إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٤٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

قال : وحدّثنا أبو جعفر قال : حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدّثنا سعيد ابن زربي ، عن حمّاد ، عن علقمة قال : كنت أعطيت حسن الصوت ، وكان عبد الله بن مسعود يستقرئني ويقول لي : اقرأ فداك / أبي وأمي ، فإني سمعت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «حسن الصّوت تزيين القرآن» (١).

حدّثني محمد بن سليمان الباهليّ قال : حدّثنا الحسن بن عبد الرحمن الرّمادي قال : حدّثنا طلق بن عتّام قال : حدثنا قيس بن هلال بن خباب ، عن يحيى ، عن هبيرة ، عن أمّ هانيء بنت أبي طالب قالت : «كنت أسمع صوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باللّيل على فراشي يرجّع بالقرآن».

قال : وحدّثنا طلق عن حفص بن غياث ، عن محمد بن أبي ليلى والأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن دينار ، عن علي قال : «كان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ بنا القرآن على كلّ حال إلا جنبا».

حدّثنا أبو بكر البزّاز قال : حدّثنا محمد بن إسحاق الخيّاط قال : حدّثنا أبو منصور قال : حدّثنا عثمان ـ يعني ابن قيس ـ عن ابن أبي مليكة ، عن عبيد بن سهل قال : ذكر لنا عند سعد بن أبي وقّاص حسن الصّوت بالقرآن فقال سعد : سمعت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» (٢).

قال أبو عبد الله رضى الله عنه : قد جاء تفسير من لم يتغن بالقرآن فى هذا الحديث أنّه حسن الصّوت.

وحدّثنا أبو حفص القطّان قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل قال : حدّثنا وكيع قال : حدّثنا إبراهيم بن يزيد ، عن الزّهري ، عن معاذ بن جبل قال : «من

__________________

(١) الحديث فى الجامع الصغير : ١ / ١٥٢.

(٢) التبيان : ٨٨.

٤١

استظهر القرآن كانت له دعوة إن شاء تعجّلها لدنيا وإن شاء تأجلها» (١).

قال : وحدّثنا محمّد بن إسماعيل قال : حدّثنا وكيع قال : حدّثنا إسماعيل ابن رافع أبو رافع ، عن رجل لم يسمه عن عبد الله بن عمرو قال : «من قرأ القرآن / فكأنّما استدرجت النّبوة بين جنبيه ، غير أنه لا يوحى إليه».

قال : وحدّثنا الحسّانيّ قال : حدّثنا وكيع قال : حدّثنا عمران أبو بشر الحلبيّ ، عن الحسين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لافاقة لعبد بعد القرآن ، ولا غنى له بعده» (٢).

قال : وحدّثنا الحسّانيّ قال : حدّثنا وكيع ، عن هشام ، صاحب الدستوائي ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعيد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر مع السّفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو يشتدّ عليه فله أجران» (٣) سألت ابن مجاهد عن هذا الحديث ، فقلت أيهما أفضل : فقال الماهر ، لأن الذي له أجران له شيء محصى بعينه ، والذي مع السفرة فهو نهاية ما يعطى العبد فى الثّواب. وروى يزيد بن هارون ، عن شريك ، عن عبد الله بن عيسى ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وذكر القرآن وصاحبه ـ فقال (٤) :

__________________

(١) ينظر : فتح البارى : ٩ / ٧٠.

(٢) المصنف لابن أبى شيبة : ١٠ / ٤٦٧ (فضائل القرآن) رقم (١٠٠٠٣).

(٣) عن عائشة فى البخارى : ٨ / ٦٩١ ، ومسلم فى صحيحه : ٢ / ١٩٥ ، وهو فى مسند الإمام أحمد : ٦ / ٤٨ ، ٩٤ ، ١١٠ ، ١٩٢ ... ورواية البخارى : «مثل الذى يقرأ القرآن ، وهو حافظ له ... والذى يتتعتع» وهذه الأخيرة فى أكثر روايات الحديث. وينظر : التبيان : ١٢.

(٤) بمعناه لا بلفطه فى الرّعاية : ٤٧.

٤٢

«يعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار» معنى الحديث والملك والخلد يجعلان له لا أن شيئا يجعل فى يمينه ، وهذا كما يقال : الدار في يدك أى : في ملكك ، وقال الله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)(١).

حدّثني محمد بن حفص قال : حدّثنا عيسى بن جعفر قال : حدّثنا قبيصة قال : حدّثنا سفيان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن زرارة ، عن سعيد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : / «الماهر بالقرآن مع السّفرة الكرام البررة والذي يتعايا فى القرآن له أجران» (٢).

تقول العرب : عييت بالأمر : إذا لم تعرف جهته ، وأنا عييّ ، وتعايا يتعايا تعاييا فهو متعاى ، فأمّا فى الإعياء في المشي ، فإنك تقول : أعييت أعيى إعياء فأنا معيا. ويقال (٣) : فحل عياياء : إذا كان لا يلقح ، وكذلك : رجل عياياء طباقاء : إذا كان أحمق شرسا ، وينشد (٤) :

عياياء لم يشهد خصوما ولم ينخ

قلاصا إلى أوكارها حين تعكف

__________________

(١) سورة الملك : آية : ١.

