إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٤٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

فأمّا قراءة ابن عامر فإنه أتبع الضمّ الضمّ مثل السّحت والسّحت والبخل والبخل ، والعرب تقول : طعنت فلانا فألقيته على قطره وقطره ، وعلى قتره وعلى قتره ، وعلى شزنه وعلى شزنه ، كلّ ذلك على ناحيته وجنبه. وأقطار الأرض وأقتارها وأشزانها : نواحيها. والقطر فى غير هذا العود الذى يتبخر به ، أنشدنى ابن عرفة رضى الله عنه (١) :

كأنّ المدام وصوب الغمام

وريح الخزامى ونشر القطر

تعلّ به برد أنفاسها

إذا غرّد الطّائر المستحر

وإنما خصّ وقت السحر ، لأنّ الأفواه تتغيّر فى ذلك الوقت فسرق شاعر هذا فقال (٢) :

كأنّ المدام وصوب الغمام /

وريح الخزامى وذوب العسل

تعلّ به برد أنيابها

إذا النّجم فوق السّماء اعتدل

٢٢ ـ وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) [٥٩].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر لمهلَكَهُم بفتح الميم واللّام جعله مصدرا لهلك يهلك مهلكا مثل طلع يطلع مطلعا.

__________________

(١) أنشدهما المؤلف فى شرح المقصورة : ١٨٢ ، وكتاب ليس : ١٧٧ وعزاهما لامرىء القيس ، وهما فى ديوانه : ١٥٧ ، ١٥٨.

(٢) فى شرح المقصورة : «وأخذه عمر بن أبي ربيعة فقال : ...» ولم أجدهما فى ديوان عمر.

٤٠١

وروى حفص عن عاصم (لِمَهْلِكِهِمْ) بكسر اللّام جعله وقت هلاكهم وموضع هلاكهم كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) [٨٦] ، أى : الموضع الذى تغرب فيه. وحكى سيبويه رضى الله عنه عن العرب (١) : «أتت النّاقة على مضربها» و «منتجها» أى : على وقت ضرابها ونتاجها و «إنّ فى ألف درهم لمضربا» بفتح الرّاء أى : ضربا ، جعله مصدرا.

وقرأ الباقون : لمُهلَكهم بضم الميم وفتح اللام وهو الاختيار لأنّ المصدر من أفعل والمكان والزّمان يجىء على مفعل كقوله : (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ)(٢) فكذلك أهلكهم الله مهلكا بمعنى الإهلاك ، وسأبين لك فصلا تعرف به جميع ما يرد عليك.

اعلم أن كلّ فعل كان على (فعل يفعل) مثل ضرب يضرب فالمصدر مضرب بالفتح ، والزّمان والمكان مفعل بالكسر.

وكلّ فعل كان على (فعل يفعل) مثل دخل يدخل فالمصدر والمكان منه بالفتح نحو المدخل. وكلّ فعل كان المضارع منه بالفتح نحو يذهب ويشرب فهو مفتوح أيضا نحو المشرب والمذهب.

فإن قيل لك : قد قالوا : المسجد ـ بالكسر ـ وهو من سجد يسجد ، فإن ذلك من الشّواذ عندهم ، قال سيبويه (٣) ـ رحمة الله عليه ـ / وربّما جاء المصدر من فعل يفعل بالكسر كقوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ)(٤) أى :

__________________

(١) الكتاب : ٢ / ٢٤٧.

(٢) سورة الإسراء : آية ٨.

(٣) الكتاب : ٢ / ٢٤٧.

(٤) سورة المائدة : ٤٨ ... وغيرها. والآية المثبتة فى الكتاب لسيبويه هى : (إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) من سورة الأنعام : آية : ١٦٤ ، أو سورة الزمر : آية ٧.

٤٠٢

رجوعكم ، و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)(١) أى : الحيض ، وقوله : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً)(٢) فهذا مصدر وربما جاء على المعيش مثل المحيض قال رؤبة (٣) :

إليك أشكو شدّة المعيش

ومرّ أعوام نتفن ريشى

قال الفرّاء : إذا كان الفعل لامه واوا أو ياء نحو يدعو ويقضى جاء المصدر والمكان بالفتح : المدعى والمقضى.

وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء قال (٤) : جاء حرفان نادران مأقى العين والمأوى ، يريدون : الماوى فقال الأصمعى : يقال مؤق العين وماق ، العين ، ومأقى العين ، وماقى العين. وقال سيبويه رضى الله عنه : إنما قالوا : المصيف فكسروا وقالوا : المشتى ففتحوا ؛ لأنّ هذا من صاف يصيف ، وهذا من شتا يشتو قال الفرّاء ـ رحمة الله عليه ـ : فإذا كان الفعل عينه ياء مثل كال يكيل ، ومال يميل ، وباع يبيع قلت فى المصدر منه : مال ممالا ، وكال مكالا : وباع ، مباعا ، وفى اسم المكان والزمان : مميلا ومكيلا ومبيعا ، فهذا أصل لما يرد عليك فتأمّله إن شاء الله.

٢٣ ـ وقوله تعالى : (فَلا تَسْئَلْنِي) [٧٠].

قرأ ابن عامر : تسألنّى.

والباقون : تسئلنّ وقد ذكرت علّته فى (هود).

