الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي
المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٢٤
فإن قال قائل إنّ «رب» للتّقليل بمنزلة «كم» للتّكثير فلم أتى به فى هذا الموضع (١)؟
فقل : إنّ القرآن نزل بلسان العرب ، وهم يستعملون أحدهما فى موضع الآخر كقولك إذا أنكرت على رجل فلم يقبل : ربما نهيت فلانا فلم ينته.
فإن سأل سائل / فقال : ما موضع «ما» فى «ربما» فقل : فيه ثلاثة أجوبة :
ـ تكون «ما» نائبة عن اسم منكور فى موضع جرّ.
ـ وتكون صلة ، وذلك أن «إنّ» و «رب» لا يليهما إلا الأسماء فإذا وليتهما الأفعال وصلوها ب «ما» كقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢) ولا يجوز أنّ يخشى و (ربّما يود ...) ولا تقل : ربّ يود.
وفى «ربّ» ستّ لغات : «ربّ» و «ربّ» ، و «ربّما» و «ربّما» ، و «ربما» مخفّفا و «ربّتما» مشدّدا ومخفّفا (٣).
__________________
ـ متبطّنين على الكنيف كأنّهم |
|
يبكون حول جنازة لم ترفع |
ديوانه : ٥٦ ، والبيت فى معانى القرآن وإعرابه للزجاج : ٣ / ١٧١ ، والمنصف : ٣ / ١٢٩ ويروى :
* فسمىّ ما يدريك كم من فتية |
|
فسمىّ ويحك هل علمت بفتية* |
ولا شاهد فيه على هاتين الروايتين. وقوله : «أدكن مترع» زقّ مملوء.
(١) معانى القرآن وإعرابه : ٣ / ١٧٢. ولربّ وجوه من الاستعمال للتكثير والتقليل مفصلة فى مسألة من المسائل والأجوبة لأبى محمد بن السيّد نشرها الدكتور إبراهيم السامرائى (رسائل من اللغة).
(٢) سورة فاطر : آية : ٢٨.
(٣) قال ابن الجوزىّ رحمهالله فى زاد المسير : ٤ / ٣٧٨ «قال الفرّاء : أسد وتميم يقولون : «ربّما» بالتشديد. وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون : «ربما» بالتخفيف ، وتيم الرباب يقولون : (ربّما) بفتح الراء ...».
والجواب الثالث : أنّ «ما» مع يودّ مصدر ، والتقدير : رب وداد الّذين كفروا.
فأمّا التفسير فقال قوم (١) : إذا عاين الكافر الموت يودّ لو كان مسلما. وقال آخرون (٢) : إذا عاين أهوال يوم القيامة.
وقال آخرون (٣) : إن الله تعالى يأذن فى الشّفاعة للموحدين من أمة محمّد الذين أدخلتهم ذنوبهم النّار فيخرجون من النار فعند ذلك يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
وقال بعض العلماء (٤) : إنما الكيّس والفقير والغنى بعد العرض على الله.
٢ ـ وقوله تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) [٨].
قرأ عاصم فى رواية أبى بكر : ما تنزّل الملائكة بالتّاء والضمّ على ما لم يسم فاعله ، وإنّما أنث ، لأنّ الملائكة جمع ، وتأنيث الجماعة غير حقيقىّ ، فلك أن تؤنّث على اللّفظ وتذكّر كما قال تعالى (٥) : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) وفناداه وكان ابن مسعود يقول : إذا اختلفتم فى الياء والتّاء فاجعلوها ياء.
وقرأ حمزة والكسائىّ وحفص عن / عاصم و (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) بالنّون وبنصب الملائكةُ ، لأنّهم مفعولون ، الله تعالى المنزل والمخبر عن نفسه كما قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [٩].
__________________
(١) منهم الزجاج ـ رحمهالله ـ ؛ معانى القرآن وإعرابه : ٣ / ١٧٢.
(٢) منهم ابن الأنبارى ـ رحمهالله ـ زاد المسير : ٤ / ٣٨١.
(٣) رواه مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهم : تفسير الطبرى : ١٤ / ٣ ، وزاد المسير : ٤ / ٣٨١.
(٤) لم أجد مثل هذا فى مصادرى والعبارة مشكلة.
(٥) سورة آل عمران : آية ٣٩.
وقرأ الباقون : وما تنزّلُ الملائكة بالتاء مفتوحة ورفع الملائكةُ وتنزّلُ فى هذه القراءة وفى اللّتين قبلها فعل مضارع والملائكةُ رفع بفعلهم ، لأنّ الله لمّا أنزل الملائكة نزلت الملائكة ، وتصديق ذلك (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(١) ونزَّل به الرّوح الأمين فالمصدر من نزل ينزل نزولا فهو نازل ، ومن أنزل ينزل إنزالا فهو منزل ومن نزّل ينزّل تنزيلا فهو منزّل ، ومن تنزّل يتنزّل تنزّلا فهو متنزّل.
٣ ـ وقوله تعالى : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) [١٥].
