مناهل العرفان في علوم القرآن - ج ١

الشيخ محمّد عبدالعظيم الزرقاني

مناهل العرفان في علوم القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد عبدالعظيم الزرقاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٥
الجزء ١ الجزء ٢

كل فرد فرد ممن روى عن هؤلاء الأئمة السبعة. قالوا : والقطع بأنها منزلة من عند الله تعالى واجب. قال : ونحن بهذا نقول ، لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق ، واتفقت عليه الفرق من غير نكير له ، مع أنه شاع واشتهر واستفاض ، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها».

فانظر يا أخى إلى هذا الكلام الساقط ، الذى خرج من غير تأمل ، المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة! أوقفت عليه شيخنا الإمام ولى الله تعالى أبا محمد ابن محمد بن محمد الجمالى رضى الله عنه ، فقال : ينبغى أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتّة ، وإنه طعن في الدين. قلت : ونحن ـ يشهد الله ـ أننا لا نقصد إسقاط الإمام أبى شامة ، إذ الجواد قد يعثر ، ولا يجهل قدره. بل الحقّ أحقّ أن يتبع. ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلّة المزلة ، ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا اطلاع له على أحوال الأئمة.

أما قوله : «فمما نسب إليهم وفيه إنكار أهل اللغة الخ» فغير لائق بمثله أن يجعل ما ذكره منكرا عند أهل اللغة. وعلماء اللغة والإعراب الذين عليهم الاعتماد سلفا وخلفا ، يوجّهونها ويستدلون بها. وأنى يسعهم إنكار قراءة تواترت أو استفاضت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ إلا نويس لا اعتبار بهم لا معرفة لهم بالقراءات ولا بالآثار ، جمدوا على ما علموا من القياسات ، وظنوا أنهم أحاطوا بجميع لغات العرب أفصحها وفصيحها ، حتى لو قيل لأحدهم شىء من القرآن على غير النحو الذى أنزل الله يوافق قياسا ظاهرا عنده ولم يقرأ بذلك أحد ، لقطع له بالصحة. كما أنه لو سئل عن قراءة متواترة لا يعرف لها قياسا لأنكرها ولقطع بشذوذها ، حتى إن بعضهم قطع في قوله عزوجل : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) بأن الإدغام الذى أجمع عليه الصحابة رضى الله عنهم والمسلمون لحن وأنه لا يجوز عند العرب ، لأن الفعل الذى هو تأمن مرفوع ، فلا وجه لسكونه حتى يدغم فى النون التى تليه!.

٤٤١

فانظر ـ يا أخى ـ إلى قلة حياء هؤلاء من الله تعالى. يجعلون ما عرفوه من القياس أصلا والقرآن العظيم فرعا! حاشا العلماء المقتدى بهم من أئمة اللغة والإعراب من ذلك. بل يجيئون إلى كل حرف مما تقدم ونحوه ، يبالغون في توجيهه والإنكار على من أنكره. حتى إن إمام اللغة والنحو أبا عبد الله محمد بن مالك قال في منظومته الكافية الشافية في الفصل بين المتضايفين :

«وعمدتى قراءة ابن عامر

فكم لها من عاضد وناصر»

ولو لا خوف الطول وخروج الكتاب عن مقصوده ، لأوردت ما زعم أن أهل اللغة أنكروه ، وذكرت أقوالهم فيها ، ولكن إن مدّ الله في الأجل ، لأضعنّ كتابا مستقلا فى ذلك ، يشفى القلب ويشرح الصدر ، أذكر فيه جميع ما أنكره من لا معرفة له بقراءة السبعة والعشرة ولله در الإمام أبى نصر الشيرازى حيث حكى في تفسيره عند قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) كلام الزجاجى في تضعيف قراءة الخفض. ثم قال : ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين ، لأن القراءات التى قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن ردّ ذلك فقد ردّ على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستقبح ما قرأ به. وهذا مقام محظور لا يقلّد فيه أئمة اللغة والنحو. ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه ، فإنا لا ندّعى أن كل ما في القراءات على أرفع الدرجات من الفصاحة.

وقال الإمام الحافظ أبو عمرو الدانى في كتابه جامع البيان ، عند ذكر إسكان «بارئكم ويأمركم» لأبى عمرو بن العلاء : «وأئمة القراء لا تعمل في شىء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية. بل على الأثبت في الأثر والأصح في

٤٤٢

النقل. والرواية إذا ثبتت عندهم لم يردّها قياس عربية ولا فشوّ لغة ، لأن القراءة سنّة متّبعة ، فلزم قبولها وللصير إليها».

