علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ١

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-610-3
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٠٠

ـ ٤٦ ـ

باب العلّة التي من أجلها قال يوسف لإِخوته :

( لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) (١) للوقت ،

ويعقوب قال لهم : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) (٢)

[ ٨٦ / ١ ] حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقاني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثناأحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم ، قال : أخبرنا المنذربن محمّد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم الخزّاز ، عن إسماعيل ابن الفضل الهاشمي ، قال : قلت لجعفر بن محمّد عليه‌السلام : أخبرني عن يعقوب عليه‌السلام لمّا قال له بنوه : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) ، فأخّر الاستغفار لهم ، ويوسف عليه‌السلام لمّا قالوا له : ( تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (٣) .

قال : «لأنّ قلب الشابّ أرقّ من قلب الشيخ ، وكانت (٤) جناية ولد يعقوب على يوسف ، وجنايتهم على يعقوب إنّما كانت بجنايتهم على يوسف ، فبادر يوسف إلى العفو عن حقّه ، وأخّر يعقوب العفو؛ لأنّ عفوه إنّما كان عن حقّ غيره ، فأخّرهم إلى السحر ليلة الجمعة» (٥) .

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٩٢.

(٢) سورة يوسف ١٢ : ٩٨.

(٣) سورة يوسف ١٢ : ٩٢ و٩٣.

(٤) في «ج» : كان.

(٥) ذكر المصنّف ذيل الحديث في الفقيه ١ : ٢٧٢ / ١٢٤٠ ، وأورد ذيل الحديث

١٠١

وأمّا العلّة التي كانت من أجلها عرف يوسف إخوته ولم يعرفوه لمّا دخلوا عليه.

[ ٨٧ / ٢ ] فإنّي سمعت محمّد بن عبدالله بن محمّد بن طيفور يقول في قول الله عزوجل : ( وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) (١) : إنّ ذلك لتركهم حرمة يوسف ، وقد يمتحن الله المرء بتركه الحرمة ، ألا ترى يعقوب عليه‌السلام حين ترك حرمته (٢) غيّبوه عن عينه فامتحن من حيث ترك الحُرمة بغيبته عن عينه لا عن قلبه عشرين سنة ، وترك إخوة يوسف حُرمته في قلوبهم حيث عادوه وأرادوا القطيعة؛ للحسد الذي في قلوبهم فامتحنوا في قلوبهم ، كأنّهم يرونه ولا يعرفونه ، ولم يكن لأخيه من اُمّه حسد مثل ما كان لإخوته ، فلمّا دخل قال : ( إِنِّي أَنَا أَخُوكَ ) (٣) على يقين عرفه (٤) ، فسلم من المحن فيه حين لم يترك حُرمته؛ وهكذا العباد (٥) .

ـ ٤٧ ـ

باب العلّة التي من أجلها لم يخرج من صلب يوسف نبيّاً

[ ٨٨ / ١ ] أبي (٦) رحمه‌الله قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، ومحمّد بن يحيى

__________________

المفيد في المقنعة : ١٥٥ ، والعيّاشي في التفسير ٢ : ١٩٦ / ٨١ ، ونقله المجلسي بتمامه عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٢٨٠ / ٥٧.

(١) سورة يوسف ١٢ : ٥٨.

(٢) في المطبوع و«ش» : حرمة يوسف ، وما أثبتناه من النسخ.

(٣) سورة يوسف ١٢ : ٦٩.

(٤) في المطبوع و«ج» : فعرفه.

(٥) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٢٨٠ / ذيل الحديث ٥٧.

(٦) في «س» : حدّثنا أبي.

١٠٢

العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن غير واحد رفعوه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «لمّا تلقّى يوسف يعقوب ترجّل له يعقوب ولم يترجّل له يوسف فلم ينفصلا من العناق ، حتّى أتاه جبرئيل فقال له : يا يوسف ، ترجّل لك الصدّيق ، ولم تترجّل له ، أبسط يدك ، فبسطها فخرج نور من راحته ، فقال له يوسف : ما هذا؟ قال : هذا أنّه (١) لايخرج من عقبك (٢) نبيّ؛ عقوبة» (٣) .

[ ٨٩ / ٢ ] حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أُورمة ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «لمّا أقبل يعقوب عليه‌السلام إلى مصر خرج يوسف عليه‌السلام ليستقبله ، فلمّا رآه يوسف همّ بأن يترجّل ليعقوب ، ثمّ نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل ، فلمّا سلّم على يعقوب نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال له : يا يوسف ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لك : مامنعك أن تنزل إلى عبدي الصالح ممّا أنت (٤) فيه (٥) أبسط يدك ، فبسطها فخرج من بين أصابعه نور ، فقال له : ما هذا ياجبرئيل؟ فقال : هذا أنّه لا يخرج من صلبك نبيّ أبداً ، عقوبة لك بما

__________________

(١) في المطبوع : آية ، والصحيح ما أثبتناه في المتن وهو الموافق للنسخ والأمالي والبحار.

