موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

بالتجدّد والتخصيص ، مرضيّا بالثناء والثواب والجزاء. وما وقع على وفق العلم وخلاف الأمر كان مرادا غير مرضي أعني مرادا بالتجدّد غير مرضي بالذمّ والعقاب (ش ، ن ، ٢٥٥ ، ١٩)

ـ الثمامية : أتباع ثمامة بن أشرس. وكان في زمن المأمون ـ ومن مذهبهم أنّ الفعل يصحّ من غير الفاعل (ف ، غ ، ٤٢ ، ٤)

ـ تأثير الشيء في غيره وهو الفعل (ف ، أ ، ٢٧ ، ٢)

ـ الفعل : هو الهيئة العارضة للمؤثّر في غيره بسبب التأثير أولا كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعا ، وفي اصطلاح النحاة ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وقيل الفعل كون الشيء مؤثّرا في غيره كالقاطع ما دام قاطعا (ج ، ت ، ٢١٥ ، ١٢)

ـ إنّ الإمكان لا يكون إلّا مع التمكّن ، والتمكّن لا يصحّ أن يكون إلّا عند ما يصحّ الفعل ، والفعل لا يصحّ إلّا بعد وجود الفاعل ضرورة ، وما كان بعد غيره فهو محدث (ق ، س ، ٦٥ ، ٢)

ـ إنّ الفعل لا يصحّ إلّا من قادر ضرورة ، حيّا ، لأنّ الجماد لا قدرة له ضرورة ، عالما ، لأنّا وجدنا العالم محكما رصين الأحكام على اختلاف أصنافها أو تباينها ، مميّزا كل منها على الآخر ، أكمل تمييز نحو إحكام خلق الإنسان وتمييزه بذلك عن نحو إحكام خلق الإنعام. وذلك لا يكون إلّا من عالم ضرورة ، وليس ذلك إلّا الله تعالى (ق ، س ، ٦٩ ، ٢)

ـ العترة ، عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة والقطعية والمعتزلة : وللعبد فعل يحدثه على حسب إرادته (ق ، س ، ١٠٣ ، ٢)

ـ قلنا : حصوله (فعل) منّا بحسب دواعينا وإرادتنا معلوم ضرورة عكس ، نحو الطول والقصر ، وقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) ونحوها ، ويلزم أن تجعلوا الله ، تبارك وتعالى علوّا كبيرا كافرا لفعله الكفر ، كاذبا لفعله الكذب ، ونحو ذلك ، والكافر والكاذب أبرياء من ذلك. لعنوا بما قالوا. ويلزم بطلان الأوامر والنواهي وإرسال الرسل ، لأنّه لا فعل للمأمور ، والكل كفر (ق ، س ، ١٠٣ ، ٩)

ـ الجاحظ : لا فعل للعبد إلّا الإرادة ، وما عداها متولّد بطبع المحل (ق ، س ، ١٠٤ ، ٣)

فعل الأجسام

ـ كان (معمّر) يزعم أنّ الله إنّما خلق الأجسام ، ثم إن الأجسام أحدثت الأعراض باعتبار أن كل ما سبق من حياة وموت وسمع وبصر ولون وطعم ورائحة ما هو إلّا عرض في الجسم من فعل الجسم بطبعه ، والأصوات عنده فعل الأجسام المصوّتة بطباعها ، وفناء الجسم عنده فعل الجسم بطبعه ، وصلاح الزروع وفسادها من فعل الزروع عنده. وزعم أيضا أنّ فناء كل فان فعله بطبعه. وزعم أنّه ليس لله تعالى في الأعراض صنع ولا تقدير (ب ، ف ، ١٥٢ ، ٤)

فعل الاختيار

ـ إنّ الله سبحانه إذا ثبت عنه مختلف الخلق بجوهره وصفاته دلّ أنّ فعله ليس بفعل الطّباع بل هو فعل الاختيار (م ، ح ، ٤٤ ، ١١)

فعل الله

ـ قال ، عزوجل ، في فعله هو : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) ، يقول : هو خالق كل شيء

٩٠١

يكون ، ولم يقل أنّه خلق فعلهم ، بل قال : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، يقول : تصنعون وتقولون إفكا ، كما قال : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) (النحل : ٦٧) يقول : أنتم تجعلونه ، وتبيّن الكفر والإيمان من الله ، عزوجل ، وفعلهما من الآدميين ، ولو لا أنّه عزوجل بيّن لخلقه الكفر والإيمان ما إذا عرفوا الحق والباطل ولا المعتدل من المائل ، ولكن عرّفهم (ي ، ر ، ٦٦ ، ١٠)

ـ إنّ فعل الله تعالى في التحقيق خلقه ، وكل ذلك لو أضيف إليه باسم الخلق لم يفهم منه في ذلك غير إنشاء ، وفهم من الذي منهم من العبد فعله وكسبه نحو أن نقول : خلق الشرح والضيق ، وخلق الضلال والاهتداء ونحو ذلك (م ، ح ، ٢٢٨ ، ١٦)

ـ إنّ معنى فعل الله هو الإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، وصيّرت المعتزلة ذلك معنى فعل العبد (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١٠)

ـ عندنا (أبو منصور الماتريدي) أنّ فعل الله تعالى في الحقيقة غير فعل العبد ، وفعل العبد مفعوله لا فعله ، ووجود مثله في الشاهد غير عسير نحو مد اثنين شيئا ينقطع ، وإزالة اثنين شيئا عن مكان ، وقبلهما واحد يصير به شركاء فيها إنّه مفعولهما في الحقيقة ، وكذلك المزال والمنقطع ، وكذلك الحمل فيه جزء لا يتجزأ ، حمله اثنان قواهما واحد أن حقيقة فعلهما وإن اختلف ، فالمفعول واحد لهما ، فمثله الذي نحن فيه (م ، ح ، ٢٣٨ ، ٣)

ـ إنّ الله إذ هو موصوف بفعله ، ومعنى فعله خلقه كل شيء على ما هو أولى به ، متفضلا في فعله أو عادلا ، لا يخلو وصف فعله عن هذين ، وحقيقته عن الأوّل ، فصار بأي وجه أضيف إليه من طريق فعله محقق له معنى خلقه ، ولو ذكر ذا في الإضلال وما ذكر في الطبع وغيره ولم يحتمل شيء من تمويهات المعتزلة ، فكذلك إذ ذلك معنى فعله (م ، ح ، ٣١٣ ، ١٩)

ـ متى كان الفعل خلقا لله عزوجل فهو غير محتاج إلى قدرتنا وعلومنا ، ولا إلى الآلات والأسباب وما شاكلهما (ق ، ت ١ ، ٣٨٥ ، ٢٧)

ـ إنّ الله عزوجل خلق كل ما خلق من ذلك مخترعا له كيفيّة مركّبة في غيره ، فهكذا هو فعل الله تعالى فيما خلق ، وأمّا فعل عباده لما فعلوا فإنّما معناه أنّه ظهر ذلك الفعل عرضا محمولا في فاعله لأنّه إمّا حركة في متحرّك ، وإمّا سكون في ساكن ، أو اعتقاد في معتقد ، أو فكر في متفكّر ، أو إرادة في مريد ، ولا مزيد ، فبين الأمرين بون بائن لا يخفى على من له أقلّ فهم (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ١٧)

ـ (وَما رَمَيْتَ) (الأنفال : ١٧) أنت يا محمد (إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧) يعني أنّ الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة ، لأنّك لو رميتها لم بلغ أثرها إلّا ما يبلغه أثر رمي البشر ، ولكنّها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ، فأثبت الرمية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنّ صورتها وجدت منه ، ونفاها عنه لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عزوجل ، فكان الله هو فاعل الرمية على الحقيقة ، وكأنّها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلا (ز ، ك ٢ ، ١٥٠ ، ٧)

ـ فعل الله تعالى لا يوجب شيئا على الله تعالى (ف ، أ ، ٩٢ ، ١٤)

٩٠٢

فعل الله تعالى بالأسباب

ـ الذي يدلّ على صحّة ما اختاره أبو هاشم وسائر شيوخنا من صحّة فعل الله تعالى بالأسباب هو أنّ السبب ـ لأمر يرجع إلى ذاته ـ يولّد ما يولّده لا لأمر يرجع إلى حال الفاعل. ألا ترى أنّ الاعتماد يولّد الاختصاص بجهة وهو لما هو عليه في ذاته ، فلأجل هذا يولّد في حال السهو والنوم ، وإذا كان توليده لهذا الوجه لم يجز اختلاف الحال في توليده لاختلاف الفاعلين ، وجرى مجرى الظلم وغيره من القبائح إذا قبحت لوجه ، فمتى ثبت ذلك الوجه لم يجز إلّا أن يكون قبيحا ، فإذا كان كذلك ، وكان المعلوم أنّ مثل هذا السبب لو وجد من جهة أحدنا لولد المسبّب. فكذلك إذا وجد من جهته جلّ وعزّ (أ ، ت ، ٥٨٣ ، ٢٠)

فعل الله لغرض

ـ إنّه تعالى كما لا يفعل المبتدأ من فعله إلّا لغرض يخرج به من كونه عبثا فكذلك المتولّد وسببه ، ولا يجوز أن يفعل أحدهما لغرض فيه ويحسن الآخر من غير غرض يخصّه ، لأنّ وجه الحسن يجب حصوله في كل فعل من أفعاله تعالى ، وإلّا فالقبح أولى به. ولذلك جوّز شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله كون السبب حسنا أو قبيحا ، والمسبّب غير حسن ولا قبيح ، وإن لم يجوّز أن يكون حسنا مع كون سببه قبيحا على ما تفصله من بعد. فإذا صحّ ذلك والواجب أن نقضي بأنّه تعالى إنّما يفعل بالسبب لمصلحة يختصّ بها السبب ، ويفعل المسبّب لما فيه من النفع في دار الدنيا ، لأنّه تعالى قادر على أن يجري السفن على الوجه الذي تقع به المنفعة للعباد من غير أن يكون اعتماد الماء مولّدا له ، لكنّه لمّا كان كمال المنفعة أن يكون جريها بحسب مرادهم في الجهات التي يجرونها إليها ، وجب أن يخلق تعالى المياه ليصحّ تصريف السفن عليها ، ولا يكون الماء ماء إلّا وفيه اعتماد ، وعلم سبحانه أنّ ذلك الاعتماد إذا ولّد كان فيه منفعة ، فخلقه على هذا الوجه حصل فيه ضروب من الاعتبار ، وجميع ما فعله تعالى من الأفعال بالأسباب هذا حاله (ق ، غ ٩ ، ١١١ ، ١٤)