قرأ ابن كثير وحده سُكِرَت خفيفة أى : سجرت ، كما يقال : سكرت الماء فى النهر.
وقرأ الباقون (سُكِّرَتْ) أى : سدّت وغطّيت ، تقول العرب : سكرت الرّيح ، أى : سكنت وركدت ، وصامت عن الخليل (٢).
حدّثنا ابن مجاهد عن أبى الزّعراء عن أبى عمر عن الكسائىّ قال : سكرت وسكّرت لغتان وإن اختلف تفسيرهما.
وفيها قراءة ثالثة (٣) : حدّثنا ابن مجاهد قال : حدّثنا عبيد بن شريك عن ابن أبى مريم عن رشدين عن يونس عن الزّهرى أنّه قرأ : لقالوا إنّما سَكِرَت أبصارنا بفتح السين وكسر الكاف ، أى : اختلطت وتغيرت كما تقول : سكر الرّجل : إذا تغيّر عقله / وينشد (٤) :
__________________
(١) سورة الشعراء : آية ١٩٣ القراءتان فى السبعة ذكرهما المؤلف فى موضع هذه الآية من السورة.
(٢) العين : ٧ / ١٧١.
(٣) المحتسب : ٢ / ٣ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ٨ ، والبحر المحيط : ٥ / ٤٤٨.
(٤) هذه الأبيات أوردها أبو عبيدة فى المجاز : ١ / ٣٤٨ هكذا : ـ
جاء الشتا واجثألّ القبّر |
|
وجعلت عين الحرور تسكر |
وطلعت شمس عليها مغفر |
أى : غيم. ومعنى هذه الآية أنهم رأو الآيات المعجزات والعلامات النّيّرات كانشقاق القمر والدّخان وغير ذلك وأنكروا ذلك وجحدوا فقال الله عليما بهم وأنهم لا يؤمنون : لو أنزلنا عليهم سوى هذه الآيات آيات لقالوا : إنما سكّرت أبصارنا.
٤ ـ وقوله تعالى : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [٥٤].
قرأ ابن كثير فبم تبشّرونِّ مشدّدة النّون مكسورة ، أراد : فبم تبشّروننى ، النّون الأولى علامة الرّفع. والثانية مع الياء فى موضع النّصب فأدغم النّون فى النّون تخفيفا ، وحذف الياء اجتزاء بالكسرة لرءوس [الآي](١) مثل : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٢).
وقرأ نافع تبشّرونِ بكسر النّون أيضا مثل ابن كثير غير أنّه حذف
__________________
ـ جاء الشتا واجثألّ القنبر |
|
واستخفت الأفعى وكانت تظهر |
وطلعت شمس عليها مغفر |
|
وجعلت عين الحرور تسكر |
والقبر والقنبر : طائر كالعصفور ، ويقال : قبّراء. وهذه الأبيات لجندل بن المثنى الطهوى. شاعر وراجز من بنى تميم عاش فى العصر الأموى. أخباره فى سمط اللآلى : ٦٤٤. والشاهد فى : تفسير الطبرى : ١٣ / ٩ ، ومعانى الزجاج : ٣ / ١٧٥ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ١٢٩ ، واللسان : (قبر) (سكر) (جثل).
(١) فى الاصل : «الايه».
(٢) سورة البقرة : آية ٤٠.
إحدى النّونين تخفيفا كما قال الشّاعر (١) :
تراه كالثّغام يعلّ مسكا |
|
يسوء الفاليات إذا فلينى |
أراد : فليننى فحذف إحدى النّونين (٢) ، هذا مذهب البصريين.
وقال أهل الكوفة : أدغم ثم حذف ، وحجّتهم : (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(٣) و (أَتَعِدانِنِي)(٤) فقالوا : لما أظهرت النونات لم تحذف ، وإنما الحذف فى المشددات نحو (تَأْمُرُونِّي)(٥) و (أَتُحاجُّونِّي)(٦) فاعرف ذلك فإنه حسن.
وقرأ الباقون : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) مفتوحة النّون خفيفة ؛ لأنّهم لم يريدوا الإضافة إلى النّفس. وكانت البشارة أنهم بشروه بولد ، وكانت امرأته / قد أتت عليها سبعون سنة ، وقد أتى عليه أكثر من ذلك ، قد قنطا ، أى : يئسا من الولد
__________________
(١) البيت لعمرو بن معديكرب الزّبيدى فى ديوانه : ١٧٣.
وأنشده المؤلف فى شرح المقصورة : ٥٢٥ ، برواية (الغانيات) وهو من شواهد كتاب سيبويه : ٢ / ١٥٤ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ٢ / ٢٠٤ ، والنكت عليه للأعلم : ٩٦٤ ، ومعانى القرآن للفراء : ٢ / ٩٠ ، ومجاز القرآن : ١ / ٣٥٢ ، ٢ / ٩٠ ، والمنصف : ٢ / ٣٣٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٣ / ٩١ ، والخزانة : ٢ / ٤٤٥.
