فرائد الأصول - ج ٢

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٢

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-65-2
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٦٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاشتراط» انتهى. وقد عزي إليه في الفقه أيضا إنكار المفهوم في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» لما ذكره هنا.

والجواب : أنّ أداة الشرط منها ما يفيد العموم ، مثل : متى ومهما ونحوهما ، ومنها ما يفيد مجرّد التعليق على وجه الإهمال ، مثل : إن وإذا ، وما ذكره من عدم ملاحظة المفهوم إنّما يتمّ في القسم الأوّل ، كما تشهد به أكثر الأمثلة التي ذكرها ، والآية من قبيل الثاني. ومآل الجواب إلى منع الصغرى ، أعني : كون الآية منساقة لبيان العموم.

ومنها : أنّ المفهوم رفع للمنطوق ، فيكون نقيضا منطقيّا له ، وإذا كان المنطوق وجوب التبيّن عن خبر الفاسق على الوجه الكلّي ، فيكفي في رفعه السلب الجزئي ، فلا يدلّ المفهوم إلّا على عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل في الجملة ، فيكفي في صدق المفهوم حجّية قول العدل في الجملة ، مثل إخباره عن استبراء الأمة المبيعة ، فلا تثبت به حجّية خبره مطلقا.

والجواب : ـ مع منع كون المفهوم نقيضا منطقيّا للمنطوق ، لما تقرّر في محلّه من اشتراط اتّحادهما فيما عدا الإيجاب والسّلب ، وعلى ما ذكر يلزم اختلافهما في الكمّ أيضا ـ أنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو اشتمل المقدّم أو التالي أو كلاهما على أداة العموم ، إذ لا بدّ من اختلافهما في الكيف ، فإذا كان المنطوق موجبة تكفي في رفعها السالبة الجزئية ، وإذا كان سالبة تكفي في رفعها الموجبة الجزئيّة وما نحن فيه ليس كذلك ، لأنّ التعليق فيه بلفظ «إن» وهو لا يفيد التعليق إلّا على وجه الإهمال كما أشرنا إليه ، والمفهوم في مثله لا بدّ أن يكون برفع الحكم عن غير محلّ الشرط على وجه الإهمال ، وهو عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل ، غاية الأمر أن يقيّد كلّ من العادل والفاسق في طرفي المنطوق والمفهوم العموم بدليل الحكمة ، ولا ربط له بما نحن فيه.

ومنها : أنّ مفهوم الشرط إنّما يعتبر حيث لم يرد الشرط مورد الغالب ، مثل قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ). وقوله

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

سبحانه : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ). ولا ريب في كون أكثر المخبرين فسّاقا ، سيّما عند نزول الآية ، لكون أكثر الناس يومئذ منافقين أو فسّاقا ، فتعليق وجوب التبيّن على كون المخبر فاسقا لا يفيد عدم وجوب التبيّن إذا كان الجائي به عادلا ، قضيّة لورود الشرط مورد الغالب.

والجواب : أنّ الفارق بين ما نحن فيه والآيتين هو العرف ، ولا ريب أنّ أهل العرف يفهمون المفهوم منه دونهما. ولعلّ السرّ فيه أنّ ورود الشرط مورد الغالب إنّما يصدم في انفهمام المفهوم من الشرط إذا كان المخاطبون ملتفتين إلى هذه الغلبة ، ولا ريب في عدم التفاتهم إليها في مثل قولنا : إن جاء فاسق بخبر فتفحّص عن صدقه وكذبه ، وهو واضح.

ومنها : أنّ الاستدلال بالآية إنّما يتمّ إن أفادت العلم ، وإلّا فلا يمكن إلزام الأخباريّين المنكرين لظواهر الكتاب بها ، ولا أقلّ من العلم باعتبارها ليمكن الإلزام بها لمن قال باعتبار الظواهر من باب الظنّ المطلق دون الخاصّ كالمحقّق القمّي.

لا يقال : إنّ الآية مفيدة للظن وظنّ ، المجتهد حجّة إجماعا ، فتثبت حجّيتها بالخصوص.

لأنّا نقول : إنّ الإجماع على حجّية ظنّ المجتهد إنّما هو بعد الفراغ عن قيام دليل علمي على حجّية ظواهر الكتاب ، ـ وكذا السنّة مطلقا ـ من باب الظنّ الخاصّ أو المطلق ، والفرض أنّ الخصم ينكر حجّيتها بالخصوص. مع أنّ الاستدلال بها إنّما هو في مقابل السيّد ، وهو ينكر حجّية المفاهيم رأسا حتّى مفهوم الغاية الذي هو أقواها ، ولعلّ غيره أيضا من المنكرين لاعتبار أخبار الآحاد ينكرونها.

والجواب عنه ـ بعد ما قدّمناه سابقا من الأدلّة القاطعة على حجّية ظواهر الكتاب ، وكذا مفهوم الشرط في محلّه ، وبها يمكن إلزام الخصم ـ أنّ المقصود في المقام ليس إلزام الخصم بل بيان الواقع ، فالآية حينئذ تنهض لإثبات المطلوب عند كلّ من يرى حجّية ظواهر الكتاب ومفهوم الشرط. مضافا إلى أنّ من يدّعي

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حجّية المفاهيم يدّعي ظهور القضيّة المقيّدة بالشرط أو الغاية مثلا فيها ، فيشملها الإجماع المدّعى على حجّية الظواهر ، فتدبّر.

ومنها : أنّ الخطاب في الآية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، فلا تكون حجّة في موردها ، لعدم جواز عملهم بخبر الواحد في الأحكام ، فلا تثبت حجّية أخبار الآحاد في حقّنا ، لأنّه فرع ثبوته لهم ليتعدّى إلينا بدليل الاشتراك في التكليف ، فلتحمل الآية على بيان حجّية خبر العدل في الموضوعات.

والجواب أوّلا : منع اختصاص الخطاب بهم ، لعمومه لجميع من في مجلس الخطاب ، غاية الأمر أنّه قد خرج منه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، فإذا ثبت الحكم لغيرهم ثبت لنا أيضا بدليل الاشتراك في التكليف.

وثانيا : مع التسليم أنّه إذا ثبت الحكم في الموضوعات في حقّهم ثبت في حقّنا كذلك بدليل الاشتراك في التكليف ، وإذا ثبت فيها لنا ثبت لنا في الأحكام أيضا ، أوّلا : بالإجماع المركّب ، وثانيا : بالأولويّة ، لأنّ قول العدل إذا كان حجّة في الموضوعات مع ثبوت طريق العلم إليها للمكلّف في الجملة ، وعدم كونها مجعولة للشارع وموقوفة على بيان الشارع ، فكونه طريقا مجعولا إلى ما هو مجعول له وليس للمكلّف إليه طريق أصلا إلّا ببيانه أولى.

