علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

العصر من الغدحوراء من الجنّة اسمها : منزلة (١) ، فأمر الله عزوجل آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد لشيث غلام و ولد ليافث جارية ، فأمر الله عزوجل آدم حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل فولد الصفوة من النبيّين والمرسلين من نسلهما ، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من الأُخوة والأخوات» (٢) .

ـ ١٨ ـ

باب ما ذكره محمّد بن بحر الشيباني ، المعروف بالرهني (٣) رحمه‌الله

في كتابه : من قول مفضّلي الأنبياء والرسل والأئمّة والحجج

صلوات الله عليهم أجمعين على الملائكة

[ ٣٥ / ١ ] قال مفضّلو الأنبياء والرسل والأئمّة والحجج (٤) صلوات الله عليهم على الملائكة : إنّا نظرنا إلى جميع ما خلق الله عزوجل من شيء علا علوّاً طبعاً

__________________

(١) في «ع ، ح» : بركة ، وفي «ش ، س ، ن» : تركة ، وفي حاشية «ش ، س» في نسخة : منزلة. ومافي المصادر موافق للمتن.

(٢) ذكر ذيل الحديث المصنّف في من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٨١ / ٤٣٣٧ ، وعنه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٦٤ / ١ ، ونقله عن العلل الراوندي في قصص الأنبياء : ٥٤ / ٣٢بتفصيل ، المشهدي في كنز الدقائق ٢ : ٣٤١ ، الحويزي في تفسير نور الثقلين ١ : ٤٣٢ / ٩ ، المجلسي في بحار الأنوار ١١ : ٢٢٣ / ٢.

(٣) في «ن ، ح ، س ، ع ، ج» : الدهني ، وفي «ش» : الذهبي ، وما في المتن هو الصحيح لموافقته للمصادر. انظر رجال النجاشي : ٣٨٤ / ١٠٤٤ ، الخلاصة للعلاّمة الحلّي : ٣٩٦ / ١٦٠٠ ، الفهرست للشيخ الطوسي : ٢٠٨ / ٥٩٨ ، تنقيح المقال للمامقاني ٢ : ٨٥ / ١٠٤٣٤ ، معجم رجال الحديث ١٦ : ١٣١ / ١٠٣٢٤.

(٤) في المطبوع : والحجج والأئمّة. وما في المتن أثبتناه من النسخ .

٤١

واختياراً ، أو علا به قهراً واضطراراً ، وما سفل شيء طبعاً واختياراً ، أوسفل به قهراً واضطراراً ، فإذا هي ثلاثة أشياء بالإجماع : حيوان نام ، وجماد ، وأفلاك سائرة ، وبالطبع الذي طبعها عليه صانعها دائرة ، وفيما دونهاعن إرادة خالقها مؤثّرة ، وإنّهم نظروا في الأنواع الثلاثة وفي الأشياء التي هي أجناس ، منقسمة إلى جنس الأجناس الذي هو شيء؛ إذ يعطي كلّ شيء اسمه.

قالوا : ونظرنا أيّ الثلاثة هو نوع لِما فوقه وجنس لِما تحته أنفع وأرفع؟وأيّها أدون وأوضع؟

فوجدنا أرفع الثلاثة الحيوان؛ وذلك بحقّ الحياة التي بانَ بها النامي والجماد ، وإنّما رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع وترتيبها أنّ الله تقدّست أسماؤه جعل النامي له غذاء ، وجعل له عند كلّ داء دواء ، وفيما قدّرله صحّة وشفاء ، فسبحانه ما أحسن ما دبّره في ترتيب حكمته؛ إذ الحيوان الرفيع فما دونه يغذو (١) ، ومنه لوقاية الحرّ والبرد يكسو ، وعليه أيّام حياته ينشو ، وجعل الجماد له مركزاً ومكدياً (٢) ، فامتهنه له امتهاناً ، وجعل له مسرحاً (٣) وأكناناً (٤) ، ومجامع وبلداناً ، ومصانع (٥) وأوطاناً ، وجعل له حَزَناً محتاجاً إليه ، وسهلاً محتاجاً إليه ، وعلوّاً ينتفع بعلوّه ،

__________________

(١) في «ع ، ح ، ش» : يغدو.

(٢) الكُدْية : الأرض المرتفعة ، وقيل : هو شيء صلب من الحجارة والطين ، الكَدي : أراد المقابر. لسان العرب ١٥ : ٢١٦.

(٣) المسرح : مرعى السرح ، ولا يسمّى سرحاً إلاّ بعد ما يُغدى به ويراح. تهذيب اللغة ٤ : ٢٩٧ سرح.

(٤) الأكنة : الأغطية. الصحاح ٦ : ٢١٨٨.

(٥) المصانع : المباني من القصور وغيرها. النهاية في غريب الحديث ٣ : ٥٦.

٤٢

وسفلاً ينتفع به ، وبمكاسبه برّاً وبحراً ، فالحيوان مستمتع ، فيستمتع بما جعل له فيه من وجوه المنفعة والزيادة ، والذبول عند الذلول (١) ، ويتّخذ المركز عند التجسّم ، والتأليف من الجسم المؤلّف تبارك الله ربّ العالمين.

