إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٤٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

فإن قال قائل إنّ «رب» للتّقليل بمنزلة «كم» للتّكثير فلم أتى به فى هذا الموضع (١)؟

فقل : إنّ القرآن نزل بلسان العرب ، وهم يستعملون أحدهما فى موضع الآخر كقولك إذا أنكرت على رجل فلم يقبل : ربما نهيت فلانا فلم ينته.

فإن سأل سائل / فقال : ما موضع «ما» فى «ربما» فقل : فيه ثلاثة أجوبة :

ـ تكون «ما» نائبة عن اسم منكور فى موضع جرّ.

ـ وتكون صلة ، وذلك أن «إنّ» و «رب» لا يليهما إلا الأسماء فإذا وليتهما الأفعال وصلوها ب «ما» كقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢) ولا يجوز أنّ يخشى و (ربّما يود ...) ولا تقل : ربّ يود.

وفى «ربّ» ستّ لغات : «ربّ» و «ربّ» ، و «ربّما» و «ربّما» ، و «ربما» مخفّفا و «ربّتما» مشدّدا ومخفّفا (٣).

__________________

 ـ متبطّنين على الكنيف كأنّهم

يبكون حول جنازة لم ترفع

ديوانه : ٥٦ ، والبيت فى معانى القرآن وإعرابه للزجاج : ٣ / ١٧١ ، والمنصف : ٣ / ١٢٩ ويروى :

* فسمىّ ما يدريك كم من فتية

فسمىّ ويحك هل علمت بفتية*

ولا شاهد فيه على هاتين الروايتين. وقوله : «أدكن مترع» زقّ مملوء.

(١) معانى القرآن وإعرابه : ٣ / ١٧٢. ولربّ وجوه من الاستعمال للتكثير والتقليل مفصلة فى مسألة من المسائل والأجوبة لأبى محمد بن السيّد نشرها الدكتور إبراهيم السامرائى (رسائل من اللغة).

(٢) سورة فاطر : آية : ٢٨.

(٣) قال ابن الجوزىّ رحمه‌الله فى زاد المسير : ٤ / ٣٧٨ «قال الفرّاء : أسد وتميم يقولون : «ربّما» بالتشديد. وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون : «ربما» بالتخفيف ، وتيم الرباب يقولون : (ربّما) بفتح الراء ...».

٣٤١

والجواب الثالث : أنّ «ما» مع يودّ مصدر ، والتقدير : رب وداد الّذين كفروا.

فأمّا التفسير فقال قوم (١) : إذا عاين الكافر الموت يودّ لو كان مسلما. وقال آخرون (٢) : إذا عاين أهوال يوم القيامة.

وقال آخرون (٣) : إن الله تعالى يأذن فى الشّفاعة للموحدين من أمة محمّد الذين أدخلتهم ذنوبهم النّار فيخرجون من النار فعند ذلك يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وقال بعض العلماء (٤) : إنما الكيّس والفقير والغنى بعد العرض على الله.

٢ ـ وقوله تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) [٨].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر : ما تنزّل الملائكة بالتّاء والضمّ على ما لم يسم فاعله ، وإنّما أنث ، لأنّ الملائكة جمع ، وتأنيث الجماعة غير حقيقىّ ، فلك أن تؤنّث على اللّفظ وتذكّر كما قال تعالى (٥) : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) وفناداه وكان ابن مسعود يقول : إذا اختلفتم فى الياء والتّاء فاجعلوها ياء.

وقرأ حمزة والكسائىّ وحفص عن / عاصم و (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) بالنّون وبنصب الملائكةُ ، لأنّهم مفعولون ، الله تعالى المنزل والمخبر عن نفسه كما قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [٩].

__________________

(١) منهم الزجاج ـ رحمه‌الله ـ ؛ معانى القرآن وإعرابه : ٣ / ١٧٢.

(٢) منهم ابن الأنبارى ـ رحمه‌الله ـ زاد المسير : ٤ / ٣٨١.

(٣) رواه مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهم : تفسير الطبرى : ١٤ / ٣ ، وزاد المسير : ٤ / ٣٨١.

(٤) لم أجد مثل هذا فى مصادرى والعبارة مشكلة.

(٥) سورة آل عمران : آية ٣٩.

٣٤٢

وقرأ الباقون : وما تنزّلُ الملائكة بالتاء مفتوحة ورفع الملائكةُ وتنزّلُ فى هذه القراءة وفى اللّتين قبلها فعل مضارع والملائكةُ رفع بفعلهم ، لأنّ الله لمّا أنزل الملائكة نزلت الملائكة ، وتصديق ذلك (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(١) ونزَّل به الرّوح الأمين فالمصدر من نزل ينزل نزولا فهو نازل ، ومن أنزل ينزل إنزالا فهو منزل ومن نزّل ينزّل تنزيلا فهو منزّل ، ومن تنزّل يتنزّل تنزّلا فهو متنزّل.

٣ ـ وقوله تعالى : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) [١٥].

