موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

والإقدام فيما يلزمه ، ومن حمل المبهم على المفسّر ، لزم المحكم وعرض المتشابه عليه ما أمكن أن يكون ما فيه مما يلزم تعرّفه ومما إليه حاجة بأهل المحنة ، أو ترك الخوض في ذلك فيما أمكن الغنى عن تعرّف حقيقة ما فيه ، فيكون محنة الوقوف (م ، ح ، ٢٢٢ ، ١٠)

ـ المعرفة ... تتولّد عن النظر ، والنظر معلوم ، وطريقه واضح متميّز من غيره. فيجب ، إذا علم الناظر صفة النظر وصفة طريقه ، أن لا يمتنع وجوبه عليه إذا خاف من تركه ، وعلم قبح تركه ، واستحقاق الذمّ على ذلك من العقلاء. كما يعلم وجوب ردّ الوديعة إذا عرفها بعينها ، وعرف كيفية الردّ عند المطالبة. وكما يعلم قبح الكذب إذا تعيّن وميّز من غيره. ولو لا أنّ الأمر كما ذكرناه ، لم يصحّ قبح شيء من العقول ، ولا وجوب شيء فيها. وفي هذا إبطال العقل والسمع ، لأنّ السمع إنّما يرد على من قد عرف هذه الأمور ؛ فإذا بطل القول فيها ، على مذهبه (الجاحظ) ، فكيف يصحّ معرفة السمع؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٦ ، ٩)

ـ إنّ السمع هو الكتاب والسنّة ، ولا يصحّ معرفة صحّتها إلّا مع العلم بأنّه تعالى حكيم ، لا يفعل القبيح ، فلو لم يكن معرفة ذلك عقلا ، لم يصحّ معرفة السمع البتّة (ق ، غ ١٤ ، ١٥١ ، ١٤)

ـ إنّا جوّزنا ورود السمع ليكشف في التفصيل ، عمّا تقرّر جملته في العقل ، على ما بيّناه ؛ وبيّنا صحّة ذلك بأنّ النفع ، من حيث كان نفعا لا يحسن ، وإنّما يحسن لتعرّيه من مضرّة ، وما يجري مجراها. فإذا أدّى إلى مضرّة قبح. وكذلك القول في الأمور الشاقّة إنّها إنّما تقبح إذا تجرّدت ، فأمّا إذا أدّت إلى زوال مضارّ ، واجتلاب منافع ، فإنّها تجب. فجوّزنا ورود السمع بوجوب ما له صفة في العقول قد يقترن بها الوجوب على وجه ، والقبح على وجه ؛ وبيّنا أنّ السمع يكشف على الوجه الذي يجب عليه. وإذا ثبت ذلك ، وتقرّر في العقول أنّ الظلم ، مع كونه ظلما ، لا يجوز أن يقترن به الحسن والوجوب ؛ فكيف يرد السمع بحسنه ووجوبه والحال هذه؟ (ق ، غ ١٥ ، ١١٧ ، ١٩)

ـ إنّ السمع ، لو ورد بخلاف العقل ، لكان نقضا ؛ لأنّ النقض في هذا الوجه يقع على طريقتين : إحداهما تتناول الجملة والصفة دون الأعيان والأخرى تتناول الأعيان. والذي يتناول الجملة في هذا الباب أن يعلم بالعقل ، في جملة المضرّة ، أنّها ، إذا كانت ظلما ، فلا بدّ من كونها قبيحة. فلو ورد السمع بحسنها أو حسن بعضها وهذه حالها ، لكان نقضا. فأمّا ما يتناقض من جهة التغيّر فأن يعلم في العقل المعيّن أنّه يحسن ، من حيث كان نفعا محضا ، أو ما شاكله. فلو ورد السمع بقبحه لكان نقضا. وكلا الوجهين منتف عن الأدلّة ؛ لأنّها صادرة من جهة الحكيم الذي لا يجوز أن يؤتيها إلّا على الصحّة ؛ ولأنّها في نفسها لا يصحّ ذلك فيها لأمر يرجع إلى مدلولها ، وإلى المعلومات. فإذا ثبت ذلك فالواجب أن يجوز ورود السمع على الوجه الآخر ، وهو أن يعلم ، في العقل ، فيما له صفة مخصوصة ، أنّه قد يحسن ، ويقبح ، أو يجب. ويقبح مع ذلك ، تجويز تلك الصفة إذا تجرّد ، في أحد الوجهين ، واقترن به بعض الأمور في الوجه الآخر ، أو إذا وقع على وجهين لأمرين يقترنان به ، فيجوز أن يرد السمع كاشفا عمّا يقارنه ، مما يقتضي قبحه أو حسنه أو وجوبه. وقد يجوز أن يرد السمع ، في الشيء بعينه ، أنّه ،

