القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

١
٢

٣
٤

الإهداء

سيدي يا خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين وزوجاتك الطيبات أمهات المؤمنين وصحابتك البررة الميامين.

سيدي منذ نيف وخمسين عاما بعثني التشرف بك حسبا ونسبا وولاء على القيام بتمحيص سنتك سيرة وحديثا ، ووفقني ـ الله تعالى ـ لنشر بحوث منها بين أمتك أمتنا الاسلامية تباعا.

وها أنا ذا أتشرف بنشر أهمها أثرا وأعظمها خطرا في تمحيص ما رووا عنك في شأن القرآن الكريم الذي أنفقت عصر رسالتك في حمله إلى العالمين ، وأرفعها هدية متواضعة إلى مقامك المحمود ـ وإن كنت كالنملة قدرا فأنت أعظم من سليمان كرما ـ فتقبلها برأفتك بنا معاشر أمتك ، واشفع لنا عند الله ليكشف ما بنا من غمّة.

المؤلّف

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (الرحمن / ١ ـ ٤)

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر / ٩)

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (يونس / ٣٧ ـ ٣٨)

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها* إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ ...) (محمد / ٢٤ ـ ٢٦)

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً* وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً* وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ

٧

تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً* وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً* قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (الاسراء / ٨٨ ـ ٩٥)

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (فصلت / ٢٦)

٨

مقدمة الطبعة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمّد وآله الطاهرين ، والسلام على أصحابه الميامين وأزواجه المنتجبات أمهات المؤمنين.

وبعد كنت لا أرى في ما مضى أيّة ضرورة لهذا النوع من البحث القرآني ، لما كنت أعلم أنّ المسلمين عامّة متّفقون اليوم على أنّ القرآن الذي يتداولونه هو كلام الله الذي أوحاه إلى خاتم أنبيائه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم توارثوه عن نبيّهم جيلا بعد جيل حتّى اليوم ، وأنّ الخلاف بينهم ناشئ عن تأويله وتفسيره ، وأنّه إن شذّ منهم شاذّ يوما ما بقول ما ، فهو من شأن الطبيعة البشرية ومجتمعاتها التي لم تخل ولن تخلو من شذوذ الشواذّ في يوم من الأيّام.

وبناء على هذه الرؤية لم أكن أرى حاجة للخوض في هذا النوع من البحث. هكذا كنت أرى.

ولمّا قامت الجمهورية الإسلامية في إيران اقتضت الدوافع السياسيّة لدى بعض الدول ، التحرش عليها ، فانتشرت في طول البلاد الإسلامية وعرضها كتب ورسائل ومقالات ضدّها وضدّ خطّ أهل البيت (ع) السائد فيها. وكان أهمّ ما رفعوه في هذه الحرب السياسيّة القرآن الكريم ، فألجأتني

٩

الضرورة إلى أن أبيّن الواقع التاريخي في هذا الشأن. وكتبت موجزا من البحث في أوّل المجلد الثاني من معالم المدرستين ، ظنّا منّي أنّه كاف لرفع الشبهات التي أثيرت في هذا الصدد.

غير أنّ ما تلقيت من الأسئلة حولها من شتّى البلاد وما أنبئت أنّ بعض الدول الإسلامية دفعت وساعدت على نشر ما يقارب مائتي كتاب ورسالة بهذا الصدد في بلاد الهند وحدها ، أثبتت لي أنّ الشّبهات التي أثيرت حول مدرسة أهل البيت (ع) في شأن القرآن خاصّة ، أهمّ وأوسع مما كنت أرى ، أضف إليه ما كنت أراه منذ عشرات السنين من ضرورة القيام بردّ شبهات المستشرقين في ثبوت النص القرآني ؛ لهذا وذاك اتسعت بحوث الكتاب وتسلسلت حتّى بلغت ثلاثة مجلدات.

وقد اخترت لهذه الدراسة كتابي (فصل الخطاب) و (الشيعة والقرآن) ليكونا محوري هذه الدراسة ، لأنّ كلا من مؤلفي الكتابين أراد أن ينتقد المدرسة الأخرى في كتابه. وحاول أن يستوعب كل شاردة وواردة في بحثه. واقتصرت في دراستهما على ما أورداه حول كتاب الله المجيد ، وتركت منهما ما لا يتصل بالبحوث القرآنية.

