موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ١

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ١

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٥

حياة أعمامهم وذلك بأمر وتكليف منهم ، ولهذا إذا أراد أحد من قريش أن يتناقش فى أمر مشكل كان يرجع إلى «عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار» ، فيفتح دار الندوة ويرأس الأشراف الصناديد المجتمعين وكان أمر الرئاسة مسندا أحيانا إلى أبناء هاشم بن عبد مناف ، وأحيانا أخرى إلى أبناء أخيه.

وقد انتقلت حجابة كعبة الله بعد عثمان بن عبد الدار إلى أبنائه وفى النهاية انتقلت إلى «عبد العزى بن عبد الدار» وعند وفاته انتقلت إلى «أبى طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار» ثم إلى أولاده وأحفاده بعد وفاته.

عند ما هاجر «عثمان بن طلحة» إلى المدينة المنورة وانفرد ابن عمه «شيبة بن عثمان» بمفتاح الكعبة الشريفة ومازال إلى الآن فى حوزة يد أولاد وأحفاد شيبة بن عثمان.

السقاية :

على وزن النهاية وكانت وظيفة خاصة بتقديم الماء العذب إلى الحجاج القادمين وذلك فى الجاهلية.

وفى نهاية فترة الجاهلية وبداية صدر عصر الإسلام ونتيجة لقلة الماء العذب فى مكة المكرمة كانوا يجلبون المياه من أماكن بعيدة ، ويخلطونها بأشياء مثل التمر والزبيب ، ثم يوزعونها على الحجاج كالشراب. وكان القيام بهذه المهمة الجليلة يسند إلى من يتولى المنصب الجليل «سقاية الحج».

وكان الذين يوكل إليهم سقاية الحجيج إلى ظهور ماء زمزم المكرم كما ذكرنا يملئون قربا كثيرة بالماء الذى يحصلون عليه ويتخذون لهم مكانا فى جانب الكعبة ويقدمون الماء لسقاية العطاش من الحجاج وكان السبب الرئيسى لابتداع هذه المهمة فقدان الماء فى مكة.

ذلك لأنه فى أواخر العهد الجاهلى لم يكن فى مكة المعظمة آبار للماء سوى الآبار التى أمر بحفرها «عبد شمس بن عبد مناف» فى ذى طوى وهاشم بن عبد

٣٠١

مناف فى المكان المسمى (شعب أبى طالب ومطعم بن عدى ابن نوفل بن عبد مناف فى المسفلة) ، والآبار الآتى ذكرها والتى خص أصحابها بها أنفسهم وهم أمية بن عبد شمس ، وبنو أسد بن عبد العزى وبنو الحجاج وبنو سهم ومرة بن كعب (١) وبنو كلاب بن مرة. ولهذا كان سواء الأهالى أو الحجاج يعانون من متاعب كثيرة بسبب قلة الماء ، بناء عليه أنشأ قصى بن كلاب وظيفة سقاية الحج. وأنقذ أهل مكة إلى حد كبير من أزمة المياه.

__________________

(١) كانت بئر مرّة بن كعب خارج المدينة.

٣٠٢

الآبار الموجودة فى مكة المعظمة

قبل ظهور بئر زمزم الشريف

كان يوجد فى مكة المكرمة قبل ظهور زمزم الشريف ثمانية آبار معروفة مخصصة لسقاية الأهالى وهى : طوى ، بذر ، سجله ، حفر ، سقية ، أم حراد ، سنبلة ، غمر.

ولهذا كان المكلفون بمهمة السقاية يأتون بالماء من هذه العيون ويعدون الشراب على النحو الذى وضحناه آنفا وكانوا يسارعون لسقاية الحجيج القادمين.

طوى :

اسم البئر التى حفرها عبد شمس بن عبد مناف على النحو الذى سبق التعريف به. وكانت هذه البئر تقع بجوار قصر محمد بن يوسف الثقفى المعروف باسم «بيضاء» الواقع فى الطرف العلوى من مكة المقدسة. وهى الآن من الآثار القديمة والتى تقع فى مكان يسمى «ذى طوى».

بذر :

اسم البئر التى حفرها هاشم بن عبد مناف ، ويروى أنها كانت تقع فى ميدان شعب أبى طالب فى جبل خندمة وهى مندثرة الآن.

سجله :

هى البئر التى حفرها مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف ، وحسب ظن واعتقاد بنى نوفل أن مطعم بن عدى قد اشترى هذه البئر من أسد بن هاشم ، ويقرر بنو هاشم أنه عند ما ظهر زمزم الشريف وأغنى عن سائر الآبار قدم هاشم بن عبد مناف البئر المذكورة هبة منه إلى مطعم بن عدى.

٣٠٣

حفر ، سقية ، أم أحراد ، سنبلة ، غمر :

هذه الآبار لا تعرف الجهات الكائنة بها ، وبناء على الروايات التى تقول أن «حفر» هى البئر التى حفرها أمية بن عبد شمس وبئر بنى أسد «سقية» حفرها بنو أسد بن عبد العزى ، و «أم أحراد» حفرها بنو عبد الدار ، وسنبلة «بئر خلف بن وهب حفرها بنو جمح ، و «غمر» حفرها بنو سهم لأنفسهم ، وهذا يقتضى أن هذه الآبار موجودة فى عصر الصحابة.

وكانت الآبار الثلاثة المسماة «رم» ، «خم» و «حفر» خارج مدينة مكة الشهيرة. وقد أمر مرة بن كعب بن لؤى بحفر بئر رم. وكلاب بن مرة بحفر خم ، وحذيفة بن غانم بحفر بئر حفر ، وأصبح فى حكم العادة فى مكة أن يجلب كبراء قريش الماء الذى يشربونه من هذه الآبار.