فعل الله متولّدا

ـ لو لم يصحّ أن يفعل تعالى على جهة التوليد كان لا يمتنع أن يجاور بين الجوهرين ولا يفعل فيهما التأليف لأنّه لا وجه يوجب وجوده لو لا كون المجاورة مولّدة له ، لأنّه لا يمكن أن يقال إنّه ملجأ إلى إيجاده ، لأنّه يتعالى عن ذلك فكان يجب ألا يمتنع أن يختار فعله أصلا ، وذلك يوجب كونهما متجاورين ولا تأليف فيهما ، وفي ذلك إفساد الطريق الذي يثبت به التأليف على ما بيّناه من قبل (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ١٤)

ـ الدلالة على أنّه جلّ وعزّ لا يصحّ فيما يفعله (الله) متولّدا أن يبتدئه ، لأنّ هذه العلّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، ومما يدلّ على ذلك أنّا قد بيّنا أنّ الوجود لا يصحّ فيه تزايد ، فلو صحّ فيما نفعله بسبب أن نبتدئه لصحّ منّا ذلك وإن تقدّم السبب ، لأنّ تقدّمه لا يغيّر حال القدرة وحال القادر ، فكان يجب أن يكون ذلك السبب قد وجد من كلا الوجهين ، فلا يصحّ أن يوجد منهما جميعا ، وحاله في الوجود كحاله لو لم يجز أن يوجد إلّا من أحد الوجهين ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن لا يكون للوجه الآخر تأثير البتّة ، وقد علمنا فساد ذلك (ق ، غ ٩ ، ١١٥ ، ٢٤)

ـ فيما يفعله تعالى متولّدا هل يصحّ أن يبتدئه أم

٩٠٣

لا؟ اعلم أنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله ذكر في الجامع الكبير أنّه يصحّ أن يفعله مبتدأ ، ودلّ على ذلك بأن قال إنّ ما يقدر عليه تعالى لا يخرج من أن يكون مقدورا له إن كان مضمّنا بوقت ، إلّا بأن يوجد أو ينقضي وقته ، وإن لم يكن مضمّنا بوقت فبأن يوجد فقط ، لأن حاله جلّ وعزّ في كونه قادرا لا يجوز أن يتغيّر لكونه قادرا لنفسه ، والذي يخرجه من كونه قادرا على الشيء أمر يرجع إلى المقدور دونه ، ولا حال تعقل في المقدور تقضي ذلك إلّا ما بيّناه. وقد علمنا أنّ المسبّب من مقدوراته التي تتأخّر عن السبب ، وإن وجد سببه ولم ينقض وقته ولا وجد ، فيجب كونه مقدورا على ما كان ، ولا يجوز أن يكون مقدورا أو لا يصحّ من القديم سبحانه إيجاده كسائر المقدورات ، وتفارق حاله حال الواحد منا لأنّ قدرته لا يصحّ أن تكون قدرة إلّا على جزء واحد من الجنس الواحد في محلها ، والقديم تعالى يقدر على ما لا نهاية له من أمثال المسبّب ، فيجب كونه قادرا على المسبّب نفسه (ق ، غ ٩ ، ١١٩ ، ٢)

فعل الإنسان

ـ لمّا كان ميل معمّر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميّز بين أفعال النفس التي سمّاها إنسانا ، وبين القالب الذي هو جسده ؛ فقال : فعل النفس هو الإرادة فحسب. والنفس إنسان ؛ ففعل الإنسان هو الإرادة ؛ وما سوى ذلك من الحركات والسكنات والاعتمادات فهي من فعل الجسد (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ١)

فعل بسبب

ـ بيّنا في باب التولّد أنّ كل ما صحّ منه تعالى أن يفعله بسبب ، يصحّ أن يفعله على جهة الابتداء ، وإن كان قد يتعذّر ذلك علينا في كثير من الأجناس ، وبيّنا أنّ ذلك فينا يؤذن بالحاجة إلى الأسباب ، وأن ذلك لا يصحّ عليه تعالى. وهذا الجملة تصحّح أنّه تعالى كما يقدر على فعل الآلام بالأسباب ، فقد يقدر على فعلها على جهة الابتداء من غير سبب (ق ، غ ١٣ ، ٢٧٦ ، ٨)

ـ مما يدلّ على أنّ الله تعالى يفعل فعلا بسبب ، ما قد ثبت أنّه إذا خلق جسما ثقيلا فإنّه يجب أن يكون هاويا ، وهويّه إنّما يكون لما يخلق الله تعالى فيه من الاعتماد الذي هو الثقل حالا فحالا ، فهويّة موجب عن الثقل ، فيجب أن يكون الهويّ من فعل الله تعالى ، كما أنّ الثقل من فعل الله تعالى ، لأنّ فاعل السبب هو فاعل المسبب. ففي هذا ما يدلّ على أنّ الله تعالى يفعل فعلا بسبب (ن ، د ، ٨٨ ، ١٠)

فعل بين فاعلين

ـ كان (الأشعري) يحيل أن يكتسب المكتسب فعل غيره أو يكتسب في غيره. وكان يقول إنّ الله تعالى يفعل في غيره ولا يصحّ أن يفعل في نفسه ، والمكتسب لا يصحّ أن يكتسب إلّا في نفسه. ويحيل كسبا بين مكتسبين وفعلا بين فاعلين وإحداثا بين محدثين. ويفرّق بين ذلك وبين جواز مقدور بين قادرين أحدهما يخلقه والآخر يكتسبه بفروق (أ ، م ، ١٠٢ ، ٩)

فعل بين قادرين

ـ أما الفعل بين قادرين فمختلف فيه. فإن قلت : مم اشتقاق القدير. قلت : من التقدير ، لأنّه يوقع فعله على مقدار قوّته واستطاعته وما يتميّز به عن العاجز (ز ، ك ١ ، ٢٢٣ ، ٢)

٩٠٤

فعل الجسد

ـ لمّا كان ميل معمّر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميّز بين أفعال النفس التي سمّاها إنسانا ، وبين القالب الذي هو جسده ؛ فقال : فعل النفس هو الإرادة فحسب. والنفس إنسان ؛ ففعل الإنسان هو الإرادة ؛ وما سوى ذلك من الحركات والسكنات والاعتمادات فهي من فعل الجسد (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ٢)

فعل الجوارح

ـ اختلفوا (المعتزلة) في فعل الجوارح في أيّ وقت يحدث بعد حدوث الاستطاعة على ثلاثة أقاويل : فقال قوم : الإنسان يقدر على الحركة في حال حدوث القدرة والحركة تقع في الحال الثانية. وقال بعضهم : هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ، وهي لا تقع إلّا في الحال الثالثة لأنّه لا بدّ من توسّط الإرادة. وقال قوم : هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ولم (؟) تقع إلّا في الحال الرابعة لأنّه لا بدّ بعد حال الاستطاعة من حال الإرادة وحال التمثيل ثم توجد الحركة (ش ، ق ، ٢٣٨ ، ١٠)

فعل حكمي

ـ إن قال قائل فما أنكرتم من أن يدل الفعل الحكمي على أنّ للإنسان علما هو غيره كما قلتم أنّه يدل على علم ، قيل له ليس إذا دلّ الفعل الحكميّ على أنّ للإنسان علما دلّ على أنّه غيره ، كما ليس إذا دلّ على أنّه عالم دلّ على أنّه متغاير على وجه من الوجوه (ش ، ل ، ١٢ ، ١٨)

ـ لو جاز لزاعم أن يزعم أنّ الفعل الحكمي يدل على أن العالم عالم ثم يعلم علمه بعد ذلك ، لجاز لزاعم أن يزعم أن الفعل الحكمي يدلّ على أنّ العلم علم ثم يعلم أنّه لعالم بعد ذلك ، وإذا لم يجز هذا وتكافأ القولان وجب أن تكون الدلالة على أنّ العالم عالم دلالة على العلم (ش ، ل ، ١٣ ، ٣)

فعل داخل تحت التكليف

ـ اعلم ، أنّا قد بيّنا من قبل أنّ الفعل الداخل تحت التكليف ، لا بدّ من أن تتردّد للمكلّف الدواعي بين فعله وتركه والعدول عنه إلى خلافه. ولذلك قصدنا إلى ذكر هذا الفصل لئلّا يقول قائل : إنّ المعارف وإن كانت مقدورة للعبد ولا مانع له عن فعلها ، فإنّه لا يصحّ أن يدعوه إليها داع ، فلا يجوز من الحكيم أن يكلّفها. وقد علمنا أنّ الدواعي ترجع إلى الاعتقادات والظنون دون غيرها ، لأنّه إذا علم في الفعل منفعة دعاه إلى فعله ، وكذلك إذا ظنّه أو اعتقده ؛ ولو علم أو ظنّ أنّ عليه في الفعل مضرّة ، صرفه عن فعله. وكذلك القول فيما نعلمه نفعا وإحسانا إلى الغير أو حسنا أنّه قد يدعوه إلى فعله ، فإذا علمه إساءة صرفه عن فعله ، ولا يجوز أن يدخل في باب الدواعي سوى ما ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٢٢٦ ، ٣)

فعل الساهي

ـ إن قال فما الطريق الذي به تعرفون في فعل الساهي إنّه فعله؟ قلنا إنّا نعرفه فعلا له بتقدير الدواعي ، فنفارق فعل غيرنا لأنّك تقول : هذا الساهي قد وقع هذا الفعل منه على حدّ لو كان عالما كان لا يقع إلّا مطابقة لداعيه ، فيقوم التقدير في ذلك مقام التحقيق. ألا ترى أنّ فعل غيره لمّا لم يكن حادثا من جهته لم يصحّ أن