٢٤ ـ وقوله تعالى : (لِتُغْرِقَ أَهْلَها) [٧١].

قرأ حمزة والكسائىّ بالياء ورفع الأهل ؛ لأنّهما جعلاهم الفاعلين.

__________________

(١) سورة النبأ : آية : ١١.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٢٢.

(٣) ديوانه : ٧٨. وأنشدهما المؤلف فى شرح المقصورة : ٤٧٠ عن الفرّاء فى المعانى : ٢ / ١٤٩.

(٤) معانى القرآن : ٢ / ١٤٩ ، ١٥٠.

٤٠٣

وقرأ الباقون : (لِتُغْرِقَ) فهذا خطاب موسى / للخضر عليهما‌السلام ، ونصبوا الأهل ، لأنّهم مفعولون. والأهل تجمع على جمع السّلامة أهلون وأهلين «إنّ لله أهلين هم أهل القرآن وخاصّته» (١) وقوله تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)(٢) الأصل : أهلينكم فسقطت النّون للإضافة ، ومن العرب من يجمع أهلا أهلات قال الشّاعر (٣) :

فهم أهلات حول قيس بن عاصم

إذا دلجوا باللّيل يدعون كوثرا

والصواب : أن تجعل «أهلات» جمع أهلة.

فإن سأل سائل فقال : لم قال موسى فى هذه الآية : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) هل يجوز أن يكون فى وقت موسى نبىّ أعلم من موسى؟

فقل : فى هذه ثلاثة أجوبة :

__________________

(١) أخرجه الإمام النسائى ـ رحمه‌الله ـ فى فضائل القرآن : ٨٣ حديث رقم (٥٦) ، «أخبرنا عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن قال : حدّثنا عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة عن أبيه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ لله أهلين من خلقه ، قالوا : ومن هم يا رسول الله؟ قال : أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» وقد خرجه محققه صديقنا الدكتور فاروق حمادة فليراجع هنالك.

(٢) سورة التحريم : آية ٦.

(٣) هو المخبّل السّعدىّ ، واسمه ربيعة بن مالك ، أبو يزيد السّعدى التميمى ... أخباره فى الشعر والشعراء : ١ / ٤٢٠ ، والأغانى : ١٣ / ١٨٩ ، والخزانة : ٢ / ٥٣٥. جمع شعره صديقنا الدكتور حاتم الضامن ونشره فى مجلة المورد العراقيّة المجلد الثانى من العدد الأول عام ١٩٧٣ م. والبيت من المقطوعة رقم (١٣) وتخريجه هنالك. وينظر الكتاب : ٢ / ١٩١ ، والنكت عليه للأعلم : ١٠١٠ ، وهو من شواهد المفصل (شرح ابن يعيش : ٥ / ٣٣) والخزانة : ٣ / ٤٢٧.

٤٠٤

أحدها : أن يكون نبىّ أعلم من نبىّ فى وقت ، هذا فيمن جعل الخضر نبيّا ، وإنما سمّى خضرا ، لأنّه كان إذا جلس على فروة اهتزت خضراء ، يعنى بالفروة الأرض البيضاء التى لا نبات فيها.

والوجه الثانى : أن يكون موسى أعلم من الخضر بجميع ما يؤدّى عن الله تعالى إلى عباده وفيما هو حجّة عليهم ، وحجة لهم بينهم وبين خالقهم إلّا فى هذا.

والوجه الثالث : أن يكون موسى استعلم من الخضر علما ليس عند موسى ذلك العلم فقط ، وإن كان عنده علوم سوى ما استعلمه من الخضر (١) علما مما ليس عند موسى عليه‌السلام (٢).

فأمّا قوله فى هذه الآية : (قالَ لِفَتاهُ) فإنّ يوشع بن نون هو فتاه ، كما تقول العامّة : هو غلامه وتلميذه [وساجرده وتلامه وجربحه](٣) / والعرب تسمى الرّجل المملوك فتى وإن كان شيخا ، والأمة فتاة وإن كانت عجوزا وتسمى التّلميذ فتى وإن كان شيخا ، ومن ذلك قوله : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ)(٤) والفتى عند العرب السّخىّ من الطّعام وعلى المال والشّجاع.

٢٥ ـ وقوله تعالى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) [٧٤].

قرأ أهل الكوفة وابن عامر (زَكِيَّةً) بغير ألف ، أى : تقيّة ديّنة.

وقرأ الباقون : زاكية فقال الكسائى : هما لغتان زكيّة وزاكية مثل قسيّة وقاسية وقال ابن العلاء : الزّاكية : التى لم تذنب قطّ. والزّكية : التى أذنبت ثم تابت ، وكلتا القراءتين حسنة.

__________________

(١) (١ ـ ١) عبارة قلقة لا حاجة إليها مكررة عن شابقها.

(٢) (١ ـ ١) عبارة قلقة لا حاجة إليها مكررة عن شابقها.

(٣) كلمة غير واضحة.

(٤) سورة الأنبياء : آية ٦٠.

٤٠٥

٢٦ ـ وقوله تعالى : (شَيْئاً نُكْراً) [٧٤].

ابن كثير يخفف كلّ ما فى القرآن. وكذلك : (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ)(١).