قلت : ثم لم يكف الإمام أبا شامة حتى قال : «فكل ذلك (يعنى ما تقدم) محمول على قلّة ضبط الرواة» لا والله. بل كله محمول على كثرة الجهل ممن لا يعرف لها أوجها وشواهد صحيحة تخرّج عليها ، كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى في الكتاب الذى وعدنا به آنفا ، إذ هى ثابتة مستفاضة ؛ ورواتها أئمة ثقات. وإن كان ذلك محمولا على قلة ضبطهم ، فليت شعرى أكان الدين قد هان على أهله؟ حتى يجيء شخص في ذلك الصدر يدخل فى القراءة بقلة ضبطه ما ليس منها ، فيسمع منه ويؤخذ عنه ، ويقرأ به في الصلاة وغيرها ، ويذكره الأئمة في كتبهم ، ويقرءون به ويستفاض ، ولم يزل كذلك إلى زماننا هذا لا يمنع أحد من أئمة الدين القراءة به ، مع أن الإجماع منعقد على أن من زاد حركة أو حرفا في القرآن أو نقص من تلقاء نفسه مصرّا على ذلك يكفر ؛ والله جلّ وعلا تولّى حفظه : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).

وأعظم من ذلك تنزله : إذ قال : «وعلى تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة ، لا ينبغى قراءتها ، حملا لقراء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه على ما هو اللائق بهم». فإذا كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم لم يقرءوا بها مع تقدير صحتها وأنها من الأحرف السبعة ، فمن أوصلها إلى هؤلاء الذين قرءوا بها؟

ثم يقول : «فلا أقل من اشتراط ذلك» يعنى اشتراط الشهرة والاستفاضة. قلت : ألا تنظرون إلى هذا القول؟ ثم أأجد في الدنيا يقول : إن قراءة ابن عامر وحمزة وأبى عمرو ومن اجتمع عليه أهل الحرمين والشام أبى جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر ، وقراءة

٤٤٣

البزى وقنبل وهشام ، إن تلك غير مشهورة ولا مستفاضة وإن لم تكن متواترة؟! هذا كلام من لم يدر ما يقول ، حاشا الإمام أبا شامة منه. وأنا من فرط اعتقادى فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شىء. ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه ، أو أنه ألّف هذا الكتاب أول أمره ، كما يقع لكثير من المصنفين. وإلا فهو في غيره من مصنفاته كشرحه على الشاطبية ، بالغ في الانتصار والتوجيه لقراءة حمزة «والأرحام» بالخفض ، والفصل بين المتضايفين. ثم قال في الفصل : ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام مثله ، لأنه ناف ، ومن أسند هذه القراءة مثبت. والإثبات مرجّح على النفى بالإجماع. قال : ولو نقل إلى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله. فما باله ما يكتفى بناقلي القراءة من التابعين عن الصحابة رضى الله عنهم ثم أخذ في تقرير ذلك. قلت : هذا الكلام مباين لما تقدم ، وليس منه في شىء. وهو الأليق بمثله ، رحمه‌الله.

ثم قال أبو شامة في المرشد بعد ذلك القول : «فالحاصل أنا لسنا ممن يلتزم التواتر فى جميع الألفاظ المختلف فيها». قلت : ونحن كذلك ؛ تكن في القليل منها ، كما تقدم فى الباب الثانى (١).

قال : «وغاية ما يبديه مدعى تواتر المشهور منها ، كإدغام أبى عمرو ، ونقل الحركة لورش ، وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير ، أنه متواتر عن ذلك الإمام الذى نسبت تلك القراءة إليه ، بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة ، إلا أنه بقى عليه التواتر

__________________

(١) يشير بذلك إلى مثل قراءة هشام «أفئدة» بياء بعد الهمز. فإنه اعتبره صحيحا مقطوعا به وإن لم يتواتر ، لأن استفاضته وموافقته الرسم والعربية قرائن مثلها يفيد العلم فى غير المتواتر. انظر المنجد ص ١٩.

٤٤٤

من ذلك الإمام إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كل فرد فرد من ذلك. ومن ثمّ تسكب العبرات.

فإنها من تمّ لم ينقلها إلا آحاد ، إلا اليسير منها».

قلت هذا من جنس ذلك الكلام المتقدم. أوقفت عليه شيخنا الإمام واحد زمانه شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب بيبرود الشافعى ، فقال لى : معذور أبو شامة ، حيث إن القراءات كالحديث ، مخرجها كمخرجه ، إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية ؛ وخفى عليه أنها نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا ؛ وإلا فكل أهل بلدة كانوا يقرءونها أخذوها أمما عن أمم. ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل بلده لم يوافقه على ذلك أحد ، بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها.

قلت : صدق. ومما يدلّ على هذا ما قال ابن مجاهد : قال لى قنبل : قال القواس في سنة سبع وثلاثين ومائتين : الق هذا الرجل (يعنى البزى) فقل له : هذا الحرف ليس من قراءتنا. يعنى (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) مخففا. وإنما يخفف من الميت من قد مات ، ومن لم يمت فهو مشدّد. فلقيت البزى فأخبرته ، فقال له : قد رجعت عنه ... وقال محمد بن صالح :

سمعت رجلا يقول لأبى عمرو : كيف تقرأ (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ)؟ فقال : «لا يعذّب» بالكسر. فقال له الرجل : كيف؟ وقد جاء عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يعذب» بالفتح. فقال له أبو عمرو : لو سمعت الرجل الذى قال : سمعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أخذته عنه. أو تدرى ما ذاك؟ لأنى أتهم الواحد الشاذّ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. قال الشيخ أبو الحسن السخاوى : وقراءة الفتح أيضا ثابتة بالتواتر. قلت : صدق ؛ لأنها قراءة الكسائى. قال السخاوى : وقد تواتر الخبر عند قوم دون قوم. وإنما أنكرها أبو عمرو ؛ لأنها لم تبلغه على وجه التواتر.

