معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٣

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٣

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٤٧

(هذَا (١) الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) : لما كان الذكر بمدح وبذم ذكروا أن إبراهيم يذكر آلهتكم بالذم ، دلت على ذلك قرينة الحال ؛ وهم بذكر الرحمن فى موضع الحال ؛ أى كيف ينكرون ذمّك لآلهتهم وهم يكفرون بالرحمن ؛ فهو أحقّ بالملامة. وقيل : معنى بذكر الرحمن تسمية بهذا الاسم ، لأنهم أنكروها ، والأول أغرق فى ضلالهم.

(هذِهِ (٢) أُمَّتُكُمْ) ؛ أى ملّتكم ملة واحدة ، وهذا خطاب للناس كافة أو المعاصرين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(هامِدَةً)(٣) : يعنى لاثبات معها.

(هَمَزاتِ (٤) الشَّياطِينِ) : يعنى حركاتهم ونزغاتهم. وقيل جنونهم. والأول أعم.

(هَباءً)(٥) : هى الأجرام التى لا تظهر إلا حين تدخل الشمس على موضع ضيّق كالكوة. وقد قدمنا أنه النور المتفرق (٦) ، ومنه : (هَباءً مُنْبَثًّا)(٧) ؛ وهو ما سطع بين سنابك الخيل ، من الهبوة ، وهى الغبار.

(هَوْناً)(٨) : رويدا ، يعنى أنهم يمشون بحلم ووقار. ويحتمل أن يكون وصف أخلاقهم فى جميع أحوالهم ؛ وعبر بالمشى على الأرض عن جميع تصرفهم وحياتهم.

(هَضِيمٌ)(٩) ؛ أى ليّن رطب. يعنى أن طلعها يثمر ويرطب.

__________________

(١) الأنبياء : ٣٦

(٢) الأنبياء : ٩٢

(٣) الحج : ٥

(٤) المؤمنون : ٩٧

(٥) الفرقان : ٢٣ ، الواقعة ٦

(٦) فى القرطبى : قال مجاهد : الهباء هو الشعاع الذى يكون فى الكوة كهيئة الغبار.

(٧) الواقعة : ٦

(٨) الفرقان : ٦٣

(٩) الشعراء : ١٤٨

٣٠١

(هؤُلاءِ (١) الَّذِينَ أَغْوَيْنا) : الإشارة إلى أتباعهم من الضعفاء.

فإن قلت : كيف الجمع بين قولهم : (أَغْوَيْناهُمْ) وبين قولهم : ((٢) تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) ، فإنهم اعترفوا بإغوائهم وتبرءوا مع ذلك منهم؟

فالجواب أن إغواءهم لهم هو قولهم لهم بالشرك. والمعنى إنا حملناهم على الشّرك كما حملنا أنفسنا عليه ، ولكن لم يكونوا يعبدونهم ؛ وإنما كان يعبدون غيرهم من الأصنام وغيرها ، فتبرأنا إليك عن عبادتهم لها ؛ فتحصّل من كلام هؤلاء الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم أغووا الضعفاء وتبرّءوا من أن يكونوا هم آلهتهم ؛ فلا تناقض فى الكلام. وقد قيل فى الآية غير هذا مما هو تكلّف بعيد.

(هَلْ (٣) لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) : هذا مثل مضروب ، معناه أنكم أيها الناس لا يشارككم عبيدكم فى أموالكم ، ولا يسعون معكم فى أحوالكم ، فكذلك الله لا يشاركه عبيده فى ملكه ، ولا يماثله أحد فى ربوبيته. فذكر حرف الاستفهام ، ومعناه التقرير على النفى ، ودخل فيه قوله (٤) : (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ؛ أى لستم فيه سواء مع عبيدكم ، ولستم تخافونهم كما تخافون الأحرار مثلكم ، لأن العبيد عندكم أقل من ذلك.

(هَلُمَ (٥) إِلَيْنا) هذا من قول المنافقين الذين قعدوا بالمدينة عن الجهاد ، كانوا يقولون لقرابتهم وأخلّائهم من المنافقين : هلمّ إلى الجلوس معنا بالمدينة وترك القتال.

(هَلْ (٦) يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) ؛ أى عاقبة أمره وما يؤول إليه من ظهور ما نطق من الوعد والوعيد.

__________________

(١) القصص : ٦٣

(٢) القصص : ٦٣

(٣) الروم : ٢٨

(٤) الروم : ٢٨

(٥) الأحزاب : ١٨

(٦) الأعراف : ٥٣

٣٠٢

(هَلْ (١) أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) : جاءت هذه القصة بلفظ الاستفهام تنبيها للمخاطب ودلالة على أنها من الأخبار العجيبة التى ينبغى أن يلقى البال لها.

(هذا (٢) أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) : هذا من حكاية كلام أحد الخصمين. والأخوة هنا أخوة الدين. ومنه الحديث : إذا ضرب أحدكم أخاه فليجتنب الوجه.

والنّعجة تقع فى اللغة على أنثى بقر الوحش ، وعلى أنثى الضأن ؛ وهى هنا عبارة عن المرأة ، وكأنه لم يرد الإفصاح بقصة داود مع امرأة أوريا ، وإنما ضرب له المثل لينتبه. (هذا) ذكر الإشارة إلى ما تقدم فى هذه السورة من ذكر الأنبياء وقيل الإشارة إلى القرآن بحملته.

