إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي

إعراب القراءات السبع وعللها - ج ١

المؤلف:

الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي


المحقق: الدكتور عبدالرحمن بن سليمان العثيمين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الخانجي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
977-5046-07-6

الصفحات: ٤٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

ومن السورة التى تذكر فيها

(المائدة)

١ ـ قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) [٢].

قرأ ابن عامر وعاصم / فى رواية أبى بكر شنْآن بإسكان النّون (١) ، وأنشد (٢) :

فأمسى كعبها كعبا وكانت

من الشّنئآن قد دعيت كعابا

وقرأ الباقون : (شَنَآنُ) محرّكا ، وهو الاختيار ؛ لأنّ المصادر ممّا أوله مفتوح جاء محركا نحو الغليان والنّزوان والهملان ، والإسكان قليل ، وإنما يجيء المسكن فى المضموم والمكسور.

وقال آخرون (٣) : الشّنآن ـ بالإسكان ـ الاسم ، والشّنئآن ـ بالفتح ـ المصدر ، والتقدير : لا يحملنكم بغضاء قوم وبغض قوم أن تعتدوا ، وتقول

__________________

(١) بعدها فى السبعة لابن مجاهد : ٢٤٢ ، وعنه فى الحجة لأبي على : ٣ / ١٩٥ «وروى عنه حفص شَنَآنُ مفتوحة النون. واختلف عن نافع أيضا ، فروى عنه إسماعيل بن جعفر والواقديّ والمسيبىّ شنْآن خفيفة ، وروى عنه ابن جماز والأصمعى وورش وقالون : (شَنَآنُ) مثقلة.

(٢) البيت فى المحكم : ١ / ١٧١ ، وعنه فى اللسان : (كعب). وضبط فيهما بالتحريك. والمؤلف أورده شاهدا على الإسكان.

(٣) هو قول الفرّاء فى المعانى : ١ / ٣٠٠. وشرح القصائد السبع : ٤٥٧.

١٤١

العرب شنئته أشنؤه شنأ وشنأ ، وشنأ ، وشنآنا ، شنأنا ، وشنانا بغير همز (١) وينشد (٢) :

وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهى

وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا

واجتمعت القراء على (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) بفتح الياء من جرم : إذا كسب ، يقال : فلان جريمة قومه ، أي : كاسبهم إلا الأعمش ويحيى (٣) فإنّهما قرآ ولا يُجرمنّكم بضم الياء جعلوه لغتين : جرم وأجرم ، والاختيار جرم ، أى : كسب. وأجاز ابن الأعرابي : أكسب ، وهو شاذّ.

٢ ـ وقوله تعالى : (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [٢].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو إن صدّوكم بالكسر.

وقرأ الباقون بالفتح

__________________

(١) فى الحجة لأبي عليّ ٣ / ١٩٧ عن أبى زيد وزاد : «ومشنأة» ولم يذكر أبو على لغة الكسر فيها. وهى على ما أورده المؤلف مثلة الشين ذكر ذلك ابن السّيد فى المثلث : ٤٣٧ وقال : «ويروى بيت زيد الفوارس بن الحصين الضّبىّ على ثلاثة أوجه :

دعانى ابن مرهوب على شنىء بيننا

فقلت له إنّ الرماح مصايله»

(٢) البيت للأحوص فى ديوانه : ٩٩ من قصيدة أولها :

ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا

فقد غلب المحزون أن يتجلّدا

بكيت الصّبا جهدى فمن شاء لامنى

ومن شاء آسى فى البكاء وأسعدا

وإنى وإن فندت فى طلب الصّبا

لأعلم أنى لست فى الحبّ أوحدا

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

فما العيش إلّا ..................

 .................. البيت

والشاهد فى مصادر كثيرة ذكر محقق الديوان بعضها. وينظر : مجاز القرآن : ١ / ١٤٧ وطبقات فحول الشعراء : ٦٤٤ ، وتفسير الطبرى : ٩ / ٤٨٧ ، وشرح القصائد : ٤٥٧ والحجّة لأبي علي : ٣ / ١٩٩ ، ٢٠٤ ، ٢١٠ ، والبحر المحيط : ٣ / ٤٢٢.

(٣) معانى القرآن للفرّاء : ١ / ٢٩٩ ، والمحتسب : ١ / ٢٠٦ ، وتفسير القرطبى : ٦ / ٤٥.

١٤٢

فمن كسر جعله شرطا ، واحتجّ بأنّ فى مصحف عبد الله (١) : إن يصدّوكم والاختيار الفتح ؛ لأن الصّدود وقع من الكفار ، والمائدة / آخر ما نزل من القرآن ، والتقدير : ولا يحملنّكم بغض قوم أن تعتدوا لأن صدّوكم ، وهذا بيّن جدّا.

٣ ـ وقوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [٦].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم وأرجلِكم بالكسر وقرأ الباقون بالفتح.