(٢) سبق تخريج مثله بلفظ «وهو يشتدّ عليه».

(٣) غريب الحديث لأبى عبيد : ٢ / ٢٩٤.

(٤) البيت لجميل بن معمر العذرى فى ديوانه : ١٣٨ ، من قصيدة طويلة جيدة أولها :

عفا برد من أمّ عوف فلفلف

فأدمان منها فالصّرائم مألف

وعهدى بها إذ ذاك والشمل جامع

ليالي جمل بالمودة تسعف

فأصبح قفرا بعد ما كان حقبة

وجمل المنى تشتو به وتصيّف

ففرّقنا صرف من الدّهر لم يكن

له دون تفريق من الحيى مصرف

ورواية الديوان : (طباقاء ...) وهو فى اللسان ، وغريب الحديث لأبي عبيد : ٢ / ٢٩٥ ... وغيرهما.

٤٣

فأمّا حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي حدّثناه القاضي ابن المحاملي ، قال : حدّثنا زياد بن أيوب قال حدثنا : يحيى الحمّاني قال حدّثنا : مالك بن مغول وفطر (١) وابن عمارة ، عن إسماعيل بن رجاء عن إدريس بن صبيح (٢) عن البراء ابن عازب قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «زيّنوا القرآن بأصواتكم» (٣) فقال أكثر أهل العلم (٤) : أى زيّنوا أصواتكم بالقرآن وكأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حثّ على قراءة القرآن ومداومة الدّراسة ، والقرآن لا يحتاج إلى تزيين ، بل يزين من قرأه ، وقد سرق بعض الشّعراء هذا المعنى فقال :

وعيطاء مازانها حليها

بل الحلي صال بها وازيأن

ومالى بحقف النّقا خبرة

ومقعد زيارها والعكن

سوى أنّها قمر باهر

تمايل فى مشيها كالفنن

وأمّا حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أقرأ الناس؟ قال : من إذا قرأ رأيته يخشى الله» (٥) فقد أوضح لك /.

__________________

(١) لعله فطر بن حماد بن واقد الصّفار. وهو : يكسر الفاء وسكون الطاء المهملة. (الإكمال : ٧ / ١٢٦)

(٢) لعله المذكور فى تهذيب الكمال : ٢ / ٢٩٩.

(٣) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده : ٤ / ٢٨٣ ، ٢٨٥ ، والنسائى فى فضائل القرآن : ٩٤ حديث رقم : (٧٥) وتخريجه هناك.

(٤) قاله الخطّابيّ وغيره ، وينظر : تفسير القرطبىّ : ١ / ١١.

(٥) الحديث فى مشكاة المصابيح : رقم (٢٢٠٩) ومجمع الزوائد : ٧ / ١٧٣.

٤٤

وذهب آخرون إلى حسن الصّوت واحتجوا بالحديث الآخر : «ما أذن الله بشيء قطّ كإذنه لنبىّ يتغنّى بالقرآن» (١).

وحدّثني أبو عبد الله بن الجنيد قال : حدّثني ابن عسكر ، عن سفيان ، عن الأعمش ومنصور ، عن طلحة بن عبد الرحمن ، عن عوسجة ، عن البراء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «زينوا القرآن بأصواتكم» (٢).

وحدّثني أحمد بن العبّاس قال : حدّثنا العطاردى قال : حدّثنا أبو بكر بن عيّاش : عن الأعمش ، عن أبى صالح ، عن أبي هريرة قال : «ما من قوم جلسوا في بيت من بيوت الله يتدارسون كتاب الله يتعاطون بينهم إلا كانوا أضيافا لله وأظلتّتهم الملائكة بأجنحتها حتّى يخوضوا في حديث غيره ، وما سلك رجل طريقا يلتمس فيه العلم إلا سهّل الله له طريقا إلى الجنّة».

حدّثنى محمّد بن عبد الواحد قال : حدّثنا ثعلب ، عن ابن الأعرابىّ قال : قال أبو هريرة : المساجد سوق من أسواق الآخرة فقراها المغفرة وتحفها الرّحمة».

وحدّثني أبو عمر ، عن بشر بن موسى قال : سمعت السيلحونيّ يقول : قال سفيان الثّوريّ : «بلغني أن العبد إذا ختم القرآن قبّل الملك بين عينيه».

وحدّثني أبو القاسم المروزي قال : حدّثنا بشر بن موسى قال : حدّثنا جليس بشر بن الحارث يقال له : عمر بن عبد العزيز قال : حدّثنا بشر بن الحارث ، عن يحيي بن بيان ، عن حبيب بن أبي عمرة قال : «إذا ختم الرجل

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده : ٢ / ٢٨٥ ، ٢٧١ ، ٤٥٠ ، والنسائى فى فضائل القرآن : ٩٣ حديث رقم (٧٣) وتخريجه هناك وهو فى صحيح البخارى ينظر (فتح البارى : ٩ / ٧٠).

(٢) تقدم ذكره.

