موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

ـ الطريق إلى صحّة العلّة هو أن يثبت الحكم بثباتها ويزول بزوالها (ق ، ش ، ٢٧٣ ، ١٠)

ـ إنّ العلّة ليست بأكثر من أن يثبت الحكم بثباتها ، ويزول بزوالها (ق ، ش ، ٣٠٣ ، ٨)

ـ إنّ الإرادة علّة ، ومن حقّ العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص بطريقة الحلول إذا كان ممكنا ، وطريقة الحلول فينا ممكنة ، فمتى لم تحلّنا انقطع اختصاصها بنا ، وإذا انقطع اختصاصها بنا وجب أن تختصّ بالله سبحانه وتعالى ، سيما إذا كان وجودها على حدّ وجود القديم ، وإلّا خرجت عن كونها علّة موجبة واختصّت به دوننا وصارت بإيجاب الحكم له أولى وصار الحال فيها كالحال في جنس من الأجناس المقدورات ؛ إذا ثبت كونه مقدورا ، وثبت أنّه غير مقدور لنا ، فإنّه والحال هذه لا بدّ من أن يكون مقدورا لله تعالى ، وإلّا خرج عن كونه مقدورا ، كذلك في مسألتنا (ق ، ش ، ٤٥٢ ، ٧)

ـ لا تنفصل العلّة من المعلول لأنّهما يوجدان معا ، ولا يتصوّر انفصال أحدهما عن صاحبه (ق ، ت ١ ، ٥٤ ، ٨)

ـ إنّ الكلام في أنّ العلّة لا تصحّ أن توجب الصفة لذاتين ، طريقه الاستدلال ، وإنّما علمنا أنّ ذلك لا يصحّ في الشاهد ؛ لأنّ من حقّ العلّة أن لا توجب الحكم لما توجبه إلّا بعد أن تتعلّق به ضربا من التعلّق مخصوصا ، وقد ثبت أن كل علّة تختصّ المحل أو الجملة ، فلا بدّ من أن تكون متعلّقة بأحدهما دون الآخر (ق ، غ ٤ ، ٣١٣ ، ١٨)

ـ إنّ العلّة إذا أوجبت حكما لغيرها ، لم يصحّ أن توجب ذلك الحكم لنفسها مع غيرها ، كما لا يصحّ أن توجبه لنفسها وحدها (ق ، غ ٥ ، ٩٣ ، ١)

ـ من حقّ العلّة أن لا توجب الحكم لما توجبه له ، إلّا أن يحصل لها به من الاختصاص ما لا يحصل لها بغيره. ولا يكفي في إيجابها الحكم أن تكون موجودة فقط. يبيّن ذلك أنّها مع الوجود توجب الحكم لشيء دون غيره ، ولذلك يصحّ أن يعلم الواحد منّا بما يوجد في قبله من العلوم دون ما يوجد في قلب غيره ، وإنّ كانا من جنس واحد. فلو أوجب أحدهما الحكم لوجوده فقط ، لوجب أنّ يوجبه الآخر ؛ وهذا باطل. ولذلك تختصّ بعض الأعراض بأن توجب الحكم لمحلّ دون غيره ، أو للجملة دون غيرها. فإذا صحّ ذلك ، فما منع من إيجابها الحكم ، لما من حقّها أن توجبه ، يجب أن يمنع من وجودها ، كما أنّ ما منع من تعلّقه بغيره ، إذا أوجب تعلّقه بجنسه ، يمنع من وجوده. وكما أنّ ما يمنع من المعلول ، يمنع من وجود العلّة على الوجه الذي يوجب المعلول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٥١ ، ١٣)

ـ إنّ العلّة إذا ثبت أنّها لا توجب الحكم لغيرها إلّا بأن توجد وتختصّ به ، فيجب أن تثبت مختصّة به على الوجه الذي يمكن ، فكما توجب الحكم للمحل إذا حلّته ، لصحّة ذلك فيها ، وللجملة إذا حلّت بعضها ، لأنّها لا يمكن سواه ، فكذلك توجب الحكم للحيّ الذي ليس بجملة إذا وجدت لا في محل ، لأنّه لا يمكن سواه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٦٦ ، ٥)

ـ أمّا السبب فقد يجوز أن يتقدّم مسبّبه بوقت واحد ، إذا استحال وجوده معه ، أو اقتضى شرط توليده تقدّمه. وإنّما صحّ ذلك فيه ، لأنّ المسبّب في أنّه يتعلّق بالفاعل كالسبب ، وإنّما يحدثه بواسطة ، فلذلك صحّ فيه ما قلناه. وليس

٨٠١

كذلك العلّة الموجبة لحدوثه ، لأنّ تقدّمها يحيل كونها علّة ؛ ولو ثبت جواز تقدّمها للمعلول كالسبب ، لم يصحّ كونها قديمة ، لأنّ ذلك يوجب جواز تقدّمها بما لا نهاية له ، وذلك لا يصحّ في الأسباب أيضا (ق ، غ ٨ ، ٩٩ ، ١٠)

ـ إنّ القول في إيجاب السبب للمسبّب بخلاف القول في إيجاب العلّة للمعلول ، لأنّ ما توجبه العلّة لا ينفصل عنها ، فلذلك وجب القول بأن ما أحاله يحيلها ، وما صحّحه يصحّحها ، وما يوجبه السبب منفصل منه لأنّه حادث آخر ، فغير ممتنع أن يوجد والمسبّب معدوم ، وإن كان لا بدّ من وجوده قبله ليجب عنه ، ولا فرق بين من حمل السبب على العلّة في ذلك وبين من حمل القدرة على العلّة ، فكما لا يجب ذلك في القدرة من حيث كان ما يقع بها ينفصل منها فلم يمتنع فناؤها في حال الفعل وكذلك لا يمنع فناء السبب في حال المسبّب ، فإذا جاز عندنا أن يعجز الفاعل في حال وجود الفعل من حيث كان بوجوده قد خرج من أن يكون له به تعلّق ، فلو صحّ فناؤه دون سائر الأجسام لصحّ عدمه أيضا في حال وجود الفعل ، فكذلك لا يمتنع وجود المسبّب على عدم السبب لخروجه من أن يكون متعلّقا به وقد وجد (ق ، غ ٩ ، ٤٨ ، ٢٠)

ـ إنّ أهل اللغة لم يفيدوا بذكر العلّة إلّا ما له يفعل الفاعل ، أو لا يفعله : من الدواعي وغيرها. ولذلك يقول قائلهم : إنّما جئت بعلّة كذا ، وفارقتك لعلّة كيت ، فيذكر ما دعاه إلى ذلك إذا كان كالعذر فيما فعله أو لم يفعله ، (إلّا أنّهم) لا يستعملون ذلك في الأظهر إلّا في الأسباب المجوّزة لذلك دون غيرها ، فلذلك يضعون العلّة موضع العذر ، فيقولون : إنّ فلانا لا علّة له فيما يفعل ، ولا عذر له فيما صنع ، إذا كان مقدّما على قبيح ، حتى إنّهم يقولون : إن علّة فلان فيما قاله صحيحة ، وعذره فيه واضح. وعلى هذا الوجه يقول أحد الخصمين لصاحبه : لأيّة علّة قلت بهذا المذهب ، ولأيّ دليل اعتقدته ؛ من حيث كانت الأدلّة تدعو إلى اعتقاد المذهب على وجه صحيح حسن ، والشبه تدعو لا على وجه صحيح. وعلى هذا الوجه وصف الفقهاء ما يتعلّق الحكم به من الأوصاف علّة ، لأنّها عندهم سبب الحكم ، والوجه في حسن اعتقاده. واصطلاح بعض المتكلّمين في العلّة على أنّها السبب الموجب ، واصطلاح بعضهم على أنّهم التي توجب حالا لما تختصّ به من الموجدات ، ليس بجار على طريقة اللغة ، وإنّما اصطلحوا عليه لأغراض لهم فيه ؛ كما اصطلحوا في الترك والمتروك على شرائط لا تفيدها اللغة ، وذلك يؤثّر فيما قدّمناه. وكل اسم جرى من المتكلّم على جهة الاصطلاح فإنّه لا يحرّم استعمالها في اللغة على ما كانت عليه. ويفارق الأسماء الشرعيّة في هذا الباب ؛ لأنّها تتضمّن الحكم بوجوب استعمالها فيما وضعت له شرعا ، وذلك بنقلها عن بابها ، وليس كذلك ما فعله فريق من الناس بالاصطلاح ؛ لأنّ ذلك بمنزلة تعارف مخصوص من فرقة في بعض الألفاظ ، في أنّه لا ينقلها عن بابها في اللغة ، فلذلك قلنا : إنّ اللغوي يصحّ له أن يستعمل لفظة الجوهر والعرض فيما وضع له في اللغة ، وإن جعلناه بالاصطلاح لما نذهب إليه في حدّ الجوهر والعرض ، ولا يمتنع في الاسم إذا وقع الاصطلاح عليه في شيء مخصوص أن يستعمل على غير ذلك الوجه على طريقه في

٨٠٢

اللغة ؛ لأنّ الأسماء تختلف فوائدها بالقرائن والإضافة ؛ ولذلك قال شيوخنا : إنّ قولنا : مؤمن مقيّدا يستعمل على طريقة اللغة ، وإن كان على جهة الإطلاق منقولا عن بابه ، فلا يجب في إطلاق العلّة ، إذا أفاد بالاصطلاح ما أوجب حالا لغيره أن يفيد ذلك إذا قرن بالفاعل المختار ، بل يجب (عند) إضافته إلى الفاعل أن يستعمل على الوجه الذي وضع في اللغة له ، فلذلك فرّقنا بين اصطلاح المتكلّمين في العلّة واصطلاح الفقهاء ، بل فرّقنا بين أن يذكر في المعاني الموجبة ، وبين أن يذكر في الإمامة إذا قيل ؛ لأنّه علّة يختار المفضول دون الفاضل. وكل ذلك يبيّن أنّ هذه العبارة لا تجري على طريقة واحدة ، وأنّ الحال فيها مختلف. فإذا صحّت هذه الجملة لم يمتنع أن يقول : إنّ الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلّة ، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق ، فيبطل على هذه الوجه قول من قال : إنّه تعالى خلق الخلق لا لعلّة ، لما فيه من إيهام أنّه خلقهم عبثا ، لا لوجه تقتضيه الحكمة ، بما لا نهاية له (ق ، غ ١١ ، ٩١ ، ٨)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم لغيرها وأنّ ذلك الغير لا يجوز أن يختصّ بمثل صفتها ، ولا أن يختصّ بمثل صفته ، وأوضحنا ذلك بالمتحرّك فلا وجه لإعادته (ق ، غ ١١ ، ٣٥٦ ، ١٣)