(٢) قال أبو حيّان فى ارتشاف الضّرب : ١ / ٤٧٢ «وأمّا قوله : «فلينى» فذكر ابن مالك أن مذهب سيبويه هو : [أن المحذوفة] نون الإناث والباقية هى نون الوقاية ، واختاره ابن مالك. وذهب المبرد إلى أن المحذوفة هى نون الوقاية ، وفى «البسيط» لا خلاف أنّ المحذوفة هى نون الوقاية و «فلينى» جاء فى الشعر ولا يقاس عليه ـ انتهى ـ».
(٣) سورة الأعراف : آية ١٥٠.
(٤) سورة الأحقاف : آية ١٧.
(٥) سورة الزمر : آية ٦٤.
(٦) سورة الأنعام : آية ٨٠.
فذلك قوله : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) [٥٥] ، ويقرأ (١) من القَنِطِين ومعناهما : من الآيسين.
حدّثنا ابن مجاهد ، قال : حدّثنا أحمد بن عبيد الله عن أبى خلّاد ، عن حسين عن أبى عمرو فلا تكن من القَنِطِين ، بغير ألف.
٥ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ) [٥٦].
قرأ أبو عمرو والكسائيّ يقنِط ـ بالكسر ـ وهو الاختيار ؛ لأنّ الماضى منه على قنط بفتح النّون ، فإذا كان الماضى مفتوحا لم يجز فى المضارع إلا الكسر والضمّ قنط يقنط ويقنط ، وقرأ بذلك أبو حيوة (٢) مثل عكف يعكف ويعكف ، وقد أجمعوا جميعا (٣) على فتح النّون من قوله : (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا)(٤) ولا يجوز فتح الماضى والمستقبل إلّا إذا كان فيه حرف من حروف الحلق نحو ذهب يذهب وسخر يسخر.
وقرأ الباقون : (وَمَنْ يَقْنَطُ) بفتح النّون ، فإن جعلوا ماضيه قنط بالكسر وإلا فهو شاذّ ، والاختيار ما قدمت ذكره.
وحكى أبو عمرو الشّيبانىّ قنط عنّا الماء قنطا (٥).
__________________
(١) القراءة فى تفسير الطبرى : ١٤ / ٢٨ ، والمحتسب : ٢ / ٤ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ٣٦ ، والبحر المحيط : ٥ / ٤٥٩.
(٢) المحتسب : ٢ / ٥ ، والبحر المحيط : ٥ / ٤٥٩ وهى قراءة زيد بن على والأشهب.
(٣) يعنى السّبعة ، وإلّا فقد قرأها أبو رجاء العطاردى والأعمش والدورى عن أبى عمرو : من بعد ما قنِطوا بكسر النون. وقرأ الخليل : من بعد ما قنُطوا بضمّ النون. العباب : ١٧٤. وهذه الآية مستدركة على الإمام أبى جعفر أحمد بن يوسف الرّعينى فى كتابه : (تحفة الأقران فى ما قرىء بالتثليث من حروف القرآن) لأنّه ورد فى نونها الحركات الثلاث.
(٤) سورة الشورى : آية ٢٨.
(٥) قال الصّغانى فى العباب ١٧٤ : «وقال ابن عبّاد : وبنو فلان يقنطون ماءهم عنا قنطا ، أى : يمنعونه». يراجع المحيط للصاحب بن عبّاد والتاج (قنط).
٦ ـ وقوله تعالى : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) [٥٩].
قرأ حمزة والكسائىّ مُنْجُوهم خفيفا من أنجى ينجى والأصل : منجووهم بواوين ، الأولى لام الفعل نجا ينجو والثّانية : واو الجمع فانقلبت الأولى ياء لانكسار ما قبلها وهو الجيم فصارت لمنجيوهم ، فاستثقلوا الضّمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الواو والياء ، فحذفوا الياء / لالتقاء الساكنين وضمّوا الجيم لمجاورة واو الجمع ، والنّون ساقطة للإضافة والأصل : لمنجونهم وإنا منجونك فسقطت النون للإضافة فصارت منجوك ومنجوهم. فتأمل هذه المسألة فإنّها أصل لما يرد عليك من نظيرها.
وقرأ الباقون (لَمُنَجُّوهُمْ) مشدّدا من نجّى ينجّى ، قال قوم : نجّى وأنجى وكرم وأكرم لغتان. وقال آخرون : نجّى للتّكرير والتّكثير ، وقد تأمّلت نجا فى العربية فوجدته ينقسم خمسة أقسام : نجا ينجو من عذاب ، ونجا ينجو بمعنى أنجى ينجى : إذا طاف وتغوّط ، قال الشّاعر (١) ـ بمعنى طاف ـ :
عشّيت جابان حتّى استدّ (٢) مغرضه |
|
وكاد ينقدّ لولا أنّه طافا (٣) |
ونجا ينجو : إذا استكنه السّكران ، قال الشاعر (٤) :
نجوت مقاتلا فوجدت فيه |
|
كريح الكلب مات حديث عهد |
__________________
(١) اللّسان : (طوف) وجابان : اسم جمل.