قلت : وهذا كان من شأنهم على أن تعيين هؤلاء القراء ليس بلازم ، ولو عين غير

٤٤٥

هؤلاء لجاز. وتعيينهم إما لكونهم تصدوا للإقراء أكثر من غيرهم ، أو لأنهم شيوخ المعين كما تقدم. ومن ثمّ كره من كره من السلف أن تنسب القراءة إلى أحد. روى ابن أبى داود عن إبراهيم النخعى قال : كانوا يكرهون سند فلان وقراءة فلان. قلت : وذلك خوفا مما توهمه أبو شامة من القراءة إذا نسبت إلى شخص تكون آحادية. ولم يدر أن كل قراءة نسبت إلى قارئ من هؤلاء كان قراؤها زمن قارئها وقبله أكثر من قرائها فى هذا الزمن وأضعافهم. ولو لم يكن انفراد القراء متواترا لكان بعض القرءان غير متواتر ، لأنا نجد في القرآن أحرفا تختلف القراء فيها ، وكلّ منهم على قراءة لا توافق الآخر ، كأرجه وغيرها ، فلا يكون شىء منها متواترا. وأيضا قراءة من قرأ «مالك ويخادعون» فكثير من القرآن غير متواتر ، لأن التواتر لا يثبت باثنين ولا بثلاثة.

قال الإمام الجعبرى في رسالته : وكل وجه من وجوه قراءته كذلك (يعنى متواترا) لأنها أبعاضه. ثم قال : فظهر من هذا فساد قول من قال : هو متواتر دونها ، إذ هو عبارة عن مجموعها.

ثم قال ابن الجزرى : ومما يحقق لك أن قراءة أهل كل بلد متواترة بالنسبة إليهم أن الإمام الشافعى رضى الله عنه جعل البسملة من القرآن مع أن روايته عن شيخه مالك تقتضى عدم كونها من القرآن ، لأنه من أهل مكة وهم يثبتون البسملة بين السورتين ويعدّونها من أول الفاتحة آية ، وهو قرأ قراءة ابن كثير على إسماعيل القسط عن ابن كثير ، فلم يعتمد في روايته عن مالك في عدم البسملة ، لأنها آحاد ، واعتمد على قراءة ابن كثير لأنها متواترة. وهذا لطيف فتأمله ، فإننى كنت أجد في كتب أصحابنا يقولون : إن الشافعى رضى الله عنه روى حديث عدم البسملة عن مالك ولم يعوّل عليه ، فدلّ على أنه ظهرت له فيه علة ، وإلا لما ترك العمل به. قلت : ولم أر أحدا من أصحابنا

٤٤٦

بين العلة ، فبينا أنا ليلة مفكر ، إذ فتح الله تعالى بما تقدّم ـ والله تعالى أعلم ـ أنها هى العلة. مع أنى قرأت القرآن برواية إمامنا الشافعى عن ابن كثير كالبزى وقنبل. ولما علم بذلك بعض أصحابنا من كبار الأئمة الشافعية قال لى : أريد أن أقرأ عليك القرآن بها.

ومما يزيدك تحقيقا ما قاله أبو حاتم السجستانى ، قال : أول من تتبع بالبصرة وجوه القراءات وألفها وتتبّع الشاذّ منها هارون بن موسى الأعور. قال : وكان من القراء. فكره الناس ذلك ، وقالوا : قد أساء حين ألفها. وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرون وأمة عن أفواه أمة ، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من راو راو. قلت : يعنى آحادا آحادا.

وقال الحافظ العلامة أبو سعيد خليل كيكلدى العلائى في كتابه المجموع المذهب :

وللشيخ شهاب الدين أبى شامة في كتابه المرشد الوجيز وغيره كلام في الفرق بين القراءات السبع (١) والشاذّة منها. و (٢) كلام غيره من متقدمى القراء ما يوهم أن القراءات السبع ليست متواترة كلها ، وأن أعلاها ما اجتمع فيه صحة السند وموافقة خط المصحف الإمام والفصيح من لغة العرب ، وأنه يكفى فيها الاستفاضة ، وليس الأمر كما ذكر هؤلاء. والشبهة دخلت عليهم مع انحصار أسانيدها في رجال معروفين ، وظنوها كاجتهاد الآحاد (٣).

__________________

(١) كذا بالأصل. ولعله قد سقطت هنا كلمة «المتواتر» ، ولعل كلمة «والشاذة» أصلها «والشاذ» بدون تاء مربوطة. فتدبر.

