موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

طريق التعمد

ـ يقول شيخنا" أبو علي" ، رحمه‌الله ، ويعتل بقريب من هذه الطريقة ، وإنّما يجوّز على الأنبياء ما يقع منهم بضرب من التأويل ، ويجري مجرى الواقع عن سهو وغفلة ، ويجعل ما يقع على طريق التعمّد داخلا في باب ما ينفّر ؛ لأنّ من أقدم على المحرّم ، مع علمه بأنّه محرّم ، فلا بدّ من نقص في حاله يقتضي التنفير عنه (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ١٧)

ـ أما شيخنا" أبو هاشم" ، رحمه‌الله ، فإنّه بيّن أن تعمّد المعصية ، إذا لم يوجب كبرها ، لم يمتنع كونه صغيرا ؛ لأنّ ما يقع ، على طريق التأويل ، قد يكون كبيرا كما يقع ، على طريق التعمّد ، ما قد يجوز أن يكون صغيرا. فإذا لم يكن مستخفّا ، ولا منفرا ، فلا وجه يمنع منه ، وإن صحّ أنّ الإقدام عليه ، مع العلم به ، ينفّر. فمذهبه كمذهب" أبي علي" في هذا الباب. وإن لم ينفر ذلك فلا مانع يمنع من وقوعه منهم (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ٢١)

طريق العلم

ـ رتّب شيوخنا الكلام في الأخبار. فقال" أبو علي" ، رحمه‌الله : إنّ من حقّه ألّا يكون طريقا للعلم إلّا بأن تكون آحاده تقوّي الظنّ ولا يزال الظنّ يقوى ، ثم يحصل العلم ؛ وبيّن ذلك بما نجده في الشاهد من الأخبار التي هي طريق العلم (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٠ ، ١٠)

طريق المعرفة

ـ اعلم ، أنّ الصحيح فيمن لزمته المعرفة أن يقبح منه الجهل ؛ وكما يستحقّ بفعلها الثواب ، فكذا يستحقّ بفعل الجهل العقاب ؛ وكما يتناولها التكليف في باب الإقدام ، فكذا يتناوله التكليف في باب الامتناع منه. وإن كان المكلّف مأمورا بها ، فهو منهي عن الجهل. والأمر في هذا الباب أجمع ، على ما ذكره السائل. لكنّه ظنّ أنّه إذا لم يمكنه أن يعرف الجهل جهلا قبل وقوعه ، لم يصحّ أن يلزمه تركه بفعل المعرفة. وليس الأكر كما قدّر ، لأنّه إذا عرف طريق المعرفة وهو النظر المخصوص الذي من بيانه أن يولّدها ، صحّ منه إيجادها بإيجاده. وإيجادها على هذا الوجه ، هو ترك للجهل ، لأنّ من حقّه أن يضادّها ، وترك الشيء هو ضدّه على بعض الوجوه. فقد ثبت إذن أنّه يصحّ منه أن يترك الجهل بالمعرفة. فإن قيل : فيجب أن يصحّ منه ترك المعرفة بالجهل أيضا ، ليصحّ أن يكلّف المعرفة. قيل له : وذلك أيضا صحيح منه ، لأنّه يصحّ منه أن يبتدئ فعل الاعتقاد والذي هو جهل ، فيكون بفعله تاركا للاعتقاد الذي هو من جنس المعرفة. ولا يقال : إنّه ترك به المعرفة ، لأنّ من حقّها أن تقع متولّدة. والمباشر لا يكون تركا للمتولّد ، من حيث يجب وجوده بوجوب سببه. ومن حق الترك والمتروك أن يصحّ من القادر ، في كل واحد منهما ، أن يبتدئه وأن يبتدئ ضدّه. لكنّا وإن لم نطلق هذا القول ، فمن جهة المعنى لا نمتنع من أن نقول بأنّه قد ترك بها الجهل ما يضادّه من المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٠ ، ١٢)

طريق الوجوب

ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم

٧٤١

السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ١٧)

طريق وجوب الصلاة

ـ بيّن ، رحمه‌الله (أبو علي) ، أنّ طريق وجوب الصلاة ، يفارق طريق النظر والمعرفة. لأنّ المكلّف ، وإن جوّز أن يخترم ، فهو غير آمن من أن يبقى ، ولا يأمن أن يقع منه في آخر الوقت ترك الصلاة ، فيلزمه أن يتحرّز من أن يكون تاركا لها ؛ ولا يمكنه هذا التحرّز إلّا بفعلها ، فيلزمه أن يفعلها لهذا الوجه. فكذلك إذا لم يأمن الضرر في ترك النظر ، لزمه فعله. فالحال في طريق وجوبهما تتقارب ، وإن كانت الصلاة لا تعلم واجبة إلّا بعد تقدّم معرفة الله ، تعالى ، ومعرفة الرسول. فيلزم التحرّز مما تخافه بالإقدام على فعله ، وتجب المعرفة بوجوبه من حيث وجب وجودها بوجوده ، على ما قدّمنا القول فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٧ ، ١٩)

طريقة الشرائع

ـ إنّ طريقة الشرائع مبنيّة على اختلاف أحوال المكلّفين ، واختلاف الأوقات والأماكن ، وشروط الأفعال. وقد يكون ما هو واجب على زيد قبيحا من عمرو وما يكون مباحا من أحدهما محظورا من الآخر ، وما يكون واجبا يجب على شرط ، (ويقبح على شرط) فكيف يدلّ الدليل العقلي على أن الصلاة بلا طهارة لا تكون داعية إلى فعل الواجبات ؛ بل تدعو إلى القبيح ، وإذا وقعت على طهارة دعت إلى فعل الواجب ونهيه عن الفحشاء والمنكر ؛ فإنّ ذلك حالها في وقت ، دون وقت ، وشخص ، دون شخص ، كما نقوله في الحائض والطاهر؟ (ق ، غ ١٥ ، ٢٧ ، ٦)

طعوم

ـ المقطوع بأنّه طعم خالص هو الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والحرافة ، فهي خمس ، كما أنّ الخالص من الألوان خمس هيئات. وما عدا هذه الطعوم فمتوقّف فيها ، ومجوّز أن تكون مركّبة من طعوم مختلفة كما قلناه في الألوان حيث تكلّمنا في الغيرة. ولسنا نمنع أن تكون هاهنا طعوم في غير بلادنا وفي غير ما نطعمه بخلاف ما نعرفه ويقع بها لأهل تلك البلاد من الاغتذاء ، ما يقع لنا بهذه الموجودات عندنا (أ ، ت ، ٢٩٥ ، ٣)

طفر

ـ لا يدرك المدرك للشيء ببصره ، إلّا أن يطفر البصر إلى المدرك فيداخله ، وزعم صاحب هذا القول أنّ الإنسان لا يدرك المحسوس بحاسّه إلّا بالمداخلة والاتصال والمجاورة ، وهذا قول" النظّام" وحكي عنه" زرقان" أنّه قال إنّ الأشياء تدرك (؟) على المداخلة الأصوات والألوان ، وزعم أنّ الإنسان لا يدرك الصوت

٧٤٢

إلّا بأن يصاكّه وينتقل إلى سمعه فيسمعه ، وكذلك قوله في المشموم والمذوق (ش ، ق ، ٣٨٤ ، ٩)

ـ إنّ الطفر ليس بأكثر من أن يوجد الجوهر في الوقت الثاني في المكان العاشر ، فالقول بأنّ ذلك محال لاستحالة الطفر عليه يؤدّي إلى أن يكون الشيء معلّلا بنفسه ـ وذلك لا يجوز (ن ، د ، ٤٣٩ ، ٢٠)

ـ أنّا لو قدّرنا أربعة أجزاء كالخط ، ثم قدّرنا نقل الأجزاء التي في الوسط في حالة واحدة ، لكان يجب أن لا يخلو حال هذين الجزءين اللذين هما طرف الخط من أحد أمرين : إمّا أن يلتقيا أو لا يلتقيا. فإن التقيا أدّى إلى القول بالطفر ؛ وذلك لا يصحّ. وإن لم يلتقيا وبقيا مفترقين ولا جوهر بينهما ، فهو الذي نريده من القول بإثبات الخلاء (ن ، م ، ٥٠ ، ١٢)

ـ ما قولكم لو فنيت الأجسام التي بين السماء والأرض ، وبقيت السماء والأرض ، هل تتّصل إحداهما بالأخرى في حال ما تفنى الأجسام بينهما ، أو لا تتّصل إحداهما بالأخرى؟ فإن قالوا : لا تتّصل إحداهما بالأخرى ولا تلتقي ، فقد جوّزوا الخلاء. وإن قالوا تتّصل لا محالة إحداهما بالأخرى ، فقد قالوا بالطفر (ن ، م ، ٥١ ، ١٢)

