ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

الطهور‌

١٠١
١٠٢

الفصل الرابع : في الاستعمال.

وهو البحث عن كيفية الطهارة ، ومطالبه ثلاثة‌ : الأول : في كيفية الوضوء ، وفيه ثلاثة أبحاث :

الأول : في واجباته‌ ، والذي استفيد من نص الكتاب ثمانية :

أولها : النية‌ ، وقد تقدّم تحقيقها. ويجب القصد بها الى القربة ، أعني : موافقة إرادة الله تعالى. وظاهر كلام المتكلّمين : أنّ القربة والتقرّب طلب الرفعة عند الله تعالى بواسطة نيل الثواب ، تشبيها بالقرب المكاني.

وينبّه على الأول قوله تعالى ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ) (١) ، وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ ) (٢) أي : إرادة لطاعته ، وقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : « ولكن وجدتك أهلا للعبادة » بعد نفي الطمع في الثواب ، والخوف من العقاب (٣).

وينبّه على الثاني قوله تعالى ( وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (٤) ، وقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٥) أي : راجين الفلاح ، أو : لكي تفلحوا. والفلاح هو الفوز بالثواب ، قاله الشيخ أبو علي الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ (٦) ، وقال بعض المفسرين : هو الفوز بالأمنية ، ومنه قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (٧). وقوله تعالى : ( أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ

__________________

(١) سورة الليل : ١٩ ـ ٢٠.

(٢) سورة البقرة : ١٦٥.

(٣) شرح نهج البلاغة للبحراني ٥ : ٣٦١.

(٤) سورة الأنبياء : ٩٠.

(٥) سورة الحج : ٧٧.

(٦) مجمع البيان ٧ : ٩٨.

(٧) سورة المؤمنون : ١.

١٠٣

لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ ) (١) صريح في ذلك ، لقوله تعالى من قبل ( وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ ) (٢).

واما قوله تعالى ( وَاقْتَرَبَ ) (٣) إن جعل مترتبا على السجود أفاد المعنى الثاني ، ومنه الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقرب ما يكون العبد الى ربّه إذا سجد » (٤). وإن جعل مستقلا أمكن أن يكون معناه وافق إرادة الله تعالى ، أو افعل ما يقرّبك من ثوابه ، قال الشيخ أبو علي ـ رحمه‌الله ـ : واقترب من ثوابه ، قال : وقيل معناه وتقرّب اليه بطاعته (٥).

والظاهر أنّ كلاّ منهما محصّل للإخلاص. وقد توهم قوم ان قصد الثواب يخرج عنه ، لأنّه جعله واسطة بينه وبين الله. وليس بذاك ، لدلالة الآي والأخبار عليه ، وترغيبات القرآن والسنّة مشعرة به ، ولا نسلّم أن قصد الثواب مخرج عن ابتغاء الله بالعمل ، لأنّ الثواب لما كان من عند الله فمبتغيه مبتغ وجه الله. نعم ، قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أولى ، لأنّه وصول بغير واسطة.

ولو قصد المكلف في تقربه الطاعة لله أو ابتغاء وجه الله كان كافيا ، ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية كل مقصد.

وهذه القربة معتبرة في كل عبادة ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٦) ، ( قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ) (٧).

ودلالة الكتاب والأخبار على النية ـ مع أنها مركوزة في قلب كل عاقل يقصد‌

__________________

(١) سورة التوبة : ٩٩.

(٢) سورة التوبة : ٩٩.

(٣) سورة العلق : ١٩.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٤٢١ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٠ ح ٤٨٢ ، سنن أبي داود ١ : ٢٣١ ح ٨٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ٢٢٦ ، السنن الكبرى ٢ : ١١٠.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٥١٦.

(٦) سورة البينة : ٥.

(٧) سورة الزمر : ١٤.

١٠٤

الى فعل ـ أغنى الأولين عن ذكر نيّات العبادات وتعلمها ، حتى أنّ الأخبار خالية عن تشخص (١) نيّة ، إلاّ ما سنذكر في الحج والعتق إن شاء الله.

لكن قال في التهذيب في تأويل خبر إعادة الوضوء بترك التسمية : أنّ المراد بها النية (٢). وفي الخلاف والمختلف نقل الإجماع على وجوبها (٣). وفي المعتبر أسنده إلى الثلاثة وابن الجنيد ، وقال : لم أعرف لقدمائنا فيه نصّا على التعيين (٤). ولم يحتجّ في الخلاف بغير الأخبار العامة في النية (٥). ومن ثم لم يذكرها قدماء الأصحاب في مصنفاتهم كالصدوقين.

والجعفي قال : لا عمل إلاّ بنيّة ، ولا بأس إن تقدمت النية العمل أو كانت معه. وابن الجنيد عطف على المستحب قوله : وأن يعتقد عند إرادة طهارته أنّه يؤدّي فرض الله فيها لصلاته ، قال : ولو عزبت النية عنه قبل ابتداء الطهارة ، ثمّ اعتقد ذلك وهو في عملها ، أجزأه ذلك.

