إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٤٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

وقرأ ابن كثير فى رواية ابن أبي بزّة فإذا هى تَّلقَّف بتشديد التاء ؛ أراد : تتلقف فأدغم ، ومثله نارا تَّلظّى (١) ولا تَّنابزوا بالألقاب (٢).

٢٧ ـ وقوله تعالى : و (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) [١٢٣].

فيه خمس قراءات :

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر وحمزة والكسائىّءاامنتم بثلاث ألفات ، الهمزة الأولى توبيخ فى لفظ الاستفهام.

والثانية : ألف القطع.

والثالثة سنخيّة ، والأصل فيه دخول التوبيخءأامنتتم بهمزة بعدها ألف مليّنة ، الأصل : اآمنتم فخفف مثل آدم وآزر.

وقرأ أبو عمرو ونافع بتليين الثانية والثالثة آامنتم.

وروى حفص عن عاصم : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ) على لفظ الخبر بغير استفهام ، فقال الفرّاء (٣) : آمنتم : صدقتم وآامنتم بالاستفهام أجعلتم له الّذى أراد.

وقرأ ابن كثير فى رواية ابن أبي بزّة عن أبى الإخريط (٤) : قال فرعون وآمنتم يلفظه كالواو ولا همزة بعدها ، فيكون هذا على أن أشبع ضمّة نون فرعون حتّى صارت كالواو ، كما روى ورش عن نافع : نعبدو وإيّاك نستعين (٥)

__________________

(١) سورة الليل : آية ١٤.

(٢) سورة الحجرات آية : ١١.

(٣) معانى القران : ١ / ٣٩١.

(٤) اسمه وهب بن واضح تقدم ذكره.

(٥) سورة الفاتحة : آية : ٥.

٢٠١

بإشباع الضّمة وهو لغة للعرب ، قال زيدو ، وجاءنى بكرو ، وقال الأعشى (١) :

* ويلي عليك وويلي منك يا رجلو*

وءامنتم / على الخبر.

وروى قنبل عن ابن كثير : قال فرعون وأمنتم به بواو بعدها همزة ساكنة. فقال ابن مجاهد رحمه‌الله : خطأ (٢).

وله عندى وجه فى العربيّة ، وذلك : أنه ليّن ألف القطع التى هى همزة فصارت واوا ؛ لانضمام ما قبلها فرجعت الهمزة التى هى فاء الفعل قبل أن تليّن كما تقول : أؤمر ، من أمر يأمر جعلت الهمزة التى هى فاء الفعل واوا ، لانضمام ما قبلها فإن ذهبت ألف الوصل رجعت الهمزة فقلت : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ)(٣).

فإن قال قائل : فإنّ الواو إذا كانت مليّنة من همزة يجب أن تكون ساكنة؟

فالجواب فى ذلك أنّ الواو السّاكنة إذا لقيها ساكن آخر حركت لالتقاء السّاكنين ، وكذلك الياء نحو : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)(٤) و (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ)(٥).

__________________

(١) ديوان الأعشى ٤٣ (الصبح المنير) وصدره :

* قالت هريرة لما جئت زائرها*

(٢) السبعة : ٢٩٠ وعبارته : «وأحسبه وهم».

(٣) سورة طه : آية : ١٣٢.

(٤) سورة التكاثر : آية ٦.

(٥) سورة مريم : آية : ٢٦.

٢٠٢

فإن قيل : فهلّا حركتها بكسر أو ضمّ؟

فالجواب فى ذلك : أنّ الكسرة والضّمة تستثقلان على الواو حتى تصير همزة.

وعلّة أخرى : أن قبل الواو ضمّة فكرهوا الخروج من كسر إلى ضمّ فافهم ذلك فإنّه لطيف جدّا.

٢٨ ـ وقوله تعالى : (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) [١٢٧] و (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ) [١٤١].

قرأهما نافع بالتّخفيف.

وقرأهما الباقون بالتّشديد جعلوه من التّقتيل مرة بعد مرة. غير أن ابن كثير كان يخفف سَنَقْتُلُ ويثّقل : و (يُقَتِّلُونَ).

٢٩ ـ وقوله تعالى : (يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [١٢٨].

روى حفص عن عاصم فى رواية هبيرة يوَرِّثها بفتح الواو / وتشديد الرّاء من ورّث يورّث كأنه مرة بعد أخرى.

وقرأ الباقون (يُورِثُها) بالتّخفيف من أفعل يفعل ، وهو الاختيار ؛ لأن شاهده قوله تعالى : (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها)(١)(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا) [١٣٧] [كأنّ حفصا](٢) ذهب إلى قوله فى الحديث (٣) «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» هكذا لفظ الحديث.

٣٠ ـ وقوله تعالى : (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) [١٣٧].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر وابن عامر يعرُشون. بالضم ، ومعناه : يبنون

__________________

(١) سورة الشعراء : آية ٥٩.

