المصيبات ومن راقب الموت سارع إلى الخيرات واليقين على أربع شعب ـ تبصرة الفطنة وتأول الحكمة ومعرفة العبرة وسنة الأولين فمن أبصر الفطنة عرف الحكمة
______________________________________________________
وكون الصبر عليها أشق وأفضل كما سيأتي في الخبر ، أو لأن فعل الطاعات أيضا داخلة فيهما فإن المانع عن الطاعات غالبا الاشتغال بالشهوات النفسانية ، فالسلو عنها يستلزم فعلها ، بل لا يبعد أن يكون الغرض الأصلي من الفقرة الأولى ذلك بل يمكن إدخال فعل الواجبات في الفقرة الثانية ، لأن ترك كل واجب محرم ويدخل ترك المكروهات وفعل المندوبات في الفقرة الأولى.
« واليقين على أربع شعب تبصرة الفطنة » وفي النهج والتحف على تبصرة ، والتبصرة مصدر باب التفعيل ، والفطنة الحذق وجودة الفهم ، وقال ابن ميثم : هي سرعة هجوم النفس على حقائق ما تورده الحواس عليها وقال : تبصرة الفطنة أعمالها.
أقول : يمكن أن تكون الإضافة إلى الفاعل ، أي جعل الفطنة الإنسان بصيرا أو إلى المفعول أي جعل الإنسان الفطنة بصيرة ، ويحتمل أن تكون التبصرة بمعنى الإبصار والرؤية فرؤيتها كناية عن التوجه والتأمل فيها وفي مقتضاها ، فالإضافة إلى المفعول وحمله على الإضافة إلى الفاعل محوج إلى تكلف في قوله : فمن أبصر الفطنة.
« وتأول الحكمة » التأول والتأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء ، وقيل : أول الكلام وتأوله أي دبره وقدره وفسره ، والحكمة العلم بالأشياء على ما هي عليه ، فتأول الحكمة التأول الناشئ من العلم والمعرفة ، وهو الاستدلال على الأشياء بالبراهين الحقة وقال ابن ميثم : هو تفسير الحكمة واكتساب الحقائق ببراهينها ، واستخراج وجوه الفضائل ومكارم الأخلاق من مظانها ككلام يؤثر أو غيره يعتبر ، وقال الكيدري : تأول الحكمة هو العلم بمراد الحكماء فيما قالوا ، وأولي الحكمة بأن يعلم قول الله ورسوله قال تعالى : « وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » (١).
« ومعرفة العبرة » وفي سائر الكتب : وموعظة العبرة ، والعبرة ما يتعظ به
__________________
(١) سورة الجمعة : ٢.