قال أبو عبد الله (رضى الله عنه) وقد اختلف الفقهاء والنّحويون فى تأويل هذه الآية ، فمن نصب نسقه على : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... وَأَرْجُلَكُمْ) وهو الاختيار بإجماع الكافة عليه ، ومع ذلك فإنّ المحدود مع المحدود أولى أن يؤتيا ، وذلك أن الله كل ما ذكره من المسح فإنّه لم يحده (٢) ، وكل ما حدّه فهو مغسول نحو (أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) و (أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).

ومن كسر فحجّته أنّ الله تعالى أنزل القرآن بمسح الرّجل ثم عادت السّنة إلى الغسل ، وكذلك قال الشّعبى والحسن.

قال أبو عبيد : من قرأ وأرجلِكم ـ بالكسر ـ لزمه أن يمسح ، ومن ذكر أن من خفض وأرجلِكم خفضه على الجوار فهو غلط ؛ لأنّ الخفض على الجوار لغة لا تستعمل فى القرآن ، وإنما تكون لضرورة شاعر ، أو حرف يجرى كالمثل كقولهم : «جحر ضبّ خرب» والعرب تسمى الغسل مسحا ، قال الله

__________________

(١) المصادر السابقة.

(٢) معانى القرآن وإعرابه للزجاج : ٢ / ١٥٣.

١٤٣

تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(١) أي : غسل أيديها وأرجلها من الغبار.

٤ ـ وقوله تعالى : (قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) [١٣].

قرأ حمزة والكسائى : قسيّة / بغير ألف.

وقرأ الباقون (قاسِيَةً) بألف ، والأمر بينهما قريب ، فعيلة وفاعلة مثل زكية وزاكية وكقولهم : عليم وعالم بمعنى.

وقال آخرون : قسيّة : رديئة ، من قولهم : درهم قسيّ (٢) ، أي : بهرج ، والأصل فى قاسية : قاسوة ؛ لأنّه من قسا يقسو ، فقلبوا من الواو ياء ؛ لانكسار ما قبلها. والأصل فى قسية : قسيوة فقلبوا من الواو ياء ؛ لأنه إذا اجتمع واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموا الياء فى الياء.

٥ ـ وقوله تعالى : (وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا) [٤٤].

قرأ أبو عمرو بياء فى الوصل ، ووقف بغير ياء.

وقرأ الباقون بغير ياء وصلوا ووقفوا. فمن حذف تبع المصحف ، واجتزأ بالكسرة عن الياء. ومن أثبته وصلا فعلى الأصل ، ومن حذف وقفا اتباعا للمصحف.

__________________

(١) سورة ص : آية : ٣٣.

ولم أجد فى مصادرى من فسر هذه الآية بأن (المسح) غسل أيديها وأرجلها إلا ماورد فى الحجة لأبى على : ٣ / ٢١٥ ، قال : «أمّا أحدهما : فإن من لا نتهمه روى لنا عن أبي زيد أنه قال : المسح خفيف الغسل ...».

(٢) مجاز القرآن لأبى عبيدة : ١ / ١٥٨.

وينظر : غريب الحديث لأبى عبيد : ٤ / ٦٨ ، وعنه فى تهذيب اللغة : ٩ / ٢٢٥ ، وعنه فى اللسان : (قسي) قال أبو عليّ فى الحجة : ٣ / ٢١٧ «فأما قوله : [المزرّد الغطفانى فى ديوانه : ٥٣]

فما زودتنى غير سحق عمامة

وخمس مئى منها قسي وزائف

فإنّ القسىّ أحسبه معرّبا ، وإذا كان معرّبا لم يكن من القسى العربى ... وذكره أبو منصور الجواليقى ـ رحمه‌الله ـ فى المعرب : ٢٥٧ قال : «ودرهم قسىّ إنما هو تعريب قاش ، ولا يقال هو فعيل من القسوة ؛ أى فضته رديئة صلية ليست بلينة قال الشاعر ... وأنشد بيت مزرّد. وأورد حديثا ثم نقل كلام أبى عبيد فى غريبه فى الموضع الذى أشرت إليه.

١٤٤

٦ ـ وقوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [٣٢] قرأ ورش عن نافع مِنَ اجل ذلك فنقل فتحة الهمزة إلى النّون وأسقط الهمزة لفظا ، وكذلك يفعل فى سائر القرآن نحو (١) قَدَ افلح المؤمنون وهى لغة فصيحة.

قال أبو عبد الله : تقول العرب من ابوك ، يريدون : من أبوك. وقرأ الباقون (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) مقطوعة الألف وهى ألف أصلية.

وقرأ أبو جعفر (٢) : مِنِ اجل ذلك فتقول العرب : فعلت ذلك من أجلك ومن إجلك ، ومن جراك ومن جرائك ، ومن جلالك ومن جللك / وينشد (٣) :

رسم دار وقفت فى طلله

كدت أقضى الحياة من جلله

٧ ـ وقوله تعالى : (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) [٦٣].

قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ : السُحُت بضمتين.

وقرأ الباقون : (السُّحْتَ) ساكنا ، وهما لغتان ، نحو والبخل والبخل. قرأ به عيسى بن عمر.

وروى خارجة (٤) عن نافع السَّحت بفتح السين وسكون الحاء

__________________

(١) سورة المؤمنون : آية : ١.

(٢) المحتسب : ١ / ٢٠٩ ، تفسير القرطبى : ٦ / ١٤٥ ، ١٤٦ والنشر : ٢ / ٢٥٤.

(٣) البيت لجميل فى ديوانه : ١٨٧ وتخريجه هناك وروايته : (الغداة ...).

(٤) هو خارجة بن مصعب ، أبو الحجاج الضّبعىّ السّرخسى. قال ابن الجزرى : «أخذ القراءة عن نافع وأبى عمرو وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه. وروى أيضا عن حمزة حروفا ... توفى سنة ثمان وستين ومائة». (غاية النهاية : ١ / ٢٦٨).

١٤٥

فتكون لغة ثالثة. والعرب تقول : سحتهم الله وأسحتهم ، وكلّ ذلك قد قرىء به (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ)(١) (وفَيَسْحِتَكُم).

٨ ـ وقوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [٤٥].

قرأ الكسائىّ وحده : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ورفع ما بعد ذلك على الابتداء ، ذهب الكسائى إلى أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأها كذلك (٢) فنصب (النَّفْسَ) ب «أن» واستأنف ما بعد ذلك على الابتداء.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بنصب ذلك ، ورفعا والجروحُ قصاص ، أي : كتب الله على بنى إسرائيل فى التّوراه أن النّفس بالنّفس إلى : (السِّنَّ بِالسِّنِ) ثم بعد ذلك : الجروحُ قصاص (٣).

وقرأ الباقون كلّ ذلك بالنّصب.

٩ ـ وقوله تعالى : (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) [٤٥].

قرأ نافع وحده بالأذْن ساكنة.

وقرأ الباقون بضمتين ، ففى ذلك ثلاث حجج :

إحداهنّ : أن يكون استثقل بضمتين فأسكن كما قال : وأحيط بثمْره (٤) ، والأصل : (بِثَمَرِهِ) ، وكما قال : فرُهْن مقبوضة (٥) والأصل : رُهُنٌ. والعرب / ....

__________________

(١) سورة طه : آية : ٦١. والقراءة مذكورة فى موضعها.

(٢) جزء قراءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ٨٨.

(٣) الحجة لأبي على : ٣ / ٢٢٦ ، وحجّة أبى زرعة : ٢٢٦ ، قال : «وحجة من رفع الجروح ذكرها اليزيديّ عن أبى عمرو فقال : رفع على الابتداء يعنى : والجروح بعد ذلك قصاص».

(٤) سورة الكهف : آية : ٤٢.

(٥) سورة البقرة : آية : ٢٨٣.

١٤٦

١٠ ـ ... (١) [٦٠].

بضم الباء وفتح الدّال.

وقرأ الباقون (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) فعلا ماضيا ، ولهم. فى ذلك حجتان :

إحداهما : النّسق على قوله (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) ومن عبد الطّاغوت.

والحجة الثانية : أن ابن مسعود وأبيّا قرآ (٢) : وعبدوا الطّاغوت فأمّا حمزة فإنه جعل «عبد» جمع عبد ، والعرب تجمع عبدا فيقولون هؤلاء عبيد الله وعباد الله وأعبد الله وعبدان الله وعبّدى الله ، فمن جرّ الطاغوت أضاف إليه العبد ، ومن قرأ بالنّصب جعله فعلا ماضيا وتلخيصه : من لعنه الله وخدم الطاغوت.

واختلف الناس فى «الطّاغوت» فقال قوم : يكون مذكرا ومؤنّثا وجمعا وواحدا ، وقد بين الله ذلك فى القرآن فقال (٣) : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) فأنّث وقال (٤) : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ) فجمع.

وقال آخرون : الطّاغوت : واحد ، وجمعها طواغيت ، وإنما قال تعالى : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ) كما قال (٥) : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا) فاجتزأ بالواحد عن الجمع.

__________________

(١) خرم أقدره بورقة واحدة والله أعلم.

(٢) معانى القرآن للفراء : ١ / ٣١٤ ، وتفسير القرطبى : ١٠ / ٤٤٢ والمحتسب : ١ / ٢١٥ ، وتفسير القرطبى : ٦ / ٢٣٥ ، والبحر المحيط : ٣ / ٥١٩.

(٣) سورة الزمر : آية : ١٧.

(٤) سورة البقرة : آية : ٢٥٧.

(٥) سورة النور : آية : ٣١.

١٤٧

١١ ـ وقوله تعالى : (... فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [٦٧] وفى (الأنعام) [١٢٤] حيث يجعل رسالاته وفى (الأعراف) [١٤٤] برسالتى.

