ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

أمّا الجواز ، فإن لم يستلزم ستر شي‌ء من الصحيح فلا إشكال فيه. وإن استلزم أمكن المنع لأنّه ترك للغسل الواجب ، والجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح.

الثالثة عشرة : لو زال العذر ، قطع الشيخ بوجوب إعادة الطهارة (١) لأنها طهارة ضرورية فتتقدّر بقدرها ، ولأن الفرض متعلق بالبشرة ولمّا تغسل. وقضية الأصل عدمه ، للامتثال المخرج عن العهدة ، والحمل على التيمّم قياس باطل ، ولعدم ذكره في الروايات مع عموم البلوى به.

فعلى قوله ، لو توهم البرء فكشف فظهر عدمه ، أمكن إعادة الطهارة ، لظهور ما يجب غسله. ووجه العدم : ظهور بطلان ظنه.

المسألة الثالثة : السلس‌ يجدّد الوضوء بحسب الصلوات في الأقرب ، لأن الأصل في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجابها ، فعفي عنه في قدر الضرورة وهو الصلاة الواحدة ، ولاقتضاء القيام إلى الصلاة الطهارة لكلّ محدث ، عملا بالآية وهذا محدث.

وجوّز في المبسوط ان يصلي بوضوء واحد صلوات كثيرة ، لأنه لا دليل على تجديد الوضوء عليه ، وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به. ثم ذكر وجوب التحفّظ بقدر الإمكان (٢) ، كما مر. فكأنه لا يجعل البول حدثا ويحصر الحدث في غيره.

وفي الخلاف جعله كالمستحاضة في وجوب التجديد ، ثم ذكر الإجماع (٣) ، والظاهر أنّه على المستحاضة لا غير.

وكلامه في المبسوط يشعر بانتفاء النص فيه ، مع انّ ابن بابويه والشيخ رويا عن حريز ، عن الصادق عليه‌السلام ، في الرجل يقطر منه البول والدم : « إذا‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣.

(٢) المبسوط ١ : ٦٨.

(٣) الخلاف ١ : ٢٤٩ المسألة ٢٢١.

٢٠١

كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ، ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ، ثمّ صلّى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ـ يؤخّر الظهر ويعجل العصر ـ بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح » (١).

قلت : كأنّه لا يرى فيه دلالة على المطلوب ، إذ لا ينفي جواز الزيادة على الصلاتين ، ولا ينافي تخلل الوضوء للثانية.

والفاضل استشعر ذلك ، فذهب في المنتهى الى جواز الجمع المذكور لا غيره (٢). مع ان في التهذيب بالإسناد إلى سماعة : سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم أو غيره ، قال : « فليضع خريطة ، وليتوضّأ ، وليصل ، فإنّما ذلك بلاء ابتلي به ، فلا يعيدن إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه » (٣) وهو يشعر بفتوى المبسوط (٤).

الرابعة : الظاهر : ان المبطون يجدّد أيضا لكلّ صلاة ، لمثل ما قلناه. ولم أرهم صرّحوا به ، إلاّ ان فتواهم بالوضوء للحدث الطارئ في أثناء الصلاة يشعر به.

وقد رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : « صاحب البطن الغالب يتوضّأ ، ويبني على صلاته » (٥) ، وعبارة رواية التهذيب : « يتوضّأ ، ثم يرجع في صلاته فيتمّم ما بقي » (٦).

وفي رواية الفضيل بن يسار ـ بالياء المثناة تحت ، والسين المهملة المخففة ـ قلت للباقر عليه‌السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو ضربانا ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٤٨ ح ١٠٢١.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٧٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٩ ح ١٠٢٧.

(٤) في ط : الأصحاب.

(٥) الفقيه ١ : ٢٣٧ ح ١٠٤٣.

(٦) التهذيب ١ : ٣٥٠ ح ١٠٣٦.

٢٠٢

فقال : « انصرف ، ثم توضّأ ، وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا » ، ولم يبطلها باستدبار القبلة (١).

وروايات بناء المحدث في أثناء الصلاة بالتيمّم يشعر به أيضا (٢).

وفي المختلف ألغى الرواية مع صحتها ، وأوجب استئناف الطهارة والصلاة مع إمكان التحفظ بقدر زمانهما ، وإلاّ بنى بغير طهارة كالسلس ، محتجّا بأنّ الحدث لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ، لانتفاء شرط الصحة ، أعني : استمرار الطهارة (٣). وهو مصادرة ، وتشبيهه بالسلس ينفي ما أثبته من وجوب (٤) إعادة الصلاة للمتمكن ، إلاّ أن يرتكب مثله في السلس ، فالأولى : العمل بموجب الرواية ، وفتوى الجماعة.

فرع : هل ينسحب مضمون الرواية في السلس؟ يمكن ذلك ، لاستوائهما في الموجب ، وإشارة الروايات إلى البناء بالحدث مطلقا. والوجه : العدم ، لأن أحاديث التحفّظ بالكيس والقطن مشعرة باستمرار الحدث ، وأنّه لا مبالاة به.