قرأ ابن كثير وحده سُكِرَت خفيفة أى : سجرت ، كما يقال : سكرت الماء فى النهر.

وقرأ الباقون (سُكِّرَتْ) أى : سدّت وغطّيت ، تقول العرب : سكرت الرّيح ، أى : سكنت وركدت ، وصامت عن الخليل (٢).

حدّثنا ابن مجاهد عن أبى الزّعراء عن أبى عمر عن الكسائىّ قال : سكرت وسكّرت لغتان وإن اختلف تفسيرهما.

وفيها قراءة ثالثة (٣) : حدّثنا ابن مجاهد قال : حدّثنا عبيد بن شريك عن ابن أبى مريم عن رشدين عن يونس عن الزّهرى أنّه قرأ : لقالوا إنّما سَكِرَت أبصارنا بفتح السين وكسر الكاف ، أى : اختلطت وتغيرت كما تقول : سكر الرّجل : إذا تغيّر عقله / وينشد (٤) :

__________________

(١) سورة الشعراء : آية ١٩٣ القراءتان فى السبعة ذكرهما المؤلف فى موضع هذه الآية من السورة.

(٢) العين : ٧ / ١٧١.

(٣) المحتسب : ٢ / ٣ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ٨ ، والبحر المحيط : ٥ / ٤٤٨.

(٤) هذه الأبيات أوردها أبو عبيدة فى المجاز : ١ / ٣٤٨ هكذا : ـ

٣٤٣

جاء الشتا واجثألّ القبّر

وجعلت عين الحرور تسكر

وطلعت شمس عليها مغفر

أى : غيم. ومعنى هذه الآية أنهم رأو الآيات المعجزات والعلامات النّيّرات كانشقاق القمر والدّخان وغير ذلك وأنكروا ذلك وجحدوا فقال الله عليما بهم وأنهم لا يؤمنون : لو أنزلنا عليهم سوى هذه الآيات آيات لقالوا : إنما سكّرت أبصارنا.

٤ ـ وقوله تعالى : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [٥٤].

قرأ ابن كثير فبم تبشّرونِّ مشدّدة النّون مكسورة ، أراد : فبم تبشّروننى ، النّون الأولى علامة الرّفع. والثانية مع الياء فى موضع النّصب فأدغم النّون فى النّون تخفيفا ، وحذف الياء اجتزاء بالكسرة لرءوس [الآي](١) مثل : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٢).

وقرأ نافع تبشّرونِ بكسر النّون أيضا مثل ابن كثير غير أنّه حذف

__________________

 ـ جاء الشتا واجثألّ القنبر

واستخفت الأفعى وكانت تظهر

وطلعت شمس عليها مغفر

وجعلت عين الحرور تسكر

والقبر والقنبر : طائر كالعصفور ، ويقال : قبّراء. وهذه الأبيات لجندل بن المثنى الطهوى. شاعر وراجز من بنى تميم عاش فى العصر الأموى. أخباره فى سمط اللآلى : ٦٤٤. والشاهد فى : تفسير الطبرى : ١٣ / ٩ ، ومعانى الزجاج : ٣ / ١٧٥ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ١٢٩ ، واللسان : (قبر) (سكر) (جثل).

(١) فى الاصل : «الايه».

(٢) سورة البقرة : آية ٤٠.

٣٤٤

إحدى النّونين تخفيفا كما قال الشّاعر (١) :

تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فلينى

أراد : فليننى فحذف إحدى النّونين (٢) ، هذا مذهب البصريين.

وقال أهل الكوفة : أدغم ثم حذف ، وحجّتهم : (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(٣) و (أَتَعِدانِنِي)(٤) فقالوا : لما أظهرت النونات لم تحذف ، وإنما الحذف فى المشددات نحو (تَأْمُرُونِّي)(٥) و (أَتُحاجُّونِّي)(٦) فاعرف ذلك فإنه حسن.

وقرأ الباقون : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) مفتوحة النّون خفيفة ؛ لأنّهم لم يريدوا الإضافة إلى النّفس. وكانت البشارة أنهم بشروه بولد ، وكانت امرأته / قد أتت عليها سبعون سنة ، وقد أتى عليه أكثر من ذلك ، قد قنطا ، أى : يئسا من الولد

__________________

(١) البيت لعمرو بن معديكرب الزّبيدى فى ديوانه : ١٧٣.

وأنشده المؤلف فى شرح المقصورة : ٥٢٥ ، برواية (الغانيات) وهو من شواهد كتاب سيبويه : ٢ / ١٥٤ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ٢ / ٢٠٤ ، والنكت عليه للأعلم : ٩٦٤ ، ومعانى القرآن للفراء : ٢ / ٩٠ ، ومجاز القرآن : ١ / ٣٥٢ ، ٢ / ٩٠ ، والمنصف : ٢ / ٣٣٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٣ / ٩١ ، والخزانة : ٢ / ٤٤٥.