وراجعت في دراسة ما استدلّ به الشيخ النوري من مصادر دراسات مدرسة الخلفاء إلى تلك المصادر مباشرة وخرّجت الروايات منها بلا واسطة.

وكان لا بدّ لي في دراسة الروايات أن أمهّد لها دراسة خصائص المجتمع الذي نزل فيه القرآن وانتشر منه لا قارن بين تلك الروايات والواقع التاريخي الذي يناقض تلك الروايات. والروايات التي ناقشتها هي :

١٠

أ ـ روايات جمع القرآن :

فقد جاء فيها (١) :

أنّه لمّا استحرّ القتل بالقراء في واقعة اليمامة خشى عمر أن يذهب كثير من القرآن بقتل القراء في الحروب ، فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يجمعه فقال : كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله (ص)؟!

فلمّا اقتنع بالرأي أمر زيد بن ثابت أن يجمعه ، فقال : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله (ص) ولما اقنعاه بالأمر أخذ يجمع القرآن مما كتب عليه ومن صدور الرجال ووجد آخر سورة براءة عند خزيمة بن ثابت.

وفي رواية ان ذلك كان على عهد عثمان.

وجاء في غيرها ان زيدا اقترح جمع القرآن على عمر ، وعمر على أبي بكر فاستشار المسلمين ، فوافقوا عليه ، فأمر عمر وزيد بن ثابت أن يكتبا آية شهد عليها شاهدان ، وانّ أبيّ بن كعب أخبرهم بآخر آية من القرآن ، وأودع ما نسخه عند أم المؤمنين حفصة.

وفي غيرها انّ الخليفة عمر سأل عن آية ، فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة ، فأمر بجمع القرآن ، فكتبوا أربعة مصاحف وأنفذها الى الكوفة والبصرة والشام والحجاز.

وفي غيرها : أنّ جمعه تمّ على عهد عثمان.

وفي غيرها أنّ عمر قتل ولم يبدأ بجمع القرآن ، وعلى عهد الخليفة عثمان جعل المعلّم يعلّم قراءة ومعلم آخر يعلم قراءة اخرى فاختلف من اخذ منهم في

__________________

(١) نوجز في هذه المقدمة بحوث الكتاب الآتية لتساعد القارئ على استيعاب البحوث اللاتي جاءت في اول الكتاب وصلة بعضها ببعض ومن ثم نذكر مصادر ما اشرنا إليه فيها.

١١

القراءات وبلغ ذلك المعلّمين فكفّر بعضهم بعضا على قراءته ما يخالف قراءته فبلغ ذلك عثمان ، فأمر بكتابة المصحف فربما اختلفوا في قراءة آية فيذكرون الرجل الذي تلقاها من رسول الله وهو غائب في بعض البوادي فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها ، فيرسلون اليه حتى يحضر ويأخذون الآية منه ، ويكتبونها في موقعها وأنه لمّا أتمّوا كتابة المصحف ورآه عثمان قال : أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بالسنتها!!!

وانه كتب الى أهل الأمصار : أني محوت كذا من القرآن ، وصنعت كذا ، فامحوا ما عندكم واصنعوا كما صنعت!!!

وفي غيرها ان الاختلاف في القراءات وقع في بلاد أخرى غير المدينة فطلب الخليفة من أمّ المؤمنين حفصة الصحف التي عندها ، فنسخها في مصاحف وأرسلها إلى البلاد ، وأحرق بعد ذلك غيرها من المصاحف.

ب ـ روايات الزيادة والنقصان في القرآن!! ـ معاذ الله ـ

جاء في روايات منها :

ان أبا موسى الأشعري قال لقراء البصرة : كنّا نقرأ سورة نظير براءة أنسيتها وحفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون ...).

وجاء في غيرها : انه كان في مصحف بعض الصحابة سورتي الحفد والخلع (١).

