فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-65-2
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٦٥٤

كثيرا ما يذكرون أنّ الظنّ يقوم مقام العلم في الشرعيّات عند تعذّر العلم ، وقد حكي عن السيّد (٦٩٨) في بعض كلماته : الاعتراف بالعمل بالظنّ عند تعذّر العلم (١٤) ، بل قد ادّعى (٦٩٩) في المختلف في باب قضاء الفوائت الإجماع على ذلك.

الثاني : أنّ الرجوع في جميع تلك الوقائع إلى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعيّة الكثيرة المعبّر عنها في لسان جمع من مشايخنا بالخروج عن الدين (١٥) ، بمعنى أنّ المقتصر (٧٠٠) على التديّن بالمعلومات التارك للأحكام المجهولة جاعلا لها كالمعدومة ، يكاد يعدّ خارجا عن الدين ؛ لقلّة المعلومات التي أخذ بها وكثرة المجهولات التي أعرض عنها ؛ وهذا أمر يقطع ببطلانه كلّ أحد بعد الالتفات إلى كثرة المجهولات ،

______________________________________________________

وإن كان في الموضوعات الشرعيّة ، إلّا أنّه لا فرق بينها وبين الأحكام المشتبهة ، لكون الظنّ بها ظنّا بالحكم.

٦٩٨. كذا الحلّي في السرائر.

٦٩٩. ببالي أنّ الفاضل المقداد أيضا قد ادّعى ذلك في مسألة أوقات الصلاة. وهذا وإن كان من قبيل الموضوعات ، إلّا أنّ استشهاده باعتبار ما تقدّم من استلزام الظنّ بها للظنّ بالحكم. ومن لاحظ ما ذكره المصنّف رحمه‌الله وما أضفنا إليه قطع بإجماعهم على عدم كون المرجع في الموارد التي انسدّ فيها باب العلم التفصيلي هي البراءة. وقد حكي عن السيّد السند صاحب المفاتيح أنّ العلّامة الطباطبائي صاحب المصابيح قد ابتلي في طريق كربلاء بمسألة فأحضر قواعد العلّامة وعمل بفتواه ، لأجل عدم تمكّنه من الاجتهاد في ذلك الحين.

٧٠٠. بيان لعدم كون المراد بالخروج من الدين هو الكفر ، بل المقصود أنّ ترك المشتبهات على كثرتها في صورة الانسداد الأغلبي يكاد يعدّ خروجا من الدين ، لأجل العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة كثيرة في المشتبهات ، لا أنّه خارج من الدين حقيقة. وإن شئت قلت : إنّ غير المسلم إذا دخل بلد الإسلام ، واطّلع على شرايع الإسلام ، والطريقة المستمرّة من صاحب الشرع ، يقول : إنّ ترك الشبهات المذكورة ليس من طريقة الشارع.

٣٤١

كما يقطع ببطلان الرجوع إلى نفي الحكم وعدم الالتزام بحكم أصلا لو فرض ـ والعياذ بالله ـ انسداد باب العلم والظنّ الخاصّ في جميع الأحكام وانطماس هذا المقدار القليل من الأحكام المعلومة.

فيكشف بطلان الرجوع إلى البراءة عن وجوب التعرّض لامتثال تلك المجهولات ولو على غير وجه العلم والظنّ الخاصّ ، لا أن يكون تعذّر العلم والظنّ الخاصّ منشأ للحكم بارتفاع التكليف بالمجهولات كما توهّمه بعض من تصدّى للإيراد على كلّ واحدة واحدة من مقدّمات الانسداد (١٦). نعم ، هذا إنّما يستقيم في حكم واحد أو أحكام قليلة لم يوجد عليه دليل علمي أو ظنّي معتبر ، كما هو دأب المجتهدين بعد تحصيل الأدلّة والأمارات في أغلب الأحكام ، أمّا إذا صار معظم الفقه أو كلّه مجهولا فلا يجوز أن يسلك فيه هذا المنهج.

والحاصل أنّ طرح أكثر الأحكام الفرعيّة بنفسه محذور مفروغ عن بطلانه ، كطرح جميع الأحكام لو فرضت مجهولة ، وقد وقع ذلك تصريحا أو تلويحا في كلام جماعة من القدماء والمتأخّرين منهم : الصدوق في الفقيه ـ في باب الخلل الواقع في الصلاة في ذيل أخبار سهو النبيّ (٧٠١) ـ حيث قال رحمه‌الله : فلو جاز ردّ هذه الأخبار الواردة في هذا الباب لجاز ردّ جميع الأخبار ، وفيه إبطال للدين والشريعة (١٧) ، انتهى.

ومنهم : السيّد رحمه‌الله حيث أورد على

______________________________________________________

٧٠١. فإنّه بعد أن أورد خبر الحسن بن محبوب المتضمّن لسهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة قال : «قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله : إنّ الغلاة والمفوّضة لعنهم الله ينكرون سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله». ثمّ أخذ في بيان احتجاجهم والردّ عليهم إلى أن قال : «وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله يقول : أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ، وأنا أحتسب الأجر في تصنيف مفرد في إثبات سهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والردّ على منكريه إن شاء الله تعالى» انتهى. وفي استشهاد كلامه للمقام نظر ، وسنشير إلى وجهه عند التعرّض لكلام الشيخ رحمه‌الله.

٣٤٢

نفسه في المنع عن العمل بخبر الواحد وقال : فإن قلت : إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد ، فعلى أيّ شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟ فأجاب بما حاصله : دعوى انفتاح باب العلم في الأحكام.

ولا يخفى (٧٠٢) أنّه لو جاز طرح الأحكام المجهولة ولم يكن شيئا منكرا لم يكن وجه للايراد المذكور ؛ إذ الفقه حينئذ ليس إلّا عبارة عن الأحكام التي قام عليها الدليل والمرجع وكان فيها معوّل ، ولم يكن وقع أيضا للجواب بدعوى الانفتاح

______________________________________________________

٧٠٢. حاصله : استشهاد كلّ من السؤال والجواب. أمّا الأوّل فإنّ العمل بأصالة البراءة في مواردها مركوز في العقول ، فلو لم يكن الرجوع إليها في الأحكام المجهولة في المقام أمرا منكرا لم يكن وقع للسؤال أصلا ، لتعيّن الرجوع إليها فيها حينئذ ، وكون الفقه عبارة عمّا قام عليه دليل قاطع.

وأمّا الثاني فإنّه على تقدير جواز العمل بأصالة البراءة في الأحكام المجهولة ، فالأنسب في الجواب أن يمنع الملازمة بين سدّ طريق العمل بأخبار الآحاد وبين جواز العمل بها ، لفرض وجود الواسطة ، وهي جواز العمل بأصالة البراءة في موارد فقد الأخبار القطعيّة ، فالعدول عنه إلى دعوى الانفتاح ظاهر في كون بطلان جواز العمل بها مفروغا عنه فيما بينهم. فالسؤال مع جوابه ظاهران في التسالم والتصالح على أنّه لو فرضت الحاجة إلى العمل بأخبار الآحاد ، لعدم المعوّل في أكثر المسائل الفقهيّة سواها ، جاز العمل بها وإن لم يقم عليه دليل مخصوص ، لكون نفس الحاجة إلى العمل بها ، أعظم دليل على جواز العمل بها بعد فرض عدم جواز طرح أكثر الأحكام.

