موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٣

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٣

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

الصورة الخامسة فى تعريف ستارة الحجرة المعطرة.

كان جمال الدين الأصفهانى قد صنع حول حجرة السعادة سورا مشبكا من خشب الصندل والأبنوس ، كما سبق ذكره فى الصورة الخامسة من الوجهة السابقة ، وقد دامت هذه الشبكة الخشبية فترة ، وفى سنة ٥٦٦ ه‍ جهز حسين بن أبى الهيجاء صهر صالح الوزير ـ من وزراء الملوك المصريين ـ ستارة من الحرير الأبيض مزركشة وأرسلها إلى المدينة المنورة تتعلق تبركا فى حجرة السعادة ، تحدوه نية خالصة. وبعد استأذن أمير المدينة المنورة قاسم بن مهنى المستضئ بأمر الله العباسى وعلق تلك الستارة فى حجرة السعادة.

كانت تلك الستارة البيضاء منسوجة من الحرير الأحمر والأصفر ومزينة بخرز مختلف الألوان ومطرزة بلآلئ ذات قيمة غالية ، وسطرت على حزامها المصنوع من الحرير منسوجا بالحرير الأحمر سورة يس الشريفة ؛ ولما أرسل بعد سنتين من بغداد دار الخلافة ستارة نفيسة أخرى منسوجة بحرير بنفسجى وخيوط ذهبية فأنزلت الستارة التى أرسلت من طرف حسن بن أبى الهيجاء وعلقت الستارة الجديدة. وأرسلت الستارة القديمة إلى مشهد على بن أبى طالب ؛ وكانت عبارة المستضئ بالله مكتوبة على الستارة التى أرسلت من بغداد ، وكانت هذه الستارة بنفسجية اللون وكانت على أطرافها أطر قد رصت بلآلئ وكتبت على جوانبها أسماء النبى صلى الله عليه وسلم ، كما أن الناصر لدين الله أرسل ستارة منسوجة من حرير أسود فى أثناء خلافته كما أن والدته أرسلت ستارة أخرى جميلة عقب ذلك ، وبما أن هاتين الستارتين علقتا فوق بعضهما فاجتمعت فوق حجرة السعادة ثلاث ستائر فى وقت واحد وظلت حجرة السعادة إلى عصر هارون الرشيد بالستارتين اللتين أهداهما المستضئ بأمر الله والناصر لدين الله ، وزار هارون الرشيد مع والدته

٣٤١

الخيزران القبر النبوى الجليل وعلقا على الحجرة الشريفة ستارة نفيسة وأظهرا احترامهما ورعايتهما لهذه الحجرة وذلك فى سنة (١٧٠) ه.

واشترى الملك الصالح بن الناصر محمد المصرى فى سنة (٧٦٠) ه ثلاث قرى من قرى مصر المعمورة ، وأوقفها بشرط أن يصنع بإيرادها كسوة للحجرة المعطرة والكعبة المعظمة وعلى أن يكون لون هذه الستارة أسود ويشغل بالحرير الأبيض وأن تحاط بإطار مصنوع ومطرز بخيوط ذهبية وأن يحيط طولها وعرضها بحجرة السعادة ، وكان يبعث بعد ذلك كل خمس سنوات كسوة للكعبة المعظمة وحجرة السعادة.

وقال تقى الدين الفاسى وزين المراغى من المؤرخين ، وترسل كل ست سنوات إلى الحجرة الشريفة ستارة من قماش أسود ويكتب فوق هذه الستارة بعض الآيات الشريفة بحرير أبيض وكانت طرزها (شراشيبها) مصنوعة من خيوط ذهبية (صرمه) وكان حكم الكسوة القديمة فى حكم الكسوة القديمة للكعبة الشريفة وتقسم بين الخدم (١) ، ولكنهما قالا بأن الستارة الخاصة بمنبر السعادة يشترط فى صنعها أن تكون بيضاء اللون.

وقد اتخذت عادة إرسال ستائر خضراء فيما بعد إلا أنه قد أرسلت ستائر فى ألوان أخرى حتى إنه قد أرسل فى سنة ١٢٩٧ ه‍ من باب السعادة مع محمل الشام ستارة مطرزة مزينة فى غاية الجمال ذات حزام أحمر ، وكان فوق الستارة التى أرسلت من باب السعادة قطعا مزينة من الأطلس الأحمر كتب فوق كل قطعة اسما من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم واسم المرحوم السلطان عبد المجيد خان وإن كانت هذه الستارة أرسلت فى عهد عبد العزيز خان وأهديت ؛ إلا أنها كانت قد صنعت فى عهد السلطان عبد المجيد المميز بالبر والخير ، والآن ترسل ستائر غير ستارة قبر السعادة ، إلى تابوت فاطمة ومحاريب القبلة الثلاثة وباب مئذنة جدار القبلة الرئيسى ومقام جبريل والألوان الخمسة.

__________________

(١) بما أن بحث تقسيم الكسوة قد ذكر بدقة مفصلا فى صورة بيان جواز تقسيم الكسوة من (مرآة مكة المكرمة) نوصى الذين يريدون أن يقفوا على ذلك أن يطالعوا ذلك الكتاب.

٣٤٢

وكلها فى شكل واحد عام ، كما أن هذه الأقمشة يطلق عليها بين الأهالى ستارة تعلق فى أماكنها من أول رجب إلى نهايته ومن عشرين ذي القعدة إلى عشرين من محرم الحرام وفى غير هذه المواسم تحفظ فى دواليب حجرة السعادة.

وفى كل جهة من جهات الحجرة المعطرة ولا سيما على أبوابها وعلى المنبر المنير النبوى ستائر وتعليق هذه الستائر خاصة بالأيام التى ذكرت ، وكل هذه الستائر من قماش أطلس أخضر وعليه خطوط جميلة وأزهار مرسومة.

