إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٤٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

وقرأ الباقون : (فِي غَيابَتِ الْجُبِ) على التوحيد ، وهو الاختيار ؛ لأنّهم ألقوه فى مكان واحد ، لا فى أمكنة ، وجسم واحد لا يشغل مكانين.

وشاهدهم أيضا : ما حدّثنى أحمد بن عبدان عن علىّ عن أبى عبيد قال : فى حرف أبىّ (١) وألقوه فى غيبة الجبّ فهذا شاهد لمن وحّد.

فأمّا قوله : (يَلْتَقِطْهُ) فقرأ القرّاء السبعة بالياء ، وإنما ذكرته ، لأنّ الحسن البصرى قرأ (٢) : تلتقطه بعض السّيّارة بالتّاء. وإنما أنّث بعضا وهو مذكّر ، لأنّه مضاف إلى السّيارة ، وبعض السيارة من السّيارة ، كما تقول : ذهبت بعض أصابعه ؛ لأنّك لو قلت ذهبت أصابعه ، أو تلتقطه [السّيارة] فأحللت الأول محلّ الثّانى كان صوابا ، قال جرير (٣) :

__________________

(١) البحر المحيط : ٥ / ٢٨٤.

(٢) معانى القرآن للفراء : ٢ / ٣٦ ، وتفسير القرطبى : ٩ / ١٣٣.

(٣) ديوان جرير : ٥٤٦ وروايته :

* رأت بعض السّنين ...*

من قصيدة يهجو بها الفرزدق أولها :

لقد نادى أميرك باحتمال

وصدّع نيّة الأنس الحلال

وقبل البيت :

دعينى إنّ شيبى قد نهانى

وتجربتى وحلمى واكتهالى

رأت مرّ السنين .................

 .................. البيت

والسّرار : ليلتان تبقيان من الشّهر ، إذا كان تاما كان سراره ليلتين وإذا كان ناقصا كان سراره ليلة ، وهو أن يستسر القمر بذلك البرج ثم يهل بعد يوم ، وينظر : إعراب ثلاثين سورة : ٢١٠. والبيت فى مجاز القرآن : ١ / ٦٨ ، ومعانى القرآن : ٢ / ٣٧ والمقتضب : ٤ / ٢٠٠ والكامل : ٦٦٩ والمذكر والمؤنث لابن الأنبارى : ٥٩٥ ، والأصول : ٣ / ٤٧٨ ، والتهذيب : ١ / ١٣٥ ، والصاحبى : ٢١٣ والهمع : ١ / ٤٧.

٣٠١

أرى مرّ السّنين أخذن منّى

كما أخذ السّرار من الهلال

وقال أيضا (١) :

إذا بعض السّنين تعرّقتنا

كفى الأيتام فقد أبى اليتيم

ولو قلت تعجبنى ضحك الجارية كان خطأ ؛ لأن الضّحك قد يعجبك ولا تعجبك الجارية ، وكذلك لو قلت : قامت غلام المرأة كان خطأ ؛ لأنّ الغلام ليس هو المرأة. فقس على هذا ما يرد عليك.

٦ ـ وقوله تعالى : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) [١١].

قرأ القراء السّبعة بفتح الميم وتشديد النّون وتشمها الضمّ اتفاقا. وإنّما ذكرته ، لأنّ الأعمش قرأ (٢) تأمَنُنا بالإظهار ، أتى بالكلمة على أصلها.

والباقون أدغموا كراهة اجتماع حرفين متجانسين.

وقرأ أبو جعفر أيضا (٣) : (تَأْمَنَّا) مدغما غير / أنه لم يشمّ النّون الضمّة ، لأنّ كلّ حرف مدغم يسكن ثم يدغم.

__________________

(١) ديوان جرير : ١ / ٢١٩ من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك أولها :

ألمت وما رفقت بأن تلومى

وقلت مقالة الخطل الظّلوم

والشّاهد فى الكتاب : ١ / ٢٥ ، وشرح شواهده لابن السيرافى : ١ / ٥٦ والنكت عليه للأعلم : ١٨٩ ، والكامل : ٦٦٦ والمقتضب : ٤ / ١٩٨ ، والمذكر والمؤنث لابن الأنبارى : ٥٩٥ والأصول : ٢ / ٨١ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ١٢ وشرح المفصل لابن يعيش : ٥ / ٩٦ والخزانة : ٢ / ١٦٧.

(٢) تفسير القرطبى : ٩ / ١٣٨ ، والبحر المحيط : ٥ / ٢٨٥.

(٣) إتحاف فضلاء البشر : ٢٦٢.

٣٠٢

وقرأ يحيى بن وثّاب (١) : تِيمَنّا بكسر التّاء ، هى لغة ، يقولون فى كلّ فعل كان الماضى منه على فعل بكسر أوّل المضارع نحو علمت تعلم وأمنت تيمن.

