سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ » (١) يعني بالجلود الفروج والأفخاذ وقال « وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً » (٢) فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عز وجل وهو عملهما وهو من الإيمان وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله
______________________________________________________
وأدى بكم إلى الكفر « فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ » أي فظللتم من جملة من خسرت تجارته ، لأنكم خسرتم الجنة وخضتم في النار ، انتهى.
فإن قيل : هذه الآيات في السور المكية وكذا قوله : « وَلا تَقْفُ » إلخ ، كما مر في الخبر السابق فكيف صار أعمال الجوارح فيها جزءا من الإيمان ، وكيف يوعد عليها.
قلت : لعل الوعيد فيها باعتبار كفرهم وشركهم لأنها تدل على أنهم إنما فعلوا ذلك كفر بالله واستهانة بأمره وظنهم أنه سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون فالوعيد على شركهم وإتيانهم بتلك الأعمال من جهة الاستخفاف والاستحلال وقفوا ما ليس لهم به علم كان في أصول الدين مع أنه قد مر أنه ليس فيها وعيد بالنار وكون جميع آيات حم مكية لم يثبت لعدم الاعتماد على قول المفسرين من العامة ، ويحتمل أن يكون الغرض هنا محض كون الأعمال متعلقة بالجوارح وأن لها مدخلا في الإيمان وإن كان مدخليتها في كماله ، والمقصود في الخبر السابق كان أمرا آخر ، وكذا الكلام في قوله : « وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً » فإنها أيضا مكية.
قوله : إلى ما حرم الله ، مثل القتل والضرب والنهب والسرقة وكتابة الجور والكذب والظلم ومس الأجانب ونحوها « وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم » إذ إيصال الصدقة إلى الفقراء والخير إلى الأقرباء والضرب والبطش والقتال في الجهاد والطهور للصلاة من فروض اليد ، وقيل : يفهم منه وجوب استعمال اليد في غسل الوجه ، وهو إما لأنه الفرد الغالب أو لأنه فرد الواجب التخييري.
__________________
(١) سورة فصّلت : ٢٢.
(٢) سورة الإسراء : ٣٦.