٤٥

القرآن قبّل الملك بين عينيه». قال بشر : فحدثت بهذا الحديث أحمد ابن حنبل فاستحسنه وقال : لعلّ هذا من محدّث سفيان /. وهكذا يكثر جدّا ، فكذلك اقتصرت على هذا.

وحدّثنى أبو بكر الخلنجيّ (١) إمام الجامع قال : حدثنا الكديميّ قال : حدثنا يحيي بن كثير أبو غسّان العنبريّ قال : حدّثنا سعيد بن عبيد قال : سمعت الحسن يقول : «إنّ هذا القرآن قرأه من الناس نفر ثلاثة : قوم اتخذوه بضاعة ينقلونه من بلد إلى بلد وهؤلاء كثير ، لا كثّرهم الله ، وقوم يراءون به في أعمالهم ، وقوم وجدوا فيه دواء قلوبهم فجعلوه على داء قلوبهم ، وذكّروا به في محاريبهم ، وخنّوا به في برانسهم فبهؤلاء ينال من العدوّ وتستنزل بهم القطرة».

سمعت أبا عمر يقول : خنّوا : بكوا حتى سمع خنينهم ، قال ثعلب : ومنه حديث علي للحسن وقد شاوره في شيء فأشار عليه الحسن أن لا يفعل فأبى عليّ فبكى الحسن إشفاقا ، فقال (٢) : لاتخن خنين الأمة ، ولا بدّ مما لا بدّ. قال ثعلب : فالخنين صوت البكاء من الأنف ، ويقال : الأنف المخنة ، وأنشد (٣) :

بكى جزعا من أن يموت وأجهشت

إليه الجرشّى وارمعلّ خنينها

* * *

__________________

(١) بفتح الخاء المعجمة واللّام وسكون النّون ، وفى آخره الجيم. هذه النسبة إلى خلنج ، وهو نوع من الخشب ...» (الأنساب : ٥ / ١٦٦)

(٢) النهاية لابن الأثير : ٢ / ٨٥.

(٣) هو لمدرك بن حصن الأسدىّ فى اللسان : (خنن) عن ابن برى رحمه‌الله. وورد فى اللّسان : (جرش) (حنينها) بالحاء المهملة. ومدرك بن حصن أو حصين فقعسىّ أسدى ، شاعر إسلامى أموى. أخباره فى معجم الشعراء : ٣٠٩ ، ٣٣٣ ، والخزانة : ٣ / ١٨٧.

٤٦

(فاتحة الكتاب)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [٤]

قرأ عاصم والكسائيّ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بألف بعد الميم.

وقرأ الباقون : ملك بغير ألف ، فحجّة من قرأ (مالِكِ) قال : لأنّ الملك دخل تحت المالك ، واحتجّ بقوله تعالى (١)(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) وحجّة من قرأ ملك قال : لأنّ ملكا / أخصّ من مالك وأمدح ؛ لأنه قد يكون المالك غير ملك ولا يكون الملك إلا مالكا. وأكثر ما يجيء في كلام العرب وأشعارهم ملك ، ومليك : لغة فصيحة ، وإن لم يقرأ بها أحد؟ ، قال ابن الزّبعرى يخاطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) :

يا رسول المليك إنّ لساني

راتق مافتقت إذ أنا بور

إذ أجارى الشّيطان فى سنن الغ

يّ ومن مال ميله مثبور

__________________

(١) سورة آل عمران : آية : ٢٦.

(٢) شعره جمع الدكتور يحيى الجبورى : ٣٦ ، وإعراب ثلاثين سورة : ٢٣ ، والسيرة النبوية : ٤٠ ، وربما نسب إلى أمية بن أبى الصلت.

٤٧

وقال الفرزدق : وجمع بين اللّغتين فقال (١) :

إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول

بيتا بناه لنا المليك وما بنى

ملك السّماء فإنّه لا ينقل

فأمّا ما رواه عبد الوارث [عن (٢)] أبي عمرو مَلكِ يوم الدّين فإنه أسكن اللّام تخفيفا كما [يقال] فى فخذ : فخذ ، وقال الشّاعر (٣) :

من مشية في شعر ترجّله

تمشّي الملك عليه حلله

وقرأ أبو حيوة (٤) : مَلِكَ يوم الدّين وقرأ أنس بن مالك : مَلَكَ يوم الدّين [جعله فعلا ماضيا (٥)] قال : ويجوز في النّحو : مالك يوم الدّين [بالرّفع](٦) على [معنى](٧) هو مالك. فأمّا قراءة أبي هريرة ـ رحمه‌الله ـ وعمر

__________________

(١) ديوانه : ١٥٥ (دار صادر) ٤١٧ (الصاوى). وينظر : شرح المفصل لابن يعيش : ٦ / ٩٧ ، والخزانة : ٣ / ٤٨٦.

(٢) فى الأصل : «ابن أبى ...». وعبد الوارث هذا أحد رواة أبى عمرو ، قال الحافظ ابن الجزرى : «عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان ، أبو عبيدة التنورى العنبرى مولاهم البصرى. إمام حافظ مقرىء ثقة ، ولد سنة اثنتين ومائة وعرض القرآن على أبى عمرو ...» (غاية النهاية : ١ / ٤٧٨) وهذه الرّواية عن أبى عمرو فى تفسير القرطبى : ١ / ١٣٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٠.