(٢) في حاشية «ج» : صلبك.

(٣) أورده الكليني في الكافي ٢ : ٢٣٥ / ١٥ ، ونقله المجلسي عن علل الشرائع في بحار الأنوار١٢ : ٢٨ / ٥٨.

(٤) في المطبوع : إلاّ ما أنت ، وفي «ج ، س ، ن ، ش ، ع ، ح» : ما أنت ، وما أثبتناه من «ل»وحاشية «ش» .

(٥) في حاشية «ج ، ل» : استفهام ، أي : أمنعك ما أنت فيه من الملك توبيخاً. (م ق ر رحمه‌الله ).

١٠٣

صنعت بيعقوب ، إذ لم تنزل إليه» (١) .

ـ ٤٨ ـ

باب العلّة التي من أجلها تزوّج يوسف زليخا

[ ٩٠ / ١ ] أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبدالله بن المغيرة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «استأذنت زليخا على يوسف ، فقيل لها : إنّا (٢) نكره أنْ نقدم بك عليه لِما كان منك إليه ، قالت : إنّي لا أخاف من يخاف الله ، فلمّا دخلت قال لها : يا زليخا ، مالي أراك قد تغيّر لونك؟ قالت : الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً ، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً ، قال لها : ما الذي دعاك يا زليخا إلى ماكان منك ؟

قالت : حسن وجهك يا يوسف ، فقال : كيف لو رأيت نبيّاً يقال له : محمّد يكون في آخر الزمان أحسن منّي وجهاً ، وأحسن منّي خلقاً ، وأسمح منّي كفاً . قالت : صدقت.

قال : وكيف علمت أنّي صدقت؟

قالت : لأنّك حين ذكرته وقع حبّه في قلبي ، فأوحى الله عزوجل إلى يوسف : إنّها قد صدقت ، وإنّي قد أحببتها لحبّها محمّداً ، فأمره الله تبارك

__________________

(١) ذكره المصنّف في الأمالي : ٣٢٣ / ضمن الحديث ٣٧٥ ، وأورده الطبرسي مرسلاً في مجمع البيان ٥ : ٥١٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٢٨١ / ٥٩.

(٢) في «ج» : يا زليخا إنّا.

١٠٤

وتعالى أن يتزوّجها» (١) .

ـ ٤٩ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي موسى عليه‌السلام موسى

[ ٩١ / ١ ] حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زكريّا بمدينة السلام ، قال : حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن جيلان (٢) ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عتاب بن اُسيد ، قال : حدّثني عمّن سمع مقاتل بن سليمان يقول : إنّ الله تبارك وتعالى بارك على موسى بن عمران عليه‌السلام وهو في بطن اُمّه بثلاثمائة وستّين بركة ، فالتقطه فرعون من بين الماء والشجر وهو في التابوت ، فمن ثمّ سُميّ موسى ، وبلغة القبط الماء : مو ، والشجر : سي ، فَسمّوه موسى لذلك (٣) .

__________________

(١) ذكره المصنّف في الأمالي : ٥٢ ، وأورده ابن فهد الحلّي في عدّة الداعي : ١٩٧ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ١٣٦ / ١٤٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٢٨١ / ٦٠ .

(٢) في المطبوع : محمّد بن خيلان ، وما أثبتناه من النسخ والبحار ، وقد أورد الصدوق رواية الحسن بن علي بن زكريا عن محمّد بن خليلان في الخصال : ٢٨٦ / ٤٠ ، والعيون ١ : ١٨ / ١ و٩٢ / ٤ ، وكمال الدين : ٤٣٢ / ١٢ و٤٣٣ / ١٣ ، وكذلك أورده الطوسي في الغيبة : ٣٩٣ / ٣٦٢ ، والبحراني في مدينة المعاجز ٨ : ٣٧ / ٢٦٩٩ ، فلاحظ.

(٣) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٤٩ ، وأورده ابن مقاتل في تفسيره ٢ : ٤٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٧ / ٧.

١٠٥

ـ ٥٠ ـ

باب العلّة التي من أجلها اصطفى الله عزوجل

موسى لكلامه دون خلقه

[ ٩٢ / ١ ] أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثني سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عُمير ، عن علي بن يقطين ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه‌السلام : أتدري لِمَ (١) اصطفيتك لكلامي (٢) دون خلقي؟

فقال موسى : لا يا ربّ.

