خصوصاً للناجدين ـ ثلاثة . وأمّا سائر الأسنان فإنّما لها أصل واحد . وإنّما كثرت رؤس الأضراس لكبرها وزيادة عملها وزيدت للعليا لأنّها معلّقة ، والثقل يجعل ميلها إلى خلاف جهة رؤسها ، أمّا السفلى فثقلها لا يضادّ ركزها .
ومن عجيب الخلقة في هيئة الأسنان أنّ الثنايا والرباعيّات تتماسّ ويتلاقى بعضها بعضا في حالة الحاجة إلى ذلك ، وهي عند العضّ على الأشياء ، ولو لم يكن كذلك لم يتمّ العضّ ، وذلك يكون بجذب الفكّ إلى قدّام حتّى تلاقي هذه بعضها بعضاً ، وعند المضغ والطحن يرجع الفكّ إلى مكانه فتدخل الثنايا والرباعيّات التحتانيّة إلى داخل . وتحيد عن موازاة العالية ، فيتمّ بذلك للأضراس وقوع بعضها إلى بعض وذلك أنّه لا يمكن مع تلاقي الثنايا والرباعيّات الفوقانيّة والتحتانيّة أن تتلاقى الأضراس ولعلّ الحكمة فيه أن لا تنسحق إحداهما عند فعل الاُخرى من غير طائل .
وإنّما جعل المتحرّك من الفكّين عند المضغ والتكلّم الأسفل دون الأعلى إلّا نادراً كما في التمساح لأنّه أصغر وأخفّ ، ولأنّ الأعلى مجمع الحواسّ والدماغ فلو تحرّك لتأذَّى الدماغ بحركته وتشوّشت الحواسّ ، ولكان أيضاً مفصل الرأس مع العنق غير وثيق ، والواجب فيه الوثاقة .
وإنّما جعل هذا الفكّ من الإنسان أخفَّ وأصغر من سائر الحيوانات لأنّ أغذية الإنسان لحم وخبز مطبوخ وفواكه نضيجة ، وأمثال ذلك ممّا لا يعسر مضغه وغيره من الحيوانات أغذيتها إمّا حشائش وحبوب واُصول للنبات وأغصان للأشجار ، وإمّا لحوم نيّة (١) وعظام صلبة فاُعطي كلّ عالف (٢) بقدر احتياجه .
واما اللسان فهو مخلوق من لحم أبيض ليّن رخو قد التفّت به عروق صغار كثيرة منها شرايين ومنها أوردة ، وبسببها يحمرّ لونه ، وعند مؤخّره لحم غدديّ يسمّى
__________________
(١) الني ـ بالكسر ـ : اللحم الذي لم تمسه النار ولم ينضج ، وأصله ، « النيء » بالهمزة .
(٢) حالف ( خ ) .