(٣) الطارقيّة (إعراب ثلاثين سورة) : ٢٣.

(٤) الكشاف : ١ / ٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٠.

(٥) عن الطارقية.

(٦) عن الطارقية.

(٧) عن الطارقية.

٤٨

ابن عبد العزيز ، ومحمد بن السميفع (١) مالكَ يوم الدّين على الدّعاء ، يا مالك يوم الدين ، فقد ذكرته في «الشّواذّ» (٢) ولا أذكر في هذا الكتاب غير حروف السبعة وعللها.

٢ ـ وقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [٦]

قرأ ابن كثير السّراط بالسّين ، وكذلك في كلّ القرآن على أصل الكلمة.

وقرأ الباقون : (الصِّراطَ) بالصّاد ، وإنّما قلبوا السّين صادا ؛ لأنّ السين مهموسة والصّاد مجهورة ، وهي من حروف الإطباق ، والسّين مفتحة ، وقلبوا السين صادا لتكون / مؤاخية للسين في الهمس والصّفير ، وتؤاخي الصّاد في الإطباق ، إلا حمزة فإنه يشم الصّاد زايا ، وذلك أن الزاي تؤاخي السين في الصّفير وتؤاخي الصّاد في الجهر ، وكذلك قوله (٣) : (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) بإشمام الزّاي ، وأنشد ابن دريد رضي الله عنه (٤) :

__________________

(١) السّميفع : بفتح السّين محمد بن عبد الرحمن ، أبو عبد الله اليمانى (غاية النهاية : ٢ / ١٦١).

(٢) مختصر الشواذ لابن خالويه ، والطارقية : ٢٣ وينظر : تفسير القرطبى : ١ / ١٣٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٠. وفى الأصل : «وقد ذكرته ...».

(٣) سورة القصص : آية : ٢٣.

(٤) أنشده ابن دريد ـ رحمه‌الله ـ فى الجمهرة : ٢ / ١١٥ ، وهو تميم بن أبيّ بن مقبل العجلانى فى ديوانه : ٧٩ من قصيدة أولها :

يا حرّ أمسيت شيخا قد وهى بصرى

والتاث ما دون يوم الوعد من عمرى

وهى طويلة جيّدة. وروايته : (الأصداء). أنشده المؤلف في الطارقية : ٢٩ ، وشرح الفصيح : ورقة : ٥ وروايته : (إذا تجهمنى ..) وشرح مقصورة ابن دريد : ١٦٢. وينظر : الحيوان : ٧ / ٥٩ ، والمعانى الكبير : ١٢٦٤ ، شروح سقط الزند ٥٦٠ وأمالى ابن الشجرى : ١ / ٢٦٧ ، والمغنى : ٦٩٥ ، وشرح شواهده : ٣٢٨ ، وشرح أبياته : ٢ / ٣٢٤ ، ٨ / ١١٦.

٤٩

ولا تهيّبنى الموماة أركبها

إذا تجاوبت الأزداء بالسّحر

جعلها زايا خالصة وهى لغة.

٣ ـ وقوله [تعالى](أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [٧]

قرأ حمزة وحده أنعمت عليهُم بضمّ الهاء وجزم الميم ، وكذلك : إليهُم ولديهُم وهي لغة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما ضمّ الهاء فى أصل الكلمة قبل أن تتصل بها «على» كما تقول : (هم) ، فلما أدخلت «على» فقلت (عَلَيْهِمْ) بقيت على حالها.

قال ابن مجاهد : إنّما خصّ حمزة هذه الثلاثة الأحرف بالضمّ دون غيرهنّ أعنى : «عليهم» «ولديهم» «وإليهم» من بين سائر الحروف ، لأنهنّ إذا وليهن ظاهر صارت يا آتهنّ ألفات ، ولا يجوز كسر الهاء إذا كان قبلها ألف ، فعامل الهاء مع المكنى معاملة الظاهر ، إذا (١) كان ما قبل الهاء ياء فإذا صارت ألفا لم يجز كسر الهاء (٢) ، فإذا جاوز هذه الثلاثة الأحرف ولقي الهاء والميم ساكن ضمها ، فإذا لم يلق الميم ساكن كسر الهاء نحو قوله تعالى (٣) : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) و (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(٤) وعند الساكن (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي)(٥)(عَلَيْهِمُ

__________________

(١) فى السبعة : «إذ كان ما قبل الهاء إذا صار ألفا لم يجر كسر الهاء».

(٢) غير موجودة فى السّيعة فلعلها عبارة توضيحية من المؤلف.

(٣) سورة الأنفال : آية : ١٦.

(٤) سورة الأنعام : آية : ١٥٠.

(٥) سورة البقرة : آية : ١٤٢.

٥٠

الذِّلَّةُ)(١)(إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ)(٢)(٣) ولو كان مكان الهاء والميم كاف وميم لم يجز كسرهما إلا فى لغة قليلة لا تدخل فى القراءة لبعد الكاف من الياء.