ومنها : ما نقله المحقّق القمّي عن بعضهم من «أنّ التعليل بقوله (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) إنّما يجري فيه وفي مثله لا مطلق الخبر ، والمقصود إثبات حجّية مطلق الخبر» انتهى. وحاصله : أنّ المراد بالمفهوم بملاحظة العلّة بيان حجّية خبر العادل فيما يترتّب على العمل به أمر مكروه من إهلاك نفس ونحوه على تقدير ظهور كذب المخبر ، كما هو ظاهر الإصابة بجهالة ، فيختصّ بالموضوعات التي من شأنها ذلك ، مثل الإخبار عن القتل والزنا والسرقة ونحوها ، ومنها مورد الآية حيث أخبر الوليد بارتداد بني المصطلق ، فلا يعمّ الأحكام التي هي محلّ الكلام في المقام ، ألا ترى أنّه لو أخبر عدل بأنّك إذا شككت فابن على الأكثر ، لا يترتّب على العمل به ندامة على تقدير ظهور كذب المخبر.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجيب عنه أوّلا : بالنقض بوجود مثل ذلك في الأحكام أيضا ، كما لو أخبر عن وجوب قتل الزاني أو رجمه بشهادة عدلين ، وعمل بمقتضاه ثمّ ظهر كذبه وأنّه تعتبر شهادة أربعة ، أو أخبر عن حدّ شارب الخمر ، وهكذا. ويتمّ المطلوب في الباقي بعدم القول بالفصل ، أو يقال : إذا ثبت ذلك فيما يستعقب الندامة ففيما لا يستعقبها بطريق أولى.

وثانيا : بمنع كون قوله (أَنْ تُصِيبُوا) علّة للحكم ، لاحتمال كونه حكمة له ، فلا يجب اطّرادها في جميع الموارد. لكنّه ضعيف كما تقدّمت إليه الإشارة.

وثالثا : مع تسليم كونه علّة بأنّه يتمّ المطلوب بملاحظة العلّة ، لدوران الحكم مدارها وجودا وعدما ، فحيثما تنتفي العلّة ، إمّا لعدم قابليّة المورد لها كما في أكثر الأحكام على ما عرفت ، وإمّا لكون عدالة المخبر عاصمة عن تعمّد الكذب الذي تترتّب عليه الإصابة والندم ، ينتفي الحكم ، أعني : وجوب التبيّن لا محالة.

وفيه نظر من وجهين :

أحدهما : أنّه خروج من التمسّك بمفهوم التعليق بالشرط إلى التمسّك بمفهوم العلّة.

وثانيهما : أنّ غاية ما في الباب أن تكون الآية من قبيل منصوص العلّة مثل : حرّمت الخمر لإسكارها ، وغاية ما يستفاد من منصوص العلّة وجود الحكم حيث وجدت العلّة ولو في غير موضوع الحكم ، كما لوجد الإسكار في النبيذ والفقّاع ، وكذلك انتفائه عن أفراد موضوعه إذا زالت العلّة عنها ، كما لو زال الإسكار عن بعض أفراد الخمر ، وأمّا انتفاء الحكم عن غير أفراد موضوعه إذا لم توجد العلّة فيه ـ كالماء ـ فلا يستند انتفاء الحكم عنه إلى انتفاء العلّة المذكورة فيه ، ولذا لا يتوهّم أحد التنافي بين قوله : حرّمت الخمر لإسكارها ، وبين قوله : حرّمت أكل التراب مثلا.

وبالجملة ، إنّ المستفاد من العلّة المنصوصة كونها علّة تامّة للحكم بالنسبة إلى أفراد موضوعه بحيث يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم ، وعلّة لوجود الحكم في غير أفراد موضوعه مع وجودها فيه ، وأمّا كون انتفائها علّة لانتفاء الحكم عن غير موردها فلا يستفاد منها أصلا.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنّ الآية لا تشمل الأخبار المتعارضة ، سيّما مع ملاحظة عدم معهوديّتها في زمان نزولها ، ولا ريب أن الأخبار الموجودة بأيدينا اليوم أغلبها متعارضة ، فلم يبق إلّا النادر منها ، وهو غير مجد في الخروج من ورطة الحيرة في امتثال الأحكام.

والجواب عنه أوّلا : أنّ المقصود في المقام ـ كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله في عنوان البحث ـ إثبات حجّية أخبار الآحاد على سبيل الإيجاب الجزئي ، في قبال السيّد المدّعي لعدم حجّيتها على سبيل السلب الكلّي ، مع أنّ الآية تدلّ باعتراف المعترض على حجّية الأخبار المتداولة حين نزولها ، والسيّد يدّعي كون خطر العمل بأخبار الآحاد في الشرع كالقياس. نعم ، لو كان المراد في المقام إثبات حجّية صنف من الأخبار وإن (*) بالفقه في قبال القائلين بدليل الانسداد اتّجه ما ذكر ، وليس كذلك.

وثانيا : أنّه إن أراد بعدم الشمول انصرافها إلى غير الأخبار المتعارضة فهو ممنوع. وإن أراد أنّها شاملة للأخبار غير المتعارضة بلا إشكال ، فتفيد وجوب العمل بها تعيينا ، وإن شملت مع ذلك الأخبار المتعارضة فلا بدّ أن يراد بها حينئذ وجوب العمل بكلّ من المتعارضين تخييرا ، لعدم إمكان العمل بكلّ منهما تعيينا ، فيلزم استعمال اللفظ في معنيين ، وهو غير جائز كما حكي ذلك عن السيّد السند صاحب المفاتيح. ففيه : أنّ الآية تدلّ على حجّية خبر العدل مطلقا تعيينا ، غاية الأمر أنّ التخيير في الأخبار المتعارضة إمّا لعدم إمكان العمل بكلّ منها تعيينا ، فيثبت التخيير فيها عقلا ، لا أنّ التخيير مراد من الآية. وإمّا من باب التعبّد بأخبار التخيير ، فالآية تدلّ على اعتبار كلّ من المتعارضين في نفسه ، وعلى وجوب العمل بكلّ منهما تعيينا مع قطع النظر عن وقوع التعارض بينهما ، إلّا أنّ ثبوت التخيير

__________________

(*) كذا في الطبعة الحجريّة. ولعلّ في العبارة سقطا ، صحيحه هكذا : وإن كان مختصّا بالفقه ، أو ما يشبهه.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بينهما عقلا أو شرعا أوجب التقييد في إطلاق الآية من حيث الدلالة على كيفيّة العمل بهما ، لا أنّها لا تشملهما أصلا.

ومنها : أنّ المفهوم على تقدير ثبوته يشمل الموضوعات والأحكام ، بل مورد الآية من قبيل الاولى ، ولا ريب أنّ خبر العدل في الموضوعات إنّما يعتبر غالبا من باب الشهادة ، ويعتبر فيها العدد إجماعا. وحينئذ إن بني على إخراج موارد الشهادة من عموم المفهوم يلزم تخصيص الأكثر ، وهو إمّا غلط أو مرجوح بحيث لا يصار إليه إلّا بقرينة. وحينئذ يدور الأمر بين إلغاء المفهوم ، وتقييده بقبول خبر العدل ولو بانضمامه إلى عدل آخر ، والأوّل مستلزم لعدم دلالة الآية على حجّية خبر العدل رأسا ، والثاني غير مفيد ، لعدم دلالتها على موارد الانضمام.