حدّثنى أحمد بن عبدان قال : رأيت أعرابيّا يطوف بالبيت وهو يقول «ربّ اغفر لى وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، إنّك أنت الأعزّ الأكرم». وأنشدنى ابن مجاهد :

لو قلت ما فى قومها لم تيثم

يفضلها فى حسب وميسم (٢)

وذكر سيبويه رضى الله عنه أنّ من كسر التاء والنّون والهمزة فى تعلم ونعلم وأنا اعلم لم يقل : زيد يعلم استثقالا للكسرة على الياء.

٧ ـ وقوله تعالى : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) [١٢].

قرأ أبو عمرو وابن عامر بالنّون جميعا وإسكان الباء والعين. فمعنى نرتع ، أى : نتسع فى الخصب ، مأخوذ من الرّتعة. ونلعب : نسرّ. فقيل لأبى عمرو : وكيف يلعبون وهم أنبياء الله؟ قال : إذ ذاك لم يكونوا بأنبياء بعد. يقال : رتع يرتع رتعا ورتوعا فهو راتع ، قال الشّاعر (٣) :

__________________

(١) إعراب القرآن للنحاس : ٢ / ١٢٧ ، والبحر المحيط : ٥ / ٢٨٥.

(٢) البيتان لحكيم بن معيّة ، وقيل لأبى الأسود الحمّانى ، أو حميد الأرقط وهما من شواهد الكتاب : ١ / ٣٧٥ ، والنكت عليه للأعلم : ٥٠١ ، ٦٤٧ ، وينظر : معانى القرآن : ١ / ٢٧١ ، والخصائص : ٢ / ٣٧٠ وشرح المفصل لابن يعيش : ٤ / ٧١ ، والخزانة : ٢ / ٣١١.

(٣) البيت للخنساء فى ديوانها شرح أبى العباس ثعلب : ٢٨٣ وأنيس الجلساء : ٧٣ من قصيدة فى رثاء أخيها صخر أولها :

٣٠٣

ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت

فإنّما هى إقبال وإدبار

وقرأ مجاهد (١) نُرتع بضم النّون ، جعله من أرتع يرتع ، ومن كسر العين جعله ارتعيت أرتعى ارتعاء ، أنشدنى ابن دريد رضى الله عنه (٢) :

إذا أحسّ نبأة ريع وإن

تطامنت عنه تمادى ولها

نهال للشّىء الّذى يروعنا

ونرتعى فى غفلة إذا انقضى /

نحن ولا كفران لله كمن

قد قيل فى السّارب أخلى فارتعى

وقال آخر (٣) :

__________________

ماهاج حزنك أم بالعين عوّار

أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدّار

كأنّ عينى لذكراه إذا خطرت

فيض يسيل على الخدّين مدرار

تبكى لصخر هى العبرى وقد ولهت

ودونه من جديد التّرب أستار

تبكى خناس فما تنفك ما عمرت

لها عليه رنين وهى مفتار

والشاهد فى الكتاب : ١ / ١٦٩ ، وشرح أبياته لابن السيرافى : ١ / ٢٨١ والنكت عليه للأعلم : ١ / ٣٧٨ ، والمقتضب : ٣ / ٢٣٠ ، ٤ / ٣٠٥ والكامل : ٣٧٤ ، ١٣٥٦ ، ١٤١٢ ، ومجالس العلماء : ٣٤٠ ، والمحتسب : ٢ / ٤٦ ، والخزانة : ١ / ٢٠٧. وأنشده المؤلف فى شرح مقصورة ابن دريد : ٤١٢ ، وذكر قراءة نافع هنالك.

(١) قراءة مجاهد فى البحر المحيط : ٥ / ٢٨٥.

(٢) الأبيات الثلاثة فى المقصورة ينظر شرح المؤلف لها ، وهى غير متوالية : الأول ص ٤١٢ ، والثانى ص ٤١٥ ، والثالث ص ٤١١.

(٣) أنشده المؤلّف فى شرح المقصورة : ٤٠٨ مع بيت آخر هو :

فياظبى كل رغدا هنيئا ولا تخف

فإنّى لكم جار وإن خفتم الدّهرا

وهما للمجنون ، قال : «أنشدنا محمد بن القاسم». يعنى محمد بن القاسم الأنبارىّ أبو بكر ، أنشدهما فى الزاهر : ١ / ٥٧٨ وينظر : ديوان المجنون : ١٧١ ، وفيه : «تراءت لنا ظهرا».

٣٠٤

رأيت غزالا يرتعى وسط روضة

فقلت أرى ليلى تلسّ به زهرا (١)

معنى تلسّ ، أى : تتناول النّبات بفيها ، وإنما كسر نافع العين ؛ لأنّ الأصل : نرتعى ونلعب فسقطت الياء للجزم ، وإنما انجزم ، لأنّه جواب الأمر (أَرْسِلْهُ مَعَنا) ... نَرتع.

وقرأ ابن كثير بالنّون مثل أبى عمرو. وقرأ بالكسر مثل نافع.

وقرأ الباقون : (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) بالياء جميعا وإسكان العين والياء ، والعلّة فيه أيضا ما تقدم.