ـ قد ثبت أنّ النظّام قد التجأ إلى القول بالطفر عند ما ألزم في النملة أن لا تصير قاطعة للنعل أبدا ، وغرضه بالطفر أن يصير الجسم في الوقت الثاني في المكان العاشر بدون أن يقطع هذه الأمكنة التي بينهما (أ ، ت ، ١٩٧ ، ٤)

ـ قد ثبت أنّ أحدنا إذا رفع طرفه إلى السماء رآها في حاله ، وليس ذلك إلّا لأنّ شعاعه يطفر ، وإلّا فلو كان قاطعا للأماكن لرآها بعد زمان وشبيه هذا قوله في قرص الشمس ، لأنّه عند ما تبدو من فلكها يسقط منه ضوء على جميع الأراضي مع ما بينهما من البعد. وليس ذلك إلّا للطفر ، وإلّا كان يجب أن ينتشر الضوء بعد مدّة وربما تعلّق بتقلّص الشعاع عن العالم عند الغروب في طرفة عين ، وأنّ ذلك هو للطفر (أ ، ت ، ٢٠٤ ، ١٤)

طفرة

ـ زعم" النظّام" أنّه قد يجوز أن يكون الجسم الواحد في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث ، ولم يمرّ بالثاني على جهة الطفرة ، واعتلّ في ذلك بأشياء منها الدوامة يتحرّك أعلاها أكثر من حركة أسفلها ، ويقطع الحزّ أكثر مما يقطع أسفلها وقطبها ، وإنّما ذلك لأن أعلاها يماس أشياء لم يكن حاذى ما قبلها (ش ، ق ، ٣٢١ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يحيل قول النظّام في الطفرة ، ويقول إنّه يستحيل أن يوجد الجوهر في محلّ ثم يوجد بعد ذلك فيما وراءه من المحالّ بلا فصل من غير عدم وحدوث ومن غير أن يمرّ بذلك ويحاذيه ويقطعه. وكان يقول إنّ ما ذكره النظّام من الشبه في مسائل الطفرة ، كنحو قوله في حركة أعلى الدوامة وحركة أسفلها ، ووجود شعاع الشمس بعد ظهورها في أبعد الأماكن منه في أقرب وقت ، إنّ ذلك ليس على سبيل الطفر بل هو إحداث شعاع ابتداء عن ظهورها حيث أظهر ، وإن أعلى الدوامة أسرع دورانا من قطبها ، ويقول إنّ قطع أعلاها أكثر من قطع قطبها ، من غير أن يكون الأعلى منها طفر أماكن على الوجه الذي يقوله النظّام في الطفرة (أ ، م ، ٢٠٧ ، ١٨)

٧٤٣

ـ الطّفرة ، وهي دعواه أنّ الجسم قد يكون في مكان ثم يصير منه إلى المكان الثالث أو العاشر منه من غير مرور بالأمكنة المتوسّطة بينه وبين العاشر ؛ ومن غير أن يصير معدوما في الأوّل ومعادا في العاشر (النظام) (ب ، ف ، ١٤٠ ، ٨)

ـ من مكابرات زعمائهم مكابرة النظام في الطّفرة ، وقوله بأنّ الجسم يصير من المكان الأول إلى الثالث أو العاشر من غير ضرورة إلى الوسط (ب ، ف ، ١٩٨ ، ٤)

ـ الكلام في الطفرة : قال أبو محمد نسب قوم من المتكلّمين إلى إبراهيم النّظام أنّه قال ، إنّ المارّ على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المارّ ولا مرّ عليها ولا حاذاها ولا حلّ فيها (ح ، ف ٥ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ أحدث (النظّام) القول بالطفرة لمّا ألزم مشي نملة على صخرة من طرف إلى طرف أنّها قطعت ما لا يتناهى ، فكيف يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى؟ قال : تقطع بعضها بالمشي ، وبعضها بالطفرة. وشبّه ذلك بحبل شدّ على خشبة معترضة وسط البئر ، طوله خمسون ذراعا ، وعليه دلو معلّق. وحبل طوله خمسون ذراعا علّق عليه معلاق ، فيجرّ به الحبل المتوسّط ، فإنّ الدلو يصل إلى رأس البئر وقد قطع مائة ذراع بحبل طوله خمسون ذراعا في زمان واحد ، وليس ذلك إلّا أنّ بعض القطع بالطفرة (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ٢)

ـ إنّ الطفرة قطع مسافة أيضا موازية لمسافة. فالإلزام لا يندفع عنه ، وإنّما الفرق بين المشي والطفرة يرجع إلى سرعة الزمان وبطئه (الشهرستاني) (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ٦)

طلب

ـ عليك في درك العلم المطلوب وظيفتان : إحداهما إحضار الأصلين في الذهن ، وهذا يسمّى فكرا ، والأخرى تشوّقك إلى التفطّن لوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمّى طلبا ، فلذلك قال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الأولى حيث أراد حدّ النظر : أنّه الفكر ، وقال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حدّ النظر : أنّه طلب علم أو غلبة ظن ، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا : إنّه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ (غ ، ق ، ١٨ ، ٦)

ـ إنّ ما ذكروه من أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأما الأمر والنهي فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك سمّي نهيا. وأما الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢). وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حق الله ـ تعالى ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ١٢)

٧٤٤

طلب الرزق والتكسب

ـ في أنّه يحسن من العبد طلب الرزق والتكسّب ، وبطلان قول من يحرّم المكاسب. اعلم أنّه قد ثبت بالعقل أنّ التحرّز من المضارّ بالوجه الذي يعلم أو يظنّ أنه محرز به منها واجب. وعلى هذا الوجه يبنى أصل التكليف ثم فروعه. فإذا ثبت ذلك فيجب إذا علم الإنسان أو ظنّ أنّه إن لم يطلب الرزق ولم يتعرّض له ببعض الوجوه أنّه يلحقه أو يلحق من يعمّه نزول المضرّة به الضرر أن يلزمه طلب ذلك بما يغلب في ظنّه أنّه يصل به إلى المراد. وربما يتجاوز الحدّ في ذلك فيصير الإنسان ملجأ إلى طلب الرزق ، كما يكون مضطرّا في بعض الأحوال إلى أكل الميتة ومدفوعا إليه. فإذا ثبت ذلك لم يمكن القول بأنّ ذلك محرّم ، مع علمنا بكونه واجبا أو داخلا في باب الإلجاء. وقد ثبت أيضا من جهة العقل أنّ التماس المنافع التي لا ضرر على المرء فيها عاجلا ولا آجلا حسن ، وإن كان إنّما يلتمسه بالأمر الشاقّ إذا كان النفع الملتمس يوفي عليه. ولذلك يحسن من الإنسان أن يتنفّس في الهواء ، ويشرب الماء البارد ، إلى غير ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤٣ ، ٩)

طلب الشيء بشرط

ـ إنّ طلب الشيء بشرط لا يمتنع ، كما لا يمتنع طلبه بغير شرط. فإذا صحّ ذلك وجب أن يشرط الطالب للرزق منه تعالى ما إذا شرط فيه خرج ما التمسه لو فعل من أن يكون قبيحا ، وهو أن يشرط إمّا مظهرا أو مضمرا ألّا يكون ما يطلبه مفسدة في التكليف ، ومتى شرط ذلك فقد التمس المنافع على وجه يعلم أنّها لو وقعت عليه كانت حسنة ، فيجب أن يحسن منه التماسها على هذا الوجه. وإنّما وجب ذلك لأن ما خرج من المنافع التي يفعلها تعالى بالعبد في دار الدنيا من أن يكون مفسدة وجب حسنه ، لأنّه لا وجه من وجوه القبح يحصل فيه والحال هذه ؛ لأنّه قد ثبت أنه تعالى لا يفعل الثواب في دار التكليف ، فيقال في بعض المنافع : إنّه يفعله على الوجه الذي يحصل الثواب عليه والمفعول به غير مستحقّ ، فيكون قبيحا ، وإن لم يكن مفسدة ، ولا طالب الرزق يطلب ما يطلبه على هذا الوجه ، فليس لأحد أن يعترض بذلك على كلامنا ؛ لأنّا قد قيّدنا الكلام بما يزيل لزوم ذلك عنه (ق ، غ ١١ ، ٤٩ ، ١١)

طلب علم

ـ عليك في درك العلم المطلوب وظيفتان : إحداهما إحضار الأصلين في الذهن ، وهذا يسمّى فكرا ، والأخرى تشوّقك إلى التفطّن لوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمّى طلبا ، فلذلك قال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الأولى حيث أراد حدّ النظر : أنّه الفكر ، وقال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حدّ النظر : أنّه طلب علم أو غلبة ظن ، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا : إنّه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ (غ ، ق ، ١٨ ، ٧)