(٢) فى الأصل : «المسند».
(٣) فى الأصل : أطافا.
(٤) أنشده فى اللّسان (نجا) وأنشد بعده :
فقلت له متى استحدثت هذا |
|
فقال أصابنى فى جوف مهدى |
ونجا ينجو : إذا استخرج الوتر [من الشجر](١) وأنشد (٢).
فتبازت فتبازخت لها |
|
جلسته الجازر يستنجى الوتر |
أى : يستخرج.
ونجا الجلد عن الشاة ، وأنشد (٣) :
فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنّه |
|
سيرضيكما منها سنام وغاربه |
٧ ـ وقوله تعالى : إلّا امرأتك قدّرنا [٦٠].
قرأ عاصم فى رواية أبى بكر مخففا فى كلّ القرآن.
وقرأ الباقون مشدّدا. فقدرت يكون من التقدير ، ومن التّفسير قوله تعالى (٤) : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يكثر. و (يَقْدِرُ) أى : يقتّرب ومنه : قَدَر عليه رزقه (٥).
ومن شدّد كان الفعل على لفظ مصدره / قدّر يقدّر تقديرا فهو مقدّرّ.
__________________
(١) فى الأصل : «من بطن الشاه».
(٢) هو عبد الرحمن بن حسان ، شعره : ٢٧. فى الأصل : «تبازحت» بالحاء المهملة ووضع الناسخ تحتها علامة الإهمال وفى اللّسان : (بزخ) «وتبازخ الرّجل : مشى مشية الأبزخ أو جلس جلسته» وأنشد البيت. والأبزخ : الذى فى ظهره إحديداب. وهى بالخاء المعجمة.
(٣) ينسب إلى أبى الغمر الكلابىّ أو عبد الرحمن بن حسّان ، قال ابن ولاد فى المقصور والممدود له : ٣٩ وأنشد أبو الجراح لعبد الرحمن بن حسان يخاطب ضيفين طرقاه. وينظر إصلاح المنطق : ٩٤ ، وتهذيبه : ٢٤٣ ، وترتيبه (المشوف المعلم) : ٧٥٦ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ٩٠ ، وهو فى شرح الشواهد للعينى : ٣ / ٣٧٣ ، والخزانة : ٢ / ٢٢٧ واللسان والصحاح والتاج والمجمل (نجا) ولم يرد فى شعر عبد الرحمن بن حسان.
(٤) سورة الرعد : آية ٢٦.
(٥) سورة الفجر : آية ١٦.
أخبرنى ابن عرفة عن ثعلب : قدرت الثّوب خفيفا من التّقدير ، فأمّا قوله تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(١) فإن الكسائى وحده خفّف ، ومعناه : قدّر فهدى أى : هدى الذّكر كيف يأتى الأنثى من كلّ حيوان. وقال الفرّاء (٢) : فيما حدّثنى عنه ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفراء والذى قدّر فهدى وأضلّ ، فحذف وأضلّ لدلالة المعنى عليه ، ولتوافق (٣) رؤس الآى كما قال (٤) : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أراد : الحرّ والبرد فاكتفى ، وقال الشاعر (٥) :
وما أدرى إذا يمّمت وجها |
|
أريد الخير أيّهما يلينى |
أراد : الخير والشرّ ، لأنّه قال فى البيت الثانى :
أألخير الّذى أنا أتّبعه (٦) |
|
أم الشّرّ الّذى لا يأتلينى |
__________________
(١) سورة الأعلى آية ٣.
(٢) معانى القرآن : ٣ / ٢٥٦. وسيذكره المؤلف فى موضعه من سورة الأعلى كما ذكره فى إعراب ثلاثين سورة : ٥٥.
(٣) فى الأصل : «ولتوفاق».
(٤) سورة النحل : آية ٨١.
(٥) أنشدهما المؤلف فى كتاب ليس : ٣٤٣ ، وهما للمثقب العبديّ فى ديوانه : ٢١٢ ، ٢١٣ ورواية المؤلف فى ليس.
* أم الشرّ الّذى هو يبتغينى*
وهو من قصيدة فى المفضليات وغيرهما أولها :
أقاطم قبل بينّ ك متّعينى |
|
ومنعك ما سألتك أن تبينى |
وقد خرجها محقق الديوان تخريجا حسنا. رحمهالله وأثابه.
(٦) يروى : «أبتغيه» ورسمها الناسخ : «اتبغيه».
وقرأ ابن كثير وحده (١) : نحن قَدَرْنا بينكم الموت مخفّفا ، وشدّدها الباقون.
وقرأ نافع والكسائىّ (٢) : فقدَّرنا فنعم القادرون مشدّدّا ، وخففها الباقون.
فقال أبو عمرو : لو كان قدّرنا لكان فنعم المقدّرون ، وحجة الباقين أن الفعل المشدّد بعد التّخفيف يجوز أن يأتى اسم الفاعل والمصدر على التّخفيف كقوله : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً)(٣) ولم يقل تعذيبا.
٨ وقوله تعالى : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) [٧٨].
