موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ٢

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

ق

قائلية

ـ قالوا (الكرامية) : إنّ الله تعالى لم يزل متكلّما قائلاً ، ثم فرّقوا بين الاسمين في المعنى ، فقالوا : إنّه لم يزل متكلّما بكلام هو قدرته على القول ، ولم يزل قائلاً بقائلية لا بقول ، والقائلية قدرته على القول ، وقوله حروف حادثة فيه ، فقول الله تعالى عندهم حادث فيه ، وكلامه قديم (ب ، ف ، ٢١٩ ، ١١)

قائم بنفسه

ـ معنى الشيء أنّه الثابت الموجود ؛ وقد يكون جسما إذا كان مؤلّفا ، ويكون جوهرا إذا كان جزءا منفردا ، ويكون عرضا إذا كان مما يقوم بالجوهر ؛ ومعنى القائم بنفسه هو أنّه غير محتاج فى الوجود إلى شيء يوجد به ؛ ومعنى ذلك أنّه مما يصح له الوجود ، وإن لم يفعل صانعه شيئا غيره ، إذا كان محدثا ؛ ويصح وجوده ، وإن لم يوجد قائم بنفسه سواه إذا كان قديما (ب ، ت ، ١٥١ ، ١٣)

قابل الوجود

ـ إنّ الماهيّة ، من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة. وإنّما يمكن أن يكون من حيث هي هي علّة لصفة معقولة لها ، كما أنّ ماهيّة الاثنين علّة لزوجيّتها. أمّا كونها من حيث هي هي علّة لوجود ، أو لموجود ، فمحال ، لأنّ بديهة العقل له حاكمة بوجوب كون ما هو علّة لوجود موجودا. وليس كذلك فى قبول الوجود ، فإنّ قابل الوجود يستحيل أن يكون موجودا ، وإلّا فيحصل له ما هو حاصل له (ط ، م ، ٩٨ ، ١)

قادر

ـ إنّ القادر على الفعل هو القادر على تركه. فإذا صحّت القدرة على أمر من الأمور صحّت على تركه ، وإذا انتفت عن تركه انتفت عنه (خ ، ن ، ١٧ ، ٢٣)

ـ إنّ الفاعل لا بدّ من أن يكون قبل فعله عالما بكيف يفعله وإلّا لم يجز وقوع الفعل منه ، كما أنّه لم يكن قادرا على فعله قبل أن يفعله لم يجز وقوع الفعل منه أبدا. ألا ترى أن من لم يحسن السباحة لم يجز منه وقوعها ، وكذلك من لم يحسن الكتابة لم يجز منه وقوعها ؛ فإذا تعلّمها وعلم كيف يكتب جاز وقوع الكتابة منه ، وكذلك الذي يحسن يسبح إذا تعلّم السباحة وعلم كيف يسبح جاز وقوعها منه. وهذا حكم كل فاعل : لا بدّ من أن يكون قبل فعله عالما به وإلّا لم يجز وقوعه منه (خ ، ن ، ٨١ ، ١٨)

ـ قوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص : ٥٦) فإنّما أخبر نبيّه عليه‌السلام أنّه" لا يقبل منك من تحب قبوله منك ، ولكنّ الله قادر على أن يدخل في الإيمان من يشاء من حيث يجبره عليه ويضطرّه إليه". وقالوا فيها وجها آخر قالوا : " إنّك لا تحكم بالهداية لمن تحب لأنّك لا تعلم باطن الخلق ، ولكن الله يحكم لمن يشاء (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل : ١٢٥) أي من علم منه أن باطنه كظاهره فذلك المهتدي عنده ، وإنّما عليك أنت الحاكم بالظاهر" (خ ، ن ، ٩٠ ، ٢)

٥

ـ قال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٤ ، ١٤)

ـ قال" أبو الهذيل" : هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حيّ بحياة هي هو ، وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزّته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته لذاته ، وكان يقول : إذا قلت أنّ الله عالم ثبّتّ له علما هو الله ونفيت عن الله جهلا ودللت على معلوم كان أو يكون ، وإذا قلت قادر نفيت عن الله عجزا وأثبتّ له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور ، وإذا قلت لله حياة أثبت [له] حياة وهي الله ونفيت عن الله موتا (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٥)

ـ قال" عبّاد" : هو عالم قادر حيّ ولا أثبت له علما ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعا ولا أثبت بصرا وأقول : هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حيّ لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمّى به من الأسماء التي يسمّى بها لا لفعله ولا لفعل غيره (ش ، ق ، ١٦٥ ، ١٤)

ـ قال" ضرار" : معنى أنّ الله عالم أنّه ليس بجاهل ومعنى أنّه قادر [أنه] ليس بعاجز ومعنى أنّه حيّ أنّه ليس بميّت (ش ، ق ، ١٦٦ ، ١٤)

ـ قال آخرون من المعتزلة : إنّما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها ، وذلك إنّا إذا قلنا أنّ الله عالم أفدناك علما به وبأنّه خلاف ما لا يجوز أن يعلم ، وأفدناك اكذاب من زعم أنّه جاهل ودللنا [ك] على أنّ له معلومات ، هذا معنى قولنا أنّ الله عالم ، فإذا قلنا إنّ الله قادر أفدناك علما بأنّه خلاف ما لا يجوز أن يقدر واكذاب من زعم أنّه عاجز ودللناك على أنّ له مقدورات ، ... وهذا قول" الجبّائي" قاله لي (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١٤)

ـ كان (عبد الله بن كلّاب) يقول : معنى أنّ الله عالم أنّ له علما ومعنى أنّه قادر أنّ له قدرة ومعنى أنّه حيّ أنّ له حياة وكذلك القول في سائر أسمائه وصفاته (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١١)

ـ اختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا. وهم أربع فرق : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّا نقول للبارئ علما ونرجع إلى إنّه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنّه قادر لأنّ الله سبحانه أطلق العلم فقال : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وأطلق القدرة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (فصلت : ١٥) ، ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حيّ ولا سميع بمعنى سميع وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط ، والقائل بهذا" النظّام" وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداديين. والفرقة الثانية منهم يقولون : لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أنّ الله قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) (البقرة : ٢٥٥) أراد : من معلومه ، والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا : هذه قدرة الله أي مقدوره ، ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلّا في العلم والقدرة. والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علما هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعا هو هو ، وكذلك قالوا في

٦

سائر صفات الذات ، والقائل بهذا القول" أبو الهذيل" وأصحابه. والفرقة الرابعة منهم يزعمون أنّه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا [لا] قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذه المقالة" العبّادية" أصحاب" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ١٨٧ ، ١٥)

ـ قال أكثر المعتزلة : قد يكون الإنسان قادرا على أشياء عاجزا عن أشياء (ش ، ق ، ٢٤٠ ، ٣)

ـ اختلفت المعتزلة هل تكون القدرة في الإنسان ولا يقال إنّه قادر : فزعم" عبّاد" إنّ حال المعاينة فيه قدرة ولا يقال إنّه قادر ، وأنكر أكثر المعتزلة أن توجد قدرة لا بقادر (ش ، ق ، ٢٤٠ ، ٤)

ـ قادر أن يفعل إخبار أنّه قادر وأنّه يفعل كالقول عالم أنه يفعل (ش ، ق ، ٥٥٣ ، ١٤)

ـ لا يجوز أن تحدث الصنائع إلّا من قادر حيّ ، لأنّه لو جاز حدوثها ممّن ليس بقادر ولا حيّ لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ، فلمّا استحال ذلك دلّت الصنائع على أنّ الله تعالى حيّ قادر (ش ، ل ، ١١ ، ١)

ـ إنّ القادر منّا على الكلام في حال قدرته عليه متكلم لا محالة (ش ، ل ، ٢١ ، ٢٠)

ـ إن قال : ما أنكرت أن يكون القادر على الشيء قادرا على ضدّه كما كان العاجز عن الشيء عاجزا عن ضدّه ، قيل له لو كانت القوّة على الشيء قوة على ضدّه قياسا على العجز للزم أن يكون العون على الشيء عونا على ضدّه قياسا على أنّ العجز عن الشيء عجز عن ضدّه. وأيضا فلو كانت القدرة على الشيء قدرة على ضدّه قياسا على العجز لأنّ العجز عن الشيء عجز عن ضدّه ، لوجب في القدرة ما وجب في العجز من أنّه يتأتّى بها الشيء وضدّه ، كما يتعذّر بالعجز الشيء وضدّه ، ولكان العجز إذا (وجد) عدم الشيء وضدّه المعجوز عنهما مع وجوده فلم يكن الإنسان مكتسبا لهما (و) لكان يلزم في القدرة مثله إذا وجدت وهي قدرة على الشيء وضدّه ، أن يوجد الشيء وضدّه معها ، لأنّه يجب من وجود الضدين مع وجودها بخلاف ما يحكم به في العجز ، لأنّ العجز يحكم فيه بعدم المعجوز عنه وضدّه مع وجوده (ش ، ل ، ٥٩ ، ٦)

