ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

ويجب البدأة بأعلى الوجه الى آخر الذقن ـ في الأصح ـ فلو نكس بطل ، لصحيح زرارة بن أعين ، قال : حكى لنا (١) أبو جعفر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا بقدح وماء ، فادخل يده اليمنى وأخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ، ثم مسح بيده الحاجبين جميعا ، ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى ، ثم مسح جوانبها ثم أعاد اليمنى في الإناء ، ثمّ صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ، ثم مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدها في الماء (٢).

ولأن الوضوء الذي وقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيانا وقال : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » (٣) ـ اي : بمثله ـ يمتنع ان يكون البدأة فيه بغير الأعلى ، وإلاّ لما جازت البدأة بالأعلى.

والمرتضى وابن إدريس : يستحبّ ، فيصح النكس (٤) ، للعموم ، ولصحيح حماد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (٥).

قلنا : العموم يخصّ بدليل ، والمسح غير الغسل.

وهنا مباحث :

الأول : هذا التقدير للأغلب من الناس ، فغيره ـ كالأنزع (٦) والأغم (٧) وطويل الأصابع وقصيرها ـ يرجع الى الأغلب ، حملا للّفظ على الحقيقة العرفية ، مع التمسّك بأصل البراءة في الزائد ، وبشغل الذمة في الناقص.

__________________

(١) في م ، س : لي.

(٢) التهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧١ ، وفي الكافي ٣ : ٢٤ ح ١ بتفاوت.

(٣) السنن الكبرى ١ : ٨٠.

(٤) الانتصار : ١٦ ، المسائل الموصلية ١ : ٢١٣ ، السرائر : ١٧.

(٥) التهذيب ١ : ٥٨ ح ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٩.

(٦) الأنزع : هو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته ، الصحاح ـ مادة نزع.

(٧) الأغم : من الغمم ، وهو أن يسيل الشعر حتى تضيق الجبهة أو القفا ، الصحاح ـ مادة غمم.

١٢١

الثاني : قال الفاضلان : لا يجب غسل العذار ، لعدم تناول اللّفظ له ، وللأصل : وأولى منه البياض الذي بين الاذن والعذار (١).

وفي المبسوط : واهداب العينين والعذار والشارب والعنفقة إذا غسلها أجزأه ، ولا يجب عليه إيصال الماء الى ما تحتها (٢).

وفي الخلاف : لا يجب إيصال الماء إلى أصل شي‌ء من شعر الوجه ، مثل : شعر الحاجبين ، والأهداب ، والعذار ، والشارب ، بالإجماع (٣).

وابن أبي عقيل ـ لما ذكر حدّ الوجه ـ قال : وما سوى ذلك من الصدغين والأذنين فليس من الوجه ، ولم يذكر العذار فإطلاقه قد يشمله.

وقال ابن الجنيد : وكلّ ما أحاط به الشعر وستره من بشرة الوجه ، اعني : شعر العارضين والشارب والعنفقة والذقن ، فليس على الإنسان إيصال الماء اليه بالتخليل ، وانّما عليه إجراء الماء على الوجه والساتر له من الشعر.

وظاهر هذه العبارات وجوب غسل العذار.

قلت : العذار : ما حاذى الاذن يتّصل أعلاه بالصدغ ، وأسفله بالعارض. والعارض : الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأذن نابتا على اللحية ، والذقن تحته : وهو مجمع اللحيين. والعنفقة : الشعر الذي على الشفة السفلى بين بياضين غالبا. والصدغ : ما حاذى العذار فوقه.

وقد تضمّنت الرواية المشهورة سقوط غسله (٤) وفيها إيماء إلى سقوط غسل العذار (٥) مع أنّ الإبهام والوسطى لا يصلان اليه غالبا ، ومع ذلك فغسل العذار أولى أخذا بالاحتياط ، ولأنّ العارض يجب غسله قطعا وهو متّصل بالعذار وقريب‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٤١ ، منتهى المطلب ١ : ٥٧ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠.

(٣) الخلاف ١ : ٧٧ المسألة ٢٥. وفيه زيادة : والعنفقة.

(٤) اي الصدغ.

(٥) تقدّمت في ص ١٢١ الهامش ٢.

١٢٢

من محاذاته. وكذا شعر الخدّين يجب غسله مع اتصال العذار به ، ولعدم مفصل يقف الغسل عليه دون العذار.

وظاهر الراوندي ـ في الأحكام ـ غسل الصدغين (١) والرواية تنفيه.

الثالث : لا يجب غسل النزعتين ـ وهما : البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين ـ كما لا يجب غسل الناصية ، ولأنّ القصاص غالبا في حدّ التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس ، لأن ميل الرأس إلى التدوير والنزعتان والناصية في محل التدوير.

أما مواضع التحذيف ـ بالذال المعجمة ، وهو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة ، أو ما بين الصدغ والنزعة ، وتحذف النساء والمترفون الشعر منه ـ فالأحوط انّها من الوجه ، لاشتمال الإصبعين على طرفها غالبا ، ولوقوعها في التسطيح والمواجهة. وقطع في التذكرة بعدمه ، لنبات الشعر عليه متّصلا بشعر الرأس (٢) ولقضية الأصل ، وما أشبهها بالعذار فلتكن بحكمه.