٨ ـ وقوله تعالى : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ) [١٤].

قرأ الكسائىّ وحده بغير همز.

وقرأ الباقون مهموزا ، وهو الأصل ؛ لأنّه مأخوذ من تذّأبت الرّيح : إذا أتت من كلّ ناحية (٢).

وجمع الذّئب : أذؤب وذئاب وذؤبان ، [وذؤبان] العرب : لصوصهم مشبّهة بالذّئب ؛ لأنّ الذّئب لصّ ، ويقال للّصّ : الطّمل ، ويقال للذّئب : الطّمل (٣). ومن ترك الهمزة فتخفيفا كما تركت الهمزة من البئر. وهمزها آخرون قال ذو الرّمة (٤) :

فبات يشئزه ثأد ويسهره

تذاؤب الرّيح والوسواس والهضب

__________________

(١) فى الأصل «دهرا».

(٢) فى اللّسان : (ذئب): «وتذأبت الرّيح وتذاءبت : اختلفت وجاءت من هنا ومن هنا».

(٣) جاء فى تهذيب اللّغة : ١٣ / ٣٦١ «عمرو عن أبيه ، قال : الطّمل : اللّصّ وقال ابن الأعرابي : الطّمل : الذّئب».

(٤) ديوان ذى الرّمة : ٩٠ ، ٩١ ، من بائيّته المشهورة.

٣٠٥

يشئزه : يقلقه. والثّأد : النّدى. والوسواس : الحركة. والهضب : الأمطار.

٩ ـ وقوله تعالى : (يا بُشْرى) [١٩].

قرأ أهل الكوفة بشرى جعلوه اسم رجل.

قال أبو عبيد الاختيار : (يا بُشْرى) لأنه يحتمل أن يكون اسم رجل. وأن يكون من البشارة. وردّه بعض النّحويين فقال / إذا جعلته من البشارة لم يجز إلا أن تضيفه إلى نفسك كما تقول : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ)(١).

قال أبو عبد الله (رضى الله عنه) : أصاب أبو عبيد ؛ لأنّ العرب تقول : يا عجبا لهذا الأمر ويا عجبي ، ويا حسرتا ويا حسرتي ، كلّ ذلك صواب ، غير أنّ حمزة والكسائىّ يميلان يا بُشريي الرّاء والياء ، وإنما الممال فى الحقيقة الألف فقط ، وإنما أشرت إلى الراء بالكسرة ، ومن زعم أنّ ما قبل الألف ممال فقد غلط.

وقرأ الباقون يا بُشراىَ فأضافوا إلى النّفس ، وفتحت الياء على أصلها لئلا يلتقى ساكنان.

وقرأ نافع فى رواية ورش يا بُشراىْ ومثواىْ [٢٣] ومحيايْ (٢) سواكن ، وإنما جاز له أن يجمع بين ساكنين ؛ لأنّ السّاكن الأول ألف ، وهو حرف لين.

وفيها قراءة ثالثة ، قرأ ابن أبى إسحاق فيما حدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن

__________________

(١) سورة هود : آية : ٧٢.

(٢) سورة الأنعام : آية : ١٦٢.

٣٠٦

الفرّاء رحمه‌الله (١) يا بشرىَّ هذا غلام قلب الألف ياء وأدغم الياء فى الياء والتّشديد من جلل ذلك ، قال أبو ذؤيب (٢) :

تركوا هوىّ وأعنقوا لسبيلهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع

وهذه اللّغة كثيرة فى طّيىء ، وهى لغة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ : فمن اتّبع هُدَىَ (٣).

١٠ ـ وقوله تعالى : (هَيْتَ لَكَ) [٢٣].

قرأ ابن كثير هيتُ لك بضمّ التاء.

وقرأ نافع هِيتَ لك بكسر الهاء ، وابن عامر مثله إلا أنّ ابن عامر يهمز برواية هشام ، وأمّا هشام فإنه قرأ بضم التّاء والخلاف مثله.

وقرأ الباقون (هَيْتَ) وهى اللّغة الفصحى.

ومعنى (هَيْتَ لَكَ) هلمّ لك ف «هيت» و «هلمّ» و «ادنه» / بمعنى. قال أعرابىّ يخاطب على بن أبى طالب رضى الله عنه (٤) :

__________________

(١) معانى القرآن للفراء : ٢ / ٣٩ ، والقراءة فى المحتسب : ١ / ٣٣٦ ، وتفسير القرطبى : ٩ / ١٥٣ ، والبحر المحيط : ٥ / ٢٩٠.

(٢) شرح أشعار الهذليين : ١ / ٧ ، وهو من قصيدته المشهورة فى رثاء أولاده والشاهد فى : المحتسب : ١ / ٧٦ ، وأمالى ابن الشجرى : ١ / ٢٨١ ، وشرح المفصّل لابن يعيش : ٣ / ٣٣ ، وشرح الشواهد للعينى : ٣ / ٤٩٣.

(٣) سورة طه : آية ١٢٣.