٩٠٥

يقدر هذا الوجه فيه ، فعرفنا أنّ فعله يختصّ به على ما نقوله وغير ممتنع أن يقوم التقدير مقام التحقيق في مواضع. فعلى هذا نعرف أنّ زيدا قادر إذا عرفنا أنّه لو حاول الفعل لوقع منه ، كما نعرفه قادرا لو وقع منه الفعل. وكذلك في كونه عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٨)

ـ أمّا ما كان وجه حسنه أو قبحه وقوعه على بعض الوجوه بالقصد أو بالعلم والاعتقاد ، كنحو الكلام والحركات ، فيجب إذا وقع من فعل الساهي والنائم أن لا يكون حسنا ولا قبيحا ، لأنّ المستفاد بكلا الأمرين ، لا يصحّ فيه. ولذلك لا يصحّ في كلامه أن يكون خبرا أو أمرا ، ولا في حركاته أن تكون كسبا يجترّ بها نفعا ، أو يدفع بها ضررا. فأمّا إذا لكم في حال نومه رجلا أو جرحه ، فيجب أن يكون ذلك ظلما قبيحا ، وإن حكّ جربا والتذّ بذلك ، فيجب كونه حسنا ، لأنّه قد نفعه ، وإن كان لا يصح كونه منعما به ، لأنّ ذلك يقتضي كونه قاصدا على بعض الوجوه. وإن كان لا بدّ من كونه ظالما بما يكون من فعله ظلما ، لأنّ ذلك يفيد فعله له فقط ، ولا يقتضي كونه قاصدا إليه على بعض الوجوه. ولا يجوز أن يستحقّ بما يقع من فعله ذمّا ولا مدحا ، لأنّ من حقّ هذين أن يستحقّهما من يقدم على الفعل على وجه يمكنه التحرّز منه ، ويقصد به وجها مخصوصا ، أو يحصل في حكم القاصد إليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الفعل إذا وقع من العالم به أو من هو في حكمه فلا بدّ من أن يكون حسنا أو قبيحا ؛ لأنّه لا بدّ إذا كان هذا حاله أن يكون قاصدا إلى فعله ، والفعل المقصود يجب كونه قبيحا أو حسنا ، وكذلك القول فيما يجري مجرى المقصود ، كالقصد نفسه والكراهة ، وإنّما يخلو الفعل من الوجهين متى وقع من الساهي عنه (ق ، غ ١١ ، ٦٣ ، ١٢)

فعل الشيء

ـ قال" عباد بن سليمان" (معتزلي) : لم يزل الله عالما بالمعلومات ولم يزل عالما بالأشياء ولم يزل عالما بالجواهر والأعراض ولم يزل عالما بالأفعال ولم يزل عالما بالخلق ، ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالأجسام ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمفعولات ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمخلوقات ، وقال في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنّه لم يزل عالما بألوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض ، وكان يقول : المعلومات معلومات لله قبل كونها وأنّ المقدورات مقدورات قبل كونها وأنّ الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن تكون ، ويحيل أن تكون الأجسام أجساما قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون والمفعولات مفعولات قبل أن تكون ، وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره ، وكان إذا قيل له : أتقول إنّ هذا الشيء الموجود هو الذي لم يكن موجودا؟ قال : لا أقول ذلك ، وإذا قيل له : أتقول أنه غيره؟ قال : لا أقول ذلك (ش ، ق ، ١٥٩ ، ١١)

فعل صحيح

ـ إنّ معنى قولنا : " إنّ الفعل صحيح" ، هو أنّه قد حصل به الغرض المقصود به. وإنّما يكون

٩٠٦

كذلك إذا استوفيت شرائطه التي معها يحصل الغرض المقصود بالفعل. وقولنا" فاسد" و" باطل" يفيد نفي ذلك. وهو أنّه لم يستوف شرائطه التي عليها يقف حصول الغرض بالفعل (ب ، م ، ١٨٤ ، ٦)

فعل الطباع

ـ أمّا الفعل لإحراز منفعة أو لدفع مضرّة فإنّما يوصف به المخلوقون المختارون. وأمّا فعل الطباع فإنّما يوصف به المخلوقون غير المختارين (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ١٢)

فعل الظن

ـ إنّ العاقل عندنا لا يحصل له الظنّ ابتداء ، بل يحصل عقيب أمارة تصوّرها من نفسه ، وعلم ثبوتها ، وأحال فكره فيها ، وعلم كيفية تعلّقها بما يظنّه ويخافه. فعند ذلك متى فعل الظنّ ، خاف خوفا صحيحا لزمه النظر عنده. وإنّما صحّ كون ذلك أمارة لما قدّمناه من أنّه إذا كان هو الفاعل للظنّ أثّرت الأمارة فيه. فأمّا القديم ، تعالى ، فإن فعل الظنّ مع هذه الأمور ، كان مضطرّا إلى الجميع ، فلا يصحّ له هذا الحكم. فإنّ فعل الظنّ وحده ، كان بمنزلة المبتدئ الذي لا حكم له ، لأنّ هذه الأمور لا تؤثّر فيه. وبعد ، فإنّها إذا حصلت للعاقل ، فعل الظنّ عندها لا محالة ، فلا وجه لأن يفعل تعالى فيه الظنّ والحال هذه ، كما لا وجه لفعل الخاطر والداعي (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٨ ، ١٥)

فعل العباد

ـ إنّ المعارف كلّها طباع ، وهي مع ذلك فعل للعباد ، وليست باختيار لهم (الجاحظ). قالوا : ووافق ثمامة في أن لا فعل للعباد إلّا الإرادة ، وأن سائر الأفعال تنسب إلى العباد على معنى أنّها وقعت منهم طباعا ، وأنّها وجبت بإرادتهم (ب ، ف ، ١٧٥ ، ١٦)

ـ إنّ الله عزوجل خلق كل ما خلق من ذلك مخترعا له كيفيّة مركّبة في غيره ، فهكذا هو فعل الله تعالى فيما خلق ، وأمّا فعل عباده لما فعلوا فإنّما معناه أنّه ظهر ذلك الفعل عرضا محمولا في فاعله لأنّه إمّا حركة في متحرّك ، وإمّا سكون في ساكن ، أو اعتقاد في معتقد ، أو فكر في متفكّر ، أو إرادة في مريد ، ولا مزيد ، فبين الأمرين بون بائن لا يخفى على من له أقلّ فهم (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ١٨)

ـ الأكثر : ويجوز تسمية فعل العباد خلقا. البلخيّ : لا. لنا : أحدثوه بتقدير ، وهو معناه ، وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) (م ، ق ، ٩٥ ، ١٣)

فعل العبد

ـ إنّ معنى فعل الله هو الإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، وصيّرت المعتزلة ذلك معنى فعل العبد (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١١)

ـ عندنا (أبو منصور الماتريدي) أنّ فعل الله تعالى في الحقيقة غير فعل العبد ، وفعل العبد مفعوله لا فعله ، ووجود مثله في الشاهد غير عسير نحو مد اثنين شيئا ينقطع ، وإزالة اثنين شيئا عن مكان ، وقبلهما واحد يصير به شركاء فيها إنّه مفعولهما في الحقيقة ، وكذلك المزال والمنقطع ، وكذلك الحمل فيه جزء لا يتجزأ ، حمله اثنان قواهما واحد أن حقيقة فعلهما وإن اختلف ، فالمفعول واحد لهما ، فمثله الذي نحن فيه (م ، ح ، ٢٣٨ ، ٣)

٩٠٧

ـ إنّ كلّ ما كان سببه من جهة العبد حتى يحصل فعل آخر عنده وبحسبه ، واستمرّت الحال فيه على طريقة واحدة فهو فعل العبد. وما ليس هذا حاله فليس بمتولّد عنه ولا يضاف إليه على طريق الفعليّة (ق ، ت ١ ، ٤٠٠ ، ٤)

ـ لو كان تعالى هو المخترع لفعل العبد ، لم يخل ما يقبح من العبد أن يقبح من الله تعالى أو يحسن منه. لأنّه لا يصحّ أن يقال ، مع علمه به ، أنّه لا يحسن منه ولا يقبح ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى تجويز مثل ذلك في فعل العالم منّا. وهذا يستحيل ، لأنّه متى كان عالما بفعله ، فلا بدّ من أن يعلمه على وجه ، لكونه عليه له فعله ، ولا يستحقّ به الذمّ ؛ أو على وجه لكونه عليه ليس له فعله ، ويصحّ أن يستحقّ به الذمّ. فإذا صحّ أنّه لا يخلو مما ذكرناه ، فلو قبح منه ما يقبح من العبد ، وصحّ مع ذلك أن يخلقه ، لم نأمن أن يخلق سائر القبائح منفردا بها فيكذب في أخباره ويأمر بالقبيح ، وينهي عن الحسن ، ولا يفي بشيء من وعده ووعيده ، ويعذّب الأنبياء ، ويثيب الفراعنة ، ويتفرّد بكل ظلم (ق ، غ ٨ ، ٢٠٢ ، ١٧)

ـ إنّ إمام الحرمين أبا المعالي الجويني ... قال : ... لا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة ، لا على وجه الإحداث والخلق ، فإنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم ، والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار ، يحسّ من نفسه أيضا عدم الاستقلال ، فالفعل يستند وجوده إلى القدرة ، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة. وكذلك يستند سبب إلى سبب آخر حتى ينتهي إلى مسبّب الأسباب. فهو الخالق للأسباب ومسبّباتها ، المستغني على الإطلاق ، فإنّ كل سبب مهما استغنى من وجه محتاج من وجه ، والباري تعالى هو الغني المطلق ، الذي لا حاجة له ولا فقر (ش ، م ١ ، ٩٨ ، ١٦)

ـ زعم الجمهور من المعتزلة أنّ العبد موجد لأفعاله لا على نعت الإيجاب بل على صفة الاختيار (ف ، م ، ١٤٦ ، ٩)