أصول تعليق ستارة قبر السعادة وتجديدها

والقاعدة تغيير ستارة حجرة السعادة كل ثلاثين عاما أو أربعين عاما وعندما يراد تعليق الستارة الجديدة يصعد فوق مربع قبر السعادة لامع الأنوار من السلم الملاصق لأعمدة الجدار الذى تحت الستارة القديمة والذى أقامه عمر بن عبد العزيز ويربطون حبال الستارة الجديدة بالحلقان الخاصة لتعليق الستائر ويحلون حبال الستارة القديمة ويعلقون الستارة الجديدة فى محلها الخاص وينزلون الستارة القديمة.

وعندما يراد إنزال الستارة القديمة يقف الشخص الذى صعد فوق الجدار ليربط حبال الستارة الجديدة على أرض الحجرة وينتظر بجانب الطرف الشامى من الشبكة السعيدة ، فتؤخذ الستارة القديمة على الأرض من حيث يقف هذا الشخص رويدا رويدا.

ومن العادات القديمة المرعية أن يكون الشخص الذى يصعد فوق جدار مربع قبر السعادة الذى تحت الستارة القديمة وكذلك الشخص الذى يكلف بالصعود فوق الجدار الشريف لإنزال الستارة القديمة أن يكونا من أغوات حجرة السعادة المسنين والمعروفين بالصلاح ، ولا يخرج هذان الشخصان من حجرة السعادة قبل أن يكنسا التراب المتراكم بين قبر السعادة والستارة القديمة منذ أعوام طويلة.

الجوهر الشريف ـ الجوهر الشريف يطلق على التراب الذى يخرج من كناسة ما بين قبر السعادة والستارة القديمة بين الأرض ولما كان هذا التراب قد جاور مربع

٣٤٣

قبر السعادة ما يقرب من ثلاثين عاما أو أربعين عاما ومن هنا اكتسب التوقير والقداسة.

وكل من ينال شرف هذه الخدمة التى تدعو إلى الفخر من أغوات الحرم يشترون ثلاثة أو أربعة من العبيد ويحررونهم ، وإن كان من يحرر أكثر من هؤلاء فالذين لا يستطيعون ذلك يذبحون ثلاثة أو أربعة قرابين ويتصدقون بلحمها.

تعريف حجرة السعادة بالإجمال ـ قد عرفت الحجرة المعطرة بالتفصيل فى الوجهة الخاصة بها. إلا أن هذا التفصيل لم يكن بشكل متسلسل بل كتب كل ما جاءت المناسبة ، لذلك استصوبنا إضافة بند خاص بعنوان (تعريف حجرة السعادة مجملا) متذكرين لزوم تعريف الحجرة المعطرة بحيث يفهمها كل فرد فهما جيدا.

الحجرة المعطرة ـ هى دار أمنا السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ لما كان النبى صلى الله عليه وسلم قد ارتحل فى داخل هذه الدار السعيدة عن الدنيا كان قد دفن فى المحل الذى فيه قبضت روحه الشريفة.

وأحاط عمر الفاروق هذه الدار حتى يحافظ على هيئتها الأصلية بجدار ، ومد عمر بن عبد العزيز خارج جدار عمر بن الخطاب جدارا آخر ، ولكن حتى لا يكون على شكل الكعبة المعظمة ذات أربع زوايا دبب الجهة التى تقع ناحية الساحة الرملية لمسجد السعادة على شكل مثلث ؛ وبنى فوق سقفه قبة غاية فى الصغر وأطلق على هذه القبة قبة الحجرة ، قبة النور وعلى القبة الكبيرة التى فوق هذه القبة الخضراء والكسوة الشريفة التى ترسل من قبل الملوك إلى قبر السعادة تغرس فوق تلك القبة الصغيرة.

وقد مد فيما بعد حول حجرة السعادة قفص ويطلق على هذا القفص شبكة السعادة وفى داخل شبكة السعادة ستارة خضراء وفى خارجها ستائر ذات أهداب من خيوط ذهبية وفى غاية الجمال والزينة وتطلق عليها ستارة والستائر الخضراء تعلق من عند العقود التى تحمل القبة الخضراء.

وشبكة السعادة مصنوعة من حديد عادى ومدهون باللون الأخضر وتتكون من الشبكة ودار السيدة عائشة. التى هى مربع قبر السعادة أى ما بين الجدران

٣٤٤

الأربعة يطلق عليه الحجرة المعطرة ولكنها فى الأصل داخل دار السيدة عائشة. ويقال للجهة القبلية من شبكة السعادة المواجهة الشريفة وعلى جهتها الغربية قدم السعادة وعلى جهتها الشرقية الروضة المطهرة على طرفها الشامى دار فاطمة السعيدة وقد نسجت فوق شبكة المواجهة بسلك أصفر شبكات صغيرة وكتبت فوق كل واحدة من هذه الشبكات عبارة لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، سيدنا محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين.

وتطلق على الأبواب التى فى الجهة الشرقية من شبكة حجرة السعادة والغربية والشامية أبواب الحجرة ومفاتيحها من الفضة.

لا يستطيع أحد أن يدخل فى حجرة السعادة غير أغوات الحرم الشريف ، إلا أن من يريدون أن يزوروا النبى صلى الله عليه وسلم من داخل الشبكة يستطيعون أن يدخلوا مع الأغوات الذين يدخلون داخل الشبكة قبل عشرين دقيقة من صلاة المغرب لإيقاد القناديل.

ولا يستطيع أن يعرف ما بين الكسوة الشريفة والجدار الذى مده عمر بن عبد العزيز لا أغوات الحرم الشريف ولا أى شخص آخر ، لأنه لا يوجد بين هذا الجدار والجدار الذى سبق تعريفه آنفا منفذ من باب أو نافذة غير تلك القبة الصغيرة التى سبق ذكرها ، إلا أنه فتح ثقب صغير لتلك القبة فوق محاذاة قبر السعادة وحتى يمنع دخول الحمام أو الحيوانات الأخرى أو سقوطها قد سد بقفص منسوج بالسلك.

