قلت : جعلت فداك خلفته في عافية أنا من أقرب الناس عهدا به عهدي به منذ عشرة أيام قال فقال لي إن أهل المدينة يقولون إنه مات فلما أن قال لي الناس علمت أنه هو ثم قال لي ما فعل جعفر قلت تركته أسوأ الناس حالا في السجن قال فقال أما إنه صاحب الأمر ما فعل ابن الزيات قلت جعلت فداك الناس معه والأمر أمره قال فقال أما إنه شؤم عليه قال ثم سكت
______________________________________________________
واستصفى أمواله وأملاكه في جميع البلاد ، وكان شديد الجزع كثير البكاء ثم سوهر وكان ينخس بمسيلة (١) لئلا ينام ، ثم ترك فنام يوما وليلة ثم سوهر ، ثم جعل في تنور كان عمله هو وعذب به ابن أسباط المصري وأخذ ماله ، وكان من خشب فيه مسامير من حديد أطرافها إلى داخل التنور تمنع من يكون فيه من الحركة ، وكان ضيقا بحيث إن الإنسان كان يمد يديه إلى فوق رأسه ليقدر على دخوله لضيقه ، ولا يقدر أن يجلس فبقي أياما ومات ، وكان حبسه لتسع خلون من صفر وموته لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول.
واختلف في سبب موته فقيل ما ذكرناه ، وقيل : بل ضرب فمات وهو يضرب ، وقيل : مات بغير ضرب وهو أصح ، وقيل إنه لما دفن نبشته الكلاب وأخذت لحمه وسمع قبل موته يقول لنفسه : يا محمد لم تقنعك النعمة والدواب والدار النظيفة والنعمة والكسوة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذق ما عملت بنفسك ، ثم سكت عن ذلك وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله عز وجل.
وكان ابن الزيات صديقا لإبراهيم الصولي ، فلما ولي الوزارة صادرة بألف ألف وخمسمائة درهم ، انتهى.
قوله « خلفته » أي في سر من رأى ، واللام في الناس للعهد الخارجي أي أهل المدينة والحاصل أنه لما نسب القول إلى أهل المدينة ولم يعين أحدا علمت أنه تورية ، ويقول ذلك بعلمه بالمغيبات « صاحب الأمر » أي الملك والخلافة.
__________________
(١) نخس الدابّة وغيرها : غرز جنبها أو مؤخرها بعود ونحوه فهاجت. والمسيل : الجريد الرطب.