والظاهر : أنه لو كان في السلس فترات ، وفي البطن تواتر ، أمكن نقل حكم كل منهما إلى الآخر.

الخامسة : لو شك في الوضوء وهو على حاله ، تلافى المشكوك فيه مراعيا للترتيب والولاء ، لأصالة عدم فعله ، ولرواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا كنت قاعدا على وضوئك ، فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا ، فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه. فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه ، وصرت الى حالة أخرى في الصلاة أو غيرها ، وشككت في شي‌ء ممّا سمى الله عليك وضوءه ، فلا شي‌ء‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٠ ح ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ح ١٣٧٠.

(٢) الفقيه ١ : ٥٨ ح ٢١٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ ح ٥٩٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ ح ٥٨٠.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٨.

(٤) في س : جواز.

٢٠٣

عليك فيه » (١).

وهذه كما تدل على المطلوب تدل على عدم اعتبار الشك بعد الانصراف ، وذكر القعود والقيام يبيّن الحال. نعم ، لو طال القعود فالظاهر التحاقه بالقيام ، لمفهوم قوله : « وفرغت منه وصرت الى حالة اخرى » ، ورواية عبد الله بن أبي يعفور عنه عليه‌السلام : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره ، فليس شكك بشي‌ء ، إنّما الشك إذا كنت في شي‌ء لم تجزه » (٢) ، والمراد : انما الشك الذي يلتفت إليه. وما أحسن رواية بكير بن أعين ، قال : قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ ، قال : « هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك » (٣) إلى أخبار كثيرة.

ولأنه لو شرع التلافي للشك بعد الفراغ أدى الى الحرج المنفي ، لعسر الانفكاك من ذلك الشك ، وعسر ضبط الإنسان الأمور السالفة.

فرع :

لو كثر شكّه ، فالأقرب : إلحاقه بحكم الشك الكثير في الصّلاة ، دفعا للعسر والحرج. والأقرب : إلحاق الشك في النية بالشك في أفعال الوضوء في الموضعين ، إذ هي من الأفعال ، والأصل عدم فعلها إذا كان الحال باقيا.

أمّا مع اليقين بترك شي‌ء ، فلا فرق بين الحالين في وجوب التلافي مرتبا مواليا. ولو كان في الصلاة قطعها ، وبه أخبار كثيرة ، منها : خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنّك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض ، فانصرف وأتمّ الّذي نسيته » (٤).

السادسة : لو شك في الطهارة بعد يقين الحدث تطهّر ، وبالعكس لا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ح ٢٦١.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ ح ٢٦٢ ، السرائر : ٤٧٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ح ٢٦٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٠١ ح ٢٦٣.

٢٠٤

يلتفت ، لأنّ اليقين لا يرفعه الشك ، إذ الضعيف لا يرفع القوي.

وقد روى عبد الله بن بكير عن أبيه ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا استيقنت أنّك توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنّك قد أحدثت » (١). وهو صريح في مسألة يقين الطهارة ، وظاهر في مسألة يقين الحدث ، عملا بمفهوم : « إذا استيقنت أنّك توضّأت » ، فإنّه يدلّ على اعتبار اليقين في الوضوء.

ولو تيقن الطهارة والحدث ، وشك في السابق ، قال المفيد : وجب عليه الوضوء ، ليزول الشك عنه ويدخل في صلاته على يقين من الطهارة (٢).

قال الشيخ : لأنه مأخوذ على الإنسان ألاّ يدخل في الصلاة إلاّ بطهارة ، فينبغي أن يكون متيقّنا بحصول الطهارة قبله ، ليسوغ له الدخول بها في الصلاة (٣). ولم يذكر في هذه المسائل الثلاث رواية غير ما تلوناه ، وكذا ابن بابويه في ( من لا يحضره الفقيه ) أوردها مجرّدة عن خبر (٤) ، وحكمها ظاهر.

غير أنّ المحقّق في المعتبر قال : عندي في ذلك تردّد ـ يعني مسألة يقين الطهارة والحدث ـ ويمكن أن يقال : ينظر الى حاله قبل تصادم الاحتمالين ، فإن كان حدثا بنى على الطهارة ، لأنّه بتيقّن (٥) انتقاله عن تلك الحالة إلى الطهارة ولم يعلم تجدّد الانتقاض ( صار متيقّنا ) (٦) للطهارة وشاكّا في الحدث ، فيبني على الطهارة وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّرا بنى على الحدث ، لعين ما ذكرناه من التنزيل (٧). هذا لفظه.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ ح ٢٦٨.

(٢) المقنعة : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٠٢.

(٤) الفقيه ١ : ٣٧.

(٥) في س : متيقن ، وفي ط : تيقن.

(٦) في س ، ط : فصار مستيقنا.

(٧) المعتبر ١ : ١٧٠.