والوجه في كون هذا الكلام من السيّد تصالحا مع المتأخّرين واضح بعد ما عرفت ، لما عرفت من أنّ السيّد إنّما يمنع من العمل بأخبار الآحاد لأجل دعواه انفتاح باب العلم في أغلب الأحكام ، والمتأخّرون إنّما يجوّزون العمل بها لأجل دعواهم الانسداد الأغلبي ، وحينئذ يرتفع النزاع بينهم ، لتغاير موضوع كلامهم. ولا ينافيه عدم عمل المتأخّرين بالظنون المطلقة ، لجواز كون الانسداد الأغلبي حكمة عندهم في ترخيص الشارع للعمل بالظنون الخاصّة. ولا يذهب عليك أنّ كلام

٣٤٣

الراجعة إلى دعوى عدم الحاجة إلى أخبار الآحاد ، بل المناسب حينئذ الجواب : بأنّ عدم المعوّل في أكثر المسائل لا يوجب فتح باب العمل بخبر الواحد.

والحاصل أنّ ظاهر السؤال والجواب المذكورين التسالم والتصالح على أنّه لو فرض الحاجة إلى أخبار الآحاد ـ لعدم المعوّل في أكثر الفقه ـ لزم العمل عليها وإن لم يقم عليه دليل بالخصوص ؛ فإنّ نفس الحاجة إليها هي أعظم دليل ، بناء على عدم جواز طرح الأحكام ؛ ومن هنا ذكر السيّد صدر الدين في شرح الوافية : أنّ السيّد قد اصطلح بهذا الكلام مع المتأخّرين.

ومنهم : الشيخ قدس سرّة في العدّة حيث إنّه بعد دعوى الإجماع على حجّية أخبار الآحاد قال ما حاصله : أنّه لو ادّعى أحد أنّ (*) عمل الإماميّة بهذه الأخبار كان لأجل قرائن انضمّت إليها ، كان معوّلا على ما يعلم من الضرورة خلافه ، ثمّ قال : ومن قال : إنّي متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل ، يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به. وهذا حدّ يرغب أهل العلم عنه ، ومن صار إليه لا يحسن مكالمته ، لأنّه يكون معوّلا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه (١٨) ، انتهى. ولعمري أنّه يكفي (٧٠٣) مثل هذا الكلام من الشيخ في قطع توهّم جواز الرجوع إلى البراءة عند فرض فقد العلم والظنّ الخاصّ في أكثر الأحكام.

______________________________________________________

السيّد أظهر في الدلالة على المطلوب من كلام الشيخ كما ستعرفه.

٧٠٣. في دلالة كلام الشيخ على المدّعى ـ من كون المخالفة الكثيرة بنفسها مانعة من الرجوع إلى أصالة البراءة ـ نظر ، لأنّه كما يحتمل أن يكون مراده دعوى الضرورة على بطلان العمل بأصالة البراءة في الأحكام المجهولة لأجل كثرتها ، وكون ذلك في نفسه ممنوعا منه بحسب الشرع ، كذلك يحتمل أن يكون مقصوده دعوى الضرورة على بطلان ترك العمل بأخبار الآحاد ، بزعم كون معلوميّة اعتبارها عند المسلمين بالغة حدّ الضرورة. فيرجع حاصل كلامه حينئذ إلى أنّ من اقتصر على

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : دعوى.

٣٤٤

ومنهم : المحقّق فى المعتبر ، حيث قال فى مسألة خمس الغوص ـ فى ردّ من نفاه مستدلا بأنّه لو كان لنقل بالسنّة ـ : قلنا : أمّا تواترا فممنوع ؛ وإلّا لبطل كثير من الأحكام.

ومنهم : العلّامة في نهج المسترشدين ـ في مسألة إثبات عصمة الإمام ـ حيث ذكر أنّه عليه‌السلام لا بدّ أن يكون حافظا للأحكام ؛ واستدلّ بأنّ الكتاب والسنّة لا يدلّان على التفاصيل إلى أن قال : والبراءة الأصليّة ترفع جميع الأحكام. ومنهم : بعض أصحابنا ـ في رسالته المعمولة في علم الكلام المسمّاة بعصرة المنجود ـ حيث استدلّ على عصمة الإمام عليه‌السلام بأنّه حافظ للشريعة ؛ لعدم إحاطة الكتاب والسنّة به إلى أن قال : والقياس باطل ، والبراءة الأصليّة ترفع جميع الأحكام ، انتهى. ومنهم : الفاضل المقداد في شرح الباب الحادي عشر ، إلّا أنّه قال : إنّ الرجوع إلى البراءة الأصليّة يرفع أكثر الأحكام. والظاهر : أنّ مراد العلّامة وصاحب الرسالة قدس‌سرهما من جميع الأحكام ما عدا المستنبط من الأدلّة العلميّة ؛ لأنّ كثيرا من الأحكام ضروريّة لا ترفع بالأصل ولا يشكّ فيها حتّى يحتاج إلى الإمام عليه‌السلام.

ومنهم : المحقّق الخوانساري فيما حكى عنه السيّد الصدر في شرح الوافية من أنّه رجّح الاكتفاء في تعديل الراوي بعدل ؛ مستدلا بعد مفهوم آية النبأ : بأنّ اعتبار التعدّد يوجب خلوّ أكثر (٧٠٤) الأحكام عن الدليل. ومنهم : صاحب الوافية (٧٠٥)

______________________________________________________

الأخبار المحفوفة بالقرائن القطعيّة يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام الذي ثبت بطريق أخبار الآحاد ، ولا يحكم فيها بشيء ، وهو ممّا علم ضرورة من الشرع خلافه ، لكون اعتبار الأخبار العارية عن القرائن القطعيّة معلومة بالضرورة من الشرع. ولعلّ هذا الوجه أظهر في كلامه وأنسب لدعواه الإجماع على اعتبار أخبار الآحاد.

٧٠٤. لقلّة وجود الأخبار المزكّى رواة سندها بتزكية عدلين.

٧٠٥. إذ لو لم يكن بطلان العمل بأصالة البراءة في المشتبهات الكثيرة محظورا في الشرع ، لم يلزم من خروج الامور التي ذكرها من كونها هذه الامور محظور أصلا.

٣٤٥

حيث تقدّم عنه الاستدلال على حجّية أخبار الآحاد : بأنّا نقطع مع طرح أخبار الآحاد في مثل الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والمتاجر والأنكحة وغيرها ، بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور ، وهذه عبارة اخرى عن الخروج عن الدين الذي عبّر به جماعة من مشايخنا. ومنهم : بعض شرّاح الوسائل ، حيث استدلّ على حجّية أخبار الآحاد : بأنّه لو لم يعمل بها بطل التكليف ، وبطلانه ظاهر.