فقال : يا موسى ، إنّي قلّبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي منك نفساً ، ياموسى ، إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التّراب» (٣) .

[ ٩٣ / ٢ ] حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «إنّ موسى عليه‌السلام احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحاً ، قال : فصعد على جبل بالشّام يقال له : أريحا ، فقال : يا ربّ ، إن كنت حبست عنّي وحيك وكلامك؛ لذنوب بني إسرائيل ، فغفرانك القديم.

__________________

(١) في «س ، ن ، ج ، ح ، ش ، ل» : لما.

(٢) في «ش» : بكلامي.

(٣) ذكره المصنّف في الفقيه ١ : ٣٣٢ / ٩٧٥ ، وأورده الكليني في الكافي ٢ : ١٠٠ / ٧ ، والطبرسي في مكارم الأخلاق ٢ : ٣٨ / ٢٠٤٨ ، وابن فهد في عدّة الداعي : ١٦٥ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ١٦١ / ١٧٧ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٨٦ : ١٩٩ / ٨.

١٠٦

قال : فأوحى الله عزّوجل إليه : يا موسى بن عمران ، أتدري لِمَ اصطفيتك لوحي وكلامي دون خلقي؟

فقال : لا علم لي يا ربّ.

فقال : يا موسى ، إنّي اطّلعت إلى خلقي اطّلاعة فلم أجد في خلقي أشدّتواضعاً لي منك ، فمن ثمّ خصّصتك بوحيي وكلامي من بين خلقي.

قال : وكان موسى عليه‌السلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصَق خدّه الأيمن بالأرض والأيسر» (١) .

ـ ٥١ ـ

باب العلّة التي من أجلها جعل الله عزوجل

موسى خادماً لشعيب عليهما‌السلام

[ ٩٤ / ١ ] حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا أبو حفص عمر بن يوسف بن سليمان بن الريّان ، قال : حدّثنا القاسم ابن إبراهيم الرقّي ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن مهدي الرقّي ، قال : حدّثنا عبدالرزّاق ، عن مَعْمر ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «بكى شعيب عليه‌السلام من حبّ الله عزوجل حتّى عمى ، فردّ الله عزوجل عليه بصره ، ثمّ بكى حتّى عمى فردّ الله عليه بصره ، ثمّ بكى حتّى عمى فردّ الله عزوجل عليه بصره ، فلمّا كانت الرابعة أوحى الله إليه : ياشعيب ، إلى متى يكون هذا أبداً منك ، إن يكن هذا خوفاً من النار فقد

__________________

(١) ذكر ذيل الحديث المصنّف في الفقيه ١ : ٣٣٢ / ٩٧٤ ، وأورده الأهوازي في الزهد : ٥٨ ، والطبرسي في مكارم الأخلاق ٢ : ٣٨ / ٢٠٨٣ ، وورد في الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٧١ ، وذكر ذيله الطوسي في التهذيب ٢ : ١١٠ / ٤١٤ ، ونقله المجلسي عن علل الشرائع في بحار الأنوار ١٣ : ٨ / ٩ ، و٨٦ : ٢٠٠ / ٩.

١٠٧

أجرتك ، وإن يكن شوقاً إلى الجنّة فقد أبحتك.

فقال : إلهي وسيّدي ، أنت تعلم أنّي ما بكيت خوفاً من نارك ولاشوقاً إلى جنّتك ، ولكن عقد حبّك على قلبي ، فلست أصبر أو أراك (١) ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : أمّا إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران» (٢) .

قال مصنّف هذا الكتاب (٣) والله أعلم ـ : يعني بذلك : لا أزال أبكي ، أو أراك قد قبلتني حبيباً.

ـ ٥٢ ـ

باب العلّة التي من أجلها لم يقتل فرعون موسى عليه‌السلام

لمّا قال : ( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ ) (٤)

[ ٩٥ / ١ ] حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنامحمّد بن الحسن الصفّار ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن علي بن أسباط ، عن إسماعيل بن منصور أبي زياد ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول فرعون : ( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ ) مَنْ كان يمنعه؟ قال : «منعته رشدته ، ولايقتل الأنبياء وأولاد (٥) الأنبياء إلاّ أولاد

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أو بمعنى إلى أن ، أي : إلى أن أراك بعين القلب وأعرفك كماأنت ، أو كما هو في وسعي وطاقتي. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٣٨٠ / ١.

(٣) في «س» زيادة : رحمه‌الله .

(٤) سورة غافر ٤٠ : ٢٦.

(٥) في «ح ، س ، ن ، ش» والبحار : ولا أولاد.

١٠٨

الزّنا» (١) .