وهذان القولان مع غرابتهما مشكلان ، لأنّ المتقدمة عزم لا نية ، والواقعة في الأثناء أشكل ، لخلو بعضه عن نية. وحمله على الصوم قياس محض ، مع الفرق بأن ماهية الصوم واحدة بخلاف الوضوء المتعدّد الأفعال ، واستحبابها لا أعلمه قولا لأحد من علمائنا.

فإن احتجّ ابن الجنيد على الاستحباب بأنّه تعالى قال ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (٦) ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (٧) ولم يذكر النية ، وبأن الماء مطهّر مطلقا فإذا استعمل في مواضعه وقع موقعه.

__________________

(١) في س : مشخص.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٨ ، الاستبصار ١ : ٦٨.

(٣) الخلاف ١ : ٧١ المسألة ١٨ ، مختلف الشيعة : ٢٠.

(٤) المعتبر ١ : ١٣٨.

(٥) راجع الهامش ٣.

(٦) سورة المائدة : ٦.

(٧) سورة المائدة : ٦.

١٠٥

أجيب : بأنّ الآية حجة لنا ، لأنّ المفهوم منه فاغسلوا لأجل الصلاة ، ومنه قولهم إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك ، وإذا قابلت العدو فخذ سلاحك ، فإن المفهوم منه للقاء الأمير ومقاتلة العدو. وطهورية الماء مسلّمة ، ولكنّ الجمع بينه وبين قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما الأعمال بالنّيات » (١) واجب. على أنّه يمكن العمل بطهورية الماء على الإطلاق في رفع الخبث لأنه كترك القبيح ، ولأن المقصود زوال عينه بالماء وقد حصل ، بخلاف الطهارة فإن الغرض بها العبادة.

ومحل النية القلب ، لأنّها إرادة. ولا يستحبّ الجمع عندنا بينه وبين القول ، للأصل ، ولعدم ذكر السلف إياه. وصار اليه بعض الأصحاب ، لأنّ اللفظ أشدّ عونا على إخلاص القصد (٢) ، وفيه منع ظاهر. والشيخ في الخلاف قال ـ في نية الصلاة ـ محلها القلب دون اللسان ، ولا يستحب الجمع بينهما ، محتجا بأنّ النية إرادة قلبية مؤثرة في تخصيص الفعل بوجهه ، ولا دليل شرعي على التلفظ بها (٣).

القول في كيفيتها : وللأصحاب فيها عبارات.

أولها : القربة وابتغاء وجه الله‌

. وهو في : النهاية (٤) ، والمقنعة (٥) ، واختيار البصروي ـ رحمه‌الله ـ لما مرّ.

وثانيها : أنّ ينوي رفع الحدث‌ ، أو استباحة فعل مشروط صحته بالطهارة. وهو قول المبسوط ، ولم يذكر القربة (٦) ، والظاهر أنّه تركها لظهورها لا لما قاله‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، مسند أحمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧ ، السنن الكبرى ٧ : ٣٤١.

(٢) كالعلامة في تذكرة الفقهاء ١ : ١٤.

(٣) الخلاف ١ : ٣٠٨ المسألة ٥٦.

(٤) النهاية : ١٥.

(٥) المقنعة : ١٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٩.

١٠٦

العامة : أنّ العبادة لا تكون إلاّ قربة ، لأنّه مدخول (١) إذ صيرورتها قربة بغير قصد ترجيح بلا مرجح.

وثالثها : التصريح بالقربة وأحد الأمرين ، ولا يشترط الوجوب ولا الندب. وهو مختار المعتبر (٢).

ورابعها : الاستباحة‌. ويلوح من كلام المرتضى رضي‌الله‌عنه (٣).

وخامسها : الجمع بين : القربة ، والوجه ، والرفع ، والاستباحة. وهو قول : أبي الصلاح (٤) وابن البراج (٥) وابن حمزة (٦) والراوندي ، لوجوب الرفع والاستباحة ، ووجوب نية كل واجب ، ولأنّ الرفع يوجد بدون الاستباحة في غسل الحائض إن قلنا برفعه الأكبر ، والاستباحة بدون الرفع في المتيمّم والطهارة الضرورية ، فإذا لم يتلازما لم يكف أحدهما.

وسادسها : الجمع بين الأربعة وبين الطاعة لله. وهو قول ابن زهرة ، قال : واعتبرنا تعلّق الإرادة برفع الحدث ، لأنّه مانع من الدخول. وبالاستباحة ، لأنه الوجه الذي لأجله أمر برفع الحدث ، فما لم ينوه لا يكون ممتثلا للوجه الذي أمر به لأجله. وتعلقها بالطاعة لله تعالى ، لأنّ بذلك يكون الفعل عبادة. والقربة ومرادنا بها : طلب المنزلة الرفيعة عنده بنيل ثوابه ، لأنّه الغرض المطلوب بطاعته. والوجوب ، للامتياز عن الندب ، ولوقوعه على الوجه الذي كلّف بإيقاعه (٧).