وقرأ عاصم وابن عامر بالتّثقيل ، وهما لغتان : النّكر والنّكر مثل الرّعب والرّعب ، وهو الأمر العظيم والدّاهية.

ومثله (شَيْئاً إِدًّا)(٢) وإمرا و (نُكْراً) و (عَجَباً) كل ذلك بمعنى ، وتقدير الكلام : لقد جئت بشىء أنكر من الفعل الأول.

وقال آخرون إمرا أشدّ من (نُكْراً) إلا أن الإمر معه غرق الأهل ، وهذا معه قتل النّفس.

وقرأ الباقون بتخفيف كلّ ذلك إلا قوله فى (اقتربت) (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) وهو الاختيار ، لأنّ رءوس الآى فى (اقتربت) مثقلة نحو (عَذابِي وَنُذُرِ)(٣) وقال الشّاعر حجّة لمن خفّف (٤) :

قد لقى الأقران منّى نكرا

داهية دهياء إدا إمرا

أمّا نافع فروى عنه قالون مثقّلا مثل ابن عامر ، وروى عنه / إسماعيل مثل أبى عمرو.

__________________

(١) سورة القمر : آية ٦.

(٢) سورة مريم : آية ٨٩.

(٣) سورة القمر : آية ١٦.

(٤) أنشدهما الجوهرى فى الصحاح ولم ينسبهما ، قال : «قال الأخفش يقال أيضا : أمره يأمره أمرا ؛ أى : اشتد ، والاسم : الإمر بكسر الهمزة ، قال الراجز : ... وأنشد البيتين. قال : ومنه قوله تعالى : لقد جئتم شيئا إمرا ويقال : عجبا».

٤٠٦

وروى حفص عن عاصم مثل ابن كثير و (نُكْراً) رأس الجزء من أجزاء الثّلثين وهو الخامس عشر ، وهو نصف القرآن.

٢٧ ـ وقوله تعالى : (مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) [٧٦].

قرأ نافع : من لدنى بتخفيف النّون ، كره اجتماع النّونين فحذف واحدة كما قرأ : تشاقّونى (١) وتأمرونى أعبد (٢) قال الشّاعر (٣) :

أيّها السّائل عنهم وعنى

لست من قيس ولا قيس منى

أراد : عنّى ومنّى فخفف.

والباقون (مِنْ لَدُنِّي) مشدّدا ، لأن (لدن) آخرها نون ساكنة ، وياء الإضافة يكسر ما قبلها فزادوا على النّون نونا وأدغموا فالتشديد من جلل ذلك ، إلا عاصما فإنه رويت عنه من لَدْنى بفتح اللّام وجزم الدّال وتشم الدّال الضمّ وتخفف النّون ، وروى عنه أبو عبيد من لُدنى بضمّ اللام ومن لدى ف «لدن» إذا لم تضف فيها ثلاث لغات : لدن ولدى ولد ، قال الشّاعر (٤) :

__________________

(١) سورة النّحل : آية ٢٧.

(٢) سورة الزمر : آية ٦٤.

(٣) قائلهما مجهول وهو فى الحجة المنسوبة إلى ابن خالويه : ٢٢٨ ، وشرح الألفية لابن الناظم : ٢٦ ، وشرح شواهد للعينى : ١ / ٣٥٢ ، ونتائج التحصيل : ٢ / ٥٧٥ ، والخزانة : ٢ / ٤٤٨.

(٤) البيت لغيلان بن حريث ، راجز مجهول ، وقبله :

يتبعن شهما لان من ضريره

من المهارى ردّ فى حجوره

يستوعب البوعين من جريره

من لد لحييه إلى منحوره

٤٠٧

* من لد لحييه إلى منحوره*

وإذا أضفت إلى نفسك ففيها ستّ لغات ، وقد فسّرته. فتقول : لدى ، ولدن ، ولد ، ولدنى ولدنّى ولدنّنى ولدىّ ولدى تسع لغات ، ومعناهن كلّهن : عندى.

٢٨ ـ وقوله تعالى : (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [٧٧].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو لَتَخِذت بتخفيف التاء جعله فعل يفعل مثل شرب يشرب تخذ يتخذ كما قال (١) :

وقد تخذت رجلى إلى جنب غرزها

نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق

/ المطرّق : التى تريد أن تبيض وقد تعسّر عليها. والأفحوص والمفحص : عشّ الطائر ووكره ، ومن ذلك حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «من بنى لله

__________________

ـ أنشدها ابن السيرافى فى شرح أبيات الكتاب : ٢ / ٣٨٠ ، ينظر : الكتاب : ٢ / ٣١١ ، والنكت عليه للأعلم : ١١٣٢ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٢ / ١٢٧ وشرح شواهد الشافية : ١٦١.

(١) البيت للممزّق العبدىّ ، واسمه شأس بن نهار ، من بنى نكرة من عبد القيس وسمّى الممزق ـ بفتح الزاى وكسرها ـ لقوله [جمهرة أنساب العرب : ٢٩٩] :

إذا كنت مأكولا فكن خير آكلى

وإلّا فأدركنى ولمّا أمزّق

أخباره فى الشعر والشعراء : ١ / ٣١٤ ، وطبقات فحول الشعراء : ٢٣٢ ، ومعجم الشعراء : ١٦٧. والبيت من قصيدة له فى الأصمعيات : ١٦٤ ، رقم (٥٨) أولها

أرقت فلم تخدع بعيني وسنة

ومن يلق ما لاقيت لا بدّ يأرق

أنشده أبو عبيدة فى المجاز : ١ / ٤١١ ، وأبو زرعة فى الحجة : ٤٢٦ ، وابن سيده فى المحكم : ٣ / ١١٥ ، وعنه فى اللسان : (فحص) والنسيف : أثر ركض الرجل بجنب البعير.