ـ ٥٣ ـ

باب العلّة التي من أجلها أغرق الله عزوجل فرعون

[ ٩٦ / ١ ] حدّثنا أبو الحسن علي بن عبدالله بن أحمد الأسواري ، قال : حدّثنا مكّي بن أحمد بن سعدويه البرذعي (٢) ، قال : أخبرنا (٣) نوح بن الحسن أبو محمّد ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد ، قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم ، قال : حدّثنا أيّوب بن سويد الرملي ، عن عمرو بن الحارث ، عن زيد بن أبي حبيب ، عن عبدالله بن عمر ، قال : غار النيل على عهد فرعون ، فأتاه أهل مملكته فقالوا : أيّها الملك ، أجر لنا النيل ، قال : إنّي لم أرضَ عنكم ، ثمّ ذهبوا فأتوه فقالوا : أيّها الملك تموت البهائم وهلكت ولئن لم تجر لنا النيل لنتّخذنّ إلهاً غيرك.

قال : اخرجوا إلى الصعيد ، فخرجوا فتنحّى عنهم حيث لا يرونه ولايسمعون كلامه فألصق خدّه بالأرض وأشار (٤) بالسبّابة وقال : اللّهمّ إنّي خرجت إليك خروج العبد الذليل إلى سيّده ، وإنّي أعلم أنّك تعلم أنّه

__________________

(١) أورده ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٦٣ / ٢٠٧ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ١٢ : ١٣٢ / ٣٥.

(٢) في «ج ، ح ، س ، ش ، ع ، ن» اليربوعي ، ويؤيّد ما في المتن ما ذكره الصدوق في التوحيد : ٢١٩ / ١١ و٢٢١ / ١٤ و٢٧٩ / ٤ و٣٤٠ / ١٠ و٣٧٥ / ٢٠ ، والخصال : ٤٩٤ / ٢ ، وفضائل الأشهر الثلاثة : ١٢٨ / ١٣٤ ، وكمال الدين : ٢٩٢ و٦٤٢.

(٣) في «ن» : أخبرني.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : إلى السماء ، أو على سبيل التّضرّع والتّبتّل. (م ق ر رحمه‌الله ).

١٠٩

لايقدرعلى إجرائه أحد غيرك فأجره ، قال : فجرى النيل جرياً لم يجر مثله ، فأتاهم فقال لهم : إنّي قد أجريت لكم النيل ، فخرّوا له سُجّداً وعرض له جبرئيل فقال : «أيّها الملك ، أعنّي على عبد لي. قال : فما قصّته؟ قال : إنّ عبداً لي ملّكْته على عبيدي ، وخوّلته مفاتيحي ، فعاداني وأحبّ من عاداني ، وعادى من أحببت ، قال : بئس العبد عبدك ، لو كان لي عليه سبيل لأغرقته في بحر القلزم ، قال : أيّها الملك اكتب لي بذلك كتاباً ، فدعا بكتاب ودواة ، فكتب : ما جزاء العبد الذي يخالف سيّده؟ فأحبّ من عادى وعادى من أحبّ ، إلاّ أن يُغرق في بحر القلزم ، قال : أيّها (١) الملك اختمه لي ، قال : فختمه ، ثمّ دفعه إليه ، فلمّا كان يوم البحر أتاه جبرئيل بالكتاب ، فقال له : خذ هذاما استحققت به على نفسك ، أو هذا ما حكمت به على نفسك» (٢) .

[ ٩٧ / ٢ ] حدّثنا عبدالواحد محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا علي بن محمّد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، قال : حدّثنا (٣) إبراهيم بن محمّد الهمداني (٤) ، قال : قلت لأبي الحسن علي ابن موسى الرضا عليه‌السلام : لأيّ علّة أغرق الله عزوجل فرعون وقد آمن به وأقرّ

__________________

(١) في «ج ، ش ، ن» : يا أيّها.

(٢) أورده البيهقي في شعب الإيمان ٤ : ١١٣ / ٤٥٦٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ١٣ : ١٣٢ / ٣٧.

(٣) في «ع ، ح ، ن ، ش» وحاشية «س» : حدّثني.

(٤) في «ع ، ح» : علي بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، والصحيح ما في المتن. اُنظررجال النجاشي : ٣٤٤ / ٩٢٨ ، خلاصة الأقوال : ١٩٠ / ٧٤ ، نقد الرجال ١ : ٨٥ / ١٣٤ ، معجم رجال الحديث ١٢ : ٢١٠ / ٧٨٢٦.