فى شرح التصريح على التوضيح : ٢ / ٦١ «هى لغة هذيل ، بل حكاها عيسى بن عمر عن قريش ، وحكاها الواحدىّ فى «البسيط» عن طيىء. ورويت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله الشاطبى».

(٤) لم أجد من نسبهما ، وهما فى الكتاب : ١ / ٣٧٧ ، ومجاز القرآن : ١ / ٣٠٥ ومعانى القرآن : ٢ / ٤٠ ، وتفسير الطبرى : ١٦ / ٢٥ ، ومعانى الزجاج : ٣ / ١٠٠ والأصول : ٣ / ٤٧٩ ، والخصائص : ١ / ٢٧٩ ، والمحتسب : ١ / ٣٣٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٤ / ٧٢.

٣٠٧

أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا

أنّ الحجاز وأهله عنق إليك فهيت هيتا

وإنما صار الفتح أجود ؛ لأنّ الساكن الأول ياء كقولك «كيف» و «أين» و «ليت» ، ولا يقال : «كيف» و «أين» و «ليت» ، ولو قيل لجاز ؛ لأنّ العرب تكسر لالتقاء الساكنين وتفتح وتضم فالفتح نحو «أين» و «حيث» حكاهما الخليل رضى الله عنه (١). وبالضم حيث ، وهو الأكثر ؛ لأن القرآن نزل به. وتقول : جير لأفعلنّ كذا وكذا كما تقول : والله لأفعلنّ كذا.

وأخبرنى أحمد بن عبدان عن علىّ عن أبى عبيد أنّ ابن أبى إسحاق قرأ وقالت هَيِتَ لك بكسر الياء (٢).

وقرأ يحيي بن وّثاب وابن عباس هِئْتُ بكسر الهاء والهمزة. أخبرنا ابن دريد عن أبى حاتم عن أبى عبيدة قال (٣) : قال أبو أحمد ـ وكان لألاء ، وكان مع القضاة ثم جلس فى بيته ـ إنّه سأل أبا عمرو عن هئت لك قال : نبسى ، أى : باطل؟! ، انظر من الخندق إلى أقصى حجر بالشّام هل يقول أحد (هئت)؟! ولكنّه فعلت من تهيّأت لك.

وقد روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال : «ها أنا لك» ف «ها» تنبيه. وروى عنه : هُيَّت لك.

__________________

(١) إعراب ثلاثين سورة : ١٩٠.

(٢) تفسير القرطبى : ٩ / ١٦٣ ، والبحر المحيط : ٥ / ١٩٤ ، والنشر : ٢ / ٢٩٤. (٣) النصّ هنا مضطرب فيه تقديم وتأخير ، وتغيير عبارة ونقص ، وعبارة أبى عبيدة فى المجاز : ١ / ٣٠٥ هكذا : «وشهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد أو أحمد ، وكان عالما بالقرآن ، وكان لألاء ، ثم كبر فقعد فى بيته فكان يؤخذ عنه القرآن ويكون مع القضاة فسأله عن قول من قال : (هَيْتَ لَكَ) فكسر الهاء وهمز الياء فقال أبو عمرو نبسى أى : باطل جعلها قلت ، من تهيأت فهذا الخندق واستعرض العرب حتى تنتهى إلى اليمن هل يعرف أحد هئت لك؟! ...».

٣٠٨

فذلك سبع قراءات (هيت) و (هيت) و (هيت) و (هيت) و (هئت) و (ها أنا) و (هيّت).

١١ ـ وقوله تعالى : (مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [٢٤].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر المخلِصين / بكسر اللّام فى جميع القرآن ؛ لأنّ الله تعالى وصفهم بالإخلاص كما قال (١) : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) يقال : أخلص يخلص إخلاصا فهو مخلص.

وقرأ الباقون (الْمُخْلَصِينَ) بفتح اللّام على أنّهم مفعولون ، الله أخلصهم فصاروا مخلصين ، وحجّتهم قوله تعالى (٢) : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) وقد شاركوا أبا عمرو وأصحابه فى (مريم) بكسر اللام : إنّه كان مخلِصا وكان رسولا نبيّا (٣) وإنما كسروا هذا الحرف ليبيّنوا أنّ اللّغتين جائزتان.

١٢ ـ وقوله تعالى : (حاشَ لِلَّهِ) [٣١].

قرأ أبو عمرو وحده حاشا بألف ، وصل أو وقف.

وقرأ الباقون : (حاشَ لِلَّهِ) بغير ألف فى الوصل ، ويجب فى قراءتهم أن يقفوا بغير ألف ، لأنّ فى مصحف عثمان وابن مسعود رضى الله عنهما : (حاشَ لِلَّهِ) بغير ألف فيهما ، كما قال أبو عبيد عن أبى توبة عن الكسائىّ قال : فى مصحف عبد الله بألف. قال : وذهب أبو عمرو إلى محض الفعل ، لأنّ العرب تقول : حاشى يحاشى محاشاة فهو محاش : إذا استثنى كقولك : جاءنى القوم حاشى زيد ،

__________________

(١) سورة الأعراف : آية : ٢٩. وغيرها.