وعند ما ظهر ماء زمزم وكان أصفى وأحلى من كل المياه ، بدأ الناس فى الامتناع عن شرب مياه الآبار المذكورة ليس فقط لعذوبة مائه ولكن لقرب موقعه أيضا.

وفى الواقع فإن بئر زمزم الشريف الذى هو أحلى من مياه كل الآبار والعيون ؛ لأنه بئر سيدنا إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام.

وعند ما توفى عبد مناف بن قصى انتقلت مهمة سقاية الحجيج الجليلة ، وخدمة الرفادة إلى ابنه هاشم بن عبد مناف ، قام هاشم بمهمة السقاية هذه على أكمل وجه طوال فترة حياته ، وبعد وفاة هاشم بن عبد مناف أسندت هذه الخدمة إلى أمية بن عبد المطلب ، وقد استمر فى القيام بمهمته حتى ظهور بئر زمزم الشريف.

وبما أن عبد المطلب كان يملك كثيرا من الإبل ، فقد كان يحلب ألبانها فى موسم الحج ويمزج لبنها بالعسل ، ويمزج ماء زمزم بالزبيب ، يقدمه للحجاج ليشربوا منه ويرتووا. وعند ما توفى عبد المطلب بن مناف ، انتقلت مهمة سقاية الحج إلى ابنه الأصغر عباس «رضى الله عنه».

٣٠٤

وعند ما انتفت الحاجة إلى سقاية الحجاج على النحو السالف لوجود ماء زمزم ، كان عباس يجفف عنب الحدائق التى اشتراها فى الطائف ويمزج ماء زمزم بالزبيب ، ويقدمه للحجاج وذلك اقتفاء لأثر والده.

ولما كان القيام بمهمة سقاية الحج فى زمن الهادى الذى منح النضارة لقلوب الناس القاحلة بماء حياة الإسلام ، موكلة إلى عباس بن عبد المطلب بن هاشم ، فقد تفضل النبى صلى الله عليه وسلم بإلقاء هذه المهمة فى يده بإسنادها إليه رضى الله عنه.

مسألة :

ـ هل يجوز سحب السقاية من بنى عباس؟

والجواب : لا يجوز لأنها أسندت إليهم من قبل نبينا صاحب الشريعة عليه أجمل التحية وإذا كان إسناد خدمة السقاية المستقلة فى ظل نور الإسلام حقه أن يسند إلى أبى طالب بن عبد المطلب ، فإنه كما سنوضح فيما بعد ، فإن أبا طالب عند ما استبدت به الحاجة ، اقترض مبلغا من المال من سيدنا عباس ولما لم يستطع سداد هذا المال ، ترك سقاية الحج المسندة إليه عن طيب خاطر وتبرع بها إلى عباس بن عبد المطلب تسوية للدين.

وعند ما كان عباس بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه ـ على قيد الحياة ، كان يتولى بنفسه متابعة مهام سقاية الحجيج ، وبعد وفاته انتقلت هذه الخدمة المقدسة إلى أولاده وأحفاده ثم إلى خلفاء بغداد ، وفى النهاية انتقلت إلى يد أبناء الزبير ابن العوام.

لاحقة :

فى أثناء خلافة وليد بن عبد الملك عين خالد بن عبد الله القسرى واليا على مكة ، وبناء على رأيه المجانب للصواب أصدر الأوامر بأن يحفر بئرا فى كل من «ذى طوى» و «حجون» وذلك ليخفف عن الناس أزمة المياه (١).

وبما أن مياه هذه الآبار التى تم حفرها كانت أعذب من مياه بقية الآبار ، فقد

__________________

(١) فيما يتعلق بانتقال السقاية إلى الزبير انظر ما جاء فى الصورة الأولى من الوجهة السابعة.

٣٠٥

سعد أهل مكة من حفر هذه الآبار واعتادوا على شرب مياهها دون أن يشربوا من مياه الآبار الأخرى.

وعند ما رأى خالد بن عبد الله ميل الأهالى وتعلقهم بمياه هذه الآبار صعد المنبر على الفور وقال : «أيها الناس من الأعظم ، الخليفة الذى تم اختياره وعين لإدارة شئون الأهالى أم الرسول الذى بعثه الله ، فمن الممكن ألا تعرفوا عظمة الخليفة بينما سقى خليل الله إبراهيم ـ عليه التحية والتعظيم ـ ملح أجاج قد سقى خليفتكم ماء عذب فرات.

وبهذا كان يريد أن يفضل مياه هذه الآبار على ماء زمزم الشريف وأمر بصنع حوض من الجلد المدبوغ فى الحرم الشريف ، وأن يملأ بماء هذه الآبار التى حفروها ، وكأنه كان يريد أن يشير إلى أن مياه هذه الآبار أفضل من ماء زمزم الشريف.

والحال أنه بعد فترة انقطع ماء الآبار المذكورة تماما وانطمست الآبار ولا يوجد الآن من يعرف مكان هذه الآبار.

اللواء :

هو اسم مهمة فى الجاهلية مشهورة بين القبائل باسم اللواء.

وإن كانت هذه المهمة مقصورة على رجال أسرة بنى أمية ، إلا أن ألوية قبائل قريش المسماة (العقاب) كانت مع حامل اللواء الذى يتولى المهمة المذكورة.

ومن جملة عادات الجاهلية أنه إذا استدعى الأمر تعبئة الجنود وتوجيههم إلى مكان ما ، كان الشخص الذى يتباهى بالقيام بهذه المهمة يعقد مجلس الحرب. ويغرس الراية المذكورة حيث يشاء فيحتشد حولها أبطال قريش وكانت تعلن الحرب بغرس اللواء المذكور فى المكان الذى حدده عاقد اللواء عند وقوع الحرب ويجتمع الرجال المسلحون عند اللواء المذكور ويتم توجيههم إلى المكان الذى ستدور فيه الحرب.