وسابعها : اعتبار الوجوب أو وجهه‌ إن كان واجبا ، أو الندب ، للامتياز ، ولوقوعه على الوجه الذي كلّف به ، والرفع أو الاستباحة. وهو مستفاد من جمع‌

__________________

(١) راجع : المغني ١ : ١٢٢ ، المجموع ١ : ٣١٣.

(٢) المعتبر ١ : ٣١٩.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٠.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٢.

(٥) المهذب ١ : ٤٥.

(٦) الوسيلة : ٤٠.

(٧) الغنية : ٤٩١ ضمن الجوامع الفقهية.

١٠٧

ما تفرّق من كلام ابن إدريس رحمه‌الله ، ولم يذكر القربة ، وادّعى الإجماع على اعتبار الرفع أو الاستباحة (١).

وثامنها : إطلاق النية. وهو قول : الجعفي ، وسلاّر (٢).

قلت : والذي دلّ عليه الكتاب والسنّة هو القربة والاستباحة ، والباقي (٣) مستفاد من اعتبار المشخّص للفعل لإيقاعه على الوجه المأمور به شرعا ، ولكنه بعيد من حال الأولين ، ولو كان معتبرا لم يهمل ذكره.

ولو ضويقنا : فالوجه لا بأس به. وأحد الأمرين من الرفع والاستباحة كاف في غير المعذور ، لتلازمهما بل تساويهما فلا معنى لجمعهما. واعتبار الطاعة مع القربة بعيد ، فإنّهما سيان على ما يظهر ممّا مرّ أو متلازمان.

قال في البشرى : لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، لكن علمنا يقينا أنّه لا بد من نية القربة ، قال : وإلاّ كان هذا من باب : اسكتوا عمّا سكت الله عنه.

ويجب فيها المقارنة لابتداء الوضوء ، ليقع التأثير ، ولدلالة ( الأعمال بالنيات ) عليه. والمشهور : جواز فعلها عند غسل اليدين ، لأنّه من الوضوء الكامل. وأولى منه المضمضة والاستنشاق ، لقربهما الى الواجب.

وصاحب البشرى ـ رحمه‌الله ـ توقّف فيهما ، نظرا الى أن مسمى الوضوء الحقيقي غيرهما ، وللقطع بالصحة إذا قارن عند غسل الوجه.

وابن إدريس : في الغسل ينوي عند غسل اليدين ، وفي الوضوء عند المضمضة والاستنشاق ، محتجا بأنهما من جملة العبادة (٤). والفرق تحكم.

وانما تجوز عند غسل اليدين إذا كان مستحبا ، وله شرطان :

__________________

(١) السرائر ١٧ ، ١٩.

(٢) المراسم : ٣٧.

(٣) في س : والثاني.

(٤) السرائر : ١٧.

١٠٨

أن يكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغائط لا من الريح ، أو يكون الغسل من الجنابة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فليغسل يده قبل أن يدخلها الإناء ثلاثا ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده » (١).

ولرواية حريز عن الباقر عليه‌السلام : « يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا » (٢).

ولمضمرة عبيد الله الحلبي : « واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (٣).

واختلاف الروايات في البول مشعر بالاستحباب ، وعليه يحمل الأمر النبوي ، مع ان التعليل فيه مشعر به أيضا ، ويدل على انه غير واجب منطوق آية الوضوء ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يبول ولم تمسّ يده شيئا ، أيغمسها في الماء؟ قال : « نعم ، وان كان جنبا » (٤).

الشرط الثاني : ان يكون من إناء يمكن الاغتراف منه ، فلو توضأ من نهر أو مصنع أو من إناء لا يمكن الاغتراف منه لم يستحب الغسل ، كذا قاله الفاضل (٥) ـ رحمه‌الله ـ ويمكن القول بالاستحباب لأن النجاسة الموهومة تزول به بالنسبة إلى غسل باقي الأعضاء ان لم يكن لأجل الماء.

فرع : يتصور في غسل اليدين الأحكام الخمسة ، وظاهر انتفاء النية عند‌

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، صحيح البخاري ١ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٣ ح ٢٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٨ ح ٣٩٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٥ ح ١٠٣ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٦ ح ٢٤.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦ ح ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ح ١٤٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦ ح ٩٦ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ح ١٤١. وفي الكافي ٣ : ١٢ ح ٥ مسندة عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) الكافي ٣ : ١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٧ ح ٩٨ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ـ ١٤١.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٤٩.

١٠٩

غير الوجوب والندب وجوازها عند الندب بالشرطين ، وفي جوازها عند الواجب كإزالة النجاسة المعلومة وجه ، لأنه أولى من الندب بالمراعاة ، والأقرب المنع ، لأنه لا يعد من أفعال الوضوء ، وأولى بالمنع غسلهما مستحبا مع عدم الشرطين ، كما إذا باشر مائعا من يتهم بالنجاسة.

