ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

وهذان الحديثان لا يدلاّن على نفي استحباب التخليل ، فان غايتهما انّ ذلك غير قادح في صحة الغسل ونحن نقول به.

السادس : الغسل بصاع ، لخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، انه قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغتسل بصاع من ماء ، ويتوضأ بمد » (١). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٢).

وعن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ بمد ، ويغتسل بصاع. والمد : رطل ونصف ، والصاع : ستّة أرطال » (٣) ، يعني : أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي ، كذا ذكره الشيخ في التهذيب ، وأسند ما تقدم في الوضوء من تقدير ابن بابويه الصاع بخمسة أمداد (٤) عن سليمان بن حفص المروزي ، قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام : « الغسل بصاع من ماء ، والوضوء بمد من ماء. وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أمداد » .. الى آخره (٥) ، ذكره بسندين عن سليمان.

وروى عن سماعة ، قال : سألته عن الذي يجزئ من الماء للغسل ، فقال : « اغتسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصاع ، وتوضّأ بمد. وكان الصاع على عهده خمسة أرطال ، وكان المد قدر رطل وثلاث أواق » (٦).

وقال البزنطي : ويجزئ من الغسل صاع وهو خمسة أرطال ، وبعض أصحابنا ينقل ستة أرطال برطل الكوفة ، وللوضوء مدّ من ماء ، والمدّ رطل وربع. قال : والطامث تغتسل بتسعة أرطال. وهذا يخالف المشهور في تقدير الصاع.

ولا ريب أنّ الواجب مسمى الغسل ـ فقد روى هارون بن حمزة الغنوي‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٧.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ ح ٤٠٨.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤٠٩.

(٤) تقدم في ص ١٨٧ الهامش ١.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٥ ح ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤١٠.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤١١.

٢٤١

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يجزئك من الغسل والاستنجاء ما بللت يدك » (١).

وعن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه : « أنّ عليا عليه‌السلام كان يقول : الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أجزأ من الدهن الذي يبلّ الجسد » ، وقد تقدم (٢) ـ فلا يتقدر بقدر ، فالقليل كاف مع الرفق ، ولا يكفي الكثير مع الخرق.

وقيّد المفيد الدّهن بالضرورة ، كشدة البرد وعوز الماء (٣). والظاهر أنّه أراد : أنّه مع عدم الضرورة يكون تاركا للأفضل بالاقتصار على الدهن ، أو أراد به دهنا لا يجري على العضو ، فيكون التقييد بالضرورة حقيقة في موضوعه.

وقد تظافرت الأخبار بالأكفّ ، كخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملأ كفّيه (٤) يضرب بكف من ماء على صدره ، وكف بين كتفيه » (٥).

وفي خبر زرارة : ثلاث أكف للرأس ، وللأيمن مرّتين ، وللأيسر مرتين (٦).

وقال المفيد : يأخذ كفا من الماء بيمينه ، فيضعه على أمّ رأسه ويغسله به ، ويميّز الشعر حتى يصل الى أصوله ، وان أخذ بكفّيه كان أسبغ ، فان أتى على غسل رأسه ولحيته وعنقه إلى أصل كتفه والاّ غسل بكفّ آخر. ثمّ يغسل جانبه الأيمن من أصل عنقه الى تحت قدمه اليمنى بمقدار ثلاث أكفّ الى ما زاد ، ثمّ‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ ح ٤١٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ ح ٤١٤.

وقد تقدم في ص ٢١٦ الهامش ٣.

(٣) المقنعة : ٦.

(٤) في المصدر زيادة : « ثم ».

(٥) التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٤.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣ ح ٣.

٢٤٢

الأيسر كذلك (١).

والشيخ وجماعة ذكروا استحباب صاع فما زاد (٢) ، والظاهر : أنّه مقيّد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه.

السابع : تكرار الغسل ثلاثا في كل عضو ، قاله جماعة من الأصحاب ، لما فيه من الإسباغ ، ولدلالة الصّاع عليه ، وكذا ثلاث الأكف. ولا ينافيه ذكر المرتين ، لإمكان إرادة المستحب غير المؤكّد في المرّتين.

وابن الجنيد حكم بغسل رأسه ثلاثا ، واجتزأ بالدّهن في البدن ، قال : ولا أختار إيثار ذلك مع إمكان الماء. واستحب ابن الجنيد أيضا للمرتمس ثلاث غوصات ، يخلّل شعره ويمسح سائر جسده بيديه عقيب كل غوصة. ولا بأس به ، لما فيه من صورة التكرار ثلاثا حقيقة وان كان الارتماس يأتي على ذلك.