قرأ ابن كثير ثلاثهن بالتّوحيد.

وقرأ عاصم وابن عامر ثلاثهنّ بالجمع.

وقرأ نافع برسالتى على التّوحيد ، وجمع الباقى.

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائىّ / (رِسالَتَهُ) بالتوحيد. و (بِرِسالاتِي) وحيث يجعل رسالاته بالجمع فيهما ، فمن وحّد جعل الخطاب للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومن جمعها احتجّ بأن جعل كلّ وحي رسالة. والاختيار أن تجمع التى فى (الأنعام) ، لأن الله تعالى ذكر الرّسل فيه.

١٢ ـ وقوله تعالى : وحسبوا أن لا تكون فتنة [٧١].

قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائىّ بالرّفع على معنى أن ليس تكون فتنة عند الكوفيين. وعند البصريين أن «أن» الخفيفة هاهنا مخففة من مشددة ، والأصل : أنّه لا تكون فتنة كما قال فى موضع آخر : (أَلَّا يَقْدِرُونَ)(١) أى : أنهم لا يقدرون على شىء و (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(٢) أى : أنه لا يرجع إليهم قولا ، ومن نصبه نصبه ب «أن» و «لا» لا يفصل بين العامل والمعمول فيه كقولك : أحبّ أن تذهب وأحبّ أن لا تذهب ، وكذلك قرأ الباقون (٣).

__________________

(١) سورة الحديد : آية : ٢٩.

(٢) سورة طه : آية : ٨٩.

(٣) قال أبو عليّ فى الحجة : ٣ / ٢٥٠ «قال أحمد : وكلّهم قرأ : (أن لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) بالرفع فى فتنة. فهذا لأنهم جعلوا «كان» بمنزلة وقع ، ولو نصب فقيل : أن لا يكون فتنة أي : أن لا يكون قولهم فتنة لكان جائزا فى العربيّة ، وإنما رفعوه ـ فيما نرى ـ لاتباع الأثر ؛ لا لأنه لا يجوز فى العربية غيره» وقوله : «قال أحمد» هو ابن مجاهد ينظر السبعة : ٢٤٧ ونصه : «ولم يختلفوا فى رفع فِتْنَةٌ».

١٤٨

١٣ ـ وقوله تعالى : (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) [٨٩].

قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان عاقدتم بألف أي : تحالفتم ، فعل من اثنين.

وقرأ أهل الكوفة غير حفص عَقَدْتم مخففا فيكون مغرما عليه ومؤكدا.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع : (عَقَّدْتُمُ) أى : أكدتم ، وقد مرّ تفسير هذا فى (سورة النّساء) فأغنى عن الإعادة ، وكذلك قوله : (قِياماً لِلنَّاسِ) وقد مرت العلل فى أول (النساء).

سنخبر عن القراءة هاهنا. فقرأ ابن عامر وحده قيما.

والباقون (قِياماً) والياء مبدلة / من واو والأصل : قواما مثل ثوب وثياب وسوط وسياط.

١٤ ـ وقوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ) [٩٥].

قرأ أهل الكوفة (فَجَزاءٌ) بالتنوين (مِثْلُ) بالرّفع. وقرأ الباقون مضافا. فمن نون جعله رفعا بالابتداء ، وجعل المثل خبره.

والكوفيون يقولون رفعا بالصّفة ، والبصريون بالابتداء ، ومن أضاف فمعناه : جزاء مثل المقتول.

٢٥ ـ وقوله : أو كفّارةٌ طعامُ مسكين [٩٥].

قرأ نافع وابن عامر كفّارةُ طعامِ مساكين مضافا.

وقرأ الباقون منونا ، ورفعوا الطّعام ؛ لأنّ الطعام هى الكفارة.

وقوله تعالى : (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) [١٠٧] روى حفص عن عاصم ونصير بن على عن أبيه عن ابن كثير (اسْتَحَقَ) بفتح التاء والحاء وقرأ الباقون بضم التاء وكسر الحاء.

١٤٩

وقرأ أهل الكوفة إلا حفصا عن عاصم [و] أبو بكر وحمزة الأوّلين.

وقرأ الباقون (الْأَوْلَيانِ) يعنون : اليهود والنصارى ، كقوله تعالى : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) [١٠٦] أي من غير أهل دينكم.

١٧ ـ وقوله تعالى : (فَتَكُونُ طَيْراً) [١١٠].

قرأ نافع وحده فتكون طائرا بالألف على التوحيد. وقرأ الباقون (طَيْراً) على الجمع ، فطائر وطير مثل صاحب وصحب وقد مرّت علة ذلك فى سورة (آل عمران).

١٨ ـ وقوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [١١٠].

اختلفوا فى أربعة مواضع هاهنا ، وفى أول (يونس) (١) و (هود) (٢) و (الصف) (٣) قرأهن حمزة والكسائي ساحر بألف ، يعنون النبى الذى كان فى زمانهم /.