ويجب استدامة النية بمعنى البقاء على حكمها والعزم على مقتضاها ، لأن الاستدامة فعلا مما يمتنع أو يعسر ، فاكتفي بالحكم دفعا للحرج ، وفسّر كثير من الأصحاب الاستمرار على النية بما قاله في المبسوط ، وهو أن لا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها ، وكأنه بناء منهم على أن الباقي مستغن عن المؤثر.

وهنا مسائل :

الأولى : ذو الحدث الدائم ـ كالمبطون ، والسلس ، والمستحاضة ـ ينوي الاستباحة. فلو ضمّ إليها رفع الحدث لغا ، إلاّ أن يقصد رفع ما مضى فحسن. ولو اقتصر عليه ، فإن نوى رفع ما مضى صح لأنه في معنى الاستباحة ، وإن نوى رفعه مع ما هو حاصل أو سيحصل فقد نوى ما بعضه ممتنع ، فيمكن الصحة لتضمن النية رفع مانع الصلاة ، والبطلان لعدم إمكان ما نواه فكيف يحصل له؟ ولو نوى رفع الحدث مطلقا ، فالأقرب : صرفه إلى الصحة ، حملا على ما مضى.

وهل يشترط مع نية الاستباحة نية رفع الماضي؟ الوجه : انّه يبني على العبارات السالفة.

الثانية : لو نوى رفع حدث معيّن واقع ارتفع الجميع ، لتوقف رفع الخصوصية على رفع الجميع ، لأنّ النوم والبول لا ترتفع حقيقتهما وإنما يرتفع حكمهما ، وهو شي‌ء واحد تعددت أسبابه. ولا يشترط التعرّض لها ، فإذا تعرّض لها مضافا الى سبب واحد ، لغت الإضافة إلى السبب وارتفع.

ولو جمع بين نية رفعه ، ونية بقاء غيره من الأحداث الواقعة ، ففيه وجهان : البطلان ، لتناقض القصد. والصحة ، لأنه نوى أمرا فيحصل له عملا‌

١١٠

بالحديث (١) ، وهو يستلزم ارتفاع غيره ، ولا فرق بين كون المعيّن آخر الأحداث أو لا لأن الخصوصية ملغاة ، والمرتفع إنّما هو القدر المشترك المانع من الصلاة. والأقرب : الأول ، وعليه يتخرّج استباحة صلاة معيّنة نفي غيرها أولا.

هذا في وضوء الرفاهية ، واما وضوء المضطر فإنّه ينوي استباحة الصلاة مطلقا أو الصلاة الواحدة ، فلو زاد على الواحدة لغت نيته واستباح الواحدة. ولو نوى استباحة النافلة هنا لم يستبح الفريضة به ، لأن وضوءه لا يبيح أزيد من واحدة على ما مر.

ولو نوى استباحة صلاة وعدم استباحتها ، فالوجه : البطلان ، لتلاعبه مع التناقض ـ وبه يعرف وجه الأقرب السالف ـ ، والمنوي إنّما يحصل إذا كان ممكنا ، وهنا قد نوى المتنافيين فلو حصلا اجتمعا ، وحصول أحدهما ترجيح بغير مرجح.

ولو نوى رفع حدث غير واقع ، أو استباحة صلاة قد فعلها متعمدا ، بطل قطعا ، لأنّه كلا نيّة. وان كان غلطا في اللفظ ، لم يضر مع وجود القصد الصحيح. وإن كان غلطا في القصد ، فالأقرب : البطلان ، لعدم النية المعتبرة ، وكذا لو ظنه واقعا فبان غير واقع.

الثالثة : لو نوى وضوء مطلقا لم يكف ، لاشتراكه بين الواجب والندب ، والمبيح وغيره. ولو نوى الكون على الطهارة ، فالأقرب : الصحة ، لأن الطهارة تمتنع بدون رفع الحدث.

ولو نوى استباحة ما الطهارة مكملة له ـ كقراءة القرآن ، ودخول المساجد ـ فالأقرب : الصحة إن نوى إيقاعها على الوجه الأفضل ، لتوقّفه على رفع الحدث.

وفي نية الوضوء للنوم نظر ، لأنه نوى وضوء الحدث. وألحقه في المعتبر بالصحيح ، لأنّه قصد النوم على أفضل أحواله (٢) ولما في الحديث من استحباب النوم على طهارة وهو مشعر بحصولها. ولك أن تقول : لا يلزم من استحباب النوم‌

__________________

(١) تقدم في ص ١٠٦ الهامش ١.

(٢) المعتبر ١ : ١٤٠.

١١١

على الطهارة صحة الطهارة للنوم ، إذ الموصل الى ذلك وضوء رافع للحدث فلينو رفعه ، أو استباحة مشروط ، به لا مناف له.

والتحقيق : انّ جعل النوم غاية مجاز ، إذ الغاية هي الطهارة في آن قبل النوم بحيث يقع النوم عليها ، فيكون من باب الكون على طهارة وهي غاية صحيحة.