(٢) سورة ص : آية ٤٦.

(٣) الآية : ٥١.

٣٠٩

قال النّابغة (١) :

* وما أحاشى من الأقوام من أحد*

وقال الحذّاق من النّحويين : جاءنى القوم حاش زيدا ، أى : نحّيت زيدا عنهم ، كما تقول : أنا فى حشى فلان ، وفى ذرى فلان ، وفى ظلّ فلان ، أى : فى ناحيته.

وقال المفسّرون : (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) معناه : معاذ الله ، وفيه أربع لغات : حاشى زيد وحاش زيد وحاش لزيد وحاشى لزيد / ، وحشى لزيد لغة خامسة.

١٣ ـ وقوله تعالى : (سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) [٤٧].

روى حفص عن عاصم (دَأَباً) بفتح الهمزة.

وقرأ الباقون دأْبا ساكنة ، وهما لغتان : الدّأب والدّأب مثل النّهر والنّهر والسّمع والسّمع و (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ)(٢) وظعَنِكم وكلّ اسم كان ثانيه حرفا من حروف الحلق جاز حركته وإسكانه ، وقد شرحت ذلك فى (الأنعام) عند قوله تعالى (٣) : ومن المعِز اثنين والدّأب فى الشّىء : الملازمة والعادة يقال : ما زال ذلك دأبه وديدنه ودينه وعادته واهجيراه وهجّيراه وأجرياه وأجرياؤه بمعنى واحد ، والاختيار : الإسكان ؛ لأنّهم قد أجمعوا على إسكان الهمزة

__________________

(١) صدره فى ديوانه : ٢٠ :

* ولا أرى فاعلا فى الناس يشبهه*

ورواية الدّيوان : «ولا أحاشى». والشاهد فى الأصول : ١ / ٢٩٢ ، ٣ / ٢٧٥ ، والمرتجل : ٢٣٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٢ / ٨٥ ، ٨ / ٤٨ ، والخزانة : ٢ / ٤٤.

(٢) سورة النحل : آية ٨٠.

(٣) الآية : ١٤٣.

٣١٠

فى قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)(١) وهذا مثله.

وقال آخرون : الدّأب : الاسم ، والدّأب : المصدر ، قال الكميت (٢) :

هل تبلّغنيكم المذكّرة ال

وجناء والسّير منّى الدّأب

وفيها قراءة ثالثة : كان أبو عمرو إذا أدرج القراءة لم يهمز (سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) قد ذكرت علّة ذلك فيما سلف من الكتاب.

١٤ ـ وقوله تعالى : (فِيهِ يَعْصِرُونَ) [٤٩].

قرأ حمزة والكسائىّ : تعصرون بالتّاء.

وقرأ الباقون بالياء.

وفيها قراءة ثالثة قرأ عيسى الأعرج (٣) : وفيه يُعصرون أى : يمطرون من قوله (٤) : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً).

فمن قرأ بالياء فمعناه : يعصرون بعد أربع عشرة سنة الزّيت والعنب (٥). ومن قرأ بالتّاء فمعناه : يلجأون إلى العصر وهو الملجأ والموئل والوزر. وينجون من النّجاة / قال عدىّ بن زيد (٦) :

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ١١.

(٢) لم يرد فى شعره.

(٣) القراءة فى المحتسب : ١ / ٣٤٤ ، والبحر المحيط : ٥ / ٣١٦.

(٤) سورة النبأ : آية ١٤.

(٥) معانى القرآن للزجاج : ٣ / ١١٤.

(٦) ديوان عدىّ : ٩٣ وقد سبق.

٣١١

لو بغير الماء حلقى شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصارى

يقال : شرق بالماء وغصّ بالطّعام.

ومن قرأ بالتّاء يجوز أن يكون معناه كمعنى الياء أيضا.

١٥ ـ وقوله تعالى : (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) [٥٦].

قرأ ابن كثير نشاء بالنون الله تعالى يخبر نفسه.

وقرأ الباقون بالياء (حَيْثُ يَشاءُ) ومعناه : حيث يشاء يوسف ، ويوسف لا مشيئة له ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١) والمشيئة له بعد مشيئة الله وقضائه. وهذا كما تقول : أضلّ الله الكافرين فضلّوا هم ، وأمات الله زيدا فمات هو ، هذا إذا جعلت المشيئة بمعنى العلم والقضاء أى : علم الله أنّهم يشاءون ذلك. ومعنى (يَتَبَوَّأُ) ينزل ، والمتبوأ : المنزل. وقد شرحت ذلك فى (يونس).

١٦ ـ وقوله تعالى : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ) [٦٢].

قرأ حمزة والكسائىّ وحفص عن عاصم (لِفِتْيانِهِ).