طلق

ـ قد يوصف (الحسن) بأنّه حلال إذا كان التعريف بالقول ، لأنّه لا يكاد يوصف بالمباح العقليّ ذلك ، وإنّما يوصف به الشرعيّ ، وإذا وصف بأنّه طلق فالمراد ما قلناه ، لأنّه يفيد أنّه قد أطلق لفاعله أن يفعله ولا يفعله ، ولم يتعلّق به حظر ، وكذلك مطلق. وقد يوصف بأنّه جائز فعله ، من حيث لا تتعلّق به تبعة ؛ فأمّا إذا كان

٧٤٥

الحسن يختصّ بصفة زائدة ، يستحقّ لكونه عليها المدح فقط ، فلا بدّ من أن يوصف بأنّه مرغب فيه ، وكان يجب في الأصل أن يستعمل ذلك في الشرعيّات ، لأنّ فيها يظهر الترغيب من المرغب فيها ، لكنّا استعملناه في العقليّات ، وأنزلنا الأدلّة العقليّة منزلة السمعيّات ، في هذه القضية (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٨)

طول

ـ إذا انضمّ جزء إلى جزء حدث طول ، وأنّ العرض يكون بانضمام جزءين إليهما ، وأنّ العمق يحدث بأن يطبق على أربعة أجزاء أربعة أجزاء ، فتكون الثمانية الأجزاء جسما عريضا طويلا عميقا (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ١٢)

٧٤٦

ظ

ظالم

ـ إنّ فاعل الظلم في الشاهد سمّي ظالما ، فواجب بعد حصول المواضعة ، لأنّ أهل اللغة أجروا ذلك عليه ، فما دامت اللغة ثابتة فهذا الاسم واجب لفاعل الظلم (ق ، غ ٨ ، ٢٢٧ ، ١٦)

ـ إنّ الظالم من قام به الظلم ، والكاذب من قام به الكذب ، لا من فعله (ب ، ف ، ١٢٥ ، ٣)

ـ اختلفوا في معنى الظالم من طريق المعنى : فقال أصحابنا حقيقته من قام به الظلم (ب ، أ ، ١٣٢ ، ٦)

ـ زعمت القدرية أنّ حقيقته (الظلم) فاعل الظلم ، وأجازوا أن يكون ظلم الظالم قائما بغيره. واعترضوا على أصحابنا في قولهم إنّ الظالم من قام به الظلم ، بأن قالوا ، إنّ الظلم يقوم ببعض الظالم والجملة هي الظالمة. وهذا السؤال ساقط على أصل شيخنا أبي الحسن الأشعري ، لأنّه يقول إنّ محلّ الظلم من الجملة ، هو الظالم دون جملته (ب ، أ ، ١٣٢ ، ٨)

ظان

ـ قال أبو محمد : ثم نرجع إلى ما كنّا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب ، فنقول وبالله تعالى التوفيق ، إنّ المعلومات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقّنه ، ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحّته ، والثاني لم يقم على صحّته برهان ، وأما ما لم يتيقّن المرء صحّته في ذاته فليس عالما به ولا له به علم وإنّما هو ظان له ، وأمّا كل ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطرّ إلى علمه به لأنّه لا مجال للشكّ فيه عنده وهذه صفة الضرورة ، وأمّا الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه (ح ، ف ٥ ، ١١٣ ، ١٨)

ظاهر

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٠)

ـ قيل الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه ، والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه وليس بذاك مع العدول عن الظاهر المفهوم (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٥)

ظاهرة

ـ ما معنى الظاهرة والباطنة؟ قلت : الظاهرة كل ما يعلم بالمشاهدة ، والباطنة ما لا يعلم إلّا بدليل أو لا يعلم أصلا ، فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها ولا يهتدي إلى العلم بها ، وقد أكثروا في ذلك ؛ فعن مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصرة على الأعداء ، والباطنة الإمداد من الملائكة. وعن الحسن رضي الله عنه : الظاهرة الإسلام ، والباطنة الستر. وعن الضحّاك : الظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة المعرفة. وقيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر

٧٤٧

الجوارح الظاهرة ، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك. ويروى في دعاء موسى عليه‌السلام : إلهي دلّني على أخفى نعمتك على عبادك ، فقال أخفى نعمتي عليهم النفس. ويروى إنّ أيسر ما يعذّب به أهل النار الأخذ بالأنفاس (ز ، ك ٣ ، ٢٣٥ ، ٩)

ظلام

ـ إبراهيم يثبت حدث الأنوار كلها والظلام ، ويثبت الله جلّ ثناؤه قديما وحده (خ ، ن ، ٣٥ ، ١٨)

ـ النّور والظّلام وغيرهما من الأعراض لا يجوز أن يكونا فاعلين بالطّباع ولا بالاختيار لخير ولا شرّ ، ولا نفع ولا ضرّ ، فهو أن الدلالة قد قامت على أنّ الفاعل لا يكون إلّا حيّا قادرا مختارا ، وأنّ هذه الصّفات مستحقة لمعان توجد بالموصوف (ب ، ت ، ٦٩ ، ٢٠)

ظلم

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ إبراهيم (النظام) كان يحيل قول من وصف الله بالقدرة على الظلم وإدخال أهل الجنّة إلى النار ، وقد أخبر بتخليدهم في الجنة وجعله ثوابا على طاعاتهم له في دار الدنيا ، لأنّ ذلك ظلم لا يجوز في صفة الله (خ ، ن ، ٢٧ ، ٢٢)

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ إنّ إبراهيم كان يفصل بين قوله وبين ما ألزمه المنانية فيقول : وجدت الظلم ليس يقع إلّا من ذي آفة وحاجة حملته على فعله أو من جاهل به. والجهل والحاجة دالّان على حدث من وصف بهما ويتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (قال) فالذي أمّنني من فعل الله للظلم انتفاء هذه الأشياء عنه الدالّة على حدث من وصف بها (خ ، ن ، ٣٩ ، ١٣)

ـ إنّ الأجسام تدلّ بما فيها من العقول والنعم التي أنعم الله بها عليها ، على أنّ الله ليس بظالم لها ، والعقول تدل بأنفسها على أنّ الله ليس بظالم. (قال) فليس يجوز أن يجامع وقوع الظلم منه ما دلّ لنفسه على أنّ الظلم ليس يقع منه. فقيل له : فلو وقع منه الظلم ، كيف كانت تكون القصة؟ قال : كان يقع والأجسام معرّاة من العقول الدالّة بعينها على أنّه لا يظلم. هذا قول أبي جعفر ، وليس كل من ارتفع عقله كان مجنونا ولا طفلا (خ ، ن ، ٦٩ ، ٤)

ـ قيل : إنّ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه (م ، ت ، ١٥٢ ، ١٠)

ـ اعلم ، أنّ الظلم كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، ولا الظنّ للوجهين المتقدّمين. ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة المضرور به ، ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة غير فاعل الضرر. ولا بدّ من اعتبار هذه الشرائط : من أن لا يكون فيه نفع ولا دفع ضرر ، لا معلوما ولا مظنونا ولا استحقاقا ، لأنّ أحدنا لو كلّف الأجير العمل بالأجرة لا يكون ظالما لما كان في مقابلته من النفع ما يوازيه ، وكذلك فإنّ من شرط إذن الصبي دفعا للضرر عنه لا يكون ظلما يتضمّنه دفع الضرر عنه ، وكذلك فإنّ ذمّ المسيء والمرتكب للقبيح لا يكون ظلما لأنّه مستحقّ (ق ، ش ، ٣٤٥ ، ١٠)

ـ قد يذكر له (الظلم) حدود ولا يصحّ شيء منها. من جملتها ، قولهم : إنّ الظلم هو ما ليس لفاعله أن يفعله ، وهذا لا يصحّ ، لأنّ العلم بالحدّ ينبغي أن يكون علما بالمحدود ، لا أن

٧٤٨

يكون تابعا له ، وفي هذا الموضع ما لم يعلم ظلما ، لا يعلم أنّه ليس لفاعله فعله. وبهذه الطريقة عبنا على أبي علي تحديده الواجب بما به ترك قبيح ، فقلنا : إنّا ما لم نعلم وجوبه لا يمكننا أن نعلم قبح تركه ، فكيف حدّدت الواجب به ، وفيما ذكرت ترتّب العلم بالحدّ على العلم بالمحدود ، وذلك مما لا يصحّ (ق ، ش ، ٣٤٧ ، ١١)

ـ وبعد ، فإنّ حقيقة الظلم : كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، ولا الظنّ لأحد الوجهين المتقدّمين ، ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة المضرور ، ولا يكون كأنّه من جهة غير فاعل الضرر ، وهذا إنّما يحلّ المظلوم دون غيره ، فيجب أن يكون هو الظالم (ق ، ش ، ٣٥١ ، ١)

ـ إنّ الظلم يرجع به إلى ضرر مخصوص (ق ، ت ٢ ، ٤١٢ ، ١٥)