(٢) قال أبو حيّان فى ارتشاف الضّرب : ١ / ٤٧٢ «وأمّا قوله : «فلينى» فذكر ابن مالك أن مذهب سيبويه هو : [أن المحذوفة] نون الإناث والباقية هى نون الوقاية ، واختاره ابن مالك. وذهب المبرد إلى أن المحذوفة هى نون الوقاية ، وفى «البسيط» لا خلاف أنّ المحذوفة هى نون الوقاية و «فلينى» جاء فى الشعر ولا يقاس عليه ـ انتهى ـ».

(٣) سورة الأعراف : آية ١٥٠.

(٤) سورة الأحقاف : آية ١٧.

(٥) سورة الزمر : آية ٦٤.

(٦) سورة الأنعام : آية ٨٠.

٣٤٥

فذلك قوله : (بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) [٥٥] ، ويقرأ (١) من القَنِطِين ومعناهما : من الآيسين.

حدّثنا ابن مجاهد ، قال : حدّثنا أحمد بن عبيد الله عن أبى خلّاد ، عن حسين عن أبى عمرو فلا تكن من القَنِطِين ، بغير ألف.

٥ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ) [٥٦].

قرأ أبو عمرو والكسائيّ يقنِط ـ بالكسر ـ وهو الاختيار ؛ لأنّ الماضى منه على قنط بفتح النّون ، فإذا كان الماضى مفتوحا لم يجز فى المضارع إلا الكسر والضمّ قنط يقنط ويقنط ، وقرأ بذلك أبو حيوة (٢) مثل عكف يعكف ويعكف ، وقد أجمعوا جميعا (٣) على فتح النّون من قوله : (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا)(٤) ولا يجوز فتح الماضى والمستقبل إلّا إذا كان فيه حرف من حروف الحلق نحو ذهب يذهب وسخر يسخر.

وقرأ الباقون : (وَمَنْ يَقْنَطُ) بفتح النّون ، فإن جعلوا ماضيه قنط بالكسر وإلا فهو شاذّ ، والاختيار ما قدمت ذكره.

وحكى أبو عمرو الشّيبانىّ قنط عنّا الماء قنطا (٥).

__________________

(١) القراءة فى تفسير الطبرى : ١٤ / ٢٨ ، والمحتسب : ٢ / ٤ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ٣٦ ، والبحر المحيط : ٥ / ٤٥٩.

(٢) المحتسب : ٢ / ٥ ، والبحر المحيط : ٥ / ٤٥٩ وهى قراءة زيد بن على والأشهب.

(٣) يعنى السّبعة ، وإلّا فقد قرأها أبو رجاء العطاردى والأعمش والدورى عن أبى عمرو : من بعد ما قنِطوا بكسر النون. وقرأ الخليل : من بعد ما قنُطوا بضمّ النون. العباب : ١٧٤. وهذه الآية مستدركة على الإمام أبى جعفر أحمد بن يوسف الرّعينى فى كتابه : (تحفة الأقران فى ما قرىء بالتثليث من حروف القرآن) لأنّه ورد فى نونها الحركات الثلاث.

(٤) سورة الشورى : آية ٢٨.

(٥) قال الصّغانى فى العباب ١٧٤ : «وقال ابن عبّاد : وبنو فلان يقنطون ماءهم عنا قنطا ، أى : يمنعونه». يراجع المحيط للصاحب بن عبّاد والتاج (قنط).

٣٤٦

٦ ـ وقوله تعالى : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) [٥٩].

قرأ حمزة والكسائىّ مُنْجُوهم خفيفا من أنجى ينجى والأصل : منجووهم بواوين ، الأولى لام الفعل نجا ينجو والثّانية : واو الجمع فانقلبت الأولى ياء لانكسار ما قبلها وهو الجيم فصارت لمنجيوهم ، فاستثقلوا الضّمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الواو والياء ، فحذفوا الياء / لالتقاء الساكنين وضمّوا الجيم لمجاورة واو الجمع ، والنّون ساقطة للإضافة والأصل : لمنجونهم وإنا منجونك فسقطت النون للإضافة فصارت منجوك ومنجوهم. فتأمل هذه المسألة فإنّها أصل لما يرد عليك من نظيرها.

وقرأ الباقون (لَمُنَجُّوهُمْ) مشدّدا من نجّى ينجّى ، قال قوم : نجّى وأنجى وكرم وأكرم لغتان. وقال آخرون : نجّى للتّكرير والتّكثير ، وقد تأمّلت نجا فى العربية فوجدته ينقسم خمسة أقسام : نجا ينجو من عذاب ، ونجا ينجو بمعنى أنجى ينجى : إذا طاف وتغوّط ، قال الشّاعر (١) ـ بمعنى طاف ـ :

عشّيت جابان حتّى استدّ (٢) مغرضه

وكاد ينقدّ لولا أنّه طافا (٣)

ونجا ينجو : إذا استكنه السّكران ، قال الشاعر (٤) :

نجوت مقاتلا فوجدت فيه

كريح الكلب مات حديث عهد

__________________

(١) اللّسان : (طوف) وجابان : اسم جمل.

(٢) فى الأصل : «المسند».

(٣) فى الأصل : أطافا.