وبناء على بعض الروايات أن قبة النور داخل هذا الثقب ؛ والغاية من فتح هذا الثقب ألا يترك حائل بين مرقد السعادة والسماء وحتى يؤمن هذا الأمر فتح منفذ آخر للقبة الخضراء فى محاذاة ذلك الثقب وعندما تكون الشمس المنيرة فى وسط النهار تدخل أشعتها إلى منفذ القبة الخضراء بين هذا المنفذ إلى منفذ قبة الحجرة ومن هنا ينشر الضوء فوق قبر السعادة وينير داخل مربع قبر السعادة ، ولما كان المطر ينزل كان ولابد أن ينزل فوق قبر السعادة.

٣٤٥

والفرجة التى بين شبكة السعادة وبيت فاطمة قد فرشت بالرخام والجهة العليا من هذه الفرجة حصرت لتعليق الأشياء التى يتبرك بها.

بين حجرة السعادة ودار السيدة فاطمة شبكة حديدية وفى هذه الشبكة باب صغير تدخل منه الشمعدانات التى اتخذ إدخالها إلى حجرة السعادة ليلا عادة ، وهى من الذهب.

لحجرة السعادة مائة قنديل ذات سلاسل ذهبية وفضية كما أن حول مرقد فاطمة أربعون قنديلا ذات سلاسل ذهبية وفضية وهذه القناديل توقد كل ليلة ؛ الكسوة التى فوق مرقد السيدة فاطمة هى كنفس الكسوة التى فى حجرة السعادة والأعلام التى ركزت على طرفى المزار الشريف قد زينت ورصعت بمجوهرات متنوعة ، وهذه الأعلام قد أهديت من قبل والدة السلطان عبد العزيز ـ أسكنه الله فسيح جناته.

٣٤٦

الصورة السادسة فى تعريف صورة تخليق (١) حجرة السعادة.

ذهبت والدة هارون الرشيد من خلفاء بنى العباس السيدة خيزران إلى الحجاز سنة (١٧٠) ه وذلك بنية أداء فريضة الحج وهى محرمة وعند عودتها مرت بالمدينة وتسمى مؤنسة حتى تشرف على ذلك العمل.

وكانت مؤنسة تلك قد وضعت نظاما معينا لتخليق قبر السعادة وأسطوانة التوبة ، وعلامة مصلى النبى صلى الله عليه وسلم بناء على التعليمات التى وجهت إليها.

وقال إبراهيم بن فضل من صلحاء العصر لمؤنسة (إنك أبدعت قاعدة لم تر من قبل ، وهذا شىء لا احتمال لنا بقبوله!!!) وأراد بهذا أن يمنع استمرار هذا النظام ، إلا أن المشار إليها قالت له : هذا العمل ليس من رأيى ، مادامت والدة الخليفة ترغب فى ذلك فلابد من أن نستمر فى ذلك ، وبهذه الإجابة ردت ما عارضه إبراهيم بن فضل ومع هذا فقد تركت هذه القاعدة بعد مرور بعض الوقت.

__________________

(١) تركيب رائحة طيبة من الزعفران والمسك وصندل يقال له خلوق واستعمال هذا التركيب يقال له تخليق.

٣٤٧

الصورة السابعة فى بيان وتعريف قناديل الحجرة الشريفة.

لا يعرف مهدى القناديل الذهبية والفضية ووقت إهدائها وتعليقها لمسجد السعادة والحجرة المعطرة ، وقال : ابن النجار بعد أن أجرى التدقيقات التامة وهو يبين ويعرف عدد تلك القناديل وأنواعها وأماكن تعليقها.

كان فى صدر الإسلام بين شبكة الحجرة المنيفة والجدار القبلى للمسجد الشريف (١) أكثر من أربعين قنديلا معلقا على سقف المسجد الشريف ، وكان بعض هذه القناديل من الذهب والأخرى مصنوعة من الفضة وكان بعضها كبيرا وكان بعضها فى حجم صغير وكانت أهديت من قبل حكام الزمان والأصدقاء المخلصين. وكان أحد هذه القناديل مصنوعا من البلور والآخر من الذهب كانا ثريتين فى غاية من الجمال وكان مرغوبا فيهما لعدم وجود مثيل لهما فى ذلك العصر ، وفيما بعد زادت رغبة أهل الإيمان فى إهداء القناديل إلى الحجرة المعطرة وزادت القناديل التى وردت حتى ضاقت الحجرة النبوية بها حتى لم يبق مكان فى داخلها لتعليق القناديل فيها.

وحينما رأى السادة وموظفو الحكومة أن الهدايا ترد واحدة تلو أخرى ولم يبق فى داخل حجرة السعادة مكان لتعليق القناديل ، عندها أخذوا يخرجون القناديل القديمة فى قبة المسجد الشريف ، والهدايا التى أرسلت فى خلال سنة (٨١٠) ه زادت إلى حد أنه إذا سرقت إحداها فلا يعرف الشىء المسروق أى وصلت الهدايا المرسلة بحيث تزيد على العد والإحصاء ، ومن هنا رأى المشار إليهم من أصحاب الرأى حفظ هذه القناديل فى داخل الصناديق المعدة لها حتى يحموها من سرقة عربان البادية الذين يردون فى مواسم الحج على أن يخرجوها فى الليالى المباركة

__________________

(١) وكان هذا المكان مواجهة السعادة ، وهو المحل الذي يقف فيه زوار قبر السعادة.

٣٤٨

لإيقادها مناوبة ، ولكن حدث فى الوقت الذى قرر تنفيذ القرار السابق أن الشريف حسين بن عجلان الحسينى الذى عين لإمارة الحجاز من قبل ملك مصر الناصر فرج لبعض الأسباب عزل والى المدينة حجاز بن هبة الحجاز بن منصور الحسينى ونصب مكانه ثابت بن نصير المنصورى واليا وعينه ، إلا أن ثابت بن نصير مات قبل الوصول إلى المدينة ، وعرف حجاز بن هبة الحجاز ، أنه سيعين مكان ثابت بن نصير المتوفى شخص آخر بعزله ، فأظهر عصيانه وضم إلى تبعيته بعض العربان الجهلة الحمقى وداس على شرف الإسلام ونهب منازل أعيان المدينة وسادتها بإغراء كلاب العربان ونباحهم.