والعجب أنّ العامة مجمعة على إدخال العذارين في الوجه ، ومختلفون في مواضع التحذيف ، قال كثير منهم بعدم دخولها (٣) مع محاذاتها العذارين ودخولها في التسطيح ، وهذا يضعف التحديد بالتسطيح. وعلى كل حال يجب عندنا غسل ما ناله الإصبعان منها غالبا.

ولا يرد على تحديد الوجه : داخل العين والفم والأنف ، لعدم وجوب غسلها قطعا ، لأنّ المراد ظاهر ما بين القصاص ومنتهى الذقن ، ولهذا ينتقل الفرض الى الشعر النابت على الوجه.

وبالتحديد يخرج المسترسل من اللحية طولا وعرضا ، فلا يجب غسله ، ولا إفاضة الماء على ظاهره ، لعدم اتصاف فاقد اللّحية بنقص الوجه. والخبر عن النبي‌

__________________

(١) فقه القرآن ١ : ١٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.

(٣) راجع : المجموع ١ : ٣٧١ ، المغني ١ : ١٢٨ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦.

١٢٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه رأى رجلا غطّى لحيته وهو في الصلاة ، فقال : « اكشف لحيتك ، فإنّها من الوجه » (١) ضعّفه العامة ، ولو سلّم حمل على غير المسترسل منها.

الرابع : المشهور عدم وجوب تخليل الشعر النابت على الوجه ، خفّ كلّه أو كثف كلّه أو تبعّض ، لرجل كان أو لامرأة ، حتى لا يجب تخليل لحية المرأة ، نصّ على ذلك كلّه (٢) : الشيخ في المبسوط (٣) وصاحب المعتبر ، لأنّ الوجه اسم لما يواجه به ظاهرا فلا يتتبع (٤) غيره.

ولصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ رواه الصدوق ـ : « كلّ ما أحاط به الشعر ، فليس على العباد أن يطلبوه ، ولا أن يبحثوا عنه ، لكن يجرى عليه الماء » ، وهو شامل للمدعى (٥).

وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يتوضأ أيبطّن لحيته؟ قال : « لا » (٦).

ولما يأتي إن شاء الله من حديث المرّة في الوضوء.

وما رووه : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ فغرف غرفة غسل بها وجهه (٧) ولا يبلغ ماء الغسلة الواحدة أصول الشعر وخصوصا مع الكثافة ، مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كثّ اللحية كما وصفه به علي عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) تلخيص الحبير ١ : ٣١٨.

(٢) ليست في س.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠ ، ٢٢.

(٤) في س ، ط : يتبع.

(٥) المعتبر ١ : ١٤٢.

وصحيح زرارة في الفقيه ١ : ٢٨ ح ٨٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ح ١٠٨٤.

(٧) صحيح البخاري ١ : ٤٧ ـ ٤٨ ، سنن أبي داود ١ : ٣٤ ح ١٣٧ ، سنن النسائي ١ : ٧٤.

(٨) أمالي الطوسي ١ : ٣٥٠ ، ونحوه في مسند أحمد ١ : ١١٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ : ٧٤ ح ٦٢٧٨.

١٢٤

ولان كل شعرة تستر ما تحتها ضرورة فلا يجب غسله كالساتر للجميع لقيام المواجهة فيه.

وابن الجنيد ذكر ما مضى ، ثم قال : ومتى فرجت اللحية ، فلم تكن تتوارى بنباتها البشرة من الوجه ، فعلى المتوضّئ غسل الوجه كما كان قبل أن ينبت الشعر ، حتى يستيقن وصول الماء الى بشرته التي يقع عليها حسّ البصر إمّا بالتخليل أو غيره ، لأنّ الشعر إذا ستر البشرة قام مقامها فإذا لم يسترها كان على المتطهّر إيصال الماء إليها (١).

وقال المرتضى : ومن كان ذا لحية كثيفة تغطّي بشرة وجهه ، فالواجب عليه غسل ما ظهر من بشرة وجهه ، وما لا يظهر ممّا تغطيه اللحية لا يلزم إيصال الماء اليه ، ويجزئه إجراء الماء على اللحية من غير إيصال إلى البشرة المستورة. ثم حكى عن الناصر وجوب غسل العذار بعد نبات اللّحية كوجوبه قبل نباتها ، قال ـ رحمه‌الله ـ : هذا غير صحيح ، والكلام فيه قد بينّاه في تخليل اللحية ، والكلام في المسألتين واحد ، لأنّا قد بينّا انّ الشعر إذا علا البشرة انتقل الفرض اليه (٢).

فحمل الفاضل ـ رحمه‌الله ـ كلامهما في التذكرة على وجوب تخليل الشعر الخفيف ، سواء كان الغالب فيه الخفة والكثافة نادرة كما عدا اللحية أو لا كاللّحية. وأوجب غسل الشعر الساتر ومنبته ، وحكم بأنّ غسل أحدهما لا يجزئ عن الآخر (٣).

