.................................................................................................
______________________________________________________
الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » (١) وقال : « وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ » (٢) وقال تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام لفرعون : « لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » (٣) فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو معرفته وبين التصديق ليصح كون الأول حاصلا للمعاندين دون الثاني ، وكون الثاني إيمانا دون الأول ، فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب ، وضد المعرفة النكارة والجهالة ، وإليه أشار الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم ، فإنه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة وفصل بعضهم زيادة التفصيل ، وقال : التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من أخبار المخبر وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق ، ولهذا يؤمر ويثاب عليه بل يجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر ، وحققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال : المعتبر في الإيمان هو التصديق الاختياري ، ومعناه نسبة التصديق إلى المتكلم اختيارا وبهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور ، فإنه قد يخلو عن الاختيار كما إذا ادعى النبي النبوة وأظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه ضرورة ، من غير أن ينسب إليه اختيارا فإنه لا يقال في اللغة أنه صدقه فلا يكون إيمانا شرعيا ، كيف والتصديق مأمور به فيكون فعلا اختياريا زائدا على العلم لكونه كيفية نفسانية أو انفعالا وهو حصول المعنى في القلب ، والفعل القلبي ليس كذلك بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلام النفس ، ويسمى عقد القلب فالسوفسطائي عالم بوجود النهار وكذا بعض الكفار بنبوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لكنهم ليسوا بمصدقين لأنهم لا يحكمون اختيارا بل ينكرون.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٤٦.
(٢) سورة البقرة : ١٤٤.
(٣) سورة الإسراء : ١٠٢.