(٤) أنشده فى اللّسان (نجا) وأنشد بعده :

فقلت له متى استحدثت هذا

فقال أصابنى فى جوف مهدى

٣٤٧

ونجا ينجو : إذا استخرج الوتر [من الشجر](١) وأنشد (٢).

فتبازت فتبازخت لها

جلسته الجازر يستنجى الوتر

أى : يستخرج.

ونجا الجلد عن الشاة ، وأنشد (٣) :

فقلت أنجوا عنها نجا الجلد إنّه

سيرضيكما منها سنام وغاربه

٧ ـ وقوله تعالى : إلّا امرأتك قدّرنا [٦٠].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر مخففا فى كلّ القرآن.

وقرأ الباقون مشدّدا. فقدرت يكون من التقدير ، ومن التّفسير قوله تعالى (٤) : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يكثر. و (يَقْدِرُ) أى : يقتّرب ومنه : قَدَر عليه رزقه (٥).

ومن شدّد كان الفعل على لفظ مصدره / قدّر يقدّر تقديرا فهو مقدّرّ.

__________________

(١) فى الأصل : «من بطن الشاه».

(٢) هو عبد الرحمن بن حسان ، شعره : ٢٧. فى الأصل : «تبازحت» بالحاء المهملة ووضع الناسخ تحتها علامة الإهمال وفى اللّسان : (بزخ) «وتبازخ الرّجل : مشى مشية الأبزخ أو جلس جلسته» وأنشد البيت. والأبزخ : الذى فى ظهره إحديداب. وهى بالخاء المعجمة.

(٣) ينسب إلى أبى الغمر الكلابىّ أو عبد الرحمن بن حسّان ، قال ابن ولاد فى المقصور والممدود له : ٣٩ وأنشد أبو الجراح لعبد الرحمن بن حسان يخاطب ضيفين طرقاه. وينظر إصلاح المنطق : ٩٤ ، وتهذيبه : ٢٤٣ ، وترتيبه (المشوف المعلم) : ٧٥٦ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ٩٠ ، وهو فى شرح الشواهد للعينى : ٣ / ٣٧٣ ، والخزانة : ٢ / ٢٢٧ واللسان والصحاح والتاج والمجمل (نجا) ولم يرد فى شعر عبد الرحمن بن حسان.

(٤) سورة الرعد : آية ٢٦.

(٥) سورة الفجر : آية ١٦.

٣٤٨

أخبرنى ابن عرفة عن ثعلب : قدرت الثّوب خفيفا من التّقدير ، فأمّا قوله تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(١) فإن الكسائى وحده خفّف ، ومعناه : قدّر فهدى أى : هدى الذّكر كيف يأتى الأنثى من كلّ حيوان. وقال الفرّاء (٢) : فيما حدّثنى عنه ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفراء والذى قدّر فهدى وأضلّ ، فحذف وأضلّ لدلالة المعنى عليه ، ولتوافق (٣) رؤس الآى كما قال (٤) : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) أراد : الحرّ والبرد فاكتفى ، وقال الشاعر (٥) :

وما أدرى إذا يمّمت وجها

أريد الخير أيّهما يلينى

أراد : الخير والشرّ ، لأنّه قال فى البيت الثانى :

أألخير الّذى أنا أتّبعه (٦)

أم الشّرّ الّذى لا يأتلينى

__________________

(١) سورة الأعلى آية ٣.

(٢) معانى القرآن : ٣ / ٢٥٦. وسيذكره المؤلف فى موضعه من سورة الأعلى كما ذكره فى إعراب ثلاثين سورة : ٥٥.

(٣) فى الأصل : «ولتوفاق».

(٤) سورة النحل : آية ٨١.

(٥) أنشدهما المؤلف فى كتاب ليس : ٣٤٣ ، وهما للمثقب العبديّ فى ديوانه : ٢١٢ ، ٢١٣ ورواية المؤلف فى ليس.

* أم الشرّ الّذى هو يبتغينى*

وهو من قصيدة فى المفضليات وغيرهما أولها :

أقاطم قبل بينّ ك متّعينى

ومنعك ما سألتك أن تبينى

وقد خرجها محقق الديوان تخريجا حسنا. رحمه‌الله وأثابه.

(٦) يروى : «أبتغيه» ورسمها الناسخ : «اتبغيه».

٣٤٩

وقرأ ابن كثير وحده (١) : نحن قَدَرْنا بينكم الموت مخفّفا ، وشدّدها الباقون.

وقرأ نافع والكسائىّ (٢) : فقدَّرنا فنعم القادرون مشدّدّا ، وخففها الباقون.

فقال أبو عمرو : لو كان قدّرنا لكان فنعم المقدّرون ، وحجة الباقين أن الفعل المشدّد بعد التّخفيف يجوز أن يأتى اسم الفاعل والمصدر على التّخفيف كقوله : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً)(٣) ولم يقل تعذيبا.

٨ وقوله تعالى : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) [٧٨].