وفي غيرها ان ابن مسعود لم يكن يكتب في مصحفه الحمد والمعوذتين

__________________

(١) سورتان مختلقتان مفتريتان على القرآن الكريم ياتي نصهما في بحث اختلاف المصاحف ان شاء الله تعالى من المجلد الثاني.

١٢

وانه كان يحكّ المعوذتين من المصحف (١).

وانّ سورة الأحزاب كانت توازي سورة البقرة ، وانه نسي منها ثلاثة أرباعها.

وجاء في غيرها : انه ممّا فقد من آي القرآن آية الرجم و (رضاع الكبير عشرا) ، وسمّوا بعض ذلك بالنسخ وبعضها بالإنساء.

ج ـ روايات اختلاف المصاحف :

جاء في روايات منها :

ان امّهات المؤمنين عائشة وحفصة وأم سلمة أمرن بكتابة المصحف ، ولمّا بلغ الى قوله تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) أمرن الكاتب أن يكتب بعدها (وصلاة العصر).

ونظائرها كثيرة نشير الى بعضها وندرسها في أماكنها من البحوث الآتية ان شاء الله تعالى.

د ـ روايات النسخ والإنساء :

جاء في روايات منها :

ان رسول الله (ص) سمع رجلا يقرأ القرآن في مسجده ، فقال : رحمه‌الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا. وان صحابيين أرادا أن يقرءا في ليلة سورة نزلت على رسول الله (ص) ، فلم يقدرا ، ونسياها ، فأصبحا غاديين الى رسول الله (ص) وأخبراه بذلك ، فقال : إنها ممّا نسخ أو نسي ، فالهوا عنها.

وانه كان مما ينزل به الوحي عليه ليلا وينساه نهارا.

__________________

(١) المعوذتان هما سورتا قل اعوذ بربّ الفلق وقل اعوذ بربّ الناس.

١٣

ه ـ روايات اختلاف القراءات أو القراءات المختلفة :

جاء في روايات منها ان بعض الصحابة قرأ :

١ ـ (إن هذان إلا ساحران) بدل : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ).

٢ ـ إن ذان إلّا ساحران.

٣ ـ (سنقرئك فلا تنساها) بدل : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)

٤ ـ (صراط من أنعمت عليهم) بدل : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وهناك مئات أخرى من قراءات مختلفة نسبت إلى الصحابة زورا وبهتانا ولعلّها تبلغ الالوف ولا ينبغي لنا أن نضيع الوقت في عدّها.

و ـ روايات انزل القرآن على سبعة أوجه :

رووا عن الخليفة عمر بن الخطاب انه قال سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (ص) فلببته بردائه ، وقدته الى رسول الله (ص).

فقال : اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة الّتي سمعته يقرأ.

فقال الرسول (ص) : كذلك أنزلت.

وقرأت القراءة التي أقرأنيها الرسول (ص). فقال الرسول (ص) : كذلك أنزلت ثم قال : ان القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه!

وفي رواية أخرى كان ذلك مع رجل ، فوقع في صدر عمر شيء ، فضرب الرسول (ص) صدره وقال ثلاثا : ابعد شيطانا ، ثم قال : يا عمر انّ القرآن كلّه صواب ، ما لم تجعل رحمة عذابا او عذابا رحمة!

وفي رواية أخرى عن عمرو بن العاص نظير ما تقدّم وان رسول الله (ص) قال لهم : ان هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأيّ ذلك قرأتم فقد أصبتم ، أحسنتم ولا تماروا فيه فإنّ المراء كفر!

١٤

وعن أبيّ بن كعب انه اختلف في القراءة مع اثنين آخرين فذهبوا الى رسول الله (ص) فقرأ الاثنان على الرسول الله (ص) خلاف القراءة التي كان أبيّ أخذها من النبي.

قال أبي : وصوّب النبي جميعها فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ، فضرب النبي في صدري ، وقال : أرسل اليّ أن اقرأ القرآن على حرف ، فقلت : هوّن على أمّتي فردّ إليّ الثانية : اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هوّن على أمتي ، فردّ إليّ الثالثة : اقرأه على سبعة أحرف!