الثامن : الموالاة ، لما فيه من المبادرة إلى الواجب ، والتحفّظ من طريان المفسد في الغسل ، وقد عدّها جماعة من الأصحاب في المستحب ، ولان المعلوم من صاحب الشرع وذريّته المعصومين فعل ذلك.

التاسع : الدعاء ، لما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تقول في غسل الجمعة : اللهم طهّر قلبي من كل آفة تمحق ديني ، وتبطل عملي. وتقول في غسل الجنابة : اللهم طهر قلبي ، وزك عملي (٣) ، واجعل ما عندك خيرا لي. اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين » (٤).

وفي المصباح ، تقول عند الغسل : اللهم طهرني وطهر قلبي ، واشرح لي صدري ، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك. اللهم اجعله لي طهورا وشفاء‌

__________________

(١) المقنعة : ٦.

(٢) الجمل والعقود : ١٦١ ، مصباح المتهجد : ٩ ، الوسيلة : ٥٦ ، المعتبر ١ : ١٨٦ ، منتهى المطلب ١ : ٨٦.

(٣) في المصدرين زيادة : « وتقبّل سعيي ».

(٤) التهذيب ١ : ١٤٦ ح ٤١٤ ، ٤١٥ ، وقطعة منه في الكافي ٣ : ٤٣ ح ٤ ، باختلاف يسير.

٢٤٣

ونورا ، إنّك على كلّ شي‌ء قدير (١).

وقال المفيد : إذا فرغ من غسله فليقل : اللهم طهر قلبي .. إلى آخر ما مرّ (٢). ولعلّ استحباب الدعاء (٣) شامل حال الاغتسال وبعده.

وقال ابن بابويه : قال الصادق عليه‌السلام : « من اغتسل للجمعة فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد انّ محمدا عبده ورسوله. اللهم صلّ على محمد وآل محمّد ، واجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، كان طهرا من الجمعة إلى الجمعة » (٤).

العاشر : الأقرب : استحباب غسل المسترسل من الشعر ، لدلالة فحوى خبر : « من ترك شعرة من الجنابة » (٥) عليه.

الحادي عشر : ترك الاستعانة ، لما ذكر في الوضوء.

وقول ابن الجنيد هنا يناسب قوله في الوضوء ، حيث قال : وان كان غيره يصبّ عليه الماء من إناء متصل الصب ، أو كان تحت أنبوب ، قطع ذلك ثلاث مرات ، يفصل بينهن بتخليل الشعر بكلا يديه. فظاهره جواز مباشرة الغير.

ويردّه : قوله تعالى ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) و ( إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٦) والاخبار الظاهرة في تولّي المكلف ذلك.

الثاني عشر : حكم الفاضل ـ رحمه‌الله ـ باستحباب تخليل المعاطف والغضون ، ومنابت الشعر والخاتم والسير قبل إفاضة الماء للغسل ، ليكون أبعد من الإسراف ، وأقرب إلى ظنّ وصول الماء (٧) ، وقد نبّه عليه قدماء الأصحاب.

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٩.

(٢) المقنعة : ٦.

(٣) في م : الغسل.

(٤) الفقيه ١ : ٦١ ح ٢٢٨.

(٥) تقدم في ص ٢١٧ الهامش ٤.

(٦) المائدة : ٦.

(٧) نهاية الإحكام ١ : ١٠٩.

٢٤٤

وعدّ البدأة بغسل ما على جسده من الأذى والنجاسة من المستحب (١). ويشكل بما مر.

فان احتجّ برواية حكم بن حكيم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ، ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ، ثمّ اغسل فرجك ، وأفض على رأسك وجسدك » (٢) حيث عطفه على المستحب وجعله مقدمة للغسل.

فالجواب : أنّه بصيغة الأمر ، والأصل فيها الوجوب ، فإذا خرج بعضها بدليل بقي الباقي على أصله.

وقطع بحصول الرفع والإزالة لو كان في ماء كثير ، بخلاف القليل لانفعاله بالنجاسة ، واستثنى كون النجاسة في آخر العضو فإنّها تطهره وترفع الحدث (٣).

نعم ، لو كان أذى غير النجاسة استحبّ تقديمه على الغسل.

الثالث عشر : لا يجب الترتيب في نفس العضو‌ وان وجب بين الأعضاء ، لقضيّة الأصل. وبه قطع الفاضل (٤) وهو ظاهر الأخبار حيث لم يذكر فيها تحديد ولا غاية.

وهل يستحب غسل الأعلى فالأعلى؟ الظاهر : نعم ، لأنّه أقرب الى التحفّظ من النسيان ، ولأنّ الظاهر من صاحب الشرع فعل ذلك.