فى القرآن أربعة مواضع فاختلفوا فى (ص) (٤) و (الشعراء) (٥) واتّفقوا على الذى فى (الحجر) والذى فى (ق) (٦).

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر فى (الشعراء) : وأصحاب ليكة بغير ألف ولام ، مثل غيضة وبيضة ولم يصرفوها /.

......... (٧)

* * *

__________________

(١) سورة الواقعة : آية ٦٠.

(٢) سورة المرسلات : آية ٢٣.

(٣) سورة المائدة : آية : ١١٥.

(٤) الآية : ١٣.

(٥) الآية : ١٧٦.

(٦) الآية : ١٥.

(٧) سقط من الأصل ، ذهب بشرح آخر هذه السورة وأول سورة النّحل أقدر أنه فى خمس ورقات.

٣٥٠

[ومن السور التى يذكر فيها

(النحل)]

............................................................................

............................................................................

والياء خفيفا وكأنّه اسم عجمى (جودى) مثل حبلى وقال : والعرب تقلب مثل هذه الياء فى الأسماء الأعجمية ألفا إذا عرّبوه (شتى) و (ماهى) و (شاهى) فيقولون (ستا) و (شاها) و (ماها). ويجوز أن يكون أمرا ، أى : جودى بالمطر ، ثم دخلت الألف واللّام فبقيت اللّفظة ، وقد حكى ذلك فى ألفاظ عن العرب دخول الألف واللام على الأفعال (اليتقصّع) (١) و (اليتتبّع) (٢) و (اليجدّع) (٣).

١ ـ وقوله تعالى : (شُرَكائِيَ الَّذِينَ) [٢٧].

قرأ ابن كثير (٤) برواية البزّىّ (٥) فى رواية شبل بن عبّاد شُرَكاىْ غير ممدود مثل هداى وبشراى.

وقرأ الباقون (شُرَكائِيَ الَّذِينَ) لأنّ شركاء مدتها مثل فقهاء وسفهاء ، ثم أضفتها إلى ياء النّفس ، وهى مفتوحة.

__________________

(١) يشير إلى البيت :

ويستخرج اليربوع من نافقائه

ومن جحره بالشّيحة اليتقصّع

(٢) يشير إلى البيت :

أحين اصطباني أن سكتّ وإنّنى

لفى شغل عن رحلي اليتتبّع

(٣) يشير إلى البيت :

يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا

إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع

(٤) (٤ ـ ٤) العبارة ملحقة بخط الناسخ فى نهاية السّطر.

(٥) (٤ ـ ٤) العبارة ملحقة بخط الناسخ فى نهاية السّطر.

٣٥١

فأمّا قراءة ابن كثير فقال ابن مجاهد : لا وجه لها.

وقال ابن الرّومى : سألت أبا عمرو عنها فقال : لحن.

قال أبو عبد الله : وله وجه ، وذلك أنّ العرب تستثقل الهمزة فى الاسم المنفرد فلمّا اجتمع فى شركاءىْ أربعة أشياء كلها مستثقلة : الجمع ، والهمزة والكسرة ، والياء ، خزل الهمز تخفيفا ، وكلّ مدّة فهى زائدة ، ألا ترى أنّ كلّ شاعر إذا احتاج إلى قصر الممدود حذف المدّة غير متهيّب كقول الشّاعر (١) :

* لابدّ من صنعا وإن طال السّفر*

وصنعاء ممدود ، وقال آخر (٢) :

فلو أنّ الأطبّا كان حولى

وكان مع الأطبّاء الأساة

أراد : فلو أنّ الأطباء ، فهذا واضح بين ، ويزيده وضوحا أنّ الممدود يجوز أن تقف عليه مقصورا بحذف المدّة.

__________________

(١) قبله :

* قد كحلت عينى بملمول السّهر*

وبعده :

* وإن تحنّى كلّ عود ودبر*

المقصور والممدود للفراء : ٤٥ ، والمقصود والممدود لابن ولاد : ٦٥ ، ١٥١ ، وضرائر الشعر : ١١٦ ، وشرح الشواهد للعينى : ٤ / ٥١١.

(٢) أنشده المؤلف فى شرح الفصيح ، ورقة : ٢٤ ، قال : «والأساة : الأطباء ، والواحد آس مثل قاض وقضاة أنشدنى ابن مجاهد :

* فلو أن الأطبا ...*

كما أنشده فى الألفات : ٨٧. والبيت فى معانى القرآن : ١ / ٩٠ ، ومجالس ثعلب : ١٠٩ ، وأسرار العربية : ١١٧ ، وضرائر الشعر : ١١٩ ، ١٢٧ ، والخزانة : ٢ / ٣٨٥. ويروى : (الشفاء). وكذا كتب فى الأصل ، ثم صحح.

٣٥٢

٢ ـ وقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) [٣٢].

قرأ حمزة وحده بالياء.

وقرأ الباقون بالتّاء ، والأمر بينهما قريب كقوله فناداه الملائكة (١) وفنادبه الملائكة وقد أشبعنا الغلّة فيما سلف.