فى القرآن أربعة مواضع فاختلفوا فى (ص) (٤) و (الشعراء) (٥) واتّفقوا على الذى فى (الحجر) والذى فى (ق) (٦).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر فى (الشعراء) : وأصحاب ليكة بغير ألف ولام ، مثل غيضة وبيضة ولم يصرفوها /.
......... (٧)
* * *
__________________
(١) سورة الواقعة : آية ٦٠.
(٢) سورة المرسلات : آية ٢٣.
(٣) سورة المائدة : آية : ١١٥.
(٤) الآية : ١٣.
(٥) الآية : ١٧٦.
(٦) الآية : ١٥.
(٧) سقط من الأصل ، ذهب بشرح آخر هذه السورة وأول سورة النّحل أقدر أنه فى خمس ورقات.
[ومن السور التى يذكر فيها
(النحل)]
............................................................................
............................................................................
والياء خفيفا وكأنّه اسم عجمى (جودى) مثل حبلى وقال : والعرب تقلب مثل هذه الياء فى الأسماء الأعجمية ألفا إذا عرّبوه (شتى) و (ماهى) و (شاهى) فيقولون (ستا) و (شاها) و (ماها). ويجوز أن يكون أمرا ، أى : جودى بالمطر ، ثم دخلت الألف واللّام فبقيت اللّفظة ، وقد حكى ذلك فى ألفاظ عن العرب دخول الألف واللام على الأفعال (اليتقصّع) (١) و (اليتتبّع) (٢) و (اليجدّع) (٣).
١ ـ وقوله تعالى : (شُرَكائِيَ الَّذِينَ) [٢٧].
قرأ ابن كثير (٤) برواية البزّىّ (٥) فى رواية شبل بن عبّاد شُرَكاىْ غير ممدود مثل هداى وبشراى.
وقرأ الباقون (شُرَكائِيَ الَّذِينَ) لأنّ شركاء مدتها مثل فقهاء وسفهاء ، ثم أضفتها إلى ياء النّفس ، وهى مفتوحة.
__________________
(١) يشير إلى البيت :
ويستخرج اليربوع من نافقائه |
|
ومن جحره بالشّيحة اليتقصّع |
(٢) يشير إلى البيت :
أحين اصطباني أن سكتّ وإنّنى |
|
لفى شغل عن رحلي اليتتبّع |
(٣) يشير إلى البيت :
يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا |
|
إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع |
(٤) (٤ ـ ٤) العبارة ملحقة بخط الناسخ فى نهاية السّطر.
(٥) (٤ ـ ٤) العبارة ملحقة بخط الناسخ فى نهاية السّطر.
فأمّا قراءة ابن كثير فقال ابن مجاهد : لا وجه لها.
وقال ابن الرّومى : سألت أبا عمرو عنها فقال : لحن.
قال أبو عبد الله : وله وجه ، وذلك أنّ العرب تستثقل الهمزة فى الاسم المنفرد فلمّا اجتمع فى شركاءىْ أربعة أشياء كلها مستثقلة : الجمع ، والهمزة والكسرة ، والياء ، خزل الهمز تخفيفا ، وكلّ مدّة فهى زائدة ، ألا ترى أنّ كلّ شاعر إذا احتاج إلى قصر الممدود حذف المدّة غير متهيّب كقول الشّاعر (١) :
* لابدّ من صنعا وإن طال السّفر*
وصنعاء ممدود ، وقال آخر (٢) :
فلو أنّ الأطبّا كان حولى |
|
وكان مع الأطبّاء الأساة |
أراد : فلو أنّ الأطباء ، فهذا واضح بين ، ويزيده وضوحا أنّ الممدود يجوز أن تقف عليه مقصورا بحذف المدّة.
__________________
(١) قبله :
* قد كحلت عينى بملمول السّهر*
وبعده :
* وإن تحنّى كلّ عود ودبر*
المقصور والممدود للفراء : ٤٥ ، والمقصود والممدود لابن ولاد : ٦٥ ، ١٥١ ، وضرائر الشعر : ١١٦ ، وشرح الشواهد للعينى : ٤ / ٥١١.
(٢) أنشده المؤلف فى شرح الفصيح ، ورقة : ٢٤ ، قال : «والأساة : الأطباء ، والواحد آس مثل قاض وقضاة أنشدنى ابن مجاهد :
* فلو أن الأطبا ...*
كما أنشده فى الألفات : ٨٧. والبيت فى معانى القرآن : ١ / ٩٠ ، ومجالس ثعلب : ١٠٩ ، وأسرار العربية : ١١٧ ، وضرائر الشعر : ١١٩ ، ١٢٧ ، والخزانة : ٢ / ٣٨٥. ويروى : (الشفاء). وكذا كتب فى الأصل ، ثم صحح.
٢ ـ وقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) [٣٢].
قرأ حمزة وحده بالياء.
وقرأ الباقون بالتّاء ، والأمر بينهما قريب كقوله فناداه الملائكة (١) وفنادبه الملائكة وقد أشبعنا الغلّة فيما سلف.