ومنهم : المحدّث (٧٠٦) البحراني صاحب الحدائق حيث ذكر في مسألة ثبوت الربا في الحنطة بالشعير خلاف الحليّ في ذلك ، وقوله بكونهما جنسين (٧٠٧) وأنّ الأخبار الواردة في اتّحادهما آحاد لا توجب علما ولا عملا ، قال في ردّه : إنّ الواجب عليه مع ردّ هذه الأخبار ونحوها من أخبار الشريعة هو الخروج عن هذا الدين إلى دين آخر (١٩) ؛ انتهى. ومنهم : العضدي تبعا للحاجبي حيث حكى عن بعضهم الاستدلال على حجّية خبر الواحد بأنّه لولاها لخلت أكثر الوقائع عن المدرك. ثمّ ، إنّه وإن ذكر في الجواب عنه : أنّا نمنع الخلو عن المدرك ؛ لأنّ الأصل من المدارك ، لكنّ هذا الجواب من العامّة القائلين بعدم إتيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحكام جميع الوقائع ، ولو كان المجيب من الإماميّة القائلين بإتمام الشريعة وبيان جميع الأحكام لم يجب بذلك. وبالجملة فالظاهر أنّ خلوّ أكثر الأحكام عن المدرك المستلزم للرجوع فيها إلى نفي الحكم وعدم الالتزام في معظم الفقه بحكم تكليفي ، كأنّه أمر مفروغ البطلان.

والغرض من جميع ذلك الردّ على بعض من تصدّى لردّ هذه المقدّمة (٢٠) ، ولم

______________________________________________________

٧٠٦. في دلالة كلامه على المدّعى نظر ، لأنّ صاحب الحدائق إنّما ذكر ما ذكره في مقام الردّ على الحلّي ، لأجل كون اعتبار أخبار الآحاد ـ سيّما الموثوق بالصدور منها ـ عنده من الواضحات التي تكاد تلحق بالضروريّات ، فمقصوده أنّ من أنكر اعتبار أخبار الآحاد يكاد يخرج من هذا الدين إلى دين آخر ، إذ كلّ من دخل في هذا الدين علم اعتبارها. فما ذكره مبالغة في ردّ الحلّي ، ولا دخل له فيما نحن فيه من بطلان العمل بأصالة البراءة لأجل استلزامه المخالفة الكثيرة.

٧٠٧. مختلفين ، فلا ربا بينهما.

٣٤٦

يأت بشيء عدا ما قرع سمع كلّ أحد من أدلّة البراءة وعدم ثبوت التكليف إلّا بعد البيان ، ولم يتفطّن لأن مجراها في غير ما نحن فيه ؛ فهل يرى من نفسه إجرائها لو فرضنا ـ والعياذ بالله ـ ارتفاع العلم بجميع الأحكام ، بل نقول : لو فرضنا أنّ مقلّدا دخل عليه وقت الصلاة ولم يعلم من الصلاة عدا ما تعلّم من أبويه بظنّ الصحّة ـ مع احتمال الفساد عنده احتمالا ضعيفا ـ ولم يتمكّن من أزيد من ذلك ، فهل يلتزم بسقوط التكليف عنه بالصلاة في هذه الحالة ، أو أنّه يأتي بها على حسب ظنّه الحاصل من قول أبويه والمفروض أنّ قول أبويه ممّا لم يدلّ عليه دليل شرعيّ؟ فإذا لم تجد من نفسك الرخصة في تجويز ترك الصلاة لهذا الشخص ، فكيف ترخّص الجاهل بمعظم الأحكام في نفي الالتزام بشيء منها عدا القليل المعلوم أو المظنون بالظنّ الخاصّ وترك ما عداه ولو كان مظنونا بظنّ لم يقم على اعتباره دليل خاصّ؟

بل الإنصاف : أنّه لو فرض ـ والعياذ بالله ـ فقد الظنّ المطلق في معظم الأحكام ، كان الواجب الرجوع إلى الامتثال الاحتمالي بالتزام ما لا يقطع معه بطرح الأحكام الواقعيّة.

الثالث : أنّه لو سلّمنا (٧٠٨) أنّ الرجوع إلى البراءة لا يوجب شيئا ممّا ذكر من المحذور البديهي وهو الخروج عن الدين ، فنقول : إنّه لا دليل على الرجوع إلى البراءة

______________________________________________________

٧٠٨. هنا وجه رابع لعدم جواز العمل بأصالة البراءة ، وهو لزوم اختلال النظام وضياع النفوس والأموال والأعراض لو كان العمل بأصالة البراءة في أكثر الأحكام المشتبهة مرخّصا فيه شرعا ، إذ يلزم حينئذ أن يبنى على البراءة كلّ من شكّ في جواز إتلاف صنف من النفوس ، أو في جواز التصرّف في نوع من أموال الناس ، أو في نكاح طائفة من النساء ، أو في أداء قسم من الحقوق ، وبذلك تختلّ الأنساب وتستباح النفوس والأموال ، وهذا حدّ يقطع كلّ أحد بفساده. مع أنّه ربّما لا يمكن العمل بأصالة البراءة ، كما في صورة التداعي ودوران مال بين شخصين لأجل الشبهة في حكمه ، كما في منجّزات المريض الدائرة بين كونها من الأصل أو الثلث ، وكذلك الحبوة التي اختلفوا في كونها للولد الأكبر بلا عوض أو معه.

٣٤٧

من جهة العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات ؛ فإنّ أدلّتها مختصّة بغير هذه الصورة ، ونحن نعلم إجمالا أنّ في المظنونات (*) واجبات كثيرة ومحرّمات كثيرة. والفرق بين هذا الوجه وسابقه : أنّ الوجه السابق كان مبنيّا (٧٠٩) على لزوم المخالفة القطعيّة الكثيرة المعبّر عنها بالخروج عن الدين ، وهو محذور مستقلّ وإن قلنا بجواز العمل بالأصل في صورة لزوم مطلق المخالفة القطعيّة. وهذا الوجه مبنيّ على أنّ مطلق المخالفة القطعيّة غير جائز ، وأصل البراءة في مقابلها غير جار ما لم يصل المعلوم الإجمالي إلى حدّ الشبهة الغير المحصورة ، وقد ثبت في مسألة البراءة أنّ مجراها الشكّ في أصل التكليف لا الشكّ في تعيينه مع القطع بثبوت أصله ، كما فيما نحن فيه.

فإن قلت (٧١٠) : إذا فرضنا أنّ ظنّ المجتهد أدّى في جميع الوقائع إلى ما يوافق البراءة ، فما تصنع؟

______________________________________________________

٧٠٩. لعلّ هذا هو السرّ في عدم العمل بأصالة البراءة هنا ممّن عمل بها في سائر موارد العلم الإجمالي ، حيث عمل بها في أطراف الشبهة المحصورة إلى مقدار يقطع بارتكابه بارتكاب الحرام ، بل عن بعضهم جواز المخالفة القطعيّة فيها. وحكى الشيخ في العدّة في مسألة اختلاف الأمّة على قولين قولا بجواز طرحهما والرجوع إلى مقتضى الأصل.

