علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

[ ١٧٩ / ٣ ] أخبرني علي بن حاتم ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنا يزيد بن هارون ، عن عثمان الزنجاني (١) ، عن جعفر بن الريّان (٢) ، عن الحسن بن الحسين ، عن خالد بن إسماعيل بن أيّوب المخزومي ، عن جعفربن محمّد عليهما‌السلام: أنّه سمع أبا الطفيل يحدّث أنّ عليّاً عليه‌السلام يقول : «كان الرجل يموت وقد بلغ الهرم ولم يشب ، فكان الرجل يأتي النادي فيه الرجل وبنوه فلا يعرف الأب من الابن ، فيقول : أيّكم أبوكم ، فلمّا كان زمان إبراهيم عليه‌السلام قال : اللّهمّ اجعل لي شيباً أعرف به قال : فشابّ وابيضّ رأسه ولحيته» (٣) .

ـ ٩٦ ـ

باب علّة الطبائع والشهوات والمحبّات

[ ١٨٠ / ١ ] حدّثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أحبّ أن يخلق خلقاً بيده ، وذلك بعد ما مضى من الجنّ والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة قال : ولمّا كان من شأن الله أن يخلق آدم عليه‌السلام للّذي أراد من التدبير والتقدير (٤)

__________________

(١) أثبتناها من النسخ.

(٢) في «ش ، س ، ن» : الزمان.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٨ / ٢١.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : متعلّق بالتقدير ، والتدبير على التنازع ، وعليه إمّا معطوف على الذي ، أو على شأن اُمّته. (م ق ر رحمه‌الله ).

٢٠١

لِما هو مكوّنه في السماوات والأرض وعلمه لِما أراد من ذلك كلّه كشط (١) عن أطباق السماوات ، ثمّ قال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنَّ والنَّسْناس .

فلمّا رأوا ما يعملون (٢) فيها من المعاصي ، وسفك الدماء ، والفساد في الأرض بغير الحقّ ، عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا (٣) على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم أن قالوا : يا ربِّ ، أنت العزيز ، القادر الجبّار ، القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، يتقلّب في قبضتك ، ويعيشون برزقك ، ويستمتعون بعافيتك ، وهُم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف ولا تغضب ، ولا تنتقم لنفسك لِما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك.

فلمّا سمع الله عزوجل ذلك من الملائكة قال : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٤) لي عليهم ، فيكون حجّة لي عليهم في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) وقالوا : فاجعله منّا؛ فإنّا لانفسد في الأرض ولا نسفك الدماء ، قال جلّ جلاله : يا ملائكتي ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (٥) إنّي أُريد أن أخلق خلقاً بيدي ، أجعل ذرّيّته أنبياء مرسلين ، وعباداً صالحين ، وأئمّة مهتدين ، أجعلهم خلفائي على خلقي في

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : كشطت الجُلُّ عن ظهر الفرس ، والغطاء عن الشيء ، إذا كشفته عنه.الصحاح ٣ : ٤٠٢.

(٢) في «ح» : يفعلون.

(٣) ورد في حاشية «ج» : أسف غضب وزناً ومعنى ، ويعدّى بالهمزة ، ويقال : آسفته. المصباح المنير : ١٣.

(٤و٥) سورة البقرة ٢ : ٣٠.

٢٠٢

أرضي ، ينهونهم عن معاصىّ (١) ، وينذرونهم عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، وأجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً ، واُبين النسناس من أرضي ، فأُطهّرها منهم ، وأنقل مردة (٢) الجنّ العُصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي ، وأسكنهم في الهواء ، وفي أقطار الأرض ، لايجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين الجنّ وبين خلقي حجاباً ، ولايرى نسل خلقي الجنّ ، ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ولا يجالسونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العُصاة ، وأوردتهم مواردهم ولا أُبالي.

فقالت الملائكة : يا ربّنا ، افعل ما شئت ( لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (٣) ، فقال الله جلّ جلاله للملائكة : ( إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ (٤) مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (٥) * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) (٦) وكان ذلك من أمر الله عزوجل ، تقدّم (٧) إلى الملائكة في آدم عليه‌السلام من قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، قال : فاغترف تبارك وتعالى غرفة من الماء العذب الفرات فصلصلها

__________________

(١) في البحار : معصيتي.

(٢) ورد في حاشية «ج» : المارد : المرتفع والعاني ، جمع مردة. القاموس المحيط ١ : ٤٦٨.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٣٢.

(٤) ورد في حاشية «ج» : الصلصال : الطين الحرُّ ، خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جفّ. الصحاح ٤ : ٥٧١.

(٥) ورد في حاشية «ح» : الحمأ : الطين الأسود ، قال الله تعالى : ( مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) الصحاح ١ : ٥٦ ، والحمأ : المسنون المتغيّر المنتن.

(٦) سورة الحجر ١٥ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٧) في «ح ، ن ، س ، ع ، ش» ، وحاشية «ج» : تقدّمهم.