(٢) فى الأصل : «وكان حفص ذهب ...».

(٣) الحديث فى تفسير القرطبى : ١٣ / ٣٦٤ ، والدر المنثور : ١ / ٣٧٢.

٢٠٣

وقرأ الباقون بالكسر (يَعْرِشُونَ).

٣١ ـ فأمّا قوله : (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) [١٣٨].

فإنّ حمزة والكسائىّ قرآه بكسر الكاف.

والباقون بالضمّ ، وهما لغتان ، يعكف ويعكف. ويعرش ويعرش. ومعنى يعكفون : يواظبون عليه ويقيمون عليه ، وكل من لزم شيئا فقد عكف عليه ومنه الاعتكاف فى المساجد.

فأقلّ الاعتكاف عند الشافعى ساعة ، وعند غيره يوم وليلة. ولا يجيزون الاعتكاف ، أعنى هؤلاء إلّا مع الصّوم.

وحجّة الشّافعىّ ـ رضى الله عنه ـ أن عمر قال : «يا رسول الله : كنت نذرت فى الجاهليّة أن أعتكف ليلة فقال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوف بنذرك» (١) فلو كان الصّوم واجبا ما جاز الاعتكاف ليلا ؛ لأنّ الصوم باللّيل محال.

واعلم أن كلّ فعل كان ماضيه مفتوح العين فإنّ مستقبله يجوز كسره وضمّه. أما ما كان ماضيه مكسورا فالمضارع / منه مفتوح ، وما كان ماضيه مضموما فالمستقبل بالضمّ أيضا. نحو ظرف يظرف. فهذا جملة هذا الباب. وقد يشذّ منه الأحرف وقد بينتها فى غير هذا الموضع.

٣٢ ـ وقوله تعالى : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [١٤١].

قرأ ابن عامر وحده : وإذ نجّاكم وكذلك هي فى مصاحفهم.

والباقون : (أَنْجَيْناكُمْ).

وإذ متعلقة بفعل ، التقدير : واذكروا إذ أنجيناكم. ومعنى أنجيناكم : أنجينا أباكم

__________________

(١) الحديث فى صحيح البخارى : ٨ / ١٧٧ كتاب الإيمان والنذور (باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا فى الجاهلية ثم أسلم وينظر فتح البارى : ٨ / ١٧٧ رقم (٦٦٩٧). وينظر : صحيح مسلم : ٣ / ١٢٢٧ رقم (١٦٥٦) ومسند أحمد : ٢ / ٣٥.

٢٠٤

[وأحييناكم] فوعظهم الله تعالى لئلا ينزل بهم نقمته إذا خالفوا.

٣٣ ـ وقوله تعالى : (جَعَلَهُ دَكًّا) [١٤٣].

قرأ حمزة والكسائىّ : دكّاء ممدودا ، جعله صفة ، والتقدير : فجعل الجبل أرضا ملساء دكّاء كقول العرب (١) ناقة دكاء : لاسنام لها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف.

وقرأ الباقون : (دَكًّا) جعلوه مصدرا كقوله : (دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا)(٢) غير أن هذا قد ذكر الفعل الذى صدر عن مصدره لفظا ، وقوله : ف (جَعَلَهُ) ليس من لفظ دكّا. غير أنه بمعناه فكأنّ التقدير : فلما تجلّى ربّه للجبل دكه دكّا.

إلا عاصما فإنه كان يمدّ الذى فى (الكهف) ويقصر هاهنا كأنه جمع بين اللّغتين لينبىء أنّ هذه جائزة وهذه جائزة ، فمن مدّ جمعها دكاوات ، ومن قصر لم يثنّ ولم يجمع ؛ لأنه مصدر ، وحكى لى عن بعض القرّاء أنه قرأ دُكّا بالضم والقصر (٣) / فيكون مصدرا وجمعا. والاختيار أنّ الدكّ الأرض الذّليلة.

٣٤ ـ وقوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) [١٤٦].

قرأ حمزة والكسائىّ : الرَّشَد بفتح الراء والشين.

وقرأ الباقون بضم الرّاء وجزم الشّين (سَبِيلَ الرُّشْدِ).

فقال قوم : هما لغتان مثل السّقم والسقم والحزن والحزن ، وقال

__________________

(١) الإبل للأصمعى :

(٢) سورة الكهف : آية ٩٨.

(٣) هو يحيى بن وثاب ، والقراءة فى الكشاف : ٢ / ٩١ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٨٥.

٢٠٥

أبو عمرو : الرّشد : الصّلاح. والرّشد : فى الدّين فلذلك كان يقرأ التى فى الكهف (رَشَداً)(١).

وقال أبو عبيد : الاختيار : الرّشد ـ بالضمّ والإسكان ـ لأنّ القراء أجمعوا على قوله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)(٢) فهذا مثله.