(٢) أخرجه أبو عبيد ـ رحمه‌الله ـ فى غريب الحديث : ٣ / ١٣١ ، ١٣٢.

٤٠٨

مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنّة».

غير أنّ ابن كثير يظهر الذّال عند التّاء ، وأبو عمرو يدغم وقد ذكرت علّته فى (البقرة).

وقرأ الباقون (لَاتَّخَذْتَ) من افتعل يفتعل نحو اتقى يتّقى واتّكى يتّكى. ومن العرب من يقول : تقى يتقى خفيفا قال الشّاعر (١) :

جلاها الصّيقلون فأخلصوها

خفافا كلّها يتقى بإثر

وأصله من أخذ يأخذ فكأن الأصل أيتخذ ، لأنّ الهمزة تصير ياء لانكسار ما قبلها ثم تقلب الياء تاء وتدغم التاء فى التاء فالتّشديد من جلل ذلك.

٢٩ ـ وقوله تعالى : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما) [٨١].

قرأ ابن كثير وعاصم بتخفيف كلّ ما فى القرآن.

وقرأ أبو عمرو ونافع بتشديد كلّ ما فى القرآن ، وهما لغتان : يبدل ويبدّل مثل ينزل وينزّل. قال أبو عمرو : وإنما اخترت التّثقيل ، لأنّ شاهده فى القرآن ، وهو قوله : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً)(٢) ولم يقل : أبدلنا ، وقال (٣) : (لا تَبْدِيلَ

__________________

(١) البيت لخفاف ابن ندية السّلمى. شاعر إسلاميّ. وندبة : بضم النون وفتحها وهى أمّه. أخباره فى الشعر والشعراء : ١ / ٢٥٨ ، والمعارف : ٣٢٥ ، والخزانة : ٢ / ٤٧٠. جمع شعره الدكتور نورى حمّودى القيسى ونشره فى بغداد سنة ١٩٦٨ م. ثم أعاد نشره فى (شعراء إسلاميون) وطبع سنة ١٤٠٥ ه‍ فى عالم الكتب ببيروت. والبيت من القصيدة رقم (٥) ص ٤٧٥ عن الأغانى. وروايته هنالك :

* مواضى كلها يفرى ببتر*

(٢) سورة النحل : آية ١٠١.

(٣) سورة يونس : آية ٦٤.

٤٠٩

لِكَلِماتِ اللهِ) ولم يقل : لا إبدال والعرب تقول : بدّل يبدّل تبديلا وبدالا ، فهو مبدل. وقال غيره من النّحويين : أبدلت الشىء : إذا أزلت الأول وجعلت الثانى فى مكانه كقول أبى النجم (١) :

* عزل الأمير للأمير المبدل*

وبدّلت الشىء من الشىء : إذا غيرت حاله وعينه ، والأصل / باق كقولك : بدّلت قميصى جبة ، واحتجوا بقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها)(٢) فالجلد الثانى هو الأول ، ولو كان غير الأول لم يلزمه العذاب إذا لم يباشر المعصية ، وهذا وضح جدّا.

وقرأ الباقون بتخفيف كلّ ذلك إلا قوله فى (النّور) (٣)(وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) فيحتمل أن يكونوا أتوا بالمعنيين كليهما ، وهو الاختيار عندى أنهم شدّدوا هذا الحرف خاصة إرادة تكرير الفعل ، لأنّ الله تعالى بدلهم الأمن من الخوف مرة بعد مرة ، وأمنا على أمن فالتّشديد دلالة على تكرير الفعل.

٣٠ ـ وقوله تعالى : (وَأَقْرَبَ رُحْماً) [٨١].

قرأ ابن عامر وحده رُحُما بضمتين ، وكذا عبّاس ونصر عن أبى عمرو.

وقرأ الباقون (رُحْماً) خفيفا ، وهو الأكثر فى كلامهم مثل العمر والعمر والرّعب والرّعب.

قال أبو عبد الله رضى الله عنه : وفيها لغة ثالثة : أقرب رَحْما كما

__________________

(١) ديوان أبى النجم : ٢٠٤.

(٢) سورة النساء : آية ٥٦.

(٣) الآية : ٥٥.