وبالجملة ، عدم جواز العمل بأصالة البراءة لأجل العلم الإجمالي بخلافها ، مغاير لعدم جوازه لأجل استلزامه المخالفة الكثيرة التي سمّاها بعضهم بالخروج من الدين ، والثاني أخصّ من الأوّل ، فلا منافاة بين عدم عملهم بأصالة البراءة هنا وعملهم بها في هاتين المسألتين.

٧١٠. لا يذهب عليك أنّ هذا السؤال لغاية وضوح فساده لا يحتاج إلى الثبت والإيراد.

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «المظنونات» ، المشتبهات.

٣٤٨

قلت : أوّلا (٧١١):

______________________________________________________

فإن قلت : نعم ، ولكن إذا بنى الفقيه على استنباط الأحكام المجهولة عن الأدلّة الظنّية ، فإذا انتهى إلى آخر الفقه يعلم إجمالا بمخالفة جملة من مظنوناته للواقع ، فمحذور العمل بأصالة البراءة وارد في العمل بالظنّ أيضا. ومع تسليم عدم حصول العلم الإجمالي فلا أقلّ من حصول الظنّ إجمالا بذلك ، فإذا قلنا باعتبار مطلق الظنّ فلا بدّ من الاعتداد بهذا الظنّ أيضا ، وهو مستلزم لعدم جواز العمل بمطلق الظنّ ، وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال.

قلت : أمّا الأوّل فيدفعه أوّلا : ما أجاب به المصنّف رحمه‌الله أوّلا عمّا أورده على نفسه ، على ما سنشير إلى توضيح كلامه مع ما يدفعه.

وثانيا : أنّ حصول العلم الإجمالي بمخالفة بعض اجتهاداته للواقع من قبيل شبهة القليل في الكثير ، بخلاف علمه إجمالا بمخالفة أصل البراءة للواقع لأنّه من قبيل شبهة الكثير في الكثير ، والعقل لا يأبى عن العمل بالظنّ في الأوّل ، بخلاف العمل بأصالة البراءة في الثاني.

وأمّا الثاني فيدفعه أوّلا : امتناع حصول الظنّ الفعلي الإجمالي بمخالفة بعض مظنوناته الفعليّة للواقع ، نظير العلم الإجمالي ستعرفه. لكن يدفعه ما ستعرفه أيضا.

وثانيا : أنّ اشتباه الظنّ المخالف للواقع بالظنّ الموافق له من قبيل شبهة القليل في الكثير ، بخلاف العمل بأصالة البراءة المستلزم للمخالفة الكثيرة ، لأنّه من قبيل شبهة الكثير في الكثير كما عرفت.

وثالثا : أنّ الأمر في المقام دائر بين العمل بأصالة البراءة المستلزم للمخالفة القطعيّة ، وبين العمل بالظنّ المستلزم للمخالفة الظنّية ، ولا ريب أنّه مع دوران الأمر بينهما فالثاني أولى من الأوّل بحكم العقل ، نظير ما لو دار الأمر بين شرب إناء مسموم قطعا وآخر مسموم ظنّا ، إذ لا ريب في حكم العقل بتعيّن ارتكاب الثاني.

٧١١. لأنّ المعتبر على القول باعتبار الظنّ المطلق هو الظنّ التفصيلي الفعلي ،

٣٤٩

إنّه مستحيل ؛ لأنّ العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرّمات الكثيرة في جملة الوقائع المشتبهة يمنع عن حصول الظنّ بعدم وجوب شيء من الوقائع المحتملة للوجوب وعدم حرمة شيء من الوقائع المحتملة للتحريم ؛ لأنّ الظنّ بالسالبة الكلّية يناقض العلم بالموجبة الجزئيّة ، فالظنّ بأنّه «لا شخص من العلماء بفاسق» يناقض العلم إجمالا بأنّ «بعض العلماء فاسق». وثانيا : إنّه على تقدير الإمكان غير واقع ؛ لأنّ الأمارات التي يحصل للمجتهد منها الظنّ في الوقائع لا تخلو عن الأخبار المتضمّن كثير منها لإثبات التكليف وجوبا وتحريما ، فحصول الظنّ بعدم التكليف في جميع الوقائع أمر يعلم عادة

______________________________________________________

ومع فرض حصول الظنّ الفعلي بآحاد المسائل يمتنع حصول العلم الإجمالي بمخالفة بعضها للواقع ، إذ الظنّ عبارة عن الطرف الراجح ، ومع فرض اعتقاد رجحان أحد طرفي المسألة في جميع المسائل يمتنع حصول القطع إجمالا بمخالفة بعضها للواقع ، لكون الموجبة الكلّية منتقضة بالسالبة الجزئيّة. نعم ، يتمّ ذلك على القول بالظنون الخاصّة ، لعدم اعتبار الظنّ الفعلي على هذا القول.

ولكن لقائل أن يمنع من امتناع اجتماع الظنّ الفعلي مع العلم الإجمالي فيما كانت دائرة المظنونات أوسع كما في المقام ، وذلك لأنّ اللازم على القول بمطلق الظنّ تحصيل الظنّ الفعلي في كلّ مسألة عند إرادة الترجيح والاجتهاد فيها ، ولا ريب أن المجتهد إذا دخل في الفقه وشرع في مسائل الطهارة والعبادات ورجّح المسائل ، فإذا انتهى إلى مسائل الديات يزول عن نفسه أكثر الظنون الحاصلة في مسائل الطهارة والعبادات مثلا ، وحينئذ فحصول العلم الإجمالي بمخالفة بعض اجتهاداته السابقة للواقع لا ينافي حصول الظنّ الفعلي في المسألة التي يريد الاجتهاد فيها.

نعم ، لو فرض شخص ذاكرا لجميع اجتهاداته ، ولم يزل ظنّه في جميع ما اجتهد فيه ، امتنع حصول العلم الإجمالي له بمخالفة بعض اجتهاداته للواقع. ولكنّه فرض غير واقع. مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ القائل بالظنّ المطلق لا يجب أن تكون جميع ظنونه ظنونا فعليّة ، إذ قد تكون عنده ظنون خاصّة معتبرة من باب الظنّ النوعي وإن لم تكن وافية بأغلب أبواب الفقه. وحينئذ إذا احتمل الفقيه انحصار

٣٥٠

بعدم وقوعه. وثالثا : لو سلّمنا وقوعه ، لكن لا يجوز حينئذ العمل (٧١٢) بعدم التكليف في جميع الوقائع لأجل العلم الإجمالي المفروض ؛ فلا بدّ حينئذ من التبعيض بين مراتب الظنّ بالقوّة والضعف ، فيعمل في موارد الظنّ الضعيف بنفي التكليف بمقتضى الاحتياط ، وفي موارد الظنّ القويّ بنفي التكليف بمقتضى البراءة ، ولو فرض التسوية في القوّة والضعف كان الحكم كما لو لم يكن ظنّ في شيء من تلك الوقائع : من التخيير إن لم يتيسّر لهذا الشخص الاحتياط ، وإن تيسّر الاحتياط تعيّن الاحتياط في حقّ نفسه وإن لم يجز لغيره تقليده ، ولكنّ الظاهر أنّ ذلك مجرّد فرض غير واقع ؛ لأنّ الأمارات كثير منها مثبتة للتكليف ، فراجع كتب الأخبار.