ومن قرأ بالتّاء قال : سمعت الله عزوجل يقول : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ)(٢) ولم يقل : قال.

وحمزة والكسائىّ يميلان تتوفّيهم من أجل الياء التى تراها فى اللّفظ ألفا ، وفخّمها الباقون قالوا : لأنّ هذه الألف مبدلة من الياء ، والأصل : تتوفيهم فاستثقلوا الضّمة على الياء فحذفوها فصارت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها.

٣ ـ وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) [٣٤].

قرأ حمزة والكسائىّ بالياء.

وقرأ الباقون بالتّاء ، والعلّة فى الياء والتاء كالعلّة فى الذى قبله.

٤ ـ وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) [٣٧].

قرأ أهل الكوفة : (لا يَهْدِي) بفتح الياء.

وقرأ الباقون : يُهدى بضمّ الياء وفتح الدّال ، ولم يختلفوا أعنى السّبعة ولا أحد فى الياء من (يُضِلُّ) أنها مضمومة مكسورة الضّاد. فمن قرأ بالضمّ فى يُهدى فالتقدير : من أضلّه الله لا يهديه أحد. واحتجّوا بقراءة أبىّ (٣) :

__________________

(١) سورة آل عمران : آية : ٣٩.

(٢) سورة آل عمران : الآيتان ٤٢ ، ٤٥.

(٣) معانى القرآن للفراء : ٢ / ٩٩ ، والكشف : ٢ / ٣٧ (وأضلّ الله) فيهما.

٣٥٣

لا هادى لمن أضلّه الله فاسم الله تعالى اسم «إنّ» و «يضلّ» الخبر. ومن فتح فالتّقدير : من يهده لا يضلّه.

٥ ـ وقوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) [٤٠].

قرأ الكسائىّ وابن عامر بالنّصب نسقا على قوله : أن نقول له كن فيكونَ وكذلك فى (يس) (١).

وقرأ الباقون بالرّفع فى كلّ القرآن على معنى : إذا أردناه أن نقول له كن فهو يكون.

٦ ـ وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) [٤٨](أَوَلَمْ يَرَوْاكَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) فى (العنكبوت) (٢).

قرأ حمزة والكسائى بالتّاء جميعا على الخطاب.

وقرأها الباقون بالياء إخبارا عن غيب وتوبيخا لهم ؛ لأنّ الألف فى (أَلَمْ) ألف توبيخ ، والتقدير : وبخهم كيف يكفرون بالله وينكرون البعث ويعرضون عن آياته. (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ) [٧٩] ألم يروا كيف يبدىء الله إلّا عاصما فإنه قرأ فى (النّحل) بالياء وفى (العنكبوت) بالياء والتاء اختلف عنه.

٧ ـ وقوله تعالى : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) [٤٨].

قرأ أبو عمرو بالتّاء.

وقرأ الباقون بالياء. فمن أنث فلتأنيث الظّلال ؛ لأنه جمع ظلّ ، وكلّ جمع خالف الآدميين فهو مؤنّث تقول : هذه الأمطار وهذه المساجد.

__________________

(١) الآية : ٨٢.

(٢) الآية : ١٩.

٣٥٤

ومن ذكّر فالظّلال ـ وإن كان جمعا ـ فإن لفظه لفظ الواحد مثل جدار ، لأنّ جمع التّكسير يوافق الواحد.

فإن سأل سائل فقال : إنّ أبا عمرو لا حجّة عليه إذ أنث تتفيّؤا ظلاله فلم لم يؤنّث كما أنث (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(١).

فالجواب فى ذلك : أنّ علامة التأنيث فى «الظّلمات» حاضرة فقرأها بالياء ، وفى الظّلال العلامة معدومة ففرق بينهما لذلك.

٨ ـ وقوله تعالى : (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [٤٣].

روى حفص عن عاصم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) بالنّون وكسر الحاء ، الله تعالى يخبر عن نفسه.

وقرأ الباقون : يوحى على ما لم يسم فاعله.

وحمزة والكسائى يميلان ، لأنّ الألف منقلبة من ياء ، الأصل : (يوحي) فانقلبت الياء ألفا.

والباقون يفخّمون على اللّفظ ؛ لأنّ الإمالة / إنما وجبت من أجل الياء ، فإذا زالت صورتها زالت الإمالة.

والعرب تقول : وحيت إليه وأوحيت ، ووحيت له (٢) وأوحيت له قال الله تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها)(٣).

__________________

(١) سورة الرعد : آية ١٦.

(٢) هذه من فوائد ابن خالويه. لم يذكرها أبو حاتم السجستانى ولا الزجاج ولا الجواليقى فى كتبهم المؤلفة فى (ما جاء على فعلت وأفعلت). وينظر : الصحاح واللسان : (وحى).

(٣) سورة الزلزلة : آية ٥.

٣٥٥

٩ ـ وقوله [تعالى] : (أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) [٦٢].

بفتح الراء ، جعلهم مفعولين ؛ لأنّه فى التفسير (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أى : منسيّون. وقال أبو عمرو : مقدمون إلى النّار.