وقرأ ابن كثير وعاصم فى أول يونس (لَساحِرٌ) بألف والباقى سحر.

وقرأ الباقون كل ذلك سحر بغير ألف.

١٩ ـ وقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) [١١٢].

قرأ الكسائىّ وحده هل تستطيع ربَّك بالتاء ونصب ربَّك ومعناه : هل تستطيع سؤال ربك؟

وقرأ الباقون (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء جعلوا الفعل له. [و](رَبُّكَ) : رفع ، وإنما

__________________

(١) الآية : ٢ : (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ).

(٢) الآية : ٧ : (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).

(٣) الآية : ٦ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ).

١٥٠

قالوا : هل يستطيع ربك وهم يعلمون أنه يستطيع ولكنّ هذا كما تقول لصاحبك : هل تقدر أن تقوم معى ، أي : قم.

٢٠ ـ وقوله تعالى : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) [١١٥].

قرأ نافع وعاصم وابن عامر (مُنَزِّلُها) مشدّدة من نزّل ينزّل.

ومن قرأ مُنْزِلُها فمن أنزل ينزل. وكذلك قرأ الباقون.

٢١ ـ وقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [١١٩].

قرأ نافع وحده هذا يومَ ينفع بالنّصب.

وقرأ الباقون بالرّفع. فمن رفع جعل هذا رفعا ، بالابتداء ، وجعل اليوم خبره. ومن نصبه ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون جعله ظرفا ، والتقدير : هذا يوم نفع الصادقين.

والوجه الثانى : أنّ العرب إذا أضافت اسم الزمان إلى الفعل الماضى والمستقبل فتحت ؛ لأنّ الإضافة إلى الأفعال إضافة غير محضة ، كما قال الشاعر (١) :

على حين عاينت المشيب بمفرقى

وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع

فأضاف اسم الزّمان إلى الأفعال فى المعنى ، والتقدير : هذا يوم نفع الصّادقين : لأنّ الجملة فى معنى المصدر. وكذلك تقول / العرب زرتك أيام الحجاج أمير ، أى : وقت إمارته.

* * *

__________________

(١) ديوان النابغة : ٣٢ وروايته : (عاتبت). وفيه : «على الصّبا».

١٥١

ومن السورة التى تذكر فيها

(الأنعام)

١ ـ قوله تعالى : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ) [١٦].

قرأ أهل الكوفة بفتح الياء إلا حفصا.

وقرأ الباقون بضمّ الياء.

فمن فتحه فحجّته قوله تعالى : (فَقَدْ رَحِمَهُ) لأنّ فى (رَحِمَهُ) اسم الله مضمرا فكذلك من يَصْرف.

ومن ضمّ قال : كرهت أن أضمر شيئين ، اسم الله تعالى والعذاب ؛ لأن التّقدير : من يصرف الله عنه العذاب.

٢ ـ وقوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ...) [٢٢].

قرأ حفص عن عاصم بالياء هاهنا وفى (يونس) قبل الثلاثين (١) ، وقرأ سائر القرآن بالنّون.

وقرأ الباقون كلّ ذلك بالنّون. فمن قرأ بالنون فالله ـ تعالى ـ يخبر عن نفسه ، وإنّما أتى بلفظ الجمع ؛ لأن الملك يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة تعظيما وتخصيصا كما قال الله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ)(٢) والله تعالى ، وحده لا شريك له.

__________________

(١) كذا فى الحجة لأبي عليّ : ٣ / ٢٩٠ ، وهى الآية : ٢٨ من سورة يونس (عليه‌السلام).

(٢) سورة الحجر : آية : ٩.

١٥٢

٣ ـ وقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [٢٣].

قرأ حمزة والكسائىّ يكن بالياء ونصبا فتنتَهم.

وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وابن عامر بالتاء ورفع الفتنة. فأمّا ابن كثير فإنه يجعل الفتنة اسم الكون ، والخبر (إِلَّا أَنْ قالُوا) لأن «أن» مع الفعل بتقدير المصدر ، وتلخيصه : ثم لم تكن فتنتهم إلا قولهم ...

وقرأ الباقون بالتّاء ونصب الفتنة. فأمّا حمزة فإنه يجعل (أَنْ قالُوا) الاسم ، والفتنة الخبر ، وهو الاختيار لعلتين :

إحداهما : أن الفتنة تكون معرفة ونكرة ، والضمير فى (أَنْ قالُوا) / لا يكون إلا معرفة.

وأمّا حجّة أبي عمرو ومن تبعه قال : لما كانت الفتنة هى القول والقول هو الفتنة جاز أن تحلّ محلّه.

٤ ـ وقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [٢٣].

قرأ حمزة والكسائىّ ربَّنا بالنّصب على : والله يا ربّنا ؛ لأنّ الله تعالى قد ذكر نفسه قبل ذلك وخاطبوه.