وقرأ الباقون / (عَلَيْهِمْ) بكسر الهاء ، وإنما كسروها لمجاورة الياء كراهة أن يخرجوا من كسر إلى ضمّ كما قالوا : مررت بهم وفيهم.

وقرأ ابن كثير : عليهُمُوا بالواو على أصل الكلمة ؛ لأن الواو علم الجمع ، كما كانت الألف علم التّثنية ، إذا قلت : عليهما ، ومثله قاما قاموا. وكان نافع يخيّر بين جزم الميم وضمّها.

وقرأ الباقون : بإسكان الميم وحذف الواو. فحجّة من حذف قال : لأن الواو متطرفة فحذفتها إذ كنت مستغنيا عنها ؛ لأنّ الألف دلّت على التّثنية ، ولا ميم في الواحد إذا قلت : «عليه» فلمّا لزمت الميم لجمع حذفتها اختصارا ، فإن حلّت هذه الواو عير طرف لم يجز حذفها ، كقوله تعالى : (٤)(أَنُلْزِمُكُمُوها) فأمّا ما رواه الخليل بن أحمد عن ابن كثير غيرَ المغضوب عليهم (٥) بالنّصب ، فإنه نصبه على الحال من الهاء والميم في (عَلَيْهِمْ) ويكون نصبا

__________________

(١) سورة البقرة : آية : ٦١ ، وسورة آل عمران : آية : ١١٢.

(٢) سورة يس : آية : ١٤.

(٣) غير موجودة فى السّبعة فلعلها عبارة توضيحية من المؤلف.

(٤) سورة هود : آية : ٢٨.

(٥) فى السبعة : ١١٢ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٩.

يفاد من نصّ ابن مجاهد فى السبعة أنّ الخليل رحمه‌الله وجه قراءة ابن كثير ، كما وجهها بعده الأخفش ... ولا يفهم منه أنّ الخليل روى عن ابن كثير؟! قال ابن مجاهد رحمه‌الله : «قال : خبّرنا بكّار بن عبد الله بن كثير المكى عن أبيه أنه كان يقرأ : «غيرَ المغضوب عليهم» قال الخليل : ... وقد قال الأخفش ...» فيظهر من هذا أن الخليل موجه لقراءة ابن كثير ، لا راو عنه وإن كانت روايته ممكنة.

٥١

على الاستثناء في قول الأخفش (١) ، ومن قرأ (غَيْرِ) بالخفض فإنّه يجعله بدلا من (الَّذِينَ) وصفة لهم. والفرق بين «غير» إذا كانت صفة أو كانت استثناء حسن إلا في مواضعها كقولك : عندي درهم غير دانق ، وعندى درهم غير زائف ، لأنه لا يحسن أن تقول : عندي درهم إلا زائفا.

واعلم أنّ المدّة في قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ) إنما أتي بها لتحجز بين السّاكنين وهي اللام المدغمة وألف التي قبلها.

وقال الأخفش : المدة عوض من اللّامين. وقال ثعلب : لما كانت الألف خفية والمدغم خفىّ قووهما بالمدّ.

قال أبو عبد الله رضي الله عنه : ومن العرب من يجعل المدّة همزة فيقول : ولا الضَّألين / وقد قرأ بذلك أيّوب (٢) السّختيانيّ.

أنشدنى ابن مجاهد رضي الله عنه (٣) :

__________________

(١) جاء فى معانى القرآن للأخفش : ١ / ١٦٦ «وقد قرأ قوم غيرُ المغضوب عليهم جعلوه على الاستثناء الخارج من أول الكلام ... وإن شئت جعلت «غير» نصبا على الحال ؛ لأنّها نكرة والأول معرفة» ورأي الأخفش هذا الذى ذكره المؤلف فى إيضاح الوقف والابتداء : ١ / ٤٧٧ ، وإعراب القرآن : ١ / ١٠ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٩.

(٢) مختصر الشواذ للمؤلف : ١ ، والطّارقية له : ٣٤ ، والمحتسب : ١ / ٢٦. وقراءة أيوب فى تفسير القرطبىّ : ١ / ١٥١ ، والبحر المحيط : ١ / ٣٠.

(٣) هذا الرّجز مما حكته العرب على ألسنة الحيوانات فتزعم أنه من كلام الضب للضفدع ، وهو فى الخصائص : ٣ / ١٤٨ ، والمنصف : ١ / ٢٨١ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٧٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٩ / ١٣٠ ، وضرائر الشعر : ٢٢٢ ، والممتع : ٣٢١ ، وشرح شواهد الشافية : ١٧٢ قال البغدادى ـ رحمه‌الله ـ : «وهذا يشبه أن يكون من خرافات العرب». حمارقبان : دويبة من خشاش الأرض ، قال الثعالبى : وهو ضرب من الخنافس بين مكة والمدينة وأنشد البيت قال : ومن أمثال العرب : (أذلّ من حمارقبان) (ثمار القلوب : ٣٦٩) وينظر : الدرة الفاخرة : ١ / ٢٠٣ ، والجمهرة : ١ / ٤٧٠ ، ومجمع الأمثال : ١ / ٢٨٣ ، والمستقصى : ١ / ١٣٣.