وقرأ نافع وحده مُفرِطون بكسر الراء كأنّه جعل الفعل لهم ، أى : أفرطوا فى الكفر وفى العدوان يفرطون إفراطا فهم مفرطون.

وقرأ الباقون : (مُفْرَطُونَ) أى : منسيون ممهلون متركون.

وقراءة ثالثة : حدّثنى أحمد بن عبدان عن على عن أبى عبيد أنّ أبا جعفر قرأ : وأنّهم مفرِّطون ومعنى هذه القراءة أى : مقصرون فيما يجب عليهم من العبادة ، يقال : فلان فرّط فى الأمر : قصّر ، وأفرط : جاوز الحدّ. ومضارع فرّط يفرّط تفريطا قال الله تعالى (١) : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) وتقول العرب : فرط فلان القوم إذا تقدّمهم فهو فارط ، والجمع فرّاط ، قال الشّاعر (٢) :

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا

كما تعجّل فرّاط لورّاد

ومن ذلك حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا فرطكم على الحوض» (٣)

__________________

(١) سورة الزّمر : آية ٥٦.

(٢) البيت للقطامى فى ديوانه : ٩٠ من قصيدة يمدح بها زفر بن الحارث وروايته : «واستعجلونا ... لروّاد». أورده المؤلف فى إعراب ثلاثين سورة : ٥٣ قال : والذى يتقدم الواردين إلى الماء يقال له : الفارط وجمعه فراط قال الشاعر : ... وأورد البيت. وينظر غريب أبى عبيد : ١ / ٤٥ ، وإصلاح المنطق : ٦٨ ، واللّسان (فرط).

(٣) مسند الإمام أحمد : ٤ / ٣١٣ ، حديث جندب البجلىّ ، وهو فى غريب الحديث : ١ / ٤٤ بسند أبى عبيد فى هامش الصفحة وتخريجه هناك.

٣٥٦

أى : أتقدمكم ، وروى النّابغة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا والنّبيّون فرّاط لقا صفين» (١) أى : للمذنبين. وهذا حديث غريب ما رواه غيره.

١٠ ـ وقوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ) [٦٦].

قرأ نافع وعاصم فى رواية أبى بكر وابن عامر نَسقيكم بفتح النّون وكذلك / فى (قد أفلح) (٢). وقرأ الباقون بالضمّ.

فاختلف الناس فى ذلك ، فقال قوم : سقى وأسقى لغتان (٣) وأنشدوا (٤) :

سقى قومى بنى مجد وأسقى

نميرا والقبائل من هلال

وقال آخرون : سقيته ماء لشفته. كقوله (٥) : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).

__________________

(١) أخرجه الحافظ أبو عمر بن عبد البر فى الاستيعاب : ١٥١٩ «فرّاط القادمين» وابن الأثير فى النهاية : ٣ / ٤٣٤ ومجمع الزوائد : ١٠ / ٢٥. وينظر : الشعر والشعراء : ٢٩٠ ، والأغانى : ٥ / ٢٩. (فى أخبار النّابغة الجعدىّ). ويروى : «فراط القاصفين» و «فراط لقاصفين».

(٢) الآية : ٢١.

(٣) فعلت وأفعلت لأبى حاتم : ١٦٦ ، وفعلت وأفعلت للزجاج : ٥٠ ، وما جاء على فعلت وأفعلت لأبى منصور الجواليقى : ٤٦.

(٤) البيت للبيد بن ربيعة العامرى فى شرح ديوانه : ٩٣. ذكره المؤلف فى شرح المقصورة : ٣٠٧ ، أورد القراءة وأنشد البيت ، وذكره فى الألفات : ٨٣. كما ورد فى كتب فعلت وأفعلت. وينظر : معانى القرآن : ٢ / ١٠٨ ، ومجاز القرآن : ١ / ٣٥٠ ، ونوادر أبى زيد : ٥٤٠ والخصائص : ١ / ٣٧٠ ، والحجة لأبي زرعة : ٣٩٢ ، ورصف المبانى : ٥٠.

(٥) سورة الإنسان (الدّهر) آية ٢١.

٣٥٧

وأسقيته : سألت الله أن يسقيه ، وأنشدوا لذى الرمة (١) :

وقفت على ربع لميّة ناقتى

فما زلت أبكى عنده وأخاطبه

وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه

تكلّمنى أحجاره وملاعبه

وفيه قول ثالث : أنّ ما كان من الأنهار وبطون الأنعام فبالضمّ.

وفيه قول رابع : ذكر أبو عبيد قال : ما سقى مرة واحدة. قلت : سقيته شربة ، وما كان دائما قلت : أسقيته كقولك : أسقيته غير ماء.

١١ ـ وقوله تعالى : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [٧١].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر بالتاء ، أى : قل لهم يا محمد : أفمن أجل ما أنعم الله عليكم أشرتم وبطرتم وجحدتّم.