ـ إنّ في كون الاستطاعة كون الفعل فإذا كان قادرا على إقدارهم على الإيمان فهو قادر على أن يفعل ما لو فعله بهم لآمنوا (ش ، ل ، ٧٠ ، ١١)

ـ لا يوجد قادر غير فاعل البتّة ، كما لا يوجد عاجز فاعلا ، لم يجز القضاء بالقدرة ، ونفي الفعل ، كما لا يجوز العجز وجوده ، إذ هما جميعا في الخروج عن الموجود واحد (م ، ح ، ٢٦١ ، ١٢)

ـ قالوا (المعتزلة) : يقدر الله جلّ ثناؤه على حركات العباد وسكونهم ، فلمّا أقدرهم على تلك الحركات والسكون زالت عنه القدرة عليها ، فيكون قادرا في التحقيق بغيره ؛ إذ هو بذاته على ما كان عليه (م ، ح ، ٢٧٧ ، ١١)

ـ القادر من يصح منه الفعل ، وقد شاهدنا أفعاله كتصريف الليل والنهار والإماتة والاحياء ، وقد قال تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحديد : ٢) (ع ، أ ، ١٢ ، ١٥)

ـ إنّه تعالى قادر على جميع المقدورات. والدليل

٧

عليه قوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة : ١٢٠) ولأنّا نعلم قطعا استحالة صدور الأفعال من عاجز لا قدرة له ، ولمّا ثبت أنّه فاعل الأشياء ثبت أنّه قادر (ب ، ن ، ٣٥ ، ١٠)

ـ إنّ من حق القادر على الشيء إذا خلص داعيه إليه أن يقع لا محالة (ق ، ش ، ٩١ ، ٢)

ـ إنّه تعالى قد صحّ منه الفعل ، وصحّة الفعل تدلّ على كونه قادرا (ق ، ش ، ١٥١ ، ٨)

ـ أمّا الذي يدلّ على أنّ صحة الفعل دلالة على كونه قادرا ، فهو أنّا نرى في الشاهد جملتين ؛ إحداهما ، صحّ منه الفعل كالواحد منا ؛ والأخرى تعذّر عليه الفعل ، كالمريض المدنف. فمن صحّ منه الفعل فارق من تعذّر عليه بأمر من الأمور ، وليس ذلك إلّا صفة ترجع إلى الجملة وهي كونه قادرا. وهذا الحكم ثابت في الحكيم تعالى ، فيجب أن يكون قادرا ، لأنّ طرق الأدلّة لا تختلف شاهدا غائبا (ق ، ش ، ١٥١ ، ١٧)

ـ إنّ القادر له تعلّق بالمقدور ، والعالم له تعلّق بالمعلوم ، والعدم يحيل التعلّق (ق ، ش ، ١٧٧ ، ١٥)

ـ قد ثبت أنّه تعالى قادر ، والقادر لا يصحّ منه الفعل إلّا إذا كان موجودا ، كما أنّ القدرة لا يصحّ الفعل بها إلّا وهي موجودة (ق ، ش ، ١٨٠ ، ٨)

ـ إنّ من حقّ القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضدّه إذا كان له ضدّ ، ومن حقّه أيضا أن يحصل مقدوره إذا حصل داعيه إليه ولا منع (ق ، ش ، ٢٧٨ ، ٧)

ـ قد ثبت أنّه تعالى قادر على أن يخلق فينا العلم الضروريّ ، فيجب أن يكون قادرا على أن يخلق بدله الجهل ، لأنّ من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضدّه إذا كان له ضدّ والجهل قبيح. وإن شئت فرضت الكلام في أهل الجنّة فتقول : إنّه تعالى قادر على خلق الشهوة فيهم ، فيجب أن يكون قادرا على أن يخلق فيهم النفرة ، لأنّ من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضدّه إذا كان له ضدّ ، ومعلوم أنّه تعالى لو خلق فيهم النفرة لكان قبيحا (ق ، ش ، ٣١٤ ، ٢)

ـ ليس يجب في كل من قدر على الشرّ أن يوقعه لا محالة ، ألا ترى أنّ أحدنا مع قدرته على القيام ربما يكون قاعدا ، ومع قدرته على الكلام ربما يكون ساكتا ، فكيف أوجبتم في القادر على الشيء أن يوقعه بكل وجه؟ وكذلك فالقديم تعالى قادر على أن يقيم القيامة الآن ، ثم إذا لم تقم لم يقدح في كونه قادرا (ق ، ش ، ٣١٥ ، ٧)

ـ إنّ القادر له حالتان : حالة يصحّ منه إيجاد ما قدر عليه ، وحالة لا يصحّ ذلك ؛ والأسماء تختلف عليه بحسب اختلاف هاتين الحالتين ، ففي الحالة الأولى يسمّى مطلقا مخلّى ، وفي الثانية يسمّى ممنوعا (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ٨)

ـ إن قيل : لم لا يجوز أن يكون المؤثّر في كون الكلام أمرا وخبرا إنّما هو كونه قادرا؟ قلنا : لأنّ تأثير القادر لا يتعدّى طريقة الإحداث ، وكون الكلام أمرا وخبرا أمر زائد على ذلك (ق ، ش ، ٤٣٨ ، ٥)

ـ إنّ من ليس بقادر على الشيء لا يوصف بالإباء والامتناع ، كما لا يوصف بالإيثار والاختيار ، ولذلك لا يقال في الزمن : إنّه أبى المشي ، وفي الأخرس : إنّه يأبى الكلام ، وإنما يقال ذلك في المتمكّن (ق ، م ٢ ، ٤٢٨ ، ٩)

٨

ـ أوّل ما يمكن العلم به من صفات الله تعالى كونه قادرا ، لأنّ ما دلّ على أنّه المحدث للعالم دلّ على أنّه قادر. ألا ترى إنّا إنّما نعلم أنّه محدث لوقوع الأجسام وغيرها منه لوقوعه مطابقا لقصده وما يجري مجرى الداعي له ، ونفس هذا هو الدالّ على أنّه قادر ، فلهذا صار أوّل ما نعلم من صفاته تعالى كونه قادرا. ولا بدّ من أن تكون هذه الصفة معقولة ليصحّ إثباتها لله عزوجل ، لأنّ إيراد الدلالة على إثبات الشيء فرّع على كونه معقولا في نفسه. وعلى هذا قلنا" للمجبرة" : إنّكم بقولكم إنّ أفعال العباد مخلوقة فيهم من جهة الله شدّدتم على أنفسكم طريق العلم بأنّ أحدنا قادر ، فلم يصحّ منكم إثباته تعالى قادرا (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ٣)

ـ جعلنا كون القادر قادرا من يختصّ بحال لكونه عليها يصحّ منه الفعل إذا لم يكن منع ، وهذا هو مدلول الدلالة على أنّه قادر. فأمّا الدلالة على أنّ القادر قادر فهي صحّة الفعل منه ، وهذه الصحّة وإن لم يمكن العلم بها إلّا بعد العلم بالوقوع فهي الوجه في الدلالة دون الوقوع ، حتى لو أمكن العلم بها من دون العلم به لكانت دليلا ، ولهذا يراعى الفرق في ذلك بين من يصحّ منه الفعل وبين من يتعذّر عليه ولا يثبت التعذّر إلّا مطابقا للصحّة دون الوقوع (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ٢١)

ـ إنّا لا نعرف القدرة وكون القادر قادرا بها إلّا بعد العلم بكون العبد محدثا لتصرّفه. والذي يحصل لنا العلم به ابتداء في كون العبد محدثا هو في العالم لاعتبار طريقة القصود والدواعي ، لأنّ العلم بذلك يسبق العلم بكونه محدثا لتصرّفه. ثم إذا عرفنا أنّه يصحّ منه الفعل ويتعذّر على غيره عرفنا اختصاصه بصفة. ثم عللنا تلك الصفة بوجود معنى. ثم إذا ثبت لنا بقاؤه وأنّ السهو لا ينافيه ولا يدافعه ، عرفنا ثباته في الساهي ، فعرفناه قادرا ، وأمكننا أن نعرف أنّ فعله حادث من جهته لوقوعه بحسب القدرة التي كانت فيه عند ما كان عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٢٧)