واستولوا على القناديل الذهبية والفضية التى فى داخل مسجد السعادة والتى توضع بعد فى الصناديق المعدة لذلك وبهذه الطريقة أعلنوا عن عداوتهم وأظهروا شقاوتهم. هل أكتفى حجاز بن هبة بهذا القدر من الشقاوة واقتنع بها؟!! لا ـ وبعد هذه الوقاحة والسفالة أحضر سلما خاصا لإنزال القناديل المعلقة وستارة مرقد السعادة الثمينة ولكنه لم يوفق فى ذلك وأخذ ستائر أبواب الحجرة المعطرة التى فى الخزانة النبوية وهرب من المدينة المنورة سنة (٨١١) ه.

وإن كانت الحكومة المصرية استطاعت أن تقبض على السافل حجاز بن هبة بعد سنتين وقتلته إلا أن ذلك الخائن لم يكشف عن الأماكن التى دفن فيها الأشياء المنهوبة سواء أكان وقت عصيانه أو وقت استجوابه ومن هنا لم يخرج شىء منها إلى حيز الوجود.

والأشياء التى نهبها حجاز بن هبة الحجاز من مسجد السعادة صندوقان ذهبيان ، خزانة صغيرة ذات درجين المملوءة بالذهب ، وقناديل من الفضة تزن سبعة عشر قنطارا و ٧٤٨٥ درهما.

وتراكمت كثير من الهدايا فى خزينة حجرة السعادة بعد هذه الواقعة الأليمة إلى سنة (٨٢٤) الهجرية فى ظرف ثلاث عشرة سنة إلا أن عزيز بن هبازع الذى كان واليا فى خلال تلك السنة استولى على هذه الهدايا قائلا : «فلتبق هذه

٣٤٩

الأشياء عندى على طريق الأمانة ولم يبق شيئا سواء أكان فى الحجرة المقدسة أو الخزانة النبوية ، وسيق عزيز بن هبازع تحت الحراسة إلى مصر بناء على إخبار بعض الذوات من السادات ، وفى أثناء الاستجواب والتعذيب لم يؤخذ منه شىء. مع أنه قد ثبت بأدلة قاطعة أنه استولى على تلك الأشياء الثمينة وبناء على ذلك ظل مسجونا إلى أن توفى.

ومن سنة ٨٢٤ ه‍ إلى سنة ٨٦٠ ه‍ لم يمد أحد يد الإساءة والعدوان إلى ما أهدى إلى حجرة السعادة من قناديل ذهبية أو فضية ، وفى خلال ٨٦٠ ه‍ مضى إلى المدينة المنورة شخصان بقصد زيارة المرقد الجليل وهما دبوس بن سعد الحسينى الطفيلى وبرغوث بن ثبير بن جريس الحسينى ، إن هذين الخبيثين قد مدا نظرهما بالطمع إلى القناديل المعلقة فى حجرة السعادة ، وفى الليلة السابعة والعشرين من ذى الحجة من سنة ٨٦٠ ه‍ دخلا فى الدار التى يطلق عليها «دار شباك» (١) وعرجا من هناك إلى جدار مسجد السعادة ودخلا من تحت الطنف داخل المسجد الشريف طمعا فى سرقة قناديل قيمة وذلك بأخذ قنديل من بين كل قنديلين ، وبما أن القناديل كانت كثيرة ومعلقة ملاصقة بعضها لبعض لم يحس أحد لمدة طويلة أن القناديل سرقت من مسجد السعادة وأخيرا فهم الأمر وقبض على الرجلين وأخذ ما فى أيديهم من قناديل وقتلوهما جزاء وفاقا.

غريبة

عندما سرق برغوث المنحوس قناديل مسجد السعادة هرب إلى ينبع ولما عرف ذلك كتب إلى مديرية ينبع البحر وألقى القبض عليه وألقى فى السجن إن هذا الشخص أليف الشقاوة هرب من سجن ينبع البحر وعاد إلى المدينة وحرص على أن يختفى فى مكان خفى.

إلا أن محل اختفائه أبلغ إلى الحكومة فقبض عليه وأخذت القناديل التى تحت

__________________

(١) إن ساحة سبيل المدرسة الشرقية الملاصقة لباب الرحمة كانت فى ذلك الوقت مكان «دار شباك» وكان هذا المنزل فى اتصال سقف مسجد السعادة وكانت دارا غير مسكونة.

٣٥٠

يده ثم أرسل إلى دار البوار ، وعندما ألقى السارق المذكور إلى السجن فى المدينة المنورة لاستجوابه سأله أحد المسجونين يا برغوث! بينما نجوت هاربا من سجن ينبع البحر ما سبب مجيئك إلى المدينة؟

فأجابه قائلا فى الواقع هذا سؤال وجيه مع أننى حينما هربت من سجن ينبع البحر وأردت أن ألجأ إلى الجبال كلما اتجهت إلى جهة ما قوبلت بسد حديدى سديد أمامى ، كأن هناك من يدفعنى ناحية المدينة المنورة ويشوقنى للذهاب إليها وكلما توجهت ناحية المدينة أحسست فى قلبى انشراحا عجيبا ، إننى لم آت هنا طلبا للمدينة ولم أتوجه أبدا ناحية طريق المدينة وللأسف الشديد وجدت نفسى وأنا أجول هنا وهناك ، فى داخل حصن المدينة فاضطررت لأن أختفى فى جهة ما وأنا نفسى متحير فى الموضوع. انتهى.