٥٢

لقد رأيت يا لقوم عجبا

حمار قبّان يسوق أرنبا

خطامها زأمّها أن تذهبا

يريد : زامها.

وإنّما ذكرت هذا الحرف وإن لم تختلف السّبعة فيه ؛ لأن بعض النّحويين يمدّ هذا ونحوه مدّا مفرطا ، والمدّ فيه وسط ، كذلك كان لفظ ابن مجاهد ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد (١) ولا جأنّ مهموز غير ممدود ، والنون مشدّدة.

حدّثنى ابن مجاهد قال : روى لي عبد الله بن عمرو قال : حدّثنى ظفر

__________________

(١) عمرو بن عبيد من رؤساء المعتزلة وقادتهم ، أبو عثمان البصرى. قال النسائى ليس بثقة ، وقال حفص بن غياث ما لقيت أزهد منه انتحل ما انتحل؟! وقال ابن المبارك : دعا إلى القدر فتركوه ، وكان المنصور يعظمه ويقول :

كلّكم يمشى رويد

كلّكم يطلب صيد

غير عمرو بن عبيد

مات سنة أربع وأربعين ومائة. وكتب الإمام المحدث الدارقطنى جزءا فى أخباره طبع فى بيروت بتحقيق د. يوسف فان إس سنة ١٩٦٧ م. أخبار عمرو فى المجروحين : ٢ / ٦٩ ، وطبقات المعتزلة : ٣٥ وتاريخ بغداد : ١٢ / ١٦٢ ، وسير أعلام النبلاء : ٦ / ١٠٤ ، والشذرات : ١ / ٢٠١. وقراءته مشهورة ، فى مختصر الشواذ للمؤلف : ١٤٩ ، ١٥٠ ، والمحتسب : ٢ / ٣٠٥.

قال الزّمخشرىّ فى المفصل : ٣٥٤ «فصل : وقد جدّ فى الهرب من التقاء السّاكنين من قال : دأبّة وشأبّة ، ومن قرأ ولا الضألين ولا جأنّ وهى عند عمرو بن عبيد ، ومن لغته : النقر فى الوقف على النقر». وينظر : شرح ابن يعيش : ٩ / ١٢٨. وقصة عمرو مع أبى عمرو مفصّلة فى تحفه الأريب للسّيوطى (مخطوط).

٥٣

ابن العبّاس قال : حدثنا أبو زيد : قال : صلّى بنا عمرو بن عبيد الفجر فقرأ (١) إنس ولا جأن فهمز فلما سلّم قلت : لم همزت؟ قال : فررت من اجتماع السّاكنين.

قال أبو عبد الله رضي الله عنه : كان عمرو بن عبيد يؤتى من قلّة المعرفة بكلام العرب ، وذلك أنّ العرب لا تكره اجتماع السّاكنين ، إذا كان أحد الساكنين حرف لين ، كقوله تعالى (٢) : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) وقد كان كلم أبا عمرو بن العلاء في الوعد والوعيد فلم يفرّق بينهما حتّى فهمه أبو عمرو ، وقال : ويحك إنّ الرّجل العربيّ إذا وعد أن يسىء إلى رجل ثم لم يفعل يقال : عفا وتكرّم ، ولا يقال : كذب ، وأنشد (٣) :

وإنّي إن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادى ومنجز موعدى

* * *

__________________

(١) سورة الرحمن : آية : ٥٦.

(٢) سورة هود : آية : ٦.

(٣) البيت لعامر بن الطفيل فى ديوانه : ٥٨ ، وقبله :

لا يرهب ابن العمّ منّى صولة

ولا أختتى من صولة المتهدّد

٥٤

(سورة البقرة)

١ ـ قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً) [٢] قرأ أبو عمرو وحده فيهْ هُّدى بإدغام / الهاء في الهاء ، وكذلك يفعل بالحرفين إذا التقيا ، متجانسين كانا أو متقاربين ، فالمتجانسان نحو : جعلْ لَّكم الأرض فراشا (١) ولا نكذّبْ بِّآيات ربّنا (٢) وذهبْ بِّسمعهم وأبصارهم (٣) وإن كان الحرف الأول مشدّدا لم يدغم نحو : (أُحِلَّ لَكُمْ)(٤) و (مَسَّ سَقَرَ)(٥) أو كانت الكلمة محذوفة عين الفعل نحو : (كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ)(٦) و (كُنْتَ تَرْجُوا)(٧) أو خفّت الكلمة بعض الخفّة.

فأمّا المتقاربان [ف] نحو (خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ)(٨) وأعلم بّالشّكرين (٩) ومريمْ بُّهتانا عظيما (١٠)

__________________

(١) سورة البقرة : آية : ٢٢.

(٢) سورة الأنعام : آية : ٢٧.

(٣) سورة البقرة : آية : ٢٠.

(٤) سورة البقرة : آية : ١٨٧.

(٥) سورة القمر : آية : ٤٨.

(٦) سورة الإسراء : آية : ٧٤.

(٧) سورة القصص : آية : ٨٦.