والجواب أوّلا : بمنع كونه من قبيل تخصيص الأكثر المستهجن عرفا ، بل هو من باب تخصيص الكثير ، ولا ضير فيه.

وثانيا : أنّا نلتزم بتقييد المفهوم ، بمعنى أنّا نقول : إنّ أخبار العادل علّة تامّة لقبول خبره قضيّة لإطلاقها ، إلّا فيما ثبت العدد والانضمام.

ومنها : أنّ مقتضى المفهوم هو عدم وجوب التبيّن عن خبر العدل ، وغايته الترخيص في العمل بخبره من دون تبيّن ، ومقتضاه الجواز ، وأين هو من الوجوب الذي هو مراد المستدلّ؟

وأجيب عنه بأنّه إذا ثبت الجواز ثبت الوجوب ، لعدم القول بالفصل. والأولى أن يقال : إنّ ما ذكر مبنيّ على كون وجوب التبيّن نفسيّا كي يتصوّر في مقابله الجواز ، وليس كذلك ، لما تقدّم في كلام المصنّف رحمه‌الله من كون وجوبه شرطيّا ، فتدلّ الآية بمفهومها على عدم اشتراط العمل بخبر العادل به ، فيكون حجّة من دون تبيّن عنه.

ومنها : أنّ الخطاب بحسب وضعه مختصّ للمشافهين ، فلا يجوز تعدية ما يستفاد منها إلى الغائبين إلّا بعد تحصيل ما فهموه من ظاهرها ، وهو غير متيسّر

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنسبة إلينا ، لاحتمال اكتناف الخطاب حين صدورها بما يصرفها عن ظاهرها. وأصالة عدم القرينة إنّما تجدي فيما كان الشكّ في وجود القرينة ، لا فيما يشكّ في كونه قرينة بعد العلم بوجوده ، إذ مناط اعتبار هذا الأصل بناء العقلاء ، وهو غير ثابت في الثاني ، ولا ريب أنّ الحال الجارية بين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا يصلح لأن يكون قرينة صارفة عن ظاهر الخطاب ، فمع الشكّ في كونها كذلك لا يمكن دفعها بالأصل.

مع أنّ القدر الثابت من الإجماع وغيره من الأدلّة على الاشتراك في التكليف إنّما هو الاشتراك في الأحكام الواقعيّة دون الظاهريّة ، والحكم المستفاد من ظاهر الآية ـ أعني : حجّية قول العدل ـ ظاهري معتبر في مقام الجهل بالواقع ، ولا دليل على الاشتراك في مثله.

مضافا إلى أنّ اشتراكنا مع المشافهين فيما ثبت لهم من الأحكام إنّما هو بعد إحراز اتّحادنا معهم في الصنف ، وهو غير ثابت في المقام ، لانسداد باب العلم غالبا للموجودين في زمان نزول الآيات ، لأنّ الأحكام إنّما صدرت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تدريجا ، وغالب المكلّفين الموجودين في ذلك الزمان كانوا غير متمكّنين في أغلب أوقاتهم من الوصول إلى خدمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ الأحكام منه ، بخلاف زمان السيّد وأمثاله ، لأنّ الاصول المدوّنة في عصر الأئمّة عليهم‌السلام كانت مجتمعة في زمانه ، وكان تحصيل القرائن القطعيّة متيسّرا له ، لقرب عهده من عهدهم ، كيف وقد ادّعى كون أكثر الأحكام معلوما له بالضرورة والإجماع والأخبار المتواترة والمحفوفة بالقرائن القطعيّة. مع أنّ مجرّد احتمال الانسداد للموجودين عند نزول الآيات والانفتاح له وأمثاله كاف في منع الاشتراك ، لاشتراطه ـ كما عرفت ـ باتّحاد الصنف ، فما لم يثبت الاتّحاد لا يمكن الحكم بالاشتراك من جهة الإجماع ونحوه.

والجواب أمّا عن احتمال وجود القرينة فبما تقدّم في كلام المصنّف رحمه‌الله من الاستدلال على حجّية الظواهر بما لا مزيد عليه ، من دون فرق بين احتمال وجود القرينة وكون الموجود قرينة ، كيف ولو لم تكن أصالة عدم القرينة جارية في الثاني لانسدّ باب الاستدلال ، لأنّ الحال الجارية بين الأئمّة عليهم‌السلام والمخاطبين تصلح لأن

١٠٧

مفهوم الآية بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم ، والنسبة عموم من وجه (٤٤٠) ،

______________________________________________________

تكون قرينة صارفة للظواهر.

وأمّا عن اختصاص دليل المشاركة بالأحكام الواقعيّة ، فبأنّ ذلك وإن كان مسلّما إلا أنّ الاشتراك في جواز العمل بأخبار الآحاد على تقدير ثبوته في حقّ المشافهين إجماعي.

وأمّا عن اختلاف الصنف ، فبأنّا لو سلّمنا انفتاح باب العلم في زمان السيّد فلا ريب في انسداده في أمثال زماننا ، فلا بدّ من القول باعتبار أخبار الآحاد في أمثال هذا الزمان ، لفرض مشاركتنا مع المشافهين.

ومنها : أنّ الاستدلال بمفهوم الآية لإثبات حجّية أخبار الآحاد من باب الظنّ الخاصّ ـ كما هو ظاهر المستدلّين به ، ومنهم المحقّق القمّي رحمه‌الله ـ لا يجتمع مع القول باعتبار الظواهر في حقّ المعدومين من باب الظنّ المطلق ، كما يراه المحقّق المذكور.

وهذا نظير ما أورده هذا المحقّق على صاحب المعالم من عدم صحّة جمعه في الاستدلال على حجّية أخبار الآحاد بين الأدلّة الخاصّة ودليل الانسداد ، لأنّ مقتضى القول باعتبارها من باب الظنّ الخاصّ هو الاقتصار على الظنّ الحاصل منها ، ومقتضى الاستدلال بدليل الانسداد هو جواز العمل بكلّ ظنّ. وبمثله نقول عليه أيضا ، لأنّ مقتضى القول باعتبار الظواهر من باب الظنّ المطلق هو جواز العمل بكلّ ظنّ ، فلا وجه معه للاستدلال على حجّية أخبار الآحاد من باب الظنّ الخاصّ.

والجواب : أنّ الظاهر أنّ مقصود المحقّق المذكور من الاستدلال بمفهوم الآية وأمثاله هو إيراد حجج القوم والكلام على مقتضاها وإن لم تكن تامّة على مذهبه ، لا إثبات حجّية قول العدل من باب الظنّ الخاصّ.