والأول أظهر ، فكأن قوله (هذا) ذكر ختام للكلام المتقدم ، ثم شرع بعده فى كلام آخر كما يتم المؤلّف بابا ثم يقول هذا باب ، ثم يشرع فى آخر.

(هذا ، وَإِنَ (٣) لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) تقديره : الأمر هذا. لما تم ذكر أهل الجنة ختمه بقوله : هذا ، ثم ابتدأ وصف أهل النار ، ويعنى بالطاغين الكفار.

(هذا (٤) فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) : هذا مبتدأ وخبره حميم ، وفليذوقوه اعتراض بينهما.

(هَلْ (٥) هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) : أهذه الآية تدل على رحمانية الله وترد على المشركين فى عبادتهم الأصنام.

__________________

(١) ص : ٢١

(٢) ص : ٢٣

(٣) ص : ٥٥

(٤) ص : ٥٧

(٥) الزمر : ٣٨

٣٠٣

وسببها أنهم خوّفوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها فنزلت الآية مبينة أنهم لا قدرة لهم.

فإن قلت : كيف قال كاشفات وممسكات بالتأنيث؟

فالجواب : أنها لا تعقل فعاملها معاملة المؤنث. وأيضا ففي تأنيثها تحقير لها وتهكّم بمن عبدها.

(هذِهِ (١) أَبَداً) : هو قول الوليد بن المغيرة ، وأنكر بقوله أن يكون الله تفضّل عليه. وهذا إنكار للبعث ، لقوله بعده : (وَما (٢) أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً). ومعناه إن بعثت على زعمكم فلى الجنة ، وهذا تخرّص وتكبّر من الوليد.

(هذِهِ الْأَنْهارُ (٣) تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) : هذا من قول فرعون ، ويعنى بالأنهار الخلجان الكبار الخارجة من تحت النيل ، وكانت تجرى تحت قصوره. وقد قدمنا أنها أنهار (٤) الإسكندرية ودمياط وتنيس ، وطولون.

(هذا (٥) إِفْكٌ قَدِيمٌ) : هذا من قول من لم يهتد بالقرآن ، ووصفوه بالقدم لأنه قد قيل قديما.

فإن قلت : كيف عمل (فَسَيَقُولُونَ) فى (إِذْ) وهى للماضى ، والعامل مستقبل؟

فالجواب أنّ العامل فى إذ محذوف تقديره إذ لم يهتدوا به من عنادهم فسيقولون ؛ قال (٦) ذلك الزمخشرى. ويظهر لى أنّ إذ هنا بمعنى التعليل فى القرآن

__________________

(١) الكهف : ٣٥

(٢) الكهف : ٣٦

(٣) الزخرف : ٥١

(٤) فى القرطبى (١٦ ـ ٩٨) : يعنى أنهار النيل ، ومعظمها أربعة : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس.

(٥) الأحقاف : ١١

(٦) الكشاف : ٢ ـ ٣٧٠

٣٠٤

وفى كلام العرب ، ومنه : (وَلَنْ (١) يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ).

(هل (٢) عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) : خاطب بهذا المنافقين المذكورين ، وخرج من الغيبة إلى الخطاب ، ليكون أبلغ فى التوبيخ ، ومعناها هل يتوقّع منكم إلا فساد فى الأرض ، وقطع الأرحام. إن توليتم ؛ أى صرتم ولاة على الناس ، وصار الأمر لكم ؛ وعلى هذا قيل : إنها نزلت فى بنى أمية. وقيل معناه : أعرضتم عن الإسلام.

(ها أَنْتُمْ (٣) هؤُلاءِ) : منصوب على التخصيص ، أو منادى : ناداهم إلى الإيمان بالله والإنفاق فى سبيله.

(هذا (٤) ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) : قد قدمنا أنه من قول القرين ؛ ومعناه هذا الإنسان حاضر لدىّ قد أعتدته ويسّرته لجهنم.

(هَلْ (٥) مِنْ مَزِيدٍ) : اختلف هل تتكلم جهنم بهذا ، أو مجاز بلسان الحال. والأظهر أنه حقيقة ؛ وذلك على الله يسير ، ومعنى طلب زيادتها أنها لم تمتلئ. وقيل معناه لا مزيد ؛ أى ليس عندى موضع للزيادة ؛ فهى على هذا قد امتلأت. والأول أظهر وأرجح ، لما ورد فى الحديث : لا تزال جهنّم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع الجبّار فيها قدمه ؛ أى خلقا سماه القدم ، أو قدرته ؛ لأن الجارحة تستحيل فى حق الله سبحانه. وقيل : إن الخطاب من خزنتها. والمزيد يحتمل أن يكون مصدرا كالمحيض ، أو اسم مفعول ؛ فإن كان مصدرا فوزنه مفعل ، وإن كان اسم مفعول فوزنه مفعول.

(هذا (٦) ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) : هذا من كلام الله يحتمل أن

__________________

(١) الزخرف : ٣٩

(٢) محمد : ٢٢

(٣) محمد : ٣٨

(٤) ق : ٢٣

(٥) ق : ٣٠

(٦) ق : ٣٢

٣٠٥

يقوله لاهل الجنة عند إزلافها (١) ، كما قال فى الآية الأخرى : (هذا (٢) يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ). ويحتمل أن يكون خطابا لهذه الأمّة.

والأوّاب الحفيظ : هو الذى يمتثل أمر الله ، ويترك نواهيه.