وقطع في المبسوط بأن ينوي استباحة ما يشترط فيه الطهارة ، فلا يصحّ الوضوء بنية غيره ، لأنّه مباح من دونه (١).

قلنا : الإباحة لا كلام فيها ، وإنّما الكلام في وقوع ذلك المنوي على الوجه الأفضل وذلك غير حاصل من دون الطهارة ، ولأنّهم جعلوا العلّة في فضيلة تلك الأفعال الطهارة ، فكيف لا تحصل؟ ولك أن تجيب بما مرّ. ومن هذا يعلم ما لو نوى الجنب قراءة القرآن أو الجواز في المسجد.

ولو نوت الحائض بعد طهرها إباحة الوطء ، فالأقرب : الصحة ، لما قلناه وخصوصا على القول بحرمته قبل الوطء. ويحتمل البطلان ، لأنّ الطهارة لحقّ الله ولحقّ الزوج فلا تبعض ، بل تكلّف طهارة صالحة لهما. ويجاب : بأن القربة حاصلة ، وأباحة الوطء على الكمال أو الصحة موقوف على رفع الحدث ، فهما منويّان.

الرابعة : لو جدّد طهارة ، فتبيّن فساد الأولى أو سبق الحدث ، ففي ارتفاعه وجهان ، من حيث عدم نيته ، ومن أن شرعية المجدد لتدارك الخلل وكمالية الطهارة ، وهو قضية كلام الشيخ رحمه‌الله في المبسوط ، مع أنّه شرط في الوضوء الواجب الاستباحة أو الرفع (٢).

واولى بالصحة لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطا ، لنية الاستباحة هنا. ويمكن المساواة ، لعدم الجزم بالمنوي. وعلّله في التذكرة بعدم نية‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٩.

(٢) المبسوط ١ : ١٩ ، ٢٥.

١١٢

الوجوب (١). ويشكل : بانا نتكلم على تقديرها.

أما عكسه ، أو الشاك في المتأخر من الطهارة والحدث ، ثمّ يتطهران ، فإنّ طهارتهما صحيحة قطعا وإن تيقنا الحدث بعد ، لأنّهما مخاطبان بالجزم وقد فعلاه.

ولو ذهل عن الطهارة فأتى بها جازما ، ثم تبيّن أنّه كان قد فعلها على نوع خلل ، فالصحة قوية لمطابقة الجزم الواقع. وأولى بالصحة ما لو شك بعد هذه فيما وقع فيه الخلل من الطهارتين.

الخامسة : لو ضم إلى النية منافيا ، فالأقرب : البطلان ، كالرياء ، والندب في الواجب ، لأن تنافي المرادات يستلزم تنافي الإرادات.

وظاهر المرتضى : الصحة ، بمعنى : عدم الإعادة لا بمعنى حصول الثواب ، ذكر ذلك في الصلاة المنوي بها الرياء (٢) ، وهو يستلزم الصحة فيها وفي غيرها مع ضمّ الرياء الى التقرّب.

ولو ضمّ اللازم كالتبرّد ، قطع الشيخ وصاحب المعتبر بالصحة ، لأنّه فعل الواجب وزيادة غير منافية (٣). ويمكن البطلان ، لعدم الإخلاص الذي هو شرط الصحة. وكذا التسخّن والنظافة.

السادسة : العاجز عن مباشرة الأفعال ينوي وان كان المباشر غيره ، لأنّه المكلّف والمباشر آلة. ولو نوى المباشر معه كان حسنا ، لأنّه الفاعل حقيقة كذبح الهدي. ولا تجزئ نية المباشر وحده قطعا ، لعدم جواز الاستنابة في النية ، إذ هي مقدورة تعلّق مراد الشارع بها من المكلّف بعينه.

ولو زال عذره فطهارته باقية ، لعدم ثبوت كون مثله حدثا ، خرج الوقت أو لا ، صلّى بها أو لا.

السابعة : اشتراط القربة يمنع صحة الطهارة من الكافر ، وتقرّبه بمعتقده‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٥.

(٢) الانتصار : ١٧.

(٣) المبسوط ١ : ١٩ ، المعتبر ١ : ١٤٠.

١١٣

لا عبرة به ، لأن التقرب إنّما يعتبر على الوجه الشرعي.

أما غسل الكافرة الطاهرة من الحيض تحت المسلم ليغشاها فقد جوزه قوم للضرورة (١) ، وأورده الشيخ في الإيلاء من المبسوط (٢) ، ولو قيل بتسويغ الوطء من غير غسل للضرورة كان قويا ، وارتكاب هذه الضرورة أولى من ارتكاب شرع غسل بغير نية صحيحة ، ولأنهم منعوا من طهارة المرتد مع تحرّمه بالإسلام على الإطلاق (٣) ، فالكافر الأصلي أولى.