٢٠٥

والفاضل عكس ، وعبارته هذه في المختلف : مثاله : إذا تيقّن عند الزوال انّه نقض طهارة وتوضّأ عن حدث وشك في السابق ، فإنّه يستصحب حال السابق على الزوال. فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته ، لأنّه تيقّن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ ، ولا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ، ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك. وان كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث ، لأنّه تيقن انه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها (١).

قلت : هذان لو سلما فليس فيهما منافاة لقول الأصحاب ، إذ مرجعهما الى تيقّن أحدهما والشك في الآخر ، والأصحاب لا ينازعون في ذلك.

ويرد توجيه كل منهما نقضا على الآخر. وأيضا يمكن تعقّب الطهارة للطهارة في التجديد ، وتعقب الحدث الحدث ، ولما استشعر في غير المختلف ذلك قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين ، وحكم باستصحاب السابق (٢).

وهو إذا تم ليس من الشك في شي‌ء الذي هو موضوع المسألة ، لأنّها أمور مترتبة علم ترتيبها ، غايته انه يلتبس السابق لعدم لحظ الذهن الترتيب فهو كالشاك في المبدإ في السعي وهو يعلم الزوجية والفردية ، فإنّه متى لحظه الذهن علم المبدأ ، ولا يسمّى استصحابا عند العلماء ، وقد نقل عنه أنه أراد به لازم الاستصحاب ، وهو : البناء على السابق.

وإذا لم يعلم الحال قبل تصادم الاحتمالين ، فلا شك فيما قاله الأصحاب.

وفي التذكرة حكى الوجوه الثلاثة عن العامة ، وعلّل وجه البناء على الضد باحتمال تجديد الطهارة في صورة سبق الطهارة ، وباحتمال تعقب الحدث في صورة سبق الحدث على زمان تصادم الاحتمالين ، قال : ولو لم يكن من عادته التجديد ، فالظاهر : أنه متطهّر بعد الحدث ، فتباح له الصلاة. وعلّل الاستصحاب بسقوط‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢٧.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٧٢ ، تحرير الأحكام ١ : ١٠.

٢٠٦

حكم الحدث والطهارة الموجودين بعد التيقن ، لتساوي الاحتمالين فيهما فتساقطا ، ويرجع الى المعلوم أولا (١).

ويضعّف بتيقّنه الخروج عن ذلك السابق الى ضدّه ، فكيف يبني على ما علم الخروج منه؟!.

وبالجملة فإطلاق الإعادة لا ينافيه هذان الفرضان ، لأن مورد كلامهم الشك ، وهما إن تمّا أفادا ظنّا ، وأمّا الاتحاد والتعاقب فمن باب اليقين.

تنبيه :

قولنا : اليقين لا يرفعه الشك ، لا نعني به اجتماع اليقين والشك في الزمان الواحد ، لامتناع ذلك ضرورة أنّ الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الأخر ، بل المعني به أنّ اليقين الذي كان في الزمن الأوّل لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمن الثاني ، لأصالة بقاء ما كان ، فيؤول الى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد ، فيرجح الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات.

السابعة : حكم في المبسوط بأنّه لو صلّى الظهر بطهارة ، ثمّ صلّى العصر بطهارة أخرى ، ثم ذكر الحدث عقيب إحداهما قبل الصلاة ، تطهّر وأعاد الصلاتين ، وكذا يعيدهما لو توضّأ وصلّى الظهر ، ثمّ أحدث وتوضأ وصلّى العصر ، ثمّ علم ترك عضو من إحدى الطهارتين ولم يعلمها ، معلّلا بأنه لم يؤدّ إحداهما بيقين (٢).

وهو بناء على وجوب تعيين المقضي مع الاشتباه ، تحصيلا لليقين ، ولهذا أوجب إعادة الخمس لو صلاها بخمس طهارات ، ثم ذكر تخلّل الحدث بين طهارة وصلاة. وكذا أوجب الخمس لو توضّأ خمسا كلّ مرة عقيب الحدث ، ثم ذكر ترك‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٢١.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤.

٢٠٧

عضو (١).

ولو قلنا : بسقوط التعيين هنا ، أجزأه أربع مطلقة بينهما. وأجزأه في الخمس هذه مع زيادة الإطلاق في العشاء ، ومع صبح ومغرب ، ولو اختلفت الصلاتان فلا شك في إعادتهما.

والعجب أنّ الشيخ أفتى في المبسوط بأنّ من فاتته صلاة لا يعلمها بعينها يجزئه ثلاث صلوات (٢) ، مع إيجابه الخمس هنا ، ولا فرق. وعوّل على ما رواه علي ابن أسباط ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من نسي صلاة من صلاة يومه ، ولم يدر أي صلاة هي ، صلّى ركعتين وثلاثا وأربعا » (٣).

قال : ولو صلّى الظهر بطهارة ، ثمّ جدّد للعصر بغير حدث ، ثمّ ذكر إخلال عضو ، أعاد الظهر بعد الطهارة دون العصر ، لوقوعها بعد طهارتين. قال : وكذا لو صلّى الخمس على هذا الوجه ، وذكر إخلال العضو أعاد الوضوء والاولى لا غير.