(هَلْ (٣) أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) : المراد بهذا الاستفهام التفخيم والتهويل ؛ ووصفهم بالمكرمين لأن الملائكة مكرمون ، أو لأنه خدمهم بنفسه أو أخدمهم امرأته.

(هذا (٤) نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) : قد قدمنا أنّ الإشارة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حرف النون.

(هَمَّازٍ)(٥) : هو الذى [٢٧٢ ب] يعيب الناس. وأصل الهمز الغمز. وقيل لبعض العرب : الفأرة تهمز؟ فقال : السنور يهمزها.

(هل (٦) تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) ، أى من بقية. وقيل : من فئة باقية. وقيل : إنه مصدر بمعنى البقاء.

(هاؤُمُ (٧) اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) : هاؤم اسم فعل. قال ابن عطية : تعالوا. وقال الزمخشرى (٨) : هو صوت يفهم منه معنى خذ. وكتابيه مفعول يطلبه هاؤم ، واقرءوا من طريق المعنى ، تقديره هاؤم كتابى اقرءوا كتابى ، ثم حذف الأول لدلالة الأخير عليه ، وعمل فيه العامل الثانى ، وهو اقرءوا عند البصريين. والعامل الأول وهو هاؤم عند الكوفيين. والدليل على صحة قول البصريين أنه لو أعمل الأول لقال اقرءوه. والهاء فى كتابيه للوقف ، وكذلك فى حسابيه ، وماليه ،

__________________

(١) فى الآية (٣١) قبلها : وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد.

(٢) الأنبياء : ١٠٣

(٣) الذاريات : ٢٤

(٤) النجم : ٥٦

(٥) القلم : ١١

(٦) الحاقة : ٨

(٧) الحاقة : ١٩

(٨) الكشاف : ٢ ـ ٤٨٦

٣٠٦

وسلطانيه ؛ وكان الأصل أن تسقط فى الوصل لكنها ثبتت فيه مراعاة لخط المصحف. وقد أسقطها فى الوصل بعضهم. ومعنى الآية أن العبد الذى يعطى كتابه بيمنه يقول للناس : اقرءوا كتابيه على وجه الاستبشار والسرور بكتابه.

(هَلَكَ (١) عَنِّي سُلْطانِيَهْ) : هذا من قول الشقىّ ، يقول : زال عنى ملكى وقدرتى حين يعاين العذاب. وقيل : ذهبت عنى حجّتى. ومنه قوله (٢) : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).

(هَلُوعاً)(٣) : قد فسره ، وهو قوله : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً). وذكر الله ذلك على وجه الذم لهذا الخلق ، ولذلك استثنى منه المصلّين ؛ لأن صلاتهم تحضّهم على قلة الاكتراث بالدنيا ، فلا يجزعون من شرّها ولا يبخلون بخيرها.

(هزل) (٤) : لعب ولهو ، يعنى أن هذا القرآن جدّ كله لا هزل فيه.

(هُدىً)(٥) ، بضم الهاء : له سبعة وعشرون وجها :

بمعنى الثبات : (اهْدِنَا (٦) الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ). والبيان : (أُولئِكَ (٧) عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ). والدين : (إِنَ (٨) الْهُدى هُدَى اللهِ). والإيمان : (وَيَزِيدُ (٩) اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً). والدعاء : (وَلِكُلِ (١٠) قَوْمٍ هادٍ). (وَجَعَلْناهُمْ (١١) أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا). وبمعنى الرسل والكتاب : (فَإِمَّا (١٢) يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً). والمعرفة : (وَبِالنَّجْمِ (١٣) هُمْ يَهْتَدُونَ). والنبى صلى الله

__________________

(١) الحاقة : ٢٩

(٢) يوسف : ٤٠

(٣) المعارج : ١٩

(٤) الطارق (١٤) : وما هو بالهزل.

(٥) آل عمران ٤ ، وغيرها.

(٦) الفاتحة : ٦

(٧) لقمان : ٥

(٨) آل عمران : ٢٣

(٩) مريم : ٧٦

(١٠) الرعد : ٧

(١١) الأنبياء : ٧٣

(١٢) طه : ١٢٣

(١٣) النحل : ١٦

٣٠٧

عليه وسلم : (إِنَ (١) الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى). وبمعنى القرآن (٢) : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى). والتوراة : (وَلَقَدْ (٣) آتَيْنا مُوسَى الْهُدى). والاسترجاع (٤) : (أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). والحجة : ((٥) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ). ثم قال بعده : (وَاللهُ (٦) لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، أى لا يهديهم حجة. والتوحيد : (نَتَّبِعِ (٧) الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا). والسنة : (فَبِهُداهُمُ (٨) اقْتَدِهْ). (وَإِنَّا (٩) عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ). والإصلاح (أَنَ (١٠) اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ). والإلهام : (أَعْطى (١١) كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، أى ألهم المعاش. والتوبة : (إِنَّا هُدْنا (١٢) إِلَيْكَ). والإرشاد : (أَنْ (١٣) يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ).

(هون) (١٤) : هوان وذلة.

(هجر) (١٥) : من الهجران. وبمعنى الهجر أيضا ، وهو فحش الكلام ، وقد يقال فى هذا أهجر بالألف.

(هُمْ (١٦) نَجْوى) الإشارة إلى الذين لا يؤمنون بالآخرة ، يعنى أنهم جماعة يتناجون ، فأخبر الله أنه يعلم ما يتناجون به.