٤٤٠. لأنّ العمومات عامّة لخبر العادل والفاسق والشهرة ونحوها ، وخاصّة بالخبر الظنّي. والمفهوم عامّ لخبر العادل مطلقا ، سواء أفاد الظنّ أم العلم ، وخاصّ بخبر العادل ، فلا يشمل خبر الفاسق وغيره. فيتعارضان في مادّة الاجتماع ، وهو خبر العادل المفيد للظنّ.

١٠٨

فالمرجع إلى أصالة عدم الحجّية (٤٤١). وفيه : أنّ المراد ب «النبأ» في المنطوق ما لا يعلم صدقه ولا كذبه (٤٤٢) ، فالمفهوم أخصّ مطلقا من تلك الآيات ، فيتعيّن تخصيصها بناء على ما تقرّر من أنّ ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم أقوى من ظهور العامّ في العموم. وأمّا منع ذلك فيما تقدّم من التعارض بين عموم التعليل وظهور المفهوم ؛ فلما عرفت من منع ظهور الجملة الشرطيّة المعلّلة بالتعليل الجاري في صورتي وجود الشرط وانتفائه ، في إفادة الانتفاء عند الانتفاء ، فراجع.

وربّما يتوّهم أنّ للآيات الناهية جهة خصوص ، إمّا من جهة اختصاصها (٤٤٣)

______________________________________________________

٤٤١. يعني : في مادّة التعارض. وربّما ترجّح العمومات بالكثرة وكون دلالتها بالمنطوق ، بخلاف الآية ، لأنّ دلالتها بالمفهوم.

٤٤٢. لأنّ ما يفيد العلم من خبر الفاسق متبيّن بنفسه ، والأمر بالتبيّن عنه أمر بتحصيل الحاصل ، فإذا لم يشمل المنطوق ما يفيده لا يشمله المفهوم أيضا ، لكونه تابعا له ، فإذا كان المراد بخبر الفاسق في طرف المنطوق ما لا يفيد العلم خاصّة ، يكون المراد بخبر العادل في طرف المفهوم أيضا كذلك. ومع تسليم كون النسبة عموما من وجه يمكن ترجيح المفهوم بإدخال مادّة التعارض ـ وهو خبر العادل غير المفيد للعلم ـ تحته ، إذ لو أدخلت تحت العمومات لغا المفهوم حينئذ ، إذ لا يبقى تحته إلّا خبر العادل المفيد للعلم ، وجواز العمل به من الواضحات التي لا تحتاج إلى بيان ، فيجب إدخالها تحت المفهوم محافظة على كلام الحكيم عن اللغويّة. مضافا إلى أنّ من مرجّحات الدلالة ـ كما سيأتي في خاتمة الكتاب ـ كون أحد العامّين أقلّ أفرادا من الآخر ، لكونه أشبه بالخاصّ ، فيكون أظهر في الشمول من الآخر ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، لعدم شمول المفهوم لما عدا خبر العادل ، بخلاف العمومات ، لشمولها جميع الأمارات الظنّية.

٤٤٣. للإجماع حتّى من السيّد ـ على ما نقله عنه في المعالم ـ على جواز العمل بالظنّ في صورة الانسداد ، فتعمّ العمومات غير خبر العدل أيضا ، وتخصّ بزمان الانفتاح. ويعمّ المفهوم صورتي الانفتاح والانسداد ، ويخصّ بخبر العدل.

١٠٩

بصورة التمكّن من العلم وإمّا من جهة اختصاصها بغير البيّنة العادلة وأمثالها ممّا خرج عن تلك الآيات قطعا. ويندفع الأوّل بعد منع الاختصاص : بأنّه يكفي المستدلّ كون الخبر حجّة بالخصوص عند الانسداد. والثاني : بأنّ خروج ما خرج (٤٤٤) من أدلّة حرمة العمل بالظنّ لا يوجب جهة عموم في المفهوم ؛ لأنّ

______________________________________________________

وكذا على الجهة الثانية تعمّ العمومات خبر عدل واحد والفاسق والشهرة والقياس ونحوها سوى البيّنة العادلة ، ويتخصّص من حيث عدم شمولها لها. ويعمّ المفهوم خبر العدل الواحد والبيّنة العادلة في الموضوعات ، لأنّها ليست إلّا عبارة عن العدل المنضمّ إلى مثله ، ويتخصّص من حيث عدم شموله غير خبر العدل.

وربّما يجاب (*) على تقريري النسبة ـ وكذا على التقرير الثالث الذي أشرنا إليه عند شرح قوله : «والنسبة عموم من وجه» ـ بأنّ العمومات إنّما تدلّ على حرمة العمل بالظنّ إذا لم يقم على اعتباره دليل ، إذ لا معنى للذمّ والمنع من العمل بما هو قطعي الاعتبار ، وخبر العدل قد دلّت الآية بمفهومها على اعتباره ، فلمادّة الاجتماع خروج موضوعي من تحت العمومات ، لأنّ العمل بها عمل بالقطعي دون الظنّي ، لفرض قطعيّة اعتبارها.

وفيه أوّلا : أنّ ظاهر العمومات حرمة العمل بما عدا العلم الوجداني ، ولا ريب أنّ القطع باعتبار خبر العدل ـ على تقدير تسليمه ـ لا يوجب خروجه من تحت العمومات بحسب الموضوع ، لأنّ القطع باعتباره لا يوجب كونه علميّا ، وغايته أن يخرج من تحت العمومات حكما لا موضوعا.

وثانيا : أنّ دعوى القطع باعتبار خبر العدل فاسدة ، لأنّ ذلك بعد الفراغ عن تماميّة دلالة الآية في مقابل العمومات بمنع تعارضهما أو علاجه ، ولم يتحقّق لنا الفراغ عن ذلك بعد.

٤٤٤. من صورة عدم التمكّن والبيّنة والفتوى ونحوها. وتوضيح المقام :

__________________

(*) في هامش الطبعة الحجريّة : «ببالي أنّ المجيب هو صاحب الفصول. منه».

١١٠

المفهوم أيضا دليل خاصّ مثل الخاصّ الذي خصّص أدلّة حرمة العمل بالظنّ ، فلا يجوز تخصيص العامّ بأحدهما أوّلا ثمّ ملاحظة النسبة بين العامّ بعد ذلك التخصيص وبين الخاصّ الأخير. فإذا ورد : أكرم العلماء ، ثمّ قام الدليل على عدم وجوب إكرام جماعة من فسّاقهم ، ثمّ ورد دليل ثالث على عدم وجوب إكرام مطلق الفسّاق منهم ، فلا مجال لتوهّم تخصيص العامّ بالخاصّ الأوّل أوّلا ، ثمّ جعل النسبة بينه وبين الخاصّ الثاني عموما من وجه ، وهذا أمر واضح نبّهنا عليه في باب التعارض.