وقرأ الباقون : (وَاللهِ رَبِّنا) بالخفض فجعلوه مقسما به تعالى ، وقالوا : هذا أحسن فى اللّفظ والمعنى أن تقول : والله العظيم ما فعلت كيت وكيت ، من أن تقول : والله يا أيّها العظيم.

٥ ـ وقوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ) [٢٧].

١٥٣

قرأ حمزة وحفص (نُكَذِّبَ ... وَنَكُونَ) بنصب الباء والنّون ووافق شاميّ فى النّون ؛ جعلوه جواب التّمنّى ؛ لأنّ الجواب بالواو ينصب كما ينصب بالفاء كقول الشاعر (١) :

لاتنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

وكقراءة الأعرج : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ)(٢) بالنّصب.

وقرأ الباقون بالرّفع كلّ ذلك.

فمن رفع جعل الكلام كلّه خبرا ؛ لأنّ القوم تمنّوا الردّ ، ولم يتمنّوا الكذب والتّقدير : يا ليتنا نردّ ونحن لا نكذّب.

__________________

(١) هذا البيت مختلف فى نسبته فقيل : لحسان بن ثابت. وقيل : للمتوكل الليثى : ديوانه : ٨١ وقيل لأبى الأسود الدؤلى ، ديوانه : ١٦٥ وقيل للطرماح بن حكيم الطائى ؛ وقيل لسابق البربرى ، وقيل للأخطل ... قال ابن هشام اللّخمى فى الفصول والجمل ... «الصّحيح أنه لأبى الأسود فإن صحّ ما ذكر عن المتوكل فإنما أخذ البيت من شعر أبى الأسود ، والشعراء كثيرا ما تفعل ذلك». وقال البغدادى فى الخزانة : «والصحيح أنه لأبى الأسود». وهو من شواهد الكتاب : ١ / ٤٢٤ ، والمقتضب : ٢ / ١٦ والأصول : ٢ / ١٦٠ ، والجمل : ١٨٧ ، وينظر : (شروح أبياته) ومعانى الحروف : ٦٢ ، والأزهية : ٢٤٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٧ / ٢٤ ، ورصف المبانى : ٤٢٤ ، والجنى الدانى : ١٥٧ ، والمغنى : ٣٦١ ...

(٢) سورة البقرة : آية : ٣٠.

والأعرج : حميد بن قيس ، أبو صفوان المكى. أخذ عن أبى عمرو توفى سنة ١٣٠ ه‍. (غاية النهاية : ١ / ٢٦٥). وقراءته فى تفسير القرطبى : ١ / ٣٧٥ ، والبحر المحيط : ١ / ١٤٢.

١٥٤

٦ ـ وقوله تعالى : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) [٣٢] قرأ ابن عامر بحذف لامه الأولى والآخرةِ بالخفض والباقون بإثبات اللّام و (الْآخِرَةُ) بالرّفع.

٧ ـ وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [٣٢].

اختلفوا فى خمس (؟ كذا) مواضع ، فى (الأنعام) (١) و (الأعراف) (٢) و (يوسف) (٣) و (القصص) (٤) و (يس) (٥) فقرأهن كلّهنّ نافع بالتاء إلا فى سورة (يوسف). وروى [عن](٦) حفص كلّ ذلك بالتاء إلا فى (يس).

وقرأ ابن عامر وعاصم كلّ ذلك بالتّاء إلا هشاما فى (يس) / وقرأ الباقون كلّ ذلك بالياء إلا فى (القصص) غير أن أبا عمرو كان يخيّر فى التّاء والياء فى (القصص) كما خيّر فى (آل عمران). فمن قرأ بالتاء فالتّقدير : قل يا محمد (أَفَلا تَعْقِلُونَ) يا كفرة ، ومن قرأ بالياء فالله تعالى يخبر عنهم أنّهم لا يعقلون.

٨ ـ وقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) [٣٣].

قرأ نافع والكسائىّ لا يَكْذبونك بالتّخفيف.

وقرأ الباقون بالتّشديد يَكِذِّبُونك.

فمن شدّد فمعناه : إنهم يكذبونه فى نفسه ، ومن خفف فالتّقدير : إنهم لا يصيبونك كاذبا ؛ لأنّ المشركين ما شكّوا فى صدق النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : نكذّب بما جئت به.

__________________

(١) الآية : ٣٢.

(٢) الآية : ١٦٩.

(٣) الآية : ١٠٩.

(٤) الآية : ٦٠.

(٥) الآية : ٦٨.

(٦) فى الأصل : «عنه».

١٥٥

٩ ـ وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) [٣٣].

قرأ نافع وحده يُحزِنك بالضمّ. [وكسر الزاي].

وقرأ الباقون بالفتح ، وهو الاختيار واللّغة الفصيحة لقولهم : محزون ولا يقال محزن ؛ لأنّ من قال : أحزنت فلانا وجب أن يكون الفاعل محزنا والمفعول محزنا ، والاختيار حزننى الأمر ، أنشدنى ابن عرفة رضي الله عنه (١) :

لا تحزنينى بالفراق فإنّنى

لا تستهلّ من الفراق شؤونى

١٠ ـ وقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ...) [٤٠].