٢٠٣

فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المُهتدين الدعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم القيامة ، ولا اُبالي ولااُسأل عمّا أفعل وهُم يسألون يعني بذلك خلقه إنّه سألهم ثمّ اغترف غرفة من الماء المالح الإجاج فصلصلها (١) فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق الجبّارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى (٢) النّار إلى يوم القيامة وأتباعهم ، ولا أُبالي ولا أُسأل عمّا أفعل وهُم يُسألون ، قال : وشرط في ذلك البداء ولم يشرط في أصحاب اليمين البداء ، ثمّ خلط الماءين فصلصلهما ثمّ ألقاهما قدّام عرشه ، وهُما سلالة (٣) من طين ، ثمّ أمر الملائكة الأربعة : الشمال ، والدبور ، والصبا ، والجنوب ، أن جولوا (٤) على هذه الثلاثة (٥) السلالة (٦) وابرؤها (٧) وانسموها (٨) ثمّ جزّؤها وفصّلوها وأجرّوا إليها الطبائع الأربعة : الريح ، والمرّة ، والدم ، والبلغم ، قال : فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والصبا والجنوب والدبور فأجروا فيها الطبائع الأربعة. قال : والريح في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الشمال ، قال : والبلغم في الطبايع الأربعة في البدن من ناحية الصبا ، قال : والمرّة في

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : تصلصل الغدير : جفّت حمأته. القاموس المحيط ٣ : ٥٥٦.

(٢) كلمة «إلى» لم ترد في النسخ ، وأثبتناها من تفسير القمّي والبحار.

(٣) في النسخ : الثلّة.

وورد في حاشية «ج» : وثلّة البئر أيضاً ما أُخرج من ترابها. والثلّة ـ بالضمّ ـ الجماعة من الناس . الصحاح ٤ : ٤٤٣ / ثلل.

(٤) في حاشية «ج» : دلّو.

(٥) في «ج» : السلالة ، وفي حاشيتها : الثلاثة.

(٦) في «ح ، ن ، س ، ش ، ع ، ج» : الطين.

(٧) في حاشية «ج» : انسموها.

(٨) في «ج» : وانشقّها.

٢٠٤

الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الدبور ، قال : والدم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الجنوب.

قال : فاستقلّت النسمة وكمل البدن ، قال : فلزمه من ناحية الريح حبّ الحياة وطول الأمل والحِرص ، ولزمه من ناحية البلغم حبّ الطعام والشراب واللين والرفق ، ولزمه من ناحية المرّة الغضب والسفه والشيطنة والتجبّر والتمرّد والعجلة ، ولزمه من ناحية الدم حبّ النساء واللّذّات وركوب المحارم والشهوات» .

قال عمرو : أخبرني جابر : أنّ أبا جعفر عليه‌السلام قال : «وجدناه في كتاب من كُتب عليٍّ عليه‌السلام » (١) .

[ ١٨١ / ٢ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا أحمد ابن أبي عبدالله ، عن غير واحد ، عن أبي طاهر بن حمزة (٣) ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «الطبائع أربع : فمنهنّ البلغم وهو خصم جدل (٤) ، ومنهنَّ الدم وهو عبد (٥) ، وربّما قتل العبد سيّده ، ومنهنَّ الرّيح (٦)

__________________

(١) أورده القمّي في التفسير ١ : ٣٦ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦١ : ٢٩٨ / ٧.

(٢) في «س» : حدّثنا أبي.

(٣) في : « ن ، ح ، ع ، ش» : أبي طاهر بن أبي حمزة ، والصحيح ما في المتن ، وهو الموافق للمصادر ، انظر رجال النجاشي : ٤٦٠ / ١٢٥٦ ، ورجال الطوسي : ٣٩٣ / ٥٨٠٤ ، وخلاصة الأقوال : ٣٠٠ / ٩.

(٤) ورد في حاشية «ل» : بطيء العلاج ، لا يندفع بسهولة. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٥) ورد في حاشية «ل» : أي مطيع ينفع البدن جدّاً ، لكن ربّما يكون غلبته سبب للهلاك. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٦) ورد في حاشية «ج ، ل» : يمكن أن يكون المراد الصفراء ، لحدّتها وسرعة تأثيرها ، فينبغي أن يدارى ، أو المراد بالريح الروح الحيواني ، وبالمرّة الصفراء

٢٠٥

وهي ملك يدارى ، ومنهنَّ المرّة ، وهيهات هيهات هي الأرض إذا ارتجّت ارتجّ (١) ماعليها» (٢) .

[ ١٨٢ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي جميلة ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الغلظة في الكبد ، والحياة (٣) في الرئة (٤) والعقل مسكنه القلب» (٥) (٦) .

[ ١٨٣ / ٤ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا عبدالله بن جعفرالحميري ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن محبوب ، عن

__________________

والسوداء جميعاً ؛ لأنّهم لا يقولون المرّة الصفراء والمرّة السوداء ، ويكون اصطلاحاً آخر للطبائع وتقسيماً آخر لها. (م ق ر رحمه‌الله ).

(١) ورد في حاشية «ل» : تحرّكت واضطربت ، كما في الريح والغب من القشعريرة ، أو المرادعدم اشتياقه أحوال الدّمن بسبب اختلافه. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ذكره المصنّف في العيون ٢ : ١٧٣ / ١١ ، الباب ٣٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ٦١ : ٢٩٥ / ٥.

(٣) في «ن ، ح ، ش» والبحار : الحياء.

(٤) في «ج ، س ، ن ، ش ، ع ، ح» والبحار : الريح.