______________________________________________________

أنّ التعارض بين دليلين إنّما يلاحظ بعد ملاحظة لواحق الكلام ، وبعد لحوق اللواحق من تخصيص أو تقييد ، فما كان اللفظ ظاهرا فيه تلاحظ النسبة بينه وبين غيره. وهذا بالنسبة إلى المخصّصات المتّصلة. وأمّا المنفصلة في كلام الشارع فإنّما تلاحظ النسبة بين كلّ واحد منها وبين العامّ حين ملاحظتها بينه وبين الخاصّ الآخر من دون ملاحظة تأخّر وتقدّم لأحدها ، فإذا ورد عامّ وخاصّان ، مثل : أكرم العلماء ولا تكرم النحويّين ولا تكرم الاصوليّين ، فلا يخصّص العلماء أوّلا بالنحوي لترجع النسبة بين الباقي تحت العامّ وبين الاصوليّين إلى العموم من وجه ، بل يخصّص العامّ بكلّ منهما في آن واحد إن كانت النسبة بينه وبينهما عموما وخصوصا مطلقا كما في المثال ، لأنّ الخاصّين وإن صدرا عن إمامين أو عن إمام في زمانين ، إلّا أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كلّهم بمنزلة متكلّم واحد ، وتكلّمهم في الأزمنة المختلفة بمنزلة تكلّمهم في زمان واحد ، لكونهم مخبرين عن الواقع ، فيجري عليهم حكم متكلّم واحد في زمان واحد. نعم ، لو كانت النسبة بين العامّ وأحد الخاصّين عموما مطلقا ، والخاصّ الآخر عموما من وجه ، يخصّص العامّ بالأوّل أوّلا ثمّ تلاحظ النسبة بينه بعد التخصيص والخاصّ الآخر. وسيأتي تحقيقه في خاتمة الكتاب بما لا مزيد عليه.

وإذا تحقّق هذا ظهر لك أنّ اللازم فيما نحن فيه هو تخصيص عمومات حرمة العمل بالظنّ بكلّ من مفهوم الآية ودليل اعتبار البيّنة في آن واحد ، لكون النسبة بينها وبينهما عموما وخصوصا مطلقا ، لا تخصيصها أوّلا بدليل اعتبار البيّنة ثمّ

١١١

ومنها : أنّ مفهوم الآية لو دلّ (٤٤٥) على حجّية خبر العادل لدلّ على حجّية الإجماع الذي أخبر به السيّد المرتضى وأتباعه قدس سرّهم : من عدم حجّية خبر العادل ؛ لأنّهم عدول أخبروا بحكم الإمام عليه‌السلام بعدم حجّية الخبر. وفساد هذا الإيراد أوضح من أن يبيّن ؛ إذ بعد الغضّ عمّا ذكرنا سابقا في عدم شمول آية النبأ للاجماع المنقول ، وبعد الغضّ عن أنّ إخبار هؤلاء معارض بإخبار الشيخ قدس‌سره ، نقول : إنّه لا يمكن دخول هذا الخبر تحت الآية. أمّا أوّلا : فلأنّ دخوله يستلزم خروجه لأنّه خبر عادل فيستحيل دخوله.

ودعوى : أنّه لا يعمّ نفسه (٤٤٦) ، مدفوعة : بأنّه وإن لم يعمّ نفسه لقصور دلالة اللفظ عليه ـ إلّا أنّه يعلم أنّ الحكم ثابت لهذا الفرد (*) ؛ للعلم بعدم خصوصيّة مخرجة له عن الحكم ؛ ولذا لو سألنا السيّد عن أنّه إذا ثبت إجماعك لنا بخبر واحد هل يجوز الاتّكال عليه؟ فيقول : لا. وأمّا ثانيا : فلأنّا لو سلّمنا جواز دخوله لكن نقول : إنّه

______________________________________________________

ملاحظة النسبة بينها وبين المفهوم ، وبمثله يقال بالنسبة إلى تخصيص عمومات حرمة العمل بالظنّ بزمان عدم التمكّن من العلم.

٤٤٥. هذا نظير ما يقال على القائل بحجّية ظواهر الكتاب : إنّها لو كانت حجّة لزم منها عدم حجّيتها ، للآيات الناهية عن العمل بالظنّ ، كما نبّه عليه المصنّف رحمه‌الله سابقا. وعلى القائل بحجّية الاستصحاب : إنّه على تقدير حجّيته يلزم عدمها ، لاستصحاب عدم جعل الشارع له حجّة. والكلام في الكلّ على سياق واحد.

٤٤٦. لقصور اللفظ عن الشمول لنفسه كما يظهر بملاحظة النظائر في العرف ، كما لو قال المولى لعبده : صدّق زيدا في كلّ ما يخبرك ، فأخبره بألف خبر ، ثمّ أخبره عن المولى بتكذيبه في كلّ ما يخبره به عنه ، فلا ريب أنّ العبد يأخذ بهذا الخبر من دون التفات إلى أنّ لازمه عدم الأخذ به أيضا. اللهمّ إلّا أن يفهم المناط في أمر المولى بتكذيبه زيدا في سائر أخباره ، إلّا أنّه لا دخل له في دلالة اللفظ كما لا يخفى.

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : ايضا.

١١٢

وقع الإجماع (٤٤٧) على خروجه من النافين لحجّية الخبر ومن المثبتين ، فتأمّل.

وأمّا ثالثا : فلدوران الأمر بين دخوله وخروج ما عداه وبين العكس ولا ريب أنّ العكس متعيّن ، لا لمجرّد قبح انتهاء التخصيص إلى الواحد ، بل لأنّ المقصود من الكلام حينئذ ينحصر (*) في بيان عدم حجّية خبر العادل ، ولا ريب أنّ التعبير عن هذا المقصود بما يدلّ على عموم حجّية خبر العادل قبيح في الغاية وفضيح إلى النهاية ؛ كما يعلم من قول القائل : «صدّق زيدا في جميع ما يخبرك» ، فأخبرك زيد بألف من الأخبار ثمّ أخبر بكذب جميعها ، فأراد القائل من قوله : «صدّق ...» خصوص هذا الخبر.

وقد أجاب بعض من لا تحصيل له : بأنّ الإجماع المنقول مظنون الاعتبار وظاهر الكتاب مقطوع الاعتبار.

______________________________________________________

٤٤٧. أمّا من النافين فلفرض نفيهم حجّية أخبار الآحاد مطلقا. وأمّا من المثبتين فلفرض استلزام القول بحجّية خبر السيّد لعدم حجّية أخبار الآحاد.

والأمر بالتأمّل يحتمل وجهين :

أحدهما : الإشارة إلى كون دعوى هذا الإجماع من النافين من قبيل دعوى الإجماع على الفرد ، لأجل كون الكلّي إجماعيّا ، ومن المثبتين من قبيل دعوى الإجماع على اللازم ، لأجل كون الملزوم إجماعيّا. وقد تقدّم في مبحث الإجماع المنقول عدم حجّية مثل هذا الإجماع.

ويمكن دفعه بإمكان دعوى القطع بدخول هذا الفرد في الكلّي. وكذا كون اللازم مقصودا من الإجماع على الملزوم ، بخلافه في سائر الموارد التي من هذا القبيل.