(٢) كذا بالأصل. ولعله قد سقطت هنا كلمة «فى» ويكون الصواب : «وفي كلام غيره» فتأمل.

(٣) لعل أصله. «فظنوها كأخبار الآحاد».

٤٤٧

قلت : وقد سألت شيخنا إمام الأئمة أبا المعالى رحمه‌الله تعالى عن هذا الموضع فقال : انحصار الأسانيد في طائفة ، لا يمنع مجىء القرآن عن غيرهم. فلقد كان يتلقاه أهل كل بلد ، يقرؤه منهم الجم الغفير عن مثلهم ، وكذلك دائما. والتواتر حاصل لهم. ولكن الأئمة الذين تصدوا لضبط الحروف وحفظوا شيوخهم منها وجاء السند من جهتهم (١). وهذه الأخبار الواردة في حجة الوداع ونحوها أجلى (٢) ، ولم تزل حجة الوداع منقولة ، فمن (٣) يحصل بهم التواتر عن مثلهم في كل عصر ، فهذه كذلك. وقال : هذا موضع ينبغى التنبه له. انتهى والله أعلم.»

ذلك ما قاله العلامة ابن الجزرى في هذا المقام من كتابه المنجد ، ولعله فصل الخطاب فى هذا الموضوع ، ولذلك آثرنا أن ننقله إليك محاولين حسن عرضه وضبطه والتعليق عليه مختصرا بقدر الإمكان. ولقد كنت أود أن تكون النسخة التى نقلت منها أكثر تحريرا مما رأيت ، ولكن ما الحيلة؟ وهى أول طبعة عن نسخة مخطوطة برواق المغاربة من الأزهر الشريف ، ومن شأن البدايات أن يكون فيها نقص ، ثم تصير إلى الكمال في النهاية إن شاء الله.

__________________

(١) لعل في هذين الموضعين سقطا.

(٢) لعل في هذين الموضعين سقطا.

(٣) لعل صواب هذه الفاء أن تكون عينا أو ميما أو باء.

٤٤٨

ب ـ القراء

القراء جمع قارئ وهو في اللغة اسم فاعل من قرأ. ويطلق في الاصطلاح على إمام من الأئمة المعروفين الذين تنسب إليهم القراءات السابقة. وقد سردنا عليك أسماءهم. ونتحفك هنا بنبذة قصيرة عن كل واحد من مشهوريهم وعن بعض من اشتهر بالرواية عنه ، لتطّلع على لمحة من فضلهم ، ولتتّصل اتصالا علميا بهذه الفئة الكريمة التى لها هذا الأثر الرائع في المحافظة على أداء القرآن الكريم بتلك الطرق المدوّية في جميع أنحاء العالم الإسلامى مدى تلك القرون الطويلة.

ونحن لا نريد بهذه الكلمات استقصاء تاريخهم ولا الأدوار التى مرّت على قراءاتهم. فذلك شوط واسع. أفرده بالتأليف جماعة ، منهم الذهبى وابن الجزرى في طبقات القراء (١).

القراء السبعة رحمهم‌الله :

١ ـ ابن عامر

اسمه عبد الله اليحصبى نسبة إلى يحصب ، وهو فخذ من حمير ويكنى أبا نعيم ، وأبا عمران. وهو تابعى جليل ، لقى واثلة بن الأسقع والنعمان بن بشير ، وقد أخذ القراءة عن المغيرة بن أبى شهاب المخزومى ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل إنه

__________________

(١) طبقات القراء لابن الجزرى عوّلت عليها في تراجم القراء خصوصا عند الاختلاف بين المراجع ، لأنه هو المعروف بالمحقّق!. وبهذه المناسبة أريد أن تقضى العجب أو الأسف معى على أن الذى عنى بطبع هذا الكتاب ونشره هو المستشرق الألمانى (ج. برجستراسر) كما سمعت أنه طبع كتابا بمصر أيضا في القراءات لابن خالويه ، ثم نقله إلى بلاده ، ومصر كلها محرومة منه!!.

(٢٩ ـ مناهل العرفان ١)

٤٤٩

قرأ على عثمان نفسه ، وقد توفى بدمشق سنة ١١٨ ثمانى عشرة ومائة ، وقد اشتهر برواية قراءته هشام وابن ذكوان ، ولكن بواسطة أصحابه.

(فأما هشام) فقد أخذ القراءة عن عراك بن خالد المزى ، عن يحيى بن الحارث الذّمارى ، عن ابن عامر. وكان هشام قاضيا فقيها محدّثا ثقة ضابطا ، توفى بدمشق سنة ٢٤٥ خمس وأربعين ومائتين.

(وأما ابن ذكوان) فهو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشى ، الدمشقى. أخذ القراءة عن أيوب بن تميم ، عن يحيى بن الحارث الذمارى ، عن ابن عامر :

يقول أبو زرعة فيه : «إنه الحافظ الدمشقى ، لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان في زمن ابن ذكوان عندى أقرأ منه» ، توفى سنة ٢٤٢ اثنتين وأربعين ومائتين.