وقد ظهر لواء الإسلام السعيد أثناء تولى أبى سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس مهمة حمل لواء قريش.

٣٠٦

وقد انتقلت مهمة حمل اللواء بعد قصى بن كلاب إلى أبيه عبد الدار وعند ما توفى انتقلت إلى أولاده وأحفاده. وظلت فى حوزة أكثر أفراد هذه الأسرة نفوذا حتى زمن غزوة أحد الجليلة ، أيا من كان هذا الشخص ، لكن جميع أفراد هذه الأسرة قتلوا جميعا فى الغزوة المذكورة.

الندوة ـ معناها الاجتماع :

وكانت الندوة تطلق على المجلس الذي يجتمع فى دار الندوة (١) التى بناها قصى بن كلاب فى الجاهلية. وكانت القرارات التى تصدر عن هيئة هذا المجلس تلقى قبولا حسنا بين القبائل بدون النظر إلى هذه القرارات هل هى صحيحة أم خاطئة ، حسنة أم قبيحة؟

وبما أن المسائل الهامة المتعلقة بأهالى مكة المعظمة كان يتم بحثها فى هذا المجلس حتى إعطاء الإذن بزواج البنات كان يصدر من الهيئة المجتمعة فى دار الندوة ، لذا كان ممنوعا منعا باتا أن يحضر الاجتماع فى دار الندوة من لم يبلغ العقد الرابع من عمره أى لم يبلغ أربعين سنة من عمره من رجال القبائل باستثناء أبناء قصى بن كلاب.

وكانت إدارة الهيئة المذكورة مسندة إلى أحد أصحاب النفوذ من بنى أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب رئيسا وعدد محدود من الأعضاء.

ولما كانت رئاسة هيئة دار الندوة موكلة إلى يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فقد أذن سيدنا محمد النبى رئيس مجالس الأنبياء أن يستمر يزيد فى أداءه مهمته بادئا بالبسملة فى اتخاذ الإجراءات الشرعية.

السفارة :

تم إنشاء هذه الوظيفة لإصلاح ذات البين ، فإذا وقع نزاع بين أى قبيلتين أو جرى شجار أو نزاع بين رجلين ، فإن الشخص القائم بمهمة السفارة يقوم مقام الحد الفصل فى القضية. وحكمه وقراره الذى يصدره لا يرد مهما كان القرار. وبذلك ينتهى النزاع.

__________________

(١) يطلق عليه أيضا منصب مشورة الأمور.

٣٠٧

وكان منصب السفارة حكرا على أسرة بنى عدى بن كعب وعند ما آل منصب السفارة إلى سيدنا عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب رضى الله عنه تولاه بنفسه وقد حان الوقت السعيد الذى ظهر فيه الذى أظهر المعجزات فى حل أصعب المشكلات ـ صلى الله عليه وسلم.

النظارة :

كانت وظيفة مثل إدارة الرسوم فإذا نقلت أحمال أو أثقال أو البضائع من مكان إلى آخر ، كان من الأصول المرعية فى الجاهلية أخذ رخصة حمولتها أو موقعة من الموظف الذى يتولى مهمة النظارة.

وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ لنظارة قبائل بنى تيم ، يتولى هذه المهمة.

صاحب القبة ومعناه ناصب الخيمة :

وكانت هذه الوظيفة وظيفة متواضعة فالذى يكلف بها كان ينصب خيمة لعظماء قريش.

إذا ما حدث شىء يشغل قريشا أو يحزنها أو إذا أيد بعث حملة عسكرية إلى جهة ما أو إذا اقتضى الأمر المشورة فى حادث مهم فكان صاحب القبة بحكم وظيفته ينصب خيمة فيجتمع فيها زعماء قريش يديرون الأقداح ويتشاورون.

ولما ثبت النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ روح خيمة الإيمان كان هذا المنصب فى بنى مخزوم بن نقيط بن مرة وكان خالد بن الوليد بن المغيرة يتباهى ويفتخر بمنصب نصب الخيمة هذا.

الأزلام :

جمع زلم يطلق على سهام القرعة ، كان العرب فى الجاهلية يقتسمون أموالهم بالسهام التى تسمى «الأزلام» ويتفاءلون بها.

٣٠٨

وكانت وظيفة استخدام السهام وحفظها وظيفة مهمة إلى حد ما ، لذا كانت لا تسند إلى أى شخص. وكل من يريد القيام بعمل ما كان يرجع إلى هذا الموظف ليعرف وجه الخير أو الشر. فى هذا الأمر وكانوا يعملون برأى هذا الموظف بعد إجراء القرعة.

طريقة التفاؤل وإجراء القرعة بالأزلام :

كان يؤتى بالسهمين ويوضعان فى جراب وقد كتب على واحد منهما كلمة «أمر» وعلى الآخر كلمة «نهى» ثم يكلف الشخص الذى يريد أن يتفاءل أن يخرج سهما من الجراب اعتباطا. وكان يلزم العمل بما كتب على السهم الذى أخرجه.

وكان يحتكر هذه الوظيفة بنو جمح بن عمرو بن كعب ويديرونها ، وكان أفراد القبائل الأخرى يحبذون طريقتهم فى إجراء القرعة ويرضون بها.

وقد بعث خاتم الأنبياء ـ عليه صلوات الله الرحمن ـ وصفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح يتولى هذه العملية.

قرعة العرب فى الجاهلية

إن وظيفة التفاؤل بالأزلام كانت وظيفة مهمة عند العرب وكانوا يتفاءلون بثلاثة سهام ؛ إلا أن العرب فى الجاهلية كانوا يقومون بإجراء أنواع أخرى من القرعة ، وإنهم كانوا يلعبون القمار بالسهام فى شكل غريب.