١١٠

بتوحيده؟

قال : «إنّه آمن عند رؤية البأس (١) وهو غير مقبول؛ وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف ، قال الله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) (٢) ، وقال الله عزوجل : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) (٣) ، وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال : ( آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٤) ، فقيل له : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (٥) وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد ، وقد لبسه على بدنه ، فلمّا غرق (٦) ألقاه الله على نجوة من الأرض ببدنه؛ ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقّله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع ، فكان ذلك آية وعلامة.

ولعلّة اُخرى أغرق الله عزوجل فرعون وهي أنّه استغاث بموسى لمّا أدركه الغرق ، ولم يستغث بالله ، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى ، ما أغثت فرعون ؛ لأنّك لم تخلقه ، ولو استغاث بي لأغثته» (٧) .

__________________

(١) في «ن» : والإيمان عند رؤية البأس.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٨٤ و٨٥.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ١٥٨.

(٤) سورة يونس ١٠ : ٩٠.

(٥) سورة يونس ١٠ : ٩١ و٩٢.

(٦) في المطبوع : أغرق.

(٧) ذكره المصنّف في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٩ / ٧ ، الباب ٣٢ ، ومعاني

١١١

ـ ٥٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها سُمّي الخِضر خضراً ،

وعلل ما أتاه ممّا يسخطه موسى عليه‌السلام من خرق

السفينة وقتل الغلام ، وإقامة الجدار

[ ٩٨ / ١ ] حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدّثنا الحسن بن علي السكري (١) ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريّا الجوهري البصري ، قال : حدّثنا جعفربن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام . أنّه قال : «إنّ الخضر كان نبيّاً مُرسَلاً بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه ، فدعاهم إلى توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه ، وكانت آيته أنّه كان لايجلس على خشبة يابسة ، ولا أرض بيضاء إلاّ أزهرت خضراً ، وإنّما سُمّي خضراً لذلك ، وكان اسمه بليا (٢) بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه‌السلام ، وإنّ موسى لمّا كلّمه الله تعالى تكليماً ، وأنزل عليه التوارة ، وكتب له في الألواح من كلّ شيءموعظة وتفصيلاً لكلّ شيء ، وجعل آيته في يده وعصاه ، وفي الطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، وفلق البحر ، وغرّق الله عزوجل فرعون وجنوده وعملت البشريّة فيه حتّى قال

__________________

الأخبار : ٣٨٦ ، وأورده المفيد في الفصول المختارة : ١٥٥ ، والقمّي في التفسير ١ : ٣١٦ ، والشريف الرضي في حقائق التأويل : ١٥٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦ : ٢٣ / ٢٥ .

(١) في «ح ، س ، ن ، ش ، ج ، ع» : العسكري.

(٢) في «س ، ش ، ع ، ن ، ل ، ج» : تاليا ، وما في المتن من «ج» ، وهو الموافق للمصادر ، اُنظر : كمال الدين : ٢٩١ ، المعارف لابن قتيبة : ٤٢ ، شرح صحيح مسلم للنووي ١٥ : ١٣٦ ، قصص الأنبياء لابن كثير ٢ : ٢٠١ ، تفسير الثعلبي ٦ : ١٨٢ ، تفسير البغوي ٣ : ١٧٢ ، تاريخ دمشق١٦ : ٣٩٩ ، الإصابة ١ : ٤٢٩ ، تاريخ الطبري ١ : ٣٦٥.

١١٢

في نفسه : ما أرى أنّ الله عزوجل خلق خلقاً أعلم منّي ، فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل : يا جبرئيل ، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك ، وقلْ له : إنّ عند ملتقى البحرين رجلاً عابداً فاتّبعه وتعلّم منه ، فهبط جبرئيل على موسى بما أمره به ربّه عزوجل ، فعلم موسى أنّ ذلك لِما حدّثت به نفسه ، فمضى هو وفتاه يوشع بن نون حتّى انتهيا إلى ملتقى البحرين ، فوجدا هناك الخضر عليه‌السلام يتعبّد الله عزوجل ، كما قال عزوجل في كتابه : ( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ).

( لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ).

( قَالَ ) له الخضر : ( إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) لأنّي وكّلت بعلم لا تطيقه ، ووكّلت أنت بعلم لا أُطيقه (١) .

قال موسى له : بل أستطيع معك صبراً.

فقال له الخضر : إنّ القياس لا مجال له في علم الله وأمره ، ( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) ؟

( قَالَ ) موسى : ( سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) ، فلمّا استثنى المشيئة قبله ( قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ) .

فقال موسى عليه‌السلام : لك ذلك علَيَّ ( انطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ) الخضر عليه‌السلام فـ( قَالَ ) له موسى عليه‌السلام : ( أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *

__________________

(١) في «ح ، س ، ن ، ش ، ع» : ووكّلت بعلم اُطيقه.