٤١٠

تقول : أطال الله عمرك وعمرك وعمرك (١) ومعناهن كلهن : وأقرب رحمة وعطفا وقربى وقرابة ، وقال الشّاعر شاهدا لمن خفف (٢) :

* ولم يعوّج رحم ما يعوّجا*

وقال آخر (٣) :

* يا منزل الرّحم على إدريس*

__________________

(١) الزاهر لابن الأنبارى : ١ / ٤٩٥ ، قال : «وفيها ثلاث لغات ؛ عمر بضم العين والميم ، وعمر : بضم العين وتسكين الميم. وعمر بفتح العين وتسكين الميم ، قال تعالى : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) [يونس : ١٦] ويروى عن الأعمش عُمْرا من قبله قال الشاعر :

هأنا ذا آمل الخلود وقد

أدرك عمرى ومولدى حجرا

أبا امرىء القيس هل سمعت به

هيهات هيهات طال ذا عمرا

وقال آخر [ديوان ابن قيس الرقيات : ٨٨] :

أيّها المبتغى فناء قريش

بيد الله عمرها والفناء

وقال ابن أحمر [شعره : ٦٠] فى فتح العين وتسكين الميم :

بان الشباب وأخلف العمر

وتنكّر الإخوان والدّهر

وقال [شعره : ٩٤] فى ضمّ العين :

بان الشباب وأفنى ضعفك العمر

لله درّك أىّ العيش تنتظر

وقال عزوجل : [الحجر : ٧٢] (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ...» وأنشد أيضا.

عمرك الله ساعة حدّثينا

ودعينا من ذكر ما يؤذينا»

(٢) البيت للعجاج فى ديوانه : ٢ / ٦٦ ، وروايته هنالك :

* ولم يعرج رحمة من تعرجا*

وبهذه الرواية شرحه الأصمعىّ ـ رحمة الله عليه ـ ونقل محقق الديوان حاشية فى أصل الديوان هى : وقرىء على الرّياشى :

* ولم يعوّج رحم من تعوّجا*

وبهذه الرواية ما عدا (رحم ـ رحمة) أنشده أبو عبيده فى المجاز : ١ / ٤١٣ ، وابن قتيبة فى المعانى الكبير : ٢ / ٩٥٩ ، والطبرى فى تفسيره : ١٦ / ٤ ، واللسان (رحم).

(٣) البيت لرؤية فى ملحقات ديوانه : ١٧٥ واللّسان (رحم).

٤١١

٣١ ـ وقوله تعالى : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) [٨٩](ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) [٩٢].

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشدّدا.

وقرأ الباقون مخفّفا ، وهما لغتان : أفعل يفعل أتبع يتبع ، وافتعل يفتعل أتبع يتّبع ، وفرّق قوم بينهما فقالوا : اتّبعته : سرت فى أثره ، وأتبعته : لحقته كقوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(١). وروى حسين عن أبى عمرو / وأَتْبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه (٢) وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسّبب : الطّريق هنا ، والسّبب فى غير هذا الحبل ، والسّبب : القرابة.

٣٢ ـ وقوله تعالى : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) [٨٦].

قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير وحفص عن عاصم : (حَمِئَةٍ) على وزن فعلة مهموزا ، ومعناه : تغرب فى طين سوداء ، وهى الحمأة التى تخرج من البئر ، ويقال لها : الثّأط والحرمد والحال ، ومن ذلك الحديث : «أنّ فرعون لمّا غرّقه الله أخذ جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حال البحر فحشاه فى فيه لئلّا ينطق بكلمة النّجاة إذ كان ادّعى الرّبوبيّة» (٣).

وقرأ الباقون : فى عين حامية على وزن فاعله كقوله تعالى : (تَصْلى ناراً حامِيَةً)(٤) أى : حارة حميت تحمى فهى حامية مثل شربت فهى شاربة.

وحدّثنى أحمد بن عبدان عن على عن أبى عبيد عن هشيم عن عوف عن الحسن حامية.

__________________

(١) سورة الصافات : آية : ١٠.

(٢) سورة هود : آية : ١١٦.

(٣) النهاية لابن الأثير : ١ / ٤٦٤.

(٤) سورة الغاشية : آية ٤.

٤١٢

قال أبو عبيد : وحدّثنى يزيد عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبى حاضر وابن حاضر قال : سمعت ابن عبّاس يقول (١) : كنت عند معاوية فقرأ تغرب فى عين حامية فقلت : ما نقرؤها إلّا (حَمِئَةٍ) فقال لعبد الله ابن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال : كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت : فى بيتى نزل القرآن! فأرسل معاوية إلى كعب : أين تجد الشّمس تغرب فى التّوراة؟ فقال : أمّا العربيّة فأنتم أعلم بها / وأمّا أنا فأجد الشّمس فى التّوراة تغرب فى ماء وطين.

وحدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء ، قال (٢) : حدّثنا حيّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قرأ : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ). وقال : فى ماء وطين ، والعرب تقول : حمأت البئر : أخرجت منها الحمأة ، وأحمأتها : ألقيت فيها الحمأة ، وحميت هى : صار فيها الحمأة.

وأمّا قولهم : هذا حمو فلان ففيه أربع لغات (٣) : حمؤ وحمو وحما وحم قال الشّاعر (٤) :

هى ما كنّتى وتز

عم أنّى لها حمو

__________________

(١) تفسير القرطبى : ١١ / ٤٩.

(٢) معانى القرآن : ٢ / ١٥٨ ، وبعده قال : «تغرب فى عين سوداء».

(٣) قال الجوهرى فى الصحاح : (حمو): «وفيه أربع لغات (حما) مثل قفا وحمو مثل أبو وحم مثل أب وحمء ساكنة الميم مهموزة عن الفراء».

(٤) جاء فى اللّسان (حما) قال ابن برّى : هو لفقيد ثقيف ... قال : وقبل البيت :

أيّها الجيرة اسلموا

وقفوا كي تكلّموا

خرجت مزنة من البح

ر ريّا تجمجم

هى ما كنّتى ....