ومن قرأ بالتّاء قال : سمعت الله عزوجل يقول : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ)(٢) ولم يقل : قال.
وحمزة والكسائىّ يميلان تتوفّيهم من أجل الياء التى تراها فى اللّفظ ألفا ، وفخّمها الباقون قالوا : لأنّ هذه الألف مبدلة من الياء ، والأصل : تتوفيهم فاستثقلوا الضّمة على الياء فحذفوها فصارت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها.
٣ ـ وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) [٣٤].
قرأ حمزة والكسائىّ بالياء.
وقرأ الباقون بالتّاء ، والعلّة فى الياء والتاء كالعلّة فى الذى قبله.
٤ ـ وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) [٣٧].
قرأ أهل الكوفة : (لا يَهْدِي) بفتح الياء.
وقرأ الباقون : يُهدى بضمّ الياء وفتح الدّال ، ولم يختلفوا أعنى السّبعة ولا أحد فى الياء من (يُضِلُّ) أنها مضمومة مكسورة الضّاد. فمن قرأ بالضمّ فى يُهدى فالتقدير : من أضلّه الله لا يهديه أحد. واحتجّوا بقراءة أبىّ (٣) :
__________________
(١) سورة آل عمران : آية : ٣٩.
(٢) سورة آل عمران : الآيتان ٤٢ ، ٤٥.
(٣) معانى القرآن للفراء : ٢ / ٩٩ ، والكشف : ٢ / ٣٧ (وأضلّ الله) فيهما.
لا هادى لمن أضلّه الله فاسم الله تعالى اسم «إنّ» و «يضلّ» الخبر. ومن فتح فالتّقدير : من يهده لا يضلّه.
٥ ـ وقوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) [٤٠].
قرأ الكسائىّ وابن عامر بالنّصب نسقا على قوله : أن نقول له كن فيكونَ وكذلك فى (يس) (١).
وقرأ الباقون بالرّفع فى كلّ القرآن على معنى : إذا أردناه أن نقول له كن فهو يكون.
٦ ـ وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [٤٨](أَوَلَمْ يَرَوْاكَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) فى (العنكبوت) (٢).
قرأ حمزة والكسائى بالتّاء جميعا على الخطاب.
وقرأها الباقون بالياء إخبارا عن غيب وتوبيخا لهم ؛ لأنّ الألف فى (أَلَمْ) ألف توبيخ ، والتقدير : وبخهم كيف يكفرون بالله وينكرون البعث ويعرضون عن آياته. (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ) [٧٩] ألم يروا كيف يبدىء الله إلّا عاصما فإنه قرأ فى (النّحل) بالياء وفى (العنكبوت) بالياء والتاء اختلف عنه.
٧ ـ وقوله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) [٤٨].
قرأ أبو عمرو بالتّاء.
وقرأ الباقون بالياء. فمن أنث فلتأنيث الظّلال ؛ لأنه جمع ظلّ ، وكلّ جمع خالف الآدميين فهو مؤنّث تقول : هذه الأمطار وهذه المساجد.
__________________
(١) الآية : ٨٢.
(٢) الآية : ١٩.
ومن ذكّر فالظّلال ـ وإن كان جمعا ـ فإن لفظه لفظ الواحد مثل جدار ، لأنّ جمع التّكسير يوافق الواحد.
فإن سأل سائل فقال : إنّ أبا عمرو لا حجّة عليه إذ أنث تتفيّؤا ظلاله فلم لم يؤنّث كما أنث (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(١).
فالجواب فى ذلك : أنّ علامة التأنيث فى «الظّلمات» حاضرة فقرأها بالياء ، وفى الظّلال العلامة معدومة ففرق بينهما لذلك.
٨ ـ وقوله تعالى : (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [٤٣].
روى حفص عن عاصم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) بالنّون وكسر الحاء ، الله تعالى يخبر عن نفسه.
وقرأ الباقون : يوحى على ما لم يسم فاعله.
وحمزة والكسائى يميلان ، لأنّ الألف منقلبة من ياء ، الأصل : (يوحي) فانقلبت الياء ألفا.
والباقون يفخّمون على اللّفظ ؛ لأنّ الإمالة / إنما وجبت من أجل الياء ، فإذا زالت صورتها زالت الإمالة.
والعرب تقول : وحيت إليه وأوحيت ، ووحيت له (٢) وأوحيت له قال الله تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها)(٣).
__________________
(١) سورة الرعد : آية ١٦.
(٢) هذه من فوائد ابن خالويه. لم يذكرها أبو حاتم السجستانى ولا الزجاج ولا الجواليقى فى كتبهم المؤلفة فى (ما جاء على فعلت وأفعلت). وينظر : الصحاح واللسان : (وحى).
(٣) سورة الزلزلة : آية ٥.
٩ ـ وقوله [تعالى] : (أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) [٦٢].
بفتح الراء ، جعلهم مفعولين ؛ لأنّه فى التفسير (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أى : منسيّون. وقال أبو عمرو : مقدمون إلى النّار.