وكلامهما يحتمل قصر الوجوب على غسل البشرة التي لا شعر عليها ، كقول ابن الجنيد : التي يقع عليها حسّ البصر ، وكلام السيد أظهر في المراد ، وذلك غير التخليل بالتفسير الذي ذكره ، ولا يخالف الشيخ (٤) والجماعة فيه. وفي المختلف‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢١.

(٢) الناصريات : ٢٢٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.

(٤) المبسوط ١ : ٢٠.

١٢٥

ظاهره ما فسرنا كلامهما به ، لأنّه احتجّ عليه بوجوب غسل الوجه ، وإنّما ينتقل الفرض إلى اللحية مع الستر لأنّه يواجه بها حينئذ ، أمّا مع رؤية الوجه فإنّ المواجهة به دون اللحية (١). وهذا غير صريح في وجوب غسل ما تحت الشعر الساتر ، إنّما هو صريح في وجوب غسل ما لا شعر فيه من الوجه.

وما في التذكرة مع مخالفته ظاهر الأصحاب يخالف مشهور العامة أيضا (٢) ، لأنّ الضابط عندهم أنّ ما عدا شعر اللحية يجب تخليله وإن كثف ، فيجب غسل بشرته وشعره لندور الكثافة فيه فيلحق بالغالب ، ولأنّ بياض الوجه محيط به ، إمّا من كلّ جانب ـ كالحاجبين والأهداب ـ أو من جانبين ـ كالعذارين والشاربين ـ ، فيجعل موضعها تبعا لما تحيط به.

وشعر اللحية يجب تخليله مع الخفّة لا مع الكثافة. ونعني بالخفيف : ما تتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب ، أو ما يصل الماء الى منبته من غير مبالغة ، وقد يؤثّر الشعر في أحد الأمرين دون الآخر بحسب السبوطة والجعودة. والكثيف يقابله في الأمرين.

ولو كان بعض الشعر خفيفا وبعضه كثيفا وفّي مقتضى كلّ عليه ، على القول بالتخليل.

الخامس : إذا لم نقل بوجوب التخليل ، فالأولى : استحبابه استظهارا ولو مع الكثافة ، لما رووه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله (٣).

وروينا في الجعفريات انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أمرني جبرئيل عن ربي أن اغسل فنيكيّ عند الوضوء » (٤). وهما جانبا العنفقة ، أو طرف اللحيين عندها. وفي الغريبين : مجمع اللحيين ووسط الذقن. وقيل : هما العظمان‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢٢.

(٢) راجع : الام ١ : ٢٥ ، المغني ١ : ١٢٨ ، مغني المحتاج ١ : ٥١ ، بدائع الصنائع ١ : ٣.

(٣) السنن الكبرى ١ : ٥٤.

(٤) الجعفريات : ١٨.

١٢٦

الناشزان أسفل من الأذنين. وقيل : هما ما يتحركان من الماضغ دون الصدغين (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه كان ينضح غابته (٢). وهي : الشعر تحت الذقن. وانّ عليا عليه‌السلام كان يخلّل لحيته (٣).

وما مر ممّا يدل على نفي التخليل يحمل على نفي الوجوب جمعا بين الأخبار.

وحينئذ بطريق الأولى استحباب إفاضة الماء على ظاهر اللحية طولا وعرضا ، وصرح به ابن الجنيد.

وفي خبر زرارة الصحيح عن الباقر عليه‌السلام في حكاية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثم غمس كفه في الماء ، ثم وضعه على جبينه وسيّله على أطراف لحيته ، ثم أمرّ يده على وجهه وظاهر جبينه مرة واحدة » (٤). وفي الكافي : « وسدله على أطراف لحيته » (٥). والأول رواية ابن بابويه.

وفي التذكرة اختار استحباب تخليل اللحية الكثيفة ، واستحباب إكثار الماء للوجه ، عملا بما رووه عن علي عليه‌السلام من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

واستحباب مسح المأقين بالإصبعين لإزالة الرّمص ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦). قلت : رواه من فعله أبو امامة ، ولم أره من طريقنا ولكنه حسن‌

__________________

(١) لاحظ : لسان العرب وتاج العروس مادة ـ فنك ـ والغريبين : مخطوط.

(٢) الجعفريات : ١٨.

(٣) الجعفريات : ١٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٤.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.

ورواية علي عليه‌السلام في سنن أبي داود ١ : ٢٩ ح ١١٧.

وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه أحمد في مسنده ٥ : ٢٥٨ ، أبو داود في سننه ١ : ٣٣ ح ١٣٤ ، البيهقي في سننه ١ : ٦٦.

١٢٧

للاستظهار ، ولو حال الرمص بين الماء والبشرة الظاهرة وجب.

والمأق : طرف العين الذي يلي الأنف ، يهمز ولا يهمز ، ويقال.

وغيره ، وست لغات أخر. والطرف الأخر للعين اللّحاظ.

ولا يستحب غسل باطن العين للأصل ، بل ربّما كره للأذى. وفعل ابن عمر ليس بحجّة ، مع انه روي أنّه عمي منه (١).