ـ إنّ فعل العبد إنّما وقع لأنّ مجموع القدرة مع الداعي يوجبه ، وهو فعل الله تعالى ، فاعل السبب فاعل للمسبّب ، ففعل العبد يكون فعلا لله تعالى (ف ، أ ، ٩٢ ، ١٢)

ـ يقال : لو لم يكن فعل العبد ، بل غيره من الموجودات الحادثة ، مقدورا للرب ، وداخلا تحت قدرته للزم أن يكون الباري تعالى ناقصا بالنسبة إلى من له القدرة عليه ، كما مضى في الإرادة ، وهو محال (م ، غ ، ٢١٨ ، ٥)

ـ العدليّة : فعل العبد غير مخلوق فيه. وخالفت الجهمية وجعلت نسبته إليه مجازا كظلال وقصر. النجّاريّة والكلابية وضرّار وحفص الفرد : بل خلق لله وكسب للعبد. لنا : وقوعه بحسب دواعيه ، وانتفاؤه بحسب كراهته مستمرّا وبذلك يعلم تأثير المؤثّر ، إذا سلّمنا لزم سقوط حسن المدح والذمّ وسبّه بنفسه تعالى (م ، ق ، ٩٤ ، ٢٢)

ـ ليس فعل العبد منازعة ، أمّا فعل الطاعة والمباح فظاهر ، وأمّا فعل المعصية فهو كفعل عبد قال له سيّده : لا أرضاك تأكل البرّ ولا أحبسك عنه ، لكن إن فعلت عاقبتك. ففعل العبد ليس نزاعا ، لأنّ النزاع المقاومة والمغالبة ، وهذا لم يقاوم ولم يغالب (ق ، س ، ١٠٦ ، ١٦)

٩٠٨

فعل العبد من المعارف

ـ إنّ العلوم التي بها يكمل العقل ومعها يصحّ النظر ، هي بمنزلة القدرة والتمكين ، لأنّه لولاها لما صحّ من المكلّف هذا الفعل على الوجه الذي يجب عليه ، وما حلّ محل التمكين لا يكون لطفا. وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله ، فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٤١٧ ، ١٨)

ـ إن قيل : فيجب في كل ما يفعلونه (العباد) من العلوم أن يكون لطفا. قيل له : إن كان مما لا يتمّ معرفة العقاب والثواب ، وما عنده تصحّ معرفتهما إلّا معه ، فكذلك نقول فيه : فإن استغنى عنه في ذلك على كل وجه ، فهو بمنزلة العلم بالصناعات إلى غير ذلك ، في أنّه لا مدخل له في هذا الباب. ولهذا لا يعدّ العلم بالحساب واللغة لطفا ، وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين. فأمّا ما به تقوى المعارف التي ذكرناها أو تنحلّ عنده الشبه الداخلة في باب التوحيد والعدل ، فلا يمتنع أن يكون لطفا. لأنّ من حقّه أن يثبت العلوم التي ذكرناها معه ، ولولاه كانت تزول ولا تثبت. فلهذا يجب على العاقل النظر في حال الشبه ، كما يجب عليه النظر في الأدلّة ، لأنّ موقع هذا العلم كموقع ذلك العلم في الحاجة إليه ، من الوجه الذي بيّناه. وإن كان متى لم تعرض الشبهة لا يلزمه النظر ، فيختلف لزوم ذلك بحسب اختلاف حال العاقل فيما ورد على قلبه (ق ، غ ١٢ ، ٤١٨ ، ٨)

فعل غيره

ـ أمّا فعل غيره. فإنّما يريده بأمر به ، ولا بدّ من تقدّم هذه الإرادة لفعل المكلّف. ويبيّن هذا أنّه لا يصير أمرا إلّا بالإرادة والمأمور به. فلا بدّ من تقدّمها ، وعلى هذا يصير داعيه لنا إلى فعل الطاعات ، وحقّ الدواعي أن تتقدّم فصارت حال فعل غيره بالعكس من حال فعله (ق ، ت ١ ، ٢٩٦ ، ١٤)

فعل فاعل

ـ إنّ حقائق الأجناس والأنواع لا تتعلّق بفعل الفاعل ، وأنّها في ذواتها إن لم تكن أشياء منفصلة لم يتصوّر الإيجاد والاختراع ، ولكان حصول الكائنات على اختلافها اتّفاقا وبختا (ش ، ن ، ١٥٦ ، ١١)

ـ إنّ فعل الفاعل لا يخرج الشيء عن حقيقته ، فلا يجوز أن يقلب الجوهر عرضا والعرض جوهرا ، فإنّ القدرة إنّما تتعلّق بما يمكن وجوده ، وهذا من المستحيل ، فنفي الاحتياج إلى محل في حق الجوهر لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، كما أنّ إثبات الاحتياج إلى المحل في حق العرض لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، وما ليس يمكن لا يكون مقدورا وما ليس بمقدور يستحيل أن يوجد (ش ، ن ، ٢١٦ ، ١٣)

فعل الفاعل لعلة موجبة

ـ إنّ الإلجاء ليس بعلّة موجبة ، وإنّما يقوّي دواعي الملجأ إلى الفعل ، فما لم يتغيّر حاله

٩٠٩

فيجب وجود الفعل منه ، وإن كان يصحّ ألّا يوجد منه بأن يتغيّر حاله في الإلجاء ، وليس كذلك لو فعل الفاعل لعلّة موجبة ، لأنّها كانت في صرف ذلك الفعل عن هذا الفاعل أقوى من فعل زيد الذي يجب ألّا يكون فعلا لغيره ، لاستغنائه في الوجود بزيد عن غيره (ق ، غ ١١ ، ٩٦ ، ٨)

فعل الفاعل من الأسباب

ـ نقول قد ثبت أن المتولّدات أجمع تقع بحسب ما يفعله الفاعل من الأسباب ، فلولا أنّها فعله لما وجب أن تقع بحسب فعله. ألا ترى أنّ فعل الغير لمّا لم يحدث من جهته لم يقع بحسب فعله؟ ويبيّن ذلك أنّه إذا حدث هذا المسبّب ولم يكن له بدّ من محدث فأولى من تصرّف حدوثه إليه هو فاعل السبب لأنّه به أخصّ من غيره (ق ، ت ١ ، ٤٠١ ، ٨)

فعل في الشاهد

ـ شهادة كل صفة أنّها غير الموصوف بكلام عجيب ، وأنا أحكي ألفاظه لتعلم. قال معنى هذا التعليل أنّ الفعل في الشاهد لا يشابه الفاعل ، والفاعل غير الفعل ، لأنّ ما يوصف به الغير إنّما هو الفعل أو معنى الفعل كالضارب ، والفهم فإنّ الفهم والضرب كلاهما فعل والموصوف بهما فاعل ، والدليل لا يختلف شاهدا وغائبا ، فإذا كان تعالى قديما وهذه الأجسام محدثة كانت معدومة ثم وجدت ، يدلّ على أنّها غير الموصوف بأنّه خالقها ومدبّرها (أ ، ش ١ ، ٢٥ ، ١٤)

فعل في محل معدوم

ـ إنّا إمّا أن نفعل الفعل مباشرا أو متولّدا. وعلى كل حال فتقدّم كوننا قادرين لكوننا فاعلين واجب. وإذا كان هذا الفاعل لا يبقى في الثاني من حال وجوده ، فكيف يصحّ أن يفعل في الحال ، وكونه قادرا يجب تقدّمه من قبل؟ ويبيّن هذا أنّا إذا فعلنا الشيء مباشرا فيجب أن يكون حالّا فينا ، فإذا فعلناه متولّدا عن سبب ، فيجب في ذلك السبب أن يوجد فينا ، وإن كان حال المسبّب يختلف : فمرّة يوجد فينا ومرّة يوجد في غيرنا ، وعلى الحالات كلها يلزم تقدّم القدرة ليصحّ الفعل بها في الثاني ، فإذا كان في الثاني من وجود القدرة قد عدم المحل ، فكيف يصحّ الفعل بها؟ وهل هذا إلّا إيجاب لصحّة الفعل في محل معدوم؟ ولا يبطل هذا بما نجوّزه في المتولّد أنّه يوجد بعد موت الفاعل ، لأنّ موته لا يخرج المحل من أن يصحّ وجود الفعل فيه لأنّه باق ، والقول بوجوب تقدّم القدرة اقتضى أن نقول بصحّة وجود الفعل وإن مات ، كما اقتضى أن يلزمهم صحّة وجود الفعل في محل معدوم (أ ، ت ، ١٤٩ ، ١٤)

فعل القادر

ـ قد ثبت بالدليل أن فعل القادر منا ينقسم إلى ثلاثة أقسام : منه ما لا يصحّ أن يفعله إلّا متولّدا كالصوت والألم والتأليف ، ومنه ما لا يصحّ أن يفعله إلّا مباشرا كالإرادة وغيرها ، ومنه ما يصحّ أن يفعله على الوجهين كالكون والاعتماد (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ١٩)

فعل قد يحسّن

ـ إنّ الفعل قد يحسن وإن لم ينتفع به فاعله ، وقد يصحّ وقوعه من العالم به لحسنه ، وإن لم يكن له فيه نفع (ق ، غ ١١ ، ١٠٦ ، ٦)