(٥) ورد في حاشية «ج» : قوله عليه‌السلام : «إنّ الغلظة في الكبد» ، أي منشأ من بعض الأخلاط المتولّدة من الكبد كالدم ومرّة الصفراء مثلاً ، والريح كثير استعماله في الأخبار على ماسيأتي في كتاب أحوال الإنسان. ويظهر من بعضها أنّها المرّة السوداء ، ومن بعضها أنّها الروح الحيواني ، ومن بعضها أنّها أجزاء البدن سوى الأخلاط الأربعة والأجزاء المعروفة ، والقلب يطلق مع التنفّس الإنساني لتعلّقها أوّلاً بالروح الحيواني من المنبعث عن القلب الصنوبري ، ولذلك تعلّقها بالقلب أكثر من سائر الأعضاء ، أو لتقلّب أحواله ، وتفصيل الكلام في هذا الخبر سيأتي في كتاب السماء والعالم. بحار الأنوار ١ : ٩٨ / ذيل الحديث.

(٦) أورده الكليني في الكافي ٨ : ١٩٠ / ٢١٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١ : ٩٨ / ١٣ ، و٦١ : ٣٠٤ / ١٠.

٢٠٦

بعض أصحابنا رفع الحديث قال : لمّا خلق الله عزوجل طينة آدم أمر الرياح الأربعة فجرت عليها فأخذت من كلّ ريح طبيعتها (١) .

[ ١٨٤ / ٥ ] حدّثنا علي بن أحمد رحمه‌الله (٢) ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّما صار الإنسان يأكل ويشرب بالنّار ويبصر ، ويعمل بالنور ، ويسمع ويشم بالريح ، ويجد طعم (٣) الطعام والشراب بالماء ، ويتحرّك بالروح ، ولولا أنّ النّار في معدته ما هضمت ، أو قال : حطمت (٤) الطعام والشراب في جوفه ، ولولا الريح ما التهبت نار المعدة ولا خرج الثقل من (٥) بطنه ، ولولا الروح ما تحرّك ولا جاءولا ذهب ، ولولا برد الماء لأحرقته نار المعدة ، ولولا النور ما أبصر ولا عقل ، فالطين صورته ، والعظم في جسده بمنزلة الشجرة في الأرض ، والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض ، ولا قوام للأرض إلاّ بالماء ، ولا قوام لجسد الإنسان إلاّ بالدم ، والمُخ دسم الدم وزبده ، فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة ، فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض؛ لأنّه نزل من شأن السماء إلى الدنيا ، فإذا فرّق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت تردّ شأن الاُخرى إلى السماء ، فالحياة في

__________________

(١) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦١ : ٣٠٥ / ١١.

(٢) في «س» : رضي‌الله‌عنه .

(٣) لم ترد في النسخ.

(٤) في «ح ، ع» : هضمت ، وفي حاشيتهما كما في المتن.

(٥) ورد في حاشية «ل» : ذكـر الأطبّاء هـذه الفائدة في الريـح المتولّد في المعـدة. (م ق ر رحمه‌الله ).

٢٠٧

الأرض والموت (١) في السّماء؛ وذلك أنّه يفرّق بين الأرواح والجسد ، فردّت الروح والنور إلى القدرة الأُولى ، وترك الجسد؛ لأنّه من شأن الدنيا ، وإنّما فسد الجسد في الدنيا؛ لأنّ الريح تنشف الماء فييبس فيبقى الطّين فيصير رفاتاً (٢) ويبلى ويرجع كلٌّ إلى جوهره الأوّل ، وتحرّكت الرّوح (٣) بالنفس ، والنفس حركتها (٤) من الريح ، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيّد بالعقل ، وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء له ، فهذه صورة نار وهذه صورة نور ، والموت رحمة من الله لعباده المؤمنين ونقمة على الكافرين ، ولله عقوبتان ، إحداهما : أمر الروح ، والاُخرى : تسليط بعض النّاس على بعض ، فما كان من قِبَل الروح فهو السقم والفقر ، وما كان من تسليط فهو النقمة؛ وذلك قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٥) من الذنوب ، فما كان من ذنب الروح من ذلك سقم وفقر ، وما كان من تسليط فهو النقمة ، وكان ذلك للمؤمن عقوبة له في الدنيا ، وعذاب له فيها ، وأمّا الكافر فنقمته عليه في الدنياوسوء العذاب في الآخرة ، ولايكون ذلك إلاّ بذنب ، والذنب من الشهوة ، وهي من المؤمن خطأ ونسيان ، وأن يكون مستكرهاً وما لا يطيق ، وماكان في الكافر فعمد وجحود واعتداء وحسد؛ وذلك قول الله عزوجل :

__________________

(١) ورد في حاشية «ل» : أي الموت يحصل بسبب عروج الروح إلى السماء. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ورد في حاشية «ج» : رفته يرفته ، ويرفِتَه ، كسره ودقّه. القاموس المحيط ١ : ١٩٩ / رفت.

(٣) في حاشية «ع ، ن» : الأرواح.

(٤) في حاشية «ع ، س» : كحركتها.

(٥) سورة الأنعام ٦ : ١٢٩.

٢٠٨

( كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ) (١) » (٢) .