ـ الذي يذهب إليه الشيخ أبو عبد الله أنّ ما كان من فعله ضررا لا نفع فيه ، ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، فإنّه يقبح ، لأنّه ظلم ؛ لأنّ الظلم إنّما قبح لاختصاصه بهذه الصفة ؛ لا لأنّه قصد به وجها مخصوصا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ١)

ـ إنّا قد بيّنا أنّ الظلم إنّما يقبح من حيث كان ظلما ، وليس لكونه ظلما اختصاص بكونه كسبا ؛ بل بأن يختصّ بكونه خلقا أولى (ق ، غ ٨ ، ١٩٧ ، ٣)

ـ إنّ المجبرة اعتقدت في الظلم أنّه قبيح ، وكذلك علمت حسن العدل ، وإنّما جهلت علّة قبحه وطريق معرفة قبحه فأدّاها ذلك إلى القول بأنّ بمجرّد العقل لا يعلم ذلك ، وبأنّ كونه ظلما لا يوجب قبحه. وإنما يقبح بنهي أو غيره (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٢ ، ١٠)

ـ حقيقة الظلم هو كل ضرر لا نفع فيه يوفي عليه ، ولا دفع مضرّة زائدة عليه ، ولا مستحقّ ، ولا يظنّ فيه بعض هذه الوجوه. فمتى كان هذا حاله فهو الظلم بعينه ؛ ولا فرق بين أن يكون ألما أو غمّا أو مؤدّيا إليهما إذا كان حاله ما وصفنا ؛ لأنّ كونه ضررا يجمع كل ذلك وإن كان كونه ألما لا يجمع جميعه. ولا يجوز أن يحدّ الظلم بأنّه الضرر القبيح ، لأنّه قد يقبح من حيث كان عبثا على ما نبيّنه ، ويكون مع ذلك غير ظلم (ق ، غ ١٣ ، ٢٩٨ ، ٨)

ـ إنّ الظلم يقبح لأنّه ظلم لا لغير ذلك من أوصافه. يبيّن ذلك أنّ عند العلم بأنّه ظلم يعلم قبيحا لا محالة ؛ ومتى فقد هذا العلم لم يعلم قبيحا إلّا بأن يحصل فيه وجه آخر من وجوه القبح يعلم عليه. فإذا صحّ ذلك وجب أن يكون كونه ظلما هو وجه قبحه من حيث وقف العلم بقبحه على العلم به (ق ، غ ١٣ ، ٣٠٨ ، ٢)

ـ إنّه ليس في العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتّة ، وإنّما الظلم بالإضافة ، فيكون قتل زيد إذا نهى الله عنه ظلما ، وقتله إذا أمر الله بقتله عدلا ، وأمّا الكذب فهو كذب لعينه وبذاته ، فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو فهو كاذب ، إلّا أنّه لا يكون ذلك إثما ولا مذموما إلّا حيث أوجب الله تعالى فيه الإثم والذمّ فقط ، وكذلك القول في الجهل والعجز إنّهما جهل لعينه وعجز لعينه ، فكل من لم يعلم شيئا فهو جاهل به ولا بدّ ، وكل من لم يقدر على شيء فهو عاجز عنه ولا بدّ ، والوجه الثاني أنّ بالضرورة التي بها علمنا من نواة التمر لا يخرج منها زيتونة ، وأنّ الفرس لا ينتج جملا ، بها عرفنا أنّ الله تعالى لا يكذب ولا يعجز ولا يجهل ، لأنّ كل هذه من صفات المخلوقين عنه تعالى منفيّة إلّا ما جاء نص بأن

٧٤٩

يطلق الاسم خاصة من أسمائها عليه تعالى فيقف عنده (ح ، ف ٣ ، ٧٤ ، ٢١)

ـ صحّ أنّه لا ظلم في شيء من فعل الباري تعالى ولو أنّه تعالى عذّب من لم يقدره على ما أمر به من طاعته ، لما كان ذلك ظلما إذ لم يسمّه تعالى ظلما ، وكذلك ليس ظلما خلقه تعالى للأفعال التي هي من عباده عزوجل كفر وظلم وجور ، لأنّه لا آمر عليه تعالى ولا ناهيا بل الأمر أمر والملك ملكه (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ، ٧)

ـ الظلم هو التصرّف فيما لا يملكه المتصرّف. أو وضع الشيء في غير موضعه (ش ، م ١ ، ١٠١ ، ١٨)

ـ الظلم : إنزال مضرّة مجرّدة عن جلب منفعة أو دفع مضرّة فوقها (ق ، س ، ١٨٧ ، ٢١)

ظلمه

ـ إن الظّلمة والنور في احتمال التغيّر والاستحالة ، واحتمال التجزئة والتّبعيض ، والحسن والقبح ، والطيب / والخبيث ، وكل شيء سواه ، فإن كانا يرجعان إلى أجزاء العالم فهما يحدثان بحدثه ويفنيان بفنائه. ثم لا يجوز أن يكون لواحد منهما ألوهيته ؛ لظهور العجز والجهل بهما ، والعالم هو دليل قوى عليم حكيم ، فهما في تلك الجملة (م ، ح ، ٣٥ ، ٩)

ظن

ـ قال صاحب المنطق : الظنّ هو الوقوف على أحد طرفي اليقين ، والشك هو الوقوف على أحد طرفي الظنّ. والهمّة بين هذين (م ، ت ، ١٤٣ ، ٨)

ـ أمّا التوهّم : فالمرجع به إلى ظنّ مخصوص. والظنّ ، فهو المعنى الذي إذا وجد في أحدنا أوجب كونه ظانّا ، والواحد منّا يفصل بين كونه ظانّا وبين غيره من الصفات ، نحو كونه مريدا أو كارها أو ما يجري مجراهما. وقد اختلف الشيخان في ذلك ؛ فعند شيخنا أبي علي أنّه جنس برأسه سوى الاعتقاد وهو الصحيح ، وعند الشيخ أبي هاشم المرجع به إلى اعتقاد مخصوص. والذي يدلّ على فساد مذهبه ، أنّه لو كان من قبيل الاعتقاد لكان لا يحسن من الله تعالى أن يتعبدنا بشيء من الظنون ، ومعلوم أنّه قد تعبدنا بكثير من الظنون نحو الاجتهادات في جهة القبلة وغير ذلك. وإنّما قلنا هذا هكذا ، لأنّه ما من اعتقاد يفعله الواحد منّا إلّا ويجوز أن يكون معتقده على ما هو به ويجوز خلافه ، والتكليف بما هذا حاله قبيح (ق ، ش ، ٣٩٥ ، ٧)

ـ إنّ العلم بصحّة حدوث الشيء ، والاعتقاد لصحّة حدوثه ، والظنّ لذلك يجري مجرى واحدا في صحّة الإرادة ، وكذلك العلم باستحالة حدوثه. والاعتقاد لذلك يتساوى في استحالة إرادته. فإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يقوم العلم مقام غلبة الظنّ فيما قدّمناه من صحّة إرادة ما نعلم أنّ القادر يصحّ أن يفعله. وإنّما اعتمدنا على غلبة الظنّ لأنّه لا سبيل لنا إلى العلم بالأمور المستقبلة التي تقع من العباد ؛ لأنّا نجوّز في كل واحد منهم أن يخترم دون الفعل ، وأن يعصى أمرنا ومرادنا ، كما نجوّز فيه أن يطيع ، فإذا ثبت ذلك لم يمكن أن نبيّن ذلك بالعلم ، وإن كان شيوخنا رحمهم‌الله قد بيّنوا ذلك بأنّه قد ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد من أبي لهب وغيره الإيمان ، وإن علم أنّه لا يؤمن بخبر الله تعالى ، ويصحّ منّا إرادة الإيمان من جماعة الكفّار ،

٧٥٠

وإن علمنا أنّهم لا يجتمعون على الهدى (ق ، غ ١١ ، ١٦١ ، ٧)

ـ اعلم ، أنّ الوجه الذي له يجب (النظر) ربما قام الظنّ فيه مقام العلم ، وربما كان بخلافه. وكذلك الوجه الذي له يقبح القبح. يبيّن ذلك أنّه لا فرق بين أن يعلم العاقل أنّه يتحرّز ببعض الأفعال من مضارّ معلومة ، وبين أن يظنّها ويظنّ أنّه يتحرّز منها لهذا الفعل في أنّ في الوجهين جميعا يلزمه التحرّز بذلك الفعل ، فقام الظنّ فيه مقام العلم. وأكثر ما يتحرّز العاقل منه ، يجري على طريقة الظنّ (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٢ ، ٦)