وفي رواية اخرى : ان النبي (ص) قال : ان جبرائيل وميكائيل أتياني فقعد جبرائيل عن يميني وميكائيل عن يساري ، فقال جبرائيل : اقرأ القرآن على حرف ، فقال : اسرافيل : استزده ، استزده ، حتى بلغ سبعة أحرف ، فكل حرف شاف وكاف.

وفي رواية اخرى : ليس منها إلا شاف كاف ، إن قلت سميعا عليما ، عزيزا حكيما ، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب!

وفي رواية أخرى نظيرها الى قوله :

حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلّا شاف كاف إن قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : سميعا عليما ، أو عليما سميعا فالله كذلك ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب.

إلى عشرات الروايات الاخرى نظائر ما تقدم ذكرها.

ز ـ تقويم الروايات السابقة :

أولا ـ في تلكم الروايات روايات إسرائيلية وروايات الغلاة والزنادقة ومن جملتها روايات موضوعة ومفتراة على الله ورسوله وكتابه ، وفيها ما افتري بها على الصحابة وأئمة أهل البيت.

ثانيا ـ في تلكم الروايات روايات صحيحة غير انّ فيها مصطلحات قرآنية

١٥

تغيّرت معانيها ، وتبدّلت بعد عصر الصحابة متدرّجا حتّى أصبح لها اليوم معان غير التي قصد منها في القرآن وحديث الرسول (ص) وأحاديث الصحابة.

واستعمل ذلك المصطلح في كتب علوم القرآن في المعنى الجديد له خلافا للمعنى الذي استعمل فيه في عصر الرسول حتى عصر الصحابة.

وأنتج كل ذلكم ما يأتي بيانه باذنه تعالى.

ح ـ نتائج الروايات وآثارها :

أولا ـ انّهم اعتقدوا بان في القرآن الكريم آيات منسوخة التلاوة مع بقاء حكمها وأخرى منسوخ الحكم مع بقاء قراءتها وآيات أخرى منسوخة التلاوة والحكم جميعا وعلى أثر ذلك تسابقوا في استخراج الآيات الناسخة والمنسوخة لفظا أو حكما أو هما جميعا في تلكم الروايات وسجّلوا نتائج ما توصلوا إليه في عشرات المؤلفات بعنوان علم الناسخ والمنسوخ من علوم القرآن في حين أنّ الله ما نسخ آية ممّا أنزل على رسوله في القرآن الكريم لا لفظا ولا معنى ولا كليهما معا ونعوذ بالله من هذا الافتراء الشنيع على الله الحكيم وكتابه الكريم.

ثانيا ـ انّ جملة ممّن سمّوا بالقرّاء الكبار اجازوا لأنفسهم أن يبدّلوا كلمات القرآن التي نزلت بلغة قريش وهوازن وقضاعة وتميم وطيئ وغيرهم من قبائل العرب. وبلغ بهم الأمر أن يتسابقوا في البحث والتقصّي عن شواذّ اللهجات في قبائل العرب وإن كان جرى ذلك على لسان بدويّ جاهل غير فصيح ، ويجعلوا ذلك التلفظ الشاذّ الغلط قراءة لتلك الكلمة في القرآن الكريم حتى بلغ عدد القراءات في كلمة واحدة من كلمات القرآن الكريم عشر قراءات احداها لغة قريش مثل ما جرى لكلمة (عليهم) في قوله تعالى في سورة الحمد (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ).

وبعملهم هذا أجروا من التحريف على القرآن بما لم يجر نظيره على كتاب على وجه الأرض قطّ وهذا ما عناه الإمام الباقر في قوله : (أمّا القرآن فقد

١٦

حرّفوا).

ثالثا ـ إنّ تلكم الروايات المفترى بها على الله ورسوله وكتابه وأصحاب رسوله أدت إلى :

أ ـ عدم فهم معاني المصطلحات القرآنية في أحاديث أخرى صحيحة.

ب ـ اعتقاد العلماء بوجود الناسخ والمنسوخ في آيات القرآن الكريم.

ج ـ تجوّز القرّاء في تحريف كلمات القرآن واختلاقهم تلك القراءات الباطلة لها.