وثانيهما : الإشارة إلى كون دعوى هذا الإجماع من قبيل دعوى الإجماع في موضوع شخصي ، وهو ليس بإجماع مصطلح ، إذ الإجماع عندهم هو اتّفاق الأمّة على حكم من الأحكام ، وحجّية خصوص خبر السيّد وعدمها ليست من الأحكام الكلّية.

ويمكن دفعه أيضا بأنّه وإن كان كذلك إلّا أنّ هذا الفرد يستلزم حكما

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «ينحصر» ، منحصر.

١١٣

ومنها : أنّ الآية لا تشمل الأخبار مع الواسطة ؛ لانصراف النبأ (٤٤٨) إلى الخبر بلا واسطة ، فلا يعمّ الروايات المأثورة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، لاشتمالها على وسائط.

وضعف هذا الإيراد على ظاهره (٤٤٩) واضح ؛ لأنّ كلّ واسطة من الوسائط إنّما يخبر خبرا بلا واسطة ؛ فإنّ الشيخ قدس‌سره إذا قال : حدّثني المفيد ، قال : حدّثني الصدوق ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني الصفّار ، قال : كتب إليّ العسكريّ عليه‌السلام بكذا ، فإنّ هناك أخبارا متعدّدة بتعدّد الوسائط ، فخبر الشيخ قوله : حدّثني المفيد ... ، وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه ، فإذا حكم بصدقه وثبت شرعا أنّ المفيد حدّث الشيخ بقوله : حدّثني الصدوق ، فهذا الإخبار ـ أعني قول المفيد الثابت بخبر الشيخ : حدّثني الصدوق ـ أيضا خبر عادل وهو المفيد ، فنحكم بصدقه وأنّ الصدوق حدّثه ، فيكون كما لو سمعنا من الصدوق إخباره بقوله : حدّثني أبي والصدوق عادل ، فيصدّق في خبره ، فيكون كما لو سمعنا أباه يحدّث بقوله : حدّثني الصفّار ، فنصدّقه ، لأنّه عادل فيثبت خبر الصفّار : أنّه كتب إليه

______________________________________________________

كلّيا ، وهو عدم حجّية أخبار الآحاد ، والحكم الجزئي المستلزم للحكم الكلّي في حكم الحكم الكلّي ، ولذا يجب التقليد في مسألة تعيين الحائر وإن كان من الموضوعات الخارجة المشتبهة ، وليست هي محلّا للتقليد.

٤٤٨. يمكن أن يقال بكون هذا الانصراف بدويّا لا مضرّا إجماليّا أو مبيّن العدم.

٤٤٩. توضيحه : أنّ المورد كأنّه توهّم أنّ المقصود من الاستدلال بالآية إثبات خبر الصفّار عن الإمام عليه‌السلام بواسطة إخبار الشيخ مثلا لنا بخبره مع ما بينهما من الوسائط ، وليس كذلك ، إذ المقصود إثبات خبر المخبر في كلّ طبقة من طبقات سند الرواية بالنسبة إلى من يحكي له المخبر الخبر بلا واسطة ، مبتدئا من الطبقة المتّصلة بنا متدرّجة إلى ما فوقها إلى أن تنتهي إلى الإمام عليه‌السلام. مثلا إذا قال الشيخ : حدّثني المفيد قال : حدّثني الصدوق قال : حدّثني أبي قال : حدّثني الصفّار قال : كتبت إلى العسكري عليه‌السلام. فهنا أخبار متعدّدة بتعدّد الوسائط ، فخبر الشيخ حدّثني المفيد ، وهذا خبر عدل بلا واسطة يجب تصديقه إلى آخر ما ذكره المصنّف رحمه‌الله.

١١٤

العسكري عليه‌السلام ، وإذا كان الصفّار عادلا وجب تصديقه والحكم بأنّ العسكري عليه‌السلام كتب إليه ذلك القول ، كما لو شاهدنا الإمام عليه‌السلام يكتبه إليه ، فيكون المكتوب حجّة ، فيثبت بخبر كلّ لاحق إخبار سابقه ؛ ولهذا يعتبر العدالة في جميع الطبقات ؛ لأنّ كلّ واسطة مخبر بخبر مستقل. هذا ، ولكن قد يشكل الأمر بأنّ ما يحكيه الشيخ (٤٥٠)

______________________________________________________

وفيه نظر ، ووجهه لا يخلو عن دقّة ، وذلك لأنّ الشيخ إذا قال : حدّثني المفيد قال : حدّثني الصدوق ، فهنا امور : أحدها : المخبر له. وثانيها : المخبر ، وهو الشيخ. وثالثها : المخبر عنه ، وهو المفيد. ورابعها : خبر الشيخ ، وهو قوله : حدّثني المفيد. وخامسها : خبر المفيد الثابت بتصديق خبر الشيخ ، وهو قوله : حدّثني الصدوق. ومقتضى مفهوم الآية أن يكون خبر المفيد حجّة بالنسبة إلى الشيخ ، وخبر الشيخ بالنسبة إلينا ، لأنّ خبر المفيد خبر بلا واسطة بالنسبة إلى الشيخ ، وكذا خبر الشيخ بالنسبة إلينا. وأمّا خبر المفيد الثابت بحكم وجوب تصديق الشيخ فيما أخبر به فلا دليل على حجّيته بالنسبة إلينا ليثبت بها خبر الصدوق أيضا ، إذ الفرض انصراف النبأ في الآية إلى الإخبار بلا واسطة. ومقتضى وجوب تصديق خبر الشيخ هو البناء على صدقه وأنّ المفيد أخبره بما أخبر عنه الشيخ. وأمّا وجوب تصديق المفيد فيما أخبر عنه الشيخ فلا دليل عليه إلّا أن يثبت شمول النبأ في الآية للإخبار بواسطة ، والفرض خلافه ، فليس في تضعيف الإيراد إلّا إعادة للدعوى.

٤٥٠. توضيح الإشكال : أنّ الخطابات الشرعيّة إنّما تثبت الحكم للأفراد الواقعيّة ، لا للفرد المتولّد من ثبوت الحكم لبعض الأفراد الواقعيّة ، وذلك لأنّه إذا ثبت حكم على عامّ ، فإن كانت أفراد هذا العامّ أفرادا واقعيّة فلا إشكال في شمول حكم العامّ لجميع هذه الأفراد ، وإن كانت مترتّبة في الوجود ، بأن يتولّد من تعلّق الحكم ببعض الأفراد الواقعيّة فرد آخر لهذا العامّ ، فلا يمكن تعلّق الحكم بهذا الفرد المتولّد أيضا ، إذ الحكم مسبوق بوجود موضوعه ، والفرض تأخّر وجود هذا الفرد عن تعلّق الحكم ببعض الأفراد الواقعيّة ، فلا يعقل تعلّقه بالفرد المذكور أيضا وإلّا لزم

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تقدّم الحكم على موضوعه ، وهو بديهي الفساد ، والفرض عدم إنشاء آخر ليثبت تعلّق الحكم بهذا الفرد أيضا بهذا الإنشاء. وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّه إذا كان مفهوم الآية : إن جاءكم عادل بنبإ فصدّقوه ، فالفرد الواقعي المحقّق لهذا الحكم هو قول الشيخ : حدّثني المفيد ، وإذا شمل الحكم لهذا الفرد ووجب تصديقه في خبره يتولّد منه فرد آخر لهذا الحكم العامّ ، وهو أنّ الصدوق قد أخبر المفيد بقوله : حدّثني أبي ، ولا يشمله الحكم المذكور بالتقريب الذي عرفته.