ـ إنّ أحدنا قادر بما عرفنا من صحّة الفعل من جملة مع السلامة ، وتعذّره على جملة أخرى مساوية لها في صفاتها مع السلامة. ثم ... لا بدّ عند ذلك من أمر به تقع المفارقة بين هاتين الجملتين ، وأنّ ذلك الأمر لا يصحّ رجوعه إلى وجودها وبنيتها وما فيها من الحياة (ق ، ت ٢ ، ١٦ ، ٣)

ـ قد اختلف الناس في الوجه الذي منه صار القادر منّا قادرا. فالذي تقتضيه مذاهب من ينفي الأعراض إذا قالوا بإثبات الفاعل أن يجعلوا كون القادر قادرا بالفاعل ، كما سلكوا مثل هذه الطريقة في المتحرّك وغيره. فأمّا النظّام والأسواري ومن تبعهما فإنّهم ذهبوا إلى أنّ القادر منّا قادر لنفسه. وإن كان قد حكى في الكتاب عن الأصمّ مثل هذا القول ، والأشبه بطريقته أن يجعله قادرا بالفاعل. فأمّا ضرار فقد حكى عنه في الكتاب أنّه يذهب إلى أنّ الاستطاعة بعض المستطيع. وليس هذا بموقوف على هذا الموضع فإنّ خلافه في غير ذلك من الأعراض نحو هذا الخلاف لأنّه يجعل الجسم من أبعاض مجتمعة وربما عبّروا عنها بالأعراض المجتمعة. والذي عندنا أنّه قادر لمعنى من المعاني .... فالذي يدلّ على ما قلناه أنّ أحدنا قد حصل قادرا مع جواز أن لا يكون كذلك ، وحالته في كونه حيّا واحدة فلا بدّ من اختصاصه بأمر وذلك الأمر هو

٩

وجود معنى (ق ، ت ٢ ، ٢١ ، ٦)

ـ يجب لو كان أحدنا قادرا لنفسه أن يكون حكم القادرين منّا أجمع كذلك ، وهذا يزيل التفاضل بينهم مع علمنا بصحّة ذلك فيهم لأنّ صفات الذوات لا يقع فيها تزايد. وأيضا فكان يجب أن لا ينحصر مقدور أحدنا في الجنس والعدد كما لم ينحصر مقدور القديم جلّ وعزّ في هذين الوجهين لمّا كان قادرا لذاته ، وهذا يوجب جواز الممانعة بيننا وبينه تعالى عن ذلك. فثبت بطلان هذه المقالة (ق ، ت ٢ ، ٢٣ ، ١٥)

ـ قد عرفنا صحّة كون أحدنا قادرا في حال بقائه على وجه تتجدّد له هذه الصفة كما يصحّ أن يكون عليها في حال الحدوث. ويلزم على هذا القول أيضا نحو ما تقدّم لأنّا نقول : كان ينبغي أن لا يقع التفاضل بين القادرين في كثرة المقدور وقلّته لأنّ الجاعل في كلي الحالين قد جعل هذه الجملة قادرة. ولا يمكن أن يجعل انحصار المقدور معلّقا على انحصار الصفة ، لأنّا قد عرفنا أنّ القديم تعالى له بكونه قادرا صفة واحدة ، ومع هذا فليس ينحصر مقدوره ، فيجب أن يكون سبب انحصار مقدورنا استناد هذه الصفة إلى القدرة (ق ، ت ٢ ، ٢٤ ، ٩)

ـ اعلم أنّ في العلماء من حكي عنه في الحيّ أنّه محلّ الحياة ، ويجب على هذه القاعدة أن يقول إنّ القادر هو محلّ القدرة. وليس الغرض بهذا الكلام خلاف ابن أبي بشر ، وإنّما الغرض ما يحكى عن الإسكافي مما يشير إلى ذلك. والذي عندنا أنّ هذه الجملة بكمالها هي القادرة دون كل بعض منها. والدلالة عليه أنّ الطريق إلى إثبات القادر إذا كان إنّما هو صحّة الفعل منه فمعلوم أنّ هذا الحكم يرجع إلى الجملة دون الأجزاء والأبعاض ، فيجب أن يكون المختصّ بهذه الصفة الجملة بكمالها (ق ، ت ٢ ، ٢٦ ، ٣)

ـ إنّ الفعل إنّما يقع من أحدنا لمكان الدواعي ولولاها لم يقع ، فيجب أن يكون القادر من يصحّ اختصاص الدواعي به. وقد عرفنا أنّ الداعي إنّما يرجع إلى الجملة لأنّ المرجع بها إلى العلوم وما يجري مجراها وإنّما تختصّ الجملة بذلك (ق ، ت ٢ ، ٢٦ ، ١٠)

ـ إنّ الطريق الذي به نعلم إثبات القدرة هو الطريق الذي به نعلم تعلّقها بالضدّين. وذلك لأنّا إنّما نثبت القدرة بكون الواحد منّا قادرا ، وكونه قادرا إنّما يثبت بكونه فاعلا ومحدثا. والذي به نعرف أنّه محدث لأفعاله هو وجوب وقوع تصرّفه بحسب أحواله. وقد علم أنّ ذلك ليس بمقصور على فعل دون فعل ، لأنّا ما لم نتصوّر في الواحد منّا أنّه يجوز منه أن يتحرّك يمنة ويسرة ويأتي بأفعال مختلفة ومتضادّة لم نعلمه فاعلا على الحقيقة. فإذا كان ما به يثبت قادرا يقتضي كونه قادرا على الضدّين فينبغي فيما أوجب كونه قادرا أن يطابقه في التعلّق ، وهذا يقتضي أن تكون القدرة متعلّقة بالضدّين. ويجب إذا كان حكم القادرين أجمع فيما ذكرناه سواء أن تتّفق أحوال القدر أيضا فيما بيّنا (ق ، ت ٢ ، ٤٨ ، ٧)

ـ إنّا نعرف العاجز عاجزا ضرورة لا على ما تقولون إنّا نحتاج إلى اعتبار حال القادر أوّلا. وربّما ادّعوا أنّا نعلم القادر قادرا ضرورة. وليس يصحّ عندنا أن نعلم القادر قادرا باضطرار فضلا عن كونه عاجزا الذي يترتّب عليه وفضلا عن أن نعلم ضرورة أنّه إذا لم يكن قادرا فيجب أن يكون عاجزا ، بل طريق ذلك أجمع هو الاستدلال. ألا ترى أن القادر إذا

١٠

كان معناه من يختصّ بصفة لأجلها يصحّ الفعل منه عند ارتفاع الموانع فكيف تدّعى الضرورة في ذلك؟ وإذا رجعنا في العاجز إلى من يختصّ بصفة معها يتعذّر الفعل عليه فدعوى الضرورة فيه أيضا لا يمكن. وإذا رجعنا به إلى زوال كونه قادرا فالنفي يتفرّع عن الإثبات (ق ، ت ٢ ، ٦٤ ، ١٩)

ـ إنّ القادر يقدر على إيجاد الفعل على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه. والمختلفان قد يصحّ اجتماعهما وكذلك المثلان يصحّ دخولهما في الوجود وليس كذلك الضدّان (ق ، ت ٢ ، ٩١ ، ١٣)

ـ إنّ القدرة تثبت بكون القادر قادرا ، وكونه قادرا يثبت بكونه محدثا وفاعلا. والطريق إلى ذلك وجوب وقوع فعله بحسب دواعيه. فإن كانت القدرة متى وجدت وجب وجود الفعل عندها فلا معنى لاعتبار الدواعي ، وكان ينبغي أن يقع الفعل مع سلامة الأحوال وإن كانت الدواعي منتفية ، وهذا لا يصحّ. فليس بعد ذلك إلّا أن يصحّ وجود القدرة وثبات كونه قادرا وليس بفاعل ثمّ يصير فاعلا عند الدواعي ، وهذا لا يتمّ إلّا على أصلنا (ق ، ت ٢ ، ١١٦ ، ٢٢)

ـ إنّ القادر لا بدّ من أن يؤثّر في تحصيل صفة لم تكن ، وهذا إنّما يتأتّى في الإحداث. فأمّا الإعدام فلا يصحّ ذلك فيه إذ ليس للمعدوم بكونه معدوما صفة. وعلى هذا الأصل قلنا للمجبرة : إذا لم يصحّ أن تكون للفعل صفة يرجع بها إلى كونه كسبا فيجب أن لا يصحّ تعليقه بالفاعل (ق ، ت ٢ ، ٢٩٥ ، ١١)