(٨) يقصد المؤلف رحمه‌الله نحو الآية : ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) سورة الروم الآية : ٤٠.

(٩) يقصد : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) سورة الأنعام : آية : ٥٣.

(١٠) سورة النساء : آية : ١٥٦.

٥٥

وقرأ الباقون كلّ ذلك بالإظهار. فحّجة من أدغم قال : إظهار الكلمتين كإعادة الحديث مرتين ، أو كخطو المقيّد ، فأسكن الحرف الأول وأدغمه في الثاني ليعمل اللسان مرة واحدة.

وأمّا من أظهر فإنه أتى بالكلام على أصله لتكثر حسناته ، إذ كان له بكل حرف عشر حسنات ، وإنما الإدغام تخفيف وتقليل الكثير. واتفق القراء جميعا على إدغام الحرفين المتجانسين والأول ساكن نحو قوله (١) : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ).

٢ ـ وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [٣] قرأ أبو عمرو إذا حدر القراءة أو قرأ في الصّلاة يومنون بترك الهمز تخفيفأ ؛ إذ كانت الهمزة تخرج فى أقصى الحلق وفي إخراجها كلفة ، وأكثر العرب يلينها ، ومنهم من يحذفها جملة ، فإذا حقق القراءة همز ، وإنما يفعل ذلك بالهمزات الساكنات ، وإذا كان سكون الهمزة علامة للجزم نحو قوله تعالى أو ننسأها (٢) و (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(٣) لم يدع الهمزة ، وكذلك إذا كان في الحرف لغتان نحو : موصدة (٤) لأن لا يخرج من لغة إلى لغة ، وكذلك إذا كان ترك الهمز أثقل من الهمز لم يدع الهمزة / نحو قوله : (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ)(٥) وكان حمزة لا يهمز إذا وقف ، ويهمز إذا أدرج ولا يبالى إذا كانت الهمزة ساكنة أو متحركة نحو قوله تعالى (٦) : (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) يقف مولا

__________________

(١) سورة الأعراف : آية : ١٦٠ ، والشعراء : آية : ٦٣.

(٢) سورة البقرة : آية : ١٠٦.

(٣) سورة المائدة : آية : ١٠١.

(٤) سورة الهمزة : آية : ٨.

(٥) سورة الأحزاب : آية : ٥١.

(٦) سورة الكهف : آية : ٥٨.

٥٦

وأصْحَبُ المشئمة (١) يقف المشمة ، وإنما يفعل ذلك اتّباعا للمصحف : لأن (الْمَشْئَمَةِ) كتب في المصحف بغير ألف و (مَوْئِلاً) بغير ياء ، والدّليل على ذلك أنه يقف منهن جرّا بغير واو. ويقف (هُزُواً)(٢) و (كُفُواً)(٣) بواو ؛ لأنّها كذلك كتبت فى المصحف.

وروى ورش عن نافع بترك الهمزات الساكنات والمتحركات وحجّته في ذلك : أن الهمزة المتحركة أثقل من الهمزة الساكنة ، وكان يقرأ : ويوخِّرْكم إلى أجل (٤) ويودّهي إليك (٥) وكان ينقل حركات الهمزات إلى الساكن قبلها وكان يقرأ قَدَ افلح (٦) يريد : (قَدْ أَفْلَحَ) ، وكذلك : فلن يقبل من أحدهم مل الأرض أنشدني ابن عرفة شاهدا لورش (٧) :

تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت

به زينب فى نسوة عطرات

ولمّا رأت ركب النّميريّ أعرضت

وكنّ من ان يّلقينه حذرات

__________________

(١) سورة الواقعة : آية : ٩.

(٢) سورة الكهف : آية : ١٠٦.

(٣) سورة الإخلاص : آية : ٤.

(٤) سورة إبراهيم : آية : ١٠.

(٥) سورة آل عمران : آية : ٧٥.

(٦) سورة المؤمنون : آية : ١.

(٧) هذان البيتان لمحمد بن عبد الله بن نمير الثقفيّ ، شاعر أموى له أخبار وأشعار جمعها الدكتور نورى حمّودى القيسىّ ونشرها فى القسم الثالث من شعراء أمويون : ١٠٨ ـ ١٣٤. أخباره فى الأغانى : ٦ / ١٢ (بولاق). ونعمان المذكور : هو واد معروف مشهور بهذه التّسمية حتى يومنا هذا بين مكة والطائف. وزينب : هى أخت الحجاج بن يوسف الثقفى. (أخبار النّساء : ٢٤) والمعارف : ٣٩٦. والبيتان فى شعره : ١٢٤ ، ١٢٥ غير متوالين وفى الأصل : «اعترضت».

٥٧

أراد : «من أن» بنقل فتحة الهمزة إلى النّون.

وقرأ الباقون : (يُؤْمِنُونَ) ، و (يُؤْتُونَ يُؤْثِرُونَ وَيُؤَخِّرَكُمْ) ويألتكم وال (كَأْسٍ) و (الْبَأْسِ). كلّ ذلك مهموز على الأصل.