قالوا : ثمّ نظرنا (٢) فإذا الله عزوجل قد جعل المتّحد (٣) بالروح والنموّ والجسـم أعلى وأرفع ممّا يتّحد (٤) بالنموّ والجسم ، والتأليف والتصريف ، ثمّ جعل الحي الذي هو حيّ (٥) بالحياة التي هي غيره نوعين : ناطقاً وأعجم ، ثمّ أبان الناطق من الأعجم بالنّطق والبيان اللذين جعلهما له ، فجعله أعلى منه لفضيلة النّطق والبيان ، ثمّ جعل الناطق نوعين : حجّة ومحجوجاً ، فجعل الحجّة أعلى من المحجوج؛ لإبانة الله عزوجل الحجّة ، واختصاصه إيّاه بعلم علوي يخصّه له دون المحجوجين ، فجعله معلماً من جهته بإختصاصه إيّاه ، وعَلَماً بأمره إيّاه أن يعلم بأن الله عزوجل معلم الحجّة دون أن يكله (٦) إلى أحد من خلقه فهو متعال به ، وبعضهم يتعالى على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من جهة الحجّة.

قالوا : ثمّ رأينا أصل الشيء الذي هو آدم عليه‌السلام ، فوجدناه قد جعله[ علماً ] (٧) على كلّ روحاني خلقه قبله ، وجسماني ذرأه وبرأه منه ، فعلّمه

__________________

(١) في المطبوع و«ل ، ح» : الذبول ، وما أثبتناه من «س ، ن ، ش ، ج ، ع».

والذبول : رق بعد الري. تاج العروس ١٤ : ٢٥٠ ، والذّلول : ضد الصعوبة. تاج العروس١٤ : ٢٥٣.

(٢) في «ع ، ح» : أنّا نظرنا.

(٣) في المطبوع و«ج» والبحار : والمتّخذ ، وما أثبتناه من باقي النسخ وحاشية «ج».

(٤) في المطبوع و«ج» والبحار : ويتّخذ ، وما أثبتناه من باقي النسخ وحاشية «ج».

(٥) لم ترد في «ح ، س ، ن ، ش ، ع».

(٦) في «ح ، س ، ن ، ش» : يكلّمه.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه لضرورة السياق ، كما في البحار .

٤٣

علماً خصّه به لم يعلّمهم قبل ولا بعد ، وفهمه فهماً لم يفهمهم قبل ولابعد ، ثمّ جعل ذلك العلم الذي علّمه ميراثاً فيه؛ لإقامة الحجج من نسله على نسله ، ثمّ جعل آدم عليه‌السلام لرفعة قدره وعلوّ أمره للملائكة الروحانيّين قبلة ، وأقامه لهم محنة (١) ، فابتلاهم بالسجود إليه ، فجعل لا محالة من سُجد له أعلى وأفضل ممّن أسجدهم ؛ ولأنّ من جعل بلوى وحجّة أفضل ممّن حجهم به ، ولأنّ إسجاده جلّوعزّ إيّاهم له خضوع (٢) ، ألزمهم الاتّضاع منهم له والمأمورين بالاتّضاع بالخضوع والخشوع والاستكانة دون من أمرهم بالخضوع له ، ألا ترى إلى من أبى الائتمار لذلك الخضوع ، ولتلك الاستكانة فأبى واستكبر ، ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع كيف لعن وطرد عن الولاية ، واُدخل في العداواة ، فلا يرجى (٣) له من كبوته الإقالة (٤) آخر (٥) الأبد ، فرأينا السبب الذي أوجب الله عزوجل لآدم عليه‌السلام عليهم فضلاً ، فإذا هو العلم الذي خصّه الله عزوجل دونهم ، فعلّمه الأسماء وبيّن لهم (٦) الأشياء فعلا بعلمه على من لايعلم .

ثمّ أمره جلّ وعزّ أن يسألهم سؤال تنبيه لا سؤال تكليف عمّا علّمه بتعليم الله عزوجل إيّاه ممّا لم يكن علّمهم؛ ليريهم جلّوعزّ علوّ منزلة العلم ورفعة قدره ، كيف خصّ العلم محلاًّ وموضعاً اختاره له ، وأبان ذلك المحلّ عنهم بالرفعة والفضل ، ثمّ علمنا أنّ سؤال آدم عليه‌السلام إيّاهم عمّا سألهم

__________________

(١) في المطبوع و«س» : حجة. وما أثبتناه من باقي النسخ.

(٢) في البحار : للخضوع. وما أثبتناه من النسخ.

(٣) في «ن ، ح ، ش» : يوحى.

(٤) في المطبوع زيادة : إلى.

(٥) في «س ، ج ، ش» وحاشية «ن» : أجزء.

(٦) كذا في النسخ ، وفي البحار : له.