وقرأ الباقون لِفِتْيَتِه وهما جمعان جميعا غير أن فتية : جمع قليل نحو الغلمة والصّبية. وفتيان : جمع كثير مثل غلمان وصبيان فينبغى أن يكون الاختيار : وقال لِفِتْيَيانه لأنّهم كانوا أكثر من عشرة. والجمع القليل لما بين الثلاثة إلى العشرة ، ألم تسمع قوله تعالى (٢) : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ

__________________

(١) سورة الإنسان (الدهر) : آية ٣٠.

(٢) سورة التّوبة : آية ٣٦.

٣١٢

شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ). يعنى من الاثنى عشر ، ثم قال : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) يعنى فى الأشهر الحرم تفضيلا لها ؛ لأنّه لا يجوز الظّلم فى غير الأشهر الحرم.

فإن سأل سائل : فتى (فعل) مثل جمل ، وفعل لا تجمع على فعلة؟.

فالجواب فى ذلك أنّه لمّا وافق غلمانا فى الجمع الكثير وفّقوا بينهما فى الجمع القليل ، وهذا حسن جدّا فاعرفه.

١٧ ـ وقوله تعالى : (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) [٦٣].

قرأ حمزة والكسائىّ بالياء ، أى : يكتال هو ، وذلك أن كلّ رجل يعطى بعيرا وكيل بعير. والبعير هاهنا : حمار. كذا جاء فى التّفسير (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) [٧٢] أى : حمل حمار والبعير : الحمار ، والبعير : الجمل ، والبعير : الناقة. قال أعرابىّ : شربت البارحة لبن بعيرى ، أى : ناقتى.

ومن قرأ بالنّون ، أى : نكتال جميعا ، وهو يكتال معنا. يكتل ونكتل جميعا مجزومان ؛ لأنّه جواب الأمر إنّما ينجزم لأنّه فى معنى الشّرط والجزاء ، أرسله معنا فإنّك إن أرسلته معنا نكتل.

فإن سأل سائل فقال : ما وزنه من الفعل؟

فقل : يفتعل والأصل : يكتيل فاستثقلوا الكسرة على الياء فخزلت فانقلبت الياء ألفا ؛ لانفتاح ما قبلها [فصارت] يكتال ، فالتقى ساكنان الألف واللام فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، وإنّما ذكرت ذلك ، لأنّ أبا عثمان المازنى سأل يعقوب بن السّكّيت عن نكتل ما وزنه؟ فقال : نفعل فغلط (١).

__________________

(١) ينظر مجالس العلماء للزّجاجى : ٣٠٠. وهى فى طبقات النحاة للزّبيدى : ٢٢٢ ، وإنباه الرواة : ١ / ٣٥٠ ، والأشباه والنظائر : ٣ / ٣٤ ، ٢٣١.

٣١٣

١٨ ـ وقوله تعالى : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا) [٨٠] و (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) [١١٠].

روى شبل عن ابن كثير / استئاس بالألف فلمّا استئياسوا والأصل الهمز ، لأنّه استفعل من اليأس فالياء فاء الفعل والهمزة عينه والسّين لامه ، والمصدر منه استيأس يستيئس استيآسا فهو مستيئس ، وجعله شبل استفعل من أيس الهمزة قبل الياء والإياس : المصدر من هذا ، استأيس يستأيس استيئياسا فهو مستيئس. والعرب تقول : يئست من الشّىء وأيست منه (١).

١٩ ـ وقوله تعالى : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) [٦٤].

قرأ حمزة والكسائىّ وحفص عن عاصم (حافِظاً).

وقرأ الباقون حِفْظا.

فمن قرأ حِفْظا نصبه على التّمييز كما تقول : هو أحسن منك وجها وأحسن منك رعاية.

ومن قرأ (حافِظاً) نصبه على الحال وعلى التّمييز جميعا (٢) ، واحتجّ بأنّ فى حرف ابن مسعود (٣) فالله خير الحافظين جمع حافظ ، كما قال : (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ)(٤) ، والعرب تقول : هو خيرهم أبا ، ثم يحذفون الهاء والميم فيقولون : هو خير أبا ، وكذلك خيرهم حفظا و (خَيْرٌ حافِظاً) بمعنى.

__________________

(١) قال ابن عطيّة ـ رحمه‌الله ـ فى تفسيره : ٨ / ٤٢ «أصله : استأيسوا استفعلوا من أيس على قلب الفعل من يئس إلى أيس ، وليس هذا كجذب وجبذ بل هذان أصلان ...».

(٢) هو رأى الزجاج فى المعانى : ٣ / ١١٨.

(٣) البحر المحيط : ٥ / ٣٢٣.

(٤) سورة الصافات : آية : ١٢٥.

٣١٤

فإن قال قائل : فما معنى قول العرب : زيد أفره عبدا وأفره عبد؟

فالجواب فى ذلك أنّك إذا خفضته مدحته فى نفسه ، وكان هو العبد الفاره. وإذا نصبت فمعناه : أنّ عبيد زيد أفره من عبيد غيره ، وتقول : الخليفة أفره عبدا من غيره وأفره عبيدا. وهذا المملوك أفره عبد /.