٩١٠

فعل القدرة ابتداء

ـ لم يجز فيما ثبت وجوده بالسبب أن يفعل ابتداء ، بل يجب أن يكون القول في ذلك آكد لأنّ السبب من حقّه أن يوجب وجود المسبّب من غير أن يتعلّق باختيار القادر. وليس كذلك ما يفعل بالقدرة ابتداء ، فإذا كان ما يوجد بالقدرة مع أنّه لم يحصل فيه وجه يوجب وجوده لا يصحّ أن يوجد إلّا بها ، فبأن لا يجوز أن يوجد المتولّد إلّا بالسبب مع أنّه يوجب وجوده أولى. ومما يقال في ذلك أن من حق ما يبتدأ بالقدرة أن يصحّ من القادر أن يفعله وألّا يفعله ، ومن حق ما يوجد عن السبب أن يجب وجوده مع ارتفاع الموانع. فإذا صحّ ذلك فلو جوّزنا في المعنى الواحد أن يحدث على الوجهين لتناقض فيه الحكم ، لأنّه كان يجب أن يصحّ ألّا يفعله من حيث كان مبتدأ ، وأن يجب أن يفعله من حيث كان مسبّبا ، وهذا محال. ولا يمكنه أن يقول متى وجد السبب لم يصحّ أن يفعله إلّا به ، لأنّا قد بيّنا أنّه إذا كان مقدورا بالقدرة فلا وجه يمنع من كونه مقدورا بها ابتداء ، لأنّ تقدّم السبب لا يمنع القدرة من أن تكون متعلّقة به كتعلّقها به لو لم يتقدّم ، وفي هذا ما قدّمناه من التناقض. وقد يقال فيه أنّ من حق ما نبتدئه بالقدرة ألّا يقع متى حصل هناك داع يصرفه عن فعله ، فلو كان ما يقع عن السبب يجوز أن نبتدئه لوجب متى حصل هناك ما يصرفه عن فعله لا يوجد من حيث صحّ أن نبتدئه ، وأن يجب وجوده من حيث وجد سببه ، وهذا يتناقض (ق ، غ ٩ ، ١١٧ ، ١٢)

فعل الكلام

ـ إنّه رحمه‌الله (أبو هاشم) رأى أنّ أحدنا لا يقدر على فعل الكلام إلّا بسبب ، فوجوبه يضمن وجوب السبب ، فصار الواجب عليه كلا الأمرين ، فالقديم تعالى يصحّ أن يفعله لا بسبب ، فالواجب عليه واجب واحد ، فلذلك فصل بينه تعالى وبين أحدنا (ق ، غ ١٤ ، ١٩٢ ، ٩)

فعل لا يقع إلا بسبب

ـ لا يصحّ من أحدنا أن يفعل الأجناس الثلاثة من دون سبب ولا اختلاف في شيء من ذلك إلّا في التأليف. فإنّ" أبا علي" قد أجاز في الواقع في محلّ القدرة أنّه مباشر ، وهذا إذا كان كلى محلّيه محلّ القدرة. وذكر" أبو هاشم" : إنّي لا أعرف قوله إذا كان أحد محلّيه محلّا للقدرة. والثاني ليس بمحلّ للقدرة هل يجعله متولّدا أو يجعله مباشرا. والصحيح أنّ جميع التأليف لا يقع إلّا بسبب هي المجاوزة لتعذّر إيجادنا له إلّا بعد فعل السبب الذي هو المجاوزة. وبهذا يثبت لنا أنّ الصوت متولّد وكذلك الألم ، ولا فرق على هذه الطريقة بين أن يكون في محلّ القدرة أو غير محلّها. ولسنا نقول إنّ وجود هذا الجنس يستحيل من دون سبب ، وإنّما الحاجة راجعة إلينا. فلذلك يصحّ من القديم جلّ وعزّ أن يفعل هذه الأجناس ابتداء. يبيّن ذلك أن الحاجة إلى السبب تابعة للحاجة إلى القدرة. فإذا كان قادرا لنفسه صحّ أن يفعله بلا سبب (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ١١)

فعل لا يقع إلا مبتدأ

ـ وأمّا الثالث (من الأفعال) فمن حيث لم تتأتّ الإشارة إلى شيء تتولّد عنه هذه الأجناس جعلناه (الفعل الذي لا يقع إلّا) مبتدأ. وحكم هذا الثالث في القادرين لا يختلف في أنّه لا يقع من أحد إلّا على هذا الوجه. وأمّا الثاني

٩١١

فقد يصحّ عندنا أن يقع من الله على الوجهين جميعا. و" أبو علي" يخالف في ذلك فمنع من أن يقع منه إلّا ابتداء دون أن يكون فاعلا له بسبب (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ٢١)

فعل لحكمة

ـ من فعل فعلا لغير علّة فهو عابث ، فظنّوا أن لا يجوز لله أن يبتدأ فعل ضرر بأحد ، وأنّ ذلك يزيل الحكمة عنه ، فألزموه في كل فعل يفعله الأصلح لغيره في الدين والأحسن لغيره في العاقبة ؛ إذ هو متعال عن قول ينفعه أو عن أن يضرّه شيء ، فلم يروا له الفعل إلّا بما ينفع غيره ، أو يدفع به الضرر عن غيره ، فيكون ذلك أيضا علّة فعله ، على ما كان علة فعل كل حكيم منّا ، ما تأمّل من نفع عاجل أو آجل أو دفع [ضرر] لزم به ، فيجرّ بذلك حسن الثناء مع جزيل الثواب. وضربوا لتقدير فعله بفعل غيره مثلا بما لا يجوز أن يكون منه الكذب أو الجور ، أو يكون منه الحركة [من] غير زوال ، أو السكون [من] غير قرار ، فثبت أنّ تقدير فعله على فعل الحكماء في الشاهد لازم ، إلّا أنّهم دفعوا عنه الارتفاع بالفعل ، والانحطاط بترك فعل ما ، فأوجبوا بذلك أنّه بفعله لا يجرّ إلى نفسه النفع ولا يدفع عنها الضرر ، فيجب أن يكون فعله لحكمة بما ينفع غيره أو يدفع عن غيره الضرر ، وجعلوا ذلك علّة فعله ؛ ليخرج عندهم فعله عن معنى العبث (م ، ح ، ٢١٥ ، ١٩)

فعل لحكمة وغرض

ـ قالت المعتزلة الحكيم لا يفعل فعلا إلّا لحكمة وغرض ، والفعل من غير غرض سفه وعبث ، والحكيم من يفعل أحد أمرين ، إمّا أن ينتفع أو ينفع غيره ، ولما تقدّس الرب تعالى عن الانتفاع تعيّن أنّه إنّما يفعل لينفع غيره ، فلا يخلو فعل من أفعاله من صلاح (ش ، ن ، ٣٩٧ ، ١٠)

فعل لغرض

ـ قيل لكم (للمعتزلة) والحكيم إذا فعل فعلا لغرض معيّن وجب أن يحصل له ذلك الغرض من كل وجه ، ولا يتخلّف غرضه من وجه وإلّا فينسب إلى الجهل والعجز ، ومن المعلوم أنّ الغرض الذي عيّنتموه لم يحصل إذا قدّرتم خلق العالم في الأقل ، من العقلاء ، وإن لم يقرّر ذلك لم يحصل في الأكثر ، والغرض إذا كان معلّقا على اختيار الغير لم يصف عن شوائف الخلاف فلا يحصل على الإطلاق ، ثم لو خلقهم ولم يكلّفهم لا عقلا ولا سمعا وفوّض الأمر إليهم ليفعلوا ما أرادوا يتضرّر بذلك أم يلحقه نقص أو يثلم جلاله فعل ، أو ليست الطيور في الهوى والسوائم في الفلا تغدو وتروح من غير تكليف ، فما السرّ في تخصيص بني آدم بالتكليف ولم ينتفع به ولا يتضرّر بضدّه (ش ، ن ، ٤٠٢ ، ١٠)

فعل مباشر

ـ اختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة إنّها تبقى ، وهذا قول" أبي الهذيل" و" هشام" و" عبّاد" و" جعفر بن حرب" و" جعفر بن مبشّر" و" الاسكافي" وأكثر المعتزلة. وقال قائلون : لا تبقى وقتين وأنّه يستحيل بقاؤها وأنّ الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدّمة المعدومة ، ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز

٩١٢

بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة ، فيكون الفعل واقعا بالقدرة المتقدّمة ، وهذا قول" أبي القاسم البلخي" وغيره من المعتزلة. وهذا قولهم في الفعل المباشر ، فأمّا المتولّد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميّتا أو عاجزا (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ٩)

ـ قال قائلون : جائز وقوع الفعل المباشر بقوّة معدومة لأنّ القدرة لا تبقى ولكن لا توجد في جارحة ميّتة ولا عاجزة ، وهذا قول" أبي القاسم البلخي" وغيره (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ١٤)

فعل مبتدأ

ـ لو لم توجد قدرة السبب ، ووجدت قدرة المسبّب ، لكان يصحّ أن يفعل بها ذلك المسبّب ، وهذا يوجب أن يكون ذلك منّا فعل مبتدأ (ن ، م ، ٣٥٨ ، ١٤)

فعل متولّد

ـ كان" الإسكافي" ينكر كل الفعل المباشر الذي يحلّ في الإنسان بقوّة معدومة ، وأن يكون مجامعا لعجز الإنسان ، ويجيز أن يجامع الفعل المتولّد العجز والموت ، ويجوّز اجتماع النار والحطب أوقاتا من غير أن يحدث الله سبحانه إحراقا (ش ، ق ، ٣١٣ ، ٨)

فعل مجزّأ

ـ " إنّ الفعل مجزّأ" معناه أنّه يكفي في تحصيل الغرض بالفعل. ولا يكون كذلك إلّا وقد استوفيت الشرائط التي يقف عليها حصول هذا الغرض (ب ، م ، ١٨٤ ، ١٠)

فعل محكم

ـ إنّ الفعل المحكم كما يحتاج في وقوعه إلى العلم يحتاج إلى القدرة ، فكما أنّ التكليف به مع فقد العلم يقبح ، فكذلك مع فقد القدرة (ق ، ش ، ٤٠٨ ، ٨)