قال : ولو ذكر ترك عضو من طهارتين أعاد الأوليين ، ومن ثلاث يعيد الثلاث الأول ، ومن أربع يعيدها لا غير ، ومن خمس يعيد المجموع (٤).

ولم يذكر اعادة الوضوء هنا ، وهو بناء على أجزاء المجدّد عن الواجب إذا ظهر فساده ، إمّا للاجتزاء بالقربة ، وإمّا لأنّ غاية المجدّد تدارك الخلل في الأوّل. والتعليل الثاني يناسب فتوى المبسوط بوجوب نية الرفع أو الاستباحة (٥) مع حكمه بصحة الصلاة هنا.

وفي المعتبر : إن قصد بالطهارة الثانية الصلاة فكما قال الشيخ (٦) ، لأنّه قصد‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٢٧.

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٤ ـ ٢٥.

(٥) المبسوط ١ : ١٩.

(٦) المعتبر ١ : ١٧٣.

٢٠٨

زيادة على رفع الحدث فقد تضمّن نيته رفع الحدث ، مع أنّه صرّح في موضع آخر باجزاء المجدّد لو فسد الأوّل (١).

وأمّا الطهارة لإعادة الأولى ، فعلى قوله ـ رحمه‌الله ـ لا حاجة إليها ، لأنّه الآن متطهّر وإلاّ لم تصح الثانية وما بعدها ، إلاّ أن نقول : المجدّد إنّما يجتزأ به إذا فعل ما ترتب عليه قبل ذكر الخلل. وهو بعيد ، لأنّه أحال صحة الثانية على أنّه كان من الأوّل ، فطهارته الثانية صحيحة. ويؤيّده حكمه بأنّه لو جدّد من غير صلاة ثمّ صلى بهما صحّت الصلاة ، لأنّ كمال إحدى الطهارتين مصحّح للصلاة ، سواء كانت الأولى أو الثانية. ولو ذكر تخلّل حدث في هذه الصورة أعاد الصلاة ، لإمكان كونه عقيب المجدّد فيفسد الوضوءان.

الثامنة : لو كان الوضوء المجدّد منذورا فكالندب ، إلاّ عند من اجتزأ بالوجه والقربة.

ولو كان الوضوءان مندوبين أو واجبين نوى فيهما رفع الحدث أو الاستباحة للذهول عن الأول ، فالأقرب : الاجتزاء بأحدهما لو ظهر خلل في الآخر.

ولو نوى بالثاني تأكيد الاستباحة أو الرفع ، فيجي‌ء على قول المعتبر أولوية الإجزاء ، إلاّ أنّ نية الوجوب مشكلة لعدم اعتقاده. ويمكن ان يقال : ان التقوية (٢) لا تحصل إلاّ بإيقاعه على وجهه ، فإذا نوى الوجوب وصادف اشتغال الذمة كان مجزئا ، كما لو نوى الرفع وصادف الحدث.

تنبيه :

فرق المعتبر بين الوضوء المجدّد مطلقا وبين المنوي به الصلاة (٣) يشعر بأنّ‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٤٠.

(٢) في ط : اليقين به ، وما أثبتناه من ( س ) و ( م ).

(٣) المعتبر ١ : ١٤٠.

٢٠٩

التجديد قسمان. وظاهر الأصحاب والأخبار : أنّ شرعية التجديد للتدارك ، فهو منوي به تلك الغاية. وعلى تقدير عدم نيّتها لا يكون مشروعا.

التاسعة : لو كان الترك من طهارتين في يوم بخمس حقيقية فسد صلاتان مبهمتان. فعلى قول الشيخ هنا ، وأبي الصلاح ، وابن زهرة في كل فائتة مبهمة تجب الخمس ، لوجوب التعيين (١). والوجه : الاجتزاء بأربع : صبح ، ثم رباعيّة مردّدة بين الظهرين ، ثم مغرب ، ثم رباعية مردّدة بين العصر والعشاء ، لإتيانه على الواجب ، ولعدم تعقّل الفرق بينه وبين النص على الثلاث.

ولو ردّد بين الرباعيّات الثلاث في الرباعية بعد الصبح لم يضر ، لإمكان كون الفائت العشاء مع الصبح ، ولكن يجوز إسقاطه اكتفاء بالترديد الثنائي في الرباعيّة الكائنة بعد المغرب.

ولو ذكر الظهر في الرباعية بعد المغرب فلغو ، لأنّ الظهر إن كانت في الذمة فقد صلاّها فلا فائدة في ذكرها. والظاهر : أنّه غير ضائر ، لأنّه أتى بالواجب فتلغو الزيادة. ويحتمل البطلان ، لأنّه ضمّ ما يعلم انتفاءه من البين ، فهو كالترديد بين النافلة والفريضة بل أبلغ ، لأن الظهر في حكم صلاة غير مشروعة للنهي المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه : « لا تصلّى صلاة واحدة في اليوم مرتين » (٢).