ـ إنّ القادر منّا يفعل الفعل على وجهين : أحدهما يبتديه بالقدرة في محلّها ، والآخر يفعله بواسطة من الأسباب ، وما يفعله بالسبب لا يصحّ أن يوقعه على الوجه الذي يصحّ أن يبتدئ عليه! يبيّن ذلك أن الواحد منّا لو أراد أن يبتدئ بالإصابة وتحريك الأجسام البائنة منه لتعذّر عليه ، وإن صحّ أن يفعله على جهة التوليد. ولو أراد أن يفعل الفعل على الوجه الذي يفعله بالاعتماد عند المصاكة من التراجع لتعذّر عليه (ق ، غ ٤ ، ١١٦ ، ١٣)

ـ إنّ القدر ، وإن اختلفت فإنّ مقدوراتها في الجنس يجب أن تتّفق ، وإنّما يحسب أن تتغاير مقدوراتها في الأعيان ؛ لأنّ ذلك يحقّق القول باختلافها ، لأنّا لو قلنا إنّ مقدوراتها ليست بمتغايرة في الأعيان ، لأدّى إلى صحّة كون مقدور القدر ، واحدا ، وذلك يوجب تماثلها. فإذا صحّ بما بيّناه من قبل ذلك ، وجب القضاء بأنّ قدرة اليد هي قدرة على العلم والإرادة ، وإن كان لا يصحّ وجودهما بها لكون المحل غير محتمل لها ، ولا فصل بين امتناع وجود الشيء لكون المحل غير محتمل له وبين امتناع وجوده لأجل وجود ضدّه في المحل إذا كان وجود الضدّ أولى من وجوده ، فصحّ بذلك أنّ القادر يصحّ كونه قادرا على الشيء وإن تعذّر وجوده لمنع أو غيره (ق ، غ ٤ ، ٣٣٣ ، ١٦)

ـ لسنا نحدّ القادر بأنّه الذي لا يتعذّر عليه الفعل مرسلا ، فيكون ما قدّمناه ناقضا له ؛ لكنّا نقول هو الذي لا يتعذّر عليه إيجاد مقدوره من غير منع أو وجه معقول يوجب تعذّره ؛ وهذا كقولنا إن من حق الجوهر أن يصحّ وجود العرض فيه إلّا لوجه يوجب امتناع ذلك فيه ، وكقولنا في السبب إن من حقّه أن يوجب المسبّب إذا لم يكن هناك منع أو ما يجري مجراه ، وكقولنا إن الحي هو الذي يصحّ أن يدرك إذا وجد المدرك وارتفعت الموانع ؛ وكل ذلك يبيّن أن الصفة قد

١١

تقتضي بعض الأحكام بشروط ، فلا يمتنع حصولها ، وامتناع ذلك الحكم عند فقد تلك الشروط أو بعضها (ق ، غ ٤ ، ٣٣٤ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ القديم ، عزوجل ، يوصف بأنّه قادر ، والمراد بذلك أنّه يختصّ بحال لكونه عليها يصحّ منه إيجاد الأفعال. وإنّما نحتاج أن نحدّ بأنّ القادر هو الذي يصحّ الفعل منه ما لم يكن هناك منع أو ما يجري مجراه في القادر منّا ، لأنّ المنع وسائر ما يقتضي تعذّر الفعل يصحّ إليه. وأمّا القديم تعالى فكل ما يقدر عليه يصحّ منه إيجاده ويستحيل المنع عليه ، لأنّ المقصد بذكر حدّ القادر لما كان الشمول وجب الاحتراز فيه ، إذا كان قصدنا به التعميم ، فإن كان الكلام في القديم خاصة ، لم يجب ذلك (ق ، غ ٥ ، ٢٠٤ ، ٥)

ـ حقيقة القادر أنّه بصفة معها يصحّ الفعل منه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥ ، ١١)

ـ يحدّ القادر : بأنّه الذي يصحّ منه الفعل إذا لم يكن هناك منع (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٧ ، ١)

ـ يجب أن يكون القادر على الحسن قادرا على القبيح ، كما أنّ القادر على الحسن يقدر على الحسن من جنسه ؛ لأنّه ليس للحسن والقبيح تأثير في الوجه الذي يتناوله قدرة القادر ، لأنّ القادر إنّما يقدر على إيجاد الجنس. يبيّن ذلك أن حكم القادرين لا يختلف إذا قدروا على الجنس ، فلا يصحّ أن يختصّ بعضهم بالقدرة على القبيح منه دون الحسن ، كما لا يختصّ بعضهم بالقدرة على الخروج عن واحد دون آخر ، والكون في محل دون غيره ، وفعل الألم في جسم دون غيره. فإذا صحّ ذلك ، وكان القبيح مثل الحسن ، فيجب أن يكون القادر على الجنس قادرا على كل ضروبه من حسن وقبيح ، كما يقدر على ضروب المحسّنات منه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٩ ، ١٠)

ـ إنّ القدرة لا يمتنع تعلّقها بجنس دون جنس ، ومتى تعلّقت بجنس مخصوص لم يصحّ أن تختصّ بأن تتعلّق بضرب منه لوجوب تعلّقها بإيجاد ذلك الجنس على أي وجه وجد. فكذلك القول في حال القادر. يبيّن ذلك جواز اختصاص الأعيان في دخولها تحت مقدور القادر ، وإن لم يصحّ ذلك في الوجوه التي يقع عليها ما يقدر عليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣٠ ، ١٨)

ـ إن قيل : هلا قلتم إنّ كون الفعل قبيحا يوجب خروجه من كونه مقدورا له تعالى كوجود المقدور وتقضّي وقته فيما لا يبقى؟ قيل له : هذا يوجب أن لا يقدر الواحد منّا على إيجاد القبيح ، كما لا يقدر على ما وجد من مقدوره ، وتقضّي وقته وفي صحّة كونه قادرا على ذلك دلالة على انّ كونه قبيحا لا يوجب خروجه من كونه مقدورا. وأحد ما يدلّ على ذلك أنّ الدلالة قد دلّت على أنّ القادر على الشيء قادر على جنس ضدّه ، إذا كان له ضدّ. فإذا صحّ ذلك ، وكان تعالى قادرا على أن يخلق فينا العلم به وبصفاته ، فيجب أن يقدر على ضدّه ، وهو الجهل به. وكذلك فهو قادر على أن يفعل فينا كراهة الحسن بدلا من إرادته ، وإرادة القبيح بدلا من كراهته. وإنّما لا يوصف تعالى بالقدرة على ضدّ مقدوره إذا كان مقدورا لغيره ، لاستحالة كونه مقدورا له ؛ فما لم يحصل فيه وجه يحيل كونه كذلك ، فيجب كونه قادرا عليه. وهذه الدلالة تختصّ ما له يجب كونه قبيحا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣١ ، ٨)

ـ جوّزنا كون القادر قادرا على الضدّين وإن لم يصحّ أن يفعلهما. فإذا لم يدلّ كونه غير مختار

١٢

لأحدهما على أنّه لم يقدر عليه ، فكذلك لا يدلّ ما قالوه على أنّه لا يقدر على القبيح (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣٦ ، ١٣)

ـ من حقّ القادر على الشيء على جهة الاختراع والابتداء أن يقدر عليه على جهة التوليد ، وإنّما صحّ من الواحد منّا أن يقدر على أشياء على جهة التوليد ، ولا يقدر عليها على جهة الابتداء ؛ كما يصحّ منه إيجاد بعض الأفعال بآلة ، ولا يصحّ منه على جهة الابتداء. وليس كذلك حاله تعالى ، لأنّه سبحانه يصحّ أن يوجد الأفعال على كل وجه يصحّ أن يوجد عليه ؛ فيجب من هذا الوجه كونه قادرا على الاعتمادات ، إذا صحّ كونه فاعلا للأكوان على جهة التوليد ، لأنّه لا سبب لها غيره. وأيضا فلأنّ الاعتماد اللازم لا يكون إلّا من فعله تعالى ، لأنّه هو الذي يصحّ أن يوجده على الوجه الذي يلزم به ومعه ؛ فإذا صحّ ذلك فيه وجب كونه قادرا على جميع أنواعه ، لأنّ من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على نوعه ، كما يجب ذلك في مثله وضدّه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٨ ، ٧)