من أشهر أنواع القمار عندهم كانت القرعة التى تسحب بالأزلام الكائنة عند «هبل» وكان يجمع بين هذه السهام وسهام الطالع وهو الذى كان يطلق عليه الميسر.

لأن العرب فى الجاهلية كانوا يحتفظون بجانب «هبل» صنمهم الكبير بسبعة سهام ، وعند اللزوم كانوا يقترعون بهذه السهام ويعملون بموجبها.

وكان مسطورا على كل سهم من السهام كلمات مختلفة مثل : «دية المقتول» أو

٣٠٩

«نعم الأمر» أو «لا» أو «منكم» أو «من غيركم» أو «ملصق» فإذا ما اختلف فى دية المقتول كانت تجرى القرعة بين أسماء المظنونين وبين سهم «دية المقتول» وكان الشخص الذى تصيبه «دية المقتول» يضطر لدفع الدية.

وكان أهل الجاهلية يقترعون بسهام «نعم ولا» فإذا ظهر سهم «نعم» يحكمون أن هذا العمل خير وعند ظهور «لا» يحكمون بأنه شر ، وفى الحالة الأولى يمضون رأسا فى عملهم ، وفى الحالة الثانية يؤجلون العمل سنة أخرى ، ويجددون القرعة لنفس العمل.

إذا ما شك فى نسب شخص ما كانوا يقترعون بسهام «منكم ـ من غيركم ـ ملصق» ، فإذا أصابت قرعة منكم ، فيكرمون ذلك الشخص ويعزونه ويسعدونه ، فإذا أصابت القرعة «من غيركم» يعتقدون أن القبيلة التى ينتمى إليها ذلك الشخص فى حلف معهم ، أما إذا أصابت القرعة «ملصق» يحكمون بأن ذلك الشخص مجهول النسب ، وإنهم يثقون ثقة تامة فى نتائج الاقتراع بتلك السهام.

وإذا أرادوا أن يحفروا بئرا أو أن يكشفوا عن منبع ماء كان يكتب على السهم كلمة «مياه» وكانوا يقترعون به لتعيين محل الحفر أو الكشف.

وإذا أرادوا أن يختنوا طفلا أو أن يزوجوا بنتا أو يدفنوا ميتا كانوا يقترعون كما ذكرناه من قبل ، ويعملون بموجب تلك القرعة.

إن الاقتراع بتلك النيات لم يكن يجرى فى أى مكان بل كان يجرى أمام هبل المنصوب داخل الكعبة ، ويقوم به خادم ذلك الصنم.

وكان على الشخص الذى يرغب فى إجراء القرعة إعطاء خادم هبل مائة درهم وعدة رءوس من الإبل أو الغنم أو حيوانات أخرى ، لتذبح قربانا ، ثم يتجه إلى هبل قائلا : إن فلان بن فلان قد اشتبه فى نسبه ، أو نريد أن نختنه ـ أو نزوجها ـ فدلنا على الحقيقة ووجهنا إلى ما يجب عمله.

وبعد ما يلهج بمثل هذه الكلمات يذكر الأمر الذى من أجله يريد أن يجرى القرعة ، ويتضرع لهبل طالبا منه أن يظهر الحق والصواب فيما هو مقدم عليه ،

٣١٠

وبعد ما يذبح الحيوانات التى جلبها معه ويوزعها على الفقراء ثم يشير بإجراء القرعة ، وهذه من جملة شروط القرعة ومن هنا كان على الذين يريدون إجراء القرعة أن يوفروا مقدارا من النقود ، وأن يعدوا بعض الحيوانات ليقدموها لخادم هبل الذى يذبح الحيوانات ويوزع لحمها للفقراء ، ثم يأمر بإجراء القرعة وكانوا يعملون بما جاء فى القرعة.

ولا يقتصر مكان إجراء القرعة على هبل بل يجوز لأى واحد من أهل الجاهلية إجراء القرعة فى أى مكان كان ، وهذا نوع من أنواع قراءة الطالع ، وكانت هذه القرعة تتم ـ أيضا ـ باستقسام الأزلام وقطع الخشب سالفة الذكر.

وكان يطلق سواء على قطع الخشب التى بجانب هبل أو قطع الخشب التى فى حوزة الناس أزلام ـ أقلام ـ أقداح. وإذا ما ترجمناها إلى اللغة التركية فمعناها سهام ، إن الأخشاب التى يستعملها قارئ الطالع ثلاث قطع كتب على أحدها «أمرنى ربى» وعلى الثانية «نهانى ربى» وترك الثالث بدون كتابة أو إشارة. وكان قارئ الطالع فى الجاهلية يباشر عمله ؛ ليبين للذين يلجأون إليه طالبين حكم الأزلام فيما يقدمون عليه من عمل ، فيقوم بخلط الأسهم الثلاثة ثم يضعها فى جراب ويختار أحد الأشخاص الذين يثق فيه أصحاب الشأن ، ويطلب منه أن يدخل يده فى الجراب ويخرج السهام واحدا تلو الآخر ، ويقرأ ما كتب عليها ويبين حكم القرعة.

وكان لا بد أن يعتقد أهل الجاهلية إذا أصابت القرعة كلمة «أمرنى ربى» أن هذا العمل خير وإذا أصابت القرعة السهم الذى يكتب عليه «نهانى ربى» أن هذا الفعل شر ، وإذا أصابت القرعة السهم الخالى من الكتابة كانت إعادة إجراء القرعة بعد مرور سنة من الضرورات الدينية.