والعامة لما لم تكن القربة معتبرة عندهم حكموا بالصحة ، وأبعد من الصحة غسل المجنونة من الحيض بتولي الزوج ، إذ لا تكليف في حقها ، وجوز الأمرين الفاضل (٤) ، ولم أره لغير العامة ، وفرع عليه ما فرعوه من وجوب الإعادة بعد الإسلام والإفاقة (٥).

ولو ارتد المسلم في الأثناء بطل ، لعدم البقاء على حكم النية ، فإن عاد في موضع صحة العود بنى بنيّة مستأنفة أن بقي البلل وإلاّ أعاد ، ولو ارتد بعده لم يبطل لسبق ارتفاع حدثه قيل ابتداء الوضوء في الردة باطل فكذا دوام حكمه.

قلنا : الفرق اشتراط النية الممتنعة من الكافر في الابتداء بخلاف الدوام ، ولأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله فلا يتأثر بالردة السابقة ويعارض بالردة بعد الصلاة والصوم ، وكذا لا يبطل التيمم عندنا بالردة بعده لما قلناه ، قالوا خرج بكفره عن الاستباحة ، قلنا ما دام الكفر.

الثامنة : لو نوى قطع الطهارة في الأثناء ، أو المنافي للنية ، بطلت حينئذ. فلو عاد استأنف النية والوضوء إن جف ، وإلاّ فالنية. ولو كان في أثناء الغسل كفاه‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٨ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٨ : ١٣٥.

(٢) المبسوط ٥ : ١٤٠.

(٣) انظر : الخلاف ١ : ١٢٧ ، المسألة ٦٩.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٦٤٦.

(٥) المغني لابن قدامة ١ : ٢٣٩. وانظر الخلاف ١ : ١٢٧ ، المسألة.

١١٤

النية للباقي ، لعدم شرط الموالاة فيه ، ولو قدّر اشتراط الموالاة فيه ـ كغسل الاستحاضة ـ استأنفه.

ولو اشتغل عن الأفعال بغيرها مع استمرار حكم النية ، لم يضر ما لم يجف البلل ، ولا يحتاج إلى نية مستأنفة ، وكذا الغسل ، إلاّ مع طول الزمان ، ويمكن عدم احتياجه فيه مطلقا مع بقاء الاستمرار الحكمي.

التاسعة : لو عزبت الاستدامة في الأثناء ، ولمّا يحصل المنافي ، لم يقدح وان تقدمت عند السنن ، لأنها من الوضوء.

قالوا : المقصود من العبادة واجباتها ، والندب تابع ، فلا بدّ من بقاء النية إلى أول الواجبات.

قلنا : ذلك يسدّ باب تقدمها ، لعدم فائدته ، ولعسر البقاء.

ولو نوى المنافي حال الذهول ، فهو كالمنافي حال النية بل أولى ، لضعف الاستدامة الحكمية ، وقوة الابتداء الحقيقي.

العاشرة : من عليه موجب ينوي الوجوب في طهارته ما دام كذلك.

فلو نوى الندب عمدا أو غلطا بني على اعتبار الوجه ، والحدث يرتفع وإن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب ، لأنّ وجوب الوضوء مستقرّ هنا عند سببه.

ولو كان خاليا عن الموجب ، ونوى الندب أو الاستباحة أو الرفع ، صحّ.

ولو نوى الوجوب بني على ما قلناه ، وأولى بالصحة هنا ، لدخول المندوب تحت الواجب ، لاشتراكهما في ترجيح الفعل ، ونية المنع من الترك مؤكدة.

ومن قال بوجوب الوضوء لمجرد الحدث ـ كما قلنا فيما سلف ـ فالنية للوجوب أبدا ، وقد احتمله الفاضل في النهاية (١) ، وإنّما البحث على قول من جعل الموجب هو دخول الوقت ، أو أحدهما بشرط الآخر ، وهو معنى قولنا : انه يجب لغيره.

ووجه البطلان : عدم الإتيان به على وجهه. فعلى هذا لو صلّى به صلوات‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٣٢.

١١٥

أعاد ما وقع بالطهارة الأولى ، لأنّه صار مشغول الذمة بالواجب. هذا إن قلنا بصحة وضوء المحتاط به إذا صادف الوجوب ، بشرط تخلّل الحدث ، أو الذهول عن كونه متطهّرا ، والضابط أن يكون جازما بموجب نية الطهارة الثانية.

ولو شك في دخول وقت الموجب ، بنى على الأصل ونوى الندب. فلو تبيّن الدخول ففيه الوجهان ، ولو كان له طريق الى العلم فالبطلان أقوى.

ولو شك في اشتغال ذمته بالموجب ، فالأصل : البراءة ، فينوي الندب. ولو علم الاشتغال وشك في الخلو ، فالأصل : البقاء ، فينوي الوجوب. ولو ردد نيّته بين الواجب والندب عند الشك ، إمّا مطلقا أو على تقديرين ، فالوجه : البطلان إن اعتبرنا نية الوجه ، لعدم الجزم مع إمكان جزمه هنا.