وقد رأى شمس الدين زين الذى أرسل إلى المدينة المنورة من مصر مسندا إليه مهمة إمارة البناء قبل الحريق الثانى أن القناديل الذهبية والفضية قد كثرت فى مسجد السعادة وأن اللصوص يسرقونها كلما وجدوا فرصة سانحة أن يرسل القناديل التى تفيض عن الحاجة إلى مصر القاهرة لتذاب هناك وتضرب سككا لإنفاقها فى تجديد وتعمير مبانى مسجد السعادة وعرض ذلك على السلطان قايتباى المصرى وأعلمه وقد حازت تلك الفكرة من القبول لدى الحكومة المصرية وكتبت إلى والى ولاية المدينة بعمل ما يقتضى إجراؤه ومنها جمع كل ما أهدى إلى حجرة السعادة من الأشياء الثمينة ما عدا الستائر المهداة من قبل الملوك العلية واللوحة المرصعة والمزينة بالجواهر المعلقة على جدار ضريح السعادة وإرسالها إلى خزانة مصر فى سنة (٨٨٤) ه.

وأنفق ما ضرب من المسكوكات فى تعمير الأبنية السعيدة ، إلا أنهم ـ فى رأى خالفوا أحكام الشريعة الإسلامية الغراء لأن الإمام السبكى يقول فى كتابه «تنزيل السكينة على قناديل المدينة» : «يجوز إهداء القناديل القيمة إلى حجرة السعادة وتعليقها إلا أن استيلاء الحكومة عليها لصرف قيمتها إلى مسجد السعادة غير جائز».

٣٥١

يدعى بعض المؤرخين بناء على ما تلقوه من المنابع الموثوقة من الأدلة المروية أنه عندما أخرجت تلك القناديل من خزانة حجرة السعادة قد احتفظ أحد المشايخ من مشايخ الحرم النبوى المرعى الخاطر ببعض تلك المعاليق وأنفقها فى وجوه البر والخير. وبعد عهد شمس بن زمن اتخذ ملوك الزمان مرة عادة إهداء الهدايا إلى حجرة السعادة ومن هذا القبيل ما أرسله إلى المدينة المنورة ناصر بن محمد بن قلاوون المصرى فى زمن سلطنته قنديلا فى غاية الجمال فى الصنع وفى الزينة ليعلق فى وسط قبة حجرة السعادة.

وفعلا علق ذلك القنديل وفق رأى ذلك الملك وتصويبه فى قبة الحجرة المسعودة ثم علق فى مكان مقابل محراب النبى بناء على استئذان شيخ الحرم شاهين جمالى بعد فترة.

كان ذلك القنديل الذى لا مثيل له قد صنع من صلب مذهب مزينا فى غاية الزينة وكتب على أطرافه دائرا ما دار قد جاء بهذا القنديل محمد بن قلاوون وعلقه وكلما أوقد كان يصدر من صقل صنعه نور مشع كأنه مصباح مصنوع من الجوهر وكان يغشى داخل حرم السعادة بأمواج الأنوار.

وإن كانت القناديل التى قدمت بعد ناصر بن قلاوون لا يعرف من أهداها ولا تاريخ إهدائها إلا أنه فى عصر الإمام السمهودى كان فى الحجرة المعطرة ثلاثون قنديلا من ذهب والباقى من الفضة ويبلغ عدد القناديل الكلية إلى ثلاثمائة خمسة وسبعين قنديلا وكان ثقل القناديل الفضية ستة وأربعين ألفا وأربعمائة ألف درهم ، وورد فوق هذا فى سنة (٨٦٧) ه ذهبا فى ثقل (١١٥٥) درهم ذهبا فى ثقل (٨٨٥) درهم فضة ، ومن سنة (٨٦٢) إلى سنة (٨٦٩) ذهب فى ثقل (٢٢٥) درهم وقناديل فضية فى ثقل (١٢٧٥) درهما كما ورد فى سنة ثمانمائة إحدى وثلاثين (٤٢) درهما ذهبا و (٩٥٠) درهما من الفضة وبعده بسنة (١١٥٥) درهما فضة وفى ثمانمائة ثلاثة وثمانين ورد (٢٠) درهما ذهبا و (١١١٣) درهما

٣٥٢

من الفضة وفى سنة ثمانمائة أربع وثمانين أيضا (٧٤٥) درهما من قنديل فضى وفى ظرف هذه المدة أرسلت (١٣٠٠٠) قطعة عملة ذهبية وظل مهدى هذه المبالغ مجهولا فى نظر التاريخ ويا للأسف!! أن أمير المدينة حسن بن الزبير بن المنصور قام فى سنة (٩٠١) ه ضد شريف مكة محمد بن بركات وأعد بعض المجرمين المسلحين فى السادس من ربيع الأول من نفس السنة وفى وقت الظهر دخل الحرم الشريف وقد أعد أدوات الحفر مثل الفأس والمجرفة وكسر باب خزانة حجرة السعادة ونهب جميع تلك الأشياء الثمينة كما أخذ مبلغ (١٣٠٠٠) المحفوظ فى الخزانة لصرفه على لوازم مسجد السعادة وانسحب إلى قلعته التى تسمى حصن الأمير ومعه تلك الأموال وأحضر الصياغ من السوق وأذاب جميع القناديل المصنوعة من الذهب والفضة.

وأدخل حسن بن الزبير كثيرا من أراذل الناس فى الحرم الشريف لينهبوا الخزانة النبوية وحملهم ما اغتصبه من القناديل كما حمل حصانين وبغلا بما اغتصبه ولما كان قد بقى تسعة أجولة من الفضة جاء بالحمالين من السوق وحملهم بها ، هذا ما يروون.

قد جمع بعد هذا الحادث الحزين كثيرا من الأشياء النفيسة تزيد على العد والإحصاء فى حجرة السعادة وقد ذهب أكثر هذه الأشياء فى فتنة (١٠٩٩) وذلك بسبب إساءة محافظ جدة فى ذلك الوقت محمد بك أبو الشوارب.