ـ إنّ العلّة في الشرعيّات تجري مجرى الدواعي ، وما يكشف عن كون الفعل لطفا ، فيجب أن تجري هذا المجرى (ق ، غ ١٧ ، ٣٣٠ ، ١٤)

ـ فرق بين العلّة والسبب بأشياء : منها أنّ العلّة لا يجب تكرّرها ، والسبب قد يجب تكرّره. ولهذا كان الإقرار سببا للحدّ ، لأنّه يتكرّر. ومنها أنّ العلّة تختصّ المعلّل ، والسبب لا يختصّه ، كزوال الشمس الذي هو سبب الصلاة. ومنها أنّ السبب يشترك فيه جماعة ، ولا يشتركون في حكمه ، كزوال الشمس يشترك فيه الحائض والطاهر ، ولا يشتركون في وجوب الصلاة. وليس يشتركون في العلّة إلّا ويشتركون في حكمها (ب ، م ، ٨٨٩ ، ٨)

ـ أمّا إذا كان تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار لا يجب فكيف ولو كان تأثير القادر في المقدور على سبيل الإيجاب لخرج القادر من أن يكون قادرا ، ولخرجت العلّة من أن يكون لها تأثير أيضا ، لأنّ العلّة أيضا فعل من أفعال القادر ؛ فإذا لم يكن للقادر تأثير فكيف يكون للعلة تأثير ، مع أنّها فعل من أفعاله!؟ (ن ، د ، ٣٠ ، ٥)

ـ العلّة ليست بأكثر من أن يكون بوجودها وجود الحكم وبزوالها زوال الحكم ، ولا يكون هناك ما تعليق الحكم به أولى (ن ، د ، ٣٧ ، ٤)

ـ إنّ العلّة إذا شاركت المعلول فيما له ولأجله يحتاج المعلول إلى العلّة ، وجب أن تشاركه في الاحتياج إلى علّة (ن ، د ، ٥٣ ، ٨)

ـ من حق العلّة أن تكون الصفة الصادرة عنها مقصورة عليها ، وتعلّق الصفة بالفاعل ، مع أنّها موجبة عن العلّة ، يخرجها من أن تكون مقصورة عليها ـ وقد علمنا أنّ صفة الوجود تتعلّق بالفاعل تعلّق احتياج ، من حيث أنها شاركت تصرفنا في باب الحدوث ، وتصرفنا إنّما يحتاج إلينا في باب الحدوث ، فكذلك حدوث الجوهر ، وحيث يكون تعلّقه بالقديم تعلّق احتياج فذلك يمنع من كونه موجبا عن علّة ، كما أنّ كونه موجبا عن علّة يمنع من تعلقه بالقادر ، لأنّ الجمع بين هذه يؤدّي إلى أن تكون الصفة حاصلة غير حاصلة (ن ، د ،

٨٠٣

٥٣ ، ١٢)

ـ إنّ العلّة لا توجب الحكم للمعلول إلّا إذا اختصت به غاية الاختصاص ، وغاية الاختصاص إنّما تكون بطريقة الحلول إذا كان المعلول مما يصحّ الحلول فيه. فلو كان وجود الجوهر لعلّة ، لما كانت تلك العلّة تختصّ به إلّا بعد أن تحلّ فيه ، ولا يصح أن تحلّ فيه إلّا بعد أن يوجد الجوهر ، فيكون وجودها محتاجا إلى وجود الجوهر (ن ، د ، ٥٣ ، ١٩)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب ما توجيه من الحكم لما هو عليه في ذاته إذا حصل الاختصاص مع ما يوجب فيه الحكم ، إما الحلول فيه أو في بعضه أو لوجوده في محل ، وذلك مما لا مدخل لاختيار الفاعل فيه (ن ، د ، ٨٣ ، ٩)

ـ إنّ العلّة تأثيرها في الأحكام والصفات دون الذوات (ن ، د ، ٨٤ ، ٤)

ـ إنّ العلّة لا توجب الحكم للمعلول إلّا مع غاية الاختصاص ، وذلك لا يتمّ إلّا إذا كان المعلول موجودا (ن ، د ، ١٥٧ ، ٥)

ـ إنّ السبب من حقه أن يوجد فيعرض عارض يمنعه من التوليد ، والعلّة لا تخرج من الإيجاب مع الوجود (ن ، د ، ١٥٩ ، ٣)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم لما هي عليه في ذاتها ، فلا تقف على شرط منفصل (ن ، د ، ١٧٢ ، ١٠)

ـ إنّ العلّة توجب ما توجبه من الحكم على الحدّ الذي تجب الصفة للموجود ، كالتحيّز في الجوهر والهيئة في السواد. فكما أنّ تلك الصفة الواجبة للموجود لا تقف على شرط منفصل ، لأن تجويز وقوفها على شرط منفصل يمنع كونها مقتضاة عن صفة الذات ، فكذلك حكم العلّة وجب أن لا يقف على شرط منفصل ، لأنّ وقوفه على شرط منفصل يمنع من كونه موجبا على علّة ، لما بيّنا (ن ، د ، ١٧٧ ، ١)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم لما هي عليه في ذاتها ، فمن المحال أن توجب في حال صفة وتحيلها في حالة أخرى وتوجب ضدّها (ن ، د ، ٣٠٣ ، ٤)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم للموجود ، فلا بدّ من أن تختصّ به لتكون بإيجاب الحكم له أولى من غيره. وليس كذلك السبب ، فإنّه لمّا كان لا يولّد إلّا ما هو معدوم لا يراعى في ذلك الاختصاص (ن ، د ، ٣٩٩ ، ١٨)

ـ إنّ العلّة قد ثبت بالدليل أنّها لا توجب الصفة إلّا للغير ، ولا تكون علّة إلّا إذا كانت كذلك ، وبهذا الحكم تبيّن عما ليس بعلّة ، إلّا أنّه لا بدّ فيها من الاختصاص بما الذي توجب الحكم له ، ثم الاختصاص قد يكون بالاشتراك في كيفية الوجود ، وقد يكون بالحلول في المحل ، وقد يكون بالحلول في بعض الجملة. وعلى الأحوال كلها فما يصدر عن العلّة لا يصحّ أن يقال إنّه يرجع إلى ما ترجع إليه العلّة. أو لا ترى أن العلّة إذا أوجبت الحكم لمحلّها كالحركة ، فإنّه لا يصحّ أن يقال إنّ الحكم الذي هو كون الجسم متحرّكا ، لمّا كان راجعا إلى الجوهر ، لم يكن غيرا له؟ ولو كان يرجع إليه لما كان غيرا له ؛ ككونه متحرّكا لمّا كان راجعا إلى الجوهر لم يكن غيرا له (ن ، د ، ٤٨٨ ، ٨)

ـ إنّ الاقتضاء قد يذكر ويراد به اقتضاء الدلالة ، ككونه قادرا ، فإنّه يقتضي كونه موجودا ؛ ويراد به أيضا اقتضاء الإيجاب ، كاقتضاء كونه حيّا لصحّة أن يعلم ويقدر ، واقتضاء كونه جوهرا

٨٠٤

لكونه متحيّزا. فالأول بحسب ما تقوم الدلالة عليه ، والثاني لا بدّ في المقتضى أن يرجع إلى ما يرجع إليه المقتضي. وذلك لأنّه لو رجع تأثيره إلى بعضه ، والبعض في حكم الغير للجملة ، لم يكن تأثير الاقتضاء بل تأثير العلة ؛ لأنّ الفرق بين المقتضى والمقتضي وبين العلّة وحكمها أنّ تأثير المقتضي يكون في نفسه وتأثير العلّة يكون في الغير (ن ، د ، ٥٣٧ ، ٧)

ـ لا بدّ في العلّة من أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص (ن ، د ، ٥٣٩ ، ١١)

ـ إنّ العلّة في إيجابها لغيرها لا تقف على شرط. على أنّ الموجب عن العلّة ، لا يكون لأمر يرجع إلى ذات العلّة ، والوجود بالحدوث لا بدّ من أن يتعلّق بكون بالفاعل (ن ، م ، ٢٢٦ ، ٥)

ـ إنّ العلّة لا توجب إلّا إذا حصلت مختصّة ، ولا يحصل الاختصاص بالمعلول ، إلّا إذا حصل المعلول موجودا (ن ، م ، ٢٢٦ ، ٨)

ـ العلّة توجب إمّا الفعل أو الترك ، وهو تعالى يفعل ولا يفعل ، فصحّ بذلك أنّه لا علّة لفعله أصلا ولا لتركه البتّة (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ٤)

ـ العلّة لا تختصّ بمعلولها إلّا إذا وجد المعلول أولا ، فكيف يترتّب وجوده على وجود العلّة. على أنّه كان يصحّ أن يوجب إلّا جنسا مخصوصا ، لأنّ العلّة لا توجب الشيء وضدّه (أ ، ت ، ١٣٠ ، ١٦)

ـ العلّة لا توجب الصفة وما يضادّها ، والضدّ ينفي الشيء وما يضادّه ، فكيف يكون الضدّ علّة (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ٨)

ـ إذا كان من حق العلّة أن يثبت الحكم بثباتها ويزول بزوالها ، فيجب إذا أثّر تأثير العلل في انتفاء الضدّ ، أن يكون متى زال يعود الأول موجودا لزوال العدم لزوال ما أثر فيه. وإذا بطل عدمه عادت صفة الوجود ، لأنّه لا واسطة بينهما. وبعد ، فالعلل تتزايد أحكامها بتزايدها ، فيجب ، إذا انتفى الجزء الواحد بأجزاء كثيرة ، أن يتزايد الانتفاء ، وذلك محال. فصحّ بهذه الجملة أنّه ليس بعلّة. وإذا لم يكن علّة فهو شرط (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ١٠)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الصفة لما يصحّ حصوله على تلك الصفة. فأمّا إذا استحالت تلك الصفة عليه ، استحال إيجاب العلّة لها (أ ، ت ، ٤٤٦ ، ١٥)

ـ العلّة الواحدة يجوز أن يصدر عنها أكثر من معلول واحد عندنا خلافا للفلاسفة والمعتزلة. لنا أنّ الجسميّة تقتضي الحصول في المكان وقبول الأعراض (ف ، م ، ١٠٨ ، ٥)