[ ١٨٥ / ٦ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا عبدالله بن جعفرالحميري ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن بعض أصحابنا يرفعه قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع وأربع دعائم وأربعة أركان ، وطبائعه (٣) : الدم والمرّة والريح والبلغم ، ودعائمه (٤) : العقل ، ومن العقل : الفطنة والفهم والحفظ والعلم ، وأركانه : النور والنّار والروح والماء ، فأبصر وسمع وعقل بالنور وأكل وشرب بالنار وجامع وتحرّك بالروح ، ووجد طعم الذوق والطعم بالماء ، فهذاتأسيس صورته ، فإذا كان عالماً حافظاً ذكيّاً فطناً فهماً عرف فيما هو ومن أين تأتيه الأشياء ولأيّ شيء هو هاهنا ولما (٥) هو صائر بإخلاص الوحدانيّة والإقرار بالطاعة ، وقد جرى فيه النفس (٦) وهي حارّة وتجري فيه وهي باردة ، فإذا حلّت به الحرارة أشرّ وبطر ، وارتاح وقتل ، وسرق وبهج (٧) واستبشر ، وفجر وزنى ، واهتزّ وبذخ (٨) ، وإذا كانت باردة اهتمّ وحزن ، واستكان وذبل ، ونسي ، وأيس ، فهي العوارض التي يكون

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٠٩.

(٢) أورده الحرّاني في تحف العقول : ٣٥٤ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار٦١ : ٢٩٥ / ٦.

(٣) في «ح ، ع» : الطبائع.

(٤) في المطبوع زيادة : الأربع.

(٥) في المطبوع : إلى ما ، بدل «لما».

(٦) ورد في حاشية «ج ، ل» : متعلّق بصائر ، أي يعلم أنّ مصيره إلى الجنّة إذا خلص الوحدانيّة ، وأقرّ بالطاعة أو سببها أو بعرف ، والأوّل عندي أظهر. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٧) في النسخ : ونصح.

(٨) ورد في حاشية «ج ، ل» : البذخ محرّكةً : الكبر. القاموس المحيط ١ : ٣٥٤.

٢٠٩

فيها (١) الأسقام؛ فإنّه سبيلها (٢) ولا يكون أوّل ذلك إلاّ لخطيئة عملها ، فيوافق ذلك مأكل أو مشرب في حدّ (٣) ساعات لا تكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل والمشرب بحال الخطيئة فيستوجب الألم من ألوان الأسقام» وقال : «جوارح الإنسان وعروقه وأعضاؤه جنود (٤) لله مجندّة عليه ، فإذا أراد الله به سقماً سلّطها عليه فأسقمه من حيث يريد به ذلك السقم» (٥) .

[ ١٨٦ / ٧ ] حدّثنا محمّد بن موسى البرقي ، قال : حدّثنا علي بن محمّد ماجيلويه ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، بإسناده يرفعه إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «أعجب ما في الإنسان قلبه وله موادّ (٦) من الحكمة وأضداد من خلافها؛ فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، وإن سعد بالرضا نسي التحفّظ ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتّسع له الأمن استلبته الغفلة (٧) ، وإن حدثت (٨) له النعمة أخذته العزّة ، وإن أصابته مصيبة فَضّه الجَزَع ، وإن استفاد مالاً أطغاه الغنى ، وإن عضّته فاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد

__________________

(١) في البحار : «منها».

(٢) في «ع ، ح» : سببها ، وفي «ن» : يسلبها.

(٣) كذا ، وفي البحار : إحدى ، وهو المناسب لسياق العبارة.

(٤) ورد في حاشية «ج» : الجند : الأنصار والأعوان ، وفلان جَنَّدَ الجنود ، وفي الحديث : الأرواح جنود مجنّدة. الصحاح ٢ : ٣٦.

(٥) أورده الحرّاني في تحف العقول : ٣٥٤ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار٦١ : ٣٠٢ / ٨.

(٦) في المطبوع : موارد.

(٧) في «ج ، ش ، س» : العزّة.

(٨) في «ع ، ج ، ح» وحاشية «س» : حدّدت ، وفي «ن» : أحدثت.

٢١٠

به الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظّته (١) البطنة (٢) ، فكلّ تقصير به مضرّ ، وكلّ إفراط به مفسد» (٣) .

[ ١٨٧ / ٨ ] وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن سنان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول لرجل : «اعلم يا فلان ، إنّ منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من النّاس الواجب الطاعة عليهم ، ألا ترى أنّ جميع جوارح الجسد شرط (٤) للقلب ، وتراجمة له مؤدّية عنه الاُذنان والعينان والأنف والفم واليدان والرجلان والفرج ، فإنّ القلب إذا همَّ بالنظر فتح الرجل عينيه ، وإذا همَّ بالاستماع حرّك أُذنيه وفتح مسامعه فسمع ، وإذا همّ القلب بالشمّ استنشق بأنفه فأدّى تلك الرائحة إلى القلب ، وإذا همّ بالنُّطق تكلّم باللسان ، وإذا همّ بالبطش عملت اليدان (٥) ، وإذا همّ بالحركة سعت الرجلان ، وإذا همّ بالشهوة تحرّك الذكر ، فهذه كلّها مؤدّية عن القلب بالتّحريك ، وكذلك ينبغي للإمام أن يطاع للأمر منه» (٦) .

__________________

(١) ورد في حاشية «ج» : الكِظَّةُ بالكسر شيء يعتري الإنسان عن الامتلاء من الطعام. يقال : كَظَّهُ الطعام يَكُظُّهُ كظّاً. وكظّني هذا الأمر ، أي : جهدني من الكرب. الصحاح ٣ : ٤٣١.

(٢) ورد في حاشية «ج» : البطنة : الكِظَّةُ ، وهو أن تمتلئ من الطعام امتلاءً شديداً. الصحاح ٥ : ٤٩٢ .