تتمة :

لا يستحب تجديد الغسل ، للأصل ، والاقتصار على مورد النص في تجديد الوضوء ، ولأنّ موجب الوضوء أسباب شتّى وبعضها قد يخفى فيحتاط فيه‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣ ، نهاية الإحكام ١ : ١٠٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩٢.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ١٠٩.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٥.

٢٤٥

بالتجديد ، بخلاف الغسل فإنه يبعد فيه ذلك ، ولانتفاء المشقة فيه بخلاف الغسل ، فحينئذ لو نذر تجديد الغسل بنى على انعقاد نذر المباحات ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

٢٤٦

البحث الثالث : في أحكامه.

وهي تظهر بمسائل :

الأولى : لا وضوء واجبا مع غسل الجنابة‌ بخلاف غيره من الأغسال ، كما سلف.

وهل يستحبّ؟ أثبته في التهذيب ، لخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته كيف أصنع إذا أجنبت ، قال : « اغسل كفّيك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل » (١) فحمله على الندب ، لمعارضة أخبار كثيرة له كمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام : « كل غسل قبله وضوء ، إلاّ غسل الجنابة » (٢) وقوله عليه‌السلام في خبر حكم : « وأي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ » لمّا قال له : ان الناس يقولون : يتوضّأ للصلاة (٣).

قلت : الأولى حمله على التقيّة ، لأنّ الأصحاب على خلافه.

وقد روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّ أهل الكوفة يروون عن علي عليه‌السلام الوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : « كذبوا على عليّ عليه‌السلام ، ما وجد ذلك في كتاب علي عليه‌السلام ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٤).

وقد أرسل محمد بن أحمد بن يحيى : أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة (٥). والشيخ ضعّفه بالإرسال والقطع ، ثمّ حمله على اعتقاد فرضه قبل الغسل.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٠ ح ٣٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٣٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٨٩ ، ١٤٢ ح ٤٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ح ٤٢٦.

(٥) التهذيب ١ : ١٤٠ ح ٣٩٤ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٣٠.

٢٤٧

وفي رواية عبد الله بن سليمان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الوضوء بعد الغسل بدعة » (١). ومثله خبر سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢).

الثانية : لو أحدث المجنب في أثناء غسله حدثا أصغر فلا نصّ مشهورا فيه ، واختلف في كلام الأصحاب :

فأوجب ابنا بابويه والشيخ ـ في النهاية ـ الإعادة (٣). وقد قيل انّه مروي عن الصادق عليه‌السلام في كتاب عرض المجالس للصدوق ، ولأن الحدث ناقض للطهارة بعد الكمال فقبله أولى ، وانتقاضها يبقيه على حكم الجنابة الموجبة للغسل.

ويشكل : بأنه بعد الكمال أثره إيجاب الوضوء لا غير ، فليكن كذلك قبله. وبقاؤه على حكم الجنابة بعد الحدث محل النزاع ، فلذلك أوجب المرتضى الوضوء بعد الغسل (٤).

وخرّج ابن البراج الاقتصار على إتمام الغسل ، لأنه لا أثر للأصغر مع الأكبر (٥).

وفي المبسوط أفتى بالإعادة ، ثمّ نقل الوضوء (٦) ، وهو يشعر بتوقّفه.

والأقرب الأوّل ، لامتناع الوضوء في غسل الجنابة عملا بالأخبار المطلقة ، وامتناع خلوّ الحدث عن أثر هنا مع تأثيره بعد الكمال.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ١٤٠ ح ٣٩٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٠ ح ٣٩٦.

(٣) الفقيه ١ : ٤٩ ، الهداية ٢١ ، النهاية : ٢٢.

(٤) مختلف الشيعة : ٣٢.

(٥) جواهر الفقه : ٤٧٣.

(٦) المبسوط ١ : ٣٠.

٢٤٨

فروع ثلاثة :

الأوّل : لو كان الحدث من المرتمس ، فان قلنا بسقوط الترتيب حكما ، فان وقع بعد ملاقاة الماء جميع البدن أوجب الوضوء لا غير ، والاّ فليس له اثر. وان قلنا بوجوب الترتيب الحكمي القصدي ، فهو كالمرتّب وان قلنا بحصوله في نفسه وفسّرناه بتفسير الإستبصار (١) أمكن انسحاب البحث فيه.

الثاني : لو تخلل الحدث الغسل المكمل بالوضوء ، أمكن المساواة في طرد الخلاف ، وأولويّة الاجتزاء بالوضوء هنا ، لأن له مدخلا في إكمال الرفع أو الاستباحة ، وبه قطع الفاضل في النهاية مع حكمه بالإعادة في غسل الجنابة (٢).