وقرأ نافع وحده مُفرِطون بكسر الراء كأنّه جعل الفعل لهم ، أى : أفرطوا فى الكفر وفى العدوان يفرطون إفراطا فهم مفرطون.
وقرأ الباقون : (مُفْرَطُونَ) أى : منسيون ممهلون متركون.
وقراءة ثالثة : حدّثنى أحمد بن عبدان عن على عن أبى عبيد أنّ أبا جعفر قرأ : وأنّهم مفرِّطون ومعنى هذه القراءة أى : مقصرون فيما يجب عليهم من العبادة ، يقال : فلان فرّط فى الأمر : قصّر ، وأفرط : جاوز الحدّ. ومضارع فرّط يفرّط تفريطا قال الله تعالى (١) : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وتقول العرب : فرط فلان القوم إذا تقدّمهم فهو فارط ، والجمع فرّاط ، قال الشّاعر (٢) :
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا |
|
كما تعجّل فرّاط لورّاد |
ومن ذلك حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا فرطكم على الحوض» (٣)
__________________
(١) سورة الزّمر : آية ٥٦.
(٢) البيت للقطامى فى ديوانه : ٩٠ من قصيدة يمدح بها زفر بن الحارث وروايته : «واستعجلونا ... لروّاد». أورده المؤلف فى إعراب ثلاثين سورة : ٥٣ قال : والذى يتقدم الواردين إلى الماء يقال له : الفارط وجمعه فراط قال الشاعر : ... وأورد البيت. وينظر غريب أبى عبيد : ١ / ٤٥ ، وإصلاح المنطق : ٦٨ ، واللّسان (فرط).
(٣) مسند الإمام أحمد : ٤ / ٣١٣ ، حديث جندب البجلىّ ، وهو فى غريب الحديث : ١ / ٤٤ بسند أبى عبيد فى هامش الصفحة وتخريجه هناك.
أى : أتقدمكم ، وروى النّابغة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا والنّبيّون فرّاط لقا صفين» (١) أى : للمذنبين. وهذا حديث غريب ما رواه غيره.
١٠ ـ وقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ) [٦٦].
قرأ نافع وعاصم فى رواية أبى بكر وابن عامر نَسقيكم بفتح النّون وكذلك / فى (قد أفلح) (٢). وقرأ الباقون بالضمّ.
فاختلف الناس فى ذلك ، فقال قوم : سقى وأسقى لغتان (٣) وأنشدوا (٤) :
سقى قومى بنى مجد وأسقى |
|
نميرا والقبائل من هلال |
وقال آخرون : سقيته ماء لشفته. كقوله (٥) : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).
__________________
(١) أخرجه الحافظ أبو عمر بن عبد البر فى الاستيعاب : ١٥١٩ «فرّاط القادمين» وابن الأثير فى النهاية : ٣ / ٤٣٤ ومجمع الزوائد : ١٠ / ٢٥. وينظر : الشعر والشعراء : ٢٩٠ ، والأغانى : ٥ / ٢٩. (فى أخبار النّابغة الجعدىّ). ويروى : «فراط القاصفين» و «فراط لقاصفين».
(٢) الآية : ٢١.
(٣) فعلت وأفعلت لأبى حاتم : ١٦٦ ، وفعلت وأفعلت للزجاج : ٥٠ ، وما جاء على فعلت وأفعلت لأبى منصور الجواليقى : ٤٦.
(٤) البيت للبيد بن ربيعة العامرى فى شرح ديوانه : ٩٣. ذكره المؤلف فى شرح المقصورة : ٣٠٧ ، أورد القراءة وأنشد البيت ، وذكره فى الألفات : ٨٣. كما ورد فى كتب فعلت وأفعلت. وينظر : معانى القرآن : ٢ / ١٠٨ ، ومجاز القرآن : ١ / ٣٥٠ ، ونوادر أبى زيد : ٥٤٠ والخصائص : ١ / ٣٧٠ ، والحجة لأبي زرعة : ٣٩٢ ، ورصف المبانى : ٥٠.
(٥) سورة الإنسان (الدّهر) آية ٢١.
وأسقيته : سألت الله أن يسقيه ، وأنشدوا لذى الرمة (١) :
وقفت على ربع لميّة ناقتى |
|
فما زلت أبكى عنده وأخاطبه |
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه |
|
تكلّمنى أحجاره وملاعبه |
وفيه قول ثالث : أنّ ما كان من الأنهار وبطون الأنعام فبالضمّ.
وفيه قول رابع : ذكر أبو عبيد قال : ما سقى مرة واحدة. قلت : سقيته شربة ، وما كان دائما قلت : أسقيته كقولك : أسقيته غير ماء.
١١ ـ وقوله تعالى : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [٧١].
قرأ عاصم فى رواية أبى بكر بالتاء ، أى : قل لهم يا محمد : أفمن أجل ما أنعم الله عليكم أشرتم وبطرتم وجحدتّم.