ـ قلنا : العلّة الإمكان ، والتعلّق المعدوم تنجّزي وهو حادث (خ ، ل ، ٨٠ ، ٣)

ـ العلّة : لغة عبارة عن معنى يحلّ بالمحلّ فيتغيّر به حال المحل بلا اختيار ، ومنه يسمّى المرض علّة لأنّه بحلوله يتغيّر حال الشخص من القوة إلى الضعف ، وشريعة عبارة عمّا يجب الحكم به معه. والعلّة في العروض التغيير في الأجزاء الثمانية إذا كان في العروض والضرب (ج ، ت ، ١٩٩ ، ٨)

ـ العلّة : هي ما يتوقّف عليه وجود الشيء ويكون خارجا مؤثّرا فيه (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٢)

ـ لا مؤثّر حقيقة إلّا الفاعل. المعتزلة والفلاسفة وغيرهم : بل العلّة والسبب وما يجري مجراهما ، وهو الشرط والداعي. البهشميّة وغيرهم : والمقتضي. والعلّة عندهم ذات موجبة لصفة أو حكم ، وشرطها أن لا يتقدّم ما أوجبته وجودا بل رتبة ، وشرط الذي أوجبته

٨٠٥

أن لا يختلف عنها. والسبب عندهم ذات موجبة لذات أخرى ، كالنظر الموجب للعلم. والشرط عندهم ما يترتّب صحّة غيره عليه ، أو صحّة ما يجري مجرى الغير ، وهو نحو الوجود ، فإنّه شرط في تأثير المؤثّرات ، وشرطه أن لا يكون مؤثّرا (بالكسر) في وجود المؤثّر (بالفتح) (ق ، س ، ٦٠ ، ٢)

علّة الاحتياج

ـ علّة الاحتياج ضروريّة اللزوم له (خ ، ل ، ٦١ ، ٧)

علّة اختيار

ـ قال بعضهم : العلّة علّتان ، فعلّة مع المعلول وعلّة قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار مع المعلول ، وعلّة الاختيار قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم إذا ضربت إنسانا فألم ، فالألم مع الضرب وهو الاضطرار ، وكذلك إذا دفعت حجرا فذهب فالدفع علّة للذهاب والذهاب ضرورة وهي معه ، وقالوا : الأمر علّة الاختيار وهو قبله والعلّة (؟) علّة الفعل وهي قبله (ش ، ق ، ٣٨٩ ، ٦)

علّة استحالة إعادة مقدوراتنا

ـ إذا ثبت أنّ العلّة التي لها استحالت الإعادة على مقدوراتنا الباقية ما تقدّم ذكره من اختصاص القدرة بأنّها يجب ألّا تتعلّق في كل وقت إلّا بمقدور واحد من جنس واحد فيجب أن يكون هذا الحكم مقصورا عليها. وليس كذلك حال القديم ـ تعالى ـ ؛ لأنّه يقدر في كل وقت على ما لا نهاية له ، فما أوجب استحالة الإعادة في مقدور العبد فليس بحاصل في مقدوره سبحانه ، فيجب أن يصحّ أن يعيده ، وألّا يفترق الحال بين ما يختصّ هو بالقدرة عليه ـ عزوجل ـ وبين ما يقدر على مثله لأنّ العلّة فيهما جميعا ما تقدّم ذكره من أنّ الشيء إذا لم يختصّ في صحّة الوجود بحال دون حال ، ولا القادر عليه في كونه قادرا يختصّ بوقت فيجب أن يصحّ منه الإعادة. وقد بيّنا أنّ الذي أوجب خروج القادر منّا من أن يكون قادرا على الشيء بتقضي وقته اختصاص القدرة بأنّها تتعلّق بجزء واحد وأنّ القديم ـ سبحانه ـ إذا لم يكن هذا حاله فيجب ألّا يخرج من كونه قادرا على الشيء إلّا بوجوده فقط إذا كان ذلك الشيء ممّا يصحّ البقاء عليه. وقد بيّنا أنّه لا يجب من حيث لم يختلف حال فعله وفعلنا إذا لم يصحّ البقاء عليه في باب الإعادة ألّا يختلف حال ما يبقى من مقدوراته ـ سبحانه ـ ومقدوراتنا ؛ لأنّ العلّة فيه (أنّ) المقدور في نفسه يستحيل أن يوجد إلّا في وقت واحد ، وذلك ممّا يرجع إلى نفس الفعل لا إلى حال الفاعل ؛ فوجب ألّا يختلف حال الفاعلين ، وليس كذلك ما يبقى ؛ لأنّا قد بيّنا أن مالا لا يجوز إعادته من مقدورنا يختصّ الواحد منّا ، فلا يمتنع أن يخالف حالنا فيه حاله ـ تعالى ـ وأن تكون كل مقدوراته الباقية متّفقة في أن الإعادة تجوز عليها ، من حيث ثبت قادرا لنفسه ، وصحّ أنّه لا يختصّ في كونه قادرا على الشيء بوقت دون وقت ، والشيء في نفسه يصحّ وجوده في كل حال على طريق البقاء وعلى طريق الإحداث (ق ، غ ١١ ، ٤٦١ ، ١٤)

علّة الاضطرار

ـ قال بعضهم : العلّة علّتان ، فعلّة مع المعلول وعلّة قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار مع

٨٠٦

المعلول ، وعلّة الاختيار قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم إذا ضربت إنسانا فألم ، فالألم مع الضرب وهو الاضطرار ، وكذلك إذا دفعت حجرا فذهب فالدفع علّة للذهاب والذهاب ضرورة وهي معه ، وقالوا : الأمر علّة الاختيار وهو قبله والعلّة (؟) علّة الفعل وهي قبله (ش ، ق ، ٣٨٩ ، ٣)

علّة تامة

ـ العلّة التامة : ما يجب وجود المعلول عندها ، وقيل العلّة التامة جملة ما يتوقّف عليه وجود الشيء ، وقيل هي تمام ما يتوقّف عليه وجود الشيء بمعنى أنّه لا يكون وراءه شيء يتوقّف عليه (ج ، ت ، ١٩٩ ، ٢١)

علّة حسن التكليف ـ قالت المعتزلة علّة حسن التكليف التعويض لاستحقاق التعظيم ، فإنّ التفضّل بالتعظيم قبيح. وهذا عندنا باطل لأنّه بناء على الحسن والقبح والوجوب على الله تعالى ، وبعد تسليمه فلا نسلّم أنّ التفضّل بالتعظيم قبيح محال يستحيل عليه النفع والضرر ، وبتقدير تسليمه ، فاستحقاق التعظيم لا يتوقّف على التكليف بالأفعال الشاقّة ، بدليل أنّ التلفّظ بكلمة الشهادة أسهل من الجهاد والصوم ، مع أنّ المستحقّ به أعظم ، فلو كان المقصود استحقاق التعظيم لكان من الواجب أن يزيد الله تعالى في قوّتنا ثم يكلّفنا بما لا يشقّ عليها ليحصل الاستحقاق من غير المشقّة (ف ، م ، ١٥٥ ، ١٣)

علّة حسن التكليف

ـ علّة حسن التكليف ، عند المعتزلة ، التعريض لاستحقاق الثواب والتعظيم ، وهو باطل لبطلان الحسن والقبح والوجوب ؛ ولو سلّم فالتفضّل بهما حسن ؛ ولو سلّم فتكفي في الاستحقاق والأفعال الخفيفة لأنّ كلمة الشهادة ـ أسهل من الجهاد ـ وثوابه أعظم ، فكان يجب أن يزيد الله ـ تعالى ـ في قوّتنا ويكلّفنا بما لا يشقّ (خ ، ل ، ١١٤ ، ٢١)

علّة خلق العالم

ـ إنّ القصد إلى الإضرار بالحيوان من غير استحقاق ولا منفعة يوصل إليها بالمضرّة قبيح ، تعالى الله عنه ، فثبت أنّه سبحانه إنّما خلق الحيوان لنفعه ، وأمّا غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان لكان خلقه عبثا ، والباري تعالى لا يجوز عليه العبث ، فإذا جميع ما في العالم إنّما خلقه لينفع به الحيوان ، فهذا هو الكلام في علّة خلق العالم (أ ، ش ١ ، ٤٧٥ ، ٤)

علّة شرعية

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ العلّة العقلية موجبة للحكم لا يصحّ تبدّل الحكم عليها ، وإنّ (العلّة) الشرعيّة أمارات وعلامات وليست بعلل على الحقيقة إلّا على معنى أنّها دلالات ، ولذلك لا يشترط فيها العكس وإن اشترط فيها الطرد والجريان (أ ، م ، ٣٠٤ ، ٢٣)

ـ أمّا العلّة الشرعيّة فتأثيرها أن يعلم بالدليل أو الأمارة أنّ الحكم بها يتعلّق ، أو بأن يتعلّق الحكم بها أولى من غيرها ؛ فتوصف بذلك (ق ، غ ١٧ ، ٣٣٠ ، ٩)

٨٠٧

علّة الشيء

ـ علّة الشيء : ما يتوقّف عليه ذلك الشيء وهي قسمان : الأوّل ما يتقوّم به الماهيّة من أجزائها ، ويسمّى علّة الماهيّة. والثاني ما يتوقّف عليه اتّصاف الماهية المتقوّمة بأجزائها بالوجود الخارجيّ ويسمّى علّة الوجود. وعلّة الماهية إما أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلّة المادية ، وإمّا أن يجب بها وجوده وهي العلّة الصورية. وعلّة الوجود إمّا أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثّرا في المعلول موجدا له ، وهي العلّة الفاعلية أولا ، وحينئذ إمّا أن يكون المعلول لأجلها ، وهي العلّة الغائية أولا ، وهي الشرط إن كان وجوديّا ، وارتفاع الموانع إن كان عدميّا (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٣)

علّة عقلية

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ العلّة العقليّة موجبة للحكم لا يصحّ تبدّل الحكم عليها ، وإنّ (العلّة) الشرعيّة أمارات وعلامات وليست بعلل على الحقيقة إلّا على معنى أنّها دلالات ، ولذلك لا يشترط فيها العكس وإن اشترط فيها الطرد والجريان (أ ، م ، ٣٠٤ ، ٢٣)

ـ العلّة العقلية يجوز أن يتوقّف إيجابها لأثرها على شرط منفصل خلافا لأصحابنا. لنا أنّ الجوهر يوجب قبول الأعراض بأسرها ، لكن صحّة كل عرض مشروط بانتفاء ضدّه عن المحلّ (ف ، م ، ١٠٨ ، ١٩)