(٣) أورده الكليني في الكافي ٨ : ٢١ / ٤ بالسند المذكور ، ومرسلاً في تحف العقول : ٩٥ ، وخصائص الأئمّة : ٩٧ ، وكشف اليقين : ١٨٣ ، وعيون الحكم والمواعظ : ٤٢٠ / ٧١١٧ ، ونزهة الناظر : ٤٢٠ / ٥ ، وكنز العمّال ١ : ٣٤٨ / ١٥٦٧ ، ونهج البلاغة ٢ : ١٧٥ / ١٠٨ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٧١ ، ومطالب السؤول : ١١٢ ، والدرّ النظيم : ٣٨٤ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٠ : ٥٢ / ١٣.

(٤) ورد في حاشية «ج» : الشرط كصُرد ، وهُم طائفة من أعوان الولاة.

(٥) قوله : «وإذا همّ بالبطش عملت اليدان» لم يرد في النسخ.

(٦) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٠ : ٥٢ / ١.

٢١١

[ ١٨٨ / ٩ ] أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البراوذي ، قال : حدّثنا أبوعلي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان السمرقندي ، قال : حدّثنا صالح بن سعيد الترمذي ، عن عبد المُنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن مُنبّه أنّه وجد في التوراة صفة خلق آدم عليه‌السلام حين خلقه الله عزوجل وابتدعه ، قال الله تبارك وتعالى : «إنّي خَلقتُ آدم و ركبت جسده من أربعة أشياء ، ثمّ جعلتها وراثة في ولده تنمى في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة ، وركبت جسده حين خلقته من رطب ويابس وسخن وبارد؛ وذلك إنّي خلقته من تراب وماء ثمّ جعلت فيه نفساً وروحاً ، فيبوسة كلّ جسد من قِبَل التراب ، و رطوبته من قِبَل الماء ، وحرارته من قِبَل النفس ، وبرودته من قِبَل الروح ، ثمّ خلقت في الجسد بعد هذه الخلق (١) الأوّل أربعة أنواع : وهُنّ ملاك الجسد وقوامه بإذني ، لا يقوم الجسد إلاّ بهنّ ، ولاتقوم منهنّ واحدة إلاّ بالاُخرى. منها : المرّة السوداء ، والمرّة الصفراء ، والدم ، والبلغم ، ثمّ أسكن بعض هذا الخلق في بعض».

فجعل مسكن اليبوسة في المرّة السوداء ، ومسكن الرطوبة في المرّة الصفراء ، ومسكن الحرارة في الدم ، ومسكن البرودة في البلغم ، فأيّما جسداعتدلت به هذه الأنواع الأربع التي جعلتها (٢) ملاكه وقوامه وكانت كلّ واحدة منهنّ أربعاً لا تزيد ولا تنقص كملت صحّته واعتدل بنيانه ، فإن زاد منهنّ واحدة عليهنّ فقهرتهنّ ومالت بهنّ دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت ، وإذا كانت ناقصة ثقل (٣) عنهنّ حتّى تضعف عن

__________________

(١) في «ح» وحاشية «ع» : الخلقة.

(٢) في «س ، ش» : جعلها.

(٣) في «ح ، ع ، س» : نقل.

٢١٢

طاقتهنّ وتعجز عن مقارنتهنّ ، وجعل عقله في دماغه ، وسرّهُ في طينته ، وغضبه في كبده ، وصرامته (١) في قلبه ، ورغبته في رئته (٢) ، وضحكه في طحاله ، وفرحه وحزنه ، وكربه في وجهه ، وجعل فيه ثلاثمائة وستّين مفصلاً.

قال وهب : فالطبيب العالم بالداء والدواء يعلم من حيث يأتي (٣) السُّقم من قِبَل زيادة تكون في إحدى هذه الفطر الأربع أو نقصان منها ، ويعلم الدواء الذي به يعالجهنّ فيزيد الناقصة منهنّ أو ينقص من الزائد حتّى يستقيم الجسد على فطرته ويعتدل الشيء بأقرانه ، ثمّ تصير هذه الأخلاق التي ركّب عليها الجسد فطراً عليها تبنى أخلاق بني آدم وبها توصف ، فمن التراب العزم ، ومن الماء اللين ، ومن الحرارة الحدّة ، ومن البرودة الأناة ، فإن مالت به اليبوسة كان عزمه القسوة ، وإن مالت به الرطوبة كانت لينة مهانة ، وإن مالت به الحرارة كانت حدّته طيشاً وسفهاً ، وإن مالت به البرودة كانت أناته ريباً وبلداً (٤) ، فإن اعتدلت أخلاقه وكنّ سواء ، واستقامت فطرته كان جازماً في أمره ، ليّناً في عزمه ، حادّاً في لينه ، متأنّياً في حدّته لا يغلبه خلق من أخلاقه ولا يميل به ، من أيّها شاء استكثر ، ومن أيّها شاء أقلّ (٥) ، ومن أيّها شاء عدل ، ويعلم كلّ خلق منها إذا علا

__________________

(١) في «ج ، ن ، س» : ضرامته.

وورد في حاشية «ج» : ضرم ، كفرح : اشتدَّ جوعه. القاموس المحيط ٤ : ١٠٢.

(٢) ورد في حاشية «ج» : الرئة موضع النّفس والريح من الحيوان. القاموس المحيط ٤ : ٣٦٤.

(٣) في «س ، ع ، ش» : يؤتى.

(٤) ورد في حاشية «ج» : التلبّد ضدّ التجلّد. القاموس المحيط ١ : ٣٨٦.

(٥) في المطبوع : استقلّ.