وبناء على هذا فالذين يريدون القيام بعمل ما ويريدون أن يعرفوا وجه الخير أو الشر فى هذا العمل ، يلجأون إلى قراءة الطالع ويجرون القرعة بثلاثة أسهم يضعونها فى جراب بعد أن يخلطوها ، ثم يكلفون أحد الذين يثق بهم صاحب

٣١١

الشأن فى حسن طويته ويجعلونه يمد يده داخل الجراب ، ويخرج السهام واحدا واحدا وينظرون على المسطور فوق السهام وينطقون ببعض الكلمات يبينون إذا ما كان فعل هذا الأمر خيرا فيمضون فى فعله أو شرا يمتنعون عنه.

ومن جملة شروط إجراء القرعة أن يلف الرجل الذى يدخل يده فى الجراب قطعة من الجلد المدبوغ الناعم حول يده تسمى ريانة والغرض من هذا ألا يحس الرجل بعلامة ما على السهم فيخرجه ويجامل الأشخاص الذين يحبهم ويخرج لهم ما يريدون من السهام.

وكانت مهمة الرجل الذى يقوم بإجراء القرعة بالأزلام مهمة رسمية يقوم بحل الخلافات التى تحدث بين الحكومة والقبائل ، ويفصل بينهما بينما يقوم الآخر بالفصل فى الخلافات التى تحصل بين الأفراد بعضهم بعضا ومن هنا كان يختلف كل منهما عن الآخر.

وذهب بعض المؤرخين فيما نقلوه من روايات ، أن الاستقسام بالأزلام هو إنه عند ما يهم إنسان بالقيام بعمل مهم يأخذ معه ثلاثة سهام أو سبعة منها ويضعها فوق الحجارة التى نصبت حول المسجد الحرام والتى يقال لها نصب (١) ويستمد من هذه الحجارة المعونة فى تحقق تلك الأعمال ، ويذبحون لها قرابين طلبا لرضاها.

لعب القمار فى الجاهلية

كان الناس فى الجاهلية يلعبون القمار بضم وجمع عشرة سهام واسم هذه اللعبة «ميسر» وهذا بناء على تدقيق علماء التفسير العظام ـ رحمهم الله العلى ـ وأخبارهم ، وإطلاق لفظ ميسر لهذه اللعبة ، لأنه يمكن كسب المال بيسر وسهولة فيها.

وكان يجتمع عدة من أغنياء الجاهلية ويشترون بالدين كثيرا من الجمال على أن تدفع أثمانها فيما بعد ويذبحون هذه الإبل ويقسمون لحومها ثمانية وعشرين جزءا

__________________

(١) ومن الروايات الموثوقة أن هذه النصب كانت أصناما وكان عندها ثلاثمائة وستين قطعة.

٣١٢

ثم يقسمون هذه الأجزاء على عشرة سهام وهذه السهام هى ١ ـ فذ ٢ ـ توام ٣ ـ رقيب ٤ ـ حلس ٥ ـ نافس ٦ ـ مسبل ٧ ـ معلى ٨ ـ منيح ٩ ـ سقيح ١٠ ـ وغد.

وبناء على أصول لعبة الميسر يجعل ويفرز لكل سهم أنصبة معينة وتترك بعضها من غير نصيب وكان لفذ نصيب واحد وللتوأم نصيبان وللرقيب ثلاثة أنصبة ولحلس أربعة ولنافس خمسة ولمسبل ستة ولمعلى سبعة وتترك سهام منيح وسقيح وغد بدون أنصبة.

ويذبح المقامرون الأغنياء هذه الإبل ويقسمونها أنصبة حسب حصص الأسهم المذكورة ، ويضعون كل نصيب فى مكان معين ثم يضعون السهام فى جراب أو إناء بعد أن يخصص لكل مشترك جرابا باسمه ، ثم يسحبون بواسطة رجل موثوق سهما من جراب كل مشترك ويعطون نصيب كل واحد منهم حسب ما جاء فى السهم.

والشخص الذى أصابه سهم من السهام التى لا نصيب لها لا يأخذ شيئا من لحوم الإبل ولكنه يجبر على دفع نصيبه من ثمن الإبل.

وبعد سحب القرعة وجمع نقود الإبل وتوزيعها وتسليمها إلى أصحابها ، يقوم كل واحد منهم بتوزيع كل اللحم الذى كسبه على الفقراء مباهيا مفتخرا.

وكانوا يذمون الذين لا يشتركون فى اللعبة ويصفونهم بالبخل والتقتير ، بل وينشدون قصائد الهجاء فى ذمهم. «انتهى»

خازن الآلات والأموال :

هذه الوظيفة عبارة عن نظارة الخزانة (١) العامة وكانت الأموال والأسلحة التى تدخر للحرب توضع تحت عهدة هذا الموظف ، وظهرت شوكة الإسلام حينما كانت هذه الوظيفة فى عهدة حارث بن قيس بن عدى بن سهم من بنى سهم بن عمرو بن هصيص ، ورفعت حجب الكفر والظلام عن الأنظار.

رفادة :

على وزن إفادة وتأتى بمعنى المسئول عن نفقات أصحاب الحرف وكانت وظيفة هامة وذات مكانة وقد ابتدعها قصى بن كلاب بن مرة.

__________________

(١) يطلق عليها بيت المال أيضا.

٣١٣

وكانت قريش بناء على تصويب ابن كلاب وترتيبه تجمع مقدارا من النقود وتشترى بها التمر والزبيب والحبوب وتقدمه تحية لقوافل الحجاج فى مواسم الحج.

وكان فقراء الحجاج حتى زمن قصى بن كلاب يعانون من مشكلة كبيرة ، لهذا فكر ابن كلاب بينه وبين نفسه فى سبيل لحل هذه المشكلة وقرر ترتيب هذه الرفادة.