ـ العلّة العقليّة يجوز أن تكون مركّبة عندنا خلافا لأصحابنا. لنا أنّ العلم بكل واحد من المقدّمتين لا يستلزم العلم بالنتيجة ، والعلم بهما يوجب العلم بالنتيجة ، وكذا كل واحد من آحاد العشرة لا يوجب صفة العشريّة ، ومجموع تلك الآحاد يوجب العشريّة (ف ، م ، ١٠٨ ، ٢٢)

علّة فعل الله

ـ من فعل فعلا لغير علّة فهو عابث ، فظنّوا أن لا يجوز لله أن يبتدأ فعل ضرر بأحد ، وأنّ ذلك يزيل الحكمة عنه ، فألزموه في كل فعل يفعله الأصلح لغيره في الدين والأحسن لغيره في العاقبة ؛ إذ هو متعال عن قول ينفعه أو عن أن يضرّه شيء ، فلم يروا له الفعل إلّا بما ينفع غيره ، أو يدفع به الضرر عن غيره ، فيكون ذلك أيضا علّة فعله ، على ما كان علة فعل كل حكيم منّا ، ما تأمّل من نفع عاجل أو آجل أو دفع [ضرر] لزم به ، فيجرّ بذلك حسن الثناء مع جزيل الثواب. وضربوا لتقدير فعله بفعل غيره مثلا بما لا يجوز أن يكون منه الكذب أو الجور ، أو يكون منه الحركة [من] غير زوال ، أو السكون [من] غير قرار ، فثبت أنّ تقدير فعله على فعل الحكماء في الشاهد لازم ، إلّا أنّهم دفعوا عنه الارتفاع بالفعل ، والانحطاط بترك فعل ما ، فأوجبوا بذلك أنّه بفعله لا يجرّ إلى نفسه النفع ولا يدفع عنها الضرر ، فيجب أن يكون فعله لحكمة بما ينفع غيره أو يدفع عن غيره الضرر ، وجعلوا ذلك علّة فعله ؛ ليخرج عندهم فعله عن معنى العبث (م ، ح ، ٢١٦ ، ١)

علّة في الشاهد والغائب

ـ إذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا

٨٠٨

غائبا. ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا (أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى غير ذلك من الصفات ، والعلّة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ، غ ، ٤٥ ، ١٣)

علّة الماهية

ـ علّة الشيء : ما يتوقّف عليه ذلك الشيء وهي قسمان : الأوّل ما يتقوّم به الماهية من أجزائها ، ويسمّى علّة الماهيّة. والثاني ما يتوقّف عليه اتّصاف الماهية المتقوّمة بأجزائها بالوجود الخارجيّ ويسمّى علّة الوجود. وعلّة الماهية إمّا أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلّة المادية ، وإمّا أن يجب بها وجوده وهي العلّة الصورية. وعلّة الوجود إمّا أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثّرا في المعلول موجدا له ، وهي العلّة الفاعلية أوّلا ، وحينئذ إمّا أن يكون المعلول لأجلها ، وهي العلّة الغائية أولا ، وهي الشرط إن كان وجوديّا ، وارتفاع الموانع إن كان عدميّا (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٤)

علّة الوجود

ـ علّة الشيء : ما يتوقّف عليه ذلك الشيء وهي قسمان : الأوّل ما يتقوّم به الماهية من أجزائها ، ويسمّى علّة الماهية. والثاني ما يتوقّف عليه اتّصاف الماهية المتقوّمة بأجزائها بالوجود الخارجيّ ويسمّى علّة الوجود. وعلّة الماهية إمّا أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلّة المادية ، وإمّا أن يجب بها وجوده وهي العلّة الصورية. وعلّة الوجود إما أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثّرا في المعلول موجدا له ، وهي العلّة الفاعلية أولا ، وحينئذ إمّا أن يكون المعلول لأجلها ، وهي العلّة الغائية أولا ، وهي الشرط إن كان وجوديّا ، وارتفاع الموانع إن كان عدميّا (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٥)

علل

ـ العلل منها ما يتقدّم المعلول كالإرادة الموجبة وما أشبه ذلك مما يتقدّم المعلول ، وعلّة يكون معلولها معها كحركة ساقي التي أبني عليها حركتي ، وعلّة تكون بعد وهي الغرض كقول القائل : إنّما بنيت هذه السقيفة لأستظلّ بها ، والاستظلال يكون فيما بعد ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٩١ ، ١)

ـ إنّ العلل في إيجابها الحكم لا تختلف بحسب اختلاف العاملين ، ألا ترى أنّ الحركة لمّا كانت علية في كون الذات متحرّكا لم تفترق الحال بين أن تكون من قبل الله تعالى وبين أن تكون من قبل غير الله تعالى (ق ، ش ، ٣١١ ، ١٧)

ـ من شأن ما يتعلّق بالفاعل أن لا يدخله الإيجاب ، كما أنّ من شأن ما يتعلّق بالعلل أن

٨٠٩

لا تدخله طريقة الاختيار. وكل واحد من الأمرين أصل ينبغي أن يحافظ عليه (ق ، ت ٢ ، ٨٨ ، ١٦)

ـ إنّ الإرادة تقارن الجزء الأول من الخبر ، لأنّها متى وجدت كذلك صحّ أن تتناول جملة الخبر. ولو تأخّرت عن الحرف الأول لم يصحّ أن تتناول جملته ، لأنّ المقتضي لا يصحّ أن يراد ؛ فإذا ثبت ذلك وعلم أنّها تعدم إذا انقضى الحرف الأول ، فكيف تكون علّة في قبح جميعه؟ ومن حق العلل أن لا تصحّ أن تؤثّر في المعدوم ، كما لا يصحّ أن تؤثّر وهي معدومة. وإنّما صحّ لنا القول بأنّ كونه كذبا يوجب قبحه ، لأنّ ذلك مما يختصّ به جملة الحروف ، فلا يمتنع أن يقتضي قبح كل واحد منه. والقول في أنّ الصدق لا يحسن للإرادة ، كالقول في أنّ الكذب لا يقبح لها ، فلا وجه لإعادته. وكذلك القول في سائر الأفعال التي للإرادة فيها تأثير (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٥ ، ١)

ـ إنّ من حق المولّد أن لا يجوز حصوله على الوجه الذي يولّد والمحلّ محتمل والموانع زائلة إلّا ويجب أن يولّد ، كما أنّ من حق القادر إذا صحّ وجود مقدوره وارتفعت الموانع أن يصحّ الفعل منه ، ومتى امتنع الفعل منه والحال هذه علم أنّه ليس بقادر ، وكذلك إذا لم يولد الشيء غيره والحال ما قدّمناه علم أنّه ليس بسبب له ، لأنه لو صحّ كونه سببا ، وإن كان قد يولّد وقد لا يولّد والحال ما قدّمناه لم يصحّ العلم بكونه مولّدا في حال ما يولّد ، لأنّه إذا صحّ وجوده ولا يولّد فمن أين أنّه في الحال الأخرى هو المولّد دون أن يكون حادثا من مختار ، وذلك في بابه بمنزلة العلل التي لو صحّ وجودها ، ولا يوجب المعلول لم يصحّ كونها علّة ، والجهة التي منها شبّهنا المولّد بالعلّة صحيحة وإن افترقا في أنّ تلك العلّة موجبة وهذا بخلافها ، لأنّه وإن لم يكن موجبا إيجاب العلل فمتى جوّزنا والمحل محتمل والموانع زائلة ألّا يقع المسبب لم يصحّ أن يثبت له به تعلّق ولا اختصاص حتى يقال إنّه يولّد في حال أخرى ، كما لو جوّزنا وجود العلّة ولا معلول على بعض الوجود لم نعلم له بالمعلول تعلّقا ، وعلى هذه الطريقة شبّه شيوخنا رحمهم‌الله الدلالة بالعلّة وإن افترقا في الإيجاب لما علم من حال الدلالة أنّها لو وجدت على بعض الوجوه ولا مدلول لنقض كونها دلالة ، كما أنّ وجود العلّة ولا معلول يمنع من كونها علّة ، فغير ممتنع أن يشبّه المولّد بالعلل والأدلّة من الوجه الذي قدّمناه (ق ، غ ٩ ، ١٣٥ ، ٥)

ـ قد ثبت أنّ العلل إنّما توجب الصفات والأحكام سوى الوجود ، إذ قد ثبت أن الوجود في المحدثات بالفاعل ، ومعلول العلّة لا يتعلّق بالفاعل لأن إيجابها لمعلولها لما يرجع إلى ذاتها (ن ، د ، ١٥٧ ، ٢)

ـ إنّ العلل لا يجوز أن توجد لا في محل ، وأن إيجابها الحكم لمعلولاتها لا يكون بطريقة المجاورة ، كما ذهب إليه بعضهم. والدليل على أنّ العلة لا يصحّ وجودها لا في محل ، فنفرض الكلام مثلا في الاجتماع والافتراق فنقول : الاجتماع لو وجد لا في محل لم يكن بأن يجتمع به بعض الأجسام أولى من سائرها ، لأنّ حاله مع بعضها كحاله مع سائرها ؛ فكذلك الافتراق لفقد الاختصاص. وهذا يوجب أن تكون الأجسام : إمّا مجتمعة لا مفترق فيها ، وإمّا مفترقة لا مجتمع فيها. وفي علمنا أنّ الأجسام بعضها مجتمع وبعضها مفترق (ن ، د ،

٨١٠

١٦٩ ، ١٧)

ـ إنّ العلل لا يجوز أو توجب وجود الذوات (ن ، م ، ٨١ ، ٢٤)

ـ إنّ العلل لا توجب الذوات وإنّما توجب الأحكام لها (ن ، م ، ١٧١ ، ١٤)

ـ إنّ العلل لا توجب الذوات ، وإنّما توجب الأحوال لها (ن ، م ، ٢٢٦ ، ٢)