(هُنالِكَ (١٧) الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) : ظرف يحتمل أن يكون العامل فيه منتصرا ، أو يكون فى موضع خبر الولاية ، وهى بكسر الواو بمعنى الرئاسة والملك ، وبفتحها من الموالاة والمودة.

(هُدُوا (١٨) إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله ، واللفظ

__________________

(١) البقرة : ١٥٩ (٢) النجم : ٢٣

(٣) غافر : ٥٣

(٤) البقرة : ١٥٧

(٥) البقرة : ٢٥٨

(٦) البقرة : ٢٥٨

(٧) القصص : ٥٧

(٨) الأنعام : ٩٠

(٩) الزخرف : ٢٢

(١٠) يوسف : ٥٢

(١١) طه : ٥٠

(١٢) الأعراف : ١٥٦

(١٣) القصص : ٢٢

(١٤) الإنعام : ٩٣ ، الأحقاف ٢٠

(١٥) المزمل ١٠

(١٦) الإسراء : ٤٧

(١٧) الكهف : ٤٤

(١٨) الحج : ٢٤

٣٠٨

أعمّ من ذلك ، (وصِراطِ الْحَمِيدِ) : صراط الله ؛ فالحميد : اسم الله. ويحتمل أن يريد الصراط الحميد ، وأضاف الصفة إلى الموصوف ، كقوله : مسجد الجامع.

(هُوَ (١) أُذُنٌ) ، أى يسمع كلّ ما يقال له ويصدّقه ، وكانوا يؤذون بهذا القول سيدنا ومولانا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(هُمَزَةٍ)(٢) : هو على الجملة الذى يعيب الناس ويأكل أعراضهم ، واشتقاقه من الهمز واللّمز ، وصيغة فعلة للمبالغة. واختلف فى الفرق بين الكلمتين ، فقيل : الهمز فى الحضور ، واللّمز فى الغيبة ، وقيل بالعكس. وقيل الهمز بالعين واليد ، واللمز باللسان. وقيل هما سواء.

ونزلت السورة فى الأخنس بن شريق ؛ لأنه كان كثير الوقيعة فى الناس ؛ ولفظها مع ذلك على العموم فى كلّ من اتّصف بهذه الصفات.

(الهاء) : اسم ضمير غائب يستعمل فى الجر والنصب ، نحو (٣) : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ).

وحرف للغيبة ، وهو اللاحق لإيّا. وللسكت ، نحو : (ما هِيَهْ)(٤). (كِتابِيَهْ)(٥). (حِسابِيَهْ)(٦). (مالِيَهْ)(٧). (سُلْطانِيَهْ)(٨). (لَمْ يَتَسَنَّهْ)(٩) وقرئ بها فى أواخرها آى الجمع ، كما تقدم وقفا.

(ها) ترد اسم فعل بمعنى خذ ، ويجوز مدّ (١٠) ألفه فيتصرف حينئذ للمثنى والجمع ، نحو (١١) : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ). واسما ضميرا للمؤنث ؛ نحو (فَأَلْهَمَها (١٢) فُجُورَها وَتَقْواها).

__________________

(١) التوبة : ٦١

(٢) الهمزة : ١

(٣) الكهف : ٣٧

(٤) القارعة : ١٠

(٥) الحاقة : ٢٥

(٦) الحاقة : ٢٦

(٧) الحاقة : ٢٨

(٨) الحاقة : ٢٩

(٩) البقرة : ٢٥٩

(١٠) فى ا : حذف.

(١١) الحاقة : ٢٥

(١٢) الشمس : ٨

٣٠٩

وحرف تنبيه ، فتدخل على (١) الإشارة ؛ نحو هؤلاء ، هاذان خصمان. هاهنا. وعلى ضمير الرفع ؛ نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ). وعلى نعت أىّ فى النداء ؛ نحو : يأيها الناس. ويجوز فى لغة أسد حذف ألف هذه وضمها اتباعا ، وعليه قراءة : ((٢) أَيُّهَ الثَّقَلانِ).

(هات) : فعل أمر لا يتصرف ، ومن ثم ادّعى بعضهم أنه اسم فعل.

(هَلْ) : حرف استفهام يطلب به التصديق دون التصوّر ، ولا يدخل على منفىّ ولا شرط ، ولا أن ، ولا اسم بعده فعل غالبا ، ولا عاطف.

قال ابن سيده : ولا يكون الفعل معها إلا مستقبلا ، وردّ بقوله : ((٣) فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا).

وترد بمعنى «قد» ، وبه فسر : (هَلْ (٤) أَتى عَلَى الْإِنْسانِ).

وبمعنى النفى ، نحو : (هَلْ (٥) جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). وقد قدمنا فى معانى الاستفهام مباحث غير هذا.

(هَلُمَّ) : دعاء إلى الشيء ؛ وفيه قولان :

أحدهما أن أصله «ها ولم» من قولك : لممت الشيء ، أى أصلحته ، فحذفت الألف وركب. وقيل أصله هل أمّ ، كأنه قيل : هل لك فى كذا ، أمّه ؛ أى اقصده فركّبا. ولغة الحجاز تركه على حاله فى التثنية والجمع ، وبها ورد القرآن ، ولغة تميم إلحاقه (٦) العلامة.

(هنا) : اسم يشار به للمكان القريب ؛ نحو (٧) : (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).

