إعراب القراءات السبع وعللها - المقدمة

إعراب القراءات السبع وعللها - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٤

١
٢

٣
٤

«أين كأني عبد الله؟ لقد عدمه الشّام فكان كمكّة أذ فقد هشام ..

فأصبح بطن مكّة مقشعرا

كأنّ الأرض ليس بها هشام»

شيخ العربيّة

(أبو العلاء المعرّىّ)

«رأيته ببيت المقدس ، وكان إماما ، أحد أفراد الدّهر فى كلّ قسم من أقسام العلم والأدب ، وكان إليه الرّحلة فى الآفاق ، سكن حلب ، وكان آل حمدان يكرمونه»

الحافظ المحدّث

(ابن عدىّ الجرجانىّ)

وأمّا أبو عبد الله ابن خالويه فإنّه كان من كبار أهل اللّغة»

الإمام النّحوىّ

«كمال الدّين ابن الأنباريّ»

٥
٦

تقديم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أمّا بعد :

فقد أحجم الباحثون عن تحقيق كتاب (إعراب القراءات السّبع وعللها) لأبى عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذانىّ (ت ٣٧٠ ه‍) مع نشاط حركة التّحقيق والنّشر فى العقدين الماضيين واندفاع أعداد كبيرة من أساتذة الدّراسات الإسلاميّة فى الجامعات العربيّة وغيرها ، واشتغال كثير من الباحثين بتحقيق التراث وإقدامهم على نشر كلّ غثّ وسمين دون تمييز ، وإخراج بعض النّصوص بطريقة عشوائيّة غير منظمة ولا مسؤولة.

وكان معهد المخطوطات العربيّة التابع للإدارة الثقافية فى المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم فى جامعة الدّول العربيّة بالقاهرة يتابع حركة التأليف والتّحقيق بنشرة شهرية يصدرها المعهد (أخبار التراث) ، ومجلة متخصّصة ، كانتا تسهمان إلى حدّ كبير فى التّعريف بالتّراث والعاملين على تحقيقه ، وتقرب بين وجهات نظر المحققين حول كتاب ما من كتب التّراث.

وإن كان نشاط المعهد ـ سواء أكان فى القاهرة أم فى الكويت بعد ذلك ـ لم يحقّق رغبات الباحثين تحقيقا كما يرجوه الجميع ، فقد كان إسهامه نافعا ، وفائدة نشراته ظاهرة ، لكنّ الظّروف السيّاسية التى مرت بها وتمرّ بها الأمة العربيّة والإسلاميّة أدّت إلى اضطراب هذا النّشاط ، بل توقفه تماما.

ومع اطّلاعى على كثير من النّشرات ، واجتماعى بكثير من ذوى التّخصّص والدّراية ، لا أعلم أحدا أقدم على تحقيق كتاب أبى عبد الله هذا ، مع تقدّم مؤلّفه وشهرته وتمكّنه فى النّحو واللّغة ، واحتلاله مكانة عالية فى الدّراسات القرآنية. عرفه العلماء فى وقتنا الحاضر من خلال ما طبع من مؤلفاته مثل : (إعراب ثلاثين سورة)

٧

و (مختصر الشّواذ) وما طبع من كتاب (ليس) وكتاب (الرّيح) و (الألفات) ... وغيرها.

ولعلّ الذى صرف أنظار الباحثين عنه يرجع إلى أسباب من أهمها :

ـ أنّه دوّن اسمه فى فهارس المخطوطات ، وعرّف به فى مؤلّفاته بكتاب (القراءات) ولا يعرف حقيقته وأنه فى تعليل قراءات السّبع والاحتجاج لها وإعرابها إلّا عدد قليل من الباحثين. وقد كتب عنوانه واضحا فى جزئه الثانى (إعراب القراءات السّبع وعللها). وجزؤه الثانى متّصل بجزئه الأول ، فهما فى مجلد واحد ولا يحمل جزؤه الأول عنوانا ، ولا شكّ أن أهميّة كتاب إعراب وتعليل يشتمل على فوائد لغويّة ونحويّة وطرائف أدبيّة تختلف عن أهميّة كتاب قراءات دون تعليل ، وفى كلّ خير.