٢٠ ـ وقوله تعالى : (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [١٠٩].

روى حفص [عن عاصم](نُوحِي) بالنّون وكسر الحاء ، الله تعالى يخبر عن نفسه

وقرأ الباقون : يوحى على ما لم يسمّ فاعله ، فالمصدر من الأول : أوحينا نوحى إيحاء ، ومن الثّانى أوحى إليهم يوحى. وفيها لغة ثالثة يقال : وحيت إليه بمعنى أوحيت ، فإذا لم تسمّ فاعله من هذا قلت : وحي إليه.

حدّثنى ابن مجاهد عن السّمّرىّ عن الفرّاء قال (١) : قرأ أبو حيوة الأسدىّ قل أحى إلىّ أراد : وحى فقلب الواو همزة استثقالا للضّمّة عليها مثل : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)(٢) ووقّتت. وقال ابن دريد (٣) : فلان ابن أدّ ، إنما هو ودّ فعل من الودّ فقلب.

وقرأ حفص فى كلّ القرآن نوحى بالنّون إلّا فى (عسق) فإنه قرأ (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ)(٤) أى : يوحي الله إليك.

__________________

(١) معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٩٠ : «وقرأها جويّة الأسدىّ ...». وفى نسختين من المعانى : «جويّة بن عبد الله الأسدى إن شاء الله» وفى غاية النهاية لابن الجزرى : ١ / ١٩٩ «جويّة بن عاتك ويقال : ابن عايذ ، أبو أناس بضم الهمزة والنون ، الأسدى الكوفى ، وهو بضم الجيم وتشديد الياء روى القراءة عن عاصم ...». وأبو حيوة : شريح بن يزيد الحضرمىّ مقرىء الشام توفى سنة ٢٠٣ ه‍. غاية النهاية : ١ / ٣٢٥. ولعلّ الصّواب هو ما فى المعانى لأنّه مصدر المؤلف. والله أعلم.

(٢) سورة المرسلات : آية ١١.

(٣) جمهرة اللّغة : ١ / ٥٥ (دار العلم).

(٤) سورة الشورى : آية ٢.

٣١٥

وقرأ الباقون : يوحي.

٢١ ـ وقوله تعالى : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) [٩٠].

قرأ ابن كثير وحده : قالوا إنّك بغير مدّ على لفظ الخبر ، كما تقول : إنّك فى الدّار.

وقرأ الباقون : (أَإِنَّكَ) بالاستفهام ، غير أنّ أهل الكوفة همزوا همزتين ، والباقون بهمزة ومدّة وقد بيّنا علّة ذلك فيما تقدّم.

وحجة ابن كثير أنّهم لو استفهموا لقال لهم فى الجواب : نعم أو لا ، ولكنّهم أنكروا أن يكون هو يوسف ، فقال فى الجواب (أَنَا يُوسُفُ).

٢٢ ـ وقوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) [٩٠].

قرأ ابن كثير فيما قرأت على ابن مجاهد على قنبل : من يتّقى بالياء ، وهو جزم بالشّرط ، غير أن من العرب / من يجرى المعتلّ مجرى الصّحيح فيقول : زيد لم يقضى ، والاختيار : لم يقض تسقط الياء للجزم ، وبهذا نزل القرآن ، وهى اللّغة المختارة كما قال : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ)(١) ولم يقل : قاضى. وكان الأصل فيمن أثبت الياء : يتّقى بضم الياء فى الرفع فلما انجزم سقطت الضمة وبقيت الياء ساكنة ، وإنما تجوز هذه اللّغة عند سيبويه وسائر النحويين فى ضرورة شعر كما قال (٢) :

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بنى زياد

__________________

(١) سورة طه : آية ٧٢.

(٢) ضرائر الشعر لابن عصفور : ٤٥ ، والبيت لقيس بن زهير العبسىّ فى شعره : ٢٩ فى الكتاب : ١ / ٥٩ ، ومعانى القرآن : ١ / ١٦١ ، وسر صناعة الإعراب : والموشح : ١٤٩ ، وأمالى ابن الشجرى : ١ / ٨٤ ، ٦٣ والخزانة : ٣ / ٥٣٤.

٣١٦

ولم يقل : ألم يأتك.

٢٣ ـ وقوله تعالى : ف (ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) [١١٠] قرأ أهل الكوفة مخففا.

وقرأ الباقون مشدّدا. فمن شدّد فالظنّ ـ هاهنا ـ للأنبياء وهو ظنّ علم ويقين ، ومعناه : حتّى إذا استيأس الرّسل من قومهم أن يؤمنوا وظنّوا أى : علموا أن قومهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا أى : جاء الرّسل نصرنا.

ومن قرأ بالتّخفيف فالظنّ ظنّ شكّ وهو الكافر ، والتقدير : فظنّ الكافر أن الرّسل قد كذبوا فيما أوعدوا أن يأتيهم من النّصر.

