مقباس الهداية في علم الدراية - ج ٢

الشيخ عبد الله المامقاني

مقباس الهداية في علم الدراية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٦

مقباس الهدایة في علم الدرایة المجلد ٢

هوية الکتاب

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الثاني

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة ١٤١٣ ه . ق

١

اشارة

٢

مقباس الهداية في علم الدراية

٣

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الثاني

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة ١٤١٣ ه . ق

٤

بسم الله الرحمن الرحیم

٥

جمیع الحقوق محفوظة ومسجلة

لموسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

٦

الامام الباقرعليه السلام :

يَا بُنَيَّ اعْرِفْ مَنَازِلَ الشِّيعَةِ عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ الدِّرَايَةُ لِلرِّوَايَةِ وَ بِالدِّرَايَاتِ لِلرِّوَايَاتِ يَعْلُو الْمُؤْمِنُ إِلَى أَقْصَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام فَوَجَدْتُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ قِيمَةَ كُلِّ امْرِئٍ وَ قَدْرَهُ مَعْرِفَتُهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُحَاسِبُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا.

معاني الاخبار(للصدوق)،ص١و٢.

عنه بحارالأنوار ١ / ١٠٦

٧

٨

الفصل السادس فيمن تقبل روايته، و من تردّ روايته، و ما يتعلق به من الجرح و التعديل .

اشارة

الفصل السادس فيمن تقبل روايته، و من تردّ روايته، و ما يتعلق به من الجرح و التعديل(١).

و ينبغي قبل الأخذ في ذلك تقديم مقدمة، ذكرها في البداية(٢) و هي: ان معرفة من تقبل روايته و من تردّ من أهم أنواع علم الحديث، و أتمها نفعا، و ألزمها ضبطا و حفظا، لأن بها يحصل التمييز بين صحيح الرواية و ضعيفها، و التفرقة بين الحجّة

٩

١- كان هذا الفصل يعدّ عند قدماء المحدثين و من تبعهم من المتأخرين نوعا من أنواع الحديث، فقد عدّه - مثلا - الشيخ ابن الصلاح في مقدمته: ٢١٨، النوع الثالث و العشرين و قال: معرفة صفة من تقبل روايته و من تردّ روايته و ما يتعلق بذلك من قدح، و جرح و توثيق و تعديل، و كذا العراقي في ألفيته و تبعه السخاوي في شرحه: ٣١٤/٣-٣٣٠ و عبّر عنه ب: معرفة الثقات و الضعفاء. ثم أدرجوا بعد ذلك جملة من كتب العامة في الضعفاء الثقات، فلاحظ.

٢- البداية: ٦٢ [البقال: ١٨/٢] بتصرف و زيادات، و للتوسع في البحث لاحظ: مقدمة ابن الصلاح: ٦٠ [عائشة: ٢١٨]، الكفاية: ٧٦-٧٧، المستصفى: ٩٩/١، فتح المغيث: ٣١٤/٣-٣٣٠.

اللاحجّة، و لذا جعلوا مصلحته أهم من مفسدة القدح في المسلم المستور(١)، و إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، و اللازمين لذكر الجرح في الرواة، و جوّزوا لذلك هذا البحث، و وجه الأهمية ظاهر، فان فيه صيانة الشريعة المطهرة من ادخال ما ليس منها فيها، و نفيا للخطإ و الكذب عنها(٢)، و قد روى انه قيل لبعض العلماء(٣): اما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماء لك عند اللّه يوم القيامة؟.

فقال: لان يكونوا خصمائي احب اليّ من أن يكون رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) خصمي، يقول ليّ: لم لم تذبّ الكذب عن حديثي؟!. و روى أن بعضهم سمع من بعض العلماء شيئا من ذلك فقال: يا شيخ! لا تغتاب(٤) العلماء، فقال له: ويحك! هذه نصيحة، و ليست غيبة(٥).

و قد ادّعى غير واحد من الأواخر الاجماع على استثنائه من حرمة الغيبة(٦) و استدلوا على ذلك مضافا اليه بأهمية مصلحة حفظ أحكام اللّه

١٠

١- و لا يلزم منها اشاعة الفاحشة، و لا الغيبة المحرمة و غير ذلك، مما قيل.

٢- و لذا عدّ من فروض الكفاية.

٣- و هو يحيى بن سعيد القطان - شيخ الرجاليين في وقته و حجتهم - في جوابه لأبي بكر ابن خلاد و القصة بطولها في فتح المغيث: ٣٢٣/٣ و غيره.

٤- كذا، و الظاهر: تغتب، لما جاء في التنزيل العزيز: «وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» (الحجرات: ١٢).