ـ والأمر الثّانى : أنّ فى الكتاب خروما كثيرة فى مواضع مختلفة منه وهذا ماسأ وضّحه فى وصف النّسخة إن شاء الله ـ وهى نسخة فريدة حسب علمى الآن ، وهذه الخروم مجتمعة أقدّرها بما يقرب من ربع الكتاب ، وهذا أمر يجعل أىّ باحث يفكّر فى نشره يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى.

وقد عرفت كتاب ابن خالويه منذ ما يزيد على عشر سنوات ، وكنت كلّما قرأته ووقفت على هذه الخروم لم أقدم رجلا ... إنّما أخرتهما معا ، وبقي الكتاب فى طيّ النّسيان برهة من الزّمن ، ثم شاءت إرادة الله أن أزور مكتبة مراد ملا بتركيا فى صيف عام ١٤٠٦ ه‍ فطلبت الاطلاع على أصله ؛ لأننى قدّرت فى نفسى أن بعض هذه الخروم من خلل التّصوير ، لكن هذا التقدير لم يكن فى محلّه فهذه الخروم موجودة فى أصله ، وما قبل الكتاب وما بعده من الكتب فى المكتبة المذكورة لا علاقة له به ، وترقيم النّسخة قديم لكنّه بعد هذه الخروم.

وجرى الحديث فى شأن نشر الكتاب مع شيخنا الأستاذ محمود محمد شاكر ـ متّعه الله بالصّحة والعافية وأسبغ عليه نعمه ـ فشجّعنى على العمل فيه

٨

والمضى فى تحقيقه مع ما فيه من الخروم ، ولم يأل الشّيخ جهدا فى مناصحتى وتوجيهى وإفادتى ، وهذا دأبه مع طلاب العلم ، ففضل نشره يعود ـ بعد توفيق الله ـ إليه.

وقد بذلت جهدى فى قراءة النصّ ومحاولة تصحيحه وتقويمه ، وخرجت قراءاته غير السّبعية ، وشواهده الشّعرية والنثرية ، وبعض مسائله النحوية واللغوية ، وعرفت بما يحتاج إلى تعريف من الأعلام والمواضع وما إليها قدر الإمكان.

أمّا الأحاديث الواردة فى الكتاب فاكتفيت بعزوها إلى مصادرها. والآن وقد أنهيت تحقيقه أقدّمه للقرّاء الكرام راجيا من الله تعالى أن ينفع به ، ويجزل المثوبة لمؤلّفه ويتغمّده برحمته ورضوانه ، وأن يجعل ما بذلته فيه من جهد ووقت مدّخرا عند الله.

ولا يفوتنى أن أشكر أخى الكريم محمد أمين الخانجى الذى أتعب نفسه معى لإخراج هذا الكتاب فى مكتبة الخانجى للطّباعة بأبهى حلّة وأحسن إخراج ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب الفقير إلى الله تعالى

عبد الرّحمن بن سليمان العثيمين

مكة المكرمة ١٤ / ٤ / ١٤١١ ه

٩
١٠

أ

مؤلّف الكتاب

الحسين بن أحمد بن خالوية

(قبل ٢٩٠ ـ ٣٧٠ ه‍)

مصادر ترجمته :