فروع :

الأوّل : لو عيّن الرباعيات ، فعلى مذهب التعيين لا شك في الاجزاء. وعلى غيره يمكن العدم ، لأنّه تعيين ما لا يعلمه ولا يظنه ، بخلاف الترديد فإنه آت في الجملة على ما يظن ، وبخلاف الصبح والمغرب لعدم إمكان الإتيان‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٥ ، الكافي في الفقه : ١٥٠ ، الغنية : ٥٦٢.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٤١ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٨ ح ٥٧٩ ، سنن النسائي ٢ : ١١٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٤١٥ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٠٣.

٢١٠

بالواجب من دونهما.

والأصل فيه : أنّ العدول الى الترديد عن التعيين ، هل هو رخصه وتخفيف على المكلف ، أو هو المصادفة النية أقوى الظنين؟ فعلى الأول يجزئ التعيين بطريق الأولى. وعلى الثاني لا يجزئ. والخبر محتمل للأمرين (١).

الثاني : لو جمع بين التعيين والترديد أمكن البطلان ، لعدم استفادته رخصة به ، وعدم انتقاله إلى أقوى الظنّين.

والصحة ، لبراءة الذمة بكلّ منهما منفردا ، فكذا منضما. فحينئذ ان عيّن الظهر ، ردّد ثنائيا بين العصر والعشاء مرتين ، إحداهما قبل المغرب والأخرى بعدها. وان عين العصر ، ردّد ثنائيا بين الظهر والعشاء مرتين ، إحداهما قبل العصر والأخرى بعد المغرب. وان عيّن العشاء ، ردّد ثنائيا مرتين متواليتين بين الصبح والمغرب. والحق انه تكلّف محض لا فائدة فيه ، بل لا ينبغي فعله.

الثالث : لو ذكر بعد التعيين ما إنسية أجزأ قطعا. وان ذكر بعد الترديد ، فان كان في أثناء الصلاة عدل الى الجزم بالتعيين. وان كان بعد الفراغ ، فالأقرب : الإجزاء ، لإتيانه بالمأمور فخرج عن العهدة. ويمكن الإعادة ، لوجوب التعيين عند ذكره ، وما وقع أولا كان مراعى. ويضعف بالاحتياط لو ذكر الحاجة إليه بعده فإنه لا يعيد فهنا اولى ، لعدم الفصل والزوائد هنا.

العاشرة : لو كان الترك من طهارتين في يومين ، وعلم تفريقهما ، صلّى عن كل يوم ثلاثا يرتب بينهما لا فيهما.

وان علم جمعهما في يوم واشتبه ، جمع بين حكمي اليومين حيث يختلفان في التمام والقصر ، فيصلّي خمسا ثنائيّة مردّدة بين الثلاث السابقة على المغرب ، ثم رباعية مردّدة بين الظهرين ، ثم مغربا ، ثم ثنائية مرددة بين ما عدا الصبح ، ورباعيّة مردّدة بين العصر والعشاء.

ولا مبالاة بتقديم الثنائيّة هنا على الرباعيّة وتأخيرها بخلاف ما قبل‌

__________________

(١) تقدم في ص ٢٠٨ الهامش ٣.

٢١١

المغرب ، فإنه يجب تقديم الثنائية على الرباعية لمكان الصبح. والبحث في التعيين هنا ، والجمع بينه وبين الإطلاق كما مرّ.

ولو ردد رباعيا هنا في الثنائية الأولى ، فقد ضمّ ما لا يصحّ الى ما يمكن صحته ، إذ العشاء غير صحيحة هنا قطعا ، لأنّها ان كانت فائتة فلا بد من فوات اخرى قبلها ، فيمتنع صحة العشاء حينئذ.

فإن قلت : لم لا يسقط الترتيب هنا ، لعدم العلم به وامتناع التكليف لا مع العلم ، فحينئذ يجزئ كيف اتفق؟

قلت : لما كان له طريق الى الترتيب ، جرى مجرى المعلوم ، فوجبت مراعاته.

فان قلت : كل ترتيب منسي يمكن تحصيله فليجب مطلقا.

قلت : قد قيل بوجوب تحصيله ، كما يأتي ان شاء الله في قضاء الصلوات ، وان منعناه هنالك فلاستلزام زيادة التكليف المنفيّ بالأصل ، بخلاف هذه الصور ، لان التكليف بالعدد المخصوص لا يتغير ، رتب أو لا ، فافترقا.

فان قلت : إذا كان الترتيب معتبرا ، فليعد الخمس مطلقا ، لإمكان كون الفائت الصبح ، فيكون قد صلّى ما بعدها مع اشتغال ذمّته بها ، فيبطل الجميع : اما الصبح فلفواتها ، واما غيرها فلترتبه عليها.