__________________

(١) فى الإتقان : وعلى ضمير الرفع المخبر عنه بإشارة.

(٢) الرحمن : ٣١

(٣) الأعراف : ٤٤

(٤) الإنسان : ١

(٥) الرحمن : ٦٠

(٦) فى الإتقان : الحاقة العلامات.

(٧) المائدة : ٢٤

٣١٠

وتدخل عليه اللام والكاف فيكون للبعيد ؛ نحو : (هُنالِكَ (١) ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ). وقد يشار به للزمان اتساعا ، وخرّج عليه (٢) : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ). (هُنالِكَ (٣) دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ).

(هَيْتَ)(٤) : اسم فعل بمعنى أسرع وبادر ؛ قاله (٥) فى المحتسب.

(هيهات) : اسم فعل بمعنى بعد ؛ قال تعالى (٦) : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) ، ابعد لما توعدون ؛ قاله الزجاج. قيل : وهذا غلط أوقعه فيه اللام ، فإن تقديره بعد الأمر لما توعدون ؛ أى لأجله.

وأحسن منه أن اللام لتبيين الفاعل ، وفيها لغات ؛ قرئ منها بالفتح ، وبالضم وبالخفض مع التنوين فى الثلاثة وعدمه.

__________________

(١) الأحزاب ١١

(٢) يونس : ٣٠

(٣) آل عمران : ٣٨

(٤) يوسف : ٢٣

(٥) المحتسب : ١ ـ ٣٣٧

(٦) المؤمنون : ٣٦

٣١١

حرف الواو

(وَيْلٌ) : كلمة شرّ ، وقد قدمنا معناه ؛ قال الأصمعى : (وَيْلٌ) كلمة قبح وويس استصغار ، وويح ترحم.

(واسِعٌ)(١) : جواد لما يسأل. ويقال الواسع المحيط بعلم كلّ شىء ، كما قال (وَسِعْتَ (٢) كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً). ووسع يسع سعة من الاتساع ، ضد الضيق ، وموسع (٣) : غنى ؛ أى واسع الحال ، وهو ضد المقتر ((٤) وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ). قيل أغنياء. وقيل قادرون. وإلا وسعها (٥) : طاقتها.

(وَدَّ) يود : له معنيان : من المودة والمحبة ، وبمعنى التمنى ؛ نحو : (وَدَّ (٦) كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ)(٧). (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ). والودّ بالضم : المحبة. وقد قدمنا أنه اسم صنم عبد من دون الله.

(وَسَطاً)(٨) : الوسط من كل شىء : خياره ، وكيف لا تكون هذه الأمة خيارا وهم يشهدون يوم القيامة للأنبياء بإبلاغ الرسالة إلى أممهم.

فإن قلت : لم أخر المجرور فى هذه الآية (٩) : (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ، وقدمه فى قوله : (عَلَيْكُمْ (١٠) شَهِيداً)؟

فالجواب أن تقديم المعمولات يفيد الحصر ؛ فقدمه لاختصاص شهادة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمته ، ولم يقدمه فى الأمة لأنه لم يقصد الحصر.

فإن قلت : هل الأمة يشهدون كلهم ؛ برهم وفاجرهم ، أو لا يشهد إلا لمن هو أهل لذلك؟

__________________

(١) البقرة : ١١٥

(٢) غافر : ٧

(٣) البقرة (٢٣٦) : على الموسع قدره.

(٤) الذاريات : ٤٧

(٥) البقرة : ٢٣٣ ، وغيرها.

(٦) البقرة : ١٠٩

(٧) النساء : ٨٩

(٨) البقرة : ١٤٣

(٩) البقرة : ١٤٣

(١٠) البقرة : ١٤٣

٣١٢

والجواب أن لفظ الآية عام ، لكن الذى يظهر من لفظ الآية أنه لا يشهد إلا العدول ، فلا يشهد منها إلا خيارها ، والحكم هناك كالحكم هنا ؛ وقد قال : (مِمَّنْ (١) تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ). وأيضا قد ذكر فى حديث قوم نوح أنهم يقولون : كيف يشهد علينا من لم يحضرنا؟ فيقولون : يا ربنا ، أنزلت علينا كتابا فوجدنا فيه قصّتهم ، ثم يقرءون سورة نوح ؛ فهذا لا يكون جوابا إلا ممن له علم بالكتب ؛ وكثير من هذه الأمة [٢٧٣ ب] لا يعلمون من الكتاب شيئا ، ومن طريق النظر من هذه الأمة إذ ذاك فى نوع من أنواع العذاب كيف يستشهدون؟ وكيف تقبل لهم شهادة؟ فإذا كان العالم الذى لا يخفى عليه شىء لا يحكم بعلمه فيما بيننا فى ذلك اليوم ، فكيف بالغير؟ فيا أخا البطالة والتلويث لنفسك ، انتبه ، الحاكم قد زكاك وأنت بما ارتكبت من قبيح الأوصاف تجرح نفسك ، وبذلك تفرح ، فقد خضت بحار المهالك ، وعلى عقبك من الخير نكصت ، أعلمك بهذه الرتبة الرفيعة لعلك تحافظ عليها فتكون ممن يشهد إذ ذاك ، فأعرضت عن الشهادة على غيرك ، وتعرضت لشهادة جوارحك عليك! بئس ما استبدلت! وقد جاء أنّ أول من يساق للحساب الذى العرش على كاهله والعرق يتحدر على جبينه ؛ فيقول الله له : ما صنعت بعهدى؟ فيقول : يا رب ، بلّغته جبريل ، فيؤتى بجبريل ، فيقول له الحق جل جلاله : هل بلغك إسرافيل عهدى؟