السادس : لا يستحب غسل الأذنين ولا مسحهما ، بل هو بدعة ، قاله المفيد (٢).

وقد روى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قلت : انّ أناسا يقولون أنّ بطن الأذنين من الوجه ، وظهرهما من الرأس! فقال : « ليس عليهما غسل ، ولا مسح » (٣).

وفي رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : « الأذنان ليستا من الوجه ، ولا من الرأس » (٤).

وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الأذنان من الرأس » (٥) لم يثبت ، ولو صحّ لم يدلّ على مسحهما ، لاختصاص المسح بالمقدّم كما يأتي إن شاء الله واما رواية عليّ بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام من كونهما من الرأس فتمسحان (٦) فهي تقية في النقل والفعل ، إذ قد علم ضرورة من مذهب أهل البيت خلاف ذلك.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه‌

__________________

(١) احكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٦٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦.

(٢) المقنعة : ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٦ ، ٩٤ ح ٢٤٩ ، الاستبصار ١ : ٦٣ ح ١٨٧.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩ ح ٢.

(٥) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٧ ، مسند أحمد ٥ : ٢٥٨ ، ٢٦٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٢ ح ٤٤٤ ، سنن أبي داود ١ : ٣٣ ح ١٣٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٧.

(٦) التهذيب ١ : ٦٢ ح ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٦٣ ح ١٨٨.

١٢٨

وبصره » (١) لا يدلّ على أنّهما من الوجه الذي يجب غسله ، لأنّ الإضافة تصدق بالمجاورة.

السابع : لو غسل الشعر ثم زال لم يفسد الوضوء ، فإذا أحدث عاد الفرض إلى البشرة. والأقرب : وجوب غسل جزء من كل حدّ الوجه ، لتوقّف الواجب عليه.

الثامن : لا بدّ في الغسل من الجريان ، لتبعيّة الاسم له. وعليه تحمل روايات الدهن :

كرواية يعقوب بن عمار عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه : « انّ عليا عليه‌السلام كان يقول : الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدّهن الذي يبلّ الجسد » (٢).

ورواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام في غسل الجنابة : « إنّما يكفيك مثل الدّهن » (٣).

ورواية زرارة ومحمد بن مسلم عنه عليه‌السلام : « انما الوضوء حدّ من حدود الله ، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، فإنّ المؤمن لا ينجسه شي‌ء إنّما يكفيه مثل الدّهن » (٤).

وانما حملنا الدّهن على الجريان توفيقا بينه وبين مفهوم الغسل ، ولأنّ أهل اللغة يقولون : دهن المطر الأرض إذا بلّها بلا يسيرا.

وقيّد الشيخان ـ رحمهما الله ـ إجزاء الدّهن بالضرورة من برد أو عوز الماء (٥)

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٥٣٤ ح ٧٧١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٥ ح ١٠٥٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٦٠ ح ١٤١٤ ، الجامع الصحيح ٢ : ٤٧٤ ح ٥٨٠ ، سنن النسائي ٢ : ٢٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ ح ٤١٤ ، عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨٤.

(٤) الكافي ٣ : ٢١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٧.

(٥) المقنعة : ٦ ، النهاية : ١٥.

١٢٩

لرواية محمّد الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماء ، وإلاّ فإنّه يكفيك اليسير » (١). ولعلّهما أرادا به ما لا جريان فيه أو الأفضلية كمنطوق الرواية.

التاسع : قال المرتضى ـ رحمه‌الله ـ : لا يجب الدّلك في غسل الأعضاء ، لصدق الغسل بدونه (٢).

ويلوح من كلام ابن الجنيد وجوب إمرار اليد على الوجه (٣) لحكاية وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ولأنّه المعهود في الغسل.

قلنا : لا ريب أنّه الغالب في الاستعمال ، ولا يلزم منه الوجوب ، مع أنّه قال في موضع آخر : يوصل الماء الى العضو بالصب أو الغمس ، قاله في الجبائر.

تنبيه :

قال في البشرى : لو غمس العضو في الماء لم يمسح بمائه ، لما يتضمن من بقاء آن بعد الغسل يلزم منه استئناف ، قال : ولو نوى الغسل بعد خروجه من الماء أجزأ ، إذ على العضو ماء جار فيحصل به الغسل.

ويمكن أن يقال : المراد بماء الوضوء الممسوح به ما تخلّف بعد الحكم بالغسل ، والعضو الخارج من الماء محكوم بغسله ، وأجزاء الغسل بعد الإخراج بعيد ، لعدم صدق اسم الغسل عليه ، ومع ذلك منعه من المسح قوي.

الواجب الثالث : غسل اليدين.

وهو بالنص والإجماع. ويجب غسل المرفقين إجماعا ـ الاّ من شذّ من‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٨.

(٢) الناصريات ٢٢١ المسألة ٣٢.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤ ح ١ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤ ، التهذيب ١ : ٧٥ ح ١٩٠.