٤٤

عنه ممّا ليس في وسعهم وطوقهم (١) الجواب عنه سؤال تنبيه لا سؤال تكليف؛ لأنّه جلّوعزّ لا يكلِّف ما ليس في وسع المكلَّف القيام به ، فلمّا لم يطيقوا (٢) الجواب عمّا سُئلوا ، علمنا أنّ السؤال كان كالتقرير (٣) منه لهم يقرن به اتّضاعهم (٤) بالجهالة عمّا علّمه إيّاه (٥) ، وعلوِّ خطره وقدره باختصاصه إيّاه بعلم لم يخصّهم به ، فالتزموا الجواب بأن قالوا : لا علم لنا إلاّ ماعلّمتنا ، ثمّ جعل الله عزوجل آدم عليه‌السلام معلّم الملائكة عليه‌السلام بقوله : ( أَنبَأَهُم ) ؛لأنّ الإنباء من النبأ تعليم ، والأمر بالإنباء من الآمر تكليف يقتضي طاعة وعصياناً ، والإصغاء من الملائكة عليه‌السلام للتعليم والتوقيف (٦) والتفهيم والتعريف تكليف يقتضي طاعة وعصياناً ، فمن ذهب منكم [ إلى ] (٧) فضل المتعلِّم على المعلِّم ، والموقَف على الموقِف ، والمعرَّف على المعرِّف ، كان في تفضيله عكس لحكمة الله عزوجل ، وقلب لترتيبها التي رتّبها الله عزوجل ؛ فإنّه على قياس (٨) مذهبه أن تكون الأرض التي هي المركز أعلى من النامي الذي هو عليها الذي فضّله الله عزوجل بالنموّ ، والنامي أفضل وأعلى من الحيوان الذي فضّله الله جلّ جلاله بالحياة والنموّ والروح (٩) ، والحيوان الأعجم الخارج عن التكليف والأمر والزجر أعلى

__________________

(١) في المطبوع : وطاقتهم.

(٢) في «س ، ش ، ن ، ح ، ج» وحاشية «ع» : يطق.

(٣) في «ح» : كالتقدير.

(٤) في المطبوع : يقرر به انضياعهم.

(٥) في «ج ، ح ، س ، ش» : إبانه.

(٦) في «ن» : التوفيق.

(٧) لم ترد في النسخ ، وأثبتناه من البحار.

(٨) في «ح ، س ، ع ، ش» وحاشية «ن» والبحار : قياد ، وما أثبتناه من «ج».

(٩) في «ع ، ش ، س» وحاشية «ن» : التروّح.

٤٥

وأفضل من الحيوان الناطق المكلَّف للأمر والزجر ، والحيوان الذي هو محجوج أعلى من الحجّة التي هي حجّة الله عزوجل فيها ، والمعلَّم أعلى (١) من المعلِّم ، وقد جعل الله عزوجل آدم حجّة على كلّ من خلق من روحاني وجسماني إلاّ من جعل له أوّليّة الحجّة.

فقد روي لنا عن حبيب بن مظاهر الأسدي بيّض الله وجهه أنّه قال للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام : أيّ شيء كنتم قبل أن يخلق الله عزوجل آدم عليه‌السلام ؟

قال : «كنّا أشباح نور ، ندور حول عرش الرحمن ، فنعلّم الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد» ، ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان (٢) شرحه وقدبيّنّاه في غيره.

قال مفضّلو (٣) الملائكة : إنّ مـدار الخلق روحانياً كان أو جسمانياً على الدنوّ من الله عزوجل ، والرفعة والعلوّ والزلفة والسموّ ، وقد وصف الله جلّت عظمته الملائكة من ذلك بما لم يصف به غيرهم ، ثمّ وصفهم بالطاعة التي عليها موضع (٤) الأمر والزجر والثواب والعقاب ، فقال جلّوعزّ : ( لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (٥) ، ثمّ جعل محلّهم الملكوت الأعلى ، فبراهينهم على توحيده أكثر ، وأدلّتهم عليه أوفر (٦) ، وإذا كان ذلك كذلك كان حظّهم من الزلفة أجلّ ، ومن المعرفة

__________________

(١) في «ع ، ح» : أفضل ، وفي البحار : المتعلّم أعلى.

(٢) في «ح ، ع» : محلّه ومكان.

(٣) في «ج ، ح ، س ، ن ، ش» : مفضّل.

(٤) في «ج ، ح ، ع ، س ، ش» : موضوع.

(٥) سورة التحريم ٦٦ : ٦.

(٦) في «ع» : أشرف ، وفي «ح» : أشهر.

٤٦

بالصانع أفضل.

قالوا : ثمّ رأينا الذنوب والعيوب الموردة النّار ودار البوار كلّها من الجنس الذي فضّلتموه على من قال الله عزوجل في نعتهم لمّا نعتهم ووصفهم بالطاعة لمّا وصفهم : ( لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ، قالوا : كيف يجوز فضل جنس فيهم كلّ عيب ولهم كلّ ذنب على من لاعيب فيهم ولاذنب منهم صغائر ولا كبائر.