قلت : لا نسلم بطلان المرتب هنا لفساد المرتب عليه ، لامتناع تكليف الغافل ـ وان كان قد توهّمه قوم ـ لأنا كالمجمعين على صحة صلاة من فاته صلاة قبلها ولم يعلمه ، وقد صرح به الأصحاب في مواضع العدول (١). ولو اشتبه عليه الجمع والتفريق ، فكالعلم بالتفريق أخذا باليقين.

الحادية عشر : لو كان الفوات في صلاة السفر ، فالأقرب : الاجزاء في إبهام الواحدة بالثنائية والمغرب ، وفي إبهام الاثنتين بالثنائية المردّدة ثلاثيا قبل المغرب وبعدها ، أخذا من مفهوم الخبر في صلاة الحضر ، وبه أفتى ابن البراج.

__________________

(١) راجع : المبسوط ١ : ١٢٦ ، مختلف الشيعة : ١٤٧.

٢١٢

وأوجب ابن إدريس هنا الخمس (١) لعدم النص عليه ، وأصالة وجوب التعيين.

ولو كان في صلاة التخيير ـ كما في الأماكن الشريفة الأربعة ، وكما في قاصد نصف مسافة غير مريد للرجوع ليومه على قول يأتي ان شاء الله ـ وقلنا : بقضائه تخييرا كأدائه ، تبع اختيار المكلف. وان حتمنا القصر في القضاء فظاهر.

الثانية عشر : لو تبين فساد ثلاث طهارات من يوم وجبت الخمس في التمام ، لان من الاحتمالات فساد الرباعيات ، وفي القصر اربع يردد فيما عدا المغرب. ولو كان الفاسد أربعا تساويا في إعادة الخمس.

تنبيه :

خرّج ابن طاوس رحمه‌الله وجها في ترك عضو متردد بين طهارة مجزئة وغير مجزئة انه لا التفات فيه ، لاندراجه تحت الشك في الوضوء بعد الفراغ. وهو متجه ، الا ان يقال : اليقين هنا حاصل بالترك وان كان شاكا في موضوعه ، بخلاف الشكّ بعد الفراغ فإنه لا يقين فيه بوجه ، والله الموفق.

__________________

(١) السرائر : ٥٩.

٢١٣
٢١٤

المطلب الثاني : في الغسل.

وفيه الأبحاث الثلاثة ، فالأول في واجبه ، وهو أربعة :

الأول : إزالة النجاسة عن بدنه ، ليقع الماء على محل طاهر ، فيرفع الحدث عنه لبقائه على الطهارة ، ولو كان البدن نجسا لنجس الماء.

ولو كان الماء كثيرا أو جاريا لا ينفعل ، فالأقرب : عدم أجزاء غسلها عن رفع الحدث ، لأنهما سببان فيتعدّد حكمهما.

وفي المبسوط : إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل ، فان خالف واغتسل أوّلا فقد ارتفع حدث الجنابة ، وعليه ان يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل ، وان زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (١).

ويشكل : بأنّ الماء ينجس فكيف يرفع الحدث؟ والاجتزاء بغسلها عن الأمرين مشكل أيضا.

ووجهه : صدق مسمّى الغسل ، وزوال العين ، فيكفي عنهما. وهذا في الحقيقة شرط في الغسل.

الثاني : النية ، وهي القصد إلى إيقاعه بالغاية المذكورة في الوضوء ومباحثها آتية هنا.

والمستحاضة الدائمة الدم تنوي الاستباحة ، ولا تقتصر على رفع الحدث ، كما مرّ.

أمّا المبطون والسلس فكالصحيح هنا ، لأن ارتفاع حكم الجنابة لا ينافيه دوام هذا الحدث للضرورة. وربما احتمل مساواته الاستحاضة ، لأنّ رفع الحدث لا يتبعض.

وكذلك المستحاضة ذات الدم القليل بعد الكثير ، إذا قلنا بوجوب الغسل‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩.

٢١٥

عليها من الاستحاضة أو وجب عليها غسل آخر ، فإنها تنوي رفع الحدث بالنسبة إلى الكثير أو السبب الجديد ، وعلى الاحتمال تقتصر على الاستباحة.

وصاحب الجبيرة ينوي الرفع ، ويتخرّج ما ذكر في الوضوء.

ويجوز تقديم النيّة في مواضع التقديم في الوضوء. ويكفي استدامة حكمها ، لعسر الاستدامة الفعلية.

وتجوز نية رفع الحدث الواقع لا غيره. وتجوز نيّة الرفع مطلقا ، لإتيانه على الواقع. وكذا لو نوى رفع الحدث الأكبر ، ولو نوى رفع الأصغر لم يجزه ، عامدا كان أو ساهيا. ولا يرتفع الحدث عن أعضاء الوضوء ، لعدم قصد الوضوء ، وعدم تبعّض الرفع. ولا يجزئ عن الوضوء لو كان مع الغسل وضوء ، لعدم القصد اليه ، ولعدم كماله.

ولو نوت الحائض والنفساء استباحة الوطء ، وحرمناه ، أجزأ. وان قلنا بالكراهية ، فالأقرب : الاجزاء ، لما مرّ في الوضوء.