إذ جمع رجال قبيلته يوما وقال لهم يا معشر قريش إنكم تسكنون حول كعبة الله وتتميزون بلقب سكان أهل البيت ، وتتمتعون بالإقامة داخل حدود بلد الله ، لذا فأنتم مدينون بإطعام الحجاج الذين يأتون استجابة لدعوة الله.

ولكى تظهروا للضيوف القادمين مظاهر الاحترام على الشكل اللائق بهم ، عليكم أن تسارعوا فى مد موائد المآدب لفقراء الحجاج فى كل عام أما إقامة هذه المآدب فيكون بتخصيص مقدارا من المال سنويا وإعطائه إلى وكيل الصرف ليشترى به البضائع اللازمة لإطعام الحجاج. وبما أنه كان نافذ الكلمة بين القبائل العربية فقد استحسن اقتراحه وهكذا وضع نظام الرفادة الشامل النفع وبناء على ذلك أخذت قريش تجمع فيما بينها النفقات اللازمة لهذا الغرض ، وكأنها ضرائب مفروضة ، وتسلمها لابن كلاب ، وهو بدوره يتولى توفير البضائع اللازمة لإطعام فقراء الحجاج فى مواسم الحج وهكذا برزت مظاهر كرمه واحترامه للحجاج.

وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم ونظام الرفادة فى يد الحارث بن عامر بن عبد مناف.

وقد أطعم الحجاج فى السنة التاسعة الهجرية بواسطة أبى بكر الصديق وقد أطعم الحجاج فى حجة الوداع بلا واسطة.

وقد قام سادتنا الخلفاء الراشدين بمراسم الرفادة على الوجه الأكمل فى سنوات خلافتهم.

إن نظام الرفادة أو عادة إطعام الفقراء من الحجاج قد انتقلت إلى الخلفاء العباسيين وإلى سلاطين البلاد الإسلامية وكانت تتم بواسطة ولاة ولاية الحجاز الجليلة فى سوق منى فى مواسم الحج.

٣١٤

حكى المرحوم تقى الفاسى من مؤرخى مكة المكرمة ومن الذين شاهدوا رأى العين إقامة سماط الرفادة وكتب فى كتابه «تاريخ مكة» وقال : كانت الرفادة فى الجاهلية وفى صدر الإسلام وأوائل الدول الإسلامية من الأصول المقررة والمرعية وقد رأيت أنا أيضا إقامة موائد الرفادة. كان الطعام الذى سيقدم إلى فقراء الحجاج يطبخ فى صحراء منى السعيدة ويطعم الحجاج إلى نهاية الحج ، وذلك بناء على أوامر السلاطين وقد ألغى هذا النظام فيما بعد ولكننى لا أعرف تاريخ إلغائه ولا أتذكر فى عهد من من الحكام قد ألغى.

وظلت عادة الرفادة ملغاة إلى يومنا هذا إلا أن القائمين بإمارة مكة يقومون بتوزيع مختلف أنواع الأغذية ومقدار كاف من اللحوم على جنود السلطان وخاصة الحجاج الفقراء الموجودين فى منى منذ عودتهم من المزدلفة حتى يوم توجههم إلى مكة المكرمة.

وفى الليلة الثانية للعودة من المزدلفة تقام احتفالات كبيرة أمام خيام شريف مكة ووالى الحجاز ويتم إطلاق الألعاب النارية خارج خيام المحمل الشامى والمصرى ليبعث الفرح والسرور فى قلوب الحجاج ذوى الابتهاج بمشاهدة هذه المناظر. وفى اليوم الأول من عبد الفطر يقوم شريف مكة كرما منه بمد سماط المآدب الرفيعة إلى رجال الأهالى وموظفى الدولة الموجودين وقد بلغت هذه المآدب من الفخامة ما يفوق الوصف.

وقد حضرت مأدبة سنة ١٢٨٩. قد مدت مائدة يطلق عليها «السماط» فى غرفة مستطيلة وتزينت بكل ما يمكن توفيره من أنواع الأطعمة اللذيذة والفواكه النادرة وقد جلس حولها أمير مكة ووالى المدينة والضيوف.

وكانت المائدة ترتفع عن الأرض مقدار قدم ونصف قدم وكان طولها ٣٩ قدما وكان عرضها تسعة أقدام.

وترك للمدعوين حرية اختيار الطعام الذى يرغبون فى تناوله حسب الأصول وبالتالى كان كل شخص حرا فى القيام أو الجلوس وفق رأيه.

٣١٥

وقد استمر إطعام الضيوف إلى المساء إلا أن حضرة الشريف لم يمكث إلى نهاية الطعام بجانب المائدة.

وقد تم إطعام الضيوف جماعة بعد جماعة ثم أكرم الضيوف بحضور الأمير بتقديم فنجان قهوة لهم.

وفى هذا اليوم الذى بسط فيه السماط لم يبق إنسان فى مكة إلا وأكل وشبع من هذه النعم ، وبما أن هذه الضيافة تقام كل سنة من قبل شريف مكة فإن ما يصرف فيها يساوى ما كان ينفق من أجل الرفادة.

إن كل لقمة مما أعد لإطعام الناس تفوق من حيث الفخامة ما كان يقدم فى العصور السابقة عدة مرات ومع هذا فإن ما يقدم من طعام فى سماط مكة وما يقدم لجنود السلطنة والفقراء من اللحوم والأغذية فى منى لا يوافق أصول الرفادة لأن الأصول المرعية فى الرفادة إطعام الحجاج وبدون استثناء. ويجب ألا تقتصر هذه الضيافة على إطعام الفرقة العسكرية وبعض الفقراء.

ولكننا لو تذكرنا أن عدد الحجاج الواقفين على جبل الرحمة كانوا قلة قليلة فى العصر الجاهلى وكان ما يقدم لهم فى أثناء ضيافتهم التمر والزبيب فإن القيام بمثل هذا العمل غير ممكن فى عصرنا هذا.