وإن شئت زيادة توضيح لذلك قلت : إنّ الأحكام الظاهريّة تنزيلات للموضوعات المحتملة بمنزلة الواقعيّة المتحقّقة ، والغرض من هذا التنزيل ترتيب الآثار الشرعيّة المرتّبة على الموضوعات الواقعيّة عليها ، فإذا قال : صدّق العادل فيما أخبر به كما هو مقتضى مفهوم الآية ، فمعناه وجوب فرض المخبر به واقعا في ترتيب آثار الواقع عليه ، فإذا أخبر عادل بموت زيد يجب تصديقه بفرض موت زيد معلوما بالوجدان ، وترتيب آثار الموت عليه من جواز تزويج زوجته وعدم وجوب نفقتها عليه ونحو ذلك. ولا ريب أنّ وجوب تنزيل ما أخبر به العادل بمنزلة الواقع فرع وجود خبر هنا سابق على هذا التنزيل ، فإذا فرض وجود خبر عدل بحيث يلزم من تنزيل ما أخبر به بمنزلة الواقع تولّد خبر آخر ، فقوله : صدّق العادل لا يشمل هذا الخبر المتولّد من التنزيل المذكور ، لفرض تأخّر وجوده عن شموله للخبر الأوّل الذي تولّد منه هذا الخبر ، فلو شمله لزم تأخّر الموضوع عن الحكم ، وقد عرفت بطلانه.

فقد ظهر ممّا ذكر عدم تعقّل شمول الآية للوسائط بين الإمام عليه‌السلام والخبر المتّصل بنا كخبر الشيخ فيما نحن فيه. نعم ، تشمل الخبر المتّصل خاصّة ، ولا يرد عليه الإشكال المذكور ، لكون خبر الشيخ المتّصل بنا معلوما بالوجدان سابقا على الحكم بوجوب تصديقه. ومقتضى شمول الآية له تنزيل ما أخبر به الشيخ بمنزلة الواقع في ترتيب آثار الواقع عليه ، فكما يجب تصديقه ويحرم تكذيبه فيما علمنا بصدقه ، بأن علمنا بإخبار المفيد له بقوله : حدّثني الصدوق ، كذلك فيما لم نعلم بذلك لكن أخبرنا الشيخ به.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبهذا التقرير يندفع ما يقال : من عدم شمول الآية لخبر الشيخ أيضا ، بتوهّم أنّ الشارع إذا قال : صدّق العادل فيما أخبر به كما هو مقتضى المفهوم ، فمقتضاه ـ كما قدّمناه ـ تنزيل ما أخبر به منزلة الواقع في ترتيب آثار الواقع عليه ، ولا ريب أنّ هذا التنزيل إنّما يتأتّى فيما كان للمخبر به أثر شرعيّ ، ولا أثر لخبر الشيخ ، فيلغو وجوب تصديقه ، بمعنى : وجوب تنزيله منزلة الواقع ، فلا تشمله الآية.

ووجه الاندفاع : أنّ أثر تنزيل خبر الشيخ بمنزلة الواقع وفرضه معلوما هو وجوب تصديقه وحرمة تكذيبه ، كما لو علمنا بصدقه ، وهذا كاف في شمول الآية له ، غاية الأمر أنّ مقتضى وجوب تصديقه وحرمة تكذيبه وجوب ترتيب الآثار الواقعيّة للمخبر به إن كان له أثر واقعي آخر ، لا أنّه لو لا ذلك لم تشمل الآية له أصلا.

وبالجملة ، إنّ الإشكال المذكور مختصّ بالأخبار المتوسّطة بين الإمام عليه‌السلام وخبر الشيخ ، وهذا سار إلى مواضع أخر أيضا ، مثل مسألتي الإقرار بالإقرار ، والشهادة بالشهادة من المسائل الفرعيّة. وتقرب منهما مسألتا المزيل والمزال ، والظنّ المانع والممنوع منه من المسائل الاصوليّة.

أمّا الأوّل فلكون وجود الإقرار الأوّل مرتّبا على شمول قوله عليه‌السلام : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» للإقرار الثاني. وكذا في الثاني.

وأمّا الثالث فإنّه إذا لاقى ثوب مستصحب النجاسة ثوبا مستصحب الطهارة مع الرطوبة ، فكلّ منهما يندرج تحت قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» إلّا أنّ تعلّق الحكم بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ بالثوب المتيقّن النجاسة سابقا يجعل الشكّ في الثوب المعلوم الطهارة كذلك بمنزلة العلم بنجاسته ، ويخرجه من تحت عموم عدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، لارتفاع اليقين بالطهارة السابقة بصيرورة الشكّ فيها بمنزلة العلم بالنجاسة. ولا فرق بينه وبين ما نحن فيه إلّا من حيث إنّ المقصود فيما نحن فيه إثبات وجوب التصديق للخبر المجعول المتولّد ، وهنا نفي اليقين السابق بالشكّ المنزّل منزلة اليقين ، وهذا ممّا لا تتفاوت الحال به ، ولا ترتفع به حيرة الإشكال. ونحوه الكلام في الرابع.

١١٧

عن المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق (٤٥١) ، فكيف يصير موضوعا لوجوب التصديق الذي لم يثبت موضوع الخبريّة إلّا به؟

ولكن يضعّف هذا الإشكال أوّلا (٤٥٢):

______________________________________________________

٤٥١. يعني : تصديق خبر الشيخ.

٤٥٢. يضعّفه أيضا أنّ الإشكال بلزوم تقدّم الحكم على وجود موضوعه ـ كما تقدّم عند تقرير الإشكال ـ إنّما يتمّ لو كان المقصود من دعوى شمول وجوب التصديق لخبر المفيد بواسطة وجوب تصديق الشيخ إسراء الحكم الجزئي ـ أعني : وجوب التصديق المتعلّق بخبر الشيخ ـ إلى خبر المفيد ، بأن يقال : إنّه بعد ما ثبت خبر المفيد بوجوب تصديق الشيخ لو سرى هذا الوجوب إلى خبر المفيد لزم المحذور المذكور.