ثمّ إنّه قد يردّ الرجوع إلى اصالة البراءة تبعا لصاحب المعالم وشيخنا البهائي في الزبدة رحمهما‌الله : بأنّ اعتبارها من باب الظنّ ، والظنّ منتف في مقابل الخبر ونحوه من أمارات الظنّ. وفيه : منع كون البراءة من باب الظنّ. كيف؟ ولو كانت كذلك لم يكن دليل على اعتبارها ، بل هو من باب حكم العقل القطعي بقبح التكليف من دون بيان.

وذكر المحقّق القمّي رحمه‌الله (٧١٣) في منع حكم العقل المذكور : أنّ حكم العقل إمّا أن يريد به الحكم القطعي أو الظنّي ، فإن كان الأوّل ، فدعوى كون مقتضى أصل

______________________________________________________

موارد علمه الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة في موارد الظنون الخاصّة يندفع الامتناع المذكور ، لعدم استحالة اجتماع الظنون النوعيّة مع العلم الإجمالي بالخلاف. وهذا الوجه محكيّ عن مجلس درس المصنّف رحمه‌الله.

٧١٢. الوجه في عدم جواز العمل بالظنّ مع العلم الإجمالي المفروض هو عدم الدليل عليه من العقل والنقل ، لأنّ العقل إنّما يحكم بحجيّة الظنّ بملاحظة غلبة إيصاله إلى الواقع ، وإذا فرضت كثرة مخالفته له فهو لو لم يدلّ على عدم اعتباره حينئذ لا يدلّ على اعتباره لا محالة ، فاللازم لمثل هذا إمّا تقليد غيره ، أو التبعيض في العمل بمظنوناته على نحو ما ذكره المصنّف رحمه‌الله.

٧١٣. ذكره في مقام الردّ على جمال العلماء ، لأنّه قد أورد ذلك على قوله الآتي : «لأنّ العقل يحكم بأنّه لا يثبت علينا إلّا بالعلم به ...».

٣٥١

البراءة قطعيّا أوّل الكلام ، كما لا يخفى على من لاحظ أدلّة المثبتين والنافين من العقل والنقل. سلّمنا كونه قطعيّا في الجملة ، لكنّ المسلّم إنّما هو قبل ورود الشرع ، وأمّا بعد ورود الشرع فالعلم بأنّ فيه أحكاما إجماليّة على سبيل اليقين يثبّطنا عن الحكم بالعدم قطعا ، كما لا يخفى. سلّمنا ذلك ، ولكن لا نسلّم حصول القطع بعد ورود مثل الخبر الواحد الصحيح على خلافه. وإن أراد الحكم الظنّي ـ سواء كان بسبب كونه بذاته مفيدا (٧١٤) للظنّ أو من جهة استصحاب الحالة السابقة ـ فهو أيضا ظنّ مستفاد من ظاهر الكتاب والأخبار التي لم يثبت حجّيتها بالخصوص ، مع أنّه ممنوع بعد ورود الشرع ثمّ بعد ورود الخبر الصحيح إذا حصل من خبر الواحد ظنّ أقوى منه (٢١) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وفيه : أنّ (٧١٥) حكم العقل بقبح المؤاخذة من دون البيان حكم قطعي لا اختصاص له بحال دون حال ، فلا وجه لتخصيصه بما قبل ورود الشرع ، ولم يقع

______________________________________________________

٧١٤. بأن يقال بكون الشكّ في التكليف مع قطع النظر عن ملاحظة الحالة السابقة مفيدا للظنّ بالبراءة ، لأنّ التكليف لو كان لبيّنه الشارع ، لقبحه بلا بيان ، فتأمّل.

٧١٥. محصّل الجواب تصريحا وتلويحا يرجع إلى وجوه :

أحدها : أنّه يستفاد من نفيه إفادة أصل البراءة للقطع أوّلا ، ثمّ تسليمه ذلك قبل ورود الشرع ومنعه بعده ثانيا ، ومنعه ذلك في مقابل الخبر الصحيح ثالثا ، أنّ مقتضى أصالة البراءة هو نفي الحكم الواقعي. فيرد عليه حينئذ أنّ مقتضاها ليس نفي الحكم الواقعي لا قطعا ولا ظنّا ، بل مقتضاها حكم ظاهري قطعي ناش من استقلال العقل بقبح التكليف بلا بيان ، ولا خلاف لأحد في ذلك ، لأنّ قول الأخباريّين بوجوب الاحتياط إنّما هو بزعم كون أخبار الاحتياط بيانا إجماليّا واردة على أخبار البراءة ، ومثبتة لحكم ظاهري من قبل الشارع ، لا لأجل منع القبح المذكور. والمحقّق القمّي رحمه‌الله أيضا إنّما استند في حجّية البراءة في المقام إلى حكم العقل ، دون الأخبار حتّى يدّعى ظنّيتها ، ولا إلى الإجماع كي يمنع في المقام ، مع ما عرفت من تحقّقه في المقام. والمصنّف رحمه‌الله وإن لم يصرّح بالإيراد المذكور ، إلّا

٣٥٢

فيه خلاف بين العقلاء ، وإنّما ذهب من ذهب إلى وجوب الاحتياط لزعم نصب الشارع البيان على وجوب الاحتياط من الآيات والأخبار التي ذكروها. وأمّا الخبر الصحيح فهو كغيره من الظنون إن قام دليل قطعي على اعتباره كان داخلا في البيان ، ولا كلام في عدم جريان البراءة معه ، وإلّا فوجوده كعدمه غير مؤثّر في الحكم

______________________________________________________

أنّه قد نبّه على ذلك بتصريحه بكون مبنى البراءة على قبح المؤاخذة بلا بيان.

وثانيها : أنّك بعد ما عرفت من كون مبنى حكم العقل بالبراءة هو قبح التكليف بلا بيان ، ظهر أنّه لا وجه لتخصيص قطعيّة أصل البراءة بما قبل ورود الشرع ، إذ حكم العقل بذلك حكم قطعي لا اختصاص له بما قبل ورود الشرع. مع أنّ هذا إنّما يناسب التعبير بأصالة الإباحة ، لأنّ ذلك من وجوه الفرق بينها وبين أصالة البراءة ، حيث فرّق بينهما باختصاص الاولى بما قبل ورود الشرع والثانية بما بعده.