الفهرست لابن النّديم : ٩٢ ، ويتيمة الدّهر : ١ / ٨٨ ، تاريخ العلماء النّحويين : ٢٢٧ ، الرّجال للنجاشى : ٥٠ ، فهرست مارواه ابن خير : ٣٤٢ ، ونزهة الألباء : ٣١١ ، ٣١٢ ، ومعجم الأدباء : ٩ / ٢٠٠ ، وإنباه الرّواة : ١ / ٣٢٤ ، وتلخيصه لابن مكتوم (مخطوط) ، ومختصره لمجهول : (مخطوط) ، ووفيات الأعيان : ٢ / ١٧٨ ، وطبقات الشافعية لابن الصّلاح (مخطوط) ، ومسالك الأبصار ٤ / مجلد (٢) ورقة : ٢٤٣ (نسخة دار الكتب) ، والعبر : ٢ / ٣٥٦ ، ومرآة الجنان : ٢ / ٣٩٤ ، وإشارة التعيين : ١٠١ ، والوافى بالوفيات : ١٢ / ٣٢٣ ، وطبقات الشّافعية الكبرى : ٣ / ٢٦٩ ، وطبقات الشّافعية للأسنوى : ١ / ٤٧٥ ، والبداية والنهاية : ١١ / ٢٩٧ ، والبلغة : ٦٧ ، وطبقات القراء (غاية النهاية) : ١ / ٢٣٧ ، لسان الميزان ٢ / ٢٦٧ ، نزهة الألباب فى الألقاب للحافظ ابن حجر : ١ / ٣١٢ ، وطبقات النّحاة واللّغويين لابن قاضى شهبة : ٣١٧ ، والنّجوم الزّاهرة : ٤ / ١٣٩ ، وبغية الوعاة : ١ / ٥٢٩ ، وتلخيص بغية الوعاة لابن حميد النّجدى : ١١٥ ، وطبقات المفسرين للدّاودى : ١ / ١٤٨ ، والفلاكة والمفلوكون للدّلجى : ١٠١ ، شذرات الذّهب : ٣ / ٧١ ، وأعلام النبلاء : ٤ / ٥٤.

١١

اسمه ونسبه :

هو الحسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان ، أبو عبد الله (١) الهمذانىّ النّحوىّ.

كذا ذكر مترجموه ما عدا القفطىّ ومن نقل عنه فإنه سمّاه الحسين بن محمد (٢) وربّما قيل : الحسين بن خالويه اختصارا ، وفى طبقات القراء (٣) : «ابن حمدون» بدل «حمدان».

ونسبته إلى (همذان) المدينة المعروفة من بلاد الجبال ببلاد فارس معروفة مشهورة.

قال الحافظ أبو سعد السّمعانىّ (٤) : «بالهاء والميم المفتوحتين والذّال المنقوطة بعدهما ... أقمت بها فى التّوجه والانصراف أربعين يوما وكان بها ومنها جماعة من العلماء والأئمة المحدثين عالم لا يحصى».

ويلقّب ب «ذو النّونين» لأنّه كان يمدّ نون (الحسين) و (ابن) فى آخر كتبه كذا قال الحافظ ابن حجر (٥).

ونقل السّيوطى (٦) والدّلجّي (٧) كلاهما عن ابن مكتوم قال : «إنه كان يلقب ب (ذو النونين) لأنّه كان يطولهما فى خطّه وهما نون «الحسين» ونون «ابن» قال : وقد رأيتهما طويلتين فى آخر كتاب (الجمهرة) بخطّه ، وقد طوّلهما جدّا» رسمهما : (الحسين بن خالويه).

__________________

(١) فى العبر : ٣ / ٣٥٦ «أبو عبيد الله» ، وفى نزهة الألباء : «عبد الله بن خالويه».

(٢) إنباه الرواه : ١ / ٣٢٤.

(٣) غاية النهاية : ١ / ٢٣٧.

(٤) الأنساب : ويراجع : معجم البلدان : ٥ / ٤١٠.

(٥) الألقاب : ١ / ٣١٢.

(٦) تحفة الأديب : ١ / ١٧٢.

(٧) الفلاكة والمفلوكين : ١٠١

١٢

مولده :

لم تذكر المصادر مكان وزمان مولد ابن خالويه ، إلّا أنهم ذكروا أنّه ورد بغداد سنة أربع عشرة وثلاثمائة ، روى ابن مسعر التّنوخى فى تاريخ العلماء النحويين (١) عنه : أنّه قال : «دخلت بغداد سنة أربع عشرة وثلاثمائة بعد موت الزّجاج بسنتين» وقال الصّفدى (٢) : دخل بغداد وطلب العلم سنة أربع عشرة وثلاثمائة».

فلعل مولده بحدود التّسعين والثلاثمائة أو قبلها بقليل ، فإنّ من شيوخ سماعه من توفى ٣٠٨ ه‍ وهو عبد الله بن وهب قال فى شرح المقصورة (٣) : «حدّثنا عبد الله بن وهب الحافظ بالدّينور ...».

وعبد الله بن وهب قال عنه الحافظ الذّهبيّ فى تذكرة الحفّاظ (٤) : «الحافظ الجّوال أبو محمد عبد الله بن محمد بن وهب الدّينورىّ ...» ثم ذكر وفاته سنة ٣٠٨ ه‍.