وأمّا لو قيل : إنّ المستفاد من الآية حكم كلّي ، وهو وجوب التصديق ، وقد تعلّق بموضوع كلّي وهو خبر العادل ، ولهذا الموضوع وجودات واقعيّة ، وهي الأخبار التي ثبتت بلا واسطة ، ووجودات تنزيليّة ، وهي الأخبار التي تولّدت من وجوب تصديق الإخبار بلا واسطة ، وحيثما وجد الفرد الواقعي أو التنزيلي تعلّق الحكم الكلّي به ، غاية الأمر تعلّق الحكم الكلّي بالفرد الواقعي أوّلا وبالفرد التنزيلي ثانيا ، لأجل كون الثاني متولّدا من التعلّق بالأوّل. ومجرّد الترتّب في التعلّق لأجل ما عرفت لا يستلزم المحال ، نظير الأفراد الواقعيّة المتدرّجة في الوجود الواقعي ، غاية الأمر أن يكون الشارع قد جعل حكم كلّ واحد من الفرد الواقعي والجعلي بإنشاء واحد. فإذا قال الشيخ : حدّثني المفيد قال : حدّثني الصدوق ، فمقتضى قول الشارع : صدّق العادل حينئذ أمران ، أحدهما : إنشاء وجوب تصديق خبر الشيخ وتنزيل خبره بمنزلة المعلوم ، بأن يجب الالتزام بأنّ المفيد قد أخبره كما لو سمعنا أنّه أخبره بقوله : حدّثني الصدوق بكذا. والآخر : إنشاء وجوب تصديق الخبر الثابت بإخبار الشيخ.

١١٨

بانتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالإجماع (٤٥٣) كالإقرار بالإقرار ، وإخبار العادل بعدالة مخبر ، فإنّ الآية تشمل الإخبار بالعدالة بغير إشكال.

______________________________________________________

وربّما يضعّف الإشكال أيضا بأنّ الممتنع هو توقّف فرديّة بعض أفراد العامّ على ثبوت الحكم لبعض آخر ، كما لو قال : كلّ خبري صادق ، لتوقّف كون سائر أخباره المتقدّم على هذا الكلام أو المتأخّر عنه أفرادا للخبر المحكوم عليه بالصدق في هذا الكلام على شموله لنفسه. وأمّا لو توقّف الاستكشاف عن وجود فرد على ثبوت الحكم لفرد آخر فلا امتناع فيه أصلا. وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّ الاستكشاف عن خبر المفيد موقوف على شمول قول الشارع : صدّق العادل لخبر الشيخ ، لأنّه بشموله له يكشف عن وجود خبر المفيد.

وهذا محصّل ما أجاب به المصنّف رحمه‌الله عن الإشكال أوّلا ، ثمّ ضرب عليه مع بعض العبارات الأخر في بيان الإشكال وغيره في الدورة الأخيرة من مباحثته. ووجه الضرب عليه أنّه إنّما يتمّ لو كان خبر المفيد متحقّقا في الواقع ولم نعلّمه ، وكان تعلّق الحكم بخبر الشيخ كاشفا عنه حقيقة ، وليس كذلك ، إذ لم يتحقّق لنا ذلك ، لاحتمال خطأ الشيخ في إخباره أو كذبه العياذ بالله ، فالمترتّب على وجوب تصديق خبر الشيخ هو وجود خبر المفيد في مرحلة الظاهر لا الاستكشاف الحقيقي عن خبره ، فلو شمل الحكم خبر المفيد أيضا لزم تقدّم الحكم على موضوعه كما هو مناط الإشكال.

٤٥٣. يرد عليه أنّه إن أراد أنّ الإجماع قد وقع على أنّه لو أقرّ بالإقرار الأوّل كان قوله عليه‌السلام : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» شاملا للإقرار الأوّل ، ففيه : أنّه لا معنى لدعوى الإجماع على دلالة الألفاظ والظهورات العرفيّة ، لجواز مخالفة هذا الإجماع بلا إشكال لمن ثبت عنده خلافه. وإن أراد أنّ الإجماع وقع إجمالا على ثبوت الإقرار الأوّل بالثاني ، بمعنى وجوب إجراء حكم الإقرار على الإقرار الأوّل فيما أقرّ به ثانيا ، ففيه : أنّه أعمّ من المدّعى ، إذ يحتمل أن يكون ثبوت حكم الإقرار للإقرار الأوّل حينئذ بإنشاء آخر ، لا بالإنشاء الثابت بقوله عليه‌السلام : «إقرار العقلاء على

١١٩

وثانيا : بأنّ عدم قابليّة اللفظ العامّ لأن يدخل فيه الموضوع الذي لا يتحقّق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العامّ لفرد آخر ، لا يوجب التوقّف في الحكم إذا علم المناط (٤٥٤) الملحوظ في الحكم العامّ وأنّ المتكلّم لم يلاحظ موضوعا دون آخر ؛ لأنّ هذا الخروج مستند إلى قصور العبارة وعدم قابليّتها لشموله ، لا للفرق بينه وبين غيره في نظر المتكلّم حتّى يتأمّل في شمول حكم العامّ له ، بل لا قصور في العبارة

______________________________________________________

أنفسهم جائز» وهو خلاف الفرض فيما نحن فيه. وإن أراد أنّ الإجماع وقع على أنّ حكم الإقرار الأول مراد بقوله عليه‌السلام : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما هو المفيد فيما نحن فيه ، فأنّى له بإثبات هذا الإجماع؟

٤٥٤. لا يذهب عليك أنّ المناط وإلقاء الخصوصيّات تارة يحصل بالإجماع ، واخرى بالعقل القاطع ، وثالثة بالظهور اللفظي. فإن كان المراد هنا الأوّل فمع كونه خلاف ظاهر العبارة يرد عليه أنّه لا يدفع الإشكال ، إذ المقصود عدم تماميّة الاستدلال بمفهوم الآية على حجّية الأخبار التي ثبتت بواسطة أو وسائط مع قطع النظر عن الخارج ، وإلّا فلا حاجة إلى دعوى المناط ، إذ لم يفصّل أحد بين ما كان بلا واسطة أو معها ، فإذا ثبت الأوّل بمفهوم الآية ثبت الثاني بعدم القول بالفصل ، من دون حاجة إلى إحراز المناط. وإن كان الثاني يرد عليه منع كون العقل قاطعا بعدم مدخليّة الواسطة مع قطع النظر عن الخارج. وإن كان الثالث يرد عليه أنّ دعوى ظهور المناط إنّما تتمّ على تقدير الاستدلال بمفهوم الوصف ، إذ ظاهر الآية حينئذ أنّ علّة قبول خبر العدل الواحد بلا واسطة هو كون المخبر عدلا ، ولا ريب أنّ هذا المناط موجود في الأخبار مع الواسطة أيضا ، بخلاف ما لو كان الاستدلال بمفهوم الشرط ، كما حكي عن الأكثر ، إذ علّة القبول حينئذ كون الخبر بلا واسطة مع عدالة المخبر لا مجرّد عدالته ، إذ ظاهر الجملة الشرطيّة كون تمام الشرط علّة للجزاء ، فمع تسليم انصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة تكون العلّة ما ذكرناه ، فلا يتمّ دفع الإشكال على طريقة الأكثر.

١٢٠