قال أبو عبد الله رضي الله عنه : وكذلك : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ)(٣) والغيّ : هاهنا الضّلال يقال غوي الرجل يغوى : إذا صار من أهل الغيّ. والغواية : الضّلالة. وأمّا غوى ـ بكسر الواو ـ يغوى غوى فشيئان : يقال فى السّخلة إذا بشمت من كثرة الشّرب للّبن ، وإذا هزلت من قلّة الشّرب ، وينشد (٤) :

معطّفة الأثناء ليس فصيلها

برازئها درّا ولا ميّت غوى

الدّرّ : اللّبن ، ومن ذلك قولهم : لله درك ، أي : لله صالح عملك ، وذلك أنّ العرب كانت تفتضّ الكرش لشرب مائه وتفصد العرق لتشرب الدّم فكان أفضل ما يشربون اللّبن وهو الدّرة فأمّا قوله : (لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) [١٤٦] فإن أبيّا قرأ (٥) لا يتّخذوها فالهاء فى كلا القراءتين تعود على / السّبيل ؛ لأنّ العرب تذكّر السّبيل وتؤنّثه ، قال الله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي)(٦) وقال فى موضع آخر : (قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ)(٧) فأمّا ابن

__________________

(١) الآيتان : ١٠ ، ٢٤.

(٢) سورة النساء : آية : ٦.

(٣) سورة البقرة : آية : ٢٥٦.

(٤) أنشده المؤلف فى شرح الفصيح : ورقة : ٢ ، وهو فى التاج (غوى) : لعامر المجنون ، وفى تهذيب اللغة : ٨ / ٢١٨ ، واللسان (غوى) دون نسبة.

(٥) قراءة أبىّ فى البحر المحيط : ٤ / ٣٩٠ لابن أبى عبلة.

(٦) سورة يوسف : آية ١٠٨.

(٧) سورة النحل : آية ٩.

٢٠٦

عامر فإنه قرأ فى الكهف (١) رُشُدا بضمتين أتبع الضمّ الضمّ كما قرأ أيضا : وأقرب رُحُما (٢) وكما قرأ عيسى بن عمر : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)(٣).

٣٥ ـ وقوله تعالى : (بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) [١٤٤].

قرأ ابن كثير ونافع بالتّوحيد ؛ لأن الرّسالة الواحدة قد يكون معها كلمات.

وقرأ الباقون بالجمع ليكون أشكل بالكلمات ويجوز أن يكون أرسله مرارا.

٣٦ ـ وقوله [تعالى] : (مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً) [١٤٨].

قرأ حمزة والكسائىّ بكسر الحاء واللّام.

والباقون بالضمّ على أصل الكلمة وذلك أن الحلي جمع حلي مثل حقو وحقى ووزن حلى : فعول والأصل : حلوي فلما اجتمعت واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموا كما تقول : شويت اللحم شيّا ، وكويته كيّا ، وهذه عشرىّ لا عشروك ، وهؤلاء زيدىّ ، فذهبت النون للإضافة ، وقلبوا من الواو ياء وأدغموا.

وأمّا من كسر فقال حِلِيِّهم فإنه استثقل الضمة مع الياء كما تستثقل مع الكسرة فكسر الحاء لمجاورة اللّام ، ومثله (عِتِيًّا) و (جِثِيًّا) وبِكيّا.

وقرأ يعقوب الحضرمى (٤) : من حَلْيِهِم عجلا جسدا بفتح الحاء وجزم

__________________

(١) الآيتان : ٦٦ ، ٨٨.

(٢) الآيتان : ٦٦ ، ٨٨.

(٣) سورة هود : آية ٨١ ، وقراءة عيسى فى تفسير القرطبى : ٩ / ٨١ ، والبحر المحيط : ٥ / ٢٤٩.

(٤) إعراب القرآن للنحاس : ١ / ٦٣٨ ، وتفسير القرطبى : ٧ / ٢٨٤ والبحر المحيط : ٤ / ٣٩٢ ، والنشر : ٢ / ٢٧٢.

٢٠٧

اللّام ، جعله واحدا. والجسد : الذى لا يتكلّم ألا تسمع قوله : (١)(أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) وذلك أن بنى إسرائيل قالوا لموسى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً) أي : صنما نعبده كما أن لقوم فرعون أصناما عمد السامري ـ فكان مطاعا فى قومه ـ إلى حلىّ عنده وعندهم فجعله عجلا وفوّهه فكان يصّوت إذا خرقته الرّيح فذلك قوله : (لَهُ خُوارٌ).

وقال آخرون : بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ترابا فلما اتخذ العجل ألقاه فى جوفه فكان ينخره.

وقال آخرون : إنما خار مرّة واحدة ثم لم يعد.

واسم فرس جبريل عليه‌السلام : حيزوم.