فإذا صحّ أخذ ابن خالويه عنه وسماعه منه فإنى أقدر مولد ابن خالويه يكون فى حدود الخامسة والثمانين ومائتين ، وبهذا يكون من المعمرين ولم ينقل أنه كان معمّرا.

لذلك فإننى أشكّ فى سماعه من ابن وهب (٥) ، فلعلّ بينهما واسطة ، وأرجّح أن يكون الواسطة هو : ابن عقدة ، وهو من شيوخ ابن خالويه.

جاء فى التذكرة (٦) : «قال ابن عدىّ : كان ابن وهب يحفظ ، وسمعت عمر

__________________

(١) تاريخ العلماء النحويين : ٢٢٧.

(٢) الوافى بالوفيات : ١٢ / ٣٢٣.

(٣) شرح المقصورة : ٢٨٤.

(٤) التذكرة : ٧٥٤.

(٥) إلا أن يكون سماع حضور فى الثّانية والثّالثة والرّابعة من العمر كحضور بعض المحدثين.

(٦) التذكرة : ٧٥٤.

١٣

ابن سهل يرميه بالكذب ، وسمعت ابن عقدة يقول : «كتب إلى ابن وهب جزءين من غرائبه عن الثّورىّ فلم أعرف منهما إلا حديثين. كنت أتهمه».

وأما مكان ولادة ابن خالويه فهى فى بلاد فارس ، وربما كانت همذان المدينة ، أو أحدى القرى التابعة لها ، اعتمادا على ماورد فى نسبته إليها ، وربما لا يكون مولده فيها ، فيكون أصله منها ، إلّا أنّ المصادر تؤكّد قدومه إلى بغداد وذلك للتزود بالعلم سنة ٣١٤ ه‍ ، كما سبق ولم تحدّد من أين قدم؟

رحلته فى طلب العلم :

دخل ابن خالويه بغداد كما أسلفت سنة ٣١٤ ه‍ ، وبها حلّ ، وأخذ فى طلب العلم ، ولقى بها أشهر شيوخه ، ثم انتقل إلى الشّام مارا بالموصل وميّا فارقين ، ثم حمص ، واستقر بحلب فى كنف سيف الدّولة الذى صدّره وجعله من كبار شيوخ مجلسه وأوكل إليه تأديب أولاده. وزار دمشق وبيت المقدس.

وأقدّر أن يكون دخل حلب ما بين سنتى ٣٣٤ ـ ٣٣٦ ه‍ (١) واستمرّ بحلب ، ألقى فيها عصا التّسيار ، وتديّرها ، فكانت موطنه ، بها قضى جلّ حياته ، ونشر فيها علمه ، تدريسا ، وتأليفا ، قال القاضى ابن خلكان (٢) ـ رحمه‌الله : «انتقل إلى الشّام واستوطن حلب ، وصار بها أحد أفراد الدّهر فى كلّ قسم من أقسام الأدب ، وكانت إليه الرّحلة».

نقل القفطىّ فى إنباه الرّواه عن ابن عدىّ قوله : «رأيته ببيت المقدس ...».

وذكر القفطىّ (٣) أيضا أنه دخل اليمن نقلا عن كتاب «الأترجّة» فى ذكر

__________________

(١) سأذكره مفصلا فى (فصل) تلاميذه إن شاء الله.

(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ١٧٨.

(٣) إنباه الرواه : ١ / ٣٢٥.

١٤

شعراء أهل اليمن فى الجاهلية والإسلام لمسلم بن محمّد اللّحجىّ اليمنى وأقام بها وشرح ديوان ابن الحائك ، وعنى به وذكر غريبه وإعرابه».

ثم قال : «قلت : ولم أعلم أنّ ابن خالويه دخل اليمن إلا من كتاب «الأترجة» هذا ...».

وأكّد عبد الباقى اليمنى والفيروز آبادى والجزرى دخوله اليمن فقالوا (١) : «دخل اليمن وأقام بذمار ...».