فيقول : نعم ، فيخلّى حينئذ عن إسرافيل ، ويسأل جبريل فيقول عزوجل له : ما صنعت فى عهدى؟ فيقول : يا رب ، بلغته الرسل ؛ فيؤتى بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فيقول لهم : هل بلغكم جبريل عهدى؟ فيقولون :

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢

٣١٣

نعم ، فحينئذ يخلى عن جبريل ؛ فأول من يسأل من الرسل نوح عليه‌السلام ، فيكون من قصته ما ورد فى الحديث ـ أنه يجاء بنوح عليه‌السلام ، فيقال له : هل بلّغت؟ فيقول : نعم يا رب ، فتسأل أمّته : هل بلغكم؟ فيقولون : ما جاءنا من نذير. فيقال : من شهودك؟ فيقول : محمد وأمته. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فيجاء بكم فتشهدون ؛ ثم قرأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَكَذلِكَ (١) جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).

فإن قلت : يعارضنا هنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوّل من يحاسب من يجوز على الصراط.

والجواب : أنه ليس بينهما تعارض ؛ لأن حساب الأمم على نوعين ؛ وبذلك يجمع الحديثان ، ولا يبقى بينهما تعارض ؛ وهو أن النوع الأول أن تسأل الأمم : بلّغهم الرسل أم لا؟ فهذا الذى يتقدم جميع الأمم على هذه الأمة ؛ لأنهم هم الشهود عليهم ؛ فلا بد من حضورهم إلى آخر الأمم.

والنوع الآخر هو سؤال الأمم كلّ شخص منهم منفردا عن عمله بمقتضى شريعته ؛ فهذا الذى تكون هذه الأمة أوّل من يحاسب. وسيّدنا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاهد ، كما قال تعالى : (وَجِئْنا (٢) بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) تقديره : كيف يكون الحال إذا جئنا بنبىّ يشهد على أمته بأعمالهم. ولما قرأها ابن مسعود على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذرفت عيناه بالدموع ، وقال : حسبك يا ابن مسعود ؛ (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) ؛ أى لا يمتنعوا إذا دعوا إلى أداء الشهادة. وقد ورد تفسيره بذلك عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

واتفق العلماء على أنّ أداء الشهادة واجب إذا دعى إليها. وقيل : إذا دعوا

__________________

(١) البقرة : ١٤٣

(٢) النساء : ٤١

٣١٤

إلى تحصيل الشهادة وكتبها. وقيل إلى الأمرين : (وَلا تَسْئَمُوا)(١) ؛ أى لا تملّوا من الكتابة إذا ترددت وكثرت ، سواء كان الحق صغيرا أو كبيرا ، ونصب صغيرا (٢) على الحال.

(وَأَشْهِدُوا (٣) إِذا تَبايَعْتُمْ) : هذا أمر يفهم منه الإشهاد ؛ وأهل الظاهر أوجبوه خلافا للجمهور. وذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله : (فَإِنْ (٤) أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، وذهب قوم إلى أنه على الندب.

(وَلا يُضَارَّ (٥) كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) : يحتمل أن يكون كاتب فاعلا على تقدير كسر الراء المدغمة من يضار. والمعنى على هذا نهى للكاتب والشهيد أن يضرّا صاحب الحق ، أو الذى عليه الحق بالزيادة فيه أو النقصان منه والامتناع من الكتابة أو الشهادة.

ويحتمل أن يكون (كاتِبٌ) مفعولا لم يسم فاعله على تقدير فتح الراء المدغمة ، ويقوّى ذلك قراءة عمر بن الخطاب : لا يضارر ، بالتفكيك وفتح الراء.

والمعنى النهى عن الإضرار بالكاتب والشهيد ، بإذايتهما بالقول أو بالفعل.

(وَإِنْ (٦) تَفْعَلُوا) ؛ أى وقعتم فى الإضرار فإنه فسوق حالّ بكم.

(وَاللهُ (٧) يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) ، يعنى أنّ النصر بمشيئة الله لا بالقلّة [٢٧٤] ولا بالكثرة ، فإن فئة المسلمين غلبت فئة الكافرين مع أنهم كانوا أكثر منهم.

(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) ؛ أى من نعيم الجنة حسبما ورد فى الحديث ـ أنه يقول لهم : تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون : قد أعطيتنا بغيتنا ، فيقول : أزيدكم رضوانى فلا أسخط عليكم أبدا ، فلو لا الرضوان لم يطب لهم نعيمها لتخوّفهم من فراقها.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢

(٢) فى الآية نفسها : أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا ..

(٣) البقرة : ٢٨٢

(٤) البقرة : ٢٨٣

(٥) البقرة : ٢٨٢

(٦) البقرة : ٢٨٢

(٧) آل عمران : ١٣ (٨) آل عمران ، آية ١٥

٣١٥

(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ (١) وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) : هذا من كلام عيسى. وروى أنهم كانوا يجمعون إليه الجماعة من العميان والبرصاء ، فيدعو لهم فيبرءون ، ويضرب بعصاه الميت أو القبر فيقوم الميت ويكلّمه.

وروى أنه أحيا سام بن نوح ، وكان يقول : فلان أكلت كذا ، وادخرت فى بيتك كذا.