علل شرعية

ـ القياس الشرعيّ لا يخالف القياس العقليّ ، إلّا أنّ العلل في القياس العقليّ تكون موجبة ومؤثّرة ، كما أنّ حكمنا كالموجب ، وليس كذلك العلل الشرعيّة ؛ لأنّه لا يجوز في العلل أن تكون موجبة ؛ والحكم يتبع المصلحة ، والاختيار ، فكل واحد منهما تحصل عليه في موضوعه مطابقة لحكمه ، لأنّه متى لم تحصل كذلك تناقض ؛ وهذا بيّن في الشاهد ، لأنّا لو قلنا : إنّ كون العالم منّا عالما : لمعنى يجري مجرى الدواعي ، لتناقض كما لو قلنا : إنّ اختيار الآكل الحموضة على الحلاوة لعلّة موجبة ، لتناقض ؛ وقد علمنا أنّ الأحكام الشرعيّة موضوعها المصالح والألطاف ؛ ولهما تعلّق كالدواعي ، ولعللهما مدخل في هذا الباب ؛ فلا يجوز في علّتهما أن تجري مجرى العلل العقلية إلى الأمور المؤثّرة فيها ، ولا توجب مفارقة أحدهما الآخر بينهما اختلافا ، في صورة القياس وطريقته ، كما لا يجب إذا استعملنا القياس في الأسماء ونظرنا في علّة وضعها أن تكون الطريقة مخالفة لطريقة القياس في العقل ، وإن كان لا مدخل له في طريقة الإيجاب ، ومتى أجرى كل ذلك على حدّ واحد انتقض ؛ لأنّا لو قلنا : إنّ إيجاب العلّة في حكمها كإيجاب السبب للمسبّب ؛ أو قلنا : إنّ إيجاب السبب للمسبّب يجري مجرى وقوع الفعل ابتداء عن القادر ؛ أو قلنا : إنّ ذلك يجري مجرى إثبات الفعل للدواعي وللحاجة ؛ أو قلنا : إنّ ذلك يجري مجرى تعلّق بعض الأمور ببعض ، على طريق العادة ، لا تنقض ترتيب العقول ، عمّا ترتّبت عليه فلا بدّ من تقدّم علمنا لبعض العلل على ما يقتضيه الدليل ويكون الفرع فيه تابعا لأصله (ق ، غ ١٧ ، ٢٨٢ ، ٥)

علم

ـ قال الماجن (ابن الروندي) : وأمّا الأسواري فإنّه زعم أنّ الله إذا علم أنّه يكوّن شيئا أو أخبر أنّه يكوّنه لم يجز في قدرته أن لا يفعله. فإذا قيل له : أفليس الله قد أخبر بدوام أفعاله في الآخرة؟ قال : بلى! فإذا قيل له : أفيقدر الله ألا يديمها وأن يقطعها حتى يبقى وحده كما كان وحده؟ قال : هذا محال : وهذا خطأ عن علي الأسواري وكذب عليه ، وقوله المعروف الذي حاول هذا الجاهل حكايته فأخطأ فيها هو أنّك إذا قرنت القول بأنّ الله قد أخبر أنّ الله يكوّن شيئا مع القول بأنّه يقدر ألا يكوّنه أحال القول بذلك. فأمّا إذا أفردت أحد القولين من الآخر لم يحل واحدا منهما. فأمّا أن تزعم أنّه لا يجوز في قدرة الله أن يفعل ما حكى عنه صاحب الكتاب فخطأ عليه (خ ، ن ، ٢٣ ، ٢٢)

ـ قال (ابن الروندي) : وكان يزعم أنّ الله لا يعلم الأشياء قبل كونها ويخطّئ من قال بذلك. يقال له : إنك أوهمت عن هشام هذا القول أنّه كان يقول : إنّ الله غير عالم ثم علم ، حسب ما كان هشام بن الحكم يقوله. والقول بذلك كفر عند

٨١١

هشام الفوطي. وقوله أنّ الله لم يزل عالما لنفسه لا بعلم سواه قديم على ما قال أصحاب الصفات ، ولا بعلم محدث على ما قاله هشام بن الحكم وأصحابه من مشبّهة الرافضة. وإنّما خلاف هشام الفوطي في هذا الموضع خلاف في الأسماء المعلومات : هل هي أشياء قبل كونها أم ليست بأشياء؟ فأما في الله جلّ ذكره :

هل هو عالم أم ليس بعالم؟ فلا. وهو يزعم أنّ الله لم يزل عالما بأنّه سيخلق الدنيا ثم يفنيها ثم يعيد أهلها (خ ، ن ، ٤٩ ، ٢٣)

ـ قال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٣)

ـ من الروافض من يقول : معنى أن الله يعلم معنى أنّه يفعل ، فإن قيل لهم فلم يزل عالما بنفسه؟ قال بعضهم : لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لأنّه قد كان ولمّا يفعل ، وقال بعضهم : لم يزل يعلم نفسه ، فإن قيل لهم : فلم يزل يفعل؟ قالوا : نعم ولم يقولوا بقدم الفعل (ش ، ق ، ٢٢٠ ، ١٠)

ـ حكي عن" هشام بن الحكم" أنّه قال إنّ العلم صفة لله وليس هي هو ولا غيره ولا بعضه ، وأنّه لا يجوز أن يقال [له] محدث ولا يقال له قديم ، لأنّ الصفة لا توصف عنده ، وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والإرادة والحياة وسائر ذلك أنّها لا هي الله ولا هي غيره ولا هي قديمة ولا محدثة (ش ، ق ، ٢٢٢ ، ١)

ـ معنى يعلم هو معنى يفعل (ش ، ق ، ٤٩٠ ، ٥)

ـ العلم صفة لله سبحانه في ذاته وأنّه عالم في نفسه غير أنّه لا يوصف بأنّه عالم حتى يكون الشيء ، فإذا كان قيل عالم به ، وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنّه عالم به ، لأنّ الشيء ليس ، وليس يصحّ العلم بما ليس ، وهذا قول يحكى عن" السكّاكية" (ش ، ق ، ٤٩٠ ، ١٠)

ـ لم يزل الله عالما ، والعلم صفة له في ذاته ، ولا يوصف بأنّه عالم بالشيء حتى يكون (ش ، ق ، ٤٩٠ ، ١٤)

ـ كان (الجبائي) لا يسمّي العلم علما قبل كونه لأنّه اعتقاد الشيء على ما هو به بضرورة أو بدليل (ش ، ق ، ٥٢٣ ، ١٣)

ـ الدليل على أنّ لله تعالى قدرة وحياة كالدليل على أنّ لله تعالى علما (ش ، ل ، ١٣ ، ١٨)

ـ قال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ١ ـ ٢ ـ ٣) ففرّق بين الإنسان وبين القرآن ، فقال : علّم ، خلق ، فجعل يعيدها ، علّم ، خلق ، أي فرّق بينهما (ش ، ب ، ٧٠ ، ٢)

ـ أجمع المسلمون قبل حدوث الجهمية والمعتزلة والحرورية ـ على أنّ لله علما لم يزل ، وقد قالوا : علم الله لم يزل ، وعلم الله سابق في الأشياء ، ولا يمنعون أن يقولوا في كل حادثة تحدث ، ونازلة تنزل : كل هذا سابق في علم الله ، فمن جحد أنّ لله علما ، فقد خالف المسلمين ، وخرج عن اتفاقهم (ش ، ب ، ١٠٩ ، ٨)

ـ قالوا (المعتزلة) : لا يجوز أن يكون علم الله محدثا لأنّ ذلك يقتضي أن يكون حدث بعلم آخر ، كذلك لا إلى غاية (ش ، ب ، ١٢٠ ، ١)

٨١٢

ـ إنّ العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلّا بالاستدلال ، وقد أظهر به ما يستدل من أحوال نفسه التى عليها مداره ، مع ما بيّنا أنّ الضرورة تبعثه على النظر وتدفعه إلى الفكر فيما يرى من أحواله وأعضائه ومنافعه ومضارّه التي في الجهل بها عطبه وفي العلم بها صلاحه ، وفي صلاحه بها على علمه بأنّه لم يكن دبّر ما ذكرت من أحوال تضطرّه إلى معرفته ومن قام هو به (م ، ح ، ١٣٧ ، ١٤)

ـ العلم على وجهين : على الظاهر البيّن والخفي المستور ليتفاضل بذلك أولو العقل على قدر تفاضلهم في الاجتهاد واحتمال ما كرهته الطباع ونفرت عنه النفس ، وعلى ذلك جعل سبيله قسمين : أحدهما العيان الذي هو أخصّ الأسباب ، وهو الذي ليس معه جهل ، ليكون أصلا لما خفي منه ، والثاني السمع الذي عن دلالة الأعيان يعرف صدقه وكذبه. ثم جعل السمع قسمين : محكم ومتشابه ومفسّر ومبهم ، ليبيّن منتهى المعارف من الكفّ فيما يجب ذلك والإقدام فيما يلزمه ، ومن حمل المبهم على المفسّر ، لزم المحكم وعرض المتشابه عليه ما أمكن أن يكون ما فيه مما يلزم تعرّفه ومما إليه حاجة بأهل المحنة ، أو ترك الخوض في ذلك فيما أمكن الغنى عن تعرّف حقيقة ما فيه ، فيكون محنة الوقوف (م ، ح ، ٢٢٢ ، ٦)

ـ اعلم أنّ المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ، والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٣)

ـ فإن قال قائل : ما حدّ العلم عندكم؟ قلنا : حدّه أنّه معرفة المعلوم على ما هو به. والدليل عن ذلك أنّ هذا الحدّ يحصره على معناه ولا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه شيئا هو منه. والحدّ إذا أحاط بالمحدود على هذه السبيل وجب أن يكون حدا ثابتا صحيحا (ب ، ت ، ٣٤ ، ١٥)

ـ أنّ الواجب على المكلّف. ـ أن يعرف بدء الأوائل والمقدّمات التي لا يتم له النظر في معرفة الله عزوجل وحقيقة توحيده ، وما هو عليه من صفاته التي بان بها عن خلقه ، وما لأجل حصوله عليها استحق أن يعبد بالطاعة دون عباده. فأوّل ذلك القول في العلم وأحكامه ومراتبه ، وأنّ حدّه : أنّه معرفة المعلوم على ما هو به ، فكل علم معرفة وكل معرفة علم (ب ، ن ، ١٣ ، ١٩)

ـ اعلم أنّ الذي يدور عليه كلامه في ذلك وفي سائر حدود جملة المعاني شيء واحد وهو أنّه يقول : " معنى العلم وحقيقته ما به يعلم العالم المعلوم". وعلى ذلك عوّل في استدلاله على أنّ الله تعالى عالم بعلم من حيث أنّه لو كان عالما بنفسه كان نفسه علما ، لأنّ حقيقة معنى العلم ما يعلم به العالم المعلوم ، فلو كانت نفس القديم سبحانه نفسا بها يعلم المعلومات وجب أن تكون علما وفي معناه (أ ، م ، ١٠ ، ١٢)