واختلف عن أبي عمرو في الأسماء المهموزة ، فروى بعضهم عنه بترك الهمز وهو اختيار ابن مجاهد. وروى عنه آخرون بالهمز.

فإن سأل سائل : لم / همز أبو عمرو «الكأس» «والبأس» ولم يهمز يومنون ويوتون؟

فالجواب في ذلك أنّ الفعل ثقيل والهمزة ثقيلة ، والاسم خفيف فحذفوا في الموضع الذي استثقلوه وأثبتوا فى الموضع الذى استخفوه.

٣ ـ قوله تعالى : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [٤] قرأ ابن كثير وحده (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) لا يمد حرفا لحرف

وقرأ الباقون بالمدّ

فمن مدّ قال : الألف خفيفة ، والهمزة خفيفة فقوّوهما بالمدّ.

ومن لم يمد حرفا لحرف أتى بالكلمة على أصلها ؛ لأن الكلمتين من حرفين وشبّهه بالإدغام في حرفين وفي حرف فإذا كان من كلمة لم يجز إلا الإدغام نحو : فرّ ومدّ. وإذا كان من كلمتين كنت بالخيار كقولك : جعل لك وجعل لّك. واتفقوا جميعا على مدّ الحرف إذا كان من كلمة نحو قوله (١) : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) و (أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)(٢)(فَقَطَّعَ

__________________

(١) سورة المؤمنون : آية : ١٨.

(٢) سورة آل عمران : آية : ١٩.

٥٨

أَمْعاءَهُمْ)(١)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٢).

وأعلم بأن الحروف اللواتي تكون بها المد ثلاثة : الواو والياء والألف ، فواو قبلها ضمة ، وبعدها همزة ، وياء قبلها كسرة وبعدها همزة ، وألف بعدها همزة ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فالألف نحو قوله تعالى (٣) : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) و (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) والواو نحو قوله (٤) : (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) والياء نحو : (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ)(٥).

٤ ـ قوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) [٦] قرأ عاصم وحمزة والكسائى (أَأَنْذَرْتَهُمْ) بهمزتين على أصل الكلمة. فالهمزة الأولى ألف التّسوية على لفظ الاستفهام ، والألف الثانية ألف القطع.

وقرأ ابن عامر آ أندرتهم بهمزتين بينهما مدة كأنه كره أن يجمع بين همزتين وأن يحذف إحداهما /

قال الشّاعر ـ شاهدا لقراءة ابن عامر (٦) :

تطاللت فاستشرفته فعرفته

فقلت له آأنت زيد الأراقم

__________________

(١) سورة محمد (القتال) : آية : ١٥.

(٢) سورة الرحمن : آية : ١٣ ... وغيرها.

(٣) سورة البقرة : آية : ٤.

(٤) سورة البقرة : آية : ١٤.

(٥) سورة فصّلت : آية : ٤٤.

(٦) استشهد به أبو علىّ الفارسى فى الحجة : ١ / ٢٠٨ ، والأزهرى فى التهذيب : ١٥ / ٦٨٤ وعجزه :

* فقلت آأنت زيد الأرانب*

وهو فى اللّسان : (الهمزة) لذى الرّمة. ونقله أستاذنا عبد القدوس أبو صالح عن اللّسان فى ـ

٥٩

وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير آنذرتهم كرهوا الجمع بين همزتين فليّنوا الثانية كما تقول : آمن ، وآدم ، وآزر غير أنّ ابن كثير أقصر مدّا من أبي عمرو ونافع ، قال ذو الرمة (١) :

آن توسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصّبابة من عينيك مسجوم

٥ ـ وقوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) [٧] قرأ أبو عمرو : وعلى أبصيرهم ممالة ، ونحوه إذا كان فى موضع الجرّ نحو القنطار والدّينار والأبرار والأشرار والفجّار والنّار ؛ وذلك أن الكسرة فى آخر الاسم منخفضة والألف مستعلية فأمال أول الكلمة ليكون كآخرها.

وقرأ الباقون بالفتح على أصل الكلمة.

وقد تابعه الكسائى فى (الأشرار) و (الأبرار) وما تكررت فيه الراء.

فإن سأل سائل : لم أمال أبو عمرو أصْحَب النّار (٢) ولم يمل

__________________

ـ ملحق ديوانه : ١٨٤٩. بهذه الرّواية وكرواية المؤلف أنشده ابن جنّى فى سرّ الصناعة : ٢ / ٧٢٢ وزيد الأراقم لعله يقصد : زيد بن أرقم الصحابي المعروف رضي الله عنه أخباره فى الاستيعاب : ٥٣٦ ، والإصابة : ٢ / ٥٨٩. فإن لم يكن هو المعنى ب «زيد الأراقم» فهو بكل تأكيد المعنى يقول الشاعر ـ وهو من شواهد النحو ـ : لعبد الله بن رواحة فى ديوانه : ١٥٢.

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

وزيد دارىّ الفلا المجهّل

تطاول الليل هديت فانزل

فانقض زيد كانقضاض الأجدل

(١) ديوانه : ٣٧١ ، وهو مطلع القصيدة.

(٢) سورة البقرة : آية : ٣٩ ... وتكررت فى القرآن كثيرا.

٦٠