ولو ظن الموجب في ذمته فتطهّر ، ثم بان عدمه ، فالصحة أقوى ، عملا بامتثاله ما كلّف به. ويمكن البطلان ، لعدم مطابقته الواقع.

ولو ظن براءة ذمته فنوى الندب ، ثم ظهر الموجب ، فهو كالمجدّد يظهر مصادفته الحدث. ومال في التذكرة إلى الصحة (١) وهو مشكل على أصله من اعتبار الوجه ، وعدم الاجتزاء بالمجّدد.

ولو شرع في الطهارة قبل الموجب ، ثم حصل في أثنائها ، فالأقرب : الاستيناف ، لأنّها عبادة واحدة ، ولو لم نعتبر الوجه لم نوجب الاستئناف.

الحادية عشرة : لتفريق النية صور :

الأولى : أن يفرد كلّ عضو أو بعضه بنية تامة ، فيمكن الصحة ، لأنّ إجزاء العامة يستلزم إجزاء الخاصة ، لأنّها أقوى دلالة. ووجه المنع : انه عبادة واحدة متصلة فلا يفرد بعضها عن بعض ، وللقطع بانّ صاحب الشرع لم يفعل ذلك.

الثانية : أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو ، أو عنه وعن عضو آخر ، فالبطلان هنا أولى ، لأن حكم الحدث يرجع الى الجملة ، فارتفاعه‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٦.

١١٦

عنها مقصود وهو غير منوي. ويحتمل الصحة ، لتوهم السريان إليها.

الثالثة : لو نوى في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة ، ففيه الوجهان ، والأقرب : البطلان لما قلناه ، وعلى السريان يصحّ. وينسحب البحث لو نوى استباحة الصلاة لعضو عضو.

الثانية عشرة : لو أخلّ بلمعة ، فغسلها في الثانية بنية الندب عمدا ، بطلت. ولو كان جاهلا بها ، ففيه الوجهان : الصحة ، لاقتضاء النية الأولى وجوب الغسل فالطارئ لا يؤثر ، ولأنّ شرعية المندوب إنّما هو بعد الفراغ من الواجب فقبله لا يشرع ، فقصده ممتنع فيبقى على القصد الأول. والبطلان ، لاختلاف الوجه والنية. ويؤيّد الأول : أنّ شرع الثانية للتدارك ، فيحصل.

قال ابن الجنيد : وإنّما استحبت الثانية ليكمل بها ما لعلّه نقص في الأولى (١). وينبّه عليه حسن زرارة وبكير عن الباقر عليه‌السلام في الغرفة الواحدة أتجزي؟ فقال : « نعم ، إذا بالغت فيها ، والثنتان يأتيان على ذلك كلّه » (٢).

وربّما بني على أنّ نية المنافي بعد عزوب النية هل تؤثر أم لا؟ وعلى ان الوضوء المنوي به ما يستحبّ له الطهارة يصحّ أم لا؟ وقد سبقا. وقد ينازع في تصوّر البناء على الأصل الثاني ، بناء على عدم صحة الوضوء المندوب قبل الواجب لمن عليه واجب.

الثالثة عشرة : طهارة الصبي تمرينا هل هي معتبرة؟ فيه وجهان ـ وكذا جميع عبادته ـ : نعم ، لأمر الولي بأن يأمره وهو معنى الشرعي ، ولأنه يستبيح الصلاة التي هي حرام على المحدث. ولا ، لعدم التكليف في حقه ، وصحة الصلاة الواقعة منه كطهارته.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٢٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٨١ ح ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٧١ ح ٢١٦.

١١٧

وهل ينوي الوجوب أو الندب؟ الأجود الأول ، ليقع التمرين موقعه ، ويكون المراد بالوجوب في حقه ما لا بدّ منه ، إذ المراد به الوضوء الواجب على المكلّف. ويمكن الثاني ، لعدم وجه الوجوب في حقه ، وهذا مطّرد في نياته كلّها.

وتظهر فائدة الحكم بالصحة فيما لو بلغ وطهارته باقية. والشيخ قطع في المبسوط بأن الصبي والصبية إذا بلغا في أثناء الصلاة بما لا يبطل الطهارة أتمّا (١) ، وهو يستلزم كون عبادتهما معتبرة شرعا.

وفي الخلاف أوجب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت ، محتجّا بأن الندب لا يجزي عن الواجب ، ولم يذكر إعادة الطهارة (٢).

وفي المعتبر موافقة المبسوط في الصبية (٣).

والفاضل يوجب إعادة الطهارة والصلاة ، بناء على عدم كونهما شرعيين (٤).

الرابعة عشرة : يجب مقارنتها لأعلى الوجه ، لما سيأتي إن شاء الله من وجوب البدأة بالأعلى. ولو قلنا بعدمه ، جازت المقارنة لأي جزء اتفق ، حتى لو غسل مع المضمضة أو الاستنشاق جزءا من الوجه مع النية كان مجزئا.

