عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي وكن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم أخذ طينا
______________________________________________________
وعلى قدر اختلافها يتفاوتون ، فتام الرواء ناقص العقل وماد القامة قصير الهمة وزاكي العمل قبيح المنظر وقريب القعر بعيد السبر ومعروف الضريبة منكر الجليبة وتائه القلب متفرق اللب وطليق اللسان حديد الجنان.
وقال ابن ميثم في قوله عليهالسلام : إنما فرق بينهم « إلخ » أي تقاربهم في الصور والأخلاق تابع لتقارب طينهم وتقارب مباديه وهي السهل والحزن ، والسبخ والعذب وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة وقال أهل التأويل : الإضافة بمعنى اللام أي المبادئ لطينهم كناية عن الأجزاء العنصرية التي هي مبادئ المركبات ذوات الأمزجة ، أو السبخ كناية عن الحار اليابس والعذب عن الحار الرطب والسهل عن البارد الرطب ، والحزن عن البارد اليابس ، انتهى.
وأقول : لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي ، والماء الأجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنية واللذات الجسمانية من البدن وما ركب فيه من الدواعي إلى الشهوات ، ويكون مزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان ، فقوله : أخلق منك ، أي من أجلك جنتي وأهل طاعتي ، إذ لو لا ما في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد ، ولم يصر أحد مطيعا له تعالى ، وكذا قوله : أخلق منك ناري إذا لو لا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ، ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور ثم لإظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر ، وميز من علم منهم الإيمان ممن علم منهم خلافه ، وكلفهم بدخول النار ليعلموا قبل التكليف في عالم الأجساد أن ما علم منهم مطابق للواقع « فثم ثبتت الطاعة والمعصية » وعلم الملائكة من يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في الألواح مطابقا لعلمه تعالى.