 ...........................

وينظر : التهذيب : ٥ / ٢٧٢ ، والصحاح والتاج (حما).

٤١٣

وقال آخر (١) :

قلت لبوّاب لديه دارها

تئذن فإنّى حمؤها وجارها

وقال آخر (٢) :

وبجارة شوهاء ترقبنى

وحما يخرّ كمنبذ الحلس

وفيه لغة خامسة وسادسة (الحمو) مثل العفو و (الحمأ) مثل الخطأ ذكره اللّحيانىّ. وكلّ قرابة من قبل الزّوج فهم الأحماء ، وكلّ قرابة من قبل النّساء فهم الأختان ، والصّهر يجمعها ، فأمّ امرأة الرّجل ختنته ، وأبوها ختنه ، وأمّ الزّوج حماة المرأة ، وأبوه (٣) حموها ، وقال أبو الأسود شاهدا لأبى عمرو فى (عَيْنٍ حَمِئَةٍ)(٤) :

تجئك بملئها طورا وطورا

تجئك بحمأة وقليل ماء

__________________

(١) أنشده الجوهرى فى الصحاح (حما) عن الفرّاء ، وعنه فى اللسان (حما) والبيت لمنظور بن مرثد الأسدى. راجز أخباره فى الخزانة : ٢ / ٥٥٣ قال الجوهرى : «ويروى (حمها) بترك الهمزة».

(٢) أنشده ابن منظور فى اللسان (حما) عن ابن برى. وفى الأصل : «الجليسى».

(٣) فى الأصل : «وأبوها».

(٤) ديوان أبى الأسود ٦٩ يخاطب رجلا من بنى نهد من قضاعة وقبله :

وما طلب المعيشة بالتمنى

ولكن ألق دلوك فى الدّلاء

تجئك بملثها ...............

 ...........................

والشاهد فى مجاز القرآن : ١ / ٤١٣.

٤١٤

وقال آخر (١) :

وسقيت بالماء النّمير ولم

أترك ألاطم حمأة الجفر

وقال تبّع (٢) :

قد كان ذو القرنين جدّى مسلما

ملكا تدين له الملوك وتسجد

بلغ المشارق والمغارب يبتغى /

أسباب أمر من حكيم مرشد؟!

__________________

(١) البيت لحاتم بن عبد الله الطائى ، ديوانه : ٢١٦ ، ورواية عجزه :

* أترك الأطلس ...*

وقبله :

إن كنت كارهة لعيشتنا

هاتا فحلى فى بنى بدر

جاورتهم زمن الفساد فن

عم الحيّ فى العوصاء واليسر

فسقيت بالماء النّمير ................

 ...........................

جاء فى شرح الدّيوان : «النمير : العذب. والجفر : البئر التى لم تطو. قال أبو صالح سمعت أبا الأسود القضاعى ـ فى مجلس أبى عمرو ـ يقول : ماء نمير : إذا ربا فى بطون الإبل والناس». والشاهد فى مجاز القرآن : ١ / ٤١٣.

(٢) الأبيات لتبع فى تفسير القرطبى : ١١ / ٤٩.

والبيتان الثانى والثالث نسبهما فى اللّسان (حرمد) (ثأط) مرة إلى تبّع ومرة إلى أميّة بن أبي الصلت. ولأميّة فى ديوانه ٣٥٢ ـ ٣٧٦ قصيدة طويلة على وزن هذه الأبيات وقافيتها تشتمل على معان شبيهه بهذه المعانى. ولعلّ قوله :

* قد كان ذو القرنين جدّى مسلما*

يبعد أن يكون لأميّة. وروى القرطبى : (قبلى مسلما) و (فرأى مغيب الشمس) و (فى عين ذى خلب). ويلاحظ أن قافيه الأول مرفوعة مخالفة للثانى والثالث وهو ما يسمى (إقواء) من عيوب القافية يراجع قوافى الأخفش : ٤٦ قال : «أمّا الإقواء فمعيب ، وقد تكلمت به العرب كثيرا ؛ وهو رفع بيت وجرّ آخر ...». والشاهد فى حجة أبى زرعة : ٤٢٩ ، والأضداد لابن الأنبارى : ٦٦ ، الأول فقط ، وروايته :

ملك على عرش السماء مهيمن

تعنو لعزته الوجوه وتسجد

وتفسير ابن كثير : ٤ / ٤٢١.

٤١٥

فرأى مغار الشّمس عند مغيبها

فى عين ذى رتق وثأط حرمد

قال (١) : الثّأط : الماء والطّين ، والحرمد : الحمأة.

٣٣ ـ وقوله تعالى : (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) [٨٨].

قرأ حمزة والكسائىّ وحفص عن عاصم فله جَزَاْءً بالنصب منونا ، فنصبه على ضربين :

على المصدر فى موضع الحال ، أى : فلهم الجنّة مجزيّون بها جزاء.

وقال آخرون : نصب على التّمييز ، وهذا فيه ضعف (٢) ؛ لأنّ التّمييز يقبح تقديمه كقوله : تفقأ زيد شحما ، وتصبب عرقا ، وما فى السّماء موضع راحة سحابا ، وله دنّ خلّا ، ويقبح له خلّا دنّ ، فأمّا عرقا تصبّب فما أجازه من النّحويين إلّا المازنىّ (٣).