الثالث : إجراء الماء على جميع البشرة ، تحقيقا لمسمّى الغسل في قوله تعالى : ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١) وللإجماع على ذلك. ولا يكفي الإمساس من دون الجريان ، لأنه يسمّى مسحا لا غسلا.

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه : « إنّ عليا عليه‌السلام كان يقول : الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما ( اجرى مثل ) (٢) الدهن الذي يبلّ الجسد » (٣) محمولة على الجريان ، لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيرة‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

(٢) في المصدرين : « أجزأ من ».

(٣) التهذيب ١ : ١٣٨ ح ٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ ح ٤١٤.

وسيأتي في ص ٢٤٢ الهامش ٢.

٢١٦

أجزأه » (١) وعليها يحمل ما رواه عنه عليه‌السلام : « إذا مسّ جلدك الماء فحسبك » (٢) وغيرها من الروايات.

ويجب تخليل الشعر بحيث يصل الماء إلى أصوله ، خفّ أو كثف ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تحت كل شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر ، وأنقوا البشرة » (٣). وروى حجر ـ بضم الحاء وإسكان الجيم والراء ـ ابن زائدة ـ بالزاي المعجمة ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار » (٤). وسقوط التخليل في الوضوء أخذا من المواجهة ، ورفعا للحرج بتكرّره.

ولو كان الشعر خفيفا لا يمنع ، استحبّ تخليله استظهارا.

ولا يجب غسل الشعر إذا وصل الماء إلى أصوله ، قاله الأصحاب (٥) لقضيّة الأصل ، وخروجه عن مسمّى البدن. والحديث ببلّ الشعر والتوعّد على تركه ، يحمل على توقّف التخليل عليه ، أو على الندب. وفي مرسل الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة » (٦) وظاهره عدم وجوب غسله.

وكذا يجب تخليل كل ما لا يصل اليه الماء الاّ به ، لتوقف الواجب عليه ، كالخاتم ، والسير ، والدملج ، ومعاطف الأذنين.

ولا يجب غسل باطن الفم والأنف والعين ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية عبد الله بن سنان : « لا يجنب الأنف والفم » (٧) وفي معناه رواية أبي بكر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٢ ح ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨١ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٧.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ١٩٦ ح ٥٩٧ ، الجامع الصحيح ١ : ١٧٨ ح ١٠٦ ، السنن الكبرى ١ : ١٧٩.

(٤) عقاب الأعمال : ٢٧٢ ، أمالي الصدوق : ٣٩١ ، التهذيب ١ : ١٣٥ ح ٣٧٣.

(٥) راجع : السرائر : ٢١ ، المعتبر ١ : ١٨٢ ، تذكرة الفقهاء : ١ : ٢٣.

(٦) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٦ ، التهذيب ١ : ١٤٧ ح ٤١٦.

(٧) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٥٨ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ح ٣٩٤.

٢١٧

الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

الرابع : الترتيب : وهو أن يبدأ بغسل الرأس مع الرقبة ـ نص عليه المفيد (٢) والجماعة (٣) ـ ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر ، وهو من تفرّداتنا.

وقد رووا عن عائشة : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه .. الى قولها : ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ، ثم يفيض الماء على جلده (٤) وعن ميمون نحوه (٥) وهما من الصحاح.

ونقل الشيخ إجماعنا على وجوب الترتيب ، واحتجّ باخبار منها : رواية زرارة قلت : له كيف يغتسل الجنب؟ فقال : « إن لم يكن أصاب كفّه شي‌ء غمسها في الماء ، ثم بدأ بفرجه فأنقاه ، ثم صبّ على رأسه ثلاث أكف ، ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين ، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه » (٦). والظاهر أنّ المراد به الإمام عليه‌السلام ، وفي المعتبر أسنده زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٧).

وفي التهذيب في موضع آخر ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غسل الجنابة؟ فقال : « أفض على رأسك ثلاث أكفّ ، وعن يمينك ، وعن يسارك ، انما يكفيك مثل الدّهن » (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ ح ٢٠١ ، ١٣١ ح ٣٥٩ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ح ٣٩٥.

(٢) المقنعة : ٦.

(٣) راجع : الانتصار ٣٠ ، المعتبر ١ : ١٨٢ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣.

(٤) ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٩ ح ١١١ ، مسند أحمد ٦ : ٥٢ ، سنن الدارمي ١ : ١٩١ صحيح البخاري ١ : ٧٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٥٣ ح ٣١٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٠ ح ٥٧٣.

(٥) سنن الدارمي ١ : ١٩١ ، صحيح البخاري ١ : ٧٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٥٤ ح ٣١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٠ ح ٥٧٣ ، الجامع الصحيح ١ : ١٧٣ ح ١٠٣ ، السنن الكبرى ١ : ١٧٧.

(٦) الخلاف ١ : ١٣٢ المسألة ٧٥.

ورواية زرارة في الكافي ٣ : ٤٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٣٣ ح ٣٦٨.