٢١٣

عليه بأيّ شيء يمزجه ويقوّمه فأخلاقه كلّها معتدلة كما يجب أن يكون ، فمن التراب قسوته وبخله وحصره وفظاظته وبرمه وشحّه ويأسه وقنوطه وعزمه وإصراره ، ومن الماء كرمه ومعروفه وتوسّعه وسهولته وتوسّله وقربه وقبوله ورجاؤه واستبشاره ، فإذا خاف ذوالعقل أن يغلب عليه أخلاق التراب ويميل به ألزم كلّ خلق منها خلقاً من أخلاق الماء يمزجه (١) بلينه ، يلزم القسوة اللين ، والحصر التوسّع ، والبخل العطاء ، والفظاظة الكرم ، والبرم التوسّل ، والشحّ السماح ، واليأس الرجاء ، والقنوط الاستبشار ، والعزم القبول ، والإصرار القرب ، ثمّ من النفس حدّته وخفّته وشهوته ولهوه ولعبه وضحكه وسفهه وخداعه وعنفه وخوفه ، ومن الروح حلمه ووقاره وعفافه وحياؤه وبهاؤه وفهمه وكرمه وصدقه ورفقه وكبره ، وإذا خاف ذوالعقل أن تغلب عليه أخلاق النفس وتميل به ألزم كلّ خلق منها خلقاً من أخلاق الروح يقوّمه به ، يلزم الحدّة الحلم ، والخفّة الوقار ، والشّهوة العفاف ، واللعب الحياء ، والضحك الفهم ، والسفه الكرم ، والخداع الصدق ، والعنف الرفق ، والخوف الصبر ، ثمّ بالنفس سمع ابن آدم وأبصر وأكل وشرب وقام وقعد وضحك وبكى وفرح وحزن ، وبالروح عرف الحقّ من الباطل ، والرشدمن الغيّ ، والصواب من الخطأ ، وبه علم وتعلّم ، وحكم وعقل ، واستحى وتكرّم ، وتفقّه وتفهّم ، وتحذّر وتقدّم ، ثمّ يقرن إلى أخلاقه عشرة خصال اُخرى : الإيمان ، والحلم ، والعقل ، والعلم ، والعمل ، واللين ، والورع ، والصدق ، والصبر ، والرفق ، ففي هذه الأخلاق العشر جميع (٢)

__________________

(١) في «ع» : يخرجه.

(٢) في «ع» : جمع.

٢١٤

الدين كلّه ، ولكلّ خلق منهاعدوّ ، فعدوّ الإيمان الكفر ، وعدوّ الحلم الحُمق ، وعدوّ العقل الغيّ ، وعدوّ العلم الجهل ، وعدوّ العمل الكسل ، وعدوّ اللين العجلة ، وعدوّ الورع الفجور ، وعدوّ الصدق الكذب ، وعدوّ الصبر الجزع ، وعدوّ الرّفق العنف ، فإذا وهن الإيمان تسلّط عليه الكفر ، وتعبّد هو حال بينه وبين كلّ شيء يرجو منفعته ، وإذا صلب الإيمان وهن له الكفر وتعبّد (١) واستكان واعترف الإيمان ، وإذا ضعف الحلم علا الحمق وحاطه وذبذبه وألبسه الهوان بعـد الكرامة ، فإذا استقام الحلـم فضـح الحمق وتبيّن عورته وأبدى سوءته وكشف ستره وأكثر مذمّته ، فإذا استقام اللين تكرّم من الخفّة والعجلة واطّردت الحدّة وظهر الوقار والعفاف وعرفت السكينة ، وإذا ضعف الورع تسلّط عليه الفجور وظهر الإثم وتبيّن العدوان وكثر الظلم ونزل الحُمق وعمل بالباطل ، وإذا ضعف الصدق كثر الكذب ، وفشت الفرية ، وجاء الإفك بكلّ وجه البتهان ، وإذا حصـل الصدق اختسأ (٢) الكذب ، وذلّ وصمت الافك (٣) ، وأُميتت (٤) الفرية وأُهين (٥) البهتان ، ودنا البرّ واقترب الخير وطردت الشرة ، وإذا وهن الصبر وهن الدين وكثر الحزن وزهق الجزع وأُميتت الحسنة وذهب الأجر ، وإذا صلب الصبر خلص الدين وذهب الحزن واُخّر الجزع واُحييت الحسنة وعظم الأجر وتبيّن الحزم وذهب الوهن ، وإذا ترك الرفق ظهر الغشّ

__________________

(١) في المطبوع ، و«ج» : وتعبّده ، وما أثبتناه من «ح ، س ، ن ، ش ، ع» والبحار.

(٢) ورد في حاشية «ج» : خسأ الكلب ، كمنع : طَرَدَهُ. القاموس المحيط ١ : ١٤.

(٣) في «س ، ش ، ع» : للإفك.

(٤) في «ش ، ح» : وأُميت.

(٥) في «ش ، ح» : وأبين.

٢١٥

وجاءت الفظاظة واشتدّت الغلظة وكثر الغشم (١) وترك العدل وفشا المنكر وترك المعروف وظهر السفه و رفض الحلم (٢) وذهب العقل وترك العلم وفتر العمل ومات اللين (٣) وضعف الصبر وغلب الورع ووهن الصدق وبطل تعبّد أهل الإيمان.