والجواب (١) : أنّ مفضّلي الأنبياء والحُجَج صلوات الله عليهم قالوا : إنّا لانفضّل هاهنا الجنس على الجنس ، ولكنّا فضّلنا النوع على النوع من الجنس ، كما أنّ الملائكة كلّهم ليسوا كإبليس ، وهاروت وماروت لم يكن البشركلّهم كفرعون الفراعنة ، وكشياطين الإنس المرتكبين المحارم والمُقْدمين على المآثم.

وأمّا قولكم في الزلفة والقربة ، فإنّكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة فالله عزوجل أجلّ وممّا توهّمتموه أنزه ، وفي الأنبياء والحجج من هو أقرب إلى قربه بالصالحات والقربات (٢) الحسنات وبالنيّات الطاهرات من كلّ خلق خلقهم ، والقرب والبعد من الله جلّت عظمته بالمسافة والمدى (٣) تشبيه له بخلقه وهو من ذلك نزيه (٤) .

وأمّا قولهم في الذنوب والعيوب فإنّ الله جلّت أسماؤه (٥) جعل الأمر

__________________

(١) في «ح» : قال ، وفي حاشيتها : جواب.

(٢) في «ح ، ش» وحاشية «ج» : العزمات.

(٣) في «ح» : بالمسافات والمدانات.

والمدى : الغاية ، وبلغ مدى البصر : أي منتهاه. المصباح المنير : ٢٩٢.

(٤) في حاشية «ح» : منزه ، وفي حاشية «ن» : تنزيه.

(٥) في حاشية «ج» : عظمته.

٤٧

والزجر أسباباً وعللاً ، والذنوب والمعاصي وجوهاً فأنبأ (١) جلّ جلاله وجعل الذي هو قاعدة الذنوب من جميع المذنبين من الأوّلين والآخرين إبليس ، وهو من حزب الملائكة وممّن كان في صفوفهم وهو رأس الأبالسة وهو الداعي إلى عصيان الصانع والموسوس والمزيّن لكلّ من تبعه وقبل منه وركن إليه الطغيان ، وقد اُمهل الملعون لبلوى أهل البلوى في دار الابتلاء (٢) فكم من بَريّة (٣) نبيه (٤) وفي طاعة الله عزوجل وجيه وعن معصيته بعيد (٥) قدأقمى (٦) إبليس وأقصاه وزجره (٧) ونفاه ، فلم يلو له (٨) على أمر إذا أمر ، ولاانتهى عن زجر إذا زجر ، [ له ] (٩) لمّات في قلوب الخلق ، مكافئ من المعاصي لمّات الرحمن ، فلمّات الرحمن دافعة (١٠) للمّاته ووسوسته وخطراته ، ولو كانت المحنة (١١) بالملعون واقعة بالملائكة ، والابتلاء به قائماً كماقام في البشر ودائماً كما دام ، لكثرت من الملائكة المعاصي وقلّت فيهم الطاعات إذ تمّت فيهم الآلات ، فقد رأينا المبتلى من صفوف الملائكة

__________________

(١) في «ج ، ع ، ن ، ش ، س ، ح» : فأنبأه.

(٢) في حاشية «ن» : الابتداء.

(٣) في المطبوع : ذرّية ، وما أثبتناه من النسخ والبحار. والبَريّةُ : الخلق. الصحاح ٦ : ٢٠٠.

(٤) نبّه بالضمّ ـ : نباهة شرف ، فهو نَبيْهٌ. المصباح المنير : ٣٠٤.

(٥) في المطبوع : بعيدة ، وما أثبتناه من النسخ والبحار.

(٦) أقمى عدوّه : إذا أذلّه. لسان العرب ١٥ : ٢٠١ ، تاج العروس ٢٠ : ١٠١.

(٧) في «ع ، ش ، ن ، ح» : ويزجره.

(٨) في «ن» يلونه ، وفي «ع» وحاشية «ش» : يلوه.

(٩) ما بين المعقوفين أثبتناه من البحار.

(١٠) في «ن ، ح ، ع ، س» وحاشية «ش» : رافعة.

(١١) في «ن» : المحبّة.

٤٨

بالأمر والزجر مع آلات الشهوات كيف انخدع بحيث دنا من طاعته ، وكيف بَعُد ممّا لم يَبعُد منه الأنبياء والحجج الذين اختارهم الله على علم على (١) العالمين ؛ إذ ليست هفوات البشر كهفوة (٢) إبليس في الاستكبار ، وفعل هاروت وماروت في ارتكاب المزجور.

قال مفضّلو (٣) الملائكة عليه‌السلام : إنّ الله جلّ جلاله وضع الخضوع والخشوع والتضرّع والخنوع (٤) حلية ، فجعل مداها وغايتها آدم عليه‌السلام فقارب الملائكة في هذه الحلية ، وأخذ منها بنصيب الفضل والسبق ، فجعل للطاعة فأطاعوا الله فيه ، ولو كان هناك بنو آدم لما أطاعوه فيما أمر وزجر كما لم يطعه قابيل ، فصار إمام كلّ قاتل؟

جـواب مفضّلي (٥) الأنبياء والحجج عليهم الصلوات والسلام قالوا : إنّ الابتلاء الذي ابتلى به الله عزوجل الملائكة من الخشوع والخضوع لآدم عليه‌السلام عن غير شيطان مغو (٦) وعدوّ مطغي ، فاصل بغوايته بين الطائعين والعاصين والمقيمين على الاستقامة عن الميل وعن غير آلات المعاصي التي هي الشهوات المركّبات في عباده المبتلين ، وقد ابتلى من الملائكة من ابتلى ، فلم يعتصم بعصمة الله الوثقى ، بل استرسل للخادع الذي كان أضعف منها .