فعدد الحجاج فى عصرنا الراهن تجاوز ثلاثمائة أو أربعمائة ألف ، ومأدبة الرفادة من تمر وزبيب قد تحولت إلى أطعمة متنوعة ولحوم مطبوخة لذا فإن القيام بهذا العمل حسب أصول الرفادة فى العصر الجاهلى يكاد يكون مستحيلا وغير قابل للتنفيذ.

وبما أن مأدبة الضيافة التى أقيمت من جانب الإمارة السنية قد عمت المعايدة الرسمية وكانت سببا فى اختلاط الفقراء مع الأغنياء والوجهاء والأشراف فحسناتها زادت مرات ومرات على أصول الرفادة ونظامها.

شكل السماط

أصول المعايدة : يبدأ أهالى مكة المكرمة مع حلول مواسم الأعياد فى تحسين صلتهم بعضهم مع البعض ، وبهذا يجددون علاقات المودة والإخاء فيما بينهم.

٣١٦

ومن العادات القديمة المرعية أن أهل مكة المكرمة يقسمون أيام عيد الفطر ، بحيث يكون الاحتفال به فى أحد الأحياء إذ يعلن أصحاب الشأن أن العيد اليوم فى حى فلان ويستقبل أعيان وعظماء هذا الحى فلان وفلان وفلان زوارهم فى منازلهم. وفى هذا اليوم يتفق الأعيان والعظماء والأغنياء فيما بينهم ويحددون الشخص الذى سيستقبل الزوار للمعايدة. لذا يسرع سكان الأحياء الأخرى إلى الحى الذى سيحتفل فيه بالعيد.

كما أن سكان هذا الحى يذهبون فى اليوم التالى إلى بيوت أعيان الحى وأثريائهم وهكذا يسرعون فى أداء مراسم المعايدة المتبعة. إن سكان مكة المكرمة يهتمون بهذه العادة ويرعونها أعظم الرعاية حتى إنه لا يبقى فى مكة أفراد صغارا كانوا أو كبارا إلا لقى بعضهم بعضا ويدعون لهم بالخير.

وتشمل هذه المعايدة ، أصحاب القبور من الموتى ، لذا يذهب الرجال ثم النساء فى اليوم الأول من عيد الفطر الشريف للمعايدة ويظلون هناك إلى وقت الزوال فى مقبرة المعلى وسائر المقابر حيث يزورون أقاربهم ويتلون بعض السور القرآنية ثم يعودون إلى منازلهم.

ومما لا شك فيه أن هذا الأمر من السنن السنية الحسنة إلا أنه قد أسئ استغلال هذه العادة إذ أصبح اختلاط الرجال بالنساء فى المقابر حكم عادة وبما أن هذه العادة ستؤدى إلى الاختلاط والفساد فمن الواجب منع اختلاط الرجال بالنساء هناك. انتهى.

إن طريقة المعايدة الحسنة التى ذكرناها من العادات المتبعة فى بعض بلاد الأناضول والرومللى.

إننى قد حضرت العيد فى بعض ولايات الأناضول وكذلك فى ولايات الرومللى كما حضرت مراسم العيد فى مكة المعظمة ، إذ إن المعايدة فى تلك الولايات لا تطابق تماما المعايدة فى مكة المكرمة (١).

__________________

(١) لا يحتفل بعيد الأضحى بهذه الصورة لأن الأهالى فى أيام عيد الأضحى يتواجدون فى عرفات ومنى يؤدون الشعائر.

٣١٧

ولما كان أهالى كل قرية فى تلك الولايات يذهبون إلى القرى الأخرى يتزاورون للمعايدة فيمكن أن نعتبر ذلك مشابها لأصول معايدة مكة المكرمة.

القيادة :

تعنى إمارة الجيش وهى عبارة عن قيادة الجيش فى الحرب والقتال.

إن هذه المناصب كانت خاصة بقريش لذا فإنها تتفوق على القبائل الأخرى بهذا المنصب وتفتخر به.

لما أسند ابن كلاب مهام الحجابة والسقاية واللواء والرفادة الهامة إلى ابنه عبد مناف وهو مازال على قيد الحياة فكأنه اختاره وليا للعهد.

وأسند إلى ابنه الكبير عبد الدار مهمة إدارة دار الندوة لتسوية نزاعات قريش. وقد أوصى عبد مناف بإدارة حجابة البيت واللواء والسقاية والرفادة بموافقة بقية أخوته وخاطب عبد الدار قائلا «يا بنى إننى أجعلك رئيسا على القبيلة ، حيث لا يستطيع أى إنسان من أشراف القبائل أن يدخل كعبة الله طالما لم تفتح لهم بابها ، ولا يستطيع إنسان أن يعقد لواء الحرب دونك ، واللواء المزمع عقده يجب أن يكون فى يدك بلا منازع ولا يستطيع إنسان فى مكة أن يشرب من ماء زمزم إلا إذا سقيته أنت ولا يستطيع إنسان أن يأكل طعاما فى موسم الحج إلا إذا أكل من طعامك. ولا يبت فى أمر من أمور قريش الهامة إلا إذا تم الحكم بذلك فى بيتك.

اختلاف قريش :

بعد وفاة «قصى بن كلاب» أدار أبناؤه بموجب وصيته لعبد الدار حكومة مكة متفقين ، ولكن فيما بعد ظهر بينهم الخلاف ، فإن بنى عبد مناف وهم هاشم وعبد شمس وعبد المطلب ونوفل تباحثوا عن شرفهم وفضلهم وفكروا فى انتزاع مناصب الحجابة والسقاية واللواء والرفادة من أيدى بنى عبد الدار فدبت بينهم الخصومة ، وتباهوا وقالوا : إنهم أجدر وأحق منهم بالقيام بهذه الخدمة الجليلة وادعوا أنهم الأفضل والأشرف ـ فى كل الجوانب ـ من أبناء عمهم عبد الدار ، وأخذوا يتحرشون ببعضهم باستمرار ، وفى النهاية اتفقوا على أن يحال الفصل فى النزاع الدائر بينهم إلى زعماء القبائل للحكم فيه.