وفيها قراءة ثالثة : حدّثنى أحمد بن عبدان عن علىّ عن أبى عبيد أن مجاهدا قرأ (١) فظنّوا أنّهم قد كَذبوا بفتح الكاف خفيفا فيكون هذا الظّنّ للكفرة والفعل للرّسل.

٢٤ ـ وقوله تعالى : (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) [١١٠].

قرأ عاصم وابن عامر (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) بنون واحدة على أنه فعل ماض لم يسم فاعله و «من» فى موضع رفع اسم ما لم يسم فاعله / وإنّما حمله على ذلك أن النون خفيت فى اللّفظ للغنة التى فيها فحذفت خطا.

والاختيار ما قرأه الباقون فننجّى من نشاء بنونين الأولى علامة الاستقبال ، والثانية أصليّة مثل (وَما نُنَزِّلُهُ) والياء ساكنة ؛ لأنّ الياء تسكن فى الفعل المستقبل وتفتح فى الفعل الماضى مثل قضى يقضى.

وروى نصر عن أبيه عن أبى عمرو : فنَّجى منْ نَّشاء بإدغام النّون وسكون الياء.

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٥٠ ، والبحر المحيط : ٥ / ٣٥٥.

٣١٧

قال ابن مجاهد رضى الله عنه (١) : وغلط ؛ لأنّ النّون لا يجوز إدغامها فى الثّانية هاهنا ، لأنّها ساكنة.

قال أبو عبد الله رضى الله عنه : إنما يدغم السّاكن فى المتحرك لا المتحرك فى السّاكن ؛ لأنّ المتحرك حىّ ، والساكن ميت ، ومن شأن العرب أن تدفن ميتا فى الحىّ ولا يدفنون حيّا فى ميت.

وفيها قراءة رابعة : قرأ ابن محيصن : (٢) فَنَجا منْ نَّشاء فعلا ماضيا.

(واختلفوا فى هذه السورة فى تحريك ياءات الإضافة وإسكانها فى مواضع قد بينت بعضها وسأذكر الباقى).

(بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [١٠٠].

فتح نافع الياء فى رواية إسماعيل ، وأسكنها الباقون. وأسكن ابن كثير (تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [٣٣] و (أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [٣٦] و (أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي) [٣٦] و (أُبَرِّئُ) [٥٣] و (رَحِمَ رَبِّي) [٥٣] و (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) [٥٩] و (يَأْذَنَ لِي أَبِي) [٨٠] و (حُزْنِي إِلَى اللهِ) [٨٦] و (رَبِّي أَحْسَنَ) [٢٣](وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [١٠٠](سَبِيلِي أَدْعُوا) [١٠٨].

وحرّكهنّ نافع وأبو عمرو إلّا قوله (أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) وأسكن أيضا (لَيَحْزُنُنِي) [١٣] و (تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) و (إِخْوَتِي إِنَ) [١٠٠] و (هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا) [١٠٨].

__________________

(١) السّبعة : ٣٥٢.

(٢) تفسير القرطبى : ٩ / ٢٧٧ ، والبحر المحيط : ٥ / ٣٥٥.

٣١٨

وحركها نافع

وأسكن الباقون كلّ ذلك.

وحذفت من هذه السّورة (تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) [٦٦] فوصلها أبو عمرو ونافع فى رواية إسماعيل ، ووقف بغير ياء ووصلها ابن كثير بالياء ، ووقف بياء أيضا ، ووصل الباقون ووقفوا بغير ياء اتّباعا للمصحف ، وقد أنبأت عن العلة فيما تقدم فأغنى عن الإعادة هاهنا.

* * *

٣١٩

ومن السّورة التى يذكر فيها

(الرّعد)

١ ـ قوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [٣].

قرأ أهل الكوفة بالتّشديد يغشِّى إلا حفصا.

وقرأ الباقون : (يُغْشِي) وقد ذكرت علّة ذلك فى سورة (الأعراف).

٢ ـ وقوله تعالى : (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) [٤].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) مرفوعا كلّها على معنى ، وفى الأرض قطع متجاورات يعنى : طينة وسبخة ، وجنّات من أعناب وفيها زرع ؛ لأنّ الجنّات تكون من نخيل وأعناب ، ولا تكون من زرع.

وقرأ الباقون وزرعٍ ونخيلٍ صنوانٍ وغير صنوان بالجر كلّها ، وذلك أنّ الزّرع لما وقع بين النّخيل والأعناب خفضوه للمجاورة والتّقدير : جنات من أعناب ومن زرع ومن نخيل.

وفيها جواب آخر : وذلك أن العرب تسمى كلّ نجم وشجر زرعا فيقولون عند الجدب وقحط المطر : هلك الزّرع والضّرع فيذهبون بالزّرع إلى كلّ ما ينبت ، وبالضّرع إلى كلّ ما يحلب.

واتّفق القراء على كسر / الصّاد من (صِنْوانٌ) ، لأنّه جمع صنو والتّثنية :

٣٢٠