__________________

(١) (على) لم ترد في «ح ، س ، ن ، ش».

(٢) في «س ، ش» : كهفوات.

(٣) في «ج ، ح» : مفضّل.

(٤) الخانع : الذليل الخاضع. النهاية في غريب الحديث ٢ : ٨٠.

(٥) في «ع ، س ، ش ، ن ، ج» : جواب مفضّل.

(٦) في «ح ، س ، ن ، ش ، ع» : معوذ.

٤٩

وقد روينا عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ في الملائكة مَنْ باقة بقل (١) خير منه ، والأنبياء والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه» ، وقد أقرَّ مفضّل و الملائكة بالتفاضل بينهم ، كما اُقرّ بالتفاضل بين ذوي الفضل من البشر ، ومن قال : إنّ الملائكة جنس من خلق الله عزوجل فقلَّ فيهم العصاة ، كهاروت وماروت ، وكإبليس اللعين؛ إذ الابتلاء فيهم قليل (٢) ، فليس ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل الله عزوجل الملائكة خدمهم ، إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها (٣) حُزن ولاهَمّ ولا نصب ولا سقم ولا فقر.

قال مفضّلو الملائكة عليه‌السلام : إنّ الحسن البصري يقول : إنّ هاروت وماروت علجان (٤) من أهل بابل ، وأنكر أن يكونا ( ملكين ) (٥) من الملائكة ، فلم تعترضوا ( علينا ) (٦) بالحجّة بهما وبإبليس فتحتجّون علينا بجنّي (٧) فيه؟

قال مفضّلو الأنبياء والحجج عليه‌السلام : ليس شذوذ الحسن عن جميع المفسّرين من الأُمّة بموجب أن يكون ما يقول كما يقول ، وأنتم تعلمون أنّ الشيء لايستثنى إلاّ من جنسه ، وتعلمون أنّ الجنّ سمّوا جنّاً؛ لإجتنانهم عن الرؤية إلاّ إذا أرادوا الترائي بما جعل الله عزوجل فيهم من القدرة على ذلك ، وأنّ إبليس من صفوف الملائكة وغير جائز في كلام العرب أن يقول

__________________

(١) في «ع» : ناقة نقل. والباقة من البقل : حزمة منه. الصحاح ٤ : ١٨٥.

(٢) في «ح ، س ، ن ، ش ، ع ، ج» : قبل.

(٣) في «ع ، ن ، ح» : لمن جعلها.

(٤) العِلَجُ : الرجل الضخم من كفّار العجم ، وبعض العرب يطلق العِلْجَ على الكفّار مطلقاً. المصباح المنير : ٢٢٠.

(٥و٦) ما بين القوسين لم ترد في «ح ، س ، ن ، ش ، ع ، ج».

(٧) في «ع» : بحجّتي.

٥٠

قائل : جاءت الإبل كلّها إلاّ حماراً ، ووردت البقر كلّها إلاّ فرساً ، فإبليس من جنس مااستثنى ، وقول الحسن : في هاروت وماروت ، بأنّهما علجان من أهل بابل شذوذ شذّ به عن جميع أهل التفسير ، وقول الله عزوجل يكذّبه؛ إذقال : ( وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) بفتح اللام ( بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) (١) ، فليس في قولهم (٢) عن قول الحسن فرج لكم ، فدعوا مالا فائدة فيه من علّة ولا عائدة من حجّة.

قال مفضّلو الملائكة عليه‌السلام : قد علمتم ماللملائكة في كتاب الله تعالى من المدح والثناء ممّا بانوا به عن خلق الله جلّ وعلا؛ إذ لو لم يكن فيه (٣) إلاّقوله : ( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (٤) ( لكفى ) (٥) .

قال مفضّلو الأنبياء والحجج عليه‌السلام : إنّا لو استقصينا آي القرآن في تفضيل الأنبياء والحجج صلوات الله عليهم أجمعين لاحتجنا لذلك إلى التطويل والإكثار ، وترك الإيجاز والاختصار ، وفيما جئنا به من الحجج النظريّة التي تزيح العلل من الجميع مقنع؛ إذ ذكرنا ترتيب الله عزوجل خلقه فجعل الأرض دون النامي ، والنامي أعلى وأفضل من الأرض ، وجعل النامي دون الحيوان ، والحيوان (٦) أعلى وأرفع من النامي ، وجعل الحيوان

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٠٢.

(٢) في البحار : قولكم. وما أثبتناه من النسخ.

(٣) في «ج ، ح» : فيهم.

(٤) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٦ و٢٧ .

(٥) ما بين القوسين أثبتناه من المطبوع.

(٦) في «ج» : وجعل الحيوان.

