.................................................................................................
______________________________________________________
عوف ومعاذ وناس إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا رسول الله كلفنا من العمل ما لا نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وإنه لذنب؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل « سَمِعْنا وَعَصَيْنا* » فقولوا « سَمِعْنا وَأَطَعْنا » فقالوا : سمعنا وأطعنا واشتد ذلك عليهم فمكثوا في ذلك حولا فأنزل الله تعالى : « لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها » فنسخت هذه الآية فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعلموا أو تكلموا به.
واعلم أن محل البحث في هذه الآية أن قوله : « إِنْ تُبْدُوا » يتناول حديث النفس والخواطر الفاسدة التي ترد على القلب ولا يتمكن من رفعها ، فالمؤاخذة بها تجري مجرى تكليف ما لا يطاق ، والعلماء أجابوا عنه من وجوه :
الأول : أن الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين فمنها ما يوطن الإنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في الوجود ، ومنها ما لا يكون كذلك بل يكون أمورا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها ولكنه لا يمكنه دفعها عن نفسه ، فالقسم الأول يكون مؤاخذا به ، والثاني لا يكون مؤاخذا به ، ألا ترى إلى قوله تعالى : « لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ » (١) وقال في آخر هذه السورة « لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ » وقال : « إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ » (٢) هذا هو الجواب المعتمد.
الوجه الثاني : أن كل ما كان في القلب مما لا يدخل في العمل فإنه في محل العفو ، وقوله : « وَإِنْ تُبْدُوا » إلخ ، فالمراد منه أن يدخل ذلك العمل في الوجود إما ظاهرا أو على سبيل الخفية ، وأما ما يوجد في القلب من العزائم والإرادات ولم يتصل بالعمل فكل ذلك في محل العفو ، وهذا الجواب ضعيف لأن أكثر المؤاخذات إنما يكون
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٢٥.
(٢) سورة النور : ١٩.