فمن أخلاق العقل عشرة أخلاق صالحة : الحلم والعلم ، والرُّشد والعفاف ، والصِّيانة والحَياء ، والرزانة (٤) والمداومة على الخير ، وكراهة الشرّ ، وطاعة الناصح ، فهذه عشرة أخلاق صالحة ، ثمّ يتشعّب من (٥) كلّ خلق منها عشرة خصال ، فالحلم يتشعّب منه : حسن العواقب ، والمحمدة في الناس ، وتشرّف المنزلة ، والسلب عن السفه ، وركوب الجميل ، وصحبة الأبرار ، والارتداع (٦) عن الضعة (٧) ، والارتفاع عن الخساسة ، وشهوة (٨) اللين ، والقرب من معالي الدرجات.

ويتشعّب من العلم : الشرف وإن كان دنيّاً ، والعزّ وإن كان مهيناً ، والغنى وإن كان فقيراً ، والقوّة وإن كان ضعيفاً ، والنبل وإن كان حقيراً ، والقُرب وإن كان قصيّاً ، والجود وإن كان بخيلاً ، والحياء وإن كان صلفاً (٩) ،

__________________

(١) في حاشية «ن» : الغثم.

(٢) في «ن ، ح ، س ، ش» : الحكم.

(٣) فيما عدا «س ، ع ، ش» : الدين.

(٤) ورد في حاشية «ج» : ترزّن في الشيء : توقَّر. القاموس المحيط ٤ : ٢١٩.

(٥) كلمة (من) لم ترد في «ح ، س ، ن ، ش ، ع».

(٦) ورد في حاشية «ج» : ردعته عن الشيء : ردعاً ، منعته وزجرته. «ح».

(٧) في «ج ، س ، ش ، ن» : الضيعة.

(٨) في «ج ، ن ، س ، ع ، ش» والبحار : وشهرة ، وفي هامش «ج» كما في المتن.

(٩) ورد في حاشية «ج» الصلفُ : التكلّم بما يكرهه صاحبك. القاموس المحيط : ٣ : ٢٢٠.

٢١٦

والمهابة وإن كانوضيعاً ، والسلامة وإن كان سقيماً (١) .

ويتشعّب من الرشد : السداد ، والهدى ، والبرّ ، والتقوى ، والعبادة ، والقصد ، والاقتصاد ، والقناعة ، والكرم ، والصدق.

ويتشعّب من العفاف : الكفاية ، والاستكانة ، والمصادقة ، والمراقبة ، والصبر ، والنصر ، واليقين ، والرضا ، والراحة ، والتسليم.

ويتشعّب من الصيانة : الكفّ ، والورع ، وحسن الثناء ، والتزكيّة ، والمروءة ، والكرم ، والغبطة والسرور ، والمنالة والتفكر.

ويتشعّب من الحياء : اللين ، والرأفة ، والرحمة ، والمداومة ، والبشاشة ، والمطاوعة ، وذلّ النفس ، والنهى ، والورع ، وحسن الخُلق.

ويتشعّب من المداومة على الخير : الصلاح ، والاقتدار ، والعزّ ، والإخبات ، والإنابة ، والسؤدد ، والأمن ، والرضا في النّاس ، وحُسن العاقبة.

ويتشعّب من كراهة (٢) الشر : حُسن الأمانة ، وترك الخيانة ، واجتناب السّوء ، وتحصين الفرج ، وصدق اللسان. والتواضع ، والتضرّع لمن هو فوقه ، والإنصاف لمن هو دونه ، وحسن الجوار ، ومجانبة إخوان السّوء.

ويتشعّب من الرزانة : التوقّر ، والسكون ، والتأنّي ، والعلم ، والتمكين ، والحظوة (٣) ، والمحبّة ، والفلح (٤) ، والزكاية ، والإنابة.

ويتشعّب من طاعة النّاصح : زيادة العقل ، وكمال اللبّ ، ومحمدة

__________________

(١) في حاشية «ج ، ن ، س ، ع ، ش» والبحار : سفيهاً.

(٢) في «ح ، ن ، ع» : كراهية.

(٣) ورد في حاشية «ج» : حظى عند الناس إذا أحبّوه ، ورفع منزلته. «ح».

(٤) ورد في حاشية «ج» : فلج فلوجاً ظفر بما طلب من باب قعد. «ح».

٢١٧

النّاس ، والامتعاض (١) من اللوم ، والبعد من البطش (٢) ، واستصلاح الحال ، ومراقبة ما هو نازل ، والاستعداد للعدوّ والاستقامة على المنهاج ، والمداومة على الرشاد .

فهذه مائة خصلة من أخلاق العاقل» (٣) .

[ ١٨٩ / ١٠ ] حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : حدّثنا أحمد (٤) بن أبي عبدالله البرقي ، عن علي بن حديد ، عن سماعة بن مهران ، قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام وعنده نفرمن مواليه ، فجرى ذكر العقل والجهل ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : «اعرفوا العقل وجنده تهتدوا ، واعرفوا الجهل وجنده تهتدوا» (٥) .

قال سماعة : قلت : جُعلت فداك ، لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا؟

فقال : أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى خلق العقل وهو أوّل

__________________

(١) ورد في حاشية «ح» : معض من الأمر كفرح غضب وشقّ عليه. القاموس المحيط ٢ : ٣٤٥ / معض .

(٢) ورد في حاشية «ج» : البطش : هو الأخذ بضعف.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦١ : ٢٨٦ / ١.

(٤) في المطبوع و«ح ، ن ، ش ، ع» : محمّد ، وما أثبتناه من «ج ، ل ، س» والمصادر ، اُنظر : رجال الطوسي : ٣٨٣ / ٥٦٤٥ ، منتهى المقال ١ : ٢٧٢ / ١٦٢ ، معجم رجال الحديث ٢ : ٣٠ / ٤١٣ .