وفي ابن عامر وراوييه يقول صاحب الشاطبية : ـ

«وأما دمشق الشام دار ابن عامر

فتلك بعبد الله طابت محلّلا

هشام ، وعبد الله ، وهو انتسابه

لذكوان بالإسـناد عنـه تنقّلا»

٢ ـ ابن كثير

هو أبو محمد ، أو أبو معبد ، عبد الله بن كثير الدارى. كان إمام الناس في القراءة بمكة تحفه السكينة ويحوطه الوقار. لقى من الصحابة عبد الله بن الزبير ، وأبا أيوب الأنصارى ، وأنس بن مالك.

وروى عن مجاهد عن ابن عباس عن أبىّ بن كعب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقرأ على عبد الله بن السائب المخزومى. وقرأ عبد الله هذا على أبىّ بن كعب وعمر بن الخطاب.

وكلاهما قرأ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وتوفى سنة ١٢٠ عشرين ومائة بمكة المكرمة.

وقد اشتهر بالرواية عنه ـ ولكن بواسطة أصحابه ـ البزّيّ وقنبل.

٤٥٠

(أما البزّىّ) فهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبى بزّة. فالبزى نسبة إلى بزّة هذا وهو جدّه الأعلى. كان إماما ضابطا ثقة انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة روى عن عكرمة بن سليمان عن شبل بن عباد وإسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين عن ابن كثير. وكان إمام المسجد الحرام ومقرئه ومؤذنه توفى سنة ٢٥٠ خمسين ومائتين.

(وأما قنبل) فهو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد المخزومى المكى يكنى أبا عمر ، ويلقب بقنبل لشدته (١). كان إماما في القراءة ضابطا ثقة يؤمه الناس من أقطار الأرض. أخذ القراءة عن أبى الحسن أحمد القواس عن وهب ، عن القسط ، عن شبل ومعروف ، وكلاهما قرأ على ابن كثير. توفى سنة ٢٩١ إحدى وتسعين ومائتين.

وفي ابن كثير وراوييه يقول صاحب الشاطبية :

«ومكة عبد الله فيها مقامه

هو ابن كثير كاثر القوم معتلا

روى أحمد البزّى له ومحمد

على سند وهو الملقّب قنبلا

٣ ـ عاصم

هو أبو بكر عاصم بن أبى النّجود الأسدي (والنجود بفتح النون وضم الجيم مأخوذ من نجدت الثياب إذا سويت بعضها ببعض).

كان قارئا متقنا ، آية في التحرير والإتقان والفصاحة وحسن الصوت بقراءة القرآن قرأ على زرّ بن حبيش على عبد الله بن مسعود على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقرأ أيضا على أبى عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمى ، معلم الحسن والحسين.

وقرأ عبد الرحمن هذا على الإمام علىّ ، وأخذ الإمام علىّ قراءته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. توفى بالكوفة أو بالسماوة سنة ١٢٧ سبع وعشرين ومائة.

روى عنه شعبة وحفص كلاهما بدون واسطة.

__________________

(١) قنبل كقنفذ : الغلام الحادّ الرأس الخفيف الروح. ذلك أصل معناه ، ثم سمى به محمد بن عبد الرحمن القارئ. انظر القاموس إن شئت.

٤٥١

(أما شعبة) فهو المشهور بابن عيّاش بن سالم الأسدي وقيل اسمه محمد ، وقيل مطرق ، ويكنى أبا بكر لأن شعبة اسم مشترك بينه وبين أبى بسطاط شعبة بن الحجاج البصرى. كان إماما عالما كبيرا. توفى بالكوفة سنة ١٩٣ ثلاث وتسعين ومائة.

(وأما حفص) فهو أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة البزّاز. كان ربيب عاصم :

تربى في حجره ، وقرأ عليه ، وتعلم منه كما يتعلم الصبى من معلمه ، فلا جرم كان أدقّ إتقانا من شعبة. توفى سنة ١٨٠ ثمانين ومائة.

وفي عاصم وراوييه يقول صاحب الشاطبية :

«وبالكوفة الغرّاء منهم ثلاثة

أذاعوا فقد ضاعت شذّى وقر نفلا

فأما أبو بكر وعاصم اسمه

فشعبة راويه المبرّز أفضلا

وذاك ابن عيّاش أبو بكر الرضا

وحفص وبالإتقان كان مفضّلا

٤ ـ أبو عمرو

هو أبو عمرو زبّان بن العلا بن عمار البصرى. كان من أعلم الناس بالقراءة مع صدق وأمانة وثقة في الدين. روى عن مجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن أبى بن كعب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واقرأ على جماعة منهم أبو جعفر وزيد بن القعقاع والحسن البصرى. وقرأ الحسن على حطان وأبى العالية. وقرأ أبو العالية على عمر بن الخطاب. توفى سنة ١٥٤ أربع وخمسين ومائة.

وممن اشتهر بالرواية عنه الدورى والسوسى ، ولكن بواسطة اليزيدى أبى محمد يحيى بن المبارك العدوى المتوفى سنة ٢٠٢ اثنتين ومائتين. وسمى باليزيدى نسبة إلى يزيد ابن منصور خال الخليفة المهدى ، لأنه كان يؤدب ولده.