الثالث : لو أحدث غير المجنب بعد غسله فلا شي‌ء سوى الوضوء. وتخيّل : بقاء الحدث الأكبر فتنسحب الأقوال ، ضعيف ، لمنعه أوّلا ، وحكم الشارع بإكماله بالوضوء ثانيا بتقدير بقائه ، ولزوم وضوئين على قول الوضوء هناك ثالثا.

ولو قدّم الوضوء فأحدث بعده قبل الغسل ، انتقض الوضوء فيعيده قبل الغسل أو بعده ، لعدم تأثيره بعد الحدث.

الثالثة : ماء الغسل على الزوج‌ ـ في الأقرب ـ لأنّه من جملة النفقة ، فعليه نقله إليها ولو بالثمن ، أو يمكّنها (٣) من الانتقال اليه ، فلو احتاج الى عوض كالحمام فالأقرب : وجوبه عليه أيضا مع تعذّر غيره ، دفعا لضرر.

ووجه العدم : ان ذلك مئونة التمكين الواجب عليها. وربّما فرق بين ماء غسل الجنابة وغيره إذا كان سبب الجنابة من الزوج.

وأمّا الأمة ، فالأقرب : أنّها كالزوجة ، لأنه مئونة محضة ، وانتقالها الى التيمم‌

__________________

(١) تقدم في ص : ٢٢٤ ، هامش ٣.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١١٤.

(٣) في س : تمكينها.

٢٤٩

مع وجود الماء بعيد ، وحمله على دم التمتع قياس من غير جامع ، ويعارض بوجوب فطرتها فكذا ماء طهارتها.

ولو عجزتا عن المباشرة ، فالأقرب : وجوب الإعانة عليه ، لمثل ما قلناه.

الرابعة : لو توضأ المجنب غير معتقد للشرعية فلا إثم ، ولو اعتقدها بني على ما مر.

ولو اعتقد تكميل الغسل بالوضوء أبدع ولم يخرج عن الاجزاء ، قاله جماعة من الأصحاب (١) لحصول الرافع بكماله. ويمكن البطلان ، لقصور نيّته في الغسل بحسب معتقده ، والفرق بين تقدم الوضوء وتأخيره ، لأن النية جازمة باستباحة الصلاة إذا تقدمه الوضوء بخلاف ما إذا تأخّر.

الخامسة : المرتد يجب عليه الغسل عند سببه كالكافر بل أولى ، لالتزامه بحكم الإسلام ، ولا يصح منه مرتدا ، لعدم التقرب.

ولو ارتد في أثناء الغسل لم يبطل فيما مضى ، فلو عاد بنى بنيّة مستأنفه ، والظاهر : أنه لا يجب عليه طهارة بدنه ، كالكافر إذا أسلم. ولو ارتد بعد الغسل لم يؤثر في إبطاله على الأصح ، وتحقيقه في الكلام.

__________________

(١) لاحظ : النهاية : ٢٣ ، نهاية الإحكام ١ : ١١٢ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢٤.

٢٥٠

المطلب الثالث : في التيمم.

وفيه الأبحاث الثلاثة.

فالأول في واجبه : وهو إيقاعه في وقت الصلاة ، فلا يجوز تقديمه عليه إجماعا منا ، للآية الدالة على وجوبه بإرادة الصلاة (١) ونفي الجواز علم من حيث أنّه بدل عن الطهارة المائية فموضعه الضرورة ، ولا ضرورة قبل دخول الوقت.

ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت » (٢) علّق التيمم على إدراك الوقت ، وهو كالآية في الدلالة.

فلو تيمم قبل الوقت لم ينعقد فرضا ولا نفلا ، لعدم شرعيته. نعم ، لو تيمم لاستباحة نافلة صح نفلا وذلك وقتها. ومن عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه.

ولا يشترط التذكر في دخول الوقت. نعم ، هو شرط في نية الوجوب. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فليصلها إذا ذكرها ، فان ذلك وقتها » (٣) لا ينفي ما عداه.

فروع :

الأول : لو تيمم لفائتة ضحى صح التيمم ، ويؤديها به وغيرها ما لم ينتقض تيممه عندنا ، لما يأتي من استباحة ما يستباح بالمائية عند التيمم ، فإذا دخل الوقت ربما بني على السعة والضيق في التيمم.

الثاني : يتمم للآية ـ كالكسوف ـ بحصولها.

وللجنازة بحضورها ، لانه وقت الخطاب بالصلاة. ويمكن دخول وقتها‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٢٢٢ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢٢.