ـ أمّا الظنّ فإنه يقبح إذا تعرّى عن أمارة صحيحة ، ويقبح إذا كانت الحال حالا يستغني فيها عن الظنّ ، بأن يكون الإنسان عالما أو يتمكّن من المعرفة ، فأمّا قبحه لأنّه عبث أو ظلم أو مفسدة ، فممّا قد تقدّم القول فيه (ق ، غ ١٤ ، ١٥٨ ، ١٦)

ـ إنّ الظنّ يستحيل أن يصير علما ، أو يكون سببا للعلم ؛ لأنّه إن كان مخالفا للعلم فجنسه لا ينقلب ، وليس بمولّد للعلم ، وإن كان مثلا له ، بأن يكون اعتقادا. فمحال أن ينقلب ، فيصير علما ؛ لأن ما هو علم منه يحصل كذلك في حال حدوثه (ق ، غ ١٥ ، ٣٩٦ ، ٥)

ـ العلم يحتاج في إيقاعه إلى دلالة. ويحتاج الظّنّ إلى أمارة. ويجب أن يتقدّم الدّلالة قدرا من التّمكّن ، يمكن معه أن ينظر فيها الإنسان فيعلم وجوب الفعل ، أو كونه ندبا ، أو معرّبا لما وجب بالفعل. ثمّ يفعل الفعل في الوقت الذي وجب إيقاعه فيه. ولا فرق بين أن تكون الدّلالة على ذلك أمرا ، أو غيره. وكذلك القول في الأمارة (ب ، م ، ١٧٨ ، ٥)

ـ إنّ الظنّ لا يحصل بحسب النظر في الأمارة ؛ لأنّا نعلم أنّ شخصين ينظران في الأمارة ويعلمان وجه كونها أمارة في الحدوث ونحو ذلك ثم يحصل الظن لأحدهما دون الآخر ؛ وهكذا الناظران في أمارة الشرع ، فإن الحنفي والشافعي ينظران أمارة علّة الزنا ، وكل واحد منهما يعلم أمارة صاحبه ووجه كونها أمارة ثم يحصل لأحدهما ظنّ خلاف ما يحصل للآخر (ن ، د ، ٣١٢ ، ٨)

ـ قالت طوائف منهم الأشعريّة وغيرهم ، من اتّفق له اعتقاد شيء على ما هو به على غير دليل لكن بتقليد أو تميل بإرادته ، فليس عالما به ولا عارفا به ولكنّه معتقد له ، وقالوا كل علم ومعرفة اعتقاد ، وليس كل اعتقاد علما ولا معرفة ، لأنّ العلم والمعرفة بالشيء إنّما يعبّر بهما عن تيقّن صحّته ، قالوا وتيقّن الصحّة لا يكون إلّا ببرهان ، قالوا وما كان بخلاف ذلك فإنّما هو ظنّ ودعوى لا تيقّن بها (ح ، ف ٥ ، ١٠٩ ، ٢٢)

ـ الظنّ ، " وهو كالشكّ في التردّد ، إلّا أنّه يترجّح أحد المعتقدين في حكمه" (ج ، ش ، ٣٥ ، ٢٠)

ـ الظنّ : هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ، ويستعمل في اليقين والشكّ ، وقيل الظنّ أحد طرفي الشكّ بصفة الرجحان (ج ، ت ، ١٨٨ ، ٦)

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٤)

٧٥١

ظن مبتدأ

ـ إنّ الظنّ المبتدأ لا حكم له ، وإنّه ينبئ عن نقص الظانّ ، وإنّما يتعلّق به الحكم إذا وقع عن أمارة صحيحة في عقول العقلاء. وأنت إذا تدبرت أحوال ما يلزم في أمور الدنيا وجدتها جارية على هذا الحدّ ، لأنّ المريد لسلوك الطريق المدفوع إليه لدفع الضرر عن نفسه وعياله ، لا يظنّ الخوف من طريق إلّا عند أمارة من خبر أو غيره. فإذا لم يحصل ذلك ، لم يظنّ المخافة ، ولا يعلم وجوب المسألة والفحص عنه (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ٦)

ظنون

ـ أوّل العلم بكلّ غائب الظنون. والظنون إنّما تقع في القلوب بالدلائل ، فكلّما زاد الدليل قوي الظنّ حتّى ينتهي إلى غاية تزول معها الشكوك عن القلوب ، وذلك لكثرة الدلائل ولترادفها (ج ، ر ، ٢٥ ، ١٤)

ظهور

ـ ثم قال (ابن الروندي) : وكان يزعم أنّ الله خلق الناس والبهائم والحيوان والجماد والنبات في وقت واحد ، وأنّه لم يتقدّم خلق آدم خلق ولده ولا خلق الأمهات خلق أولادهنّ ، غير أنّ الله أكمن بعض الأشياء في بعض ، فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من أماكنها دون خلقها واختراعها. ومحال عنده في قدرة الله أن يزيد في الخلق شيئا أو ينقص منه شيئا (خ ، ن ، ٤٤ ، ١٤)

ـ إنّ الظهور خروج إلى مكان (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٧)

ـ الحركة والسكون والاستتار والظهور من صفات الأجسام دون الأعراض (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٨)

ـ اختلفوا (النصارى) في معنى ظهور الكلمة في الهيكل وادّراعها له وإظهار التدبير عليه ، فقال أكثرهم : معنى ذلك أنها حلّته ومازجته واختلطت به اختلاط الخمر واللبن بالماء عند امتزاجهما. وقال قوم منهم : إنّ ظهور الكلمة في الجسد واتحادها به ليس على معنى المزاج والاختلاط ، ولكن على سبيل ظهور صورة الإنسان في المرآة والأجسام الصقيلة النقيّة عند مقابلتها من غير حلول صورة الإنسان في المرآة وكظهور نقش الخاتم وكلّ طابع في الشمع والطين ، وكل ذي لين قابل للطبع من الأجسام من غير حلول نقش الخاتم والرسم في الشمع والطين والتراب (ب ، ت ، ٨٦ ، ١٦)

ظهور وكمون

ـ قوله (النظام) في الظهور والكمون : ثم قال (ابن الروندي) : ولو قيل لهم : " إنّ النظّام يزعم أنّ الله خلقكم يوم خلق آدم وأنّه قد أوجدكم في الدنيا منذ ألف سنة وأكثر منها" لأنسوا ، لاستشناعهم هذا القول ، قول من قال بالرجعة من الشيعة. يقال له : قد كثرت كذبك على المعتزلة في هذا الكتاب حتى لقد كان الوجه في نقض كتابك أن يكتب على ظهره : " كذب صاحب الكتاب فيما حكاه عن المعتزلة". ثم إنّا نقول له : إنّ الرواية قد جاءت عن النبي عليه‌السلام أنّ الله مسح ظهر آدم فأخرج ذرّيته منه في صورة الذرّ. وجاء أيضا أن آدم عليه‌السلام عرضت عليه ذريّته فرأى رجلا جميلا فقال : " يا رب من هذا؟ " قال : " هذا ابنك داود". فكيف تنكر العامة ما ذكر صاحب الكتاب أنها

٧٥٢

تنكره وأنها تأنس بالرجعة إذا ذكر لها ما حكاه عن إبراهيم وهي تروي عن النبي صلى الله عليه ما حكيته (خ ، ن ، ٩٧ ، ٨)

ـ إنّ الله تعالى خلق الناس والبهائم وسائر الحيوان وأصناف النبات والجواهر المعدنية كلّها في وقت واحد ، وإنّ خلق آدم عليه‌السلام لم يتقدّم على خلق أولاده ، ولا تقدّم خلق الأمهات على خلق الأولاد ، وزعم أنّ الله تعالى خلق ذلك أجمع في وقت واحد ، غير أنّ أكثر الأشياء بعضها في بعض ، فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من أماكنها .... وقول النظام بالظهور والكمون في الأجسام وتداخلها شرّ من قول الدهريّة الذين زعموا أنّ الأعراض كلّها كامنة في الأجسام ، وإنّما يتعيّن الوصف على الأجسام بظهور بعض الأعراض وكمون بعضها (ب ، ف ، ١٤٢ ، ١٧)

ـ قلنا لأصحاب الكمون والظهور لو كان العرض يظهر ويكمن لوجب أن يكمن بعد ظهوره لمعنى يقوم به لأنّ الموجود إذا تغيّر عليه الوصف تغيّر عليه الوصف في ذاته لمعنى قام به. فإن أجابوا إلى ذلك لزمهم إجازة قيام عرض بعرض وهذا خلاف أصولهم. وإذا بطل الظهور والكمون في الأعراض وصحّ تغيّر الأجسام بها من حال إلى حال وبطل انتقال العرض من جسم إلى جسم لاستحالة قيام الانتقال والحركة بالعرض صحّ أنّ قيام العرض بالجوهر إنّما هو حدوثه فيه. وصحّ بهذا الدليل حدوث جميع الأعراض وهذا يؤدّي إلى قيام عرض بعرض وذلك محال فما يؤدّي إليه مثله. وإذا استحال ذلك استحال الظهور والكمون على الأعراض فصحّ أنّها كلّها حوادث في الأجسام (ب ، أ ، ٥٦ ، ٧)