لأن الشريف أحمد بن زيد الذى نال منصب الإمارة الجليلة فى عصر السلطان أحمد خان الثانى ابن السلطان إبراهيم مرض فى سنة (١٠٩٩) ه واستدعى أشراف مكة قبل وفاته ووصاهم بأن ينصبوا نائبا له باتفاقهم قبل أن يرد الأمر من السلطان بذلك وأن يبذلوا جهودهم لحفظ حوالى الحجاز وحراسته بهذه الطريقة ، ونصب محافظ جدة أبو الشوارب نائبا قبل أن ترد الإرادة السنية من باب السعادة وذلك باتفاق الأشراف ووصية الشريف أحمد بن زيد.

وأخذ ـ ليس من الشريف الذى بعث الأهالى طلبا إلى باب السعادة يرشحونه

٣٥٣

لمنصب الإمارة متحدثين عن صلاحيته واستحقاقه للإمارة وتنصيبه شريفا ، بل من خصمه الذى يناصبه العداء وهو الشريف أحمد بن غالب كثيرا من الأموال وقدم بعض ما أخذه من النقود الذهبية لأعيان مصر راجيا منهم أن يعملوا على إرسال الأمر العالى بإمارة الحجاز باسم أحمد بن غالب ، وحتى لا يطلع الأشراف على هذا الأمر وكيفية سير الأمور أبرز أمر سلطانى مزيف وهرب الشريف القائم مقام (النائب) إلى اليمن وهكذا قد حصل الشريف أحمد بن غالب على منصب الإمارة قبل أن يرد الأمر السلطانى بذلك وأخذ يمد يده إلى أموال الأهالى بحرص شديد وتكتم فاستولى على جميع أموال التجار من سكان مكة المكرمة المجاورين وقتل كثيرين منهم فأخافهم ، أرسل رسله إلى المدينة المنورة واغتصب كثيرا من النقود والمجوهرات عن طريق القرض ، ثم هرب إلى البلاد العثمانية حتى ينجو من سطوة السلطان القاهرة.

أخذ الشريف أحمد بن غالب فى هذه الواقعة واغتصب كل ما جمع فى الخزانة النبوية من أشياء غالية نفيسة والمعاليق كلها ، إلا أنه لم يستطع أن يمد يده للوحة الكوكب الدرى التى كان قدمها السلطان أحمد خان الثالث ابن السلطان محمد خان الرابع بعد أن نظمها.

إن الجوهر الذى يلمع ليلا والذى يشتهر بالكوكب الدرى ظل ماكثا من سنين طويلة فى الناحية التى تواجه الوجه النبوى الكريم من جدار ضريح السعادة لامع الأنوار فجلبه السلطان المشار إليه إلى خزانته على وجه التبرك وأرسل مكانه لوحة ذات جوهر منير.

كان السلطان أحمد خان الثالث أضاف إلى اللوحة المرصعة قطعة كبيرة من الماس ، وكانت هذه القطعة من الماس بشدة لمعانها تملأ الجدار بالنور والضياء ومن هنا أطلق عليها (شب چراغ) أى منير الليل وكانت قد اشتريت فى عصر والد السلطان محمد خان الثالث بخمسين ألف دينار خالص العيار وقد أهداها بعد أن وضعها فوق لوحة ذهبية وزين أطرافها (٢٢٧) قطعة ذى قيمة من قطع ما سبق

٣٥٤

لتعليقها مكان الكوكب الدرى وهو يقول بدلا ما تكون زينة الدنيا الزائلة أى بدلا ما يصنع منها فصا لخاتم يلبسه على إصبع أخرى أن تكون زادا للآخرة وذخيرة عافية وكان قد أرسلها مع حسن باشا الذى كلفه توصيل ميزاب الرحمة وأشياء أخرى لبيت الله.

وأكمل حسن باشا مهمته الخاصة بمكة المعظمة أوصل تلك اللوحة المرصعة نادرة المثال إلى دار الهجرة النبوية ووضعها على جدار المرقد النبوى ساطع الأنوار وقلع الجوهر والكوكب الدرى ، الذى اكتسب قيمته بوجوده فى ذلك المحل ذو المكانة العالية واكتسب شرفا بقطع النظر عن قيمته المادية التى لا تدانى اللوحة المشار إليها وحمله إلى باب السعادة وأتى به.

وقد نقل مؤرخو الإسلام كل واحد منهم طريقا خاصا به ولكن أصح الروايات فيما بينهم رواية مؤلف «نزهة الناظرين» إذ قال والكوكب الدرى ، قطعة من الماس الفاخرة وأصغر قليلا من بيض الحمام ، وتحتها قطعة من الماس الأخرى وإن هذه الأخرى أكبر من الجوهرة التى فوقها ، ويقدرون قيمة الكبيرة منها بثمانين ألف قطعة ذهبية.

قال العلامة الشيخ مرعى بن يوسف الحنبلى فى كتابه «كانوا وضعوا الكوكب الدرى مكان المسمار الفضى أى وضعوه فى محاذاة مواجهة السعادة ، كان المسمار المذكور مزينا بالذهب وكان فوق رخام أحمر اللون وكان يقال لهذا الرخام الكوكب الدرى أيضا والمسافة بين هذا الرخام والمبدأ الغربى لحجرة السعادة خمسة أذرع وكل من يستقبل هذا الكوكب يكون قد اتجه نحو وجه السعادة والذين يريدون أن يعرضوا على النبى صلوات كباقات الورد ويريدون أن يقفوا فى هذا المكان عليهم أن يتخذوا الكوكب المذكور أمامهم ، وما من مؤرخ أنكر أن هذا المكان يحاذى وجه السعادة إلا أن الشبكة التى مدت حول الحجرة الشريفة حالت دون رؤية ذلك المكان».

٣٥٥

والآن إذا وقف أمام المصراع الأيمن لباب الشبكة الذى يسمى باب التوبة ، نكون قد وجدنا فى مكان يحاذى وجه السعادة.