ـ حدّ الفعل المحكم هو ما لا يتأتّى من كل قادر على ذلك النظام. ولسنا نحتاج إلى تحديد قليلة إذا ثبت لنا أنّ في جملة الأفعال ما لا يتعذّر على كل قادر. وفيها ما يتأتّى من البعض دون البعض وحال ذلك لا يخرج عن طريقين : فإمّا أن يكون بطريقة الترتيب وضمّ البعض إلى البعض ، وإمّا أن لا يراعى فيه ذلك فيكون جاريا مجرى المحكم وإن كان فعلا واحدا. فالأوّل ينقسم فربّما وجد على ضرب من الترتيب والنظام كالكلام والكتابة وغيرهما. وربما وجد دفعة واحدة ولكنّه يجري مجرى الأوّل في تعذّره على بعضهم دون بعض. ومن ذلك ما يقع دفعة واحدة بالقوالب وغيرها ، وكان هذا الضرب لا بدّ فيه من أفعال كثيرة. ثم تكون حالها على ما تقدّم من الوجهين وعلى كل حال. فالذي نذكره في حدّ الفعل المحكم صحيح (ق ، ت ١ ، ١١٣ ، ٦)

ـ إن قيل : أليس الفعل يقع محكما لكون فاعله عالما به ، والاشتراك في وقوعه محكما لا يقع كما لا يقع الاشتراك في حدوثه ، فقولوا لذلك إنّ المعلوم كالمقدور في أنّه يختصّ ، واعلموا لذلك فساد ما أصّلتموه. قيل له : إنّ وقوعه (الفعل) محكما من جهة العالم به ليس هو من حيث كان عالما به ، وإنّما وجب ذلك من حيث كان قادرا عليه. فلولا كونه قادرا عليه ، لم يصحّ ذلك منه ولو حصل غيره قادرا عليه بعينه ، لصحّ ذلك منه بعينه ، وإنّما لا يصحّ من غيره

٩١٣

لأنّه غير قادر عليه بعينه. فالاختصاص في ذلك إنّما وجب من حيث كان العالم قادرا لا من حيث كان عالما فقط (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٥ ، ٥)

ـ قد بيّنا في باب الصفات أنّ الفعل المحكم لا يصحّ إلّا ممّن هو عالم به قبل إيجاده وفي حال إيجاده. وما أوردناه هناك يدلّ على ما ذكرناه الآن. هذا إذا كان العلم مما لا يصحّ أن يكتسبه المكلّف ، وأمّا إذا صحّ أن يكتسبه فيجب أن يكون متمكّنا من العلم بالفعل في هذه الأحوال حتى يصحّ أن يكلّف. وعلى هذا الوجه جعلنا البرهميّ مكلّفا القيام بالشرائع لمّا كان ممكّنا من معرفة النبوّة ومعرفة صحّة الشرائع بعدها (ق ، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ٤)

ـ إنّما يصحّ منه الفعل المحكم ، لكونه ساكن النفس إلى ما علمه ، لا لأمر يرجع إلى العلم. كما أنّ الفعل إنّما يصحّ منه ، لكونه قادرا ، لا للقدرة ، وإن كانت القدرة هي التي توجب كونه قادرا (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ١)

ـ إنّ الفعل المحكم على ضربين : أحدهما : يصير محكما بالمواضعة والاختبار. والثاني : يصير كذلك بأن يرجع إليه ، لا يتغيّر بالمواضعات ؛ ولذلك يدلّ خلق الأحياء على أنّ فاعله عالم بكيفية ما يصحّ كون الحي حيّا عليه ، من التركيب ، الذي معه يكون حيّا ، ومن وجود الحياة ووجود ما تحتاج إليه ، على قدر مخصوص ؛ وليس ذلك لأمر يتعلّق بالمواضعة لأنه لا يصحّ فيه خلافه (ق ، غ ١٦ ، ١٩١ ، ٨)

ـ إنّ الفعل المحكم يحتاج إلى العالم ، وإنّما يحتاج إليه لكونه محكما لا غير. فإذا أردنا أن نعرف وجه الحاجة إلى العلم فلا نحتاج أن نقول حصل محكما مع جواز ألّا يكون محكما ، من حيث أنّه كلام في كيفية الحاجة. والكلام في كيفية الحاجة لا يكون إلّا بعد ثبوت الحاجة. فلا يجب أن نعتبر ما يعتبر في أصل إثبات الحاجة بل نعلّق الحكم في كيفية الحاجة على مجرّد الصفة (ن ، د ، ٣٥١ ، ٤)

ـ إنّ الفعل المحكم إذا جاز أن يقع فيكون محكما وجاز أن يقع ولا يكون محكما ، فلا بدّ من أمر يختصّ به حتى يقع محكما ، وليس ذلك إلّا كونه عالما ، فيكون لكونه عالما حالتان : إحداهما : ترجع إلى أنّه مصحّح لوقوع الفعل على وجه الإحكام والاتساق ، وهو في هذا الباب كالقدرة التي تصحّح وقوع الفعل ، والثانية : ترجع إلى أنّه جهة في الفعل ، فيكون من هذه الوجوه كأنّه الإرادة (ن ، د ، ٥٠٦ ، ٧)

ـ إنّ الفعل المحكم لا يصحّ بالعلم وإنّما يصحّ بالقدرة. ألا ترى أنّه ليس أكثر من إيجاد شيء بعد شيء ، وإيجاد شيء مع شيء ، وذلك إنّما يتأتى لكونه قادرا. إلّا أنّ كونه عالما شرط. وهذا الشرط متجدّده كباقيه ، وهو في الحال الذي يؤمر به عالم بكيفية إيقاعه ، ولا فرق بين أن يبقى هذا المعنى ، وبين أن تحدث أمثاله فيما يجب أن يحصل حتى يتكامل الشرط (ن ، م ، ٢٦٢ ، ١٠)

فعل مقصود

ـ اعلم أنّ الفعل إذا وقع من العالم به أو من هو في حكمه فلا بدّ من أن يكون حسنا أو قبيحا ؛ لأنّه لا بدّ إذا كان هذا حاله أن يكون قاصدا إلى فعله ، والفعل المقصود يجب كونه قبيحا أو حسنا ، وكذلك القول فيما يجري مجرى المقصود ، كالقصد نفسه والكراهة ، وإنّما

٩١٤

يخلو الفعل من الوجهين متى وقع من الساهي عنه (ق ، غ ١١ ، ٦٣ ، ١٠)

فعل المكلّف وفعل المكلّف

ـ اعلم ، أنّه ليس يجب فيما كان شرطا في حسن التكليف من جهة المكلّف أن يكون نفسه شرطا في صحّة أداء المكلّف لما كلّف ، أو في حسن ذلك. بل الواجب أن يحصل في كل واحد فيهما ما يختصّ به من الشرائط. لأنّ فعل المكلّف ينفصل من فعل المكلّف ، فلا يجب كونه شرائطهما واحدا ، كما لا يجب إذا حسن أحدهما أن يحسن الآخر. ولهذا صحّ أن تحسن منّا المباحات ، وإن لم يحسن من القديم ، تعالى ، أن يكلّفناها. ولذلك يصحّ في الشاهد أن يحسن العطيّة ويقبح الأخذ ، أو يحسن الأخذ ويقبح العطيّة ، من حيث كان كل واحد منهما فعلا لغير ما للآخر فعل له ، فروعي في كل واحد منهما شرطه. فإذا ثبت ذلك ، لم يجب إذا قلنا : إنّ المكلّف الحكيم لا يحسن أن يكلّف إلّا وغرضه بالتكليف التعريض للثواب ، أن نقول في المكلّف : إنّه لا يحسن منه إذا ما كلّف إلّا لهذا الغرض ، إلّا أن تقوم الدلالة على وجوب اتّفاقهما في هذه الشريطة. ولا دليل يدلّ على ذلك ، بل قد دلّت الدلالة على خلافه ؛ لأنّه ، تعالى ، إنّما وجب في تكليفه هذا الشرط من حيث كلّف الشاق. فلو لم يرد به التعريض للثواب ، لكان ظلما وغبنا. وليس كذلك أداء المكلّف لما كلّف ، لأنّه متى فعله للوجه الذي له وجب خرج من أن يكون عبثا. فصار قصده ، تعالى ، بالتكليف إلى التعريض للثواب مما يحسّن التكليف ، فيكون وجها لحسنه ووجوبه. وليس كذلك فعل المكلّف ، لأنّه يكفي في جهة حسنه ووجوبه بما يعرفه من حاله. ألا ترى أنّه إذا عرف في الوديعة أنّه يجب عند المطالبة ردّها ، لزمه ذلك ، وإن لم يعلم الثواب ، وإن لم يحسن منه ، تعالى ، الإلزام إلّا للثواب. فكذلك القول ، في النظر والمعرفة : إنّه لا يمتنع فيهما أن يجبا ، وإن لم يعرف المكلّف الثواب ، وإن لم يحسن منه تعالى الإيجاب إلّا للثواب (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٤ ، ١٥)

فعل الملجأ

ـ أمّا فعل الملجأ ، فإنّه يقع بحسب قصده وداعيه ، غير أنّ داعيه مطابق لداعي الملجئ فلا يصحّ ما ذكرتموه ، وكذا الكلام في الدابة ، ولهذا فلو قصد الراكب أن يسيّرها في وجه الأسد لما سارت ، فصحّ أنّ سيرها تابع لقصدها وداعيها ، دون قصد الراكب وداعيه. وأمّا نعيم أهل الجنّة فمتعلّق بالله تعالى وموقوف على قصده وداعيه دون قصودهم ودواعيهم ، لو لا ذلك وإلّا كان يجب إذا دعي بعضهم الداعي إلى أن يبلغ ثوابه ثواب بعض الأنبياء أن يحصل ذلك ، ومعلوم خلافه (ق ، ش ، ٣٣٨ ، ١٦)

ـ إنّ فعل الملجأ منفصل من فعل الملجئ. ولهذا قد نوجد ما هو سبب الإلجاء وتتغيّر حال الملجأ فلا يقع منه ما ألجئ إليه لتغيّر دواعيه. وليس هذه حال السبب والمسبّب. ويبيّن هذا أنّه لو ظهر للواحد منّا السبع لكان يصير ملجأ وإنّما يصير ملجأ لظنّه أو لعلمه ضرورة أنّه يضربه ، فقد كون سبب هذا الإلجاء من قبله تعالى ، فإذا عدا هاربا على الشوك أو على زرع غيره فأفسده لا يقال إنّ ذلك بإرادة من الله

٩١٥

تعالى (ق ، ت ١ ، ٢٩٣ ، ١١)