٥- بألفاظ متقاربة في بداية الشهيد: ٦٢ [البقال: ١٩/٢]، و الباعث الحثيث: ٢٤٣، و فتح المغيث: ٣١٧/٣، و غيرها.

٦- كما ادعاه غير واحد من العامة لاحظ كلماتهم في شرح الألفية للسخاوي: ٨/٣-٣١٧ و غيره، و عليه قامت السيرة العلمية للمتشرعة، و به اثبات الشرع، و به ندفع أضرار دنيوية و أخروية.

تعالى عن الضياع من مفسدة الغيبة، و بالأخبار الواردة عنهم (عليهم السّلام) في ذم جملة من الرواة، و بيان فسقهم و كذبهم.. و نحو ذلك. فالجواز مما لا شبهة فيه، بل هو من فروض الكفايات، كأصل المعرفة بالحديث. نعم يجب على المتكلم في ذلك التثبت في نظره و جرحه لئلا يقدح في برء(١) غير مجروح بما ظنه جرحا، فيجرح سليما، يسم بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها، فقد أخطأ في ذلك غير واحد، فطعنوا في أكابر من الرواة استنادا الى طعن ورد فيهم له محمل، كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال المبسوطة. و لقد أجاد في البداية حيث قال بعد التنبيه على ذلك: (انه ينبغي للماهر(٢) في هذه الصناعة، و من وهبه اللّه تعالى أحسن بضاعة، تدبر ما ذكروه، و مراعاة ما قرّروه، فلعله يظفر بكثير مما اهملوه، و يطّلع على توجيه في المدح و القدح قد أغفلوه، كما اطلعنا عليه كثيرا، و نبهنا عليه في مواضع كثيرة، وضعناها على كتب القوم، خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح و المدح، فانه وقع لكثير من أكابر الرواة، و قد أودعه الكشي في كتابه من غير ترجيح، و تكلم من بعده في ذلك فاختلفوا في ترجيح أيهما على الآخر اختلافا كثيرا، فلا ينبغي لمن قدر على البحث تقليدهم في ذلك، بل ينفق مما آتاه اللّه تعالى، فلكل

١١

١- الظاهر انه: بريء، و إن كان يصح استعمال المصدر و إرادة اسم الفاعل منه أو الصفة المشبهة.

٢- في نسختنا من البداية القديمة: المائز، و ما في المتن أصح، كما في الطبعة الجديدة.

مجتهد نصيب، فان طريق الجمع بينها ملتبس على كثير حسب اختلاف طرقه و أصوله في العمل بالأخبار الصحيحة و الحسنة و الموثقة و طرحها أو بعضها، فربما لم يكن في أحد الجانبين حديث صحيح فلا يحتاج الى البحث عن الجمع بينها، بل يعمل بالصحيح خاصة، حيث يكون ذلك من أصول الباحث، و ربما يكون بعضها صحيحا، و نقيضه حسنا أو موثقا، و يكون من أصله العمل بالجميع، و يجمع بينهما بما لا يوافق أصل الباحث الآخر و.. نحو ذلك، و كثيرا ما يتفق لهم التعديل، بما لا يصلح تعديلا)(١) أو يجرحون بما لا يكون جرحا، فلذلك يلزم المجتهد بذل الوسع في ذلك(٢).

و اذ قد عرفت المقدمة، فاعلم أن هنا جهات من الكلام:

الجهة الأولى: شروطا قبول الخبر الواحد في الراوي

اشارة

الأولى: انهم قد ذكروا شروطا لقبول خبر الواحد في الراوي(٣). و اشتراط أغلبها مبني على اعتبار الخبر من الأدلة

١٢

١- البداية: ٦٣ بتصرف يسير [البقال: ٢٥/٢-٢٨]. و الظاهر أن تتمة الكلام من الشهيد قدس سره الا أن درايتنا ليس فيها ذلك. و كذا ليست في الطبعة المحققة. أقول: و نظيره في فتح المغيث: ٣١٦/٣ بقوله: و احذر... من غرض أو هوى يحملك كل منها على التحامل و الانحراف و ترك الانصاف أو الاطراء و الافتراء فذلك شر الأمور التي تدخل على القائم بذلك الآفة منها،.. الى آخره.

٢- قيل عمدة ما كان من هذا القبيل في خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال للعلامة الحلي طاب ثراه في علم الرجال. و لا وجه لذلك.

٣- كان الاولى البحث عن أهلية الراوي من جهتين: اهلية التحمل: اي تلقي الحديث و سماعه. و اهلية الاداء: أي تبليغ الحديث و روايته. و قد تعرض المصنف (قدس سره) الى الثانية هنا، و أشار في مطاوي كلماته الآتية في المقام الأول من الفصل السابع الى الاولى. و سنفصل القول هناك.

الخاصة(١)، و أما بناء على اعتباره من باب مطلق الظن، أو من باب الاطمئنان، فلا وجه لاعتبار غير العقل و الضبط، بل المدار حينئذ على حصول الظن على الأول، و الاطمئنان على الثاني.

و توهم ان اعتبار تلك الشرائط على هذا المبنى إنما هو للتنبيه على أن الخالي عن المذكورات لا يفيد الظن أو الاطمئنان، أو لبيان مراتب الظن أو(٢) الاطمئنان، أو لاثبات تحريم العمل بالخالي عن الشرائط كالقياس، كما ترى، ضرورة كون حصول الاطمينان من خبر الفاسق و المخالف في جملة من المقامات، و إن لم يحتف بقرائن قطعية وجدانيا، و تحريم العمل بالاطمئنان العادي الذي على العمل به اتفاق العقلاء لا يحتمله أحد. نعم تحريم العمل بمطلق الظن الغير(٣) البالغ حد الاطمينان موجّه، كما برهن عليه في محله.

الشروط التي اعتبروها في الراوي:

اشارة

و كيف كان فالأول: من الشروط التي اعتبروها في الراوي:(٤)

الاول الاسلام:

فان المشهور اعتباره، بل نقل في البداية اتفاق ائمة الحديث

١٣

١- او على القول بجواز العمل به من حيث هو.

٢- في الطبعة الاولى: و، و الظاهر ما أثبتناه.

٣- كذا، و الظاهر: غير البالغ.

٤- المراد في مقام الاداء لا التحمل، و كذا ما يأتي، فتدبر.

و الأصول الفقهية عليه(١)، فلا تقبل رواية الكافر مطلقا، سواء كان من غير أهل القبلة كاليهود و النصارى أو من أهل القبلة، كالمجسمة و الخوارج و الغلاة عند من يكفرهم(٢)، و الظاهر أن القسم الأول و هو غير أهل القبلة محل الاتفاق.

و أما الثاني ففيه خلاف، و قد حكي عن أبي الحسين - من العامة - قبول روايته ان كان مذهبه تحريم الكذب، و عدم القبول ان لم يكن مذهبه ذلك. و قد ادعى السيد عميد الدين في منية اللبيب في شرح التهذيب الاجماع على عدم قبول رواية غير أهل القبلة من الكفار(٣)،

١٤

١- البداية: ٦٤ [البقال: ٣٠/٢] الا ان معقد الاجماع حال الرواية و إن لم يكن مسلما حال التحمل، و عليه إجماع جماهير أئمة الحديث و الفقه كما ادعاه النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: ٣٠٠/١، و كذا والد الشيخ البهائي في وصول الاخيار: ١٨٣، و البغدادي في الكفاية: ١٣٥، و جامع المقال: ١٩، و القوانين: ٤٥٧، و حكي عن الخلاصة في أصول الحديث: ٨٩، و الباعث الحثيث: ٩٢ و غيرهم. قال في جامع الاصول: ٣٤/١: لا خلاف في ان رواية الكافر لا تقبل.

٢- مطلقا، سواء علم من مذهبهم التحرز عن الكذب ام لا، و سواء اجازوا الكذب ام لا، و فيه ما فيه مما سنستدركه في محله.

٣- منية اللبيب في شرح التهذيب - في الاصول - السيد عميد الدين أبو عبد اللّه عبد المطلب بن مجد الدين ابي الفوارس الحسيني الحلي (٦٨١-٧٥٤ ه) و الكتاب مخطوط، لا اعرف له نسخة فعلا نعم طبعت بعض حواشيه على تهذيب الاصول للعلامة الحلي، انظر حاشية صفحة: ٧٨ من التهذيب. و كذا في اصول الحديث: ٢٣٠، و جملة من المصادر السابقة.

سواء كان من مذهبه تحريم الكذب أو لم يكن. قيل: و أبو حنيفة و إن كان يقبل شهادة الذمي على مثله للضرورة، صيانة للحقوق، اذ أكثر معاملاتهم لا يحضرها مسلمان الا أنه صرح بعدم قبول روايته، فلم يكن قادحا في الإجماع.

و كيف كان فقد استدل جمع منهم ثاني الشهيدين في البداية على عدم القبول بوجوه:

أحدها: ما في البداية و غيره من: (أنه يجب التثبت عند خبر الفاسق، فيلزم عدم اعتبار خبر الكافر بطريق أولى، إذ يشمل الفاسق الكافر، و قبول شهادته في الوصية - مع أن الرواية أضعف من الشهادة(١) - بنص خاص(٢)، فيبقى العام معتبرا في الباقي)(٣).

و أقول: لا يخفى عليك أن بين قوله في البداية: (فيلزم...

إلى آخره)، و قوله: (إذ يشمل.. إلى آخره) تهافتا، فإن ظاهر الأول عدم شمول الفاسق في الآية(٤) للكافر، و أن الاستدلال بها

١٥

١- راجع مستدرك رقم (١٥٠) في الفرق بين الشهادة و الرواية.

٢- النص هنا جملة من الروايات تجدها في الوسائل: ٢٨٧/١٨. باب ٤٠ و ما بعدها، و مستدركها: ٢١٣/٣ - حجري -، و الكافي - الفروع -: ٣٩٨/٧، و التهذيب: ٢٥٢/٦ و الفقيه ٢٩/٣ و غيرها. و حكي عن المحرر في الفقيه: ٢٧٢/٢ و المحلى: م ٤٩٥/٦.

٣- البداية: ٦٤ [البقال: ٣١/٢]. و في العبارة دفع دخل مقدر، و غموض يحتاج إلى تدبر...

٤- و هي قوله عز اسمه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ الحجرات: ٦.

بمئونة الأولوية، و ظاهر الثاني شمول لفظ الفاسق للكافر، فيندرج تحت الآية(١).

على أنه يمكن المناقشة في الأول بمنع الأولوية، فإن الفاسق إنما لم تقبل روايته لما علم من اجترائه على فعل المحرمات، مع اعتقاد تحريمها، و هذا المعنى غير متحقق في حق الكافر، إذا كان عدلا في دينه، معتقدا لتحريم الكذب، ممتنعا منه، حسب امتناع العدل المسلم منه.

و يتّجه على الثاني ما في مسالكه من منع دلالة آية النبأ على اشتراط الإسلام في الشاهد، معللا بأن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونه معصية، أما مع عدمه، بل مع اعتقاد أنه طاعة، بل من أمهات الطاعات فلا.. إلى أن قال:

(و الحق أن العدالة تتحقق في جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم، و يحتاج في إخراج بعض الأفراد إلى الدليل)(٢)

١٦

١- أقول: يمكن دفع تهافت الشهيد (رحمه اللّه) المدعى بأن يقال: إن في الكافر جهتين تمنعان من قبول خبره: الكفر و الفسق، و الأول هو جهة الأولوية فيه، و الثاني هو جهة الشمول، لأن الكافر فاسق و لا عكس، إذ الفسق يتحقق بما هو أقل من الكفر، فالفاسق لا يشمل الكافر من حيث هو كافر و يشمله من حيث إنه فاسق فلا تهافت. نعم فيه بحث من جهة أن ظاهر العبارة جعل شمول الفاسق للكافر علة و وجها للأولوية، و هذا غير صحيح، و بعبارة أخرى: إن حاصل الإشكال إنهما دليلان جعلا دليلا واحدا هنا، فتدبر.

٢- إلى هنا ما في مسالك الأحكام: ٤٩٣/٢.

و إن كان يردّ ما ذكره تصريح جمع منهم الشيخ في الخلاف(١)و المبسوط(٢)، و أبو الصلاح(٣) و.. غيرهما(٤) بصدق الفاسق على الكافر حقيقه لغة و شرعا، فإن الكافر يحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى، و قد قال تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ (٥).

ثانيها: إن الكافر ظالم، و كل ظالم لا يجوز قبول خبره، فالكافر لا يجوز قبول خبره.

١٧

١- الخلاف: ٦١٤/٢.

٢- المبسوط: ١١٣/٨ و ١٨٧ و ٢١٩.

٣- الكافي لابن الصلاح الحلبي: ٤١١ و ما بعدها.

٤- كالخطيب البغدادي في الكفاية: ١٣٥. نعم لا مانع من أن يسمع المشرك و الذمي و المغالي و الناصب الحديث ثم يؤدونه مسلمين إذا كان ضابطا لها شهادة و رواية.

٥- المائدة: ٤٧، فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ: المائدة: ٤٤. هنا كلمة: انتهى، وضعنا بدلا منها قوس، و لم نجد العبارة في درايتنا، و لا أعلم لمن هي، و الظاهر عدم الحاجة إلى كلمة انتهى. أقول: هذا و يمكن أن يقال مع تسليم صدق الفاسق على الكافر أيضا لا تدل الآية على عدم قبول روايته إذا كان ثقة، لأن معرفة كونه ثقة نوع تثبت في خبره، و قد حصل و إن كان إجمالا. و كيف كان فلا ثمرة يعتد بها في خصوص العمل برواياتنا و إن كان يثمر في غير الرواية المصطلحة مما يحتاج إليه في الموضوعات. أو تكون الثمرة في رواياتنا المروية من قبل أهل الفرق الباطلة إذا حكمنا بكفرهم و اشترطنا الإسلام في الراوي، دون ما لو اكتفينا بالوثاقة خاصة، فتدبر.