٣٧ ـ وقوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) [١٤٩].

قرأ حمزة والكسائىّ ترحمنا بالتاء خطاب لله تعالى. ربَّنا بالنّصب على النّداء المضاف ، تقديره : يا ربّنا ، واحتجا بحرف أبيّ (٢) ربّنا لئن لم ترحمنا.

وقرأ الباقون : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا) بالياء و (رَبُّنا) بالرّفع على الخبر. والله تعالى هو الفاعل.

٣٨ ـ وقوله تعالى : (قالَ ابْنَ أُمَ) [١٥٠].

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا ، وابن عامر أمِّ بكسر الميم على الإضافة من غير ياء.

والاختيار كسر الميم ـ وإن تثبت الياء ـ لأن الياء إنما تسقط من المنادى نحو يا قوم ويا عباد ويا ربّ ، لا من المضاف إليه. فالصّواب يا ابن أخى

__________________

(١) سورة طه : آية : ٨٩.

(٢) القراءة فى معانى القرآن للفرّاء : ١ / ٣٩٣ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٩٤.

٢٠٨

ويا ابن أمّى ، قال الشاعر (١) :

يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسى

أنت خلّيتنى لدهر كنود

وقرأ الباقون : (يَا بْنَ أُمَ) بفتح الميم فلهم حجتان : إحداهما : أنّهم / جعلوا الاسمين اسما واحدا فبنيا على الفتح كما تقول : هو جارى بيت بيت ، ولقيته كفّة كفّة ، وعندى خمسة عشر ، وإنما فعلوا ذلك لكثرة الاستعمال ، وكذلك يا ابن عمّ ولا يستعملون ذلك فى غيرهما.

__________________

(١) البيت لأبي زبيد الطائى فى ديوانه : ٤٨ و (شعراء إسلاميّون : ٥٩٧) يرثى اللجلاج ابن أخيه الذى مات عطشا فى طريق مكة ، وكان من أحبّ الناس إليه ، وهى من المراثى المشهورة اختارها اليزيدى والقرشى ... أوّلها

إنّ طول الحياة غير سعود

وظلال تأميل نيل الخلود

علّل المرء بالرّجاء ويضحى

غرضا للمنون نصب العود

كل يوم ترمين منها برشق

فمصيب أوصاف غير بعيد

 .............................

غير أن اللّجلاج هدّ جناحى

يوم فارقته بأعلى الصّعيد

فى ضريح عليه عبء ثقيل

من تراب وجندل منضود

ورواية البيت فيه :

يا ابن حسناء شق نفسى يا للج

لاج خليتنى لدهر شديد

ويروى :

* يا ابن حسناء يا شقيّق نفسى*

وفى عجزه روايات أخرى. والشاهد فى الكتاب : ١ / ٣١٩ ، والجمل : ١٧٣ ، وشروح أبياتهما ، ومجاز القرآن : ٢ / ٢٥١ والمقتضب : ٤ / ٢٥٠ وأمالى ابن الشجرى : ٢ / ٧٤ ، ١٣١ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٢ / ١٢ ، وشرح الشواهد للعينى : ٤ / ٢٢٢.

٢٠٩

والحجّة الثانية : أنّهم أرادوا النّدبة يابن أمّاه ويابن عمّاه.

٣٩ ـ وقوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) [١٥٧].

قرأ ابن عامر : آصارهم بالجمع ، أى : أثقالهم.

وقرأ الباقون : (إِصْرَهُمْ) بالتّوحيد ، فالهمزة فى الواحد أصليّة ، وهى فاء الفعل ، وإصر مثل جذع.

وفى قراءة ابن عامر همزتان ، الأولى ألف الجمع ، والثانية أصليّة ، فلما اجتمع همزتان لينوا الثانية ، والأصل أأصار ، فلينت الثانية ، ووزنه أفعال مثل أجذاع.

٤٠ ـ وقوله تعالى : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ) [١٦١].

قرأ نافع وحده تغفر بالتّاء والضمّ خطيئاتُكم بالجمع وبضمّ التاء جعلها اسم ما لم يسمّ فاعله.

وقرأ ابن عامر بالتاء أيضا إلّا أنه وحّد فقرأ : خطيَّتُكُم.

وقرأ أبو عمرو : (نَغْفِرْ) بالنّون خطياكم بالجمع ، جمع للتّكسير.

وقرأ نافع بجمع السّلامة كما تقول : رزيّة ورزايا ورزايات وقد بيّنت علّة ذلك فى سورة (البقرة) فأغنى عن الإعادة هاهنا.

وقرأ الباقون مثل أبي عمرو غير أنّهم قرأوا (خَطِيئاتِكُمْ) بكسر التّاء فى موضع نصب ، وإنما كسرت لأنّها غير أصلية ، كما تقول : رأيت سماوات ودخلت حمّامات.