٥١

الأعجم دون الحيوان الناطق ، وجعل الحيوان الناطق أفضل من (١) الأعجم ، وجعل الحيوان الجاهل الناطق دون الحيوان العالم الناطق ، وجعل الحيوان العالم الناطق المحجوج دون الحيوان العالم الحجّة ، ويجب على هذا الترتيب أنّ (٢) المعرب المبيّن أفضل من الأعجم غير الفصيح ، ويكون المأمور المزجورمع تمام الشهوات وما فيهم من طباع حبّ اللّذّات ، ومنع النفس من الطلبات والبغيات ، ومع البلوى بعدوّ ، ويمهل ويمتحن بمعصيته إيّاه وهو يزيّنها له محسناً بوسوسته في قلبه وعينه أفضل من المأمور المزجور مع فقدآلة الشهوات وعدم معاداة هذا المتوصّل له بتزيين المعاصي والوسوسة إليه ، ثمّ هذا الجنس نوعان : حجّة ومحجوج ، والحجّة أفضل من المحجوج ولم يحجج آدم الذي هو أصل البشر بواحد من الملائكة تفضيلاً من الله عزوجل إيّاه عليهم وحجج جماهير الملائكة بآدم عليه‌السلام فجعله العالم بما لم يعلموا ، وخصّه بالتعليم؛ ليبيّن لهم أنّ المخصوص بما خصّه بـه ممّا لـم يخصّهم أفضل مـن غيـر المخصوص بما لم يخصّه به. وهذا الترتيب حكمة الله عزوجل ، فمن ذهب يروم إفسادها ظهر منه عناد من مذهبه ، وإلحاد في طلبه ، فانتهى الفضل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّـه ورث آدم وجميع الأنبياء عليه‌السلام ، ولأنّه اصطفاه الـذي ذكره الله عزوجل فقال : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٣) ، فمحمّد (٤) : الصفوة والخالص ، نجيب

__________________

(١) في البحار زيادة : الحيوان.

(٢) في «ش» : أن يكون.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٣٣.

(٤) في النسخ : محمّد. وما أثبتناه من البحار.

٥٢

النّجابة (١) من آل إبراهيم ، فصار خير آل إبراهيم بقوله : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (٢) ، واصطفى الله جلّ جلاله آدم ممّن (٣) اصطفاه عليهم من روحاني وجسماني ، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدوآله وحسبنا الله ونعم الوكيل (٤) .

قال مصنّف هذا الكتاب : إنّما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب ، وليس قولي في إبليس أنّه كان من الملائكة ، بل كان من الجنّ ، إلاّ أنّه كان يعبد الله بين الملائكة ، وهاروت وماروت ملكان ، وليس قولي فيهما قول أهل الحشو ، بل كانا عندي معصومين ، ومعنى هذه الآية : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) إنّما هو ( و وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَ ) على ( وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) (٥) ، وقد أخرجت في ذلك خبراً مسنداً في كتاب عيون أخبار الرضا عليه‌السلام (٦) .

ـ ١٩ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي إدريس عليه‌السلام إدريساً

[ ٣٦ / ١ ] أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي قال : حدّثنا أبو علي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان

__________________

(١) في المطبوع : النجباء. وما أثبتناه من النسخ والبحار.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٣٤.

(٣) في «ح» : فيمن.

(٤) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦٠ : ٣٠٨.

(٥) سورة البقرة ٢ : ١٠٢.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٦١ / ١ ، الباب ٢٧.

٥٣

الحافظ السمرقندي ، قال : حدّثنا صالح بن سعيد الترمذي ، عن عبدالمنعم ابن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبّه : أنّ إدريس عليه‌السلام كان رجلاً طويلاً ، ضخم البطن ، عريض الصدر ، قليل شعر الجسد ، كثير شعر الرأس ، وكانت إحدى اُذنيه أعظم من الاُخرى (١) ، وكان دقيق (٢) الصدر ، دقيق المنطق ، قريب الخطى إذا مشى ، وإنّما سُمّي إدريس؛ لكثرة ما كان يدرس من حكم الله عزوجل ، وسنن الإسلام (٣) وهو بين أظهر قومه ، ثمّ إنّه فكّر في عظمة الله جلّ جلاله فقال : «إنّ لهذه السموات ولهذه الأرضين ولهذا الخلق العظيم والشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطر ، وهذه الأشياء التي تكون لربّاً يدبّرها ويصلحها بقدرته ، فكيف لي بهذا الربّ فأعبده حقّ عبادته؟

فخلا (٤) بطائفة من قومه ، فجعل يعظهم ويذكّرهم ويخوّفهم ويدعوهم إلى عبادة خالق هذه الأشياء فلا يزال يجيبه (٥) واحد بعد واحد ، حتّى صاروا سبعة ، ثمّ سبعين إلى أن صاروا سبعمائة ، ثمّ بلغوا ألفاً ، فلمّا بلغواألفاً ، قال لهم : تعالوا نختار من خيارنا مائة رجل ، فاختاروا من خيارهم مائة رجل ، واختاروا من المائة سبعين رجلاً ، ثمّ اختاروا من

__________________

(١) ورد في حاشية «ن» : فيه يوهم شيء ، وهو ليس كذلك ؛ لأنّه يجب أن يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بريئاً من العيوب.