قرأ نافع جميع ما فى القرآن من الاستفهام بترك الهمزة تخفيفا ؛ وذلك أنه كره أن يجمع بين همزتين الأولى : همزة استفهام ، وهى زائدة والثانية : عين الفعل ، وهى أصلية ، وهذا إنما يكون فى الماضى فأمّا الفعل المضارع نحو يرى وترى فاجماع / القراء والعرب على ترك الهمزة إلا الشاعر فإنه إذا اضطرّ همز على الأصل كقوله (٢) :

أرى عينىّ ما لم ترأياه

كلانا عالم بالتّرّهات

وأهل الحجاز يقولون فى الأمر : ر يا زيد براء واحدة ، وتزيد هاء للسكت

__________________

(١) البيت فى تهذيب اللغة : ١١ / ٤١٦ ، عن الأصمعى ، وعنه فى اللسان (شين).

(٢) البيت لمعقر بن حمار البارقى فى ديوانه : ٧٨ ، وقبله :

ألا أبلغ أبا إسحاق إنّى

رأيت البلق دهما مصمتات

أنشده المؤلف فى شرح المقصورة : ٢٤٣ ، وإعراب ثلاثين سورة : ٧٥ ، ١٥٤. وينظر : نوادر أبى زيد ، ٤٩٦ ، وطبقات فحول الشعراء : ٤٤٠ ، وسر الصناعة : ١ / ٧٦ ، ٢ / ٨٢٦ ، والخصائص : ٣ / ١٥٣ والمحتسب : ١ / ١٢٨ ، والممتع : ٦٢١ ، وشرح شواهد الشافية : ٣٢٢.

١٥٦

فتقول : ره. وتميم إرء بالهمز يردّون الهمزة.

وقرأ الكسائىّ : أرَيْت بإسقاط الهمزة من غير تليين. وذلك أنّ الكسائىّ لما وجد العرب مجتمعة على ترك الهمز فى المستقبل بنى الماضى على المستقبل مع زيادة الهمزة فى أولها ، وهى لغة مشهورة قال الشاعر (١) :

أريت إن جئت به أملودا

مرجّلا ويلبس البرودا

أقائلنّ أحضروا الشّهودا

١١ ـ [وقوله تعالى : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ ...) [٤٤].

قرأ ابن عامر : فتَّحنا عليهم هنا وفى (الأعراف) (٢) و (القمر) (٣) وفتِّحت فى (الأنبياء) (٤) بتشديد التاء فى الأربعة. والباقون بتخفيفها.

١٢ ـ وقوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ ...) [٥٤].

قرأ عاصم وابن عامر (أَنَّهُ فَأَنَّهُ) بالفتح نصب الأول بقوله (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) «بأنه» و «لأنّه» فلما سقط الخافض عمل الفعل «وأن» المفتوحة مع ما بعدها بمنزلة المصدر ، والثانية نسق على الأول.

وقرأ نافع (أَنَّهُ) بالفتح فإنه بالكسر نصب الأول ب (كَتَبَ) وجعل الفاء جواب الشّرط ل «من» واستأنف «إن» ؛ لأن ما بعد فاء الشّرط

__________________

(١) الأبيات لرجل من هذيل فى شرح أشعار الهذليين : ٢ / ٦٥١ ، ونسبها العينى فى المقاصد : ١ / ١١٨ ، ٤ / ٣٣٤ إلى رؤبة. ملحقات ديوانه : ١٧٣. والشاهد فى الحجة لأبى على : ٣ / ٣٠٨ المحتسب : ١ / ١٩٣ ، والخصائص : ١ / ١٣٦ ، وسر صناعة الإعراب : ٢ / ٤٤٧ ، والخزانة : ٤ / ٥٧٤ ، وشرح أبيات المغنى : ٦ / ٣٢.

(٢) الآية : ٩٦.

(٣) الآية : ١١.

(٤) الآية : ٩٦.

١٥٧

يكون الكلام مستأنفا كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) وكقولك : من يزر زيدا فعبد الله عنده.

وقرأ الباقون : إنّه فإنّه مكسورتين ، جعلوه حكاية ، ولم يعملوا (كَتَبَ) كما تقول : قال زيد عبد الله / فى الدار ، و (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) لمن كان حاله كيت وكيت.

١٣ ـ وقوله تعالى : (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [٥٢].

قرأ ابن عامر وحده بالغُدْوة والعشيّ بالواو ، وإنما حمله على ذلك ؛ لأنّه وجده فى المصحف بالواو ، وإنما كتب بالواو كما كتب «الصلوة» بالواو ؛ وإنّما لم يكن ذلك الوجه ، لأنّ غداة نكرة ، وغدوة معرفة ولا يستعمل بالألف واللام ، ومراد الله تعالى ـ والله أعلم ـ ولا تطرد الّذين يدعون ربهم بالغداة والعشى أي : غداة كلّ يوم. نزل ذلك فى فقراء أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

١٤ ـ وقوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [٥٥].