١٣٠

العامة (١) ـ لقوله تعالى ( إِلَى الْمَرافِقِ ) (٢) ومجي‌ء « إلى » بمعنى : ( مع ) كثير ، فيحمل عليه توفيقا بينه وبين فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، ولأن الغاية حيث لا مفصل محسوس تدخل في المغيا ، ولدخول الحدّ المجانس في الابتداء والانتهاء ، مثل : بعت الثوب من هذا الطرف الى هذا ، ولرواية جابر : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه (٣).

وروي : أنّه أدار الماء على مرفقيه ، ثم قال : « هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » (٤).

وروينا عن بكير وزرارة ابني أعين أنّهما سألا الباقر عليه‌السلام عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا بطست أو بتور فيه ماء فغسل كفّيه ، ثم غمس كفه اليمنى في التور ، فغسل وجهه واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه ، ثم غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء ، فغسل به اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يرد الماء إلى المرفقين ، ثم غمس يده اليمنى فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكف لا يرد الماء الى المرفق كما صنع باليمنى ، ثم مسح رأسه وقدميه الى الكعبين بفضل كفيه ولم يجدّد ماء (٥).

وعن الهيثم بن عروة عن الصادق عليه‌السلام : ثم أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه ، وقال : تنزيل الآية : « من المرافق » (٦) عنى به عليه‌السلام معناها.

وتجب البدأة بالمرفق للتأسّي ، ولو نكس فالخلاف فيه كالوجه.

__________________

(١) كابن داود وزخر والطبري وبعض أصحاب مالك ، راجع : المجموع ١ : ٣٨٥ ، احكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٤١ ، التفسير الكبير ١١ : ١٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٠.

(٢) سورة المائدة : ٦.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٨٣ ، السنن الكبرى ١ : ٥٦.

(٤) لاحظ السنن الكبرى ١ : ٨٠ وهامش ٦ ص ١٢٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٥٦ ح ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٥٧ ح ١٥٩.

١٣١

لنا : انّ الوضوء المحكي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينكس فيه (١) والا لما أجزأ غيره. ولأنّه في وصف الباقر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق زرارة وأخيه : فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يردّ الماء الى المرفق. وكذا في غسل يده اليسرى (٢) ، وكذا في خبر الهيثم عن الصادق عليه‌السلام ، و « الى » في الآية كما مرّ (٣) ولو كانت لانتهاء الغاية لم يضر لجواز إرادة غاية المغسول ، لأنّ اليد تصدق على غير المغيا فهي مسمّى اليد ، فتبقى كيفية الغسل مثبتة بالسنّة.

ويجب تحريك الخاتم والسوار والدملج (٤) أو نزعه إذا لم يعلم جري الماء تحته ، لصحيح علي بن جعفر عن أخيه الكاظم عليهما‌السلام في الثلاثة (٥). وحكم غيرها حكمها ، ولو كان واسعا استحبّ تحريكه استظهارا.

فروع :

الأول : الأقرب : وجوب تخليل الشعر لو كان على اليد وان كثف ، لتوقّف غسل اليد عليه. وهل يجب غسله؟ الأقرب ذلك ، لأنّه من توابع اليد.

ويجب غسل الظفر وان خرج عن حدّ اليد ، لأنّه من أجزائها. والفرق بينه وبين فاضل اللحية اتصاله بمتّصل دائما. ولو كان تحته وسخ لا يمنع من وصول الماء استحبّ إزالته ، ولو منع وجب إلاّ مع المشقة ، لنفي الحرج.

الثاني : لو ثقبت يده وجب إدخال الماء الثقب‌ لأنّه صار ظاهرا ، فلو التحم سقط. ولو كان في يده سلعة (٦) وجب غسلها وتخليل غضونها (٧) وما تحتها ، لشمول‌

__________________

(١) تقدم في الصفحة السابقة.

(٢) راجع الهامش ٥ ، في الصفحة السابقة.

(٣) راجع الهامش ٦ ، في الصفحة السابقة.

(٤) الدملج : شي‌ء كالسوار تلبسه المرأة في عضدها. مجمع البحرين ـ مادة دملج.

(٥) قرب الاسناد : ٨٣ ، الكافي ٣ : ١٤٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٨٥ ، ح ٢٢١ ، ٢٢٢.

(٦) السلعة : زيادة في الجسد كالغدة وتتحرك إذا حركت ، مجمع البحرين ـ مادة سلع.

(٧) الغضن : مكاسر الجلد والدرع وغيرهما ، الصحاح ـ مادة غضن.

١٣٢

الاسم لها.

الثالث : يجب غسل الكفّ والإصبع والذراع الزوائد تحت المرفق ، لتبعية اليد.

ولو كانت له يد زائدة غير متميزة عن الأصلية وجب غسلهما من باب مقدمة الواجب ، ولو تميّزت غسلت الأصلية خاصة دون الزائدة. وعليه يحمل إطلاق المبسوط : بعدم وجوب غسل الزائدة فوق المرفق ، إلاّ أن تكون تحت المرفق فتغسل أيضا للتبعية (١).