٤٥٢

(أما الدورى) فهو أبو عمر حفص بن عمر المقرى الضرير ، ولقب بالدورى نسبة إلى الدور ، وهو موضع بالجانب الشرقى من بغداد ، كان ثقة ضابطا ؛ أول من جمع القراءات. روى عن اليزيدى عن أبى عمرو ، وتوفى سنة ٢٤٦ ست وأربعين ومائتين.

(وأما السوسى) فهو أبو شعيب صالح بن زياد ، روى عن اليزيدى عن أبى عمرو.

وكان ثقة ضابطا. توفى سنة ٢٦١ إحدى وستين ومائتين.

وفي أبى عمرو وراوييه يقول صاحب الشاطبية :

«وأمّا الإمام المازنىّ صريحهم

أبو عمرو البصرى فوالده العلا

أفاض على يحيى اليزيدىّ سيبه

فأصبح بالعذب الفرات معلّلا

أبو عمر الدّورى وصالحهم أبو

شعيب هو السّوسىّ عنه تقبّلا»

٥ ـ حمزة

هو أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفى مولى عكرمة بن ربيع التيمى. قرأ على أبى محمد سليمان بن مهران الأعمش ، على يحيى بن وثاب ، على زر بن حبيش ، على عثمان وعلى وابن مسعود ، على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كان ورعا عالما بكتاب الله ، مجودا له عارفا بالفرائض والعربية ، حافظا للحديث. توفى بحلوان سنة ١٥٦ ست وخمسين ومائة.

وممن اشتهر بالرواية عنه خلف وخلاد ، لكن بواسطة أبى عيسى سليم بن عيسى الحنفى الكوفى المتوفّى سنة ١٨٨ ، ثمان وثمانين ومائة.

(أما خلف) فهو أبو محمد خلف بن هشام بن طالب بن البزار. كان زاهدا عابدا.

روى عن سليم بن عيسى الحنفى عن حمزة. وتوفى سنة ٢٢٩ تسع وعشرين ومائتين.

(وأما خلاد) فهو أبو عيسى خلاد بن خالد الأحوال الصيرفى. روى عن سليم بن

٤٥٣

عيسى عن حمزة. وكان أضبط أصحاب سليم وأجلهم عرفانا وتحقيقا. توفى بالكوفة سنة ٢٢٠ عشرين ومائتين.

وفي ذلك يقول صاحب الشاطبية :

«وحمزة ما أزكاه من متورّع

إماما ، صبورا ، للقرآن مرتّلا

روى خلف عنه وخلّاد الّذى

رواه سليم متقنا ومحصّلا»

٦ ـ نافع

هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم المدنى. أخذ القراءة عن أبى جعفر القارى وعن سبعين من التابعين ، وهم أخذوا عن عبد الله بن عباس وأبى هريرة ، عن أبى بن كعب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة المنورة. توفى سنة ١٦٩ تسع وستين ومائة.

وممن اشتهر بالرواية عنه قالون وورش :

(أما قالون) فهو أبو موسى عيسى بن مينا النحوى. ولقب بقالون لجودة قراءته لأن قالون معناه الجيّد في أصل وضعها. قرأ على نافع واختصّ به كثيرا ، وقال : قرأت على نافع غير مرة ، وكتبت عنه. توفى سنة ٢٢٠ عشرين ومائتين.

(وأما ورش) فهو عثمان بن سعيد المصرى ، يكنى أبا سعيد ، ويلقب بورش لشدة بياضه (١). رحل إلى المدينة فقرأ على نافع ختمات سنة ١٥٥ خمس وخمسين ومائة ، ثم رجع إلى مصر فانتهت إليه رئاسة الإقراء بها ، وكان حسن الصوت جيد القراءة. توفى سنة ١٩٧ سبع وتسعين ومائة.

وفي ذلك يقول صاحب الشاطبية :

__________________

(١) الورش في أصل اللغة : يطلق على شىء يصنع من اللبن. فيصح أن يضرب به المثل في البياض. انظر القاموس.

٤٥٤

«فأمّا الكريم السّرّفي الطّيب(١)نافع

فذاك الّذى اختار المدينة منزلا

وقالون عيسى ثمّ عثمان ورشهم

بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا

٧ ـ الكسائى

هو أبو الحسن على بن حمزة الكسائى النحوى. لقب بالكسائى لأنه كان في الإحرام لابسا كساء ، قال أبو بكر الأنبارى : اجتمعت في الكسائى أمور : كان أعلم الناس بالنحو ، وأوحدهم بالغريب ، وكان أوحد الناس بالقرآن ، فكانوا يكثرون عليه ، حتى يضطر أن يجلس على الكرسى ويتلو القرآن من أوله إلى آخره ؛ وهم يسمعون منه ويضبطون عنه. توفى سنة ١٨٩ تسع وثمانين ومائة.

وقد اشتهر بالرواية عنه أبو الحارث والدورى.