ـ إنّ جملة العلوم نوع واحد ، لاشتراكها في قضية واحدة ، ومن حقّ القادر على الشيء أن يكون قادرا على نوعه ، كما يجب ذلك في الجنس والضدّ ؛ وهذا مضطرد (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٧٢ ، ٨)

ـ إنّ كل فعل علم القادر علّته ، أنّه لا نفع له فيه ولا غرض ، فإنّه لا يجوز مع علمه بذلك من حاله أن يختاره (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٠٤ ، ١٣)

ـ إنّ القادر إذا قدر على جعل الشيء على صفة من الصفات ، فالواجب أن يختصّ بالقدرة على إيجاده. وهذا يبيّن أنّ الجاعل القول خبرا ، يجب أن يكون هو الموجد له ، وأنّ إرادته لا تؤثّر في فعل غيره. فأمّا كونه مريدا ، فقد يؤثّر في فعله ، وإن كانت الإرادة من فعل غيره فيه ، كما يؤثّر إذا كانت من فعله ، لأنّ المعتبر هو كونه مريدا ، كما أنّ كونه عالما بالفعل يؤثّر فيه ، كان العلم من فعله أو فعل غيره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٢ ، ٣)

ـ إنّ القادر يقدر على ما يتعذّر عليه فعله ، لمنع ، أو ما يجري مجراه ، لأنّه يصحّ ممن هذه حاله الفعل على بعض الوجوه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٣٨ ، ١٢)

ـ يحدّ الإنسان بأنّه هذه الجملة المبنية هذا الضرب من البنية ؛ ولذلك ينبه ـ عند ذكر حال القادر ـ على الحكم الموجب عنه ؛ لأنّه ينكشف به المراد ، فنقول : هو الذي يختصّ بالصفة التي معها يصحّ الفعل منه مع السلامة (ق ، غ ٧ ، ١٣ ، ٩)

ـ إنّ القادر قد يفعل الفعل لكونه قادرا من غير قصد وداع (ق ، غ ٨ ، ٥٢ ، ٨)

ـ إذا علمنا أنّ الدواعي هي العلوم والاعتقاد والظنون دون غيرها ، لأنّ سائر ما لا يتعلّق بالفعل لا مدخل له في ذلك ؛ وقد علمنا أنّ ذلك لو حصل ، ولم يحصل قادرا ، لم يصح الفعل منه ؛ ومتى حصل قادرا ، صحّ ذلك منه ؛ فيجب أن يكون هو المصحّح للفعل دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٢ ، ١٧)

ـ إنّ القادر يفعله لكونه قادرا. كما نقول : إنّ القادر يفعل التأليف ، عند تجاور الجسمين ، ولولاه لما صحّ أن يفعله ، لا لأنّ الذي صحّح وجود الاجتماع هو تجاورهما مع كونه قادرا ، لأنّ تجاورهما لا يوجب له حالا. فكذلك القول في ارتفاع الموانع. وكذلك القول ، في وجود الآلات والأسباب ، إنّه يصل فيهما إلى

١٣

إيجاد ما يقدر عليه ، فالفعل إنّما يصحّ لكونه قادرا دونهما. ولذلك يجب أن يكون المصحّح للفعل هو كونه قادرا ، دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٣ ، ١٣)

ـ إنّ القادر يفعله لكونه قادرا. كما نقول : إنّ القادر يفعل التأليف ، عند تجاور الجسمين ، ولولاه لما صحّ أن يفعله ، لا لأنّ الذي صحّح وجود الاجتماع هو تجاورهما مع كونه قادرا ، لأنّ تجاورهما لا يوجب له حالا. فكذلك القول في ارتفاع الموانع. وكذلك القول ، في وجود الآلات والأسباب ، إنّه يصل فيهما إلى إيجاد ما يقدر عليه ، فالفعل إنّما يصحّ لكونه قادرا دونهما. ولذلك يجب أن يكون المصحّح للفعل هو كونه قادرا ، دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٣ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ القادر من حقّه أن يصحّ منه الفعل ، وأن تنفصل حاله فيما يحدثه من حال الموجبات على بعض الوجوه. لأن حدوث مقدوره على سبيل الإيجاب يخرجه من كونه مقدورا له ، وينقض كونه قادرا عليه ، على ما سنبيّنه في باب الاستطاعة ، وإن كنّا قد ذكرنا من قبل ما يدلّ عليه. لأنّه إذا كان حدوثه من جهته بحسب قصده ، ومعلوم من حاله أنّه كان يجوز أن لا يقصد إليه وتتغيّر دواعيه ، فلا يقع منه ذلك ، بل يقع خلافه. فيجب القضاء بأنّ حدوثه من جهته غير واجب وأنّه مفارق في ذلك الوجوب الصفات عن العلل ، ووجوب المسبّب عن السبب (ق ، غ ٨ ، ٥٩ ، ٤)

ـ إنّ من حق القادر أن يصحّ حدوث مقدوره ، ولا يجب ؛ لكنّا نعلم أنّه وإن كان كذلك ، فقد تقوى دواعيه إلى الفعل ، حتى لا يقع منه خلافه ، وإن كان قادرا عليه. وهذا كالملجإ إلى الهرب من السبع أنّه لا يقع منه الوقوف ، لكنّا نعلم من حاله أن ما يقع منه يقع باختياره ، ولذلك يختار في الهرب سلوك طريق دون غيره (ق ، غ ٨ ، ٥٩ ، ١٢)

ـ من حق القادر أن يصحّ منه الشيء وتركه ، وإن وجب كونه قادرا عليهما. ولهذا يصحّ كونه قادرا على المتولّدات وفاعلا لها ، وإن لم يصحّ منه فعل ضدّها في بعض الأحوال (ق ، غ ٨ ، ٦١ ، ٧)

ـ إنّ القادر إنّما يصحّ منه إحداث الفعل فقط (ق ، غ ٨ ، ٦٤ ، ١٢)

ـ إنّ القادر إنّما يقدر على الشيء على وجه الحدوث فقط (ق ، غ ٨ ، ٦٥ ، ٩)

ـ أمّا صفات الأجناس ، فقد دللنا من قبل على أنّها لا تكون بالفاعل على وجه من الوجوه ، وتقصّينا القول فيه. وقد اعتمد شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، على ذلك بأن قال : لو جاز أن يقدر القادر على الشيء على غير جهة الأحداث ، لصحّ أن يقدر على ما يستحيل حدوثه. وقد علمنا أنّ ما استحال حدوثه ، يستحيل كونه قادرا عليه ؛ وما صحّ حدوثه ، يصحّ كونه قادرا عليه ؛ وما استحال حدوثه من جهة قادر مخصوص ، يستحيل كونه قادرا عليه ، وإن صحّ من غيره أن يقدر عليه ؛ وما بقي من الأفعال ، يستحيل كونه مقدورا في حال بقائه من حيث استحال حدوثه. وذلك يبيّن أنّ القادر إنّما يقدر على الشيء من جهة الإحداث (ق ، غ ٨ ، ٦٨ ، ١٢)

ـ القادر إنّما يقدر على الصفة التي متى صحّت على الفعل ، صحّ كونه مقدورا ؛ ومتى استحالت ، استحال كونه مقدورا ، وهي الحدوث (ق ، غ ٨ ، ٦٩ ، ١)

١٤

ـ إنّ من حقّ القادر أن يصحّ منه فعل مقدوره ، إذا صحّ وجوده ، وكانت الموانع وما يجري مجراها مرتفعة. ودللنا على ذلك بأنّه لو لم يجب ذلك فيه ، لأدّى إلى نقض حقيقة القادر وفساد الطريق المؤدّي إلى معرفته قادرا. لأنّا إنّما نعلمه قادرا لصحّة الفعل منه ، فنعلمه بذلك على صفة لاختصاصه بها يصحّ منه الفعل مع السلامة (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ٣)

ـ إنّ كل قادر يجب كون الشيء مقدورا له عند العدم ، يجب كونه مفعولا له عند الوجود. فلا يصحّ ، لو كان المقدور الواحد مقدورا لقادرين ، أن يحصل عند الوجود فعلا لأحدهما دون الآخر. لأنّه لا يخلو القول فيه ، لو لم يكن فعلا لهما جميعا ، من وجهين : إمّا أن يقال : إنّه يجوز وقوعه منهما جميعا ، لو أحدثاه على وجه واحد ؛ أو يقال : إنّه يحدث ، منهما ، على وجهين. ولا يجوز أن يقال بالوجه الثاني ، لأنّا قد دللنا ، في باب قبل هذا ، على استحالة حدوث الشيء من وجهين ؛ فلو صحّ حدوثه ، منهما ، على وجهين ، لوجب ما قدّمناه من صحة كونه موجودا معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ١٦)