٧٥٣

ع

عابث

ـ إن العالم بما يفعله متى لم يفعله لغرض يقتضي حسنه فيجب كونه عابثا ، والعبث قبيح كما أنّ الظلم قبيح. وقد دللنا على أنّه تعالى لا يفعل القبيح فيجب خروج أفعاله من كونها عبثا ، وفي ذلك إيجاب كونها حسنة على ما نقوله. يبيّن ذلك أنّ العالم بما يفعله لا بدّ من أن يستحقّ الذمّ على فعله متى وقع على وجه يقبح ؛ أو لا يستحقّ الذمّ بذلك فيجب كونه حسنا ؛ لوقوعه على وجه لا يقتضي ذمّ فاعله إن كان عالما. وذلك يوجب كون أفعاله تعالى حسنة (ق ، غ ١١ ، ٦٤ ، ٧)

عابد

ـ أمّا العابد ، فإنّما يوصف بذلك ، لأنّه فعل العبادة ؛ وإنّما يكون الفعل عبادة ، متى خضع بها وبذلك للمعبود. وذلك لا يتأتّى إلّا بأن يحل العابد أو بعضه ، أو يكون في حكم الحال فيه. وذلك لا يتأتى في القديم ، سبحانه ، فلا يوصف ، ما يفعله من هذا الجنس ، بأنّه عبادة ، ولا هو بأنّه عابد (ق ، غ ٨ ، ٢٤١ ، ٤)

عاجز

ـ إذا تقرّرت هذه الجملة (قبح تكليف ما لا يطاق) عدنا إلى الفروق التي يروم القوم بها الفصل بين الكافر وبين العاجز ويرومون بها إثبات حسن تكليف هذا الكافر وإن كان غير مطيق. فأورد في الكتاب أوّلا أنّهم يقولون في الفصل بينها إنّ العاجز إنّما أتي في أن لم يقدر على ذلك الفعل من قبل غيره لا من قبل نفسه فقبح تكليفه. والكافر إنّما أتي في أن لم يقدر من قبل نفسه حيث اشتغل بالكفر فخرج عن كونه قادرا على الإيمان. وقال في الجواب إنّهما إذا استويا في عدم القدرة فالفرق من وراء ذلك لا يؤثّر. وبيّن أنّ قولهم في هذا الفرق اعتراف منهم بأنّ حال الكافر كحال العاجز في أنّهما غير مطيقين للفعل. ومثل هذا الفرق لا يكون فرقا على الحقيقة بل هو التزام لما ألزموا من تكليف ما لا يطاق الذي ثبت قبحه عقلا وشرعا (ق ، ت ٢ ، ٥٧ ، ١٣)

ـ من جملة ما يفرّقون به بين الكافر والعاجز قولهم (بعض القوم) إنّ الكافر متوهّم منه الإيمان وليس كذلك العاجز. وهذا في الفساد كالأوّل ، وذلك لأنّه يقال لهم : أيتوهّم منه الإيمان وحالته هذه أو بأن تتغيّر حاله؟ فإن قالوا : يتوهّم منه وحالته هذه ، فقد توهّموا المستحيل الممتنع لأنّ مع عدم القدرة لو جاز أن يتوهّم منه الإيمان لجاز أن يتوهّم من العاجز. وإن قالوا : بأن تتغيّر حاله ، قلنا : فقد زال الفرق بينه وبين العاجز لأنّ العاجز أيضا لو تغيّرت حاله لصحّ منه الإيمان. وبعد فإنّ التوهّم ظنّ ولهذا لا يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم أن النبيّ صلّى الله عليه يدخل الجنّة ، لمّا كان ذلك مقطوعا به. وكذلك فلا نتوهّم أن فرعون يدخل النار لمّا كان مقطوعا به. فإذا ثبت أن التوهّم ظنّ فكيف يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم الإيمان من الكافر ، مع القطع على أنّه لا يقع منه الإيمان وحاله على ما هو عليه؟ وأيضا فإذا كان التوهّم ظنّا فمعلوم أنّه لا يقع منه الإيمان

٧٥٤

بهذا الظنّ ولو توهّم متوهّم في العاجز أنّه يصحّ منه الإيمان لم يصر كذلك بتوهّمه ، فصار إنّما يصحّ وقوع الإيمان منه لقدرة قد عدمها لا لتوهّم الذي يتوهّم ذلك. وقد عدم الكافر هذه القدرة. فبطل ما راموه من الفرق (ق ، ت ٢ ، ٦٠ ، ٥)

ـ مما يذكرونه (بعض القوم) من الفرق بين الكافر والعاجز قولهم إن هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في وصفه بذلك مجرّد وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد بأنّه مخلّى مع أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو زال القيد لصحّ منه المشي. فكيف ساغ للقوم أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن ثبات القدرة وعن أمر زائد عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب أن يجوز وصف العاجز بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به فكذلك لا يصحّ وصف العاجز بأنّه ممنوع لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان يصحّ منه الفعل وحالته تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن أيضا ، وإنّما يقال ذلك في المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع عدم القدرة عنه أن يكون ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل الممنوع منه ، وهذا يرجع فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق ، ت ٢ ، ٦١ ، ١٠)

ـ ثمّ بيّن رحمه‌الله (عبد الجبّار) ما يجري في كلامهم أنّا نعرف العاجز عاجزا ضرورة لا على ما تقولون إنّا نحتاج إلى اعتبار حال القادر أوّلا. وربّما ادّعوا أنّا نعلم القادر قادرا ضرورة. وليس يصحّ عندنا أن نعلم القادر قادرا باضطرار فضلا عن كونه عاجزا الذي يترتّب عليه وفضلا عن أن نعلم ضرورة أنّه إذا لم يكن قادرا فيجب أن يكون عاجزا ، بل طريق ذلك أجمع هو الاستدلال. ألا ترى أن القادر إذا كان معناه من يختصّ بصفة لأجلها يصحّ الفعل منه عند ارتفاع الموانع فكيف تدّعى الضرورة في ذلك؟ وإذا رجعنا في العاجز إلى من يختصّ بصفة معها يتعذّر الفعل عليه فدعوى الضرورة فيه أيضا لا يمكن. وإذا رجعنا به إلى زوال كونه قادرا فالنفي يتفرّع عن الإثبات (ق ، ت ٢ ، ٦٤ ، ٢٠)

عادات

ـ اعلم أنّ العادات لا معتبر بها عند ابتداء خلق من العادة عادة له وفيه. ولا يعتبر أيضا ذلك في حال زوال التكليف ؛ لأنّ في هذين الطريقين المقصد ، بما يفعل ، نقض العادة. فيصير نقض العادة فيهما كالعادة. ولا يجوز اعتبار العادة ونقضها في حال لا فرق فيها بين الأمرين ؛ وإنّما يعتبر ذلك في حال يتميّز فيها أحدهما من الآخر (ق ، غ ١٥ ، ١٨٢ ، ٩)

عادة

ـ فرق ما بين الطبع الأوّل وبين الاكتساب والعادة التي تصير طبعا ثانيا (ج ، ر ، ٧ ، ١٠)

ـ أمّا إن كانوا يدخلون في هذه الجملة ما يحدث من السكر عند الشرب ، فذلك مما طريقه طريق

٧٥٥

العادة. والله جلّ وعزّ يفعله من دون أن يكون هناك أمر موجب ، لأنّ الشرب لو أوجب السكر لأوجبه وإن شرب الماء ، وكان يجب أن يكون القدح الأخير هو الموجب للسكر والجرعة الأخيرة موجبة لذلك ، وهذا يوجب أنّه لو انفرد لا سكر وكل هذا باطل. فثبت أنّ ذلك خارج عن باب الأسباب والطباع وأنّ طريقه طريق العادة ، هذا كلّه إذا كانوا يشيرون بالطبع إلى ما يوجب إيجاب الأسباب. فإن كان تأثيره تأثير العلل الموجبة فالأمر في بطلانه واضح لأنّا نسلك في ذلك أحد طريقين. إمّا أن نخرجه عن كونه معقولا لأنّ الضرورة لا تؤدّي إليه ولا حكم له يستدلّ به عليه ، فيجب أن لا يصحّ إثباته واعتقاده. وإمّا أن نتكلّم على تسليم ذلك فنقول : إذا لم يصحّ كونه معدوما لانقطاع التأثير والإيجاب عند العدم فلا بدّ من كونه موجودا. ثم ينقسم ذلك إلى الحدوث والقدم. فلو كان قديما وهو موجب لأوجب وجود هذه الحوادث فيما لم يزل وهذا يعيدها إلى القدم. ولو كان محدثا لكان إمّا أن يستغني عن شيء سواه فيوجب غنى هذه الأجسام عن الطبع ، أو يحتاج إلى أمر سواه وذلك الأمر إن صحّ أن يكون بالفاعل فهلّا حدثت هذه الأجسام بالفاعل وإن كان لطبع آخر أوجب وجوده لطبع آخر؟ ثم يؤدّي إلى ما لا غاية له (ق ، ت ١ ، ٩٢ ، ٢٥)