(٢) في المطبوع : رقيق ، وما أثبتناه من النسخ والبحار.

(٣) في حاشية «س» : الدين.

(٤) في «ج» : فجلا.

(٥) في «ع ، ن» : يجيئه.

٥٤

السبعين عشرة من خيارهم (١) ، ثمّ اختاروا من العشرة سبعة ، ثمّ قال لهم : تعالوا فليدع (٢) هؤلاءالسبعة فليؤمن بقيَّتنا فلعلّ هذا الربَّ جلّ جلاله يدلّنا على عبادته ، فوضعوا أيدهم على الأرض ودعوا طويلاً ، فلم يتبيّن لهم شيء ، ثمّ رفعوا أيديهم إلى السماء ، فأوحى الله عزوجل إلى إدريس عليه‌السلام ونبأه ودلّه على عبادته ومن آمن معه ، فلم يزالوا يعبدون الله عزوجل لايشركون به شيئاً ، حتّى رفع الله عزوجل إدريس إلى السماء وانقرض من تابعه على دينه إلاّ قليلاً ، ثمّ إنّهم اختلفوا بعد ذلك وأحدثوا الأحداث ، وأبدعوا البدع حتّى كان زمان نوح عليه‌السلام (٣) .

ـ ٢٠ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي نوح عليه‌السلام نوحاً

[ ٣٧ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن العبّاس بن معروف (٤) ، عن علي بن مهزيار ، عن أحمدبن الحسن الميثمي عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : «كان اسم نوح عليه‌السلام عبد الغفّار ، وإنّما سُمّي نوحاً؛ لأنّه كان ينوح على نفسه» (٥) .

__________________

(١) (من خيارهم) لم ترد في «س ، ج».

(٢) في «ش ، ع» : فلندع.

(٣) أورده ابن قتيبة في المعارف : ٢٠ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ٧٨ / ٦١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٢٨٦ / ٤.

(٤) في «ع» : عن علي بن معروف.

(٥) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٤٨ / ١ ، وأورده مرسلاً القمّي في التفسير ١ : ٣٢٨ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ٨٤ / ٧٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٢٨٦ / ٥.

٥٥

[ ٣٨ / ٢ ] حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن سعيد (١) بن جناح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «كان اسم نوح : عبدالملك ، وإنّما سُمّي نوحاً؛ لأنّه بكى خمسمائة سنة» (٢) .

[ ٣٩ / ٣ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن اُورمة ، عمّن ذكره ، عن سعيد ابن جناح ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «كان اسم نوح : عبدالأعلى ، وإنّما سُمّي نوحاً؛ لأنّه بكى خمسمائة عام» (٣) .

قال مصنّف هذا الكتاب : الأخبار في إسم نوح عليه‌السلام كلّها متّفقة غير مختلفة تثبت له التسمية بالعبوديّة ، وهو : عبدالغفّار والملك والأعلى.

ـ ٢١ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي نوح عبداً شكوراً

[ ٤٠ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن

__________________

(١) في «ع ، س ، ن» : سعد.

(٢) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٤٨ / ١ ، وأورده مرسلاً القمّي في التفسير ١ : ٣٢٨ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ٨٤ / ٧٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٢٨٦ / ٦.

(٣) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٤٨ / ١ ، وأورده مرسلاً القمّي في التفسير ١ : ٣٢٨ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ٨٤ / ٧٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٢٨٦ / ٧.

٥٦

عثمان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ نوحاً إنّما سُمّي عبداًشكوراً؛ لأنّه كان يقول إذا أمسى وأصبح : اللّهم إنّي اُشهدك أنّه ماأمسى وأصبح بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لاشريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها عليَّ حتّى ترضى ، ( وبعد الرضا ) (١) إلهنا» (٢) .

ـ ٢٢ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي الطوفان طوفاناً ،

وعلّة القوس

[ ٤١ / ١ ] أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي قال : حدّثنا أبو علي محمّد بن الحارث (٣) بن سفيان الحافظ السمرقندي قال : حدّثنا صالح بن سعيد الترمذي ، عن عبدالمنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبّه ، قال : إنّ أهل الكتابين يقولون : إنّ إبليس عَمّر زمان الغرق كلّه في الجوّ الأعلى ، يطير بين السماء والأرض بالذي أعطاه الله تبارك وتعالى من القوّة والحيلة ، وعمّرت جنوده في ذلك الزمان ، فطفوا فوق الماء ، وتحوّلت الجنّ أرواحاً ، تهب فوق الماء ، وبذلك توصف خلقتها إنّهاتهوى هوى الريح ، وإنّما سُمّي الطّوفان

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «ع ، ح ، ن» والبحار.

(٢) ذكره المصنّف في الفقيه ١ : ٢٢١ / ٩٨٠ ، وأورد نحوه الكليني في الكافي ٢ : ٣٨٨ / ١ ذيل الحديث ٣٨ ، والعيّاشي في التفسير ٢ : ٢٨٠ / ١٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ٨٦ : ٢٥١ / ١٦.

