من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون فقال لأصحاب اليمين إلى الجنة بسلام وقال لأصحاب الشمال إلى النار ولا أبالي ثم أمر نارا فأسعرت فقال لأصحاب الشمال ادخلوها فهابوها فقال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فقال « كُونِي بَرْداً وَسَلاماً » فكانت بردا وسلاما فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا ـ فقال قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة والمعصية ـ فلا يستطيع هؤلاء
______________________________________________________
وقوله : فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر ، أي لأجل ما قرر في الإنسان من جهتي الخير والشر ترى الأب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي الخير وزاجرا للشهوات فيصير من الأخيار ، والابن يتبع الهوى والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الأشرار مع نهاية الارتباط بينهما.
وقوله : ولا يستطيع هؤلاء ، أي لا يتخلف ما علم الله تعالى منهم ، لكن لا يختارونها إلا باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم.
هذا ما خطر بالبال على وجه الاحتمال والله يعلم غوامض أسرارهم عليهالسلام.
وقال بعض أهل التأويل عبر عن المادة تارة بالماء وأخرى بالتربة لاشتراكهما في قبول الأشكال ، ولاجتماعهما في طينة الإنسان وتركيب خلقته ، وأديم الأرض وجهها وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء الإنسان ويحصل منه النطفة أو تتربى به ، والعرك : الدلك وكأنه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة ، والذر : النمل الصغار ووجه الشبه الحس والحركة وكونهم محل الشعور مع صغر الجثة والخفاء ، وهذا الخطاب إنما كان في عالم الأمر ولشدة ارتباط الملك بالملكوت وقوامه به جاز إسناد مادته إليه وإن كان عالم الأمر مجردا عن المادة واجتماعهم في الوجود عند الله تعالى إنما هو لاجتماع الأجسام الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم الأمر وإن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة في عالم الخلق ووجودهم في عالم الأمر وجود ملكوتي ظلي ينبعث من حقيقة هذا الوجود الخلقي الجسماني وهو صورة علمه سبحانه بها وعبر عنه بالظلال في حديث آخر ، وأمره تعالى إياهم