(٣) سنن الدار قطني ١ : ٤٢٣ ، السنن الكبرى ٢ : ٢١٩ ، وراجع تلخيص الحبير ٢ : ٣٤٩.

٢٥١

بتغسيله ، لإباحتها حينئذ وان لم يهيأ للصلاة. بل يمكن دخول وقتها بموته ، لانه الموجب للصلاة وغيرها من أحكام الميت.

الثالث : يتيمم للاستسقاء‌ باجتماع الناس في المصلى ، ولا يتوقف على اصطفافهم. والأقرب : جوازه بإرادة الخروج الى الصحراء ، لأنه كالشروع في المقدمات. بل يمكن بطلوع الشمس في اليوم الثالث ، لان السبب الاستسقاء وهذا وقت الخروج فيه. اما النوافل الرواتب فلأوقاتها ، وغير الرواتب فلارادة فعلها.

فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به ، لعدم الحاجة إليه.

الرابع : لو شك في دخول الوقت لم يتيمم ، لأصالة عدم الدخول. ولو ظن الدخول ، ولا طريق إلى العلم ، تيمم. فلو ظهر عدمه ، فالأقرب : البطلان ، لظهور خطأ الظن.

الخامس : لو تيمم في الأوقات المكروهة لابتداء النوافل إرادة التنفل ، فالظاهر : الصحة ، لأن الكراهة لا تنفي الانعقاد.

وقطع في المعتبر بعدم التيمم في أوقات النهي (١) وتبعه في التذكرة (٢) وهو مذهب العامّة (٣).

واختلف الأصحاب في صحته مع سعة وقت الصلاة ، فصار اليه الصدوق (٤) والجعفي ـ في ظاهر كلامه ـ لعموم ( فَلَمْ تَجِدُوا ) (٥) « وأينما أدركتني » (٦). ولدلالة الأخبار على عدم إعادة واجد الماء في الوقت ، فهو مستلزم‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٨٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٦.

(٣) المجموع ٢ : ٢٤١.

(٤) الفقيه ١ : ٥٨ ، المقنع : ٨ ، الهداية : ١٩.

(٥) سورة النساء : ٤٣.

(٦) مسند أحمد ٢ : ٢٢٢ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢٢.

٢٥٢

للتيمم مع السعة ، كخبر زرارة الصحيح عن الباقر عليه‌السلام ، قلت : إن أصاب الماء وقد صلّى بتيمم وهو في وقت ، قال : « تمت صلاته ولا اعادة عليه » (١). وعن معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه‌السلام : ثم أتي بالماء وعليه شي‌ء من الوقت : « يمضي على صلاته ، فانّ ربّ الماء ربّ التراب » (٢). ولأنّه بدل فصحّ مع السعة كالمبدل منه.

والأكثر على مراعاة ضيق الوقت صرّحوا به. وقال البزنطي في الجامع : لا ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر وقت الصلاة (٣) وهو غير صريح في ذلك. وقد نقل السيد الإجماع ـ في الناصرية والانتصار ـ على اعتبار التضيق (٤) والشيخ في الخلاف لم يحتج به هنا (٥) ، ولعلّه نظر الى خلاف الصدوق ، وعدم تصريح المفيد ـ في المقنعة ـ به ، وفي الأركان لم يذكره ، وكذا ابن بابويه في الرسالة.

واعتبر ابن الجنيد في التأخّر الطمع في التمكّن من الماء ، فان تيقّن أو ظن فوته الى آخر الوقت فالأحبّ التيمم في أوّله (٦). وابن أبي عقيل في كلامه إلمام به ، حيث قال : لا يجوز لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت ، رجاء أن يصيب الماء قبل خروج الوقت (٧).

والفاضلان صوبا هذا التفصيل ، لان فيه جمعا بين الأدلة (٨) والشيخ في الخلاف نفاه صريحا (٩).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٤ ح ٥٦٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ح ٥٥٢.

(٢) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢٠ ، التهذيب ١ : ١٩٥ ح ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ح ٥٥٤.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ٣٨٣.

(٤) الانتصار : ٣١ ، الناصريات : ٢٢٥ المسألة ٥١.

(٥) لاحظ : الخلاف ١ : ١٤٦ المسألة ٩٤.

(٦) حكاه عنهما : المحقق في المعتبر ١ : ٣٨٣ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ٤٧.

(٧) حكاه عنهما : المحقق في المعتبر ١ : ٣٨٣ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ٥٤.

(٨) المعتبر ١ : ٣٩٢ ، مختلف الشيعة : ٤٧.

(٩) الخلاف ١ : ١٦٣ المسألة ١١٤.