ـ أمّا فعل الملجأ فحكمه لا بدّ من وقوعه وأن يكون داعي الإلجاء بحيث لا يعارضه شيء من الدواعي حتى يقع ما هو ملجأ إليه لا محالة ، كما يعقله في الخائف من السبع لأنّه ملجأ إلى الهرب ، وقد ثبت الإلجاء إلى الفعل وإلى أن لا يفعل ، ويثبت في كل واحد من الطريقين وجهين : أحدهما على سبيل المنع والآخر على سبيل المنافع ودفع المضارّ. ومن حكم كلّ ما يقع بالإلجاء أن لا يتوجّه على الفاعل المدح والذمّ والأمر والنهي (ق ، ت ١ ، ٣٦٤ ، ١٤)

ـ إنّ فعل الملجأ يتعلّق في كيفية وقوعه بفعل الملجئ فلم يمتنع أن يتعدّى حكمه إليه. وإن كنّا لا نقول في الملجئ : إنّه يستحقّ العقوبة على فعل الملجأ ، وإنّما يستحقّه على فعله ، ويعظم ما يستحقّه من حيث يؤدّي إلى فعل الملجأ. ونحن نجعل الملجأ معذورا فيما وقع منه من حيث ألجأه الملجئ إليه ، فنجعل إلجاءه وجها لزوال الذمّ عن الملجأ (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٤ ، ٤)

ـ أنّه (العبد) متى ألجأ غيره إلى أن يضرّ بنفسه فالعوض عليه وإن لم يكن ذلك الضرر من فعله ؛ لأنّه لا فرق بين أن يفعله به وبين أن يلجئه إليه ، لأنّ فعل الملجأ كأنّه فعل الملجئ ، ولذلك لا يستحقّ الملجأ على فعله الذمّ ويستحقّه الملجئ إذا كان قبيحا. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع وجوب العوض عليه وإن كان ذلك الألم ليس من فعله (ق ، غ ١٣ ، ٤٩٩ ، ٦)

فعل من فاعلين

ـ الفعل ، في كونه فعلا ، يتعلّق بالقادر دون المحل. واستحال كون فعل من فاعلين ، لأنّ كونهما قادرين عليه يستحيل ، كاستحالة كون الفعل الواحد من مكانين. وما ذكره ، من أن الفعل يحلّ الفاعل ، فغلط عظيم. لأن ذلك يستحيل عندنا في جميع الفاعلين من قديم ومحدث. وإنّما يجوز في المحدث أن يحلّ فعله في بعضه (ق ، غ ٨ ، ١٥٥ ، ١٢)

ـ ما قدّمناه في المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٧)

ـ أمّا قولهم لا يفعل فعل من فاعلين هذا فعله كلّه ، وهذا فعله ، فإنّ هذا تحكّم ونقصان من القسمة أوقعهم فيها جهلهم وتناقضهم ، وقولهم إنّما يستدلّ بالشاهد على الغائب ، وهذا قول قد أفسدناه في كتابنا في الأحكام في أصول الأحكام بحمد الله تعالى ، ونبيّن هاهنا فساده بإيجاز فنقول وبالله تعالى التوفيق ، أنّه ليس عن العقل الذي هو التمييز شيء غائب أصلا وإنّما يغيب بعض الأشياء من الحواس ، وكل ما في العالم فهو مشاهده في العقل المذكور لأنّ العالم كلّه جوهر حامل وعرض محمول فيه ، وكلاهما يقتضي خالقا أوّلا واحدا لا يشبهه شيء من خلقه في وجه من الوجوه ، فإن كانوا يعنون بالغائب الباري عزوجل فقد لزمه تشبيهه بخلقه إذ حكموا بتشبيه الغائب بالحاضر ، وفي هذا كفاية ، بل ما دلّ الشاهد كلّه إلّا أنّ الله تعالى بخلاف كل من خلق من جميع الوجوه ، وحاشا الله أن يكون جلّ وعزّ غائبا عنّا بل هو شاهد بالعقل ، كما نشاهد بالحواس كل

٩١٦

حاضر ، ولا فرق بين صحّة معرفتنا به عزوجل بالمشاهدة بضرورة العقل ، وبين صحّة معرفتنا لسائر ما نشاهده (ح ، ف ٣ ، ٧٥ ، ٢٣)

ـ قوله عزوجل : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧) فأخبر تعالى أنّه رمى ، وأنّ نبيّه رمى ، فأثبت تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرمي ونفاه عنه معا ، وبالضرورة ندري أنّ كلام الله عزوجل لا يتناقض ، فعلمنا أنّ الرمي الذي نفاه الله عزوجل عن نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو غير الرمي الذي أثبته له ، لا يظنّ غير هذا مسلم البتّة ، فصحّ ضرورة أنّ نسبة الرمي إلى الله عزوجل لأنّه خلقه وهو تعالى خالق الحركة التي هي الرمي ، وممضي الرمية ، وخالق مسير الرمي ، وهذا هو المنفي عن الرامي وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصحّ أنّ الرمي الذي أثبته الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو ظهور حركة الرمي منه فقط ، وهذا هو نص قولنا دون تكلّف ، وكذلك قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال : ١٧) والقول في هذا كالقول في الرمي ، ولا فرق ... وقال تعالى حاكيا عن عيسى عليه‌السلام إنّه قال : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) (آل عمران : ٤٩) أفليس هذا فعلا من فاعلين من الله تعالى ومن المسيح عليه‌السلام بنص الآية ، وهل خالق الطير ومبرئ الأكمه والأبرص إلّا الله ، وقد أخبر عيسى إذ يخلق ويبرئ فهو فعل من فاعلين بلا شكّ (ح ، ف ٣ ، ٧٧ ، ٢٠)

ـ تقول إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخرجنا من الظلمات إلى النور ، وقد علمنا أنّ المخرج له عليه‌السلام ولنا هو الله تعالى ، لكن لمّا ظهر السبب في ذلك منه عليه‌السلام أضيف الفعل إليه ، فهذا كلّه لا يوجب الشركة بينهم وبين الله تعالى كما تموّه المعتزلة. وكل هذا فعل من فاعلين ، وكذلك سائر الأفعال الظاهرة من الناس ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ٧٨ ، ١٣)

فعل واجب

ـ إنّ الفعل الواجب إذا فارق غيره من الأفعال ، فذلك في أنّه يقتضي أنّه إنّما فارقه لوجه ، كمفارقة شخص لشخص في صحّة الفعل ، فكما يجب هناك القضاء لحال لاختصاصه بها فارق غيره ، فكذلك القول في الأفعال ، ولا معتبر باختلاف العبارات ، لأنّا نستعمل في الأشخاص ذكر الأحوال ، وفي الأفعال ذكر الوجوه ، وذلك لا يمنع من صحّة ما قدّمناه ؛ وإنّما ميّزنا بين الأمرين في اللفظ ، لأنّ الأشخاص قائمة ثابتة ، وما تختصّ به في حكم المتجدّد فيها ، والأفعال حادثة طارئة ، وما تختصّ به من المفارقة ، ليس في حكم ما يتجدّد على ثابت ، فعبرنا عنه بذكر الوجوه لهذه الفائدة (ق ، غ ١٤ ، ٢٢ ، ٣)

فعل واجب على الله

ـ إنّ معنى كون الفعل واجبا على الله ـ تعالى ـ ليس إلّا أنّه يلزم من فرض عدمه المحال ، وذلك المحال ليس هو لازما من فرض عدم الفعل لذاته بل لغيره ، فمعنى كون الصلاح في الفعل واجب الرعاية ، أنّه يلزم من فرض عدمه العبث في حق الله وهو محال. ومعنى كون الثواب على إيلام الحيوان واجبا أنّه يلزم الظلم من فرض عدمه في حقّ الله ـ تعالى ، وصدور القبيح منه ، وهو محال (م ، غ ، ٢٣٢ ، ٦)

٩١٧

فعل واجب الوجود لغرض

ـ إن قيل : لو لم يكن فعل واجب الوجود لغرض مقصود ، مع أنّ الدليل قد دلّ على كونه حكيما في أفعاله ، غير عابث في إبداعه ، لكان عابثا ، والعبث قبيح ، والقبيح لا يصدر من الحكيم المطلق ، والخير المحض. وإذا لا بدّ له في فعله من غرض يقصده ومطلوب يعتمده ، نفيا للنقص عنه ، وتنزيها له ، عن صدور القبيح منه ، وما ذكرتموه من تعلّق النقص والكمال به بالنظر إلى الغرض والمقصود فإنّما يلزم أنّ لو كان الغرض عائدا إليه ، وكماله ونقصه متوقّفا عليه ، وليس كذلك ، بل هو الغنى المطلق واستغناء كل ما سواه ليس إلّا به ، بل عوده إنّما هو إلى المخلوق ، وذلك مما لا يوجب كمالا ولا نقصانا بالنسبة إلى واجب الوجود. وإذا ثبت أنّه لا بدّ من حكمة وفائدة ، ففائدة خلق العناصر والمركّبات والمعدنيات وغير ذلك من الجمادات العناية بنوع الحيوان ، لأجل انتظام أحواله ، في مهمّاته وأفعاله ، والاستدلال بما في طيّها من الآيات والدلائل الباهرات على وجود واجب الوجود ، ووحدانيّة المعبود. وإليه الإشارة بقوله ـ عليه‌السلام : " كنت كنزا لم أعرف فخلقت خلقا لأعرف به (م ، غ ، ٢٣٠ ، ٣)

فعل واحد من فاعلين

ـ نرجع إنشاء الله تعالى إلى إنكارهم فعلا واحدا من فاعلين فنقول وبالله تعالى التوفيق إنّما امتنع ذلك فيما بيننا في الأكثر لا على العموم لما شاهدناه من أنّه لا تكون حركة واحدة في الأغلب لمتحرّكين ، ولا اعتقاد واحد لمعتقدين ، ولا إرادة واحدة لمريدين ، ولا فكرة واحدة لمفتكرين ، ولكن لو أخذنا سيفا واحدا أو رمحا واحدا فضربا به إنسانا فقطعاه أو طعناه به ، لكانت حركة واحدة غير منقسمة لمتحرّكين بها ، وفعلا واحدا غير منقسم لفاعلين ، هذا أمر يشاهد بالحسّ والضرورة ، وهذا منصوص في القرآن من أنكره كفر (ح ، ف ٣ ، ٧٦ ، ١٣)

