.................................................................................................
______________________________________________________
حين كلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره بالمقدمات ، وكلما أجابوا به فهو جوابنا ، ولا مخلص لهم إلا أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي فيبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالى غير ممكن ، أو سمعي فكذلك.
فإن قيل : ربما يحصل العلم لبعض الناس بتصفية النفس أو إلهامه إلى غير ذلك فيقلده الباقون؟ قلنا : هذا أيضا يبطل قولكم إن العلم بالله تعالى غير ممكن ، نعم ما ذكروه يصلح أن يكون دليلا على امتناع المعرفة بالسمع فيكون حجة على الأشاعرة لا دليلا على وجوب التقليد.
واحتجوا أيضا بأن النهي عن النظر قد ورد في قوله تعالى : « ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » (١) والنظر يفتح باب الجدال فيحرم ، ولأنه عليهالسلام رأى الصحابة يتكلمون في مسألة القدر فنهاهم عن الكلام فيها ، وقال : إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا ، ولقوله عليهالسلام : عليكم بدين العجائز ، والمراد ترك النظر ، فلو كان واجبا لم يكن منهيا عنه.
وأجيب عن الأول بأن المراد الجدال بالباطل كما في قوله تعالى : « وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ » (٢) لا الجدال بالحق لقوله تعالى : « وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (٣) والأمر بذلك يدل على أن الجدال مطلقا ليس منهيا عنه ، وعن الثاني بأن نهيهم عن الكلام في مسألة القدر على تقدير تسليمه لا يدل على النهي عن مطلق النظر ، بل عنه في مسألة القدر ، كيف وقد ورد الإنكار على تارك النظر في قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ » (٤) وقد أثنى على فاعله في قوله
__________________
(١ و ٢) سورة غافر : ٤ ـ ٥.
(٣) سورة النحل : ١٢٥.
(٤) سورة الروم : ٨.