قرأ أهل الكوفة غير حفص وليستبين بالياء (سَبِيلُ) بالرّفع.

وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو وحفص بالتاء والرّفع ، وقرأ نافع (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء سبيلَ بالنّصب ، والمعنى ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين ، والسّبيل : الطريق يذكّر ويؤنّث (٢).

__________________

(١) أسباب النزول للواحدى : ٢١٢ ، والدر المنثور : ٣ / ١٣ ، وينظر : تفسير الطبرى : ٦ / ٣٧٨ ، والمحرر الوجيز : ٥ / ٢٠٧ ، وزاد المسير : ٣ / ٤٤ ، وتفسير القرطبى : ٦ / ٤٣١ ، والخازن : ٣ / ١١٣ ، وابن كثير : ٢ / ١٣٤ ، والأحاديث الواردة فى ذلك فى مسند أحمد : ٦ / ٣٦ وسنن ابن ماجه : ٣ / ١٣٨٣ ، ومجمع الزوائد : ٧ / ٢٠.

(٢) المذكر والمؤنث لابن الأنبارى : ٣١٩.

١٥٨

١٥ ـ وقوله تعالى : (يَقُصُّ الْحَقَ) [٥٧].

قرأ ابن كثير ونافع وعاصم (يَقُصُّ الْحَقَ) بالصّاد ؛ لأنّ فى المصحف بغير ياء.

وقرأ الباقون : يقض الحقّ : قال أبو عمرو : وإنما قرأتها كذا لقوله : (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) والفصل لا يكون إلا فى القضاء. وإنما حذفت الياء خطّا لما سقطت لفظا لسكونها وسكون الّلام.

١٦ ـ وقوله تعالى (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [٦٣].

قرأ عاصم / وحده فى رواية أبى بكر وخِفية بالكسر.

وقرأ الباقون (خُفْيَةً) بالضمّ ، وهما لغتان : خفية وخفية وفيها لغة ثالثة ما قرأ بها أحد لخلاف المصحف غير أنّ ابن مجاهد خبّرني عن السّمّرىّ عن الفرّاء قال (١) : يقال خفية وخفية وخفوة وخفوة بالواو مثل حبوة وحبوة.

١٧ ـ وقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [٦٣].

قرأ القراء كلّهم (يُنَجِّيكُمْ) مشددا إلا على بن نصر فإنه روى عن أبى عمرو يُنْجِيكم خفيفة ، والأمر بينهما قريب ، نجّى وأنجى مثل كرّم وأكرم.

١٨ ـ وقوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها) [٦٤].

__________________

(١) نصّ كلام الفرّاء فى المعانى : ١ / ٣٣٨ : «وفيها لغة بالواو ولا تصلح فى القراءة : خفوة وخفوة كما قيل : قد حلّ حبوته وحبوته وحبيبته ...». وينظر : تهذيب اللّغة : ٧ / ٥٩٥ ، وإكمال الأعلام : ١ / ١٩٣.

١٥٩

قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ وابن عامر برواية هشام (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ) مشدّدة.

والباقون مخففة ، ويجوز أن يكون التّشديد للتّكرير شيئا بعد شىء. ويجوز لأبى عمرو وغيره لمن شدّد الأولى وخفف الثانية [أنه] أتى باللّغتين ليعلم أن كلتيهما صواب.

١٩ ـ وقوله تعالى : (لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ) [٦٣].

قرأ الكوفيون لئن أنجَينا على لفظ الخبر عن غائب.

وقرأ الباقون : لئن أنجَيْتنا من هذه على لفظ الخطاب لله تعالى ، وكان عاصم يفخّم على أصل الكلمة (أَنْجانا)

وحمزة والكسائىّ يميلان أنجينا لأنّه من ذوات الياء.

٢٠ ـ وقوله تعالى : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) [٦٨].

قرأ ابن عامر وحده يُنَسِّيَنَّك من نسّى ينسّى ، جاء فى الحديث (١) : «لا يقولنّ أحدكم نسيت أنّه كذا وكذا إنما هو ينسّى» وقرأ الباقون : (يُنْسِيَنَّكَ) / بالتخفيف ، يقال : نسيت الشىء أنساه ، وأنسانى غيرى ونسّانى غيرى أيضا. ويجوز أن نسّي مرة بعد مرة.

٢١ ـ وقوله تعالى : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) [٧١].

قرأ حمزة استهويه بالياء.

والباقون بالتاء. فهذا فعل الجماعة يذكر ويؤنث كما يقال قام الرّجال وقامت الرجال ، وقال الأعراب وقالت الأعراب كلّ ذلك صواب.

٢٢ ـ وقوله تعالى : (رَأى كَوْكَباً) [٧٦].

__________________

(١) الحديث فى كتاب السنه لابن أبى عاصم : ١ / ١٨٤.

١٦٠