فعل واقع على جهة القصد

ـ أمّا الفعل الواقع على جهة القصد فقد بيّنا أنّه لا يخلو من أن يكون قبيحا أو حسنا ، وبيّنا حقيقتهما. فالقبيح لا يجوز أن يكلّفه ـ تعالى ـ ؛ لأنّ الأمر بالقبيح وإرادته قبيحان ، ولأنّ الغرض بالتكليف تعريض المكلّف للنفع ، وذلك لا يتأتى في القبيح ؛ لأنّه يستحقّ به الضرر دون النفع (ق ، غ ١١ ، ٥٠٢ ، ١٩)

فعل يحتاج إلينا

ـ إن قيل : هب أنّا سلمنا أن الفعل يحتاج إلينا ويتعلّق بنا ، فلم قلتم إنه يحتاج إلينا في الحدوث؟ قيل له : في ذلك وجهان اثنان : أحدهما أنه إذا ثبت أنه يحتاج إلينا (الفعل) فلا بدّ من أن يكون احتياجه إلينا لوجه من الوجوه ، لأنّه لو قيل إنّه يحتاج إلينا ، ثم لم يشر باحتياجه إلينا إلى وجه من الوجوه لعاد الأمر بالنقض على أنه يحتاج إلينا في استمرار الوجود أو في تجدّد الوجود الذي هو الحدوث (ن ، د ، ٣١٧ ، ١)

فعل يحسن من

ـ (الفعل) الذي يحسن من فليس يخرج عن قسمين : أحدهما أن يكون المأمور به غير

٩١٨

المنهيّ عنه ؛ وقد يكون كذلك على وجهين : أحدهما ، أن يكون المكلّف واحدا ، ويؤمر بالفعل في وقت ، وينهي عن مثله في وقت آخر ؛ وإنّما نذكر من ذلك ما يلتبس الفعلان فيه بالفعل الواحد ، فلذلك قلنا : أن يأمره بشيء في وقت ، وينهاه عن مثله ، وإن كان الخلاف والمثل لا يفترق في ذلك ، لكنّ المخالف لا لبس فيه ، فلذلك لا نذكره في هذا الوجه. والثاني : أن يكون أحد المكلّفين غير الآخر فيأمر أحدهما بشيء ، وينهي الأمر عن مثله ، وهذا أيضا إنّما شرطنا فيه المثل ، لأنّه يلتبس بالعين الواحدة ، فيما يتناوله الدليل ، والأمر والنهي ، لا لأنّ المثل في ذلك يفارق ما هو مخالف ومتضادّ. والقسم الثاني من القسمين الأوّلين : أن يكون المأمور به هو المنهيّ عنه ، على وجهين ، وذلك لا يحسن إلّا والمكلّف واحد (ق ، غ ١٦ ، ٦٤ ، ٤)

فعل يصحّ وقوعه مبتدأ ومتولّدا

ـ (الفعل) الذي يصحّ وقوعه مبتدأ تارة ومتولّدا أخرى لأنّه في حاله يقع بحسب غيره في القلّة والكثرة ، أو في ما أشبه ذلك من المعنى الذي تقدّم ذكره. وفي حالة أخرى يقع لا على هذه الطريقة ، فجعلناه مما يدخله الضربان معا (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ١٨)

فعل يقبح ولا يدل على البداء

ـ (الفعل) الذي يقبح ، ولا يدلّ على البداء وجوه. منها : أن يأمر بنفس ما نهي عنه ، على وجه واحد ، مكلّفين في حال واحدة ، أو حالين ، ولأنّ مثل ذلك لا يتغيّر. ومنها : أن يأمر بنفس ما نهي عنه ، على وجهين ، مكلّفين في حال أو أحوال لأن ذلك لا يتغيّر. ومنها : أن يأمر بعين ما نهي عنه ، على وجه ، أو وجهين مكلّفا واحدا ، في حالين ووقتين. ومنها : أن يأمر بغير ما نهي عنه ، في وقت واحد ، مكلّفا واحدا ، على وجه ، لا يتميّز أحدهما من الآخر ، في وجه المصلحة ؛ وما عدا ذلك مما يقبح. فالأمر يرجع إلى فقد بعض شرائط التكليف ، انفرد أو اقترن بغيره ، لأنّه لا يحسن أن يأمر تعالى بفعل ، وينهي عن الآخر ، وليس للمأمور من الصفة ما يحسن معه الأمر به ، أو المنهي عنه فيما يرجع إلى التمكّن ، أو وجه المصلحة ؛ وهذا مما تكثر أقسامه إن ذكر (ق ، غ ١٦ ، ٦٣ ، ١١)

فعل يقبح ويدل على البداء

ـ (الفعل) فالذي يقبح ، ويدلّ على البداء يجب أن يكون جامعا لشروط : منها : أن يكون المنهي عنه عين ما تقدّم الأمر به. ومنها : أن يكون على وجه واحد. ومنها : أن يكون المكلّف واحدا. ومنها : أن يكون النهي متأخّرا عن الأمر ، أو الأمر متأخّرا عن النهي ، غير واقع معه ؛ فإذا تكاملت هذه الشروط فمن حق الثاني منهما أن يدلّ على البداء ، دون الأوّل ، لأنّ الأوّل لو انفرد لم يدلّ على ذلك ، وكذلك الثاني لو انفرد ، وإذا وقع بعده دلّ على البداء فهو الدالّ على البداء ، (وإن كان إنّما يدلّ بشروط تقدّم الأوّل ، وكذلك قلنا : لو وقعا معا لمّا دلّا على البداء) لأنّ ترتيب الدلالة على البداء لا يصحّ عند المقارنة ، ويصحّ عند وقوع أحدهما بعد الآخر ، على ما ستذكره من بعد (ق ، غ ١٦ ، ٦٣ ، ١)

٩١٩

فعل يقع على جهة السهو

ـ إنّ الفعل الذي يقع على جهة السهو لا يجوز ـ وإن كان مقدورا للعبد ـ أن يدخل تحت التكليف ، وبيّنا الخلاف في هل يحسن أو يقبح أو لا يتأتّى فيه هذا الحكم (ق ، غ ١١ ، ٥٠٢ ، ١٧)

فعلية

ـ ما دللنا به على أنّ حقيقة المتكلّم أنّه فاعل للكلام ، يوجب أن يكون متكلّما بكلام يحدثه هو ، لأنّا قد بيّنا أنّ تعلّق كلامه به هو من حيث الفعليّة لا غير. وبعد فإذا لم يكن متكلّما بكلام يحدثه ، وكان ذلك مستندا إلى كونه حيّا ، وجب أن يكون كوننا أحياء يوجب كوننا متكلّمين ، وفي هذا نفي الكلام أصلا (ق ، ت ١ ، ٣٣٤ ، ١٠)

فقه

ـ إنّ الفقه هو العلم بغرض الغير فيما يخاطب به ، ولهذا لا يستعمل في كل علم. فلا يقول أحدهم فقهت أنّ زيدا عندي ، وأنّ السماء فوقي ، وأنّ الأرض تحتي. كما لا يقال فهمت وفطنت. وأمّا في الاصطلاح ، فهو العلم بأحكام الشرع وما يتّصل بها من أسبابها ، وعللها وشروطها وطرقها. وهو على ضربين : أحدهما ، ما يجب على الكافة معرفته ، وذلك نحو العلم بوجوب الصلاة على الجملة ، ووجوب الزكاة والحج والجهاد في سبيل الله تعالى ، وما يجري هذا المجرى. والثاني ، يلزم الكافة معرفة ويكون من فروض الكفاية ، نحو العلم بالمسائل الدقيقة من أصول الفقه والفروع المتعلّقة بها المتفرّعة عنها ، فإنّ ذلك مما لا يجب على الأعيان ، وإنّما هو من فروض الكفاية. إذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين (ق ، ش ، ١٢٦ ، ١٩)

فكر

ـ الفكر هو المعنى الذي يوجب كون المرء متفكّرا ، والواحد منّا يجد هذه الصفة من نفسه ويفصل بين أن يكون متفكّرا ، أو بين أن لا يكون متفكّرا ، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه (ق ، ش ، ٤٥ ، ١٦)

ـ إنّ النظر ، وإن كان متى أطلق ، فقد تعبّر به عن وجوه : عن تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي ، التماسا لرؤيته ؛ وعن الرحمة والإحسان ؛ وعن نظر القلب ؛ وعن الانتظار على ما فيه من الاختلاف في أن تعبر به عنه على جهة الحقيقة أو التوسّع ؛ فالمقصد بها بهذا الموضع ذلك نظر القلب دون غيره ، وحقيقة ذلك هو الفكر. لأنّه لا ناظر بقلبه إلّا مفكّرا ، ولا مفكّر إلّا ناظرا بقلبه ؛ وبهذا تعلم الحقائق (ق ، غ ١٢ ، ٤ ، ٨)

ـ الفكر هو تأمّل حال الشيء ، والتمثيل بينه وبين غيره ، أو تمثيل حادثة من غيرها ، وهذا مما يجده العاقل من نفسه إذا فكّر في أمر الدين والدنيا. ألا ترى أن الخائف ، من سبع في الطريق ، يفكّر في وجه التخلّص ؛ وكذلك التاجر ، يفكّر في طريقة الربح ؛ وكذلك المقوّم ، يفكّر في طريقة العادة في بيع أمثال المقوّم ؛ والناظر ، فيما يلزمه النظر فيه من جهة الدين ، يفكّر في الأدلّة على اختلافها. وكل ذلك يبيّن صحّة ما قدّمناه في حقيقة النظر (ق ، غ ١٢ ، ٤ ، ١١)

ـ ادّعى شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، الضرورة في

٩٢٠