ـ كان (الأشعري) ينكر أن يكون معنى العلم اعتقاد الشيء على ما هو به وقال إن وصف علمنا بأنّه اعتقاد مجاز ، لأنّ أصل العقد والاعتقاد إنّما يتحقّق بغير المعاني وإذا استعمل في ذلك فعلى التوسّع. ومن مذهبه أيضا أنّه لا يفرّق بين العلم والمعرفة ، وكذلك اليقين والفهم والفطنة والدراية والعقل والفقه كل ذلك عنده بمعنى العلم ، وأنّ الباري تعالى إنّما اختصّ بوصف العلم اتّباعا له في تسميته نفسه

٨١٣

بذلك من دون هذه الأسماء (أ ، م ، ١١ ، ٧)

ـ إنّ المعرفة والدراية والعلم نظائر ، ومعناها : ما يقتضي سكون النفس ، وثلج الصدر ، وطمأنينة القلب. وهذا أولى مما أورده في العمد. أنّه الاعتقاد الذي تسكن به النفس إلى أن معتقده على ما اعتقده عليه. لأنّ العلم إنّما يتبيّن عمّا عداه بما ذكرناه ، فيجب الاقتصار عليه ويحذف ما سواه (ق ، ش ، ٤٦ ، ١)

ـ إنّ العلم يجري مجرى الفعل المحكم ، لأنّه اعتقاد واقع على وجه مخصوص ، فلا يتأتّى إيقاعه على ذلك الوجه إلّا ممن هو عالم به. وهذه الدلالة مبنيّة على أصول ؛ أحدها أنّ العلم من قبيل الاعتقاد ، والثاني ، أنّه اعتقاد واقع على وجه مخصوص ، والثالث ، أنّه لا يقع على ذلك الوجه إلّا ممن هو عالم به (ق ، ش ، ١٨٨ ، ٥)

ـ أبو الهذيل ، قال : إنّ العلم جنس برأسه غير الاعتقاد (ق ، ش ، ١٨٨ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ الخبر والدلالة والعلم بمنزلة سواء في أنّها لا تؤثّر فيما تتعلّق به ، وإنّما تتناوله على ما هو عليه. ولو أثّرت فيه لوجب إذا أخبرنا ودللنا وعلمنا عن القديم تعالى وأوصافه ، أن نكون قد جعلناه على ما هو بالخبر والدلالة والعلم! وكان يجب إذا كان فعلنا يقع لأجل علمه تعالى ، ألا يكون لنا في ذلك صنع البتّة وأن يزول الذمّ والمدح. وكان لا يكون العلم بأن يوجب كون المعلوم بأولى من أن يكون المعلوم موجبا للعلم ، لأنّه كما يجب أن يكون على ما يتناوله ، فكذلك العلم بأن يكون علما لوقوع المعلوم على الحدّ الذي يتناوله. وهذا ظاهر الفساد (ق ، م ١ ، ١٧١ ، ٢)

ـ إنّ العلم من شأنه أن يتبع المعلوم لا أن يكون المعلوم تابعا له. ألا ترى أنّ العلم لو أثّر في وقوع المعلوم لم يكن ليجب في أفعالنا أن نعتبر في وقوعها الدواعي والقصود ، بل كان علم العالم بأنّها تقع مؤثّرا في وقوعها؟ وكان يجب إن كان العلم هو الذي يؤثّر في وقوع المعلوم أن يذم أحدنا لا على أنّه فعل القبيح ولكن للعلم الحاصل بأنّه فاعله. وأيضا فلو أثر العلم في المعلوم لم تفترق الحال بين بعض المعلومات وبين بعض فكان يجب فيما عليه القديم في ذاته أن يكون إنّما حصل كذلك بالعلم. وكذلك القول في سائر ما يجب للأجناس من صفاتها. وكان يجب أن يكون علمنا بما يفعله الله تعالى في الدنيا من وجوه الإحسان وفي الآخرة من أبواب الجزاء هو المؤثّر في وقوع ذلك ، فكان يزول ما يستحقّه تعالى من الشكر والعبادة. ويبيّن ذلك أنّ العلم إنّما يكون علما لتعلّقه بالمعلوم على ما هو به ، فلو صار المعلوم على ما هو به بالعلم لتعلّق كل واحد من الأمرين بصاحبه (ق ، ت ٢ ، ٨١ ، ١)

ـ إنّ تأثير العلم تأثير المصحّحات ويجوز أن يكون عالما بإيقاع الكتابة محكمة ولا يختار إيجادها كذلك ، فلا يخرجه علمه به وإن كان ضروريّا عن حدّ الاختيار (ق ، ت ٢ ، ١٥٢ ، ٢٠)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالمعلوم على ما هو به ، فليس يصير المعلوم على ما هو به بالعلم ، وإنّما يصير العلم علما لأجل تعلّقه بالمعلوم على ما هو به. وكذلك القول في الدلالة والخبر الصدق.

ولو لا أنّ الأمر كما قلناه لكان يلزم أن يكون المعلوم على ما هو عليه بالعلم يحصل كذلك ، والعلم يحصل علما لكون المعلوم على صفة مخصوصة ، فيؤدّي إلى تعلّق كل واحد من

٨١٤

الأمرين بصاحبه. وكذلك الحال في الدلالة والخبر والصدق (ق ، ت ٢ ، ٤٠٩ ، ٣)

ـ إن قيل : إذا قلتم إنّ الدواعي إلى الفعل ، متى انفردت ، وجب أن تفعل ، فقد أبطلتم القول بأنّ القادر يصحّ أن لا يختار فعل مقدوره ، وساويتم المجبّرة في قولها : إنّ الفعل يجب وجوده مع القدرة. قيل له : إنّا نقول إنّ (صحّة) الفعل يصحّ منه لكونه قادرا ، لا للداعي ، لأنّه في صحّته يفتقر إلى اختصاصه بحال يبيّن بها من غيره. ولذلك يصحّ الفعل من الساهي والنائم ، وإن لم يكن لهما إلى الفعل داع. وكذلك يصحّ أنّ يعلم فعل غيره كعلمه بفعله ، ولا يقدر إلّا على ما يصحّ أن يوجده. ولذلك يتعلّق العلم بالشيء على ما هو به ، فكيف يحصل به محدثا. فكل ذلك يبيّن أنّ الفاعل يصحّ منه الفعل لكونه قادرا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ١٦)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به. فإذا كان معدوما استحال أن يعلم موجودا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٤ ، ١٩)

ـ إنّ العلم ليس بعلم لجنسه ، وإنّما يكون كذلك متى كان معلوما على ما يتناوله. ولذلك قد يوجد الاعتقاد ، ولا يكون علما ، وقد يتعلّق بالشيء على ما ليس به. فإذا صحّ ذلك ، وكان حال العالم فيما يتعلّق به حال العلم ، لم يجز أن يعلم الشيء إلّا على ما هو به (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٥ ، ٨)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على سائر وجوهه ، وكذلك الاعتقاد والخبر. فلا يجب فيه ما ألزمناه في القدرة ، لأنّها إنّما تتعلّق بالشيء على جهة الحدوث ، ومن حق المقدور أن يكون معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٤ ، ٤)

ـ إنّ العلم يقع بحسب النظر فيجب كونه متولّدا دون ما عداه (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ١٠)

ـ أمّا العلم فإنّه يتولّد عن النظر ، وقد يجوز أن يفعله مبتدأ ، لأنّ المتنبّه من رقدته إذا تذكّر الاستدلال صحّ أن يفعل العلم ويبتدئه من غير نظر ، لأنّه لو فعله عن نظر لوجب أن يجد ذلك من نفسه ، ولوجب ألّا تحصل له في تلك الحال العلوم أجمع إلّا على الترتيب الذي حصل في الابتداء ، وقد علمنا فساد ذلك. فإذن قد ثبت أنّه يصحّ أن يفعل جنس العلم متولّدا أو مباشرا (ق ، غ ٩ ، ١٢٥ ، ١٩)

ـ لا فرق بين العلم ، وبين غالب الظنّ والاعتقاد ، في أنّه يصحّ معها أجمع أن ينظر في الشيء (ق ، غ ١٢ ، ٩ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ العلم هو المعنى الذي يقتضي سكون نفس العالم إلى ما تناوله ، وبذلك ينفصل من غيره ، وإن كان ذلك المعنى لا يختصّ بهذا الحكم إلّا إذا كان اعتقادا ، معتقده على ما هو به واقعا على وجه مخصوص. لكن هذه الصفات لمّا جاز أن يحصل عليها ولا يكون علما ، وجاز أن يشاركه فيها غيره ، وكان فيها ما لا يرجع إلى نفس العلم وإنّما يرجع إلى وجوه تعلم به ، لم يجب أن تدخل في حدّ العلم. لأنّ من حق الحدّ أن يفيد ما يبيّن به المحدود من غيره. ولذلك لا يجوز أن يحدّ اللّون بأنّه عرض وتصير للمحلّ به هيئة تشاهد بالعين عليها. ولا يجوز أن يحدّ كون العالم عالما ، بأنّه الحي الذي يختصّ بالحال التي معها قد يصحّ الفعل المحكم منه ؛ لأنّ كونه حيّا ، وإن كان لا بدّ منه ، فلا يجب إدخاله في جملة الحدّ. ولو لا أنّ الأمر كما قلناه ، لم يمتنع أن تدخل في الحدّ كل مقدّمة قد يشارك

٨١٥

المحدود فيها غيره. وبطلان ذلك ظاهر. فإذا صحّ ذلك ، فيجب أن يحدّ العلم بما قدّمناه. وهذا هو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ، رحمه‌الله (ق ، غ ١٢ ، ١٣ ، ٣)

ـ فيما ذكره شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهما‌الله ، من أنّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به. إذا دفع على وجه ، وإن اختلفا في العبارة عن ذلك ، أن يكون هذا مقصدهما. لأنّهما قد بيّنا ، في غير موضع ، أنّ الحدّ يجب أن يتناول ما به يبيّن المحدود من غيره. لكنهما لما علما أنّ المقصد بالحدّ الكشف عن الغرض ، لم يمتنع عندهما في كثير من الحدود أن يكون الأولى فيه ذكر مقدّمات له. كما أنّه لا يمتنع في كثير منها أن يضم إليه غيره مما لو حذف لاستغنى عنه ... ولذلك قالا : إنّ حدّ العالم أن يصحّ الفعل المحكم منه ، إذا كان قادرا عليه مع السلامة. وقد علمنا أنّ كونه قادرا ، وما شاكله ، لا يحتاج إليه فيما به يبيّن العالم من غيره. لكن الذي جعلوه حدّا في العالم ، لمّا كان لا يمكن إلّا في القادر ، ذكروه (ق ، غ ١٢ ، ١٣ ، ١٨)