ويمكن دفع هذا الإيراد بأنّ الظاهر أنّ مراد المحقّق القمّي رحمه‌الله بالتفصيل بين ما قبل ورود الشرع وما بعده إنّما هو لأجل عدم تحقّق العلم الإجمالي قبل ورود الشرع ، لا لأجل خصوصيّة اخرى لما قبل ورود الشرع وما بعده. نعم ، يرد عليه حينئذ عدم الفرق بينهما قبل الشرع وما بعده في حصول العلم الإجمالي وعدمه ، إذ لا يخلو كلّ زمان من نبيّ وشرع. اللهمّ إلّا أن يكون مقصوده بما قبل ورود الشرع هو قطع النظر عن وروده.

وثالثها : أنّ منع إفادة أصالة البراءة لليقين بعد ورود الخبر الصحيح على خلافها ممّا لا محصّل له ، لأنّ ذلك إن كان مع فرض حجّية الخبر الصحيح فهو خروج من محلّ الفرض ، إذ الفرض عدم ثبوت حجّية الخبر بعد ، إذ المقصود في المقام بيان كون المرجع بعد الانسداد الأغلبي هي البراءة أو الظنّ المطلق ، كيف ولو ثبت اعتبار الخبر الصحيح لم ينسدّ باب العلم شرعا وإن فرض انسداده وجدانا. وإن كان مع فرض عدم حجّيته كما هو صريح آخر كلامه حيث قال : «الأخبار والآيات التي لم يثبت اعتبارها» فهو كما ترى ، إذ وجود الخبر في قبالها حينئذ بمنزلة احتمال غير معتبر في قبالها ، فلو لم تكن البراءة حينئذ معتبرة لم يبق لها مورد أصلا.

٣٥٣

العقلي. والحاصل : أنّه لا ريب لأحد ـ فضلا عن أنّه لا خلاف ـ في أنّه على تقدير عدم بيان التكليف بالدليل العامّ أو الخاصّ فالأصل البراءة ، وحينئذ فاللازم إقامة الدليل على كون الظنّ المقابل بيانا.

وممّا ذكرنا ظهر (٧١٦) صحّة دعوى الإجماع على أصالة البراءة في المقام (٧١٧) ؛ لأنّه إذا فرض عدم الدليل على اعتبار الظنّ المقابل صدق قطعا عدم البيان ، فتجري البراءة. وظهر فساد دفع (٧١٨) أصل البراءة بأنّ المستند فيها إن كان هو الإجماع فهو مفقود في محلّ البحث ، وإن كان هو العقل فمورده صورة عدم الدليل ولا نسلّم عدم الدليل مع وجود الخبر. وهذا الكلام ـ خصوصا الفقرة الأخيرة منه ـ ممّا يضحك الثكلى ؛ فإنّ عدم ثبوت كون الخبر دليلا يكفي في تحقّق مصداق القطع بعدم الدليل الذي هو مجرى البراءة.

______________________________________________________

٧١٦. أي : من عدم الخلاف بين العقلاء ، وإنّ من أوجب الاحتياط إنّما أوجبه بزعم وجود البيان.

٧١٧. أعني : صورة الانسداد الأغلبي.

٧١٨. توضيح الدفع : أنّه لا إشكال في عدم جواز العمل بأصالة البراءة فيما حصل العلم التفصيلي بالحكم الواقعي ، كما أنّه لا إشكال في جواز العمل بها في الشبهات البدويّة الخالية من العلم الإجمالي ، إذ مستندها عقلا وشرعا هو قبح التكليف بلا بيان ، ولا ريب في حصول البيان مع العلم التفصيلي ، وعدمه في الشبهات البدويّة.

وأمّا مع العلم الإجمالي كما في المقام ، فالمستند إن كان هو الإجماع فهو في محلّ النزاع ـ أعني : ما قام فيه خبر العدل على خلاف البراءة ـ ممنوع ، كما ذكره جماعة ومنهم صاحب المعالم. وإن كان هو العقل فمورده صورة عدم الدليل والبيان ، ومع وجود الخبر يشكّ في عدم البيان ، لاحتمال كونه دليلا وبيانا ، فلا يبقى مجال للبراءة ، لاشتراط جريانها بإحراز عدم البيان ، فلا تجري مع الشكّ فيه. وإن شئت قلت : يحتمل اكتفاء الشارع في البيان بالعلم الإجمالي في المقام ، فلا تجري

٣٥٤

واعلم : أنّ الاعتراض على مقدّمات دليل الانسداد بعدم استلزامها للعمل بالظنّ لجواز الرجوع إلى البراءة ، وإن كان قد أشار إليه صاحب المعالم وصاحب الزبدة وأجابا عنه بما تقدّم مع ردّه : من أنّ أصالة البراءة لا يقاوم الظنّ الحاصل من خبر الواحد ، إلّا أنّ أوّل من شيّد الاعتراض به (٧١٩) وحرّره لا من باب الظنّ هو المحقّق المدقّق جمال الدين قدس‌سره في حاشيته (٧٢٠) ، حيث قال :

يرد على الدليل المذكور : أنّ انسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة غالبا لا يوجب جواز العمل بالظنّ حتّى يتّجه ما ذكروه ؛ لجواز أن لا يجوز العمل بالظنّ ، فكلّ حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع نحكم به ، وما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة ، لا لكونها مفيدة للظنّ ، ولا للإجماع على وجوب التمسّك بها ؛ بل لأنّ العقل يحكم بأنّه لا يثبت تكليف علينا إلّا بالعلم به ، أو بظنّ يقوم على

______________________________________________________

البراءة وإن لم يكن هنا خبر أيضا.

وتوضيح فساد الأوّل قد تقدّم عند شرح ما أورده على المحقّق القمّي رحمه‌الله. وحاصل فساد الثاني : أنّ جريان البراءة إنّما هو مشروط بعدم ثبوت البيان عندنا لا بعدم البيان في الواقع ، وقد تقدّم توضيحه هناك أيضا.

وقد يورد على العمل بأصالة البراءة في المقام بأنّ فيه عدولا عن الظنّ إلى مثله ، إذ غايتها إفادة الظنّ دون القطع.

وفيه : أنّ فيه عدولا عن الظنّ إلى ظنّ مقطوع الاعتبار لا إلى مثله ، لدلالة الآيات والأخبار عليها. مع أنّه إن اريد من إفادتها للظنّ الظنّ بالحكم الواقعي فهو ممنوع ، لأنّها إنّما تفيد حكما تعبّديا في مورد الشكّ على ما هو التحقيق ، خلافا لظاهر المشهور وصريح جماعة. وإن اريد إفادتها للظنّ بالحكم الظاهري فهو كما ترى ، لأنّها إنّما تفيد العلم به دون الظنّ.

٧١٩. بالعمل بأصالة البراءة لا من باب إفادتها للظنّ.

٧٢٠. أي : على شرح مختصر الحاجبي.

٣٥٥

اعتباره دليل يفيد العلم ، ففيما انتفى الأمران (٧٢١) فيه يحكم العقل ببراءة الذّمة عنه وعدم جواز العقاب على تركه ، لا لأنّ الأصل المذكور يفيد ظنّا بمقتضاها حتّى يعارض بالظنّ الحاصل من أخبار الآحاد بخلافها ؛ بل لما ذكرنا : من حكم العقل بعدم لزوم شيء علينا ما لم يحصل العلم لنا ولا يكفي الظنّ به.