(٥) اختلفت النسخ في هذه العبارة :

ففي «ش» : اعرفوا العقل وحدّه وفي حاشيتها : جنده وضدّه تهتدوا ، واعرفوا الجهل وضدّه وفي حاشيتها جنده تهتدوا.

وفي «ع ، ح» : اعرفوا العقل وجنده وحدّه تهتدوا ، واعرفوا الجهل وضدّه وحدّه تهتدوا.

وفي «ن» : اعرفوا العقل وضدّه تهتدوا ، واعرفوا الجهل وضدّه تهتدوا.

وفي «س» : اعرفوا العقل وضدّه ، واعرفوا الجهل وضدّه تهتدوا.

٢١٨

خلـق (١) خلقه مـن الرّوحانيّين عـن يمين العرش مـن نـوره ، فقال لـه : أدبـرفأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فأقبل ، فقال الله تبارك وتعالى له : خلقتك خلقاً عظيماً وكرّمتك على جميـع خلقي ، قال : ثمّ خلـق الجهل من البحر الأُجاج الظلماني فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبـل فلـم يقبل ، فقال الله عزوجل : استكبرت فلعنت ، ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً ، فلمّا رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر (٢) له العداوة ، فقال الجهل : ياربِّ ، هذا خلق مثلي ، خلقته فكرّمته وقوّيته ، وأنا ضدّه فلا قوّة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته ، فقال : نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي ، قال : قد رضيت ، فأعطاه خمسة وسبعين جنداً ، فكان ممّا أعطاه الله عزوجل للعقل من الخمسة والسبعين الجند : الخير وهو وزير العقل ، وجعل ضدّه الشرّ وهو وزير الجهل ، والإيمان وضدّه الكفر ، والصدق (٣) وضدّه الجحود ، والرجاء وضدّه القنوط ، والعدل وضدّه الجور ، والرضا وضدّه السخط ، والشكر وضدّه الكفران ، والطمع وضدّه اليأس ، والتوكلّ وضدّه الحرص (٤) ، والعلم وضدّه الجهل ، والفهم وضدّه الحمق ، والعفّة وضدّها التهتّك ، والزهد وضدّه الرغبة ، والرفق وضـدّه الخرق ، والرهبة وضدّها الجرأة ، والتواضع وضدّه التكبّر ،

__________________

(١) لم ترد في «ج ، ن ، س».

(٢) في «ح ، س ، ن ، ع» : أظهر.

(٣) كذا في النسخ ، وفي البحار نقلاً عن الخصال : التصديق.

(٤) ورد في حاشية «ج» : والرأفة وضدّها العزّة ، والرَّحمة وضدّها الغضب.

٢١٩

والتـؤدة (١) وضدّها التّسرّع ، والحلم وضـدّه السفه ، والصمت وضدّه الهذر (٢) ، والاستسلام وضدّه الاستكبار ، والتسليم وضدّه التجبّر ، والعفو وضدّه الحقد ، والرحمة (٣) وضدّها القَسْوَة ، واليقين وضدّه الشكّ ، والصبر وضدّه الجزع ، والصَّفح وضدّه الانتقام ، والغنى وضدّه الفقر ، والتذكّر وضدّه السهو ، والحفظ وضدّه النسيان ، والتّعطّف وضدّه القطيعة ، والقنوع وضدّه الحِرص ، والمُواساة وضدّها المنع ، والمودّة وضدّها العداوة ، والوفاء وضدّه الغدر ، والطاعة وضدّها المعصية ، والخضوع وضدّه التطاول ، والسلامة وضدّها البلاء (٤) ، والحُبّ وضدّه البغض ، والصدق وضدّه الكذب ، والحقّ وضدّه الباطل ، والأمانة وضدّها الخيانة ، والإخلاص وضدّه الشرك ، والشهامة وضدّها البلادة ، والفطنة وضدّها الغباوة ، والمعرفة وضدّها الإنكار ، والمداراة (٥) وضدّها المكاشفة ، وسلامة الغيب وضدّها المماكرة (٦) ، والكتمان وضدّه الإفشاء ، والصلاة وضدّها الإضاعة ، والصوم وضدّه الإفطار ، والجهاد وضدّه النكول ، والحجّ وضدّه نبذ (٧) الميثاق ، وصون الحديث وضدّه النميمة ، وبرّ الوالدين وضدّه العقوق ، والحقيقة وضدّها الرياء ، والمعروف وضدّه المنكر ، والستر وضدّه التبرّج ، والتقيّة

__________________

(١) في «ج ، ح» وحاشية «ع» : التودد.

(٢) في «ح» : البذل ، وفي «ن» : الحرز وفي حاشيتها : الهذر ، وفي «ع» وحاشية «ج» : الهزل ، وفي حاشية «ع» : البذل ، وفي «س» : الحذر.

(٣) ورد في حاشية «ج» : الرقّة.

(٤) والسلامة وضدّها البلاء ، لم ترد في النسخ ، ووردت في حاشية «ج» من الخصال.

(٥) في «ن» : والمواراة ، وفي حاشيتها كما في المتن.

(٦) في النسخ : المكاره ، وفي حاشية «ج ، ش» كما في المتن.

(٧) في النسخ : نسيان ، وفي حاشية «ج ، ش» كما في المتن

٢٢٠