(وَمُصَدِّقاً)(٢) : عطف على رسولا : أو على موضع بآية من ربكم ؛ لأنه فى موضع الحال ؛ وهو أحسن ؛ لأنه من جملة كلام عيسى على تقدير : جئتكم بآية وجئتكم مصدقا ؛ ولأحلّ لكم عطف على بآية.

وكانوا قد حرّم عليهم الشحم ولحم الإبل وأشياء من الحيتان والطير ؛ فأحلّ لهم عيسى بعض ذلك.

(وَجِيهاً (٣) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ...) إلى آخر الآيات : حال. (وَيُعَلِّمُهُ)(٤) معطوفة ؛ إذ التقدير ومعلما للكتاب. ورسولا يضمر له فعل ، تقديره أرسل رسولا أو جاء رسولا.

(وَما كانَ (٥) مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : نفى للاشراك الذى هو عبادة الأوثان. ودخل فى ذلك الإشراك الذى يتضمّنه دين اليهود والنصارى.

(وَأَنَا مَعَكُمْ (٦) مِنَ الشَّاهِدِينَ) : تأكيد للعهد بشهادة الله جلّ جلاله.

(وَشَهِدُوا)(٧) عطف على أيمانهم ؛ لأن معناه بعد أن آمنوا. وقيل الواو للحال. وقال ابن عطية : عطف على كفروا ، والواو لا ترتب.

__________________

(١) آل عمران : ٤٩

(٢) آل عمران : ٥٠

(٣) آل عمران : ٤٥

(٤) آل عمران : ٤٨

(٥) آل عمران : ٦٧

(٦) آل عمران : ٨١

(٧) آل عمران : ٨٦

٣١٦

(وَلَوِ افْتَدى (١) بِهِ) : قيل هذه الواو زائدة. وقيل للعطف على محذوف ، كأنه قال : لن يقبل من أحدهم لو تصدق به ، ولو افتدى به. وقيل نفى أوّلا القبول جملة على الوجوه كلها ، ثم خص الفدية بالنفس ، كقولك : أنا لا أفعل أصلا ولو رغبت إلىّ.

(وَمَنْ كَفَرَ) : عطف على (مَنِ (٢) اسْتَطاعَ) ؛ أى من استطاع الوصول إلى مكة بصحة البدن إما راجلا وإما راكبا مع الزاد المباح والطريق الآمن ، أو الزاد والراحلة ـ فواجب عليه الحج. ومن لم يحجّ فقد كفر ، وعبّر عنه بالكفر تغليظا ؛ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ومن ترك الصلاة فقد كفر ؛ فإنّ الله غنى عنه ، ولا يعود وبال ذلك إلا عليه.

وفى الحديث : " من مات ولم يحجّ ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من النفاق". وقيل : إنما عبر بالكفر إشارة إلى من زعم أنّ الحج ليس بواجب.

(وَاعْتَصِمُوا (٣) بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) ؛ أى تمسّكوا بحبل الله. وهو القرآن ، وقيل الجماعة ، ولا تفرّقوا فتفشلوا ؛ لأن الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ، ومن فارق الجماعة شبرا خلع ربقة الإسلام من عنقه ؛ ولأجل الألفة والجماعة أمر الله باجتماع كلّ درب ومحلة فى اليوم خمس مرات ، وفى الجمعة لأهل البلد حتى إنها لا تصح إلا فى العتيق فى العيدين الكبير والصغير وفى عرفة لأهل الأرض كلّهم ، كلّ ذلك للجمع.

(وَلِيَعْلَمَ)(٤) : متعلق بمحذوف تقديره : أصابكم ما أصاب ليعلم ذلك علما ظاهرا لكم تقوم به الحجة عليكم ، ويتخذ منكم شهداء فى قتلكم يوم أحد ، وليمحّص الله المسلمين ؛ لأن إحالة الكفار عليهم تمحيصا لهم ، ونصر المؤمنين على الكفار هلاك لهم.

__________________

(١) آل عمران : ٩١

(٢) آل عمران : ٩٧

(٣) آل عمران : ١٠٣

(٤) آل عمران : ١٤٠

٣١٧

(وَلَقَدْ (١) صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد وعد المسلمين عن الله بالنصر ، فنصرهم الله أولا ، وانهزم المشركون ، وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا ، (وَعَصَيْتُمْ) ؛ أى خالفتم ما أمرتم به من الثبوت ، وجاءت المخاطبة فى هذا لجميع المؤمنين وإن كان المخالف بعضهم ، ووعظا للجميع وسترا على من فعل ذلك.

(وَلَقَدْ (٢) عَفا عَنْكُمْ) إعلام بأنّ الذّنب كان يستحقّ أكثر مما نزل بهم من الهزيمة ، لو لا عفو الله عنهم ؛ فمعناه لقد أبقى عليكم. والرسول يدعوكم فى أخراكم ؛ أى كان يقول فى ساقتهم : إلىّ عباد الله ؛ ففيه مدح له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعتب لهم ؛ لأن الأخرى هو موقف الأبطال ؛ وكيف [٢٧٤] لا وبه يتأنّس الجيش ، ويؤمن من العدو ، وعاتبهم على عدم الوقوف معه.

(وَطائِفَةٌ (٣) قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) : هم المنافقون. كانوا خائفين من رجوع المشركين إليهم.