٢٥٣

فإن قلنا به ، تيمّم المريض والكسير ـ الذي لا يمكنه استعمال الماء ، ولا يظن زوال عذره وقت الصلاة ـ في أوّل الوقت ، لعدم الطمع في استعمال الماء.

واعتمد في التهذيب على :

رواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت » (١).

ورواية محمد بن مسلم ، قال : سمعته يقول : « إذا لم تجد الماء وأردت التيمم فأخّر التيمم الى آخر الوقت ، فان فاتك الماء لم تفتك الأرض » (٢).

ورواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فان فاته الماء فلن تفوته الأرض » (٣).

وهذه مع سلامة سندها ودلالتها ظاهرها توقّع الماء ، لأنّ الطلب يؤذن بإمكان الظفر والاّ كان عبثا.

وأكثر الأخبار مطلقة فإن ثبت تقييد حملت عليه ، وقد تقدم حجة الصدوق ، ويضاف إليها أيضا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت ، فقال : « ليس عليه إعادة الصلاة » (٤). وتأوّلها الشيخ بان المراد من الصلاة دخوله فيها لا فراغه ، أو أنّ المراد أنّ تيممه وصلاته كانا في الوقت لا أنّه أصاب الماء في الوقت (٥). وهو من التأويلات البعيدة ، ولو حملها على ظن ضيق الوقت فيظهر خلافه كان قريبا.

وعلى كل حال ، فاعتبار الضيق قوي من حيث الشهرة ، ونقل الإجماع ، وتيقن الخروج عن العهدة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ ح ٥٥٥ ، ٢٠٣ ح ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ح ٥٤٨ ، ١٦٥ ح ٥٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ ح ٥٧٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٤ ح ١٢٦٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٥ ح ٥٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ح ٥٥٥.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٥.

٢٥٤

فرعان :

الأول : المعتبر في الضيق الظن. فلو انكشف خلافه ، فالأقرب الإجزاء ، عملا بمفهوم تلك الروايات ، ولأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والامتثال يقتضي الاجزاء.

ونقل في المعتبر أنّ ظاهر الشيخ في كتابي الحديث وجوب الإعادة لظهور خطأ ظنه (١).

وقد روى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في رجل تيمم فصلّى ثم أصاب الماء ، فقال : « أمّا أنا فكنت فاعلا ، إنّي أتوضّأ وأعيد » (٢).

قال الشيخ : معناه إذا كان قد صلّى في أوّل الوقت تجب عليه الإعادة ، لرواية يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تيمم وصلّى فأصاب بعد صلاته ماء ، أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد ، فان مضى الوقت فلا إعادة عليه » (٣).

قلت : فحوى هذين الخبرين صحة التيمم في أوّل الوقت. أمّا الأول ، فلأنّه عليه‌السلام أسند الإعادة إلى نفسه ، ولو كان ذلك واجبا لكان المكلّف به عاما. وأمّا الثاني ، فلأنّه علّق الإعادة على وجدان الماء في الوقت ، وقضيته انّه لو لم يجد الماء لم يعد ، لمفهوم الشرط المستفاد من لفظة « إذا ». وحينئذ يمكن حملهما على استحباب الإعادة ، توفيقا بينهما وبين الأخبار الدالة على عدم الإعادة بالوجدان في الوقت.

الفرع الثاني : حكم في المبسوط بأنّه لو دخل عليه وقت صلاة وهو متيمم‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٨٤.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٣ ح ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ح ٥٥٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ، والرواية فيهما برقم ٥٥٩ ، ٥٥١.

٢٥٥

لنافلة أو لفائتة جاز أن يصلي الحاضرة به (١) ولم يعتبر ضيق الوقت هنا مع أنّه قال بالضيق ، فلعلّه نظر الى أنّ التأخير انما هو لغير المتيمم ، ولهذا احتج عليه بعموم الأخبار الدالة على جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد (٢).

ويمكن اعتبار الضيق كما أومأ إليه الفاضلان (٣) لقيام علة التأخير.

ويضعّف : بأنّه متطهر ، والوقت سبب فلا معنى للتأخير ، وهذا الواجب شرط للتيمم.

الواجب الثاني : النية ، إجماعا منا ومن الأكثر ، لما مر ، ولدلالة « تيمّموا » على القصد ، ولأنّه المفهوم من ارادة القيام إلى الصلاة ، كما قلناه في الوضوء. ويعتبر فيها أربعة أمور :

الأوّل : القربة ، كما سلف.