١١٣

قَالَ ) موسى : ( لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) أي : بما تركت من أمرك ( وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ ) الخضر عليه‌السلام فغضب موسى وأخذ بتلابيبه (١) و( قَالَ ) له : ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ).

قال له الخضر : إنّ العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره ، بل أمر الله يحكـم عليها ، فسلِّم لِما ترى منّي واصبر عليه ، فقد كنت علمت أنّك لـن تستطيع معي صبـراً ( قَالَ ) مـوسى : ( إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ) وهي الناصرة ، وإليها تنسب النّصارى ( اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ ) فوضع الخضر عليه‌السلام يـده عليه ( فَأَقَامَهُ ) ، فـ( قَالَ ) له موسى : ( لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ).

( قَالَ ) له الخضر : ( هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) ، فقال : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ )صالحة( غَصْبًا ) (٢) ، فأردت بما فعلت أن تبقى لهم ولايغصبهم الملك عليها».

فنسب الإبانة (٣) في هذا الفعل إلى نفسه لعلّة ذكر التعييب؛ لأنّه أراد

__________________

(١) يقال : لبّبه وأخذ بتلبيبه وتلابيبه : إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحوه ثمّ جَررْته. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١ : ١٨٩ / تلب.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ٦٥ ـ ٧٩.

(٣) في المطبوع : الأنانية ، وما أثبتناه من النسخ والبحار ، وكذلك الموارد التالية.

١١٤

أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها ، وأراد الله عزوجل صلاحهم بما أمره به من ذلك.

ثمّ قال : ( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ) ، وطلع كافراً ، وعلم الله تعالى ذكره أنّه إن بقي كفر أبواه وافتتنا به وضلاّ بإضلاله إيّاهما ، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله ، وأراد بذلك نقلهم إلى محلّ كرامته في العاقبة ، فاشترك بالإبانة بقوله : ( فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ) (١) وإنّما اشترك في الإبانة (٢) ؛لأنّه خشي ، والله لا يخشى؛ لأنّه لا يفوته شيء ولا يمتنع عليه أحدأراده ، وإنّما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ، ووقع في نفسه أنّ الله تعالى ذكره جعله سبباً لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط (٣) الأمر من البشريّة ، مثل ما كان عمل في موسى عليه‌السلام ؛ لأنّه صار

__________________

(١) سورة الكهف ١٨ : ٨٠ ، و٨١.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد بالإبانة طلب الامتياز وإظهار الفضل بنسبة الأفعـال إلى نفسه ، وكـان المناسب أن ينسـب الخشية إلى نفسـه والإرادة إلى الله تعالى ، فنسبة الخشيـة إليه تعالى والإرادة إلى نفسه كان ممّا عمل فيه في وسط الأمر من البشرية . ويمكن أن يكون المراد بالإبانة إظهار أصل الفضل ، ثمّ قوله عليه‌السلام : «لأنّه خشي»يمكن أن يكون تعليلاً لأحد جزأي الاشتراك أعني نسبته إلى نفسه فيكون نسبته إليه تعالى بناءً على التوسّع ؛ لأنّه كثيراً مّا ينسب ما يفعله العبد إلى سيّده ، أو يكون قوله عليه‌السلام : «فعمل فيه وسط الأمر» ، تتمّة للتعليل بك يحبطه عند دقيق النظر ، هذا ماخطر بالبال في هذا المقام ، والله أعلم لحقيقة الحال. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي في وسط الأمر ؛ إذ في أوّل النظر وآخرها نسب الإرادة إلى الله ، وإنّما اشترك في الإرادة في وسطها ، وقيل : وسط الأمر ، فاعل

١١٥

في الوقت مخبراً ، وكليم الله موسى عليه‌السلام مخبراً (١) ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر عليه‌السلام للرتبة على موسى عليه‌السلام وهوأفضل من الخضر ، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين (٢) .

ثمّ قال : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) ، ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولافضّة ، ولكن كان لوحاً من ذهب فيه مكتوب : عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟! عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن؟! عجب لمن أيقن أنّ البعث حقٌّ كيف يظلم؟! عجب لمن يرى الدنيا وتصرّف أهلها حالاً بعد حال كيف يطمئنّ إليها؟! وكان أبوهما صالحاً ، كان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أباً فحفظهما الله بصلاحه ، ثمّ قال : ( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) (٣) ، فتبرّأ من الإبانية في آخر القصص ، ونسب الإرادة كلّهاإلى الله تعالى ذكره في ذلك؛ لأنّه لم يكن بقي شيء ممّا فعله فيخبر به بعدويصير موسى عليه‌السلام به مخبراً ومصغياً إلى كلامه تابعاً له فتجرّد من الإبانيةوالإرادة تجرّد العبد المُخلص ، ثمّ صار متنصّلاً (٤) (٥) ممّا

__________________

عمل ، أي عمل فيه أمر وسط من البشرية ؛ لأنّه ينسب الإرادة إلى نفسه فقط ، بل اشتراك. ولا يخفى (م ق ر رحمه‌الله ).