٤١ ـ وقوله / تعالى : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) [١٦٤].

روى حفص عن عاصم (مَعْذِرَةً) بالنصب على المصدر كقولك : اعتذرت اعتذارا ومعذرة بمعنى. وحجّته : أنّ الكلام جواب كأنّهم قيل لهم : لم

٢١٠

تعظون قوما الله مهلكهم؟ فأجابوا فقالوا : نعظهم اعتذارا إلى ربّهم ، كما يقول القائل : لم وبّخت فلانا؟ فتقول : طلبا لتقويمه.

وقرأ الباقون : معذرةٌ بالرّفع ، فلهم حجّتان :

إحداهما : ما قال سيبويه (١) ـ رحمه‌الله ـ إنّ معناه : موعظتنا إياهم معذرة جعلها خبر ابتداء.

والثّانية : أنّ تقديرها عند أبي عبيد : هذه معذرة.

فأمّا قوله تعالى (٢) : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) فقيل : معناه : ولو أسبل ستوره : وقال الأخفش : واحد المعاذير معذار.

٤٢ ـ وقوله تعالى : (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) [١٦٥].

قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائىّ (بَئِيسٍ) على فعيل ، قال الشّاعر (٣) :

حنقا علىّ وما ترى

لى فيهم أثرا بئيسا

__________________

(١) الكتاب : ١ / ١٦١.

(٢) سورة القيامة : آية ١٥.

(٣) البيت لذى الإصبع العدوانى ، واسمه حرثان بن محرث ديوانه : ٤٤ وقبله :

إنى رأيت بنى أبي

ك يحمّجون إلى شوسا

حنقا .......

يخاطب بها ابن عمه ، الأغانى ٣ / ١٠١ ، وله فيه قصيدة طويلة مشهورة : أولها :

يا من لقلب شديدا لهم محزون

أمسى تذكر ريا أم هارون

يقول :

ولى ابن عم على ما كان من خلق

مختلفان فأقليه ويقلينه

الديوان : ٨٨ والشاهد فى مجاز القرآن : ١ / ٢٣١ ، وتفسير الطبرى : ١٣ / ٢٠١.

٢١١

وقرأ نافع بعذاب بِيس بكسر الباء بغير همز ، وينشد :

لم ترو حتّى بلّت الدّبيسا (١)

ولقى الّذى أدّاه (٢) أمرا بيّسا

وقرأ ابن عامر مثل نافع إلا أنه يهمز بِيْس بهمزة ساكنة ، وروى خارجة عن نافع بعذاب بَيْس بفتح الباء مثل بيت ، وروى أبو عبيدة عن عبيد عن شبل عن ابن كثير : بعذاب بِئيس كسر الباء مثل نافع ، إلا أنّه يمدّه.

وروى حفص عن عاصم : / (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) على فعيل بكسر العين.

وروى أبو بكر عنه : بَيْئَس على فيعل بفتح الهمزة وهو الاختيار مثل صيرف وصيقل. فهذه سبع قراءات عن السّبعة فى هذه الحروف.

وفيها ثلاث قراءات عن غير السّبعة :

قرأ الحسن : (٣) بعذاب بئسَ كما تقول : بئس ما صنعت.

وقرأ طلحة بن مصرّف : (٤) بعذاب بَئِس مثل فخذ.

وقرأ نصر بن عاصم (٥) : بعذاب بَيَس بفتح الباء والياء مثل حمل فتلك عشر قراءات فعيل وفيعل وفعل وفعل مهموز وفعل غير مهموز وفعل بفتح السين وفعيل مثل شعير وبعير ، وفعل وفعل وفعل.

فأمّا تفسير هذه الآية فإن أبا بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ رحمه‌الله حدّثنى قال : حدّثنى عبد الله بن محمد ، قال : حدّثنا يوسف بن موسى ، قال : حدّثنا يحيى بن سليمان الطّائفىّ عن ابن جريج عن عكرمة قال : دخلت على ابن عبّاس وهو ينظر فى المصحف ـ قبل أن يذهب بصره ـ ويبكى فقلت :

__________________

(١) (١ ـ ١) كذا قرأتها والله أعلم.

(٢) (١ ـ ١) كذا قرأتها والله أعلم.

(٣) البحر المحيط : ٤ / ٤١٢.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر نفسه.

٢١٢

ما يبكيك يا أبا العبّاس جعلنى الله فداك؟ فقال لى : هل تعرف أيلة؟ قلت : وما أيلة؟ قال : هى قرية كان فيها ناس من اليهود ، وكان الله تعالى قد حرّم عليهم صيد الحيتان فى يوم السّبت فكانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعا سمانا فتربض بأقبيتهم وأبنيتهم ، فإذا طلبوها فى غير السّبت لم يدركوها إلا [بمؤنة] / شديدة فقال بعضهم لبعض ، أو من قال ذلك منهم : لعلنا لو أخذناها فأكلناها فى غير يوم السبت ، ففعل ذلك أهل بيت منهم فاصطادوا وشووا ، فلما شمّ جيرانهم رائحة الشّواء قالوا : ألا ترون أن بنى فلان لم يعاقبوا؟ وفشا فيهم ذلك الفعل حتى افترقوا فرقا ثلاثا : فرقة أكلت ، وفرقة نهت ، وفرقة قالوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً).