٦٤١

على وجه دون وجه ؛ وإن كان الأقرب في السمعيّات أنها واردة على الحدّ الأوّل. وإنّما يذكر الثاني على طريقة التّبع ، وليبيّن زوال المناقضة ، من كل وجه يتأتّى ذلك منه ، بين السمع والعقل (ق ، غ ١٥ ، ١١٨ ، ١٢)

ـ أمّا السمع والعقل ، فقد قال أهل السنّة : الواجبات كلّها بالسمع ، والمعارف كلّها بالعقل. فالعقل لا يحسّن ولا يقبّح ، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف ، أي لا يوجد المعرفة ، بل يوجب (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١٩)

سمعيات

ـ أمّا السمعيّات فإنّما نتكلّم فيها وقد ختمت النبوّة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلم القديم جلّ وعزّ أنّ مصالح العباد لا تختلف في هذا الشرع إلى أن ينقطع التكليف عنهم. فحلّت هذه الشرعيّات في أنّها لا تتغيّر محلّ العقليّات ، هذا على إطلاق القول. ثم تنقسم أيضا هذه السمعيّات ففيها ما لا يتفاوتون فيه في الجملة لاتفاقهم في الأسباب ، كنحو الطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك وإن كانت التكاليف تختلف في ذلك على بعض الوجوه بالسفر والمرض وبالحيض والطهر ، وفيها ما لا يتّفقون في سببه كنحو الزكاة والحجّ والجهاد والحدود والقصاص وغير ذلك (ق ، ت ١ ، ١٦ ، ٥)

ـ السمعيات ، مثاله : أنّا ندّعي مثلا أنّ المعاصي بمشيئة الله ونقول : كل كائن فهو بمشيئة الله ، والمعاصي كائنة ؛ فهي إذن بمشيئة الله ؛ فأمّا قولنا كل كائنة فمعلوم وجودها بالحسّ ، وكونها معصية معلوم بالشرع ، وأمّا قولنا كل كائن بمشيئة الله ، فإذا أنكر الخصم ذلك منعه الشرع مهما كان مقرّا بالشرع أو كان قد أثبت عليه الدليل. فإنّا نثبت هذا الأصل بإجماع الأمّة على صدق قول القائل : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن فيكون السمع مانعا من الإنكار (غ ، ق ، ٢٢ ، ٦)

سميع

ـ قالت" الموحدة" : هو سميع بصير ، لأنّ كل حي لا آفة به هو السميع البصير ، ونفت" الموحدة" ـ مع هذا ـ مشابهة البشر عنه في جميع الصفات ، وقالت : هو عالم لذاته ، سميع بصير لذاته ، لا كما قالت" المشبهة" : إنّه محتاج إلى علم يعلم به ، وقدرة بها يقدر ، ولولاهما لكان جاهلا عاجزا ، وأنّه يرى بعين ويسمع بأذن. وقد نبّه الله تعالى على نفي التشبيه عنه ووصف نفسه بأنّه سميع بصير فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ع ، أ ، ١٣ ، ١٠)

ـ ثم ينظر في كونه (الله) حيّا لا آفة به ، فيحصل له العلم بكونه سميعا بصيرا مدركا للمدركات (ق ، ش ، ٦٥ ، ١٢)

ـ اعلم أنّه سبحانه يوصف بأنّه سميع بصير ويراد بذلك أنّه على حال لاختصاصه بها يدرك المسموع والمبصر إذا وجدا (ق ، غ ٥ ، ٢٤١ ، ٣)

ـ أمّا كونه مدركا سميعا بصيرا فيبعد أن يعلم من دون أن يعلم كونه قادرا ؛ بل لا يكفي في ذلك كونه قادرا ، بل يجب أن يعلم كونه حيّا مع كونه قادرا ، وإذا لم يعلم كونه قادرا لم يعلم شيء من الصفات ، لأنّ وجوب الصفة كيفية في الصفة ، فهي مرتبة على نفس الصفة ، فإذا لم

٦٤٢

تعلم كيفية الصفة من حيث أنّها مرتبة على نفس الصفة لا يمكن أن يعلم ما عليه القديم تعالى في ذاته (ن ، د ، ٤٦١ ، ١٤)

ـ قلنا : السميع حقيقة لغويّة مستعملة لمن يصحّ أن يدرك المسموع بمعنى محلّه الصماخ ، والبصر حقيقة كذلك لمن يصحّ أن يدرك المبصر بمعنى محلّه الحدق. والله ليس له كذلك ، فلم يبق إلّا أنّهما بمعنى عالم (ق ، س ، ٧١ ، ١٦)

سميع بصير

ـ قال (العلّاف) إنّه تعالