ضياء العالمين - ج ٢

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]

ضياء العالمين - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن بن محمّد طاهر العاملي [ العلامة الفتوني ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-332-4
ISBN الدورة:
978-964-319-330-0

الصفحات: ٤٦٩
الجزء ١ الجزء ٢

وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) (١) ومعناه أيضاً الإطاعة ، كما هو معنى ما سبق عليه ، فيدخل فيه متابعة أصحاب الآراء أيضاً ، ولا ينافيه النزول في عبادة الأصنام وأمثالها ؛ فإنّ مبنى كثير من الآيات ـ كما صرّح به المفسّرون والاُصوليّون أيضاً ـ على تعميم الحكم وإن كان سبب نزولها أمراً خاصّاً (٢) ، كما أنّ هكذا أيضاً قوله تعالى : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (٣) ؛ إذ لا يخفى شموله فتوى المجتهد المخطئ أيضاً ؛ ضرورة أنّه يقول بشيء ليس من حكم اللّه‏ : إنّه ممّا حكم اللّه‏ ، اللّهمّ إلاّ أن يثبت خروجه منه بدليلٍ آخَر ، ودونه خرط القتاد ، كما سيظهر .

بل من شواهد الشمول مع الدلالة على أصل المقصود أيضاً : قوله تعالى في جواب فتاوى اليهود ، حيث قالوا : ( لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ) : ( قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ) (٤) ؛ لظهور أنّ فتواهم ذلك إنّما كان بالاجتهاد والرأي دون الورود من اللّه‏ عزوجل ؛ ولهذا عجزوا عن بيان عدم كونه ظنّيّاً ؛ حيث لم يقدروا على إثبات كونه كلام أنبيائهم ، كما قال اللّه‏ تعالى أيضاً : ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ *‏ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ *‏ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ) (٥) .

أقول : صراحة هذا أيضاً في عـدم جواز التعبّد بالآراء مطلقاً غير

__________________

(١) سورة الحجّ ٢٢ : ٧١ .

(٢) التبيان ٧ : ٤٢٢ ، العدّة في اُصول الفقه ٢ : ٦٠٩ ، المحصول في علم اُصول الفقه ٣ : ١٢٥ ، شرح مختصر الروضة ٢ : ٥٠٣ .

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٤٤ .

(٤) سورة الأنعام ٦ : ١٤٨ .

(٥) سورة القلم ٦٨ : ٣٧ ـ ٣٩ .

٤١

خفيّةٍ على من له أدنى بصيرة ، ومن هذا القبيل أيضاً قوله تعالى : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ ) أي : إن تقبل قولهم ( يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ؛ لأنّهم لم يزالوا في خطأ ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) (١) .

فالاعتماد على الظنّ حينئذٍ يكون ضلالاً ، فلا حقّ إلاّ فيما علم وروده من اللّه‏ ، كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى : [ ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ) (٢) ، وقوله عزوجل (٣) ] : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ ) (٤) الآية ، وقوله سبحانه : ( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ِ ) إلى قوله : ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) (٥) .

وكذا قال : ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ) (٦) .

ومن هذا الباب أيضاً قوله عزوجل : ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ) (٧) .

وكذا قوله تعالى : ( أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) (٨) لما مرّ آنفاً ، وكذا قوله تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١١٦ .

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٠ ، سورة الأنعام ٦ : ٧١ .

(٣) ما بين المعقوفين لم يرد في «م» .

(٤) سورة الأنعام ٦ : ٥٧ .

(٥) سورة يونس ١٠ : ٣٥ ـ ٣٦ .

(٦) سورة يونس ١٠ : ٣٢ .

(٧) سورة الأعراف ٧ : ٣ .

(٨) سورة الأنعام ٦ : ٨١ .

٤٢

مُعْرِضُونَ ) (١) ، وكذا قوله سبحانه : ( وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) (٣) ؛ ضرورة دلالته على كون ما سوى العلم والهدى ـ الذي ظهر أنّه الأخذ من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ من أفراد متابعة الأهواء ، وأنّها الضلالة ، وكذا قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ) إلى قوله : ( فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه‏ُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقّ ِ ) (٤) ، وقوله : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) (٥) ، وقوله تعالى : ( قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ) (٦) ، وقوله : ( قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ) (٧) ، وقوله : ( فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ) (٨) ، وقوله : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ) إلى قوله : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) (٩) ، وقوله : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) (١٠) ، وقوله : ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) (١١) .

__________________

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٧١ .

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١١٩ .

(٣) سورة القصص ٢٨ : ٥٠ .

(٤) سورة المائدة ٥ : ٤٨ .

(٥) سورة المائدة ٥ : ٤٩ .

(٦و ٧) سورة الأنعام ٦ : ٥٦ ، ٥٧ .

(٨) سوره الشورى ٤٢ : ١٥ .

(٩) سورة الزخرف ٤٣ : ٤٣ ـ ٤٤ .

(١٠) سورة الجاثية ٤٥ : ١٨ .

(١١) سورة البقرة ٢ : ١٤٥ .

٤٣

ثمّ لا يخفى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لم يكن مأذوناً فغيره بالطريق الأولى ، وقد ذكرنا أنّهم غير معذورين في عدم تيسّر حصول العلم لهم ؛ لأنّ التقصير منهم ؛ حيث تركوا العالم بأحكام اللّه‏ .

وكذا ذكرنا عموم المراد بهذه الآيات وإن ورد بعضها في أهواء الكفّار ؛ للاشتراك في العلّة المنصوصة ، ويشهد له أيضاً قوله تعالى : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورً ) (١) ؛ ضرورة أنّ الآثم الذي جعله اللّه‏ مقابل الكافر يشمل ما سوى المعصوم من سائر المسلمين ، فافهم .

ومن الآيات قوله عزوجل : ( لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) (٢) .

وقوله تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) إلى قوله : ( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٣) ، وظاهر أنّ بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نائبه المتعلّم منه علومه كذلك أيضاً .

وقوله سبحانه : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ) إلى قوله : ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) الآية ؛ إذ لا يخفى أنّ سبيل المؤمنين في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان السؤال منه لا غير .

وقوله تعالى : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ

__________________

(١) سورة الدهر ٧٦ : ٢٤ .

(٢) سورة المائدة ٥ : ٧٧ .

(٣) سورة النساء ٤ : ٦٥ .

(٤) سورة النساء ٤ : ١١٥ .

٤٤

إِلَّا الْحَقَّ ) (١) .

وقوله عزوجل في مواضع : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ) (٢) .

وقوله سبحانه : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) (٣) .

ومن البيّن إنّ الذي ترك العالم الآخذ علمه من اللّه‏ ورسوله جميعاً وتمسّك بغير ذلك ، فهو من جملة أهل هذه الآية ، كما يشهد له أيضاً قوله تعالى : ( أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) (٤) ، وقوله : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ) (٥) ، الآية ، وقوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٦) ، وقوله : ( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) (٧) ، وقوله : ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) (٨) ، وقوله تعالى : ( وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (٩) .

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٦٩ .

(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٨ ، وسورة لقمان ٣١ : ٢٠ .

(٣) سورة الزخرف ٤٣ : ٣٦ ـ ٣٧ .

(٤) سورة محمّد ٤٧ : ١٤ .

(٥) سورة فاطر ٣٥ : ٨ .

(٦) سورة الملك ٦٧ : ٢٢ .

(٧) سورة الأنعام ٦ : ١٢١ .

(٨) سورة النمل ٢٧ : ٢٤ .

(٩) سورة آل عمران ٣ : ٢٤ .

٤٥

والآيات كثيرة ، وخلاصة جميعها بعد ملاحظة بعضها مع بعض : بيان انحصار العلم والحقّ والهدى والإيمان ، والسبيل المستوي ، والصراط المستقيم ، وطاعة اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في أخذ جميع الاُمور كلّها صغيرها وكبيرها ، اُصولها وفروعها ، ممّا ورد من اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون غير ذلك بأيّ نحو كان ، وأنّ ما سوى ذلك طريق باطل وضلال وممنوع عنه وإن اتّفق أحياناً مطابقته لأمر اللّه‏ ، كما يتّضح غاية الوضوح فيما يأتي من الآيات والأخبار وغيرهما ، كقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) (١) ، الآية . وقوله : ( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ) (٢) ، وقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) (٣) ، وقوله : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (٤) ، وقوله : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) (٥) ، وقوله : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) (٦) ، وقوله : ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) (٧) ، وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٨) ، وقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٧٩ .

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٢٠ .

(٣) سورة النساء ٤ : ٦٤ .

(٤) سورة الأنعام ٦ : ١٢٤ .

(٥) سورة التوبة ٩ : ١١٥ .

(٦) سورة النحل ١٦ : ٨٩ .

(٧) سورة القيامة ٧٥ : ١٨ ـ ١٩ .

(٨) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٦ .

٤٦

يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) (١) ، أي : لا تقطعوا أمراً بدونهما ، وقوله : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢) ، وقوله : ( دْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *‏ رَسُولًا . . . ) (٣) الآية ، وغيرها من الآيات التي لا تحصى .

وسيأتي تمام الكلام بحيث يتّضح كون المراد بها ما ذكرناه غاية التوضيح في مواضع ممّا يأتي .

ثمّ لنذكر الأخبار أيضاً لزيادة الاستبصار ، ولتسلم الآيات من شبه أهل الإنكار ، وقد قال اللّه‏ تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ) (٤) ، وقال عزوجل : ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (٥) .

روى البخاري في صحيحه : عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إيّاكم والظنّ ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث» (٦) ، الخبر .

وروى فيه : عن عقبة بن عامر أنّه قال : «تعلّموا قبل الظانّين ، يعني : الذين يتكلّمون بالظنّ» (٧) .

وروى فيه أيضاً : عن عروة (٨) ، عن عبداللّه‏ بن عمرو ، قال : سمعت

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ١ .

(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٣ .

(٣) سورة الطلاق ٦٥ : ١٠ ـ ١١ .

(٤) سورة الإسراء ١٧ : ٨٤ .

(٥) سورة الروم ٣٠ : ٣٢ .

(٦) صحيح البخاري ٧ : ٢٤ ، ٨ : ٢٣ و١٨٥ .

(٧) صحيح البخاري ٨ : ١٨٥ .

(٨) هو عروة بن الزبير بن العوّام بن خويلد القرشي الأسدي المدني ، أخو عبداللّه‏

٤٧

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ اللّه‏ لا ينتزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً ، ولكن ينتزعه مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهّال يُستفتون فَيُفتون برأيهم فيُضلّون ويَضلّون» ، قال عروة : فحدّثت به عائشة ، فقالت لي : انطلق إلى عبداللّه‏ فاستثبت لي منه الذي حدّثتني به عنه ، فجئته فسألته فحدّثني به كنحو ما حدّثني به ، فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت ، فقالت : واللّه‏ ، لقد حفظ عبداللّه‏ بن عمرو (١) .

وروى السيوطي في جامعه : عن كتاب أبي يعلى (٢) ، عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «تعمل هذه الاُمّة بُرهةً بكتاب اللّه‏ ، ثمّ تعمل بُرهةً بسنّة رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تعمل بالرأي ، فقد ضلّوا وأضلّوا» (٣) .

__________________

بن الزبير ، ابن عمّة رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله صفية ، وكان أعلم الناس بحديث عائشة خالته ، وتفقّه بها ، سمع عن ابن عبّاس وأبي حميد الساعدي وأبي هريرة وغيرهم ، روى عنه الزهري وعطاء وابن أبي مليكة وغيرهم .

واختلف في ولادته ووفاته على أقوال منها : أنّه ولد سنة ٢٩ هـ ، ومات سنة ٩٤ هـ .

انظر : الطبقات لابن سعد ٥ : ١٧٨ ، طبقات خليفة : ٤٢٠ / ٢٠٦٦ ، الجرح والتعديل ٦ : ٣٩٥ / ٢٢٠٧ ، الثقات ٥ : ١٩٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٣٣١ / ٤٠٥ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٢١ / ١٦٨ ، العبر ١ : ٨٢ .

(١) صحيح البخاري ٩ : ١٢٣ .

(٢) هو أحمد بن عليّ بن المثنّى التميمي ، يكنّى أبا يعلى الموصلي ، الحافظ ، محدّث الموصل ، سمع من جماعة منهم : أحمد بن حنبل ، وعليّ بن الجعد ، ويحيى بن معين ، وغسّان بن الربيع وغيرهم ، وحدّث عنه : ابن حبّان ، وأبو عليّ النيسابوري ، وحمزة بن محمّد الكناني وغيرهم ، له كتب منها : المسند الكبير ومعجم الشيوخ ، ولد سنة ٢٠١ هـ ، ومات سنة ٣٠٧ هـ .

انظر : الثقات ٨ : ٥٥ ، سير أعلام النبلاء ١٤ : ١٧٤ /١٠٠ ، العبر ١ : ٤٥١ ، تذكرة الحفّاظ ٢ : ١٩٩ / ٧٢٦ ، طبقات الحفّاظ : ٣٠٩ / ٧٠١ .

(٣) مسند أبي يعلى ١٠ : ٢٤٠ / ٥٨٥٦ ، جامع الأحاديث ٤ : ٩٨ / ١٠٤٢٤ .

٤٨

وروي عن الخطيب البغدادي (١) في تاريخه ، وكذا عن الديلمي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ستفترق أُمّتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنةً على أُمّتي قوم يقيسون الأمر ، فيحرّمون الحلال ، ويحلّلون الحرام» (٢) .

وقد رواه الطبراني ، وابن عدي ، وابن عساكر ، والخطيب أيضاً ، عن عوف بن مالك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : «افترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة ، وتزيد اُمّتي عليها فرقة ، ليس فيها فرقة أضرّ على اُمّتي من قوم يقيسون الدين بآرائهم فيحلّون ما حرّم اللّه‏ ، ويحرّمون ما أحلّ اللّه‏» (٣) .

وفي صحيح أبي داوُد : عن معاوية ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّ من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة ، وإنّ هذه الاُمّة ستفترق على ثلاث وسبعين ملّة (٤) ، واحدة في الجنّة والباقون في النار ، وإنّه سيخرج من اُمّتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ (٥) بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلاّ دخله» (٦) .

أقول : سيأتي ما يدلّ صريحاً على كون المراد بالأهواء ما ورد في

__________________

(١) في «ش» و«م» ورد الخوارزمي ، والظاهر أنّه سهو .

(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٧ ، فردوس الأخبار ٢ : ٩٨ / ٢١٧٦ بتفاوت ، وحكاه عنهما ابن طاووس في الطرائف ٢ : ٢٥٧ .

(٣) المعجم الكبير ١٨ : ٥٠ / ٩٠ ، الكامل لابن عدي ٨ : ٢٥٣ /١٩٥٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٢ : ١٥١ / ٧٩٠٩ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، بتفاوتٍ في بعضها .

(٤) في «ش» : فرقة .

(٥) الكَلَبُ ، بالتحريك : داءٌ يَعرضُ للإنسان ، من عَضّ الكَلْب الكَلِب ، فيُصيبهُ شِبهُ الجنونِ ، فلا يَعَضُّ أحداً إلاّ كَلِبَ ، وَيعرِضُ له أعراضٌ رديئة ، ويمتنع من شُرب الماء حتّى يموت عطشاً .

انظر : لسان العرب ١ : ٧٢٣ مادّة ـ كلب ـ .

(٦) سنن أبي داوُد ٤ : ١٩٨ / ٤٥٩٧ .

٤٩

الخبر السابق من الأقيسة والآراء وأمثالها ، وقد مرّت الآيات الدالّة على هذا المعنى أيضاً ، فلا تغفل .

وفي صحيح ابن ماجة ، والكتاب الكبير للطبراني : عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لم يزل أمر بني إسرائيل كان معتدلاً حتّى نشأ فيهم المولدون ، وأبناء سبايا الاُمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها ، فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا» (١) .

أقول : قد صرّح بعض علماء رجال العامّة بأنّ ربيعة الرأي الذي هو أوّل من روّج العمل بالرأي في المدينة ، وكذا غيره حتّى أبي حنيفة كانوا من أولاد السبايا من المجوس (٢) .

وفي كتاب أبي يعلى : عن أبي بكر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عليكم بلا إله إلاّ اللّه‏ والاستغفار ؛ فإنّ الشيطان قال : أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلاّ اللّه‏ والاستغفار ، فلمّا رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، وهم يحسبون أنّهم مهتدون» (٣) .

وفي كتاب ابن مندة ، وكتابي ابن قانع وابن شاهين ، وكتاب أبي نعيم وغيره : عن أفلح ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أخاف على اُمّتي من بعدي ثلاثاً : ضلالة الأهواء ، واتّباع الشهوات ، والغفلة بعد المعرفة» (٤) .

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٢١ / ٥٦ ، بتفاوت يسير عن عبداللّه‏ بن عمرو بن العاص ، كنز العمّال ١ : ١٨١ / ٩١٨ عن ابن عمرو ، وحكاه عنهما السيوطي في جامع الأحاديث ٥ : ٩٢ / ١٧٤٠٩ .

(٢) انظر : كنز الفوائد ٢ : ٢١٠ ، جامع بيان العلم وفضله ٢ : ١٠٧٩ / ٢١٠٤ ، تاريخ الإسلام (حوادث ١٢١ ـ ١٤٠) : ٤٢١ و٤٢٢ .

(٣) مسند أبي يعلى ١ : ١٢٣ / ١٣٦ بتفاوت يسير .

(٤) معرفة الصحابة لأبي نعيم ٢ : ٤٠٦ / ١٠٣٢ ، اُسد الغابة ١ : ١٢٧ / ٢٠٥ ، الإصابة

٥٠

وقد مرّ سابقاً هذا وأمثاله ، مع ذمّ الأئمّة المضلّين ونحو ذلك ، فلا تغفل .

وفي كتب عديدة ، منها : صحيح الترمذي ، ومستدرك الحاكم (١) : عن أسماء بنت عميس ، وعن نعيم بن حمّاد (٢) ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في حديث له : «بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين ، وبئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات ، وبئس العبد عبد له هوى يضلّه» (٣) ، الخبر .

وفي كتاب الفردوس : عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الآخذ بالشبهات يستحلّ الخمر بالنبيذ ، والسحـت بالهدية ، والبَخْسَ (٤)

__________________

في تمييز الصحابة ١ : ٥٧ / ٢٢٩ ، وحكاه عنهم السيوطي في جامع الأحاديث ١ : ١٢٢ / ٦٩١ .

(١) الحاكم : هو محمّد بن عبداللّه‏ بن محمّد بن حمدويه الشافعي المعروف بالحاكم النيسابوري تفقّه على أبي السهل محمّد بن سليمان الصعلوكي الفقيه الشافعي وغيره ، يكنّى أبا عبداللّه‏ ، له كتب منها : المستدرك ، ومعرفة علوم الحديث ، وتاريخ علماء نيسابور ، ولد سنة ٣٢١ هـ ، ومات سنة ٤٠٥ هـ .

انظر : تاريخ بغداد ٥ : ٤٧٣ /٣٠٢٤ ، المنتظم ١٥ : ١٠٩ / ٣٠٥٩ ، وفيات الأعيان ٤ : ٢٨٠ / ٦١٥ ، سير أعلام النبلاء ١٧ : ١٦٢ / ١٠٠ .

(٢) هو نعيم بن حمّاد بن معاوية الحارث الخزاعي المروزي الفارض الأعور ، عامّي المذهب ، حدّث عن أبي بكر بن عيّاش ، ووكيع ، وأبي داوُد وغيرهم ، وروى عنه البخاري ، والترمذي ، وابن ماجة وغيرهم ، وله كتب منها : المسند ، والفتن والملاحم ، مات سنة ٢٢٨ هـ .

انظر: الطبقات لابن سعد ٧: ٥١٩، الجرح والتعديل ٨: ٤٦٣ / ٢١٢٥ ، الكامل في الضعفاء ٨ : ٢٥١ / ١٩٥٩ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٦ / ٧٢٨٥ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٥٩٥ / ٢٠٩ .

(٣) سنن الترمذي ٤ : ٦٣٢ / ٢٤٤٨ ، المستدرك للحاكم ٤ : ٣١٦ .

(٤) البَخْسَ : ما يأخذه الوُلاة باسم العُشر والمُكوس ، يتأوّلون فيه الزكاة والصدقة .

انظر : النهاية لابن الأثير ١ : ١٠٣ ـ بخس ـ .

٥١

بالزكاة» (١) .

وعن حذيفة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إذا استحلّت هذه الاُمّة الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، واتّجروا بالزكاة ، فعند ذلك هلاكهم ليزدادوا إثماً» (٢) .

وفي الفردوس أيضاً : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام : «يا عليّ ، إيّاك والرأي ، فإنّ الدين من اللّه‏ والرأي من الناس» (٣) .

وقال ابن أبي الحديد : قد روى كثير من المحدّثين عن عليّ عليه‌السلام أنّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «إنّ اللّه‏ قد كتب عليك جهاد المفتونين» ، ثمّ ذكر كلاماً طويلاً إلى قوله : «فقلت : يا رسول اللّه‏ ، لو بيّنت لي قليلاً ؟ فقال : إنّ اُمّتي ستفتن فتتأوّل القرآن وتعمل بالرأي ، وتستحلّ الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهديّة» إلى آخر الحديث (٤) ، وسيأتي في محلّه .

وفي كتاب الحلية : عن ابن عمر قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كفى بالمرء (٥) فقهاً إذا عبد اللّه‏ ، وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه» (٦) .

وفي كتب عديدة ، منها : كتاب أبي داوُد الطيالسي (٧) وكتاب الضياء

__________________

(١) فردوس الأخبار ١ : ١٦٣ / ٤٤١ .

(٢) فردوس الأخبار ١ : ٤٠٧ / ١٣٣٨ ، وحكاه عنه السيوطي في جامع الأحاديث ١ : ٢٩٩ / ٢٠٣٩ .

(٣) الفردوس بمأثور الخطاب ٥ : ٣١٤ / ٨٢٩٧ .

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ٢٠٦ .

(٥) في النسخ : للمرء ، وما أثبتناه من المصدر .

(٦) حلية الأولياء ٥ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، وأورده الدولابي في الكنى والأسماء ٢ : ٨٤٩ / ١٤٨٨ ، والديلمي في فردوس الأخبار ٣ : ٣٣٣ / ٤٨٨٨ ، وحكاه عن الحلية السيوطي في جامع الأحاديث ٦ : ٤٢٠ / ٥٦٧٩ / ١ ، وفيه «بنفسه» بدل «برأيه» ، وفي المصادر عن ابن عمرو .

(٧) هو سليمان بن داوُد بن الجارود الفارسي الزبيري ، سكن البصرة وتوفّي بها ، سمع

٥٢

المقدسي ، وحلية الأولياء ، وكتاب ابن شاهين في السنّة ، وكتاب ابن مردويه (١) ، وكتاب الإبانة للسجزي ، وكتابي ابن أبي حاتم (٢) وأبي الشيخ : عن عمر بن الخطّاب أنّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة : «يا عائشة إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء من هذه الاُمّة ليس لهم توبة ، يا عائشة ، إنّ لكلّ صاحب ذنبٍ توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ، فإنّه ليس لهم توبة ، أنا منهم بريء وهم منّي

__________________

أيمن بن نابل ، وشعبة ، وسفيان الثوري وغيرهم .

وروى عنه أحمد بن حنبل ، وجرير بن عبد الحميد ، وعمرو بن عليّ الفلاّس وآخرون ، صاحب المسند ، أسرد ثلاثين ألف حديث ، وذكروا أنّه أخطأ في ألف حديث ، ولد سنة ١٢٣ هـ ، ومات سنة ٢٠٤ هـ ، وقيل : سنة ٢٠٣ هـ .

انظر : الطبقات لابن سعد ٧ : ٢٩٨ ، طبقات خليفة : ٣٩٥ / ٩٣٤ ، الجرح التعديل ٤ : ١١١ / ٤٩١ ، تاريخ بغداد ٩ : ٢٤ / ٤٦١٧ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٧٨ / ١٢٣ ، الأعلام ٣ : ١٢٥ .

(١) هو أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الأصبهاني ، يكنّى أبا بكر ، روى عن أبي سهل بن زياد القطّان وميمون بن إسحاق وعبد اللّه‏ بن إسحاق الخراساني وغيرهم ، حدّث عنه أبو بكر محمّد بن إبراهيم العطار ، وابنا الحافظ ابن مندة وآخرون ، له كتب منها : التفسير الكبير ، والتاريخ ، والمستخرج على البخاري .

ولد سنة ٣٢٣ هـ ، ومات سنة ٤١٠ هـ .

انظر : العبر ٢ : ٢١٧ ، سير أعلام النبلاء ١٧ : ٣٠٨ /١٨٨ ، الوافي بالوفيات ٨ : ٢٠١ /٣٦٣٤ ، طبقات الحفّاظ : ٤١٢ /٩٣٠ ، شذرات الذهب ٣ : ١٩٠ .

(٢) هو عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس الرازي ، يكنّى أبا محمّد ، عامّي المذهب ، صاحب خبرة في الرجال ومن مشاهير زمانه ، وروى عنه : ابن عدي ، والقاضي يوسف الميانجي ، وأبو الشيخ بن حيّان ، له كتب منها : الجرح والتعديل ، والردّ على الجهمية ، والمسند ، ولد سنة ٢٤١ هـ ، ومات سنة ٣٢٧ هـ .

انظر : طبقات الحنابلة ٢ : ٥٥ / ٥٩٦ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٦٣ /١٢٩ ، العبر ٢ : ٢٧ ، فوات الوفيات ٢ : ٢٨٧ / ٢٥٧ ، الوافي بالوفيات ١٨ : ٢٢٨ / ٢٧٧ ، لسان الميزان ٤ : ٢٩٩ / ٥٠٢٩ .

٥٣

براء» (١) .

وفي كتاب الحجّة لنصر المقدسي (٢) : عن عمر ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ اللّه‏ أنزل كتاباً وافترض فرائض فلا تنقضوها ، وحدّ حدوداً فلا تغيّروها ، وحرّم محارم فلا تقربوها ، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً كانت رحمة من اللّه‏ فاقبلوها ، إنّ أصحاب الرأي أعداء السنن تَفلتت منهم أن يعوها ، وأعيتهم أن يحفظوها واستحيوا (٣) أن يقولوا : لا نعلم ، فعارضوا السنن برأيهم ، فإيّاكم وإيّاهم» (٤) ، الخبر .

وفي خطبة لعليّ عليه‌السلام هكذا : «إنّ اللّه‏ افترض عليكم فرائض فلا تضيّعوها ، وحدّ لكم حدوداً فلا تعتدوها ، ونهاكم (٥) عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً فلا تتكلّفوها» (٦) .

وفي كتاب اُصول السنّة وغيره : عن ابن شهاب (٧) ، عن عمر أنّه قال :

__________________

(١) حلية الأولياء ٤ : ١٣٨ ، وحكاه عن الطبراني ، والحكيم ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ السيوطي في جامع الأحاديث ٩ : ١٩٣ / ٢٧٩٧٤ و٢٧٩٧٨ .

(٢) نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داوُد المقدسي النابلسي ، شيخ الشافعية في الشام ، المعروف قديماً بابن أبي حافظ ، والمشهور الآن بالشيخ أبي نصر ، حدّث عنه : الخطيب ، وهو من شيوخه ، ومكّي الرُميلي ، وأبو القاسم النسيب ، وغيرهم ، وله كتب منها : الحجّة على تارك المحجّة ، ولد قبل سنة ٤١٠ هـ ، ومات سنة ٤٩٠هـ .

انظر : تاريخ ابن عساكر ٦٢ : ١٥ /٧٨٥٢ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٢٥ /١٩١ ، سير أعلام النبلاء ١٩ : ١٣٦ / ٧٢ ، طبقات الشافعيّة للسبكي ٥ : ٣٥١ / ٥٥٠ ، شذرات الذهب ٣ : ٣٩٥ .

(٣) في «ش» والمصدر : وسلبوا .

(٤) حكاه عنه المتّقي الهندي في كنز العمّال ١ : ٣٧٣ / ١٦٢٩ .

(٥) في النسخ «وأنهاكم» والظاهر أنه خطاء .

(٦) نهج البلاغة : ٤٨٧ ، الحكم ١٠٥ .

(٧) هو محمّد بن مسلم بن عُبيد بن عبداللّه‏ بن شهاب بن عبداللّه‏ ، أبو بكر القرشي

٥٤

إنّ أصحاب الرأي أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، وتفلّتت منهم أن يعوها ، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا : لا نعلم (١) ، إلى آخر الخبر السابق ، ومنه يظهر أنّ أصله من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورواه الجاحظ في كتاب الفتيا أيضاً عن عمر ، وفيه أيضاً قول عمر : إيّاكم والمكايلة ، قالوا : وما هي ؟ قال : المقايسة . وقول أبي بكر لمّا سئل عن تفسير «الأبّ» في قوله تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) (٢) : أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب اللّه‏ برأيي (٣) .

وقول ابن مسعود : يذهب فقهاؤكم وصلحاؤكم ، ويتّخذ الناس رؤساء جهّالاً ، يقيسون (٤) الاُمور بآرائهم (٥) .

وفي كتاب العلم لابن عبد البرّ : عن عمر ، قال : السنّة سنّة اللّه‏ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تجعلوا حظّ الرأي سنّة للاُمّة (٦) .

وفي كتب عديدة منها : كتاب الديلمي ، والدار قطني ، وابن جرير (٧) ،

__________________

الزهري المدني نزيل الشام ، أحد الفقهاء والمحدّثين والأعلام بالمدينة ، حافظ ، عامّي المذهب ، ولد سنة ٥٠ هـ ، ومات سنة ١٢٤ هـ .

سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٢٦ / ١٦٠ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٧٧ / ٥٦٣ ، حلية الأولياء ٣ : ٣٦٠ / ٢٥٤.

(١) حكاه عن اُصول السنّة المتّقي الهندي في كنز العمّال ١ : ٣٧٣ / ١٦٢٩ ، و ١٠ : ٢٦٨ / ٢٩٤٠٦ .

(٢) سورة عبس ٨٠ : ٣١ .

(٣) حكاه عنه عليّ بن يونس في الصراط المستقيم ٣ : ٢٠٨ .

(٤) من هنا إلى ص ٦٣ هامش ٣ ساقط في «م» .

(٥) جامع بيان العلم ٢ : ١٠٤٤ / ٢٠١٠ ، الصراط المستقيم ٣ : ٢٠٨ وفيهما بتفاوت يسير .

(٦) جامع بيان العلم ٢ : ١٠٤٧ / ٢٠١٤ ، وفيه «خطأ» بدل من «حظّ» .

(٧) هو محمّد بن جرير بن خالد الطبري ، يكنّى أبا جعفر ، عامّي المذهب ، وقال

٥٥

وأبي نعيم ، وغيرهم : عن عمر أنّه قال : اتّهموا الرأي على الدين . ثمّ نقل أنّ رأيه يوم أبي جندل كان خلاف ما أمرهم به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ظهر ثبوت أمره وخطأ الرأي (١) .

وفي صحيح البخاري : عن أبي وائل (٢) ، قال : قال سهل بن حنيف (٣) : أيّها الناس ، اتّهموا رأيكم على دينكم (٤) ، ثمّ نقل أنّ رأيه أيضاً كان خلاف

__________________

الذهبي : إنّه فيه تشيّع يسير : موالاة لا تضرّ ، صاحب التفسير الكبير ، والتأريخ الشهير ، ومصنّفاته في فنون عديدة ، وله كتب منها : كتاب غدير خمّ ، والردّ على الحرقوصيّة ، وتهذيب الآثار إلاّ أنّه لم يُتمّم تصنيفه ، ولد سنة ٢٢٤ هـ ، ومات سنة ٣١٠ هـ .

انظر : النجاشي : ٣٢٢ / ٨٧٩ ، الفهرست للطوسي : ٢٢٩ / ٦٥٤ ، تاريخ بغداد ٢ : ١٦٢ / ٥٨٩ ، المنتظم ١٣ : ٢١٥ / ٢١٩٩ ، وفيات الأعيان ٤ : ١٩١ / ٥٧٠ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٤٩٨ / ٧٣٠٦ .

(١) المعجم الكبير للطبراني ١ : ٧٢ / ٨٢ ، مجمع الزوائد ١ : ١٧٩ ، وحكاه عنهم المتّقي الهندي في كنز العمّال ١ : ٣٧٢ / ١٦٢٧ .

(٢) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي ، يكنّى أبا وائل ، أدرك الجاهلية ، وأدرك رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يره ، قال : بعث رسول اللّه‏ وأنا ابن عشر حجج ، روى عن أكثر الصحابة ، وسمع منه منصور بن المعتمر ، والأعمش ، وعمرو بن حرّة وغيرهم ، كان من سكّان الكوفة ، وورد المدائن مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين قاتل الخوارج بالنهروان ، مات زمن الحجّاج بعد «الجماجم» .

انظر : الطبقات لابن سعد ٦ : ٩٦ ، المعارف : ٤٤٩ ، الاستيعاب ٢ : ٧١٠ / ١٢٠١ ، تاريخ بغداد ٩ : ٢٦٨ / ٤٨٣٤ ، المنتظم ٦ : ٢٥٣ / ٤٩٨ .

(٣) سهل بن حنيف بن واهب ، يكنّى أبا سعيد ، صحب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بإخلاص ، وشهد معه بدراً والمشاهد كلّها ، ولم يغيّر ولم يبدّل فكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، والمنكرين على أبي بكر بيعته ، وكان من شرطة خميس الإمام علي عليه‌السلام ومن أحبّ الناس إليه وقد ولاّه المدينة وشهد معه صفّين ، مات سنة ٣٨ هـ .

انظر : رجال الكشّي : ١٠٤ / ٧٣ ، منتهى المقال ٣ : ٤٢٤ / ١٤٠٣ ، الطبقات لابن سعد ٣ : ٤٧١ ، المعارف : ٢٩١ ، الثقات ٣ : ١٦٩ ، الاستيعاب ٢ : ٦٦٢ / ١٠٨٤ .

(٤) صحيح البخاري ٩ : ١٢٤ ، المعجم الكبير ٦ : ٨٨ و٨٩ / ٥٥٩٨ ـ ٥٦٠٢ ، المحلّى لابن حزم ١ : ٦١ .

٥٦

ما أمرهم به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أبي جندل ، فظهر أخيراً خطؤه ، مثل ما مرّ عن عمر .

وفي كتاب شعب الإيمان للبيهقي ، والمختارة للضياء المقدسي ، والجامع للخوارزمي : عن إبراهيم التيمي (١) ، قال : خلا عمر ذات يوم فأرسل إلى ابن عبّاس ، فقال له : كيف تختلف هذه الاُمّة وكتابها واحد ونبيّها واحد ، وقبلتها واحدة ؟ قال ابن عبّاس : إنّا اُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيمَ نزل ، وإنّه يكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيمَ نزل ، فيكون لكلّ قوم فيه رأي ، وإذا كان كذلك اختلفوا (٢) ، الخبر .

أقول : وجوه الاختلاف عديدة ، وإنّما هذا أحد وجوه الاختلاف حيث فسّر جماعة القرآن بآرائهم ، وأوّلوا المتشابهات بأهوائهم ـ كما سيأتي ـ حتّى أنّ جماعة منهم : ابن عبد البرّ ، وابن النجّار ، والدارمي (٣) ، والمقدسي رووا عن عمر أنّه قال : سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن ،

__________________

(١) إبراهيم بن محمّد بن طلحة بن عبيداللّه‏ التيمي القرشي المدني ، يكنّى أبا سليمان ، وكان أعرج ومن المرجئة ، استعمله عبداللّه‏ بن الزبير على خراج الكوفة ، يروي عن سعيد بن زيد ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وعنه سعد بن إبراهيم ، وعبداللّه‏ بن محمّد بن عقيل ، ومحمّد بن عبد الرحمن ، مات سنة ١١٠ هـ ، وقيل : سنة ٩٩ هـ .

انظر : الطبقات لابن سعد ٥ : ٥٢ ، المعارف لابن قتيبة : ٦٢٥ ، الجرح والتعديل ٢ : ١٢٤ / ٣٨٥ ، الثقات ٤ : ٥ ، المنتظم ٧ : ٤٦ / ٥٤٣ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٦٢ / ٢٢٢ .

(٢) حكاه عنهم المتّقي الهندي في كنز العمّال : ٢ : ٣٣٣ / ٤١٦٧ .

(٣) وهو عبداللّه‏ بن عبد الرحمن بن المفضّل بن بهرام ، من بني دارم التميمي الدارمي السمرقندي ، يكنّى أبا محمّد ، الحافظ صاحب المسند ، والتفسير وكتاب الجامع ، عامّي المذهب ، وقد أثنى عليه أحمد بن حنبل .

روى عنه : محمّد بن يحيى الذهلي ، وأبو زرعة الرازي ، وأبو حاتم ، ولد سنة ١٨١ هـ ، وقد اختلف في وفاته على أقوال منها : أنّه مات سنة ٢٥٥ هـ ، وقد ذكره ابن الجوزي في منتظمه ١٠ : ١٤٤ / ١١٣٤ سهواً فيمن توفّي سنة ٢٠٥ هـ .

انظر : المنتظم ١٢ : ٩٢ / ١٥٧٠ ، تذكرة الحفّاظ ٢ : ٩٠ / ٥٥٢ ، تهذيب التهذيب ٥ : ٢٥٨ / ٥٠٢ ، الأعلام ٤ : ٩٥ .

٥٧

فخذوهم بالسنن ، فإنّ أصحاب السنن أعلم بكتاب اللّه‏ (١) .

وكذا أمر عليّ عليه‌السلام ابن عبّاس لمّا أرسله إلى مكالمة الخوارج أن يحتجّ عليهم بالسنّة ، حتّى ينحلّ بها ما تمسّكوا به من متشابهات الآيات (٢) .

والمراد بالسنّة ما ثبت صدوره قولاً أو فعلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما سيظهر أيضاً ـ لا كلّ ما روي عنه وإن كان غير ثابت ، فافهم .

ولا تغفل عمّا يرد على عمر من أ نّه مع روايته هذه الأخبار وجِدّه في إنكار الاعتماد على الرأي عمل في مواضع (٣) عديدة بالرأي ، كما سيأتي ، حتّى أنّه اعترف في بعضها بكونه رأياً محتملاً للخطأ ، بل صرّح في بعضها بأنّه بدعة ، مع أنّه ممّن روى صريحاً كون البدعة والمحدثات ضلالة ، بل مشيراً أيضاً إلى أنّ الرأي منها ، كما أنّه كذلك واقعاً ؛ ضرورة عدم كونه معمولاً به في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا من فعله ، كما ينادي به ما مرّ ويأتي .

ولنذكر هاهنا شيئاً ممّا يوضّح ما قلناه ، مع نبذ ممّا ورد في ذمّ البدعة والاُمور المحدثة ؛ حيث إنّ الرأي منها :

روى جماعة ، منهم : مسلم في صحيحه ، وكذا النسائي وابن ماجة في صحيحيهما ، وابن حنبل في مسنده : عن أبي موسى الأشعري ، أنّه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ! قد نقض (٤) فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بَعْدُ .

قال أبو موسى : فلقيت عمر بَعْدُ فسألته ، فقال : قد علمت أنّ

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٤٩ ، جامع بيان العلم ٢ : ١٠١٠ / ١٩٢٧، كنز العمّال ١ : ٣٧٤ / ١٦٣٤ .

(٢) انظر : نهج البلاغة : ٤٦٥ ، الكتاب ٧٧ .

(٣) في «ش» : موارد .

(٤) في مسند أحمد وسنن ابن ماجة : «بعض» وفي صحيح مسلم وسنن النسائي : «ببعض» بدل «قد نقض».

٥٨

رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعله وأصحابه ، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ مُعْرِسين تحت الأراك ، ثمّ يروحون بالحجّ تقطر رؤوسهم (١) .

أقول : قد ورد في كتب القوم شواهد كثيرة في صدق هذا الخبر ، وظهور دلالته على كون صدور هذا الأمر منه بالرأي واضح ، وكذا كونه بدعةً وإحداثاً ، حتّى أنّه صرّح فيه بكونه خلاف ما ثبت عنده وروده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروى جماعة أيضاً منهم ، البخاري في صحيحه ، وعبدالرزّاق (٢) ، والبيهقي ، وابن خزيمة (٣) في كتبهم وكذا غيرهم ، وهؤلاء منهم من روى عن نوفل بن إياس (٤) ، ومنهم عن عبد الرحمن بن عبد القاري (٥) ، ومنهم

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٦ / ١٢٢٢ ، مسند أحمد ٥ : ٥٣٨ / ١٩٠٤٠ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٣ سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٢ / ٢٩٧٩ ، .

(٢) عبدالرزاق بن همّام بن نافع الصنعاني ، يكنّى أبا بكر ، مولى حمير ، محدّث حافظ ، والصنعاني نسبة إلى صنعاء ، أخذ عنه البخاري ، وسفيان بن عيينة ، وابن حنبل ، ويروي عن معمّر بن راشد الأزدي ، والأوزاعي ، وابن جريح ، وله من الكتب : السنن في الفقه ، وتفسير القرآن ، والمغازي ، ولد سنة ١٢٦ هـ ، ومات سنة ٢١١ هـ .

انظر : قاموس الرجال ٦ : ١٥٤ / ٤٠٩٢ ، الطبقات لابن سعد ٥ : ٥٤٨ ، فهرست ابن النديم : ٢٨٤ ، وفيات الأعيان ٣ : ٢١٦ / ٣٩٨ .

(٣) هو محمّد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة النيسابوري الشافعي ، يكنّى أبا بكر ، حدّث عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وله كتب منها : المختصر الصحيح ، والتوحيد ، وإثبات صفات الربّ ، ولد سنة ٢٢٣ هـ ، ومات سنة ٣١١ هـ .

انظر : الجرح والتعديل ٧ : ١٩٦ / ١١٠٣ ، الثقات ٩ : ١٥٦ ، سير أعلام النبلاء ١٤ : ٣٦٥ / ٢١٤.

(٤) هو نوفل بن إياس الهذلي المدني ، عامّي المذهب ، سمع عبد الرحمن بن عوف ، وروى عنه مسلم بن جندب الهذلي .

انظر : الطبقات لابن سعد ٥ : ٥٩ ، الثقات ٥ : ٤٧٩ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٤٣٧ / ٨٨٣ ، تقريب التهذيب ٢ : ٣٠٩ / ١٧٥ ، التاريخ الكبير ٨ : ١٠٨ / ٢٣٧٣ .

(٥) هو عبد الرحمن القاري ، والقارة هم بنو الهُون بن خزيمة ، يكنّى أبا محمّد ، أخو

٥٩

عن غيرهما : إنّهم كلّهم نقلوا خروج عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فرأى الناس يصلّون متفرّقين ، فأمرهم أن يجمعوا على اُبيّ بن كعب ، فخرج ليلة اُخرى بعد ذلك والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال : لئن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة (١) .

هذه وأمثالها كثيرة ، حتّى أنّ البيهقي روى عن مسروق (٢) قال : كتب رجل لعمر بن الخطاب : هذا ما أرى اللّه‏ أمير المؤمنين عمر ، فانتهره عمر وقال : لا ، بل اُكتب هذا ما رأى عمر ، فإن كان صواباً فمن اللّه‏ ، وإن كان خطأً فمن عمر (٣) .

__________________

أسد وكنانة ، عامّي المذهب ، موثّق في مذهبه ، ولد على عهد رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس له سماع ولا له عنه رواية ، كان مع عبداللّه‏ بن الأرقم على بيت المال في خلافة عمر ابن الخطاب ، روى له جماعة .

واختلف في وفاته على أقوال منها : أنّه مات سنة ٨٠ هـ .

انظر : الطبقات لابن سعد ٥ : ٥٧ ، الجرح والتعديل ٥ : ٢٦١ / ١٢٣٣ ، الاستيعاب ٢ : ٨٣٩ / ١٤٣٣ ، المنتظم ٤ : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، الوافي بالوفيات ١٨ : ١٨٣ / ٢٢٩ .

(١) صحيح البخاري ٣ : ٥٨ ، المصنّف للصنعاني ٤ : ٢٥٩ / ٧٧٢٣ ، السنن الكبرى ٢ : ٤٩٢ ، الموطّأ ١ : ١١٤ ـ ١١٥ / ٣ ، ٤ ، شعب الإيمان ٣ : ١٧٧ / ٣٢٦٩ ، الاستذكار ٥ : ١٤٦ / ٢٢١ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ١٣١ / ٥٧ .

(٢) هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي ، يكنّى أبا عائشة ، ويقال : أبو اُمية الهمداني ثمّ الوادعي ، أدرك الجاهلية ، عامّي المذهب ، كان شاعراً وكان أعلم بالفتوى من شريح ، حضر تحكيم الحكمين بدومة الجندل ، روى عن عليّ بن أبي طالب ، وكان من ذوي العاهات ويقال : إنّه سُرق وهو صغير ثمّ وجد فسمّي مسروقاً .

مات سنة ٦٣ هـ وله ثلاث وستّون سنة .

انظر : الطبقات لابن سعد ٦ : ٧٦ ، المعارف : ٤٣٢ و٥٧٨ ، الجرح والتعديل ٨ : ٣٩٦ / ١٨٢٠ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٢٣٢ / ٧٢٠٢ ، اُسد الغابة ٤ : ٣٨٠ / ٤٨٦٣ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٤ : ٢٤٣ / ٢١٠ .

(٣) السنن الكبرى ١٠ : ١١٦ .

٦٠