فأمّا الفرقة التى نهت فإنهم قالوا : يا قوم إنا نحذركم غضب الله وعقابه وأن يصيبكم بمسخ أو قذف أو خسف ، أو ببعض ما عنده من العذاب ، والله لانبايتكم فى موضع ، ثم خرجوا عنهم ، وغدوا عليهم فقرعوا عليهم الباب باب القرية فلم يكلمهم أحد ، فجاءوا بسلم وأسندوه إلى السور ، ورقى منهم راق عليه فلما أشرف قال : يا عباد الله فإذا هى قردة لها أذناب تعاوى يقولها ثلاثا ، ثم نزل ففتح الباب فدخلوا عليهم ، فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولم يعرف الإنس أنسابها من القردة ، فكان القردة تأتى نسيبها وقريبها (١) من الإنس فتحرك به وتشير إليه. فيقول : أنت فلان فيشير برأسه ، أي : نعم ويبكى ، وكانت القردة تأتى نسيبيها وقريبها من الإنس فتفعل مثل ذلك ، فقالوا / لهم : أما إنّا فقد حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم الله بمسخ أو قذف أو خسف ، أو ببعض ما عنده من العذاب.

قال ابن عباس : فاسمع الله يقول : (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [١٦٥].

ولا أدرى ما فعلت الفرقة الثّالثة ، فكم قد رأينا منكرا فلم نغيّره؟!

__________________

(١) فى الأصل : «نسيبه وقريبه».

٢١٣

قال عكرمة : فقلت : يا أبا العبّاس ـ جعلنى الله فداك ـ ألا ترى أنهم قد أنكروا حين قالوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) قال : فأعجبه ذلك من قوله وأمر له ببردين غليظين كساه بهما (١).

قال أبو عبد الله ـ رضى الله عنه ـ : فعلى هذا التّفسير الاختيار أن يقف على قوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ) [١٦٣].

٤٣ ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) [١٧٠].

قرأ عاصم فى رواية أبى بكر بالتّخفيف هاهنا وفى (الممتحنة) (٢) وقرأ أبو عمرو بالتّشديد.

وقرأ الباقون فى (الأعراف) بالتّشديد ، فمن خفّف احتج بقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)(٣) وبقوله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)(٤) ولم يقل مسّك. ومن شدّد احتج بقراءة أبيّ : والّذين مسّكوا بالكتب (٥).

٤٤ ـ وقوله تعالى : (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [١٧٢].

قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ذرّياتهم على الجماع وكسر التّاء ، وهو فى موضع نصب ؛ لأنّ التّاء غير أصليّة.

__________________

(١) الخبر الذى ذكره المؤلف هنا بروايات وطرق مختلفة فى تفسير الطبرى ، خرجها وعلق عليها شيخنا وأستاذنا ومعلّمنا الأول الأستاذ محمود محمد شاكر نفع الله به وبعلمه ومتعه بالصحة والعافية. وجزاه عن العلم وطلابه خيرا ينظر ج ١٣ / ١٨٦ ـ ١٩٨.

(٢) الآية : ١٠.

(٣) سورة المائدة : آية ٤.

(٤) سورة الأحزاب آية ١٠.

(٥) قراءة أبىّ فى الكشاف : ٢ / ١٠٢.

٢١٤

وقرأ الباقون (ذُرِّيَّتَهُمْ) واحدة ، فاختلف / النّاس فى ذلك فقال قوم : خلق الله تعالى النّاس بعضهم من بعض ومسح ظهر آدم فأخرج الخلق منه كأمثال الذرّ ، فأخذ العهد عليهم بعقل ركنه فيهم فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) فهاهنا الوقف ، فكان يختاره ابن مجاهد ويبتدى ب «أن» مفتوحة بفعل مضمر. فكلّ إنسان إذا بلغ الحلم علم بعقله أنّ الله خالقه ، واستدلّ لذلك ، وإنما بعث الله تعالى الرّسل وأوضح البراهين ليؤكّد الحجّة عليهم.

٤٥ ـ وقوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا أَوْ تَقُولُوا) [١٧٢ ؛ ١٧٣].

قرأ أبو عمرو وحده بالياء.

والباقون بالتاء.

فمن قرأ بالياء فشاهده (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ).

والتّاء محمولة على ما قبلها من المخاطبة فى قوله عزوجل : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ).