ـ إنّما يجب أن تفسّر الحدود بما لا يقتضي فيه الجهل بالمحدود وحصره ، بأن يلزم عليه أن يدخل فيه ما ليس منه ، وأن يخرج عنه ما هو منه. فأمّا لم يلزم عليه ذلك ، وإنّما ذكر القاصد إلى ذكر الحدّ ما يظنّ أنّه ينكشف به ، فالعيب له غير لازم. فلذلك صحّ أن يحدّ شيوخنا العلم بما ذكروه ، من قولهم : إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ، مع سكون النفس الذي يختصّ به العلم ؛ وعلموا أنّ هذه العبارة لا تنكشف لكل أحد ، لم يروا الاقتصار عليها جائزا ؛ فقرنوا بها ما ذكرناه ، من أنّ العلم متى حدّ بأنّه اعتقاد الشيء على ما هو به على وجه يقتضي سكون النفس فقد جعل معلولا بعلّتين ، لا يلزم على ذلك. لأنّ الذي يجب أن يبطل فيه ، أن يعلّل الشيء بعلّة ما تتعلّق بالمعاني ؛ فأمّا ما يتعلّق بالعبارات ، فغير ممتنع ولم يقولوا : إنّه إنّما صار علما ، ومخالفا لغيره من الاعتقادات ، لهذين الوجهين (ق ، غ ١٢ ، ١٥ ، ٨)

ـ يسمّى العلم تبيّنا وتحقّقا واستبصارا ، إذا كان مستدركا بعد شك. ولذلك لا يوصف تعالى بأنّه متبيّن ، ولا يوصف الواحد منّا بأنّه تبيّن وجود نفسه ، وكون السماء فوقه ، لما كان معنى في الارتياب لا يصحّ فيه. ويوصف بأنّه فهم وفقه وفطنة ، إذا كان علما بمعنى الكلام أو ما شاكله. وعلى هذا الحدّ ، يقال ، في الإنسان :

شعر بكذا ، إذا فطن به (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ١٠)

ـ أمّا وصف العلم بأنّه عقل ، فقد بيّنا أنّ الغرض به التشبيه لعقل الناقة من وجهين. وأصل استعماله فيه مجاز ، فلذلك لم يستعمل في جميع العلوم ؛ وكذلك وصف العلم بأنّه إحاطة وإدراك. لأنّ الإنسان وإن كان يقول : أدركت معنى كلامك ، بمعنى علمته وأحطت علما بما ذكرته ؛ فذلك توسّع ، لأنّ حقيقة الإدراك ترجع إلى ما يختصّ به الحي مما يجوز على الساهي والعالم ، والإحاطة تختصّ الأجسام التي يصحّ فيها أن تحتوي على غيرها (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ٢٠)

ـ أمّا وصف العلم بأنّه وجود ، فقد قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : إنّه حقيقة فيما جرى عليه ؛ لأنّهم يصفون العارف لموضع ضالته أنّه وجدها. وقال : لهذا يجوز أن يوصف تعالى ، فيما لم يزل ، بأنّه واحد ؛ وأنّه يحدّ الأشياء ، من حيث كان عالما بها ، وإن كان قد

٨١٦

يستعمل في غير هذا الوجه أيضا (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ٧)

ـ قد اختلف الناس في حدّ العلم اختلافا متباينا. فقال بعضهم : إنّ العلم بالمعلوم هو الإحاطة به ، ومنع أن يوصف تعالى بأنّه يعلم ، من حيث لم يجز أن يحاط به. وهذا باطل ، لأنّ حقيقة الإحاطة إنّما تصحّ في الأجسام الحاوية لما يحصل وسطا لها ، والعلم وإن كان يتعلّق بالمعلوم ، فإنّه لا يختصّ به هذا الاختصاص ، ولهذا يصحّ أن يعلم به المعدوم والموجود. ولا فرق بين من قال ، في العلم : إنّه إحاطة للمعلوم ، وبين من قال مثله في الإرادة وسائر ما يتعلّق بغيره من المعاني. وقال بعضهم ، في العلم : إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ؛ وهذا بعيد. لأنّ المبخّت والمقلّد قد يعتقدان الشيء على ما هو به ، ولا يكونان عالمين. ولذلك يجدان حالهما كحال الظان والشاك (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ١٢)

ـ لا يصحّ أن يجعل العلم إثباتا للمعلوم ، لأنّه قد يعلم به المعدوم والموجود. ألا ترى أن الخبر إنّما يوصف بأنّه إثبات إذا تناول الموجود. فأمّا ما يفيد عدم الشيء ، فإنّه يوصف بأنّه نفي؟ (ق ، غ ١٢ ، ٢٠ ، ١)

ـ إنّ الذي يدلّ على العلم ، أنّ الواحد منّا يجد نفسه معتقدا للشيء ، ساكن النفس إلى ما اعتقده ، كالمدركات وغيرها. ويفصل بين حاله كذلك ، وبين كونه مبخّتا ظانّا مقلّدا. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه إنّما اختصّ بذلك لمعنى ، فيجب أن يكون ذلك المعنى هو الذي يفيده بقولنا : علم ومعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ٦)

ـ قد قال شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، في العلم : إنّه مدرك ، لو لا ذلك لما وجد الإنسان نفسه عالما. لأنّ هذا الوجود يرجع إلى إدراك العلم. وليس الأمر كما قاله ، لأنّ العلم لو أدرك ، لأدرك محلّه. فكان يجب أن يفصل بين محلّه ، وغير محلّه ، كالألم. ولوجب في المختلف منه أن يتضادّ. ولوجب أن يستغني الواحد منّا ، في إثبات العلم ، عن النظر (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ١١)

ـ قد حكى أبو القاسم ، رحمه‌الله ، في كتاب المقالات عن فريق من الناس : أنّه غير الاعتقاد. وحكى شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، في مسائل الخلاف ، على شيخنا أبي الهذيل ، أنّه كان يقول في العلم : إنّه اعتقاد.

فهو قولنا. فإن قال : إنّه جنس سواه. فهو مخالف لنا. وتكلّم عليه في ذلك ، ولم يقطع من قوله على أحد الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ٦)

ـ الذي يقوله شيوخنا ، رحمهم‌الله ، في العلم : إنّه من جنس الاعتقاد ، فمتى تعلّق بالشيء على ما هو به ، ووقع على وجه يقتضي سكون النفس ، كان علما. ومتى تعلّق بالشيء على ما ليس به ، كان جهلا. ومتى تعلّق به على ما يقوّيه ، ولم يقتض سكون النفس ، لم يكن علما ولا جهلا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٧)

ـ أجابا (الشيخان) رحمهما‌الله ، عن ذلك : بأنّ العلم إنّما وصف بأنّه اعتقاد ، من حيث شبّه بعقد الحبل وإحكامه ؛ ووصف العالم معتقدا ، من حيث كان العلم ، الذي به علم ، اعتقادا. ولذلك يوصف بأنّه عالم ، قبل العلم بالعلم أصلا ؛ ولا يوصف بأنّه معتقد ، إلّا بعد إثبات العلم اعتقادا. فلذلك لا يجب وصفه تعالى بأنّه معتقد ، لما كان عالما بذاته ، وفارق حاله حال الواحد منّا. ولأنّ المعتقد وصف بذلك ، لأنّه عقد بقلبه على ما اعتقده ؛ كما وصف بأنّه

٨١٧

مضمر أو أخبار وقصد ، لأنّه أضمر بقلبه الشيء ، إذا أراده ونواه. فإذا استحال القلب عليه تعالى ، لم يجز أن يوصف بأنّه معتقد ، وإن كان له حال العالم منّا (ق ، غ ١٢ ، ٢٧ ، ٢١)

ـ لا يصحّ أن يقال ، في العلم : إنّه يوجب كون العالم ساكن النفس لذاته بشرط. لأنّ الوجوه التي يقع عليها ، فتصير علما ، لا يصحّ أن تجعل شرطا ، لانفصالها منه وتعلّقها باختيار مختار. فلا فرق بين من قال ذلك ، وبين من قال في القبيح : إنّه إنّما يقبح ، لو أنّه يشترط اختصاصه بالوجه الذي له يقبح. وقد عرفنا بطلان ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣١ ، ١٨)

ـ مما قاله شيخنا أبو عبد الله ؛ رحمه‌الله. لأنّه قال : إنّ العلم لاختصاصه بحالة واحدة ، يقتضي هذين الحكمين : أحدهما سكون نفس العالم ؛ والآخر صحّة الفعل المحكم منه ، إذا كان متمكّنا. كما أنّ وصف الحيّ بأنّه حيّ ، يقتضي صحّة كونه قادرا ، وعالما ، ومريدا ، ومدركا. قال : وإنّما يستحيل ذلك فيما يوجب الحكم إيجاب العلّة ، لأنّه مرجع إلى ذاته. ولا يصحّ أن يجعل في ذاته على صفتين مختلفتين لنفسه. وهذا مخالف لما قدّمناه في العلم ، لأنّه يوجب الحكمين لا محالة. وكونه حيّا ، يصحّح ولا يوجب ، فالأولى أن يرتّب على ما قدّمناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ٥)

ـ اعلم ، أنّ كلام شيخينا ، رحمهما‌الله ، كالدالّ على خلاف ما قدّمناه. لأنّهما يجعلان العلم مقتضيا لسكون نفس العالم ، لوقوعه على وجه لاختصاصه بحال ، وإن كان شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، ربما يذكر مثل ما قدّمناه في القبيح والحسن. والذي قدّمناه هو الأولى ، لأنّه إذا وجب كون العالم ساكن النفس ، واستحال أن لا يوجب كونه كذلك ، ورجع هذا الإيجاب إلى العلم دون غيره ، على ما قدّمناه ؛ فيجب أن يكون مقتضيا لذلك ، لاختصاصه بصفة هو عليها ، كما قلناه في الحسن والقبيح وغيرهما. بل الحال في العلم آكد ، لأنّ الحكم الراجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وليس كذلك الحسن والقبيح ، فهو بمنزلة كون الجوهر متخيّرا في أنّه إنّما صحّ أنّه كالعلّة في احتماله للأعراض ، لما كان احتماله لها يرجع إليه دون غيره ، ولا ينفصل عنه (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ١٤)

ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، فلم يمنع من اختصاص العلم بسكون النفس ، لأنّه قد صرّح بأنّ الجاهل والظانّ لا تسكن نفوسهما ، وإنّما عدل عن جعل ذلك أمارة لكونه علما. وقال : إنّما يفصل العلم عنده من غيره ، لسلامته ، ونفى التناقض عنه ، والجهل بخلافه. وهذا لا يصحّ عند شيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، لأنّ سلامته من الانتقاض ترجع إلى طريقة ، لا إليه. ويجب أن نجعل ، ما به ينفصل العلم من غيره ، راجعا إليه ، لا إلى طريقه ، ليصير شاملا لجميع العلوم : الضروريّ ، والمكتسب. وقد علمنا أنّ معنى السلامة من الانتقاض إنّما يصحّ في المكتسب دون غيره. ولذلك قال ، رحمه‌الله ، في نقض المعرفة : إنّه يعلم المحق محقّا بالأدلّة. يبيّن ذلك ، ما قلناه : إنّ المخبر إذا أخبر عن أكله وشربه ، وإن كان كاذبا ، فليس هناك ما يوجب انتقاض ما خبّر عنه. فيجب على هذا أن يكون اعتقاد المعتقد له علما.