الثاني : قصد الاستباحة ، لأنّها الغاية ، فلو ضم الرفع لغا. ولو اقتصر على نية الرفع ، فكما قلناه في وضوء دائم الحدث ، إذ التيمم لا يرفع الحدث ، لانتقاضه بالتمكّن من الماء ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمرو بن العاص وقد تيمم عن الجنابة من شدة البرد : « صليت بأصحابك وأنت جنب » (٤) فسماه جنبا بعد التيمم ، فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن حصوله. نعم ، لو نوى رفع المانع من الصلاة صح وكان في معنى نية الاستباحة.

فروع :

الأول : لو نوى استباحة فريضة ، مطلقة أو معينة ، فرضا أو نفلا ، استباحها وغيرها ، لأنّه كالطهارة المائية في الاستباحة ، لما يأتي ان شاء الله.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٤.

(٢) المبسوط ١ : ٣٤.

(٣) المعتبر ١ : ٣٨٤ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٦٦ ، نهاية الإحكام ١ : ١٨٥.

(٤) مسند أحمد ٤ : ٢٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٩٢ ح ٣٣٤ ، سنن الدار قطني ١ : ١٧٨ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ١٧٧ ، السنن الكبرى ١ : ٢٢٥.

٢٥٦

الثاني : الأقرب : اشتراط نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر ، لاختلاف حقيقتيهما فيتميزان بالنية. وبه صرح الشيخ في الخلاف ، وعليه بنى ما لو نسي الجنابة فتيمم للحدث انه لا يجزئ ، لعدم شرطه (١). وهذا بناء على اختلاف الهيئتين.

ولو اجتزأنا بالضربة فيهما ، أو قلنا فيهما بالضربتين ، أمكن الاجزاء. وبه أفتى في المعتبر (٢) ، مع أنّ الشيخ في الخلاف قال في المسألة : فإن قلنا انه متى نوى بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة كان قويا ، قال : والأحوط الأوّل ، يعني : عدم الاجزاء. وذكر ان لا نص للأصحاب فيها أي : في مسألة النسيان (٣).

الثالث : لو تيمم الصبي ثم بلغ ، قال في المعتبر : يستبيح الفريضة (٤) وهو بناء على أنّ طهارته شرعية ، وقد سلف.

الرابع : لو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا. ولو نوى فريضة التيمم أو إقامة التيمم المفروض أمكن الاجزاء ، لأنّ ذلك يتضمن الاستباحة. والأقرب المنع ، لأنّ الاستلزام غير بيّن لجواز الغفلة عنه ، ولأنّ التيمم ليس مطلوبا لنفسه وانما يطلب عند الضرورة فلا يصلح متعلقا أوّليا للقصد ، ومن ثم لا يستحب تجديده بخلاف الوضوء.

الأمر الثالث : المقارنة للضرب على الأرض ، لأنّه أوّل أفعاله. فلو تقدمت عليه لم يجز. ولو أخّرها إلى مسح الجبهة ، فالأقرب : عدم الاجزاء ، لخلو بعض الأفعال عن النية. وجزم الفاضل بالاجزاء (٥) تنزيلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائية. وفيه منع ظاهر ، لأنّ الأخذ غير معتبر لنفسه ، ولهذا لو غمس‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٤٠ المسألة ٨٧.

(٢) المعتبر ١ : ٣٩١.

(٣) الخلاف ١ : ١٤٠ المسألة ٨٧.

(٤) المعتبر ١ : ٣٩١.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٠٤.

٢٥٧

الأعضاء في الماء أجزأ بخلاف الضرب ، ولأنّه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر بخلاف الحدث بعد الضرب.

الأمر الرابع : استدامة حكمها الى آخره ، لما سلف. ولو عزبت بعد الضرب لم يضر عندنا ، كعزوبها بعد غسل اليدين وبل أولى ، لما قلناه من كون الضرب جزءا حقيقيا من التيمم.

الواجب الثالث : الضرب على الأرض بيديه معا ، وهو مذهب الأصحاب ورواياتهم به كثيرة ، مثل :

رواية داود بن النعمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ان عمارا أصابته جنابة فتمعّك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تمعكت كما تتمعك الدابة! أفلا صنعت كذا ، ثم أهوى بيديه على الأرض فوضعهما على الصعيد (١).

ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « فضرب بيديه الأرض » (٢).

ورواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تضرب بكفيك على الأرض » (٣).

ورواية ابن مسلم عنه عليه‌السلام : فضرب بكفيه الأرض (٤).

فروع أربعة :

الأول : لا يكفي التعرّض لمهب الريح ليصير التراب ضاربا يديه ، لأنّه تعالى أوجب القصد الى الصعيد ، والصعيد هنا بصورة القاصد. ومن أوقع النية عند المسح (٥) يمكن على قوله الجواز ، لأن الضرب غير مقصود لنفسه ، فيصير كما‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٦٠١ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩٠.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٩ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٦.