٣١٨

أما زعماء القبائل فقد اختلفوا فى أمر هذا النزاع إذ التزمت جماعة منهم جانب بنى عبد الدار حتى لا يخالفوا وصية قصى بن كلاب ، والتزم البعض الآخر جانب بنى عبد مناف تحكمهم فى ذلك بعض المصالح العصرية.

وعند ما ظهر هذا النزاع كان صاحب النفوذ فى أبناء عبد الدار هو عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار أما صاحب الكلمة النافذة والأمر فى أبناء عبد مناف فهو عبد شمس بن عبد مناف.

وبعد مناقشات ومجادلات ومحاورات بين رجال القبائل المختلفة التى التزمت جانبا من الجانبين ، قرروا إسناد مناصب السقاية والرفادة إلى بنى عبد مناف وتظل إدارة دار الندوة فى يد بنى عبد الدار وهكذا أسكتوا الجانبين وألزموهما بهذا الاتفاق وأجبروا الطرفين على توقيع معاهدة بهذا الأمر.

وبناء على هذا الاتفاق أعطيت مهمة السقاية والرفادة إلى أبناء بنى هاشم بن عبد مناف وبقية المناصب إلى بنى عبد الدار وقد أظهر كلا الطرفين رضاهما وموافقتهما على هذا الحكم ، إلى أن توصلوا إلى هذا الحكم والنتيجة كانت ست بطون من قريش قد اتفقت وتعاهدت على أن تحمى بنى عبد الدار من غدر بنى عبد مناف وأطلق على هؤلاء أحلاف قريش وهذه البطون الست هى : بنو عبد الدار وبنو عمرو بن هصيص بن كعب وبنو جمح عمرو بن هصيص ابن كعب وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو عدى بن كعب ، وبنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر. وقد سعى كل هؤلاء على أن يصطحبوا أحد أبناء عبد الدار وأن يكونوا عونا ونصرا لهم حتى لا يهزموا أمام بنى عبد مناف.

واتفقت قبائل بنى أسد بن عبد العزى بن قصى وبنو زهرة ابن كلاب وبنى تيم بن مرة بن كعب ، مع أبناء عبد شمس بن عبد مناف أما قبائل عامر بن لؤى ومحارب بن فهر فقد بقيت على الحياد ووقفوا موقف المتفرج انتظارا لما سينتهى إليه الأمر.

وأقسمت كل جماعة من الجماعات المتفقة على ألا يتخلوا أو ألا يتراجعوا عما أقسموا واتفقوا عليه.

٣١٩

وعقب ذلك أحضرت نساء عبد مناف إناءا مملوءا بالطيب الرطب ، وتركته أمام الجماعة الموجودة عند كعبة الله وتبعا لعادة الجاهلية غمس رجال الجماعة المتفقة أيديهم فى هذا الإناء ومسحوا أيديهم الملطخة بالطيب على جدران الكعبة المشرفة تأكيدا لقسمهم وأقسموا مرة أخرى على المحافظة على القرار الذى اتخذوه.

وكان قصدهم من هذا أن يؤكد كل فريق منهم للآخر ثباته على هذا فأقسم بشأن ذلك القرار المتفق عليه.

وعلى الرغم من حمل الفريقين المتفقين أسلحتهم بعد هذا القسم واستعدادهم للحرب ، إلا أن زعماء القبائل قرروا فيما بينهم التوسط بين أبناء عبد الدار وأبناء عبد مناف وأسفر هذا التوسط عن إجبارهم على قبول ما تم الاتفاق عليه. فانطفأت نار الحرب والقتال التى كادت أن تنشب بينهم بماء الصلح المقترح. وبهذه الصورة تم الحفاظ على الاتفاق الذى تم التوصل إليه حتى عصر النبوة. انتهى.

وكان لعبد مناف ابنان آخران غير عبد المطلب ، ونوفل وهما عبد شمس وهاشم ، وكان لكليهما نصيب فى مناصب الرفادة والسقاية بناء على قرار القبائل الست. وكان عبد شمس شديد الفقر مع كثرة العيال وكان أخوه هاشم من الأغنياء ، ولما كانت إدارة السقاية والرفادة من الأمور المرتبطة بالمال والثراء فقد أسندت كل منها إلى هاشم ، فتولى مهمتهما وفق هذا القرار.

واسم هاشم الأصلى هو عمرو ، وقد أطلقوا عليه هذا الاسم لأنه هو الذى ابتدع طعام الثريد فى مكة المكرمة.

وهاشم هذا هو الذى ابتدع تسيير القوافل إلى اليمن شتاء وإلى الشام صيفا للتجارة ، وسارت قريش على نهجه فيما بعد لأن قريشا وإن كانت تشتغل بالتجارة قبل ذلك إلا أن تجارتهم كانت مقصورة على أطراف مكة فقط.

وحدث فى أثناء سفره إلى الشام أن علم القيصر حاكم الشام بأمر شرفه وحسبه وعلو قدره بين قومه فاستدعاه وأظهر له الشىء الكثير من الاحترام والاهتمام ، وفى خلال حديثه معه ألمح له أنهم يأتون بأمتعة الحجاز واليمن إلى الشام فى الصيف ولما كان هذا الأمر يتطلب رخصة تتضمن عهدا بالأمان فأعطاه

٣٢٠