ويمكن وجوب غسل اليد الزائدة مطلقا ، كما هو ظاهر الشرائع والمختلف (٢) ، للعموم. وان يغسل من الزائدة ما حاذى مرفق الأصلية إلى آخرها ، تنزيلا له منزلة ما خلق تحت المرفق. ويضعف بتبعيته لأصله الذي هو في غير محل الفرض.

وتعلم الزائدة (٣) بالقصر الفاحش ، ونقص الأصابع ، وفقد البطش وضعفه.

ولو تدلّى جزء من غير المحل الى المحل ، أو من المحل الى المحل ، وجب غسله. ولو تدلّى من المحل الى غير المحل سقط غسله ، لخروجه عن المسمى. ويمكن الوجوب ، كالظّفر الطويل.

ولو انفصل من أحد المحلّين ، فالتحم رأسه في الآخر ، وتجافى الوسط ، فهو كالنابت في المحلين : يغسل ما حاذى محل الفرض ظاهره وباطنه.

الرابع : لو قطعت اليد من تحت المرفق وجب غسل الباقي ، لأنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٤). ولو قطعت من فوق المرفق سقط الفرض. نعم ، يستحبّ‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٢١ ، مختلف الشيعة : ٢٣.

(٣) في م : الزيادة.

(٤) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

١٣٣

غسل الباقي من العضد ، لقول أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام في مقطوع اليد من المرفق : « يغسل ما بقي » ، رواه عنه علي أخوه في الصحيح (١).

وفي قوله عليه‌السلام إشارة إلى استحباب غسل العضد مع اليد ، كما روى العامة استحباب تطويل الغرّة والتحجيل (٢) وبه استدلوا على مسح المقطوع باقي العضد (٣).

وابن الجنيد أطلق غسل الباقي من عضده (٤) ولعلّه أراد الندب إذ لا قائل بالوجوب.

ولو قطعت من مفصل المرفق ، فالأقرب : وجوب غسل الباقي ، لأنّ المرفق مجموع عظم العضد وعظم الذراع ، فإذا فقد بعضه غسل الباقي.

وفي المعتبر : لو قطعت من المرفق استحبّ مسح موضع القطع بالماء (٥). فإن أراد دخول المرفق في القطع كما في المبسوط (٦) فذاك ، وإلاّ فالأقرب الوجوب ، إلاّ أن يبنى على أنّ غسل الجزء الأعلى إنّما وجب لأنه من باب المقدّمة فلم يجب بالأصالة. وهذا يتم إذا جعلت « الى » لانتهاء الغاية ، ولو جعلت بمعنى « مع » فغسله مقصود ، إلاّ أن يقال : المرفق طرف عظم الساعد لا مجموع العظمين.

وروى رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الأقطع اليد أو الرجل كيف يتوضأ؟ قال : « يغسل ذلك المكان الذي قطع منه » (٧) وهو مطلق.

ولو قطعت يده (٨) أو بعضها بعد الوضوء لم يجب غسل ما ظهر منها ـ كما لو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٣٠ ح ٩٩ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ح ١٠٨٦.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢١٦ ح ٢٤٦ ، معرفة السنن ١ : ٢٤٤ ، السنن الكبرى ١ : ٧٧.

(٣) راجع : المجموع ١ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ١ : ٤٢٢.

(٤) مختلف الشيعة : ٢٣.

(٥) المعتبر ١ : ١٤٤.

(٦) المبسوط ١ : ٢١.

(٧) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٧٨.

(٨) في س : يداه.

١٣٤

قلّم ظفره أو جزّ شعره ـ ويجب في طهارة أخرى.

الخامس : لو احتاج المريض أو الأقطع إلى معين وجب تحصيله ، ولو بأجرة وإن زادت عن المثل ـ على الأقرب ـ مع القدرة ، لوجوب المقدمة. ويمكن منع وجوب الزائد عن اجرة المثل ، للضرر. ولو تعذّر ، تيمّم إن أمكن ، وإلاّ فهو فاقد للطهور ، وقد سبق.

الواجب الرابع : مسح الرأس.

للنص ، والإجماع ، وفيه مسائل :

الأولى : يختص المقدّم بإجماعنا‌ ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح بناصيته في الوضوء البياني ـ رواه المغيرة بن شعبة (١) ـ وحكى عثمان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فمسح رأسه مرة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا (٢) ولما في وصف الباقر عليه‌السلام (٣).

وعن محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : « مسح الرأس على مقدّمه » (٤).

وتحمل رواية الحسين بن أبي العلاء عنه عليه‌السلام بمسح مقدّم الرأس ومؤخّره (٥) على التقية ، إذ هي خلاف إجماع الإمامية.

الثانية : الواجب في المقدّم مسمّى المسح ، لإطلاق الأمر بالمسح الكلّي فلا يتقيد بجزء بعينه ، لأن « الباء » هنا للتبعيض لغة ونقلا عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وغيرهم.

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٣٠ ح ٨١ ، سنن أبي داود ١ : ٣٨ ح ١٥٠.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٠٤ ح ٢٢٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦ ح ١٠٦ ، سنن النسائي ١ : ٦٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٨٣.