وقرأ الباقون : فله جزاءُ الحسنى بالرّفع والإضافة وشاهده قوله : ف (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا)(٤). والحسنى هاهنا : الحسنات.

__________________

(١) إعراب ثلاثين سورة : ١٦٤.

(٢) هذه المسألة من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ذكرها ابن الأنبارى فى الإنصاف : ٨٢٨ ، مسألة رقم (١٢٠) ، والعكبرى فى البيتين عن مذاهب النحويين : ٣٩٤ مسألة رقم (٦٥) واليمنى فى ائتلاف النّصرة مسألة رقم (١٥) فى فصل الاسم ، وينظر : الكتاب : ١ / ١٠٥ ، والمقتضب : ٣ / ٣٦ ، والأصول : ١ / ٢٦٩ (بغداد) والإيضاح : ٢٠٣ ، والخصائص : ٢ / ٣٨٤ ، ... قال العكبرى فى التبيين : «لا يجوز تقديم التمييز على العامل فيه متصرفا كان أو غير متصرف ... وقال الكوفيون : يجوز تقديمه عليه إذا كان متصرفا ، وإليه ذهب بعض البصريين ...».

(٣) ومنهم المبرد والجرمى ينظر : المقتضب : ٣ / ٣٦ ، والأصول : ١ / ٢٧٠ وهمع الهوامع : ١ / ٢٥٢.

(٤) سورة سبأ : آية : ٣٧.

٤١٦

٣٤ ـ وقوله تعالى : (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) [٩٣] و (بَيْنَهُمْ سَدًّا) [٩٤](وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا)(١).

فقال أبو عمرو : السدّ فى العين ، والسّدّ : الحاجز بينك وبين الشّىء. وقال حجّاج عن هرون عن أيّوب عن عكرمة قال : كلّ ما كان من صنع الله فهو السّدّ ، وما كان من صنع بنى آدم فهو سدّ. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه المحلاج ، يعنى : المفتاح (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي) أى : أعطونى (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [٩٦] ، والقطر : النّحاس فصار جبل حديد مرتفعا فما استطاعوا / أن يظهروه أى : يعلوه ، (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) [٩٧].

وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كلّه.

وقرأ حمزة والكسائىّ بين السُّدَّين وفتحا الباقى.

وقرأ الباقون برفع ذلك كلّه.

٣٥ ـ وقوله تعالى : (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) [٩٣].

قرأ حمزة والكسائىّ يُفقهون بضمّ الياء من أفقه يفقه.

وقرأ الباقون : (يَفْقَهُونَ) ومعناه : لا يفهمون ، ومن ضمّ فمعناه : لا يبيّنون لغيرهم يقال : فقه يفقه وفقه يفقه وفقه يفقه مثل فهم يفهم (٢). سمعت إبراهيم الطّاهرى يقول : المنافق إن فقه لم يفقه وإن نقه لم ينقه (٣).

__________________

(١) سورة يس : آية : ٩.

(٢) مثلثة العين ، ينظر : المثلث لابن السيّد : ٢ / ٣٤٤ ، وإكمال الأعلام : ٤٨٨.

(٣) فى الصحاح : (فقه): «وفلان لا يفقه ولا ينقه» وفى الزّاهر : ١ / ٢٠٦ «ومن ذلك قولهم : «فلان لا يفقه ولا ينقه» فمعناه : ما يعلم ولا يفهم يقال : نقهت الحديث أنقهه : إذا فهمته. ونقهت من المرض أنقه». وهذا من الإتباع والمزاوجة فى الكلام كقولهم : ثقة نقة.

٤١٧

وسمعت ابن مجاهد يقول : الاختيار الفتح ؛ لأنّك إذا ضممت الياء فقد حذفت مفعولا والتّقدير : لا يفقهون أحدا قولا.

٣٦ ـ وقوله تعالى : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ) [٩٤].

قرأ عاصم وحده (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بالهمز.

وقرأ الباقون بغير همز ، فقال النّحويون : هو الاختيار ؛ لأنّ الأسماء الأعجميّة سوى هذا الحرف غير مهموز نحو طالوت وجالوت وهاروت وماروت. وحجّة من همز أن يأخذه من أجيج النّار ، ومن الملح الأجاج فيكون يفعولا منه ، هذا فيمن جعله عربيا وترك صرفه للتّعريف ؛ لأنّها قبيلة.

والاختيار أن تقول : لو كان عربيّا لكان هذا اشتقاقه ولكنّ الأعجمى لا يشتقّ قال رؤبة (١) :

لو كان يأجوج ومأجوج معا

وعاد عاد / واستجاشوا تبّعا

فترك الصرف فى الشعر كما هو فى التّنزيل. وجمع يأجوج يآجيج مثل يعقوب ويعاقيب ، واليعقوب : ذكر الفتخ ، والأنثى : الحجلة. وولد الفتخ : السّلك ، والأنثى : السّلكة ، ومن ذلك قولهم (٢) : سليك بن السّلكة. وقال الخليل رضى الله عنه : الذّعفوفة : ولد الفتخ والقهبي أبوه. ذكره فى كتاب «العين» (٣).