وقرأ الباقون بالياء ، الله تعالى يوبخهم على جحودهم. وروى أبو عبيد هذا الحرف عن عاصم الجحدرىّ ، لا عن عاصم بن أبى النجود ، ولعله غلط.

١٢ ـ وقوله تعالى : (يَعْرِشُونَ) [٦٨].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر وابن عامر بضمّ الرّاء.

وقرأ الباقون بالكسر. وقد ذكرت علّته فى (الأعراف).

__________________

(١) ديوانه : ٨٢٢ ، وهما أول القصيدة ، وقد خرّجها محققه تخريجا حسنا وبعدهما :

بأجرع مقفار بعيد من القرى

فلاة وحفّت بالفلاة جوانبه

به عرصات الحيّ قوّين متنه

وجرّد أثباج الجراثيم حاطبه

تمشّى به الثّيران كلّ عشيّة

كما اعتاد بيت المرزبان مرازبه

كأن سحيق المسك ريّا ترابه

إذا هضبته بالطّلال هواضبه

والشاهد أنشده المؤلف فى الألفات : ٨٣ ، ٨٤ ، وهو فى نوادر أبى زيد : ٥٤٠ وأدب الكاتب : ٤٦٢ ، وشرحه للجواليقى : ٣٢٠ ، وشرحه لابن السيد : ٣ / ٢٨٩.

٣٥٨

١٣ ـ وقوله تعالى : (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) [٨٠].

قرأ أهل الكوفة وابن عامر بإسكان العين على أصل الكلمة ظعن زيد ظعنا وظعنا ، وطعن بالرّمح طعنا وطعنا وطعن فى نسبه طعانا ، وضرب ضربا والفعل أصل لكلّ مصدر (١).

وقرأ الباقون : يوم ظَعَنكم بالفتح ، وإنّما حركوه / لأنّ العين من حروف الحلق مثل نهر ونهر وشمع وشمع؟ وقد ذكرت لم صار ذلك كذلك فى (الأنعام) (٢) عند قوله : (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ).

١٤ ـ وقوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) [٩٦].

قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر برواية ابن ذكوان بالنّون. وحجّتهم (٣). إجماعهم على : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ) بالنّون [٩٧].

وقرأ الباقون بالياء ؛ لذكر اسم الله قبله : وما عند الله باق وليجزينّ فإذا عطفت الآية على شكلها كانت أحسن من أن تقطع ممّا قبلها. وكلّ صواب بحمد الله.

١٥ ـ وقوله تعالى : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) [١٠٣].

قرأ حمزة والكسائى بفتح الحاء والياء.

والباقون (يُلْحِدُونَ) بالضّمّ ، وهو الاختيار ، لأنّ الله تعالى قال : (وَمَنْ

__________________

(١) هو مذهب الكوفيين ، يراجع الأنصاف : ٢٣٥ والتبيين : ١٤٣.

(٢) الآية : ١٤٣. ولم يذكر هنا شيئا مفصلا.

(٣) فى الأصل : «وحجّتهما» وذلك أن ابن عامر ذكر فى هامش الورقة مصححا بعد كتابة النسخة ، ولم يغير العبارة بعدما ألحقه.

٣٥٩

يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ)(١) والإلحاد : مصدر ألحد يلحد ، وإن كانت الأخرى جيّدة ، قال الشّاعر : حجّة لألحد يلحد (٢) :

يا ويح أنصار النبىّ ورهطه

بعد المغيّب فى سواء الملحد

ولو كان من لحد لقال : ملحود.

وقال آخرون : لحدت فى القبر ، وألحدت فى الدّين. فأمّا قول علىّ بن الحسين ـ وقد خطب النّاس ـ : يا قصّة على ملحود ، أراد : يا جصّا على قبر ، وقد روى هذا الكلام عن زينب رضى الله عنها.

١٦ ـ وقوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) [١٠٢].

ابن كثير يسكن الدّال.

والباقون يضمّون ، وقد مرّت علّته فى (البقرة).

١٧ ـ وقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) [١١٠].

قرأ ابن عامر وحده فَتَنوا جعل الفعل لهم.

وقرأ الباقون على ما لم يسم فاعله. والأصل فى ذلك (٣) : أنّ عمّار

__________________

(١) سورة الحج : آية : ٢٥.

(٢) البيت لحسان رضى الله عنه ، وقد تقدم ذكره ٢١٦.

(٣) أسباب النزول للواحديّ : ٢٨٨ ، عن مجاهد : وينظر تفسير مجاهد : ١ / ٣٥٣ وروى الواحدىّ ـ رحمه‌الله ـ عن ابن عبّاس قال : «نزلت فى عمار بن ياسر ؛ وذلك أنّ المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمّه سمية وصهيبا وبلالا وخبّابا وسالما فعذّبوهم ...» ويراجع تفسير الطبرى : ١٤ / ١٢٢ ، والمحرر الوجيز : ٨ / ٥١٥ ، وزاد المسير : ٤ / ٤٩٥ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ١٨٠ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٧ ، والدر المنثور : ٤ / ١٣٢.

٣٦٠