(أما أبو الحارث) فهو الليث بن خالد المروزى. كان من أجلّاء أصحاب الكسائى ثقة وضبطا. توفى سنة ٢٤٢ أربعين ومائتين.

(وأما الدورى) فهو أبو عمر حفص بن عمر الدورى الذى ألمعنا إليه في الرواية عن أبى عمرو.

وفي الكسائى وراوييه يقول صاحب الشاطبية :

«وأمّا علىّ فالكسائى نعته

لما كان في الإحرام فيه تسربلا

روى ليهم عنه أبو الحارث الرّضا

وحفص هو الدّورى وفي الذّكر قد خلا»

__________________

(١) يشير بهذه الكلمة إلى ما روى عنه أنه كان إذا تكلم يشم من فيه ريح المسك بسبب قراءة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فيه مناما ؛ كما أخبر نافع بذلك.

٤٥٥

تمام القراء العشرة :

وهاك كلمة عن الثلاثة الذين إذا أضيفوا إلى السبعة السابقين ، تكمل بهم عدّة القراء العشرة أصحاب القراءات العشر المعروفة ، والتى سبق الكلام عليها قريبا.

٨ ـ أبو جعفر

هو يزيد بن القعقاع القارى ، نسبة إلى موضع بالمدينة يسمى : قارا. وقد سبق أنه أخذ عن عبد الله بن عباس وأبى هريرة ، عن أبىّ بن كعب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. توفى أبو جعفر سنة ١٣٠ ثلاثين ومائة ، وكان تابعيّا جليل القدر ، رفيع المنزلة.

وقد اشتهر بالرواية عنه أبو موسى عيسى بن وردان الحذّاء ، وأبو الربيع سليمان بن مسلم بن جمّاز.

(أما ابن وردان) فهو أبو موسى عيسى بن وردان ، المدنى ، الحذاء ، من أصحاب نافع في القراءة على أبى جعفر. كان مقرئا ضابطا ثقة. وتوفى سنة ١٦٠ ستين ومائة.

(وأما ابن جمّاز) فهو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جمّاز. قرأ على أبى جعفر وشيبة بن نصاحة ونافع. وتوفى بعد سنة ١٧٠ سبعين ومائة بالمدينة المنورة.

٩ ـ يعقوب

هو أبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمى. قرأ على أبى المنذر سلام بن سليمان الطويل. وقرأ سلّام على عاصم وعلى أبى عمرو. توفى يعقوب سنة ٢٠٥ خمس ومائتين.

وممن اشتهر بالرواية عنه روح بن عبد المؤمن ، ومحمد بن المتوكل اللؤلؤى الملقب برويس وغيرهما.

٤٥٦

(أما روح) فهو أبو الحسن روح بن عبد المؤمن بن عبدة بن مسلم الهذلى النحوى ، قرأ على إمام البصرة أبى محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبى إسحاق الحضرمى ، وكان إماما جليلا ثقة روى عنه البخارى. وتوفى سنة ٢٣٤ أربع أو خمس وثلاثين ومائتين.

(وأما رويس) فهو أبو عبد الله محمد بن المتوكل اللؤلؤى البصرى ، المعروف برويس.

كان من أحذق أصحاب يعقوب. وتوفى البصرة سنة ٢٣٨ ثمان وثلاثين ومائتين.

١٠ ـ خلف

هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف بن ثعلب ، قرأ على سليم عن حمزة ، وعلى يعقوب بن خليفة الأعشى ، وعلى أبى زيد سعيد بن أوس الأنصارى صاحب المفضل الضبى ، وعلى أبان العطار ، وهم عن عاصم. وتوفى خلف سنة ٢٢٩ تسع وعشرين ومائتين كما سبق في ترجمة حمزة.

وممن اشتهر بالرواية عنه أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله ، المروزى ، ثم البغدادى ، الورّاق ، المتوفى سنة ٢٨٦ ست وثمانين ومائتين.

وممن اشتهر بالرواية عنه أيضا أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحدّاد البغدادى ، المتوفى سنة ٢٩٢ اثنتين أو ثلاث وتسعين ومائتين.

تمام القراء الأربعة عشر

وهاك كلمة مختصرة عن الأربعة الذين إذا اضيفوا إلى العشرة السابقين كملت عدة القراء الأربعة عشر الذين تنسب إليهم القراءات المعروفة بالقراءات الأربع عشرة.

٤٥٧

١١ ـ الحسن البصرى

هو السيد الإمام الحسن بن أبى الحسن يسار أبو سعيد البصرى الغنىّ بشهرته عن تعريفه. المتوفى سنة ١١٠ عشر ومائة.

١٢ ـ ابن محيصن

هو محمد بن عبد الرحمن السهمى المكى ، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير. المتوفى سنة ١٢٣ ثلاث وعشرين ومائة.

١٣ ـ يحيى اليزيدى

هو يحيى بن المبارك بن المغيرة الإمام أبو محمد العدوى البصرى المعروف باليزيدى.

المتوفى سنة ٢٠٢ اثنتين ومائتين.

١٤ ـ الشنبوذى

هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن العباس بن ميمون أبو الفرج الشنبوذى الشطوى البغدادى. المتوفى سنة ٣٨٨ ثمان وثمانين وثلاثمائة.

هؤلاء الأئمة وأضرابهم هم الذين خدموا الأمة والملة ، وحافظوا على الكتاب والسنة ، وفيهم يقول السيوطى بإتقانه : «ثم لما اتسع الخرق ، وكاد الباطل يلتبس بالحق ، قام جهابذة الأمة وبالغوا في الاجتهاد ، وجمعوا الحروف والقراءات ، وعزوا الوجوه والروايات ، وميزوا الصحيح والمشهور والشاذ ، بأصول أصّلوها ، وأركان فصلوها. فأول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام ، ثم أحمد بن جبير الكوفى ، ثم إسماعيل

٤٥٨

ابن إسحاق المالكى صاحب قالون ، ثم أبو جعفر بن جرير الطبرى ، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجونيّ ، ثم أبو بكر مجاهد ، ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف فى أنواعها ، جامعا ومفردا ، موجزا ومسهبا. وأئمة القراءات لا تحصى. وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبى ، ثم حافظ القرآن أبو الخير بن الجزرى» ا ه.

أسأل الله تعالى أن يغمر الجميع بواسع رحماته ، وأن يجزيهم أفضل الجزاء على خدمتهم لكتابه. آمين.

حكم ما وراء العشر

وقع الخلاف أيضا في القراءات الأربع التى تزيد على العشر وتكمل الأربع عشرة :

فقيل بتواتر بعضها. وقيل بصحتها. وقيل بشذوذها ، إطلاقا في الكل. وقيل : إن المسألة ليست مسألة أشخاص ولا أعداد ، بل هى قواعد ومبادئ. فأيما قراءة تحققت فيها الأركان الثلاثة لذلك الضابط المشهور فهى مقبولة ، وإلا فهى مردودة. لا فرق بين قراءات القراء السبع والقراء العشر والقراء الأربعة عشر وغيرهم فالميزان واحد في الكل. والحق أحقّ أن يتبع.

قال صاحب الشافى : «التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة ، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشروا. ووهم من قال : إنه لا تجوز الزيادة على ذلك. وذلك لم يقل به أحد» ا ه بشيء من التصرف.

وقال الكواشى : «كل ما صح سنده ، واستقام وجهه في العربية ، ووافق خطّ المصحف الإمام ، فهو من السبعة المنصوصة. (يريد السبعة الأحرف في الحديث النبوى المعروف) ثم قال : وقد اشتدّ إنكار أئمة هذا الشأن على من ظنّ انحصار القراءات المشهورة في مثل ما في التيسير والشاطبية» ا ه.

٤٥٩

وهذا رأى قريب من الصواب ، لو لا أنه لم يقصر نظره على ما هو الواقع القائم بيننا اليوم من القراءات ، ولم يطبق الحكم ولم يفصله فيه ، بل ساق الكلام عامّا كما ترى.

والتحقيق هو ما ذهب إليه أبو الخير بن الجزرى ، من أن القراءات العشر التى بين أيدينا اليوم متواترة دون غيرها. قال في منجد المقرئين ما يفيد أن الذى جمع في زمننا هذه الأركان الثلاثة (أى في ذلك الضابط المشهور مع ملاحظة إبدال شرط صحة الإسناد بتواتره) هو قراءة الأئمة العشرة التى أجمع الناس على تلقيها بالقبول. أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا. فقراءة أحدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعا بها.

أما قول من قال : إن القراءات المتواترة لا حدّ لها فإن أراد القراءات المعروفة في زماننا فغير صحيح ؛ لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر. وإن أراد ما يشمل قراءات الصدر الأول فمحتمل.

ثم إن غير المتواتر من القراءة على قسمين :

(القسم الأول ما صحّ سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ووافق العربية والرسم. وهذا ضربان : ضرب استفاض نقله وتلقته الأمة بالقبول ، كما انفرد به الرواة وبعض الكتب المعتبرة ، أو كمراتب القراء في المدّ ونحو ذلك ، فهذا صحيح مقطوع به وبأنه منزل من عند الله على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحرف السبعة. وهذا الضرب يلحق بالقراءة المتواترة وإن لم يبلغ مبلغها ، لأنه من قبيل أخبار الآحاد التى احتفت بها قرائن تفيد العلم. والضرب الثانى لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض. وهذا فيه خلاف العلماء : منهم من يجوّز القراءة والصلاة به ، ومنهم من يمنع القراءة بما وراء العشرة منع تحريم لا كراهة. قال ابن السبكى في جمع الجوامع : «ولا تجوز القراءة بالشاذّ : والصحيح أن ما وراء العشرة فهو شاذ ، وفاقا للبغوى والشيخ الإمام». ويريد بالشيخ الإمام والد مجتهد العصر أبا الحسن على بن عبد الكافى السبكى.

٤٦٠