ـ قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : لو صحّ كونه مقدورا من قادرين ، لوجب كونه مفعولا متروكا. وهذا لازم على طريقته ، لأنّه يجب متى فعله أحدهما من وجه ، ولم يفعله الآخر ، أن يكون فاعلا لتركه على قوله : إنّ القادر منّا المخلّى لا يخلو من الأخذ والترك. ويجب على طريقتنا أيضا ، أن يجوز من أحدهما أن يتركه في حال كون الآخر فاعلا له ؛ فيؤدّي ذلك إلى وجود الشيء وضدّه. والأولى ، على القولين جميعا ، أن لا يذكر الترك (ق ، غ ٨ ، ١١٠ ، ٩)

ـ القادر منّا لا يصحّ أن يفعل في غير محل قدرته إلّا بسبب (ق ، غ ٨ ، ١٢٨ ، ٢)

ـ إنّ القادر على الجسم هو القادر لنفسه ، فلا يصحّ أن يكون فاعل الأجسام إلّا قديما إلها ، فلذلك وجب على قائل هذا القول أن يكون مثبتا لإله ثان مع الله (ق ، غ ٨ ، ١٤٣ ، ١٧)

ـ إنّ وقوع تصرّفه (زيد) بحسب قصده يدلّ على أنّه قادر عليه (ق ، غ ٨ ، ١٧٨ ، ٢)

ـ من حق القادر على الشيء أن يصحّ منه إيجاده مع زوال الموانع (ق ، غ ٨ ، ١٧٨ ، ١٦)

ـ إنّا لا نقول إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ منه فعل تركه ، بل نقول إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ منه ألّا يفعله على بعض الوجوه ، كما يصحّ منه أن يفعله ثم ينظر. فإن كان متى لم يفعله لم يصحّ أن يفعل تركه ، صحّ أن يتركه وإلّا لم يجب ذلك فيه ، وقد ذكر ذلك بعينه شيخانا أبو علي وأبو هاشم رحمهما‌الله (ق ، غ ٩ ، ٣٩ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ القادر على الشيء قد تختلف أحواله ، فمتى كان المقدور مبتدأ وجب كونه قادرا عليه قبله بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده ، وإلّا لم يصحّ لأنّ تقدّم القدرة قبله بأوقات يحيل إيجاده إذا انقضى وقته بحال واحدة. فأمّا ما يفعله متولّدا فيجب أن يراعى ، فإن كان مما يضام السبب في الوجود فيجب أن تكون القدرة متقدّمة له بحال واحد لما ذكرناه ، وإن كان يتأخّر عن السبب كالعلم فيجب أن تكون القدرة متقدّمة له بوقتين ، وإن كان مما يقع عن سبب بعد سبب فيجب كونه قادرا عليه في الوقت الذي قدر على السبب الأوّل ، لأنّ سائر ما يوجده بعده يتعلّق بوجوده ، وإنّما كان كذلك

١٥

لأنّ المسبّب بوجود السبب يصير في حكم الواقع وفي حدّ ما لا يقدر عليه مما مضى وقته ، ولذلك لا يصحّ منه أن يفعله ويتركه وقد وجد السبب ، وإذا صحّ ذلك وجب أن يكون القادر يراعى كونه قادرا عليه بسببه (ق ، غ ٩ ، ٧١ ، ٨)

ـ قد قال الشيخان رحمهما‌الله في غير موضع إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ أن يفعله ويصحّ ألّا يفعله ، وأن ذلك يستمرّ في كل قادر وكل مقدور ، فأمّا أن يجعل حدّ القادر ما يصحّ أن يتركه بدلا من أن يفعله فذلك مما لا يصحّ ، وأوضح ذلك شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله بأن قال : كونه قادرا على الشيء لا يتعلّق بغيره من ترك وضدّ ، بل يجب أن يكون له حكم معه ولا ضدّ له كما يكون له معه الحكم وله ضدّ ، وذلك الحكم ما قدّمناه من أنه يصحّ أن يفعله وألّا يفعله مع السلامة (ق ، غ ٩ ، ٧٣ ، ٩)

ـ إنّ الذي يجب في القادر أن يصحّ منه إيجاد مقدوره ويصحّ منه الانصراف عنه ، وأن لا يوجده على الوجه الذي يصحّ منه ، فمتى كان المقدور مما يوجده ابتداء صحّ أن لا يفعله من غير تعلّق بغيره ، ومتى كان مما يفعل بواسطة صحّ أن لا يفعله بأن لا يفعل ما يتعلّق وجوده بوجوده ، لأنّه إذا اختلف حاله في إيجاد مقدوره فمنه ما يوجده بنفسه ومنه ما يوجده بواسطة ، فكذلك في أن لا يوجده (ق ، غ ٩ ، ٧٨ ، ٥)

ـ فإن قيل : إن كان المسبّب يقع منه لكونه قادرا عليه فقولكم إنّ السبب يوجبه لا يصحّ ، وإن صحّ ذلك بطل القول بأنّه يوجد منه لكونه قادرا عليه ، قيل له : لا تناقض بين هذين القولين ؛ لأنّ الغرض بقولنا إنه يوجد من جهة القادر أنّه تراعى في صحّة وجوده أحواله وأنّه يقع بحسبها كالمباشر ، ولو لا أنّ ذلك كذلك لم يجب أن يقع بحسب قدره ودواعيه وعلومه وقصوده ، وأن يؤثّر العجز والسهو في وجوده أو وجوده على وجه ، والغرض بقولنا إنّ السبب يوجبه أنّ الفاعل بعد إيجاده السبب لا يحتاج إلى أن يبتدئه كحاجته في المباشر ، بل يحصل في حكم الفاعل له بإيجاد السبب ، وإن لم يتناقض القولان وجب سقوط ما سأل عنه (ق ، غ ٩ ، ٧٩ ، ١١)

ـ إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ منه فعله على الوجه الذي قدر عليه على بعض الوجوه ، فإذا تعذّر ذلك فيهما ابتداء وجب كونهما مقدورين لنا على جهة التوليد. ولا فرق بين من قال إنّه يصحّ أن يفعلهما على جهة الابتداء وإن تعذّر إيجادهما إلّا مع اعتماد يقع بحسبه ، وبين من قال فيما يفعله في غير محلّ القدرة من الأكوان وغيرها أنّ ذلك مبتدأ وإن استحال منّا إيجاده إلّا مع غيره ، وفي هذا فساد طريق معرفة الفصل بين المتولّد والمباشر (ق ، غ ٩ ، ١٢٧ ، ١٢)

ـ دللنا في صدر باب العدل على أنّه تعالى قادر على ما لو وقع لكان قبيحا ، وإن علم أنّه لا يختاره ، وأنّه قادر على إقامة القيامة الآن ، وإن كان المعلوم أنّه لا يقع ولا يختاره. وقد بيّنا أن أصل الكلام في إثبات تعلّق الفعل بالفاعل يقتضي ما قلناه ، لأنّه إذا وجب وقوعه (بحسب وانتفاؤه بحسب دواعيه وكراهته) فيجب أن يكون قادرا على ما يصحّ أن يقع بأن يختاره على ما لا يقع بل يختار تركه (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ١٩)

ـ قد بيّنا في باب البدل أنّ العالم بأن الشيء يكون لا يوجب كونه ، ولا علمه بأن الشيء لا يكون لا يحيل كونه. وبيّنا أنّ العلم يتعلّق

١٦

بالشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالعلم ، وأنّه كالدلالة والصدق في هذا الوجه. وبيّنا أنّ القول بخلافه يوجب زوال الذمّ والمدح عن الفاعل في الحسن والقبيح من حيث يجب كونه مضطرّا إلى فعلهما ؛ لعلم العالم بوقوعهما ، ويوجب كون القديم تعالى على ما هو به لمعلومنا ، وأن يكون العالم منّا جعله كذلك ؛ وفي هذا من الجهالات ما لا خفاء به. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع كون العبد قادرا على قتل غيره ، وإن جعل الله أجله مؤخّرا عن ذلك الوقت ، لأنّ علمه تعالى بأنّه يعيش مائة سنة ، أو نصبه الدلالة على ذلك ، أو كتبه ذلك في اللوح المحفوظ على جهة المصلحة للملائكة ، لا يخرج القادر من أن يكون قادرا على نقض بنيته من قبل ، كما لا يخرج ذلك القديم تعالى من أن يكون قادرا على إماتته من قبل (ق ، غ ١١ ، ٥ ، ١٣)

