.................................................................................................
______________________________________________________
من قبول النصح وتعلم العلم ، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده وأقاربه حسدا وبغيا عليه.
وأما الرياء فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى أن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد ، ولكن يمتنع من قبول الحق منه خيفة من أن يقول الناس أنه أفضل منه ، وأما معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي أما العلمي فهو أن يعرف نفسه وربه ويكفيه ذلك في إزالته فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل وأقل من كل قليل بذاته ، وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهانة ، وإذا عرف ربه علم أنه لا يليق العظمة والكبرياء إلا بالله ، أما معرفة ربه وعظمته ومجده فالقول فيه يطول وهو منتهى علم الصديقين ، وأما معرفته نفسه فكذلك أيضا يطول ويكفيه أن يعرف معنى آية واحدة من كتاب الله تعالى ، فإن في القرآن علم الأولين والآخرين لمن فتحت بصيرته وقد قال تعالى : « قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ، مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ، ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » (١) فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان وإلى آخر أمره وإلى وسطه ، فلينظر الإنسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية أما أول الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا ، وقد كان ذلك في كتم العدم دهورا ، بل لم يكن لعدمه أول فأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم ، وقد كان كذلك في القدم ، ثم خلقه الله تعالى من أذل الأشياء ثم من أقذرها إذ خلقه من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم جعله عظاما ثم كسى العظام لحما فقد كان هذا بداية وجوده حيث صار شيئا مذكورا ، فما صار مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع ولا يبصر ، ولا يحس ولا يتحرك ولا ينطق ولا يبطش ولا يدرك ، ولا يعلم
__________________
(١) سورة عبس : ١٧ ـ ٢٤.