(٣) تقدم في ص ١٣٠ الهامش ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٦٢ ح ١٧١ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ح ١٧٦.

(٥) التهذيب ١ : ٦٣ ح ١٧٠.

١٣٥

أمّا اللغة ، فكقوله تعالى ( يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ ) (١) ، وقول الشاعر (٢) :

شربن بماء البحر ثم ترفعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج

وهو كثير الشواهد ، ولأنّها دخلت على المتعدّي بنفسه فلا بدّ لها من فائدة ، وإنكار سيبويه وابن جنّي شهادة على النفي ، ومعارض : بإقرار الأصمعي وأبي علي ـ في التذكرة ـ وابن كيسان والقتيبي ، قيل : والكوفيون. والظاهر : أنّهما نفياه عن أصحابهما البصريّين لا غير ، صرّح به ابن جني.

وأما النقل ، فلصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « انّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء » (٣) وهو قول الشافعي أيضا (٤).

الثالثة : لا يجزئ أقلّ من إصبع ، قاله الراوندي في أحكام القرآن (٥). وفي المختلف : المشهور الاكتفاء به (٦).

وفي المقنعة : يجزئ إصبع يضعها عليه عرضا ، والثلاث أسبغ (٧).

وفي النهاية : يجزئ إصبع عند الخوف من كشف الرأس ، ولا يجوز أقل من ثلاث أصابع مضمومة للمختار (٨).

والصدوق : حدّه أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة (٩). وأوجبها المرتضى‌

__________________

(١) سورة الإنسان : ٦.

(٢) أبو ذؤيب الهذلي ، راجع : شرح ابن عقيل ٢ : ٦ ، أوضح المسالك ٢ : ١١٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١٢ ، علل الشرائع : ٢٧٩ ، التهذيب ١ : ٦١ ح ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٦.

(٤) الام ١ : ٢٤ ، المجموع ١ : ٣٩٨.

(٥) فقه القرآن ١ : ٢٩.

(٦) مختلف الشيعة : ٢٣.

(٧) المقنعة : ٥.

(٨) النهاية : ١٤.

(٩) الفقيه ١ : ٢٨.

١٣٦

في الخلاف (١) ، وفي المصباح : يستحبّ (٢).

وفي صحيح زرارة وبكير عن الباقر عليه‌السلام : « فإذا مسحت بشي‌ء من رأسك ، أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ، فقد أجزأك » (٣). وهذا مع خبر التبعيض يدلّ على الإطلاق.

ويشهد للإصبع رواية حمّاد عن الحسين ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل توضأ وهو معتمّ وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال : « ليدخل إصبعه » (٤).

وفي المبسوط : لا يتحدد بحدّ (٥).

وفي الخلاف : الأفضل مقدار ثلاث أصابع مضمومة (٦).

وابن الجنيد : يجزئ في المقدّم إصبع ، والمرأة ثلاث أصابع.

وقد روى معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « يجزئ من مسح الرأس موضع ثلاث أصابع ، وكذلك الرجل » (٧) ولعلّ المراد به أجزاء الأفضلية ، أو التقدير لمحل المسح لا إمرار الأصابع.

الرابعة : لو استقبل الشعر أجزأ عند المبسوط (٨) ، لإطلاق الآية والأخبار ، ولصحيح حماد بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام ، وقد سبق (٩).

__________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٤٥.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٤٥.

(٣) التهذيب ١ : ٩٠ ح ٢٣٧ ، الاستبصار ١ : ٦١ ح ١٨٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٩٠ ح ٢٣٩ ، الاستبصار ١ : ٦١ ح ١٨٣.

(٥) المبسوط ١ : ٢١.

(٦) الخلاف ١ : ٨١ المسألة ٢٩.

(٧) الكافي ٣ : ٢٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٦٠ ح ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ح ١٧٧.

(٨) المبسوط ١ : ٢١.

(٩) تقدم في ص ١٢١ الهامش ٥.

١٣٧

واختاره في المعتبر ، وحكم بالكراهية تفصيا من الخلاف (١).

والأكثر على عدمه (٢) حتى المرتضى رحمه‌الله ـ مع تجويزه الاستقبال في الوجه واليدين ـ محتجّا بتوقف القطع برفع الحدث عليه (٣).

الخامسة : لا يجزئ المسح على حائل‌ ولو كان عمامة بإجماعنا ، أو حنّاء على الأشهر ، لعدم الامتثال ، ولرواية حماد السابقة (٤) وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام أنّه سئل عن المسح على الخفين وعلى العمامة؟ فقال : « لا يمسح عليهما » (٥).

ومرفوع محمد بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء ، قال : « لا يجوز ، حتى يصيب بشعر رأسه الماء » (٦).

وقد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المتوضئ : « يمسح فوق الحناء » (٧). ومحمد بن مسلم عنه عليه‌السلام في الحالق يطلي رأسه بالحناء ويتوضّأ : « لا بأس بمسح رأسه والحناء عليه » (٨). وحملهما الشيخ على المشقة بإزالة الحناء (٩) ، وربّما يؤوّلان بأثر الحناء وهو اللون المجرّد.