وليس فى دخوله اليمن ما يستغرب ولا ما يستنكر ، وشرحه لديوان ابن الحائك غير مستبعد إيضا ، فقد نقل القفطىّ وغيره أنّ ابن الحائك (الحسن بن أحمد الهمذانى ت بعد ٣٤٤ ه‍ (٢)) كان يكاتب علماء بغداد منهم أبو بكر بن الأنبارى ، وأبو عمر الزاهد غلام ثعلب ، وأبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه» (٣).

ولا أعلم أن ابن خالويه دخل الحجاز وأدى فريضة الحج اوزار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإذا ثبت أنه دخل اليمن فإن مروره بمكة وأداءه مناسك الحج ليس ببعيد.

وربما حجّ وزار مرارا لكنّ ذلك لم ينقل إلينا لعدم ارتباطها بأحداث مهمّة جديرة بالتّسجيل والوقوف عندها ؛ لذلك أغفلها كلّ من كتب عن سيرته وأخباره ، شأن كثير من العلماء فى ذلك ، وخاصة إذا كان أداؤه للحج قبل تميّزه وشهرته.

ويظهر أنّ لابن خالويه تردّد على العراق فقد دخل بغداد بعد علوّ سنه وأملى بجامع المدينة (٤). ولعله دخل بلاد العجم بعد خروجه منها.

وكان من نتيجة هذا التّجوال أن اجتمع بشيوخ كانوا زينة المجالس ، متصدّرى الدّروس فى الجوامع ودور العلم.

__________________

(١) إشارة التعيين : ١٠١ ، والبلغة : ٦٧ ، وغاية النّهاية : ١ / ٢٣٧.

(٢) أخباره فى إنباه الرواه : ١ / ٢٧٩ ، ومعجم الأدباء : ٧ / ٢٣١ ، وبغية الوعاة : ١ /.

(٣) إنباه الرّواه : ١ / ٢٧٩.

(٤) الوافى بالوفيات : ١٢ / ٣٢٣.

١٥

طلبه العلم وأشهر شيوخه :

نشأ ابن خالويه حريصا على الطّلب ، دؤوبا على المطالعة ، مكبّا على الإفادة شغوفا بالعلم ، يشهد مجالس العلماء ، ويحضر منتديات الأدباء ، هذا كلّه وغيره له نماذج واضحة ، وشواهد لائحة فى أغلب مؤلفاته ، وفى ما نقل من سيرته ، روى صلاح الدّين الصّفدى فى «تذكرته» قال (١) : قال ابن خالويه : حضرت مجلس أبي عبد الله محمّد بن إسماعيل القاضى المحامليّ وفيه زهاء ألف ، فأملّ عليهم إن الأنصار قالوا للنّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله ما نقول لك ما قال قوم موسى لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة : ٢٤] بل نفديك بأبنائنا وأمهاتنا ، ولو دعوتنا إلى برك الغماد ـ بكسر الغين ـ فقلت للمستملى هو (الغماد) بضمّ الغين ، فقال المستملى : قال النّحوى : (الغماد) بالضمّ أيّها القاضى ، قال : وما برك الغماد؟ قال : سألت ابن دريد ، فقال : هو بقعة فى جهنّم ، قال القاضى : وكذا فى كتابى على الغين ضمّة ... قال ابن خالويه : وسألت أبا عمر عن ذلك فقال : برك الغماد بالكسر ، والغماد بالضمّ ، والغمار بالراء مع كسر الغين ، وقد قيل : إن الغماد موضع باليمن ...».

وأمثال هذا المجلس فى مؤلفاته كثير.

ولابن خالوية عناية تامّة فى تقييد الفوائد على الشّيوخ ونسخ مؤلفاتهم وتدبّرها ثم التعليق عليها بما يراه ، وسأعرض لهذا فى صدر ذكر مؤلفاته إن شاء الله تعالى.

ونظرا إلى تنوّع شيوخه وكثرتهم سأذكر جملة منهم ، ويدخل فى عداد شيوخه كلّ من أسند إليه رواية ، أو نقل عنه خبرا ، أو حدث عنه بحديث ، وحديثى عن شيوخه لا يدخل فى باب الحصر والاستقصاء والتتبع ، وإنّما جمعت جملة منهم أثناء تتبّعى لآثاره ، وقراءتى السّريعة لبعض ما وقفت عليه من أخباره ، وأنما

__________________

(١) النقل عن تحفة الأديب للسّيوطى : ١ / ١٧٢.