(٣) في «ع ، ح» : الحارث بن الحارث ، وما في المتن هو الصحيح ، وهو الموافق للمصادرالرجاليّة . اُنظر مستدركات علم الرجال ٧ : ٢٠٠ / ١٤٤٠٠.

٥٧

طوفاناً (١) ؛ لأنّ الماء طفى فوق كلّ شيء ، فلمّا هبط نوح عليه‌السلام من السفينة أى الله عزوجل إليه : «يا نوح ، إنّني خلقت خلقي لعبادتي ، وأمرتهم بطاعتي ، فقد عصوني ، وعبدوا غيري ، واستوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم ، وإنّي قد جعلت قوسي (٢) أماناً لعبادي وبلادي ، وموثقاً منّي بيني وبين خلقي ، يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ، ومن أوفى بعهده منّي.

ففرح نوح عليه‌السلام بذلك ، وتباشر وكانت القوس فيها سهم ووتر ، فنزع الله عزوجل السهم والوتر من القوس وجعلها أماناً لعباده وبلاده من الغرق» (٣) .

ـ ٢٣ ـ

باب العلّة التي من أجلها أغرق الله عزوجل

الدنيا كلّها في زمن نوح عليه‌السلام

[ ٤٢ / ١ ] حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : قلت له : لأيّ علّة أغرق الله عزوجل الدنيا كلّها في زمن نوح عليه‌السلام وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟

فقال : «ما كان فيهم الأطفال؛ لأنّ الله عزوجل أعقم أصلاب قوم نوح عليه‌السلام وأرحام نسائهم أربعين عاماً ، فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم ، ماكان الله تعالى ليهلك بعذابه من لا ذنب له ، وأمّا الباقون من قوم

__________________

(١) لم ترد في «ح ، س ، ن ، ع».

(٢) في «ج» وحاشية «س ، ن» : قوساً.

(٣) أورده باختلاف ابن عساكر في تاريخ دمشق ٦٢ : ٢٦٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥٩ : ٣٧٧ / ١٤.

٥٨

نوح عليه‌السلام فاُغرقوا ؛ لتكذيبهم لنبيّ الله نوح عليه‌السلام وسائرهم اُغرقوا برضاهم تكذيب المكذّبين ، ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شاهده وأتاه» (١) .

ـ ٢٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّيت قرية نوح : قرية الثمانين

[ ٤٣ / ١ ] حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : قال الرضا عليه‌السلام : «لمّا هبط نوح عليه‌السلام إلى الأرض كان هو و ولده ومن تبعه ثمانين نفساً فبنى حيث نزل قرية فسمّاها : قرية الثمانين؛ لأنّهم كانوا ثمانين » (٢) .

ـ ٢٥ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال الله عزوجل لنوح

في شأن ابنه : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ ) (٣)

[ ٤٤ / ١ ] حدّثنا أبي رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّدبن عيسى ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «قال أبي عليه‌السلام : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : إنّ الله عزوجل قال لنوح عليه‌السلام :

__________________

(١) ذكره المصنّف في العيون ٢ : ١٦٥ / ٢ ، الباب ٣٢ ، والتوحيد : ٣٩٢ / ٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥ : ٢٨٣ / ١.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٣٢٢ / ٣٠.

(٣) سورة هود ١١ : ٤٦.

٥٩

( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) ؛ لأنّه كان مخالفاً له وجعل مَن اتّبعه من أهله».

قال : «وسألني كيف تقرؤون هذه الآية في ابن نوح؟» فقلت : يقرؤها الناس على وجهين : إنّه عملٌ غير صالح ، وإنّه عمل غير صالح ، فقال : «كذبوا (١) هو ابنه ، ولكن الله عزوجل نفاه عنه حين خالفه في دينه» (٢) .

ـ ٢٦ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي النجف نجفاً (٣)

[ ٤٥ / ١ ] حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيدالنوفلي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي نعيم (٤) ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إنّ النّجف كان جبلاً ، وهو الذي قال ابن نوح : ( سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ) (٥) ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه ، فأوحى الله عزوجل إليه : يا جبل ، أيعتصم بك منّي ، فتقطّع قطعاً قطعاً إلى بلاد الشام؟ وصار رملاً دقيقاً ، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً ، وكان يُسمّى ذلك البحر : بحر نِيّ ، ثمّ جَفّ بعد ذلك فقيل : نيّ

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : ردّ على قراءتهم بالإسم دون الفعل ، أو على ما فهموه من هذه القراءة أنّه كان ولد زنا ، وأنّه لم يكن ابن نوح عليه‌السلام . (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ذكره المصنّف في العيون ١ : ٨٢ / ٣ ، وأورده العيّاشي في تفسيره ٢ : ١٥١ / ٤١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٣٢٠ / ٢٦.

(٣) في «ح ، س ، ج» : نجف ، وما أثبتناه من «ش ، ن ، ع».

(٤) في حاشية «ج» : أبو بصير.

(٥) سورة هود ١١ : ٤٣.

٦٠