(٤) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٦٠٠.

(٥) قاله العلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ٦٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٠٤.

٢٥٨

لو استقبل بأعضاء وضوئه الميزاب أو المطر.

وأولى بعدم الجواز ما لو نقل الغير التراب الى المكلف القادر على الضرب بإذنه ، لأنه لم يقصد الصعيد ، وقصد نائبه كقصد ما اثارته الريح في عدم الاعتبار.

الثاني : نقل التراب عندنا غير شرط ، لاستحباب النفض ـ على ما يجي‌ء ان شاء الله تعالى ـ بل الواجب المسح بيديه اللّتين أصابتاه ، ولا فرق بين كونه على الأرض وغيرها ، بل لو كان التراب على بدنه أو بدن غيره وضرب عليه أجزأ. ولو كان على وجهه تراب صالح للضرب وضرب عليه ، أجزأ في الضرب لا في مسح الوجه ، فيمسح الوجه بعد الضرب.

وكلام ابن الجنيد يقتضي المسح بالتراب ، حيث قال : وإذا حصل الصعيد براحتيه مسح بيمينه وجهه (١) وفي أنحاء كلامه ما يدلّ على ذلك.

الثالث : لا يجزئ معك الأعضاء في التراب ، كما دلّ عليه الخبر. نعم ، لو تعذر الضرب واستنابة الغير أجزأ ، لأنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢). بل يمكن تقديم المعك على نيابة الغير ، وهو يجي‌ء عند من لم يعتبر الضرب من الأفعال.

الرابع : معظم الروايات وكلام الأصحاب بعبارة « الضرب » (٣) وفي بعضها « الوضع » (٤) والشيخ في النهاية والمبسوط عبّر بالأمرين (٥). وتظهر الفائدة في وجوب مسمى الضرب باعتماد ، والظاهر : انّه غير شرط ، لأنّ الغرض قصد الصعيد وهو‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٥٠.

(٢) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ ح ٢٠٥.

(٣) لاحظ : الكافي ٣ : ٦١ ـ ٦٢ ح ١ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٢٧٠ ح ٦٠٠ ـ ٦٠٢ ، ٢١٠ ح ٦٠٨ ـ ٨١٤.

ولاحظ : المقنعة : ٨ ، المهذب ١ : ٤٧ ، المراسم : ٥٤ ، السرائر : ٢٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٠٤.

(٤) لاحظ : الكافي ٣ : ٦٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٨.

ولاحظ : المبسوط ١ : ٣٢ ، النهاية : ٤٩ ، شرائع الإسلام ١ : ٤٨ ، قواعد الاحكام ١ : ٢٣.

(٥) المبسوط ١ : ٣٢ ، النهاية : ٤٩.

٢٥٩

حاصل بالوضع. نعم ، لا بدّ من ملاقاة باطن اليدين ، لأنّه المعهود من الوضع ، والمعلوم من عمل صاحب الشرع.

واختلف الأصحاب في عدد الضرب ، فاجتزأ ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد ـ في العزية ـ والمرتضى بالضربة الواحدة في الوضوء والغسل (١) محتجا بحديث عمار ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّنه بضربة واحدة وكان عمار جنبا (٢) ، وبه احتج ابن أبي عقيل ، قال المرتضى : ولأنّ المجمع عليه ضربة واحدة والزائد لا دليل عليه ، أو يتمسك بأصل البراءة.

وفي الاحتجاج بالإجماع هنا كلام في الأصول ، وهو المعبر عنه : بالأخذ بأقل ما قيل ، والتمسك بالأصل انما يتمّ مع عدم المخرج.

ونقل الفاضلان عن علي بن بابويه الضربتين فيهما (٣) والذي في الرسالة : فإذا أردت ذلك ، فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة ، وانفضهما وامسح بهما وجهك ، ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع ، ثم اضرب بيمينك الأرض فامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع ، قال : وقد روي أن يمسح جبينه وحاجبيه ، ويمسح على ظهر كفيه ، ولم يفرق بين الوضوء والغسل.

وهذا فيه اعتبار ثلاث ضربات ، ورواه ابنه في المقنع (٤) ، وهو في التهذيب ـ صحيح السند ـ عن ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : فضرب بكفّيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض مسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع ، واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم‌

__________________

(١) المرتضى في الناصريات : ٢٢٤ المسألة ٤٧ ، وجمل العلم والعمل ٣ : ٢٥ ، وحكاه عن الآخرين العلامة في مختلف الشيعة : ٥٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩١.

(٣) المعتبر ١ : ٣٨٨ ، مختلف الشيعة : ٥٠.

(٤) المقنع : ٩.

٢٦٠