أما الصغرى، فلأنه لا يحكم بما أنزل اللّه تعالى، و كل من كان كذلك، فهو ظالم لقوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلظّالِمُونَ (١)، و لا يختص هذا بمن نزل فيه و هم اليهود، لأن العبرة بعموم الجواب، لا خصوص المورد.

و أما الكبرى فلعموم قوله تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّارُ (٢) و لا ريب في كون قبول روايته ركونا إليه، لكن يمكن التأمل في صدق الركون على قبول خبره، كما يأتي.

ثالثها: فحوى ما دلّ على عدم قبول شهادة الكافر، و عدم جواز الوصية، و في تمامية الفحوى نظر(٣).

رابعها: إن قبول خبر الكافر يستلزم المساواة بينه و بين المسلم، و قد نفى اللّه تعالى المساواة بقوله عز من قائل: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (٤) و قال اللّه تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ اَلنّارِ وَ أَصْحابُ اَلْجَنَّةِ (٥)، و أنت خبير بعدم شمول المساواة المنفية لمثل ذلك.

احتج أبو الحسين لقبول رواية أهل القبلة من الكفار كالخوارج

١٨

١- المائدة: ٤٥.

٢- هود: ١١٣.

٣- و وجه ظاهر، إذ لا أولوية في الأحكام الشرعية التوقيفية، هذا مع قبول شهادته و وصيته في الجملة، و في موارد منصوصة و هي كافية لنفي الأولوية، فتدبر.

٤- السجدة: ١٨.

٥- الحشر: ٢٠.

و الغلاة بأن أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف كالحسن البصري، و قتادة، و عمرو بن عبيدة، مع علمهم بمذهبهم، و اعتقادهم كفر القائل بذلك المذهب.

ورد:

أولا: بالمنع من قبول أصحاب الحديث رواية من يعتقدون بكفره منهم.

و ثانيا: بأن المراد إن كان مجموع أصحاب الحديث بحيث يكون ذلك إجماعا منهم منعناه، لوضوح أن المشهور بينهم عدم القبول، و إن كان البعض لم يكن قبوله حجة(١).

الثاني: العقل:

فلا يقبل خبر المجنون إجماعا، حكاه جماعة(٢)، و يدلّ عليه

١٩

١- هذا، و لا يخفى ما في الجوابين من مسامحه، إذ المستدل - في الثاني - يدعى الإجماع العملي على قبول خبر هؤلاء الجماعة، و هو يكشف إما عن عدم كفرهم، أو قبول خبرهم مع كفرهم، و المستدل ناظر إلى أن الجمهور قبل خبرهم مع حكمه بكفرهم، و الراد يدعى قيام الشهرة على عدم قبول خبر الكافر، و جمع المستدل بين قولهم و فعلهم بحمل الكافر في كلامهم على غير أهل القبلة، فما نقض عليه لم يرد، و ما أورد لم يرد، فلاحظ. أما الجواب الأول فكذلك، إلا أن نمنع حجية فعلهم مع كونها سيرة عملية كاشفة و لا أقل من أن يؤخذ بالقدر المتيقن منها، فتأمل.

٢- قاله المحقق القمي في قوانين الأصول: ٤٥٦، و النووي في تقريبه و تبعه، السيوطي في تدريبه: ٣٠٠/١، و الخطيب في الكفاية: ١٣٤ و غيرهم من المصادر المارة و الآتية.

عدم الاطمئنان و الوثوق بخبره، مضافا إلى رفع القلم عنه حتى يفيق(١)، و فحوى عدم قبول شهادته، و عدم صحة توكيله و الوصية إليه، و الظاهر انصراف إطلاق جمع إلى المطبق، ضرورة عدم المانع من قبول خبر الأدواري حال إفاقته التامة إذا انتفى عنه أثر الجنون بالمرة، و اجتمعت بقية شرائط قبول الرواية، لوجود الوثوق حينئذ، و ثبوت القلم عليه، نعم يعتبر الاطمئنان بإفاقته و لا يكفي الظن به على الأظهر، لعدم الدليل على حجيته حتى يرفع اليد به عن الاستصحاب.

٢٠