السادسة : يجب المسح بفضل نداوة الوضوء ، فيبطل بالماء الجديد ولو لضرورة ـ في الأشهر. واستقر عليه إجماعنا بعد ابن الجنيد ، إذ جوّز أخذ الماء‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٤٥.

(٢) راجع : الفقيه ١ : ٢٨ ، الخلاف ١ : ٨٣ المسألة ٣١ ، النهاية : ١٤ ، الوسيلة : ٥٠.

(٣) الانتصار : ١٩.

(٤) راجع الهامش ٤ ، من الصفحة السابقة.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦١ ح ١٠٩٠.

(٦) الكافي ٣ : ٣١ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٨٠ ، الاستبصار ١ : ٧٦ ح ٢٣٤ ، وفي الجميع : « بشرة رأسه ».

(٧) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ح ٣٢.

(٨) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٨١ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ح ٢٣٤.

(٩) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٨٠ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ح ٢٣٤.

١٣٨

الجديد عند عدم بلّة الوضوء ، قال : وكذلك استحب إذا كان وضّأ وجهه مرّتين مرتين (١).

لنا : وصف عثمان (٢) والأخوين (٣) وصحيح أبي عبيدة الحذاء ، قال : وضأت أبا جعفر عليه‌السلام بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجى ، ثم صببت عليه كفا فغسل وجهه ، وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفا غسل ذراعه الأيسر ، ثم مسح بفضل الندى رأسه ورجليه (٤). ولحسن زرارة ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « انّ الله وتر يحبّ الوتر ، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرف : واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى » (٥).

وضرورة ابن الجنيد يدفعها مشهور خلف بن حماد المرسل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قلت له : الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة؟ قال : « إن كان في لحيته بلل فليمسح به ». قلت : فان لم يكن له لحية؟ قال : « يمسح من حاجبيه أو من أشفار عينيه » (٦) مع أنّ ابن الجنيد حكم بالمسح ببلل اللحية أيضا.

وللاستئناف : صحيح أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسح الرأس ، أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال : « لا ، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح » (٧).

وصحيحة معمّر بن خلاد ـ بتشديد الميم واللام ـ قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام أيجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه : لا.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٤٧ ، مختلف الشيعة : ٢٤.

(٢) تقدّم في ص ١٣٥ الهامش ٢.

(٣) تقدّم في ص ١٣١ الهامش ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٥٨ ح ١٦٢ ، ٧٩ ح ٢٠٤ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧٢ ، ٦٩ ح ٢٠٩.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٠ ح ١٠٨٣.

(٦) التهذيب ١ : ٥٩ ح ١٦٥ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ح ١٧٥.

(٧) التهذيب ١ : ٥٩ ح ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٥٩ ح ١٧٤.

١٣٩

فقلت : أبماء جديد؟ فقال ـ برأسه ـ : نعم (١).

وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام في الرجل لا يكون على وضوء ، فيصيبه المطر حتى يبتلّ رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، هل يجزئه ذلك من الوضوء؟ قال : « إن غسله فانّ ذلك يجزئه » (٢).

وخبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يتوضأ الوضوء كله إلاّ رجليه ثم يخوض الماء بهما خوضا؟ قال : « أجزأه ذلك » (٣).

وخبر أيوب بن نوح ، قال : كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن المسح على القدمين؟ فقال : « الوضوء بالمسح ولا يجب فيه الا ذلك ، ومن غسل فلا بأس » (٤).

قلنا : هي معارضة بأشهر منها وبعمل الأصحاب ، فتؤوّل بالتقيّة. وخبر علي مأوّل بأن المراد بالغسل استئناف الغسل بعد المطر. والمكاتبة ضعيفة ، ولو صحّت حملت على التقية أو على ان يراد بالغسل التنظيف ، كما في رواية أبي همام عن أبي الحسن عليه‌السلام : الفريضة في كتاب الله المسح والغسل في الوضوء للتنظيف (٥).

السابعة : لا يجزئ الغسل عن المسح عندنا ، لمخالفة الأمر ، وعدم صدق أحدهما على الآخر ، ولتحريم الماء الجديد. وروى محمد بن مروان ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة ». قلت : فكيف! قال : « لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه » (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٨ ، ح ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧٣.

(٢) قرب الاسناد : ٨٤ ، التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٨٢ ، الاستبصار ١ : ٧٥ ح ٢٣١.

(٣) التهذيب ١ : ٦٦ ح ١٨٧ ، الاستبصار ١ : ٦٥ ح ١٩٤.

(٤) التهذيب ١ : ٦٤ ح ١٨٠ ، الاستبصار ١ : ٦٥ ح ١٩٥.

(٥) التهذيب ١ : ٦٤ ح ١٨١ ، الاستبصار ١ : ٦٤ ح ١٩٢.

(٦) الكافي ٣ : ٣١ ح ٩ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ، التهذيب ١ : ٦٥ ح ١٨٤ ، الاستبصار ١ : ٦٤ ح ١٩١.

١٤٠