وقرأ الباقون بالياء ، الله تعالى يوبخهم على جحودهم. وروى أبو عبيد هذا الحرف عن عاصم الجحدرىّ ، لا عن عاصم بن أبى النجود ، ولعله غلط.
١٢ ـ وقوله تعالى : (يَعْرِشُونَ) [٦٨].
قرأ عاصم فى رواية أبى بكر وابن عامر بضمّ الرّاء.
وقرأ الباقون بالكسر. وقد ذكرت علّته فى (الأعراف).
__________________
(١) ديوانه : ٨٢٢ ، وهما أول القصيدة ، وقد خرّجها محققه تخريجا حسنا وبعدهما :
بأجرع مقفار بعيد من القرى |
|
فلاة وحفّت بالفلاة جوانبه |
به عرصات الحيّ قوّين متنه |
|
وجرّد أثباج الجراثيم حاطبه |
تمشّى به الثّيران كلّ عشيّة |
|
كما اعتاد بيت المرزبان مرازبه |
كأن سحيق المسك ريّا ترابه |
|
إذا هضبته بالطّلال هواضبه |
والشاهد أنشده المؤلف فى الألفات : ٨٣ ، ٨٤ ، وهو فى نوادر أبى زيد : ٥٤٠ وأدب الكاتب : ٤٦٢ ، وشرحه للجواليقى : ٣٢٠ ، وشرحه لابن السيد : ٣ / ٢٨٩.
١٣ ـ وقوله تعالى : (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) [٨٠].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر بإسكان العين على أصل الكلمة ظعن زيد ظعنا وظعنا ، وطعن بالرّمح طعنا وطعنا وطعن فى نسبه طعانا ، وضرب ضربا والفعل أصل لكلّ مصدر (١).
وقرأ الباقون : يوم ظَعَنكم بالفتح ، وإنّما حركوه / لأنّ العين من حروف الحلق مثل نهر ونهر وشمع وشمع؟ وقد ذكرت لم صار ذلك كذلك فى (الأنعام) (٢) عند قوله : (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ).
١٤ ـ وقوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) [٩٦].
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر برواية ابن ذكوان بالنّون. وحجّتهم (٣). إجماعهم على : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ) بالنّون [٩٧].
وقرأ الباقون بالياء ؛ لذكر اسم الله قبله : وما عند الله باق وليجزينّ فإذا عطفت الآية على شكلها كانت أحسن من أن تقطع ممّا قبلها. وكلّ صواب بحمد الله.
١٥ ـ وقوله تعالى : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) [١٠٣].
قرأ حمزة والكسائى بفتح الحاء والياء.
والباقون (يُلْحِدُونَ) بالضّمّ ، وهو الاختيار ، لأنّ الله تعالى قال : (وَمَنْ
__________________
(١) هو مذهب الكوفيين ، يراجع الأنصاف : ٢٣٥ والتبيين : ١٤٣.
(٢) الآية : ١٤٣. ولم يذكر هنا شيئا مفصلا.
(٣) فى الأصل : «وحجّتهما» وذلك أن ابن عامر ذكر فى هامش الورقة مصححا بعد كتابة النسخة ، ولم يغير العبارة بعدما ألحقه.
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ)(١) والإلحاد : مصدر ألحد يلحد ، وإن كانت الأخرى جيّدة ، قال الشّاعر : حجّة لألحد يلحد (٢) :
يا ويح أنصار النبىّ ورهطه |
|
بعد المغيّب فى سواء الملحد |
ولو كان من لحد لقال : ملحود.
وقال آخرون : لحدت فى القبر ، وألحدت فى الدّين. فأمّا قول علىّ بن الحسين ـ وقد خطب النّاس ـ : يا قصّة على ملحود ، أراد : يا جصّا على قبر ، وقد روى هذا الكلام عن زينب رضى الله عنها.
١٦ ـ وقوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) [١٠٢].
ابن كثير يسكن الدّال.
والباقون يضمّون ، وقد مرّت علّته فى (البقرة).
١٧ ـ وقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) [١١٠].
قرأ ابن عامر وحده فَتَنوا جعل الفعل لهم.
وقرأ الباقون على ما لم يسم فاعله. والأصل فى ذلك (٣) : أنّ عمّار
__________________
(١) سورة الحج : آية : ٢٥.
(٢) البيت لحسان رضى الله عنه ، وقد تقدم ذكره ٢١٦.
(٣) أسباب النزول للواحديّ : ٢٨٨ ، عن مجاهد : وينظر تفسير مجاهد : ١ / ٣٥٣ وروى الواحدىّ ـ رحمهالله ـ عن ابن عبّاس قال : «نزلت فى عمار بن ياسر ؛ وذلك أنّ المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمّه سمية وصهيبا وبلالا وخبّابا وسالما فعذّبوهم ...» ويراجع تفسير الطبرى : ١٤ / ١٢٢ ، والمحرر الوجيز : ٨ / ٥١٥ ، وزاد المسير : ٤ / ٤٩٥ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ١٨٠ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٧ ، والدر المنثور : ٤ / ١٣٢.