د ـ شوشت على بعض المحدّثين أمثال الشيخ النوري الرؤية الصحيحة لأمر القرآن الكريم وكتبوا في شأن القرآن الكريم وقالوا ما لا يصحّ قوله وكتابته.

ه ـ وجد أمثال احسان الهي ظهير ونظرائه في نشر تلكم الأقوال وإذاعتها بأوسع ما يمكن من نشره وإذاعته ، خير وسيلة لنقد مدرسة أهل البيت (ع) وقدحها ، فلم يألوا جهدا في ذلك. وأعانهم على نشرها في جميع بلاد العالم بعض أصحاب الطول والنفوذ والسيطرة بكلّ ما أوتوا من حول وقوّة.

رابعا ـ استند المستشرقون وخصوم الإسلام إليها ورووا وكتبوا أن مصاحف الصحابة كانت تختلف بعضها مع بعض مثل مصاحف عمر وعلي وأبي وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة وأم سلمة وكذلك عدّوا أحد عشر مصحفا من مصاحف التابعين كانت تختلف بعضها مع بعض وان الحجّاج غيّر من مصحف عثمان عشرة أماكن مثل (يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) في سورة يونس / ٢٢ والتي كانت (هو الذي ينشركم في البر والبحر) فنسيت ما كان في مصحف عثمان وبقي يقرأ في القرآن ما غيره الحجّاج.

وقام المستشرقون بالبحث عن المؤلفات التي جاء فيها تغيير النصّ القرآني مثل :

١٧

ج. برجشتر الذي استخرج من كتاب البديع لابن خالويه (شواذ القرآن) خاصّة وطبعته جمعية المستشرقين الالمانية بمصر سنة ١٩٣٤ م سابع سبعة مما راقهم طبعها. ومثل : د. آرثر جفري الذي طبع كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني (ت ٣١٦) بمصر سنة ١٩٣٦ م لما فيها من روايات من اختلاف المصاحف والقراءات.

ط ـ بداية الوضع والدسّ والافتراء :

في بحث (دواعي وضع الحديث) من باب (مع معاوية) من المجلد الأول من كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة وفي ما يأتي من أبواب هذا الكتاب نرى ان بداية انتشار الروايات المختلفة والأخبار الموضوعة كان بعد استخلاف معاوية وامتدّ ذلك على طول عهد الخلافة الأمويّة.

وفي سنة ثلاث وأربعين بعد المائة عند ما أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتدوين كتب العلم دوّن كلّما المحنا إليه في ما دوّن من كتب العلم وبقي العلماء يتداولونها ويتدارسونها جيلا بعد جيل ، ويستنبطون منها ما يستنبطون حتى عصرنا الحاضر.

ونحن اليوم إذا أردنا أن ندرس تلكم الروايات وتلكم الاخبار لنمحّص الحق من الباطل منها يلزمنا أن ندرس بتوسع ظروف كل خبر منها ، مثلا إذا أردنا أن ندرس ما نسب الى الحجّاج انه غيّر النصّ القرآني الذي كان مكتوبا في مصحف عثمان الذي أرسله الى البلاد وأنّ النصّ القرآني الذي بايدينا في زهاء عشرة موارد يختلف عما كتبه عثمان في مصحفه لا بدّ لنا أن ندرس أخبار عصر ولاية الحجاج وأخبار ما جرى بعده بتوسع لندرك أن ما افتروا على القرآن بان الحجاج غيّره مستحيل عادة.

وإذا أردنا أن ندرس خبر ما نسب الى الصحابي ابن مسعود من انه كان يحك من المصحف سورة الحمد والمعوذتين ونحن نعلم ان الخليفة عمر بعثه الى

١٨

الكوفة ليقرئهم القرآن لن يتيسر لنا معرفة الحقيقة والافتراء الذي افترى به على ابن مسعود دون أن ندرس أسباب اختلاف ابن مسعود مع الوليد والي الكوفة ، والخليفة عثمان وكذلك الشأن في دراسة ما عدا ذينكم الخبرين ومن ثم رأينا انه لن يتيسر لنا دراسة كل تلكم الأخبار دون أن ندرس المجتمع الذي نزل فيه القرآن في العصر الجاهلي ثم في العصر الاسلامي في مكّة مع قريش والمدينة في ما يخص سيرة الرسول ومع من كان يعاشره وهذا ما سميناه بالمجتمع الذي انتشر منه القرآن وتمتد دراسة المجتمع الذي انتشر منه القرآن بعد الرسول وتستوعب حكم الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية حتى عصر الحجاج.