وكان السلطان مراد بن السلطان أحمد خان بعث مع السلحدار مصطفى باشا فى سنة ألف وأربعين لوحة مزينة ، وبما أن هذه اللوحة كانت مزينة بجواهر متنوعة علقت تحت الكوكب الدرى أى على جدار ضريح السعادة ، وفى سنة ١١٥٤ جاء إلى المدينة مشير جيش بلغراد على بن عبدى باشا وهو أمير حاج لمحمل الشام ، وقدم المذكور عدة قطع جواهر مرصعة من جملة غنائم بلغراد إلى حجرة السعادة وعلقوا تلك الجواهر تحت اللوحة التى وردت فى تاريخ ١٠٤٠. وكان قد كتب على هذه اللوحة التى وضعت عليها تلك الجواهر أسماء النبى صلى الله عليه وسلم وكريمته فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ وأسماء أصحابه الأربع المختارين الشريفة ـ رضى الله عنهم ـ.

وإنه مما لا شك فيه أن حجرة سيد الأنبياء ـ عليه ألمع التحايا ـ المعطرة من أسباب الاحتشامات الإضافية أى أن المرقد النبوى السعيد ذا نور باهر لا يحتاج إلى تزينه بالذهب والنقود إلا أن غرض المرحوم السلطان الذى اعتاد على الإخلاص أن يوقف إلى الحجرة المعطرة أثرا يكفى ثمنه لتعمير وتجديد مبانى الحرمين الشريفين فلا أحوجنا الله لذلك. انتهى.

وعرض على حجرة السعادة بعد واقعة الشريف أحمد بن غالب من قبل الملوك العثمانيين أيضا هدايا كثيرة وقدمت حتى إن السلطان محمود خان الأول ابن السلطان مصطفى خان الثانى أهدى فى سنة ١١٦٢ ه‍ مائدتين مزينتين بالذهب وعدد من الشمعدانات الذهبية وثريا ذكر شكلها وهيئتها فى الوجهة الحادية عشر والصورة الثالثة منها ثريا لا مثيل لها.

وقد قدم فيما بعد من قبل السلاطين الآخرين كثير من التحف النفيسة النادرة وكثير من ثريات مرصعة ذات سلاسل ذهبية وشمعدانات ذات جواهر وكثير من سلاسل مرصعة لتعليق الثريات فزينت سواء أكان ضريح السعادة أو خزانة حرم

٣٥٦

الرسالة حتى صارت فى غاية الروعة وبهذا قد تراكمت فى الحجرة المنورة ذات الفيوضات الباهرة أشياء نفيسة وثمنية أكثر من العصور السابقة.

وكان فى خدمة الحجرة الطاهرة ضابط يسمى «مستلم» مكلف بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النفائس التى سرقت من دار السكينة وقام ذلك الشخص بمهمته وأنقذ بعض ما يمكن إنقاذه ، وبعث السلطان محمود رسولا خاصا لجلب ما أضير من قطعتين من الثريا المرصعتين بالزمرد والجوهر إلى إستانبول وبعد تعميرهما أعادهما إلى موقعهما المحترمين كما أرسل معهما ثلاث قطع من الثريا نفيسة من عنده دليلا على مناقبه العالية.

وكانت إحدى الثريتين اللتين بعثهما السلطان محمود بعد صنعها مرصعة بماسة عريضة على مينا زرقاء وبنية ومزينة بالطغراء ذات سلسلة ذهبية وطرة على شكل بيض النعامة والأخرى قد رصعت من قطع الماس فوق الذهب وذات قطع ثلاث من الزمرد وذات طرة لؤلئى وسلسلة ذهبية.

ولها أرضية مصنوعة من قطعة واحدة من زمرد حتى يعلق عليها وأعلاها مرصع بالماس والياقوت على شكل غطاء علبة وذات تعليقه على شكل تاج ، وكانت الثالثة على أرضية من مينا بنفسجى وعليها قطع مصنوعة من ماس «روزة» ذات سلسلة ذهبية وطرة لؤلؤية وعلى شكل بيض النعامة.

ولما كانت تلك الثريات غاية فى النفاسة والقيمة استقبلت فى حين وصولها إلى مدينة الرسول بتعظيم كامل وتفخيم وتبجيل وعلقت فى الأماكن المناسبة ، كما أهدى فيما بعد السلطان عبد المجيد خان زوجا من شمعدان مرصعتين بالذهب وذات سمات ملكية تليق بالخليفة.

وهذه الأشياء سواء أكانت القناديل والثريات أو ما أرسل من طرف السلطان مراد الرابع والسلطان أحمد خان ـ عليهم الرحمة والغفران ـ من القناديل الذهبية والشمعدانات أو ما أرسله السلطان عبد المجيد خان والسلطان الحالى صاحب المفاخر من شمعدانات مرصعة من الذهب والفضة وأشياء أخرى ذات قيمة

٣٥٧

موجودة كلها فى الخزانة النبوية ، وتوقد بالمناوبة فى الحجرة المعطرة بصاحب الرسالة. وعلى كل حال فقد كتب عن مقدار هذه الأشياء وكميتها ، وأنواعها وأجناسها فى صور الوجهة التاسعة كل واحد على حدة.

وإن كان مؤلف «نزهة الناظر» يذكر أن الكوكب الدرى الذى أخذ أهدى إلى شاه إيران وأرسله هذا بدوره بعد مدة إلى حجرة السعادة وفى زماننا تحت قباب مسجد السعادة ستمائة وعشرون قنديلا غير قناديل الحجرة المعطرة ، وسلاسل المعلقة منها فى الجهة القبلية من الجدار من فضة خالصة ، وما علق منها فى الجهات الأخرى سلاسلها من النحاس الأصفر وبين أعمدة شبكة حجرة السعادة مائة قنديل وستة والقناديل التى فى مواجهة القبر عددها واحد وثلاثون ومرصعة وقد علقت بسلاسل بعضها ذهب خالص والبقية بسلاسل فضية.

وما علق على يمين ويسار السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ من قناديل ذات سلاسل فضية تدخل هذا الصف.