١٦

ذكرت الذّين أسند عنهم الرّواية ـ وربما لا يكونون من شيوخه ـ لأنّهم من مصادر المعلومات لدى ابن خالويه ، فبقدر ما تتنوع اختصاصات هؤلاء الذين روى عنهم بقدر ما تتنوع المعلومات التى ينقلها ، من نقل قراءة ، أو رواية حديث ، أو ذكر فائدة تتعلق بالتّفسير ، أو تكشف مشكل معنى أو إعراب ، إضافة إلى ذكر فوائد تاريخية ، وقصص أدبية ، وملح ونوادر وأشعار.

والغالب على فنّه هو علما اللّغة والنحو وما يتّصل بهما من شعر ، وأدب ، وعروض ، وصرف ، ومعان ، وبيان ، وقراءات ف «ابن خالويه نحوى لغوىّ» مشارك فى الفنون الأخرى مشاركة جيّدة.

وقد أخذ اللّغة والنّحو عن جلّة من مشاهير علماء عصره من المذهبين البصري والكوفي ، لذا فابن خالويه ممّن «خلط بين المذهبين» (١).

ومن هؤلاء الشيوخ :

ـ أبو بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ (ت ٣٢٨ ه‍).

ـ وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت ٣٢١ ه‍).

ـ وأبو بكر محمد بن يحيي الصّولىّ (ت ٣٣٦ ه‍).

ـ وأبو بكر أحمد بن محمد بن الخيّاط (ت ٣٢٠ ه‍).

ـ وأبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد (ت ٣٢٤ ه‍) (٢).

ـ وإبراهيم بن عرفة (نفطويه) (ت ٣٢٣ ه‍).

ـ وأبو سعيد السّيرافىّ (ت ٣٦٨ ه‍).

ـ وأبو عمر الزّاهد (ت ٣٤٥ ه‍).

__________________

(١) المصدر نفسه. عن الفهرست لابن النديم : ٩٢.

(٢) هو من مشاهير القرّاء.

١٧

وهذا الأخير أكثر من النقل عنه بعبارات مختلفة.

هؤلاء هم أهمّ شيوخه الذين أخذ عنهم العلم من علماء اللّغة والنّحو ، وهم من مشاهير نحاة زمانهم ، أخبارهم مستفيضة ، وذكرهم منتشر واسع ، ولا حاجة تدعو إلى التّعريف بهم ، ويظهر لى أنّ ابن خالويه كان محبّا فى الإكثار من الشّيوخ كثير المباهاة بهم ، حريصا على ذكر وجوه الإفادة منهم ، والرّواية عنهم ، والإسناد إليهم ، والإنشاد لهم ، والاطلاع بهذا كلّه إلى درجة يزاحم بها مشاهير نحاة عصره : ليتسنّم ذروة المجد أمام الفارسيّ ، وابن جنى ، وأبي الطيب اللّغوي ، وأبى الحسن الرّمانى وأضرابهم ، ويضرب بسهم فى منازلتهم فى السّاحات العلميّة ، والمجالس الأدبيّة والنّقدية ، سواء ما كان على بساط سيف الدّولة ، أو فى ميدان آخر من ميادين التنافس العلمى (١).

ومن جانب آخر فابن خالويه إنّما يستكثر من ذكر شيوخه بأسمائهم اقتداء بشيوخه من أهل الرّواية. وهؤلاء إنما يستكثرون من الشّيوخ لعلوّ الإسناد. فاقتدى بهم المؤلف ـ وإن لم يكن هناك سند فى الغالب ـ. قال (٢) : «لأنّا نحن متبّعون لشيوخنا لا مبتدعون».

ويبدو أنّ غربته عن وطنه سواء فى العراق أو الشّام ، ثم صلاته الإجتماعية بعد ذلك هيآ له الحرص على الطلب ، والدّأب على حضور مجالس العلم ، مع ما تمتع به من الذّكاء واللّياقة واللّباقة والحنكة ، والدّربة على مسآءلة الشيوخ وللإفادة منهم ، وتقييد الفوائد عنهم ، وهذا ما يلحظه القارىء لمؤلفاته وخاصّة ما ينقله من وقت إلى آخر من الطّرائف والنّكات التى يتورع كثير من العلماء عن نقلها ؛ ليضفى على

__________________

(١) له فى ذلك قصص وحكايات يطول الحديث بذكرها.