__________________

(١) ديوانه ، وبينهما قوله :

* والنّاس أحلافا علينا شيعا*

(٢) يقصد ، ومن ذلك تسميتهم سليك بن سلكة ، وهو شاعر جاهلىّ أحد صعاليك العرب ولصوصها من بنى عمير بن مقاعس من بنى سعد بن تميم أخباره فى جمهرة أنساب العرب : ٢٣٥ ، والشعراء : ١ / ٢٨١ ، والأغانى : ٢ / ٣٤٦. وجمع شعره حميد آدم ثوينى وكامل سعيد عواد وطبع فى مطبعة العانى ببغداد سنة ١٤٠٤ ه‍.

(٣) العين : ٣ / ٣٧١.

٤١٨

ومن جعل يأجوج ومأجوج فاعولا جمعه يواجيج بالواو ، مثل هارون وهوارين وطاغوت وطواغيت.

٣٧ ـ وقوله تعالى : (خَرْجاً) [٩٤].

قرأ ابن عامر (خَرْجاً). وكذلك فى (قد أفلح) (١) فَخَرْج ربّك.

وقرأ حمزة والكسائى خارجا (فَخَراجُ رَبِّكَ) والأمر بينهما قريب ، لأنّ الخرج : الجعل ، والخراج : الإتاوة والضّريبة التى يأخذها السلطان من النّاس كلّ سنة.

ومن قرأ خَرْجُ ربّك فحجّته ـ أيضا ـ : ما حدّثنى أحمد عن على عن أبى عبيد قال : رأيت فى مصحف عثمان الّذى يقال : إنّه (الإمام) (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) مكتوب بغير ألف.

وقرأ الباقون : أم تَسْالْهُم خرجا بغير ألف (فَخَراجُ) بألف.

٣٨ ـ وقوله تعالى : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) [٩٥].

قرأ ابن كثير وحده ما مَكَّنَنِىْ بنونين ، لام الأولى لأم الفعل أصلية ، والثانية مع الياء فى موضع نصب فأظهرهما ابن كثير على الأصل.

وقرأ الباقون (ما مَكَّنِّي) مشدّدا فأدغموا إرادة للاختصار والإيجاز ، و (ما) بمعنى / الّذى وصلته (مَكَّنِّي) و (خَيْرٌ). خبر الابتداء ، ومعناه : الّذى مكّنى فيه ربّى خير ، وليست جحدا ، وكذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : «إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» بالرّفع. والرّافضة تقف به «ما تركنا صدقة». فأخطأوا الإعراب والدّين جميعا. وناظرنى بعض الرّافضة فى قول النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) :

__________________

(١) الآية : ٧٢.

(٢) الحديث فى مسند الإمام أحمد : ٢ / ٢٦٢.

(٣) الحديث فى مسند الإمام أحمد : ٢ / ٢٥٣ ، ٣٦٦ برواية (إلّامال أبى بكر).

٤١٩

«ما نفعنى مال قطّ (١) ما نفعنى مال أبى بكر رضى الله عنه» فقال : ما الثانية جحد مثل الأولى ، أى : لم ينفعنى مال أبى بكر؟! فقلت له : إن قلّة معرفتك بالعربيّة قد أدتك إلى الكفر ، وإنما «ما» الثّانية بمعنى «الّذى» وتلخيصه لم ينفعنى مال كما نفعنى مال أبى بكر رضى الله عنه. وهذا واضح جدّا.

٣٩ ـ وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) [٩٦].

قرأ عاصم برواية ابن [ذكوان] الصُّدْفين بإسكان الدّال وضمّ الصّاد ومعناه : بين الجبلين ، قال الشّاعر (٢) :

قد أخذت ما بين عرض الصّدفين

ناحيتيها وأعالى الرّكنيين

وقرأ أبو عمرو وابن كثير : الصُّدُفين بضمتين جعلهما لغتين مثل السّحت والسّحت والرّعب والرّعب.

وقرأ الباقون : (بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بفتح الصّاد والدّال ، واحدهما صدف. فمن قرأ بهذه القراءة فحجّته : «أنّ النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان إذا مرّ بصدف مائل أسرع المشي» (٣) وفى حديث آخر : «كان إذا مرّ بطربال مائل أسرع المشى» (٤) أى : حائط (٥).

__________________

(١) عن المسند فى كلتا الروايتين.

(٢) مجاز القرآن : ١ / ٤١٤ ، وتفسير الطبرى : ١٦ / ١٨.

(٣) الحديث فى غريب أبي عبيد ١ / ٢٠٨ (ط) مجمع اللغة بالقاهرة ١٤٠٤ ه‍ بسنده. ويروى : «بهدف مائل». وينظر : تهذيب اللغة : ٦ / ٢١٣ ، ١٢ / ١٤٦ ، والنهاية : ٣ / ١٧ ، ٥ / ٢٥١.

(٤) غريب الحديث لأبى عبيد : ٢ / ٢٥٧ بسنده. وينظر : تهذيب اللغة : ١٤ / ٥٦ ، والنّهاية : ٣ / ١١٧.

(٥) قال أبو عبيد : «(الطّربال) كان أبو عبيدة يقول : هو شبيه بالمنظر من مناظر العجم كهيئة الصومعة والبناء المرتفع». ـ

٤٢٠