ـ إنّ انتزاع العادة يشتدّ إلّا أنّه ممكن غير ممتنع بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها ، وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي : سلي الربع أن يممت يا أم سالم : وهل عادة للربع أن يتكلّما (ح ، ف ٥ ، ١٦ ، ١٢)

ـ قال الأشعريّ : إنّ الله يخلق العلم بعد النظر على سبيل إجراء العادة ، وليس بممتنع أن لا يخلقه بعده. وقال المعتزليّ : إنّه يحصل من الناظر بتوسّط النظر على سبيل التّوليد فهو متولّد واجب وقوعه بعد النظر وقوع المعلول بعد العلّة التّامة (ط ، م ، ٦٠ ، ١٩)

عادل

ـ قال (واصل) إنّ الباري تعالى حكيم عادل ، لا يجوز أن يضاف إليه شرّ ولا ظلم. ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر. ويحتّم عليهم شيئا ثم يجازيهم عليه. فالعبد هو الفاعل للخير والشرّ ، والإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية. وهو المجازى على فعله والربّ تعالى أقدره على ذلك كله (ش ، م ١ ، ٤٧ ، ٣)

عارف

ـ أمّا الوصف له تعالى بأنّه عارف بمعنى عالم فصحيح ، لأنّ معنى الصفتين في اللغة واحد ، ولذلك يطردان في الاستعمال على حدّ واحد. فيجب أن يستحقّ ، جلّ وعزّ ، هذه الصفة فيما لم يزل وفيّا لا يزال على الوجه الذي يوصف بأنّه عالم (ق ، غ ٥ ، ٢٢١ ، ١٥)

عاص

ـ من فضائح ثمامة أيضا أنّه كان يقول في دار الإسلام : إنّها دار شرك ، وكان يحرّم السّبي ، لأنّ المسبيّ عنده ما عصى ربه إذا لم يعرفه ، وإنّما العاصي عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده أو عصاه (ب ، ف ، ١٧٣ ، ١٠)

عاقدون

ـ أمّا صفة العاقدين فأن يكونوا من أهل الستر والدين ومن يوثق بنصيحة وسعيه في

٧٥٦

المصالح ، وأن يكونوا ممن يعرف الفرق بين من يصلح للإمامة ، وبين من لا يصلح لها ، وأن يكون عالما لحمل الدين حتى يصحّ أن يعرف ذلك. فمتى كانت هذه صفتهم ، وكانوا من أهل الرأي والفضل ، وبلغ عددهم ستّة ، فعقد أحدهم برضا الباقين جميعهم ، فقد صحّت الإمامة إذا وقع القبول على ما قدّمناه (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥٢ ، ١٢)

عاقل

ـ إنّ العاقل يمكنه أن يعرف حسن النظر ، ويميّزه من غيره ، ويعرف في الجملة أنّ ما يجب وجوده عند وجود النظر لا يكون إلّا حسنا عند التأمّل ، فيصحّ ما يبتدئه من الاعتقادات. فإذا ثبت ذلك ، فارق حاله ، في هذين الأمرين ، حال من لا عقل له. لأن من هذه حاله ، لا يصحّ منه أن يعرف الفعل على وجه يقتضيه التكليف. لأنّه إنّما يصحّ أن يعرف حسن الفعل أو وجوبه إذا كان من كامل العقل ؛ فأمّا ، مع فقد علمه ، فلذلك ممتنع فيه. فلذلك فصلنا بين من لا عقل له ، وبين العاقل في تكليف النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٧ ، ١٤)

ـ أمّا العاقل إذا تمكّن من معرفة الشيء ، فإنّه يلام على فعله وعلى جهله جميعا ، فيستحقّ اللوم من وجهين. ويفارق ذلك حال من لا يقدر ، لأنّه لا يمكنه أن يعذر نفسه ، فيكون فقد قدرته عذرا واضحا في أن لم يفعل. وليس ، كذلك ، حال فقد العلم ، إذا أمكنه أن يحصّله فيعرف ما له وعليه في ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣١٣ ، ٣)

ـ ليس كل ما يقدر عليه العاقل يجوز أن لا يفعله على كل حال ، بل فيه ما لا يجوز أن لا يفعله إذا كان على صفة ؛ فإن كان لو لم يكن عليها ، لجاز أن لا يفعله. وهذا كالملجإ الذي مع ثبات الإلجاء لا بدّ من أن يكون فاعلا ، ومع زواله قد يجوز أن لا يفعل. فإذا صحّ ذلك ، فالعاقل إذا تقرّر في عقله وجوب كل نظر يخاف من تركه ويؤمّل زوال الضرر بفعله ، ثم ورد عليه دعاء الداعي فخوّفه من ترك نظر بعينه ونبّهه على وجوه الخوف وعرّفه الأمارات القائمة في عقله في هذا الوجه ، فلا بدّ حينئذ من أن يفعل العلم بوجوب هذا النظر ، وإن كان على بعض الوجوه قد يجوز أن لا يفعله بأن تتغيّر حالته هذه. فإذا صحّت هذه الجملة ، لم يلزم في العاقل أن يزول التكليف عنه ، والحال هذه ، بل لا بدّ من أن يحصل فيه هذا العلم فتتكامل بحصوله شرائط التكليف ويلزمه النظر عند ذلك لعلمه بوجوبه (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٧ ، ١٣)

ـ إنّ العاقل يتمكّن من معرفة القبيح الذي يقبح عقلا ، ومن معرفة ما يجب من جهة العقل. وإنّما يجب هذا ويقبح ذلك ، لصفة تخصّهما ؛ فقد يصحّ منه أن يقوم بالواجب منهما ، ويتجنّب القبيح على الوجه الذي يلزم ويجب من دون المعرفة. وبيّنا مفارقة ذلك للشرعيّات (ق ، غ ١٢ ، ٥١٦ ، ١٢)

ـ إنّ العاقل إذا كان هناك أمارة صحيحة لا بدّ أن يفعلها لأنّ كمال عقله يقتضي ذلك ، حتى إنّه لو لم يفعل ذلك مثلا لم يكن مكلّفا بالنظر ، وإن كان كامل العقل حتى إنّ الله تعالى لو أراد تكليفه والحال هذه لما حسن تكليفه والحال هذه. وأما إذا تغيّرت الأمارة ولم تكن قويّة فإنّه يجوز أن يخرج عن الخوف ، ولا يقدح ذلك في شيء من كمال عقله (ن ، د ، ٥٠٥ ، ٨)

ـ ممّا تمسّكوا به في مدارك العقول ، إن قالوا (المعتزلة) : العاقل يميّز بين مقدوره ، وبين ما

٧٥٧

ليس بمقدوره ؛ ويدرك تفرقة بين حركاته الإرادية ، وألوانه التي لا اقتدار له عليها ، ووجه الفصل بين القبيلين أنّه يصادف مقدوره واقعا به على حسب قصوده ودواعيه ، ولا يقع منه ما لا يقع على حسب انكفافه وانصرافه. فإذا صادف الشيء واقعا على حسب المقصود والداعية ، لم يسترب في وقوعه به ، ثم لا يقع به إلّا الحدوث ، فليكن العبد محدثا لفعله. ولو كان فعله غير واقع به ، لكان بمثابة لونه وسائر صفاته الخارجة عن مقدوراته (ج ، ش ، ١٨٢ ، ١٠)

عاقل ذاهل

ـ ربّ فعل يقع على حسب القصد ، وربما لا يقع على حسبه ، فإنّ أفعال العاقل الذاهل غير واقعه على حسب قصده ودواعيه ، وكذلك كل ما يصدر من النائم والمغمى عليه من الأفعال. فإذا لم يطرد ما قالوه في جميع الأفعال ، فوقوع بعضها على حسب الداعية لا يدلّ على كونه واقعا بالعبد من فعله. فإنّه قد يقع الشبع عند الأكل ، والريّ عند الشرب ، واكتساب الثوب ألوانا مقصودة عند الصبغ ، وفهم المخاطب عند الإفهام وخجله ووجله عند التخصيل والتهويل ؛ فهذه الأفعال ، مع وقوعها على حسب المقصود ، ليست أفعالا لذي الدواعي والقصود (ج ، ش ، ١٨٣ ، ٢)