وإنّما يصحّ أن يقال : إنّ الانتقاض إذا دخل في الشيء ، دلّ على فساده. فأمّا السلامة من الانتقاض ، فلا تجب كونه دالّا على الصحة (ق ، غ ١٢ ، ٣٧ ، ٢٠)

٨١٨

ـ إنّ العلم ، وإن كان يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فإنّه لا يصير علما على ما هو به ، لمكان العلم. كما لا يصير العلم علما ، لكون معلومه على ما هو به. وقد شرحنا ذلك من قبل ، فإذا لم يجب ذلك في العلم ، فبأن لا يجب ذلك في الاعتقاد أولى. وكان يجب ، على قولهم هذا ، إذا كان الإنسان قادرا على الاعتقادات المختلفة في الأمور ، أن يقدر أن يجعلها على الصفات التي يصحّ أن يعتقدها فيه ، فيجعل السواد مرّة سوادا ، ومرّة بياضا ، والجسم مرّة قديما ، ومرّة محدثا ، وقد علمنا أنّه إن كان قديما لم يجز أن يتغيّر حاله وإن كان محدثا (ق ، غ ١٢ ، ٤٩ ، ٥)

ـ إنّ الذي يؤثّر في العلم هو الشبهة القادحة في دليله ، كأنّه يعتقد أنّ الدليل ، ليس هو بالصفة ، الذي يدلّ ، فينتفي العلم. فأمّا إذا كانت الشبهة غير قادحة في الدليل ، فإنّها لا تقتضي انتفاء العلم. وقد تكون هذه الشبهة مما ينظر فيها المخالف ، ويحصل له عنده الجهل ؛ فيجب ، إذا نظرنا نحن فيها ، أن يكون هذا حالنا. وأكثر الشبه ، التي ينظر فيها المخالف ، هو من هذا القبيل. لأن ما يقدح في الدليل إنّما يتعلّق بالدليل لا بنفس المذهب. مثال هذا ، ما يقوله أصحاب الطبائع : إنّ الإحراق إذا وجب ، أن يكون واقعا بطبع النار ، لأنّه يجب وجوده عنده ؛ فيجب ، عند قوة الدواعي ، أن يكون التصرّف واقعا بالطبع ، فإن أداهم هذا النظر إلى الجهل بحال القادر ، فيجب إذا نظرنا في مثله أن يتولّد لنا الجهل. وفي بطلان ذلك ، دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١٢ ، ١١٠ ، ١٢)

ـ إنّ العلم من جنس الجهل ، لأنّه إذا كان المعتقد على ما هو به كان علما إذا وقع على وجه مخصوص ، وإذا لم يكن على ما هو به كان جهلا ؛ وإنّما تختلف حال الاعتقاد لأمر يرجع إلى المعتقد ، لأنّ أحدنا إذا اعتقد كون زيد في الدار فإنّما يصير هذا الاعتقاد من باب الجهل أو من جنس العلم بحسب حال زيد ، فصحّ أنّ الجنس واحد على هذا الوجه. وإذا كان كذلك ، فيجب إذا قدر على أن يعتقد كونه في الدار وليس هو فيها أن يصحّ أن يعتقده وهو فيها ، على هذا الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٢١٤ ، ١٤)

ـ اعلم ، أنّ كلّ علم يتعلّق بظنّ ، فلا بدّ من أمارة ترد ليحصل الظنّ للعاقل ويتبعه العلم. ومتى فقد الظنّ ، فقد بفقده العلم ، لتعلّق بعض ذلك ببعض (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ٤)

ـ إنّ العلم قد يكون علما وإن لم يكن المعلوم مدركا ، فأبطلنا قول من لم يصحّح العلم إلا بالمدرك ، وبيّنا أن قولهم يقارب قول السّوفسطائية ، ودللنا على أن ما يتولّد عن النظر علم في الحقيقة ، وأن العلم بالله سبحانه وبسائر ما يلزم المكلّف علم صحيح (ق ، غ ١٤ ، ١٢٩ ، ١٧)

ـ قد علمنا أنّه لا فائدة له بأن يكون المخبر على صفة أو ليس عليها ، وأنّ فائدته في ذلك إنّما تقع بأن نعلمه كذلك ، أو نعتقده على طريقة الظنّ. ولا حكم لما عدا هذين ؛ لأنّ ما خرج عنهما يصير كالتبخيت ، الذي وقوعه عقيب الخبر ، يحلّ محلّ وجوده ابتداء. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه ، فيما يقتضيه من العلم ، لا يخرج من قسمين : إمّا أن يقع ، عنده ، من فعل الله سبحانه ، فيكون علما ؛ أو ينظر فيه السامع فيكسب ، بنظره في أحوال الخبر ، علما. وما

٨١٩

لا يمكن ذلك فيه فلا بدّ من أن تكون أمارة ، حتى تقع له به فائدة وغلبة الظنّ ، ثم يكون المظنون (فيما) تتعلّق عليه العبارة ، فيه ، بحسب قيام الدلالة ؛ فإن كان من باب العمل صحّ أن يلزم ، عند النظر ؛ وإن كان من باب العلم لم يصحّ أن يلزم عنده (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٢ ، ٣)

ـ إنّما قوي (الخبر) العلم لأنّه قد صار ، بالعادة ، طريقا له ، وتكرّر ذلك فيه ، وصار مبنيّا على الإدراك ، فقوي العلم لأجله ، كما يقوّى العلم بالمدرك بعد تقصّي الإدراك ، لكونه مبنيّا على الإدراك ، وقد يقوى العلم بالنظر إذا تكرّر منه في أدلّة الشيء ، لمّا كان لكل واحد منه مدخل في إيجاب العلم. فكذلك ، لمّا كان كل واحد من الخبر ، لو تأخّر لاقتضى العلم ، لم يمتنع أن يقوّى به العلم. وكل ذلك لا يوجب أنّه طريق للعلم ، كما قلناه في الإدراك (ق ، غ ١٥ ، ٣٧٦ ، ٥)

ـ متى بلغ عدد المخبرين حدّا مخصوصا ، وأخبروا عن الضروريّ ، فالعلم يقع بخبرهم ؛ وأنه لا معتبر بما عدا ذلك من الشروط والصفات (ق ، غ ١٥ ، ٤٠٠ ، ١٩)

ـ العلم يحتاج في إيقاعه إلى دلالة. ويحتاج الظّنّ إلى أمارة. ويجب أن يتقدّم الدّلالة قدرا من التّمكّن ، يمكن معه أن ينظر فيها الإنسان فيعلم وجوب الفعل ، أو كونه ندبا ، أو معرّبا لما وجب بالفعل. ثمّ يفعل الفعل في الوقت الذي وجب إيقاعه فيه. ولا فرق بين أن تكون الدّلالة على ذلك أمرا ، أو غيره. وكذلك القول في الأمارة (ب ، م ، ١٧٨ ، ٤)

ـ العلم يمكن به إيقاع الفعل على وجه الإحكام من دون استعمال محلّه ، وفي القدرة لا يمكن ، فلا بدّ من أن يكون معلّلا ، من حيث أنّا وجدنا ذاتين إحداهما لا يمكن الفعل بها على الوجه الذي تؤثّر فيه إلّا بعد استعمال محلّها في ذلك الفعل ، والثانية يمكن ، مع تساويهما في سائر الأحكام ؛ فلا بدّ من أن تكون مفارقة إحداهما للأخرى بأمر من الأمور. وليس ذلك إلّا نوع القدرة وقبيلها ، لأنّ ما عدا ذلك من الحدوث والوجود والعرض وكون الموصوف بهما جسما حاصل في العلم والإرادة ؛ فإذا وجب أن يكون معلّلا بكونها قدرا وجب أن يشيع هذا الحكم في كل قدرة (ن ، د ، ٤٥٠ ، ١١)

ـ إن قيل : فالعلم والإرادة إذا لم يجب في الفعل بهما استعمال محلّهما ، فلما ذا وجب احتياجهما إلى المحل؟ قيل له : إنّما وجب احتياجهما إلى المحل لأنّهما علّتان ، فلا بدّ من اختصاصهما بالواحد منّا ، لأنّ من حق العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص ، وغاية الاختصاص في الواحد منّا إنّما تكون بطريقة الحلول ، فلذلك وجب حلولهما في بعض من أبعاض الواحد (ن ، د ، ٤٥١ ، ٦)

ـ العلم ليس بمحكم في نفسه ، حتى يقال : إنّه إنّما وجب أن يكون عالما لفعله ما هو محكم من الأفعال ، فقد يعلم أحدنا بأنّه عالم بأن يعلم سكون نفسه ، وإن لم يستدلّ على ذلك بالأفعال المحكمة. يبيّن ما ذكرناه أنّه ، وإن كان هناك طريق آخر ، فما ذكرناه لا يخرج من أن يكون طريقا. فإذا ثبت أنّ كونه عالما طريق إلى كونه حيّا وجب أن لا يختلف شاهدا وغائبا لأنّ هذا هو حال الطريق (ن ، د ، ٥٥٢ ، ١٥)

ـ ذهب شيوخنا إلى أنّ العلم لا يجوز أن يكون علما لعينه ، وإنّما يكون علما لوقوعه على وجه (ن ، م ، ٢٨٧ ، ٤)

٨٢٠