(٢) إعراب القراءات : ٢ / ١٩٠.

١٨

جفاف علم اللّغة والنّحو والإعراب تلك النّسمات الأدبية التى تتمثل فى الحكايات المستعذبة ، والأمثال الرّائقة ، والإنشادات الرقيقة الفائقة ، التى يهدف من وراء رواياتها نقل الذّهن من جدّ إلى هزل ، ومن رتابة نحوية لغوية إلى متعة وتسلية وجدانية ، ليعود إلى مباحثه الأولى وهو أكثر تقبلا لها من ذى قبل.

ولكى تكون هذه الطّرائف مقبولة يطرزها بالإسناد والعزو على طريقة المحدثين.

ومن شيوخه :

المحدّث الكبير محمد بن مخلد العطّار ، أبو عبد الله الدّورى البغدادىّ (ت ٣٣١ ه‍).

ذكره السّيوطى فى تحفة الأريب : ١ / ١٧١ من بين شيوخه.

وذكره الحافظ الخطيب فى تاريخ بغداد : وقال : «كان أحد أهل الفهم ، موثوقا به فى العلم ، متّسع الرّواية ، مشهورا بالدّيانة موصوفا بالأمانة ، مذكورا بالعبادة».

ورأيت له فى مجاميع الظّاهرية بعض الفوائد والأمالى الحديثية عليها خطّ الحافظ عبد الغنى المقدسيّ ، ورأيت له غير ذلك مما لا يحضرنى الآن.

أخباره فى : تاريخ بغداد : ٣ / ٣١٠ ، وتذكرة الحفاظ : ٣ / ٨٢٨ ، وطبقات الحفاظ : ٣٤٤.

ـ ومنهم :

ـ أبو حفص القطّان (أبو عبد الله)

أسند عنه روايات كثيرة فى إعراب القراءات : ١ / ٢٠ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ قراءة عليه ص ٢٩ ، وقال : «وحدثنا أبو عبد الله القطان الشيخ الصالح إملاء علىّ من أصله ، قال : حدّثنا سليمان ....

١٩

وينظر : إعراب ثلاثين سورة : ٢٠ ، وشرح المقصورة : ٣٦٣ ، ٣٦٤ ووصفه أيضا ب «الشيخ الصالح».

ـ ومنهم :

ـ القاضى الجليل الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل المحاملىّ أبو عبد الله (ت ٣٣٠ ه‍).

جاء ذكره فى شرح المقصورة : ٢٦١ ، ٥٢٥ ، ٥٥٤ ، ويصفه بالقاضى وإعراب القراءات : ١ / ٤٤ ، وغيرهما وهو شيخ ثقة معمّر ، ولي قضاء الكوفة ستين سنة ، وكان يحضر مجلسه عشرة آلاف رجل.

أخباره فى : تاريخ بغداد : ٨ / ١٩ ، وتذكرة الحفاظ : ٣ / ٨٢٤ ، واللّباب : ٣ / ١٧٢ ، وطبقات الحفاظ : ٣٤٣.

ـ وأسند المؤلف إلى أخيه أبى عبيد فى إعراب القراءات : ٢ / ٢٣٥ قال : «حدّثنا أبو عبيد أخو المحاملىّ ...».

ـ ومنهم :

ـ محمد بن أحمد السّامرّىّ :

ـ بفتح السّين المشددّة والميم والرّاء المشدّدة أيضا ـ منسوب إلى سامرّاء المدينة المعروفة شمال بغداد. ذكره السّيوطى فى تحفة الأريب : ١ / ١٧١ من شيوخه.

أسند عنه المؤلف فى إعراب ثلاثين سورة : ١١٧.

أخباره فى : الأنساب : ٧ / ١٥ ، وتاريخ بغداد : ١ / ٣٦٩.

ـ ومنهم :

ـ محمد بن أحمد بن قطن المقرىء ، أبو عيسى السّمسار (ت ٣٢٥ ه‍)

ذكره السّيوطى من شيوخه.

٢٠