عالم

ـ المعتزلة تجعل العالم بالله وبالأجسام من غير أن كان ذلك من الله ، من الاجتماع والتفرّق والحركة والسكون وجميع المتولّدات مما عن الخلق مفصولا أو بائنا ، وكذلك جميع العالم عند المجوس من الخير والشر ، بل المجوس ينسبون كثيرا من الجواهر إلى إبليس ، لا تقدر المعتزلة على نسبة شيء من ذلك إلى الله في الحقيقة (م ، ح ، ٣١٥ ، ٦)

ـ معنى العالم عنده (الأشعري) جملة المخلوقات جواهرها وأعراضها. وأنكر على الجبّائي قوله إنّ العالم اسم للجماعة (أ ، م ، ٣٧ ، ٦)

ـ العالم عند أصحابنا كل شيء هو غير الله عزوجل. والعالم نوعان : جواهر وأعراض (ب ، أ ، ٣٣ ، ١٣)

ـ زعم بعض أهل اللغة أنّ العالم كل ما له علم وحسّ ولم يجعل الجمادات من العالم. وقال آخرون أنّه مأخوذ من العلم الذي هو العلامة وهذا أصحّ لأنّ كل ما في العالم علامة ودلالة دالّة على صانعه (ب ، أ ، ٣٤ ، ١)

ـ إنّ العالم كلّه ما دون الله تعالى ، وهو كلّه مخلوق لله تعالى أجسامه وأعراضه كلّها لا نحاشى شيئا منها ، ثم إذا نظر الناظر في تقسيم أنواع أعراضه وأنواع أجسامه جرت القسمة جريا مستويا في تفصيل أجناسه وأنواعه بحدودها المميّزة لها ، وفصولها المفرّقة بينها على رتبة واحدة وهيئة واحدة ، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي أنواع الأنواع ، لا تفاوت في شيء من ذلك البتّة بوجه من الوجوه ، ولا تخالف في شيء منه أصلا (ح ، ف ٣ ، ٦٨ ، ٦)

ـ العالم كله جوهر حامل ، وعرض محمول ، ولا مزيد ، والجوهر أجناس وأنواع ، والعرض أجناس وأنواع ، والأجناس محصورة ببراهين قد ذكرناها في كتاب التقريب عمدتها أنّ الأجناس أقلّ عددا من الأنواع المنقسمة تحتها بلا شكّ ، والأنواع أكثر عددا من الأجناس إذ لا بدّ من أن يكون تحت كل جنس نوعان أو

٧٥٨

أكثر من نوعين ، والكثرة والقلّة لا يقعان ضرورة إلّا في ذي نهاية من مبدأه ومنتهاه ، لأنّ ما لا نهاية له فلا يمكن أن يكون شيء أكثر منه ولا أقلّ منه ، ولا مساويا له لأنّ هذا يوجب النهاية ولا بدّ ، فالعالم إذا ذو نهاية لأنّه ليس شيئا غير الأجناس والأنواع التي للجواهر والأعراض فقط (ح ، ف ٣ ، ٩٠ ، ٧)

ـ العالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى وصفة ذاته. ثم العالم جواهر وأعراض (ج ، ش ، ٣٩ ، ٥)

ـ حكى ابن الراوندي عنه (ثمامة) أنّه قال : العالم فعل الله تعالى بطباعه (ش ، م ١ ، ٧١ ، ١٧)

عالم

ـ على العبد" أن" يعلم أنّه لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم الكريم الحليم ، وأنّ الله ، جل ثناؤه عالم بما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون ، وأنّه أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ، وأنّه لم يجبر أحدا على معصية ، ولم يحل بين أحد وبين الطاعة ، فالعباد عاملون ، والله ، جل ثناؤه ، العالم بأعمالهم والحافظ لأفعالهم ، والمحصي لأسرارهم وآثارهم ، وهو بما يعملون خبير (ر ، ك ، ١٤٠ ، ٢٠)

ـ إنّه لمّا فسد أن يكون القديم جلّ ثناؤه عالما بعلم محدث لما بيّنا ، وفسد أيضا أن يكون عالما بعلم قديم لفساد قدم الاثنين ، صحّ وثبت أنّه لم يزل عالما بالأمور دقيقها وجليلها على ما هي عليه من حقائقها لنفسه لا بعلم سواه (خ ، ن ، ٨٣ ، ٦)

ـ إنّ الله جلّ ذكره لم يزل عالما بكل ما يكون من أفعاله وأفعال خلقه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وأنّ إرساله الرسل واحتجاجه على خلقه وتعريضهم للمحنة صواب في التدبير حسن جميل لا يقدر من أنصف من نفسه وترك الميل إلى هواه أن يدفعنا عنه (خ ، ن ، ٨٧ ، ٦)

ـ القول في أنّ الله عزوجل عالم قادر. اختلفت الناس في ذلك فأنكر كثير من الروافض وغيرهم أن يكون البارئ لم يزل عالما قادرا ، وأجمعت المعتزلة على أنّ الله لم يزل عالما قادرا حيّا (ش ، ق ، ١٥٧ ، ١٤)

ـ قال قائلون منهم" ابن الراوندي" أنّ الله سبحانه لم يزل عالما بالأشياء على معنى أنّه لم يزل عالما أن ستكون أشياء ، وكذلك القول عنده في الأجسام والجواهر المخلوقات أن الله لم يزل عالما بأن ستكون الأجسام والجواهر المخلوقات (ش ، ق ، ١٥٩ ، ١٤)

ـ قال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٤ ، ١٤)

ـ قال" أبو الهذيل" : هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حيّ بحياة هي هو ، وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزّته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته لذاته ، وكان يقول : إذا قلت أنّ الله عالم ثبّتّ له علما هو الله ونفيت عن الله جهلا ودللت على معلوم كان أو يكون ، وإذا قلت قادر نفيت عن

٧٥٩

الله عجزا وأثبتّ له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور ، وإذا قلت لله حياة أثبت [له] حياة وهي الله ونفيت عن الله موتا (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٥)

ـ قال" عبّاد" : هو عالم قادر حيّ ولا أثبت له علما ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعا ولا أثبت بصرا وأقول : هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حيّ لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمّى به من الأسماء التي يسمّى بها لا لفعله ولا لفعل غيره (ش ، ق ، ١٦٥ ، ١٤)

ـ قال" ضرار" : معنى أن الله عالم أنه ليس بجاهل ومعنى أنّه قادر [أنه] ليس بعاجز ومعنى أنّه حيّ أنّه ليس بميّت (ش ، ق ، ١٦٦ ، ١٤)

ـ قال" النظّام" : معنى قولي عالم إثبات ذاته ونفي الجهل عنه ، ومعنى قولي قادر إثبات ذاته ونفي العجز عنه ، ومعنى قولي حيّ إثبات ذاته ونفي الموت عنه ، وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١)

ـ قال آخرون من المعتزلة : إنّما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها وذلك إنّا إذا قلنا أنّ الله عالم أفدناك علما به وبأنّه خلاف ما لا يجوز أن يعلم وأفدناك اكذاب من زعم أنّه جاهل ودللنا [ك] على أنّ له معلومات ، هذا معنى قولنا أنّ الله عالم (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١٣)

ـ حكي عن" معمّر" أنّه كان يقول أنّ البارئ عالم بعلم وأنّ علمه كان علما له لمعنى ، والمعنى كان لمعنى لا إلى غاية ، وكذلك كان قوله في سائر الصفات (ش ، ق ، ١٦٨ ، ٩)

ـ قال قائلون من البغداديين : ليس معنى أنّ البارئ عالم معنى قادر ولا معنى حيّ ، ولكن معنى أنّ البارئ حيّ معنى أنّه قادر ، ومعنى أنّه سميع معنى أنّه عالم بالمسموعات ، ومعنى أنّه بصير [معنى أنّه] عالم بالمبصرات ، وليس معنى قديم عند هؤلاء معنى حيّ ولا معنى عالم قادر ، وكذلك ليس معنى القول في البارئ أنّه قديم معنى أنّه عالم ولا معنى أنّه حيّ قادر (ش ، ق ، ١٦٨ ، ١٣)

ـ كان (عبد الله بن كلّاب) يقول : معنى أنّ الله عالم أنّ له علما (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١٠)

ـ اختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا وهم أربع فرق : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّا نقول للبارئ علما ونرجع إلى إنّه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنّه قادر لأنّ الله سبحانه أطلق العلم فقال : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وأطلق القدرة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (فصلت : ١٥) ، ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حيّ ولا سميع بمعنى سميع وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط ، والقائل بهذا" النظّام" وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداديين. والفرقة الثانية منهم يقولون : لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أنّ الله قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) (البقرة : ٢٥٥) أراد : من معلومه ، والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا : هذه قدرة الله أي مقدوره ، ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلّا في العلم والقدرة. والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علما هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعا هو هو ، وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذا القول" أبو الهذيل" وأصحابه. والفرقة الرابعة منهم

٧٦٠