانيّة : وجعل باطنها لحميّاً لتتطامن تحت الملاقيات المقبوضة ، ولم يجعل كذلك من خارج لئلّا يثقل ، ولتكون حالة الجمع سلاحاً موجعاً ، ووفّرت لحومها لتهندم جيّداً عند التقاء كالمتلاصق .
ولم تخلق في الأصل لحميّة خالية من العظام وإن كان قد يمكن مع ذلك اختلاف الحركات كما لكثير من الدود والسمك إمكاناً واهياً لئلّا تكون أفعالها واهية وأضعف ما يكون للمرتعشين ، ولم تخلق من عظم واحد لئلّا تكون أفعالها متعسّرة كما يعرض للمكزوزين . (١)
واقتصر على عظام ثلاثة لأنّه إن زيد في عددها وأفاد ذلك زيادة عدد حركات لها أورث لا محالة وهناً وضعفاً في ضبط ما يحتاج في ضبطه إلى زيادة وثاقة ، وكذلك لو خلقت من أقلّ من ثلاثة مثل أن تخلق من عظمين كانت الوثاقة تزداد والحركات تنقص عن الكفاية ، والحاجة إلى التصرّفات المتفنّنة أمسُّ منها إلى الوثاقة المجاوزة للحدّ . ولم يجعل لبعضها عند بعض تحديباً ولا تقعيراً لتكون كأنّها شيء واحد إذا
__________________
(١) المكزوز : المصاب بالكزاز ، وهو داء يعرض من شدّة البرد من أجله لا تنعطف المفاصل .