٤٦ ـ وقوله تعالى : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [١٨٠].

قرأ حمزة وحده يَلحدون بفتح الياء وكذلك فى (النّحل) (١) و (السّجدة) (٢) كلّهن بالفتح.

وقرأ الباقون بالضمّ إلا الكسائىّ وحده ، فإنه فتح التى فى (النّحل) فقال قوم : لحد فى القبر وألحد بمعنى واحد ، وقد جاء فى القبر ألحد قال الشّاعر (٣) :

__________________

(١) الآية : ١٠٣.

(٢) السجدة (فصّلت) : ٤٠.

(٣) البيت لحسان بن ثابت فى ديوانه : ٢٦٩ من قصيدة يرثى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولها :

ما بال عينى لا تنام كأنّما

كحلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعا على المهديّ أصبح ثاويا

يا خير من وطئ الحصا لا تبعد

جنبى يقيك الترب لهفى ليتنى

غيّبت قبلك فى بقيع الغرقد

أأقيم بعدك بالمدينة بينهم

يا لهف نفسى ليتنى لم أولد

بأبى وأمّى من شهدت وفاته

فى يوم الاثنين النّبى المهتدى

٢١٥

يا ويح أنصار النّبيّ ونسله

بعد المغيّب فى سواء الملحد

ف «ملحد» لا يكون إلا من ألحد ، ولو كان من لحد لكان ملحودا كما قالت زينب رضى الله عنها : يا قصّة على ملحود ـ ، أي : يا جصّا على قبر ـ فلا هدأت الدّية ولا رفأت العبرة» (١) فيقال / للقبر : الملحود واللّحد والديم والضّريح والجدث والجدف والبيت والمحنا ـ والمحنا فى غير هذا : الترس ـ والمطمطمة : القبر أيضا ، والرّمس والمنهال.

٤٧ ـ قوله تعالى : (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) [١٨٦].

قرأ عاصم وأبو عمرو بالياء والرّفع على الاستئناف ، إذ لم يتقدمه فعل ينسق عليه.

وقرأ حمزة والكسائىّ بالياء والجزم نسقا على موضع فاء الجزاء فى قوله : (فَلا هادِيَ لَهُ).

وقرأ الباقون بالنّون والرّفع ، أى : ونحن نذرهم كما قال فى (البقرة) (٢)(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ).

٤٨ ـ وقوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) [١٩٠] قرأ نافع وعاصم فى رواية أبى بكر : شِرْكا.

وقرأ الباقون على (فعلاء) جمع شريك.

فالمعنى فى ذلك (٣) : أن حواء لما حملت أتاها إبليس ـ لعنه الله ـ فقال لها : ما الّذى فى بطنك أبهيمة أم حية؟ فقالت : لا أدرى.

فقال : إن دعوت الله أن يجعله بشرا سويّا أتسمينه باسمى قالت : نعم

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٧١.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٧١.

(٣) أسباب النزول للواحدى : ٢٢٥.

٢١٦

(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) فى التّسمية فسمياه عبد الحارث وكان اسمه الحارث ، لا فى الطّاعة.

٤٩ ـ قوله تعالى : (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) [١٩٦].

قرأ القراء بثلاث ياءات الأولى : ياء فعيل ، والثانية : أصلية ، والثالثة ياء الإضافة إلى النفس ، فأدغمت الياء الزائدة فى الياء الأصليّة ، فالتّشديد من جلل ذلك ، والوسطى مكسورة ، وإن كانت فى موضع نصب ؛ لاتصالها بياء الإضافة ؛ لأنّ ياء الإضافة / يكسر ما قبلها ، فياء الإضافة مفتوحة كما تقول : إن غلامى الكريم. وروى ابن اليزيدى (١) عن أبيه عن أبي عمرو إنّ ولىَّ الله بياء مشددة ؛ كأنه حذف الياء الوسطى وأدغم الأولى فى الثانية كما تقول : عليّ ولديّ.

وروى عن عاصم الجحدرىّ (٢) إنّ ولىِّ الله بياء مشدّدة مكسورة ، فكأنه حذف الياء الوسطى وأسكن ياء الإضافة وكسرها لالتقاء الساكنين.

قال ابن خالويه ـ رحمه‌الله ـ : الصّواب فى قراءة الجحدرىّ أن تقول : أسقط ياء الإضافة ؛ لأنّه أسكنها ، ولقي الياء ساكنا آخر ، والكسرة دالة عليها.

٥٠ ـ وقوله تعالى : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) [٢٠١].

قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائىّ طَيفٌ بغير ألف والأصل : طيّف بتشديد الياء فحذفوا إحدى الياءين اختصارا كما تقول : هين لين وميت.

وأخبرنى محمّد بن الحسن النّحويّ ؛ وابن مجاهد عن إسماعيل عن نصر

__________________

(١) هو محمد بن يحيى بن المبارك اليزيدى. أخذ عن أبيه عن أبى عمرو (غاية النهاية : ٢ / ٢٧٧).