______________________________________________________

٧٢١. أورد عليه المحقّق القمّي رحمه‌الله بأنّ ذلك لا ينطبق على مدّعاه ، إذ المفروض أنّ غسل الجمعة يقيني ، ولكنّه مردّد بين الوجوب والندب ، ولا ثالث لهما. وما ذكره من الحكم بجواز الترك بأصالة البراءة ، إن أراد نفي الوجوب مع عدم الحكم بالاستحباب فهو لا يلائم ما ثبت يقينا من الشرع. وإن أراد إثبات الاستحباب ، فهو ليس إلّا معنى ترجيح أحاديث الاستحباب على أحاديث الوجوب بسبب الاعتضاد بالأصل. وأمّا الحكم بسبب الأصل أنّ الرجحان الثابت بالإجماع والضرورة لا يكون إلّا هو الرجحان الاستحبابي دون الوجوبي ، فهو لا يتمّ إلّا بترجيح أصل البراءة على الاحتياط ، وهو موقوف على حجّية هذا الظنّ.

وبالجملة ، إنّ الجنس لا بقاء له بدون الفصل ، والثابت من الشرع أحد الأمرين ، وأصل البراءة لا يمنع إلّا المنع من الترك. وعلى فرض أن يكون الرجحان الثابت بالإجماع هو الحاصل في ضمن الوجوب فقط في نفس الأمر ، فمع نفي المنع من الترك بأصل البراءة لا يبقى رجحان أصلا ، لانتفاء الجنس بانتفاء فصله. وأصل البراءة مع المنع من الترك لا يوجب كون الثابت بالإجماع في نفس الأمر هو الاستحباب ، فكيف يحكم بالاستحباب؟

وفيه : أنّ مراد جمال العلماء بما فيه مندوحة هو ما لا يكون الأمر فيه دائرا بين المحذورين ، مثل ما دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة ، فثبوت غسل الجمعة من الشرع في الجملة يقينا ، ودوران أمره بين الوجوب والاستحباب ، لا ينافي كونه ممّا فيه مندوحة.

وأمّا ما ذكره ثانيا بقوله : «وما ذكره من الحكم بجواز الترك ...» إلى آخر ما ذكره ، فيرد عليه : أنّ للخصم أن يقول بالاستحباب بعد نفي الوجوب بالأصل ،

٣٥٦

ويؤكّده (٧٢٢) : ما ورد من النهي عن اتّباع الظنّ.

وعلى هذا ، ففيما لم يحصل العلم به على أحد الوجهين وكان لنا مندوحة عنه (٧٢٣) كغسل الجمعة فالخطب سهل ؛ إذ نحكم بجواز تركه

______________________________________________________

بأن يقول : إنّ مطلق رجحان غسل الجمعة ثابت بالإجماع ، وبعد نفي احتمال وجوبه بالأصل يستقلّ العقل باستحبابه ظاهرا. وليس هذا حكما بالاستحباب الواقعي حتّى يقال إنّه بعد نفي المنع من الترك بالأصل لا يلزم أن يكون الرجحان الثابت بالإجماع حاصلا في ضمن فصل الاستحباب بحسب الواقع كما توهّمه. وهذا هو الوجه في حكمنا أيضا بالاستحباب حتّى فيما دار الأمر فيه بين الوجوب والكراهة ، إذ بعد نفي المنع من الترك بالأصل فالعقل يستقلّ بالاستحباب الظاهري لأجل احتمال الوجوب.

٧٢٢. يعني : عدم كفاية الظنّ. وأورد عليه المحقّق القمّي رحمه‌الله بأنّ ما دلّ من الآيات على النهي عن اتّباع الظنّ عمومات لا تفيد إلّا الظنّ وإن كان سندها قطعيّا ، بل هي ظاهرة في غير الفروع.

وفيه : أنّ هذه الآيات وإن كانت عمومات إلّا أنّ دلالتها قطعيّة الاعتبار ، لما قدّمناه في محلّه من كون ظواهر الكتاب من الظنون الخاصّة حتّى بالنسبة إلى غير المشافهين ، وأوضحنا هناك فساد ما توهّمه المحقّق المذكور من كون اعتبار الظواهر مطلقا بالنسبة إلى غير المشافهين من باب الظنّ المطلق. مع أنّ جمال العلماء قد جعل الآيات المذكورة مؤكّدة لا دليلا ، فلا وقع للإيراد حينئذ بما ذكره ، إذ لا ريب أنّه مع تسليم ما ذكره لا تخلو الآيات المذكورة من التأييد والتأكيد.

٧٢٣. أورد عليه المحقّق القمّي رحمه‌الله بأنّه «إن أراد أنّ هذا التخيير الذي هو في معنى البراءة في مقابل الدليل الظنّي ، وهو مقدّم ، فهو فاسد ، إذ بعد تعارض دليلي القولين لا شيء في مقابل البراءة حتّى يقال إنّه ظنّ لا نعمل به ، بل يرجع الكلام إلى مثل جريان أصل البراءة فيما لا نصّ فيه ، ومقابله أدلّة التوقّف والاحتياط ، وهو لا يقول به ، والمستدلّ أيضا لا يقول به. وإن أراد أنّ هذا التخيير إنّما هو في العمل

٣٥٧

بمقتضى الأصل المذكور. وأمّا فيما لم يكن مندوحة عنه ، كالجهر بالتسمية والإخفات بها في الصلاة الإخفاتيّة التي قال بوجوب كلّ منهما قوم ولا يمكن لنا ترك التسمية فلا محيص لنا عن الإتيان بأحدهما ، فنحكم بالتخيير فيها ؛ لثبوت وجوب أصل التسمية وعدم ثبوت وجوب الجهر أو الإخفات ، فلا حرج لنا في شيء منهما ، وعلى هذا فلا يتمّ الدليل المذكور ؛ لأنّا لا نعمل بالظنّ أصلا ، انتهى كلامه ، رفع مقامه.

وقد عرفت : أنّ المحقّق القمّي قدس‌سره أجاب عنه (٧٢٤) بما لا يسلم عن الفساد ،

______________________________________________________

بأيّهما اختار من القولين ، على فرض اختيار كلّ منهما يصير واجبا عليه ، فلا معنى لأصل البراءة حينئذ ، نظير التخيير بين الرجوع إلى المجتهدين كما مرّ ، فإنّ المفروض أنّ القول منحصر في وجوب الجهر ووجوب الإخفات ، وأنّ أحدهما ثابت في نفس الأمر جزما ، لا أنّ الأصل عدم وجوب شيء والدليل الظنّي دلّ على أحدهما ، فننفيه بأصل البراءة. فبعد ثبوت التخيير أيضا يثبت حكم جزما ، فالتخيير في الرجوع إلى الدليلين أو القولين غير التخيير في اختيار أحد المدلولين ليكون تخييرا في أصل المسألة» انتهى كلامه رفع مقامه.