والشمعدانات الذهبية التى أهديت من قبل والد الخليفة كثير المحامد فى سنة (١٢٧٤) ه تدخل كل ليلة قبل صلاة المغرب إلى حجرة السعادة وتوقد مناوبة من قبل شيخ الحرم ونائبه ومدير الخزانة ، وينحصر إيقادها فى ليالى الجمع لقضاة المدينة ، وتظل تلك الشمعدانات موقدة حتى الصباح فى الوجهة الشريفة وفى وقت السحر تخرج بواسطة الخدم وتوضع فى المخزن الذى يتصل بحجرة الأغوات وغير هذه القناديل كثير من الثريات وسواء أكانت هذه أو بعض القناديل المزينة معلقة فى حرم السعادة وبعضها محفوظة فى المخازن.

وتطلق على الثريات والقناديل المزينة المعلقة فى اصطلاح أهل المدينة (زينة الحرم) ، ومن جملة ذلك ما علق فى وسط القباب التى من باب السلام إلى مواجهة السعادة من ثريات ، يوقد كل ليلة فى كل ثريا خمس شموع أو قنديل هذه قاعدة متبعة. وقد زين مسجد السعادة فى صورة كاملة وذلك بتعليق ثريا ذات أربعين شمعة فى قبة المحراب العثمانى وفى أسفل منها ثريا ذات ثلاثين

٣٥٨

شمعة وفى محاذاة المواجهة الشريفة وفى جهة قدم السعادة ثريات متعددة من الفضة والفوانيس ، وفى الساحة الخالية بين باب فاطمة وحجرة الأغوات وفى الروضة المطهرة ولا سيما جهة محراب النبى ومن باب السلام إلى باب الرحمة قد علقت كثير من الثريات البلورية والفوانيس ، وكل هذه الثريات ذات شموع وإن كان بعضها أكبر من الأخرى إلا أن الثريا التى وضعت فى نقطة قريبة من قبر فاطمة ـ رضى الله عنها ـ لامع الأنوار أكبر الثريات جميعا لها أمكنة لوضع سبعين شمعة ، وإن كان هناك شمعدانان من ثريا مذهبين إلا أن إيقادهما وتسريجهما كان يقتصر على ليالى المواسم والأعياد.

ومن باب السلام إلى المئذنة الرئيسية ومنها إلى مئذنتى المجيدية والعزيزية ومن هذه المآذن إلى القباب الموجودة إلى باب السلام قناديل معلقة بسلاسل فضية وتحت العقود التى تتصل دائرا ما دار بالساحة الرملية قناديل ذات سلاسل من النحاس الأصفر التى كانت قبل ذلك من الفضة ولكن بعضها سرقت من مؤخر حرم السعادة فنقلت البقية من السلاسل الفضية المعلقة إلى الخزانة النبوية وعلقت مكانها سلاسل من النحاس الأصفر.

ويبلغ عدد القناديل التى توقد سواء أكان فى الأماكن التى ذكرت أو فى داخل الأبواب وخارجها إلى ستمائة وأربعين قنديلا وتوقد فى ثلاثمائة منها الشموع وتسرج بقيتها بزيت زيتون ، أما الفوانيس التى ركزت على السور الخشبى الذى بين حدود الحرم الشريف وشموع المحاريب الشريفة والشموع الخاصة بقراءة أجزاء القرآن فى الروضة المطهرة وقناديل الحجرة المعطرة والقناديل التى توقد فى ليالى رمضان والمواسم وفى الليالى التى تصل المحامل فيها إلى المدينة والقناديل التى توقد حتى الصباح فوق المآذن يصل عددها إلى ثمانمائة قنديل وهو خارج هذا الحساب.

٣٥٩

الصورة الثامنة فى تعريف الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة ـ رضى الله عنها ـ السعيدة.

تصور السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس المصرى الذى أدى فريضة الحج سنة ٦٦٧ ه‍ أن يحيط الحجرة الشريفة بسور خشبى بشرط أن تؤدى الصلاة بداخله وعند عودته إلى مصر أمر بصنع ذلك السور الخشبى وفق رأيه وبعثه إلى المدينة المنورة فى سنة ٦٦٨ ه‍ فأحاط حجرة السعادة دائرا ما دار بشبكة خشبية فى ارتفاع قامة رجل وأطلقوا لهذه الشبكة المقصورة ولما استحال أداء صلاة حيث تمر الشبكة أراد العلماء أن يصرف النظر عن وضع هذه الشبكة وبلغوا بعد ذلك معرّضين بهذا العمل محاولين أن يثيروا الأهالى إلا أن أحدا لم يعر أذنا صاغية لتلك التبليغات والتعريضات.

وكانت للشبكة التى تطلق عليها المقصورة ثلاثة أبواب يفتح أحدها إلى الجهة الشرقية والآخر إلى الجهة الغربية والثالث إلى الجهة القبلية ، وبعد ست وعشرين سنة رفع زين الدين كتبغا العادل الشبكة التى أرسلها الظاهر ركن الدين إلى سقف المسجد وفى سنة (٧٢٩) ه فتح باب آخر إلى الجهة الشامية ، وفى سنة ٨٥٣ ه‍ يعنى فى عهد الظاهر حسن المصرى صنع سقف لطيف أمام الباب الذى فتح مجددا عرضه ستة أذرع وفرش ساحته الأرضية برخام مجلى ، واحترقت كل هذه الأشياء فى حريق ٨٨٦ ه‍ ومن هنا صنعت شبكة جهتها القبلية مصنوعة من النحاس وجهاتها الأخرى الثلاث من الحديد شبكة ملاصقة لسقف المسجد الشريف وغطى أعلاها بقفص مصنوع من أسلاك نحاسية.

والشبكة التى صنعت وفق التعريف المشروح كان بابها فى الجهة القبلية من خشب الساج وأبوابها الأخرى مصنوعة من ألواح حديدية ، وقد بدلت مصاريع

٣٦٠