ـ إنّ من حقّ القادر أن يصحّ الفعل منه على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه ؛ لأنّ الإيجاد من جهته كالفرع على صحّة وجوده في نفسه ، ولذلك نحيل كونه قادرا على الشيء إذا استحال وجوده في نفسه. وهذه القضيّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، فلذلك أثبتناه تعالى قادرا لم يزل. وإن استحال وقوع الفعل منه على وجه يصحّ وصفه بأنّه في الثاني أو في الثالث ولا ينقض ذلك كونه قادرا ، كما يصحّ أن يقدر أحدنا على ما يفعله بعد سنة ، وإن استحال وجوده في الأمقاط قبله ، ولا ينقض ذلك كونه قادرا. وليس كذلك العلّة ؛ لأنّ وجودها ولا (أثر لها) يوجب الحكم بنقض كونها علّة ؛ من حيث وجب فيها أن تكون موجبة (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٦)

ـ إنّما صحّ لنا القول بأنّ القادر ترد عليه الموانع والآفات فيتعذّر عليه ما لولاه كان يتأتّى منه من حيث بيّنا أنّ صحّة وجود الفعل كما تفتقر إلى كونه قادرا فكذلك تفتقر إلى ألّا يكون هناك ضدّ هو أولى بالوجود منه أو ما يجري مجراه ، فإذا طرأ عليه ما هذه صفته لم يمتنع أن نثبته قادرا ونحكم بتعذّر الفعل عليه (ق ، غ ١١ ، ٣٢٥ ، ٣)

ـ إنّ القادر منّا قد يجب فيه الثبات على بعض الأفعال ، إذا استمرّت به الدواعي في الثبات عليه. وقد يجب أن لا يختار إلّا بعض ما يقدر عليه ، لأمر يرجع إلى الدواعي. وقد بيّنا ، أن ذلك غير ممتنع في القادر ، لأنّه إذا جاز أن يبلغ إلى حدّ الإلجاء فلا يجوز أن يقع منه خلافه ، وإن كان مقدورا له. ويصير كالممنوع من حيث كان بالإلجاء محمولا على الفعل ، أو في حكم المحمول. فكذلك لا يمتنع أن تقوى دواعيه ولا يبلغ حدّ الإلجاء ؛ فلا يختار إلّا ما تعلّقت به تلك الدواعي ، وإن كان قادرا على غيرها. وبيّنا أنّ القول بوجوب اختياره لذلك لا يصحّح القول بالطبع ، لأنّه يصحّ أن تتغيّر دواعيه ، ويقابلها غيرها ، فيتغيّر حاله في الفعل (ق ، غ ١٢ ، ١٢٨ ، ٨)

ـ إنّ من حق القادر أن يجوز أن لا يفعل مقدوره ، شاهدا كان أو غائبا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٧ ، ٧)

ـ يقول (الجاحظ) في النظر : إنّه ربما وقع طبعا واضطرارا ، وربما وقع اختيارا. فمتى قويت الدواعي في النظر ، وقع اضطرارا بالطبع ؛ وإذا تساوت ، وقع اختيارا. فأمّا إرادة النظر ، فإنّه مما يقع باختيار ، كإرادة سائر الأفعال. وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين النظر والمعرفة ، وبين إدراك المدركات ، في أنّ جميع ذلك يقع

١٧

بالطبع. وكذلك يقول في التحريكة بعد الاعتماد. لأنّه يذهب في التولّد ، مذهب أصحاب الطبائع. لكنّه ، فيما يقع من القادر ، يخالف طريقتهم ، لأنّه يقول : إنّما يقع بالطبع عند الحوادث والدواعي ، فيرجع في ذلك إلى حال للجملة نعتبرها. وليس كذلك طريقة أصحاب الطبائع (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ١٠)

ـ قد بيّنا في باب الاستطاعة أنّ من حق القادر أن يتقدّم كونه فاعلا ، وذلك يبطل هذا القول لأنّه (لو) وجب من حيث كان قادرا أن يكون فاعلا لوجب ذلك في كل حال وكل فاعل ، كما أنّه لما وجب من حيث كان قادرا أن يكون حيّا استمرّ ، ولما وجب في العلم من حيث كان علما ، أن يوجب كونه عالما استمرّ. وقد بيّنا أيضا جواز فناء القدرة في حال الفعل ، وذلك يصحّح أنّه كما قد يكون قادرا ولا يكون فاعلا ، فقد يكون فاعلا ، ولا يكون قادرا ، وأنّ كونه فاعلا كالمنفصل من كونه قادرا ، وإن كان لا بدّ من تقدّم كونه قادرا (ق ، غ ١٤ ، ٢٠٧ ، ١٩)

ـ إنّ صحّة الفعل أو وجوبه ، ترجع إلى القادر دون القدرة ، وإنّما تأثيرها أن يصير بها قادرا ، فلو وجب فيها ألا يخلو من المقدور ، لوجب في القادر ، وقد بيّنا فساد ذلك (ق ، غ ١٤ ، ٢١٠ ، ٨)

ـ الذي كان يقوله شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، أنّ القادر منّا لا يخلو من أن يفعل الشيء أو ضدّه ، إذا حصلت شروط : منها أن يكون ذلك مبتدأ ومباشرا. ومنها أن يكون القادر مع كونه قادرا في الحال ، يستمرّ كونه قادرا. ومنها ألا يحصل في الثاني منع أو ما يجري مجراه. فمتى حصل كل ذلك وجب ألا يخلو من الفعل أو ضدّه (ق ، غ ١٤ ، ٢١٠ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ للقادر أحوالا ثلاثة ؛ أحدها : أن يفعل للداعي. والثاني : أن يترك الفعل له. والثالث : ألا يفعل الفعل لأجله. وكل ذلك إنّما يجب في العالم المميّز القاصد ، لأنّ الفعل قد يقع من القادر مع فقد الداعي ، فلو لا صحّة ذلك ، لما صحّ الفعل من الساهي والنائم ، ولما صحّ أن يقع من القادر ما لا يخطر له على بال. وقد بيّنا في غير موضع من الكتاب ، أنّ الفعل لو لم يصحّ وقوعه من القادر إلّا بداع ، لبطل تعلّق صحّته بكونه قادرا ، فأمّا إذا كان عالما ، فإنّه مؤثر لفعل على فعل ، فلا بدّ من داع ، ولسنا نعني بذلك ، قادرا يدعوه إلى الفعل ، لأنّ ذلك لو وجب لأدّى إلى ما لا نهاية له ، إن دعا القادر فعل من الأفعال ، وإنّما نعني ما لأجله يختار الفعل ويؤثّره (ق ، غ ١٤ ، ٣٨١ ، ٩)

ـ إن كون القادر قادرا ، لمّا لم يقتض إلّا صحة الفعل ، لم يكن الدالّ عليه ، عقلا ، إلّا ذلك ؛ ولمّا كان كونه حيّا يصحّح كونه قادرا وعالما ومدركا ، إلى غير ذلك ، لم يمتنع ، في كل واحد من هذه الأحوال ، أن يدلّ على كونه حيّا (ق ، غ ١٥ ، ١٥٥ ، ٢٢)

ـ إنّ من حق القادر أن يصحّ الفعل منه. فمن حقّه أن يجب وقوع فعله بحسب دواعيه ، ويفارق في ذلك غيره. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع أن يدلّ ما ذكرناه على حاجته إليه ، كما لا يمتنع أن تدلّ صحّته منه على كونه قادرا عليه. يبيّن ذلك أنّ القادر ينفصل بذلك من الأمور الموجبة ، كالعلل وغيرها. ولا بدّ من أن يشترط في دلالة فعله ما به يتميّز حال القادر من غيره. ولذلك قلنا : إنّ من قال بالقدرة الموجبة لا يمكنه تثبيت القادر وتثبيت حال الفعل إلى الفاعل.