(١) في «ح» : مخيّراً.

(٢) ورد في حاشية «ج» : أي ليتبيّن له أنّه جاهل لا يعلم إلاّ بتعليمه رتبة.

(٣) سورة الكهف ١٨ : ٨٢.

(٤) في النسخ والبحار متّصلاً ، والظاهر أنّه تصحيف متنصّلاً ، كما ذكر ذلك العلاّمة المجلسي في البحار.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : قوله : ثمّ صار متّصلاً ، لعلّ فيه تضمين معنى الإعراض ، أي : صارمتّصلاً به تعالى معرضاً أو منفصلاً عمّا آتاه أوّلاً ، ويمكن أن

١١٦

أتاه من نسبة الإبانية في أوّل القصّة ، ومن ادّعاء الاشتراك في ثاني القصّة ، فقال : ( رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚوَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) (١) .

ثمّ قال جعفر بن محمّد عليه‌السلام : «إنّ أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ، إنّ أوّل معصية ظهرت : الإبانية (٢) من (٣) إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم ، فسجدوا وأبى إبليس اللعين أن يسجد ، فقال عزوجل : ( مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٤) ، فكان أوّل كفره قوله : ( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ) ، ثمّ قياسه بقوله : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٥) ، فطرده الله عزوجل عن جواره ، ولعنه وسمّاه : رجيماً ، وأقسم بعزّته لايقيس أحد في دينه إلاّ قرنه مع عدوّه إبليس في أسفل درك من النّار» (٦) .

قال مصنّف هذا الكتاب : إنّ موسى عليه‌السلام مع كمال عقله وفضله

__________________

يكون مكان متّصلاًمنفصلاً ، أو متنصّلاً من قولهم : تنصّل إليه ، أي انتفى من ذنبه واعتذر ، ثمّ اعلم أنّه يظهر من هذا الكلام أنّه كان منه عليه‌السلام غفلة في أوّل الأمر أيضاً ، وقد سبق في أوّل الكلام عذر ذلك وأنّه عليه‌السلام إنّما نسب إلى نفسه لمكان التعييب ، فيمكن أن يكون الغفلة أنّه لم يظهر أوّلاً أنّ هذا من أمر ربّي ، بل كان يظهر من كلامه عليه‌السلام أنّه استبدّ بذلك ، فلذااعتذر ورجع عنه. (م ق ر رحمه‌الله ).

(١) سورة الكهف ١٨ : ٨٢.

(٢) في «ج» : الإبانة.

(٣) في المطبوع و«ع ، ل» : عن ، وما أثبتناه من «ج ، ح ، ش ، س ، ن» والبحار.

(٤) سورة الأعراف ٧ : ١٢.

(٥) من قوله : فكان أوّل كفره ، إلى هنا لم يرد في «ع».

(٦) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٣٩١ ، ومعاني الأخبار : ٤٩ ، وأورده المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٢٨٦ / ٤.

١١٧

ومحلّه من الله تعالى ذكره ، لم يستدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر عليه‌السلام حتّى اشتبه عليه وجه الأمر فيه ، وسخط جميع ما كان يشاهده حتّى أخبر بتأويله فرضي ، ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو فنى (١) في الفكر (٢) عمره ، فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم القياس والاستنباط والاستخراج كان مَنْ دونهم من الاُمم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك .

[ ٩٩ / ٢ ] وسمعت أبا جعفر محمّد بن عبدالله بن طيفور الدامغاني الواعظ بـ : فرغانة (٣) يقول في خرق الخضر عليه‌السلام السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار : إنّ تلك إشارات من الله تعالى لموسى عليه‌السلام و[ تعريضات ] (٤) بهاإلى ما يريده من تذكيره لمنن سابقة لله عزوجل عليه نبّهه عليها وعلى مقدارها من الفضل ، ذكّره بخرق السفينة أنّه حفظه في الماء حين ألقته اُمّه في التابوت وألقت التابوت في اليمّ وهو طفل ضعيف لا قوّة له ، فأراد بذلك أنّ الذي حفظك في التابوت الملقى في اليمّ هو الذي يحفظهم في السفينة.

وأمّا قتل الغلام فإنّه كان قد قتل رجلاً في الله عزوجل ، وكانت تلك زلّة عظيمة عند من لم يعلم أنّ موسى نبيّ ، فذكّره بذلك منّته (٥) عليه حين دفع عنه كيد من أراد قتله به.

