.................................................................................................
______________________________________________________
وقوله تعالى : « قالُوا بَلى » يريد به أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، ودلائل حدثهم اللازمة لهم ، وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدثهم ووجود محدثهم قال لهم ألست بربكم فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كانوا كقائلين « بَلى شَهِدْنا » ، وقوله تعالى « أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا : إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ » ، ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكاره ، ولا يستطيعون وقد قال سبحانه :
« وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ » (١) ولم يرد أن المذكور يسجد كسجود البشر في الصلاة ، وإنما أراد به غير ممتنع من فعل الله فهو كالمطيع لله وهو معبر عنه بالساجد قال الشاعر :
بجمع تظل البلق في حجراته |
|
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر |
يريد أن الحوافر تدل الأكم بوطئها عليها ، وقوله تعالى : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » (٢) وهو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ، ولا السماء قالت قولا مسموعا ، وإنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها ولم يتعذر عليه صنعتها ، فكأنه لما خلقها قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، فلما تعلقتا بقدرته كانتا كالقائل أتينا طائعين ، وكمثل قوله تعالى : « يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ » (٣) والله تعالى يجل عن خطاب النار وهو مما لا يعقل ولا يتكلم ، وإنما الخبر عن سعتها وأنها لا تضيق بمن يحلها من المعاقبين ، وذلك كله على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ، ألا
__________________
(١) سورة الحجّ : ١٨.
(٢) سورة فصّلت : ١١.
(٣) سورة ق : ٣٠.