(٧) المعتبر ١ : ١٨٣.

(٨) التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨٤.

٢١٨

ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « تبدأ بكفّيك فتغسلهما ، ثم تغسل فرجك ، ثم تصبّ على رأسك ثلاثا ، ثمّ تصبّ على سائر جسدك مرتين ، فما جرى عليه الماء فقد طهر » (١) والمطلق يحمل على المقيد.

وقد روي : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا اغتسل بدأ بميامنه (٢).

ولأن الغسل البياني لو بدأ فيه بمياسره لوجب البدأة بها ، ولو أسبغ على الجميع من غير مراعاة جانب لوجب ذانك ، ولم يقل أحد بوجوبهما.

ولأنّ الاتفاق على ان الميامن أفضل ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخلّ به ، فيكون الغسل البياني مشتملا على تقديم الميامن ، فيجب التأسّي به.

وفي المعتبر : الروايات دلّت على تقديم الرأس على الجسد ، اما اليمين على الشمال فلا تصريح فيها به ، ورواية زرارة وردت بالواو ولا دلالة فيه على الترتيب.

قال : لكن أفتى به الثلاثة واتباعهم ، وفقهاؤنا الآن بأجمعهم يفتون به ويجعلونه شرطا في صحة الغسل (٣).

قلت : لا قائل بوجوب الترتيب في الرأس خاصة ، فالفرق إحداث قول ثالث. وأيضا فقد تقدم نقل الشيخ الإجماع عليه (٤) ، فيتوقف اليقين برفع الحدث على الترتيب ، ولأن الصلاة واجبة في ذمّته فلا تسقط إلاّ بيقين الغسل ، ولا يقين إلاّ مع ترتب الغسل. وبان الترتيب قد ثبت في الطهارة الصغرى على الوجه المخصوص ، ولا أحد قائل بالترتيب فيها إلاّ وهو قائل بوجوب الترتيب في غسل الجنابة ، فالقول بخلافه خروج عن الإجماع ، ونقله ابن زهرة وابن إدريس أيضا (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤٢٠.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٥٦ ح ٣٢١ ، السنن الكبرى ١ : ١٧٢.

(٣) المعتبر ١ : ١٨٣.

(٤) تقدّم في ص ٢١٨ الهامش ٦.

(٥) الغنية : ٥٥٤ ، السرائر : ١٧.

٢١٩

نعم ، لم يصرّح الصدوقان بالترتيب في البدن ولا بنفيه (١).

وابن الجنيد اجتزأ مع قلّة الماء بالصب على الرأس ، وإمرار اليد على البدن تبعا للماء المنحدر من الرأس على الجسد ، قال : ويضرب كفين من الماء على صدره وسائر بطنه وعكنة ، وهي جمع عكنة ـ بضم العين وسكون الكاف ـ وهي : الطيّ الذي في البطن من السمن ، وتجمع أيضا على أعكان ، ثم يفعل مثل ذلك على كتفه الأيمن ، ويتبع يديه في كلّ مرة جريان الماء حتى يصل الى أطراف رجله اليمنى ماسحا على شقه الأيمن كله ظهرا وبطنا ، ويمرّ يده اليسرى على عضده الأيمن إلى أطراف أصابع اليمنى وتحت إبطيه وأرفاغه ، ولا ضرر في نكس غسل اليد هنا ـ والأرفاغ : المغابن من الآباط وأصول الفخذين ، واحدها رفغ بفتح الراء وضمها وسكون الفاء. ويفعل مثل ذلك بشقّه الأيسر ، حتى يكون غسله من الجنابة كغسله للميت المجمع على فعل ذلك به. فان كان بقي من الماء بقية أفاضها على جسده ، وأتبع يديه جريانه على سائر جسده. ولو لم يضرب صدره وبين كتفيه بالماء ، الاّ أنّه أفاض ببقية مائه ـ بعد الذي غسل به رأسه ولحيته ـ ثلاثا على جسده ، أو صبّ على جسده من الماء ما يعلم أنّه قد مرّ على سائر جسده ، أجزأه. ونقل رجليه حتى يعلم أنّ الماء الطاهر من النجاسة قد وصل الى أسفلهما. وهذا الكلام ظاهره سقوط الترتيب في البدن.

والجعفي أمر بالبدأة بالميامن. وابن أبي عقيل عطف الأيسر بالواو. فحينئذ قول ابن الجنيد نادر ، مسبوق وملحوق بخلافه.

وأبو الصلاح أوجب الترتيب ، ثم قال ـ بعد غسل الأيسر ـ : ويختم بغسل الرجلين ، فان ظنّ بقاء شي‌ء من صدره أو ظهره لم يصل اليه الماء ، فليسبغ بإراقة الماء على صدره وظهره. (٢) وكذا قاله بعض الأصحاب (٣).

__________________

(١) لاحظ : المقنع : ١٢ ، الهداية : ٢٠ ، الفقيه ١ : ٤٦.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٣) كابن زهرة في الغنية : ٥٥٤.

٢٢٠