وأمّا إقامة الجدار من غير أجر؛ فإنّ الله عزوجل ذكّره بذلك فضله فيماأتاه من ابنتَي شعيب حين سقى لهما وهو جائع ولم يبتغ على ذلك

__________________

(١) في «ج ، ح ، س ، ش» : بقي.

(٢) في المطبوع : الكفر.

(٣) مدينة وكورة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان ، انظر معجم البلدان ٤ : ٢٥٣ / فرغانة.

(٤) في المطبوع : وتعريض ، وفي النسخ : تعريضاً. والمثبت كما في البحار.

(٥) في «ح ، ج ، ع» وحاشية «ش» : منّة.

١١٨

أجراً مع حاجته إلى الطعام ، فنبّهه عزوجل على ذلك؛ ليكون شاكراً مسروراً.

وأمّا قول الخضر لموسى عليهما‌السلام : هذا فراق بيني وبينك؛ فإنّ ذلك كان من جهة موسى حيث قال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، فموسى عليه‌السلام هو الذي حكم بالمفارقة لمّا قال له : فلا تصاحبني ، وأنّ موسى عليه‌السلام اختار سبعين رجلاً من قومه لميقات ربّه ، فلم يصبروا بعدسماع كلام الله عزوجل حتّى تجاوزوا الحدّ ، بقولهم : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) (١) فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، ولو اختارهم الله عزوجل لعصمهم ، ولما اختار من يعلم منه تجاوز الحدّ ، فإذا لم يصلح موسى عليه‌السلام للاختيار مع فضله ومحله ، فكيف تصلح الاُمّة لاختيار الإمام بآرائها ، وكيف يصلحون لاستنباط الأحكام واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة وهممهم المتباينة وإراداتهم المختلفة ، تعالى الله عن الرضا باختيارهم عُلوّاً كبيراً.

وأفعال أمير المؤمنين صلوات الله عليه مثلها مثل أفاعيل الخضر عليه‌السلام ، وهي حكمة وصواب وإن جهلوا الناس وجه الحكمة ، والصواب فيها (٢) .

[ ١٠٠ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن علوان ، عن الأعمش ، عن عباية الأسدي ، قال : كان عبدالله بن العبّاس جالساً على شفير زمزم يحدّث الناس ، فلمّا فرغ من حديثه ، أتاه رجل فسلّم عليه ثمّ قال : يا عبدالله ، إنّي رجل من أهل الشام.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٥٥.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩١ / ٥.

١١٩

فقال : أعوان كلّ ظالم إلاّ من عصم الله منكم ، سل عمّا بدا لك.

فقال : يا عبدالله بن عبّاس ، إنّي جئتك أسألك عمّن قتله علي بن أبي طالب عليه‌السلام من أهل لا إله إلاّ الله لم يكفروا بصلاة؟ ولا بحجّ؟ ولابصوم شهر رمضان؟ ولابزكاة؟

فقال له عبدالله : ثكلتك اُمّك ، سل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك.

فقال : ما جئتك أضرب إليك من حمص للحجّ ولا للعمرة ، ولكنّي أتيتك لتشرح لي أمر علي بن أبي طالب عليه‌السلام وفعاله.

فقال له : ويلك ، إنّ علم العالم صعب لا تحتمله ولا تقرّ به القلوب الصدئة (١) ، أُخبرك أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان مثله في هذه الاُمّة كمثل موسى والعالم عليهما‌السلام ؛ وذلك أنّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه : ( قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) فكان موسى يرى أنّ جميع الأشياء قد أُثبتت له ، كما ترون أنتم أنّ علماءكم قد أثبتوا جميع الأشياء ، فلمّا انتهى موسى عليه‌السلام إلى ساحل البحر فلقي العالم ، فاستنطق (٣) بموسى؛ ليصل علمه ، ولم يحسده كما حسدتم أنتم علي بن أبي طالب وأنكرتم فضله ، فقال له موسى عليه‌السلام : ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ) ، فعلم العالم أنّ موسى لايطيق بصحبته ، ولا يصبر على علمه ، فـ( قَالَ ) له :

__________________

(١) أي : هو أن يركبها الرّين بمباشرة المعاصي ، فيذهب بجلائها ، كما يعلو الصدأ وجه المرآةوالسيف ونحوهما. النهاية في غريب الحديث ٣ : ١٤ / صدأ.

(٢) سورة الأعراف ٧ : ١٤٤ و١٤٥.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : أي أنطقه الله بسبب موسى عليه‌السلام ؛ ليصل علم موسى ويقرّ موسى بالجهل ، فلم يحسده موسى. (م ق ر رحمه‌الله ).

١٢٠