ويرد عليه : أنّا نختار أوّلا أنّ مراده بالتخيير هو أصل البراءة الذي هو المعوّل عليه بعد تعارض الدليلين وتساقطهما ، إلّا أنّه لم يظهر من جمال العلماء حصر العمل بأصالة البراءة في صورة الانسداد بصورة وجود أمارة ظنّية في مقابل الأصل ، لأنّه إنّما منع من جواز العمل بالظنّ في صورة الانسداد بدعوى جواز العمل بأصالة البراءة ، لا مع اعتبار كونها في مقابل الأمارة الظنّية ، غاية الأمر أن يكون هذا من الموارد الخالية من الظنّ. وبالجملة ، إنّه لا وجه لحمل كلام جمال العلماء على صورة وجود ظنّ في مقابل الأصل.

ونختار ثانيا أنّ مراده بالتخيير هو التخيير في الأخذ بأحد الدليلين المتعارضين ، ولا ريب أنّ التخيير في الأخذ بإحدى الحجّتين نوع من البراءة ، لأصالة عدم تعيّن إحداهما عليه ، ولا غائلة فيه أصلا.

٧٢٤. هو ما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «وذكر المحقّق القمّي رحمه‌الله».

٣٥٨

فالحقّ ردّه بالوجوه الثلاثة المتقدّمة. ثمّ إنّ ما ذكره من التخلّص عن العمل بالظنّ بالرجوع إلى البراءة لا يجري في جميع الفقه ، إذ قد يتردّد الأمر بين كون المال لأحد شخصين ، كما إذا شكّ في صحّة بيع المعاطاة فتبايع بها اثنان ، فإنّه لا مجرى (٧٢٥) هنا للبراءة ؛ لحرمة تصرّف كلّ منهما على تقدير كون المبيع ملك صاحبه وكذا في الثمن ، ولا معنى للتخيير أيضا ؛ لأنّ كلا منهما يختار مصلحته ، وتخيير الحاكم هنا لا دليل عليه ، مع أنّ الكلام في حكم الواقعة لا في علاج الخصومة. اللهمّ إلّا أن

______________________________________________________

٧٢٥. لأنّه مع الشكّ في صحّة المعاطاة وكونها سببا للنقل والانتقال لا معنى للتمسّك بأصالة البراءة ، إذ لا محصّل للبراءة عن سببيّة السبب المشكوك في سببيّته. وحينئذ إذا تبايعا على وجه المعاطاة ، فحرمة تصرّف البائع في الثمن والمشتري في المبيع وعدمها تابعة لصحّة المعاطاة وفسادها في الواقع ، فما لم تثبت صحّة المعاطاة أو فسادها لم تثبت حرمة التصرف أو عدمها. ولا يمكن التمسّك فيها بالأصل ، لما عرفت من قضيّة التبعيّة. وإثبات التخيير فيها للمتبايعين يؤدّي إلى التنازع ، وللحاكم لا دليل عليه. وحاصل ما ذكره : عدم تأتّي ما ذكره جمال العلماء من العمل بالبراءة والتخيير في الأحكام الوضعيّة إذا حصل الشكّ في شيء منها.

وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ المراد بقوله : «لحرمة تصرّف كلّ منهما ...» ، أنّه إذا فرض فساد المعاطاة في الواقع ليكون تصرّف المشتري في المبيع والبائع في الثمن حراما في الواقع ، وأصالة البراءة لا تدفع هذه الحرمة المحتملة ، لفرض كونها تابعة لفساد المعاملة في الواقع. وعلى هذا فالأولى أن يقول : وكذا الثمن بدل قوله : «وكذا في الثمن». ولكنّك خبير بأنّ هذا إنّما يتمّ على القول بكون الأحكام الوضعيّة مجعولة ، وأمّا على المختار ـ وفاقا للمصنّف رحمه‌الله ، بل المحقّقين من العلماء كما سيجيء في مبحث الاستصحاب ـ من كونها منتزعة من الأحكام الطلبيّة ، فلا وجه للمنع من التمسّك بأصالة البراءة.

فإن قلت : إنّ مقتضى القاعدة في المثال هو استصحاب حرمة تصرّف كلّ من المتبايعين فيما أخذه من صاحبه ، بل استصحاب بقاء كلّ من المبيع والثمن في ملك

٣٥٩

يتمسّك في أمثاله بأصالة عدم ترتّب الأثر ، بناء على أنّ أصالة العدم (٧٢٦) من الأدلّة الشرعيّة ، فلو ابدل في الإيراد أصالة البراءة بأصالة العدم كان أشمل.

ويمكن أن يكون (٧٢٧) هذا الأصل ـ يعني أصل الفساد وعدم التملّك وأمثاله ـ داخلا في المستثنى في قوله : " لا يثبت تكليف علينا إلّا بالعلم أو بظنّ يقوم على اعتباره دليل يفيد العلم" بناء على أنّ أصل العدم من الظنون الخاصّة التي قام

______________________________________________________

صاحبه ، فتدبّر.

قلت : نعم ، ولكن محلّ الكلام في المقدّمة الثانية من مقدّمات دليل الانسداد هو جواز الرجوع إلى أصالة البراءة وعدمه مع قطع النظر عن كون المورد محلّا للاستصحاب وعدمه ، إذ مورد الكلام في جواز العمل بالاصول الجارية في خصوص المسائل هي المقدمة الثالثة. مع أنّ سيّدنا الأستاذ دام ظلّه على الأنام قد حكى عن جمال العلماء قوله بعدم اعتبار الاستصحاب. ومن هنا يسقط ما ربّما يورد عليه بالنقض بموارد الاستصحاب الوجودي ، نظرا إلى تقدّمه على البراءة فيها. والأولى أن يمثّل للمقام بما وقع الخلاف في دخوله في الحبوة التي هي للولد الأكبر ، إذ لا سبيل للتمسّك بالبراءة فيه ، إذ كما يصحّ للولد الأكبر التمسّك بأصالة البراءة عن حرمة التصرّف فيما وقع فيه الخلاف ، كذلك لسائر الورثة وكذا لا سبيل لتخيير الورثة ، لأنّ كلّا منهم يختار مصلحته. وكذا تخيير الحاكم ، لعدم الدّليل عليه. وقد تقدّم عند شرح ما يتعلّق بالإيراد الثالث ممّا أورده المصنّف رحمه‌الله على جواز العمل بأصالة البراءة في المقام ما ينفعك هنا ، فراجع.

٧٢٦. بأن يقال : إنّ الشكّ في وجود شيء دليل على عدمه شرعا ، وإنّه مغاير لأصالة البراءة والاستصحاب. ولعلّه سيجيء تفصيل الكلام في ذلك في مسألة البراءة.

٧٢٧. على هذا يندفع عنه الإيراد ، ولا يحتاج إلى تبديل أصالة البراءة بأصالة العدم ، كما كان ذلك محتاجا إليه على تقدير دخول أصالة العدم في المستثنى منه.

٣٦٠