١٨

وكل ذلك يبيّن أنّ ما يشترطه ، في هذه الأدلّة ، لا بدّ منه ؛ لأن التعلّق معه يحصل ، أو له تأثير في وجه الدلالة (ق ، غ ١٥ ، ١٥٦ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ كل قادر ، بما يعلمه العاقل أنّه قادر مميّز ، فإنّه يقدر على إيجاد الأفعال على كل وجه : من قبح ، وحسن ، ووجوب ، وغير ذلك. وكل قادر ، فإنّا نجوّز منه فعل الحسن ، إلّا من أخبر الله ورسوله بأنّه لا يفعله. فأمّا القبيح فإنّ الله تعالى لا يفعله لحكمته. ولا تفعله ملائكته ، لأنّها معصومة منه (ب ، م ، ٣٧١ ، ٣)

ـ إذا علّلنا بأنّ الفاعل فعله فإنّما نعلّله بكونه قادرا عليه ، فنقول إنّ الفاعل لمكان كونه قادرا عليه أوجده. وكونه قادرا عليه غير حدوثه ووجوده (ن ، د ، ٢٩ ، ١٤)

ـ أمّا إذا كان تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار لا يجب ، فكيف ولو كان تأثير القادر في المقدور على سبيل الإيجاب لخرج القادر من أن يكون قادرا ، ولخرجت العلّة من أن يكون لها تأثير أيضا ، لأنّ العلّة أيضا فعل من أفعال القادر ؛ فإذا لم يكن للقادر تأثير فكيف يكون للعلّة تأثير ، مع أنها فعل من أفعاله؟ (ن ، د ، ٣٠ ، ٣)

ـ كون القادر قادرا لا يتعلّق إلّا بالإحداث وما يتبعه ، وكون الجسم مجتمعا أمر زائد على الإحداث وما يتبعه. ولأنّ هذه الصفات (كون الجسم مجتمعا مفترقا) لو كانت بالفاعل لما ثبتت في حال البقاء لفقد الحدوث في حال البقاء. وقد ثبت أنّ تأثير القادر لا يتعدّى عن الإحداث وما يتبعه ، لعلمنا أنّ هذه الصفات لا تتعلّق بالفاعل (ن ، د ، ٥٠ ، ١٣)

ـ إنّ القادر على المسبّب يقدر على السبب ، كما أنّ القادر على السبب يقدر على المسبب. ألا ترى أنّ الواحد منا لمّا كان قادرا على العلم كان قادرا على النظر ، ولما كان قادرا على الكون والصوت كان قادرا على الاعتماد الذي يولّدهما ـ وفي علمنا بأنّ الواحد منا لا يقدر على الجوهر دلالة على أنّ الجوهر لا يولّد الكون (ن ، د ، ٨٦ ، ٣)

ـ كون الذات قادرا يظهر بصحة الفعل منه ، ثم يجوز أن يقدر ولا يصحّ منه الفعل لمانع. وكذلك صفات الأجناس إنّما تظهر بصفات مقتضاة عنها ، ثم يجوز أن لا تحصل المقتضاة ، لأنّها مشروطة بالوجود ، ومع ذلك فإنّ هذه الأجناس تحصل على صفاتها في العدم (ن ، د ، ١٧٣ ، ٣)

ـ إذا قلنا في القادر إنّه يجوز منه كل واحد من الضدّين على معنى أنّه يقدر على كل واحد منهما ، ليس في هذا ما يجب أن يكون جامعا بينهما في الوجود ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، كما يلزم ذلك إذا قلنا إنّه يفعلهما جميعا (ن ، د ، ٢٤١ ، ٤)

ـ إنّ من حق القادر أن يكون قادرا على الشيء وعلى جنس ضدّه ، إذا كان له ضدّ ، وهذا أيضا لا شبهة فيه في القادر لذاته ، وإنّما الخلاف في الواحد منا. ولا يكون كذلك إلّا ويجب أن يكون كونه قادرا متقدما على مقدوره ، فهذا يوجب تقدّم المحدث على هذه الحوادث ، ومع تقدّم الغير على هذه الحوادث لا يصحّ وصفها بأنّها لا أوّل لها (ن ، د ، ٢٧٢ ، ٤)

ـ أوّل ما يحصل العلم به من صفاته إنّما هو كونه قادرا ، فإنّه يستدلّ عليه بالفعل أو بصحّته ، وأمّا ما عدا ذلك من صفاته ، فمما لا يحصل العلم به ابتداء وإنما يحصل العلم به بعد العلم بكونه

١٩

قادرا (ن ، د ، ٤٦٠ ، ١٩)

ـ من حقّ القادر أن يصحّ منه وقوع ما قدر عليه ، فإذا لم يصحّ منه ما قدر عليه فيما لم يزل فامتناع كونه قادرا إذا كان لم يقدح ، فإذا صحّ منه وجود المقدور فيجب أن يكون قادرا (ن ، د ، ٤٦٤ ، ١٢)

ـ إن قيل : فما الدليل على أنّ الله تعالى قادر؟ قيل له : الدليل على ذلك صحّة وقوع الفعل. فإن قيل : فلم قلتم إن صحّة وقوع الفعل تدلّ على كونه قادرا؟ قيل له : نردّ ذلك إلى الشاهد ، فنقول : إنّا وجدنا في الشاهد جملتين صحّ من أحدهما الفعل وتعذّر على الآخر ، مع تساويهما في سائر الصفات ، فكان يجب أن يكون من صحّ منه الفعل مفارقا لمن تعذّر عليه بأمر من الأمور ، لولاه لم يكن هو بأن يصحّ منه الفعل أولى من أن يتعذّر ، ولا صاحبه بأن يتعذّر عليه أولى من أن يصحّ ـ وهذا الموضع هو الذي به نعلم المؤثّر بأدنى تأمّل (ن ، د ، ٤٦٩ ، ٢)

ـ إنّ كون الذات قادرا على الشيء لا يتعلّق به إلّا على وجه واحد ، وهو الإيجاد والإحداث. فإذا كان كذلك يجب أن لا يتعلّق في حالة الوجود ، لأنّ إيجاد الموجود محال. وليس كذلك كونه عالما ، فإنّه يتعلّق بالشيء على ما هو ، ويستوي في ذلك الموجود والمعدوم. وإذا ثبت ذلك وثبت أنّه جهة للفعل فلا بدّ من أن يقارن كسائر الوجوه ، اعتبارا بالعلل (ن ، د ، ٥٠٧ ، ١٣)

ـ إن قيل : إنّ المؤثّر في وقوع الفعل محكما ما هو؟ والذي هو شرط ما هو؟ أتقولون إنّ كونه قادرا مؤثّر ، وكونه عالما شرط ، أو تقولون إنّ المؤثر كونه عالما وكونه قادرا شرط ، أو تقولون إنّهما جميعا مؤثران؟ قيل له : إن المؤثّر إنّما هو كونه قادرا ، وكونه عالما شرط (ن ، د ، ٥٠٨ ، ٤)

ـ إن من حقّ القادر على الشيء أن يكون قادرا على ضدّه (ن ، م ، ١٦٤ ، ١)

ـ إنّ القادر على المسبّب يقدر على السبب ، كما أوجبنا لمن يكون القادر على السبب قادرا على المسبّب (ن ، م ، ١٩٧ ، ١٢)

ـ إنّ من حق القادر على الشيء ، أن يكون قادرا على أجناس أضداده إذا كانت له أضداد (ن ، م ، ٢٥١ ، ١٢)

ـ إنّ صفات النفس في كيفية متعلّقها كصفات العلّة. فإذا عرفنا أنّ القديم ، لما هو عليه في ذاته الآن من كونه قادرا ، يصحّ منه الفعل في المستقبل ، فكذلك الواحد منّا يصحّ منه الفعل في الوقت العاشر لكونه قادرا ، ولا يصحّ ذلك إلّا إذا صحّ أن تبقى القدرة (ن ، م ، ٢٦٤ ، ٢٠)

ـ إنّ القادر على الشيء يجب أن يكون قادرا على أجناس أضداده (ن ، م ، ٣٤١ ، ٢٣)

ـ زعمت (القدرية) أنّ الله قادر بلا قدرة ... وزعم البصريون منهم أنّه لا يقدر على مقدورات غيره ، وإن كان هو الذي أقدرهم عليها (ب ، أ ، ٩٤ ، ٥)

ـ إنّ كونه قادرا لا يثبت إلّا وله مقدور ، والعلم به يتضمّن العلم بمقدوره (أ ، ت ، ١٠٧ ، ٧)

ـ الربّ سبحانه في أزله كان قادرا ، ومن حكم كون القادر قادرا أن يكون له مقدور ، والمقدور هو الجائز الممكن ، وإيقاع الأفعال في الأزل مستحيل متناقض ، فإذا لم يبعد كونه قادرا أزلا ، مع اختصاص وقوع المقدور بما لا يزال ، لم يبعد أن يتّصف بكلام هو اقتضاء ممّن سيكون (ج ، ش ، ١٢٠ ، ١٢)

ـ قالوا (المعتزلة) : سبيل القادر أن يتخيّر بين

٢٠