الخامسة عشرة : لا ريب أن غسل اليدين المستحب من سنن الوضوء ، وأبلغ منه المضمضة والاستنشاق ، فلو نوى عندها الوضوء أثيب عليها ، وإلاّ فإن نواها خاصة أثيب وإلاّ فلا.

وهل السواك والتسمية من سننه حتى تقع عندهما النية؟ ظاهر الأصحاب والأحاديث أنّها من سننه ، ولكن لم يذكر الأصحاب إيقاع النية عندهما ، ولعلّه لسلب اسم الغسل المعتبر في الوضوء عنهما.

السادسة عشرة : ذو الجبيرة ينوي رفع الحدث ، لانتقال الفرض إليها ، وكذا الماسح على الخف حيث يجوز. ويتخرّج على قول من قال بإعادة الوضوء لو زال‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٧٣.

(٢) الخلاف ١ : ٣٠٦ المسألة ٥٣.

(٣) المعتبر ٢ : ١٠٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٥.

١١٨

العذر ، أنّه ينوي الاستباحة كالمتيمّم والمستحاضة.

السابعة عشرة : لو نوى استباحة السجدة المنسية أو المرغمتين صح قطعا.

ولو نوى استباحة سجدة العزيمة أو مسّ المصحف ، بني على اشتراط الطهارة فيهما ، فإن قلنا به ارتفع حدثه ، وإلاّ بني على الأكمل.

ولو نوى سجدة الشكر بني على الأكمل قطعا ، لاتفاقنا على عدم اشتراط الطهارة فيها.

الثامنة عشرة : لو نوى فرض الوضوء للقربة ، فعلى القول بالاكتفاء بها وبالوجه تجزئ قطعا ، وعلى اعتبار الرفع أو الاستباحة يمكن الإجزاء لأنّا نعلّل الفرضية بهما ، فقد نوى موجب الرفع أو الاستباحة فهو كنيتهما ، والأقرب : المنع ، لأنّه لا تلازم بينهما في التصور. ولو قدّر حضور أحدهما عند حضور الفريضة زال الإشكال.

الواجب الثاني : غسل الوجه.

وهو أول الأركان الظاهرة ، ووجوبه بالنص والإجماع ، قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (١) والإجماع على وجوبه.

ويجب استيعابه ، للآية. وحدّه طولا : من قصاص مستوي الخلقة إلى طرف الذقن ـ بالذال المعجمة المفتوحة وفتح القاف ـ ، وعرضا : ما اشتملت عليه الإبهام والوسطى ، لأنّه القدر الذي غسله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنقل أهل البيت عليهم‌السلام (٢) والقدر الذي رواه المسلمون ، وقد رواه الأصحاب :

فقال ابن الجنيد : كذلك الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

وفي الكافي والتهذيب عن حريز عن زرارة ، قلت له : أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي له أن يوضّأ الذي قال الله تعالى؟ فقال : « الوجه الذي أمر الله عزّ وجلّ بغسله ، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

(٢) انظر الوسائل ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب ١٥.

١١٩

يؤجر ، وان نقص منه أثم ، ما دارت عليه (١) السبابة والوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه ». قلت : الصدغ ليس من الوجه؟ قال : « لا » (٢).

وفي الفقيه : قال زرارة لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن حدّ الوجه؟ .. الحديث بعينه (٣) ، وهو الدليل انّ المضمر هناك هو الباقر عليه‌السلام ، مع ما رواه ابن الجنيد. والشيخ في الخلاف أسنده عن حريز عن أحدهما عليهما‌السلام (٤) ، وتبعه في المعتبر (٥).

وعن إسماعيل بن مهران : كتبت الى الرضا عليه‌السلام أسأله عن حدّ الوجه؟ فكتب إليّ : « من أول الشعر الى آخر الوجه » (٦).

وعن زرارة سألت أبا جعفر عليه‌السلام : انّ أناسا يقولون إنّ الأذنين من الوجه وظهرهما من الرأس! فقال : « ليس عليهما غسل ، ولا مسح » (٧).

قال في التهذيب : وليس الوجه ما يواجه به ، وإلاّ كان الأذنان والصدر بل كلّ ما يواجه به منه ، وهو فاسد (٨).

قلت : ولو سلّم هذا لم يدلّ على الزائد ، لأنّ آخر الصدغين والبياض الذي عند الأذنين لا تحصل بهما حقيقة المواجهة ، وانما لم يحدّ الله الوجه كما حدّ اليدين والرجلين ، لاتحاد مسمّاه ووجوب إيعاب جميعه بخلافهما.

__________________

(١) ليست في م ، س.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٥٤ ح ١٥٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨ ح ٨٨.

(٤) الخلاف ١ : ٧٦ المسألة ٢٣.

(٥) المعتبر ١ : ١٤١.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٥.

(٧) الكافي ٣ : ٢٩ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٦ ، الاستبصار ١ : ٦٣ ح ١٨٧.

(٨) التهذيب ١ : ٥٤.

١٢٠