(وَلِيَبْتَلِيَ (٤) اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) يتعلق بفعل ، تقديره : فعل بكم ذلك ليبتلى.

(وَلَئِنْ (٥) قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ...) الآية : تخبر بأن مغفرة الله تعالى ورحمته تعمّ إذا قتلوا أو ماتوا فى سبيل الله خير لهم مما يجمعون من الدنيا.

(وَلَوْ كُنْتَ (٦) فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) : وصف الله رسوله باللين واللطف لأصحابه ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره ، وقد أمره الله بالغلظ على الكفّار ؛ وبهذا وصف الله الصحابة بأنهم كانوا أشدّاء على الكفار رحماء بينهم.

(وَقِيلَ لَهُمْ (٧) : تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) من

__________________

(١) آل عمران : ١٥٢

(٢) آل عمران : ١٥٢

(٣) آل عمران : ١٥٤

(٤) آل عمران : ١٥٤

(٥) آل عمران : ١٥٧

(٦) آل عمران : ١٥٩

(٧) آل عمران : ١٦٧

٣١٨

لطف الله بهذه الأمة أنه لم يعيّن المخالف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الموافق ؛ لأنه تعالى أراد السّتر على عباده ؛ فأبشر يا محمدىّ بما أنعم الله به عليك حيث ستر على عدوّك.

والمراد بهذه الآية عبد الله بن أبىّ بن سلول ؛ لأنه لم يرد الخروج إلى المشركين يوم أحد ، فلما خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضب ، وقال : أطاعهم وعصانى ، فرجع ورجع معه نحو ثلاثمائة رجل ، فمشى فى أثرهم عبد الله بن عمرو الأنصارى ، فقال : يا قوم ، ارجعوا وقاتلوا فى سبيل الله ، (أَوِ ادْفَعُوا) يعنى عن المسلمين إن لم تقاتلوا ؛ فقال له عبد الله بن أبى : (لَوْ نَعْلَمُ (١) قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ).

(وَيَسْتَبْشِرُونَ (٢) بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) : المعنى أنهم يفرحون بإخوانهم الذين بقوا فى الدنيا من بعدهم ؛ لأنهم يرجون أن يشتهدوا مثلهم ، فينالوا ما نالوا من الأمن وعدم الحزن.

وسبب نزول الآية أن جماعة من الصحابة استشهدوا فقال لهم الحقّ تعالى : " تمنّوا ما تريدون" ؛ فقالوا : الرجوع إلى الدنيا للشهادة فى سبيلك ؛ فقال : سبق فى أزلى أنه لا يرجع إلى الدنيا أحد ؛ فقالوا : أعلم إخواننا الذين بقوا فيها أنك رضيت عنّا وأرضيتنا؟

(وَلا يَحْزُنْكَ (٣) الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) : الخطاب لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سلاه الله بهذه الآية. والمسارعون إلى الكفر المنافقون أو الكفّار فى مبادرتهم إلى أقوالهم وأفعالهم.

(وَقَتْلَهُمُ (٤) الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) : أسند القتل إليهم مع أن آباءهم هم الذين

__________________

(١) آل عمران : ١٦٧

(٢) آل عمران : ١٧٠

(٣) آل عمران : ١٧٦

(٤) آل عمران : ١٨١

٣١٩

قتلوهم ، لكنهم رضوا بذلك ، وتبعوا من فعل ذلك منهم ؛ فهم شركاء ؛ لأن الراضى بالمعصية كفاعلها.

فإن قلت : ما فائدة تنكير الحق هنا ، وتعريفه فى الآية الأولى (١) من البقرة ، ومعلوم أنه لم يقتل نبى بحق؟

والجواب أنه عرفه لاجترائهم على قتلهم مع معرفتهم بأنه بغير حق ؛ ولذلك قرئ بالتشديد تعظيما للذنب والشّنعة للّذى أتوه ؛ وإنما أباح الله تعالى من أباح منهم ، وسلّط عليهم عدوه كرامة لهم ، وزيادة فى منازلهم ؛ كقتل من يقتل فى سبيل الله من المؤمنين ؛ قال ابن عباس وغيره : لم يقتل قطّ من الأنبياء إلّا من لم يؤمر بقتال ؛ وأما من أمر بالقتل فإنّ الله نصره. وإنما عرّف الحقّ فى البقرة إشارة إلى الحق الذى أخذ الله أن تقتل النفس به ، وهو قوله : (لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)(٢) ؛ فكان الأولى بالذكر ؛ لأنه من الله ، وما فى هذه السورة نكرة ؛ لأنه فى معتقدهم وتدينهم ، وكان هذا بالتأخير أولى.

فإن قلت : المذكورون فى الآيات الثلاث من بنى إسرائيل قد اجتمعوا فى الكفر والاعتداء ، فما وجه اختصاص الآية بجمع التكسير فيما جمع فى الآيتين جمع سلامة ؛ فقيل النبيين فى الآيتين ، وقيل فى هذه الآية الأخيرة الأنبياء مكسرا؟

فالجواب أن جمع التكسير يشمل أولى العلم وغيرهم ، وجمع السلامة يختصّ فى أصل الوضع بأولى العلم ، وإن وجد فى غيرهم فبحكم الإلحاق والتشبيه ، كقوله تعالى : (إِنِّي (٣) رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ...) الآية ، وما يلحق

__________________

(١) البقرة : ٦١

(٢) الأنعام : ١٥١

(٣) يوسف : ٤

٣٢٠