(٢) هو عاصم بن أبى الصباح. قرأ على نصر بن عاصم والحسن ويحيى بن يعمر. وقرأ عليه عيسى بن عمر الثقفى. توفى سنة ثمان وعشرين ومائة. وقيل غيرها. (غاية النهاية : ١ / ٣٤٩).

٢١٧

عن الأصمعى عن أبي عمرو إذا مسّهم طيف وأنشد (١) :

ما هاج حسّان رسوم المقام

ومظعن الحىّ ومبنى الخيام

جنّيّة أرّقنى طيفها

تذهب صبحا وترى فى المنام

ويقال : طاف الخيال يطيف طيفا ومطافا ، وطاف فهو طائف وقال جرير (٢) :

طاف الخيال وأين منك لماما

فارجع لزورك فى السّلام سلاما

فلقد أنى لك أن تودّع خلّة

رثّت وكان حبالها أرماما /

فمعنى طائف الشّيطان : وسواسه ولممه وخبله ، وأنشد أبو عبيدة (٣) :

وتصبح عن غبّ السّرى وكأنّما

ألمّ بها من طائف الجنّ أولق

فهذا شاهد الباقين الذين قرأوا : (طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ).

__________________

(١) البيتان لحسان بن ثابت فى ديوانه : ١٠٦ ، وهما غير متجاورين بينهما :

والنؤي قد هدّم أعضاده

تقادم العهد بوادى تهام

قد أدرك الواشون ما حاولوا

فالحبل من شعثاء رثّ الرّمام

جنّيّة أرّقنى ......................

 ................... البيت

(٢) ديوانه : ٢ / ٩٧٧ مطلع قصيدة يهجو بها الفرزدق والبعيث ، النقائض : ٣٨.

(٣) للأعشى فى مجاز القرآن : ١ / ٢٣٦. وديوانه : ١٤٧ ، وجمهرة اللغة : ١ / ٧٦ ، واللّسان (طيف). والبيت من قصيدته المشهورة فى مدح الملحق أولها :

أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق

ومابي من سقم ومابي معشق

٢١٨

وقال آخر (١) :

أنّى ألمّ بك الخيال يطيف

ومطافه لك ذكرة وشعوف

٥١ ـ وقوله تعالى : (لا يَتَّبِعُوكُمْ) [١٩٣].

قرأ نافع وحده لا يَتْبعوكم خفيفا.

وقرأ الباقون مشدّدا فقال : تبع وأتبع بمعنى واحد وقال آخرون : اتبعه : سار فى أثره. وأتبعه : ألحقه.

٥٢ ـ [وقوله تعالى] : (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ)(٢) [٢٠٢].

وقرأ نافع يُمدّونهم فى الغيّ بضمّ الياء.

والباقون بفتحها.

٥٣ ـ وقوله تعالى : (ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) [١٩٥].

قرأ أبو عمرو ونافع فى رواية خارجة كيدونى بياء فى الوصل وبغير ياء فى الوقف ، وإنما أثبت أبو عمرو الياء هاهنا ولم يثبتها فى قوله : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) لأنّها رأس آية فاصلة.

والباقون بغير ياء فى الوصل والوقف ، اتباعا للمصحف. وأمّا ابن عامر فإنه قرأ برواية هشام : ثمّ كيدونى وأثبتها فى الحالين. وابن ذكوان حذفها فى الحالين.

__________________

(١) البيت لكعب بن زهير فى ديوانه : ١١٣ ، وأنشده أبو عبيدة فى المجاز : ١ / ٢٣٧ ، والطبرى فى تفسيره : ١٣ / ٣٣٥ وهو فى اللسان (طيف).

(٢) يظهر أن الناسخ أسقط بعض هذه الفقرة. جاء فى السّبعة لابن مجاهد : ٣٠١ بعد ذكر الآية : «فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائى (يَمُدُّونَهُمْ) بفتح الياء وضمّ الميم. وقرأ نافع وحده ....

٢١٩

واختلفوا فى هذه السّورة فى سبع ياءات إضافة :

(رَبِّيَ الْفَواحِشَ) [٣٣].

قرأ حمزة وحده غير مفتوحة ، والباقون يفتحون.

و (مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [١٠٥].

فتحها حفص عن عاصم وحده.

[و](إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) [١٤٤].

فتحها أبو عمرو وابن كثير.

[و](حَقِيقٌ عَلى) [١٠٥].

فتحها نافع وحده ، وجعلها ياء إضافة وقد ذكرته قبل.

[و](عَذابِي أُصِيبُ بِهِ) [١٥٦].

فتحها نافع وحده.

[و](آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ) [١٤٦].

أسكنها حمزة وابن عامر /.

* * *

٢٢٠