وبعد ذلك ندرس على قدر الاستطاعة تاريخ القرآن : نزوله وإقراءه وتدوينه في مكة والمدينة ونختم المجلد الأول بدراسة المصطلحات القرآنية.

وفي ضوء هذه الدراسات ندرس بإذنه تعالى روايات مدرسة الخلفاء حول القرآن الكريم في المجلد الثاني وروايات مدرسة أهل البيت في المجلد الثالث.

وبناء على ما ذكرنا سيثبت في بحوث الكتاب إن شاء الله تعالى انّ النصّ القرآني كما هو بأيدينا أوحى الله به الى رسوله (ص) وأقرأه الرسول (ص) كذلك أصحابه.

وكلّما أوحى إلى رسوله (ص) من القرآن وبيان القرآن أمر من حضره من كتّابه بتدوينه على ما حضره من جلد وخشب وعظم كتف وما شابهها ، وأوصى عليا أن يجمعه من بعده ففعل.

وكذلك فعل كل من كان تعلّم الكتابة من أصحابه ، وكذلك فعل التابعون في عصر الصحابة.

واقتضت سياسة الخلفاء من بعده أن يجردوا القرآن من حديث الرسول (ص) المبيّن لمعاني القرآن وبدءوا بذلك في عصر أبي بكر وانتهى الأمر في عصر عمر ، ونسخ عليه سبع نسخ وزعها بين أمهات البلاد الإسلامية وأمر

١٩

باحراق ما عند الصحابة من نسخ كتب فيها القرآن مع بيان الرسول (ص).

فكتب المسلمون بعد ذلك القرآن مجرّدا عن حديث الرسول (ص) جيلا بعد جيل حتى عصرنا الحاضر.

ولم تنس كلمة ممّا أوحي الى الرسول من القرآن ولم تزدد عليها ولم تنقص منها كلمة ولم تبدّل منها كلمة في عصر من العصور.

ووضع على عهد معاوية فما بعد من عصور الخلافة الاموية روايات لتبرير عمل الخليفة عثمان في شأن القرآن وسائر شئون سياسة الحكم على عهده بالاضافة إلى ذلك نسيت بعض معاني المصطلحات القرآنية مثل الاقراء والمقرئ الذي كان في عصر الرسول (ص) والصحابة بمعنى : تعليم تلاوة لفظ القرآن مع تعليم معنى اللفظ ، وبسبب عدم معرفة معنى هذا المصطلح بالاضافة الى تلكم الاحاديث اختلقت قراءات مختلفة وأصبحت علما يتدارسونه جيلا بعد جيل.

ولعدم معرفة معنى مصطلح النسخ والآية اختلف علم الناسخ والمنسوخ وألّف في أمثال هذه المختلقات مئات المؤلّفات.

ولا يتيسر درك حقيقة الروايات والاخبار التي المحنا اليها آنفا واللاتي سوف ندرسها في المجلدين الثاني والثالث من هذا الكتاب باذنه ـ تعالى ـ دون استيعاب كل البحوث التي أوردناها في المجلد الاوّل باتقان ومع ان في بسط بعض تلكم الاخبار ما يؤلم القلب غير ان فهم ما افتري على الله ورسوله (ص) وكتابه واصحاب رسوله وفهم المصطلحات القرآنية لن يتيسر دون دراسة جميع ما نقلنا من أخبار ويا ليت تلك الحوادث لم تقع ولم نكن نضطر الى دراستها في سبيل الدفاع عن كرامة كتاب الله الكريم.

منهج البحث :

لما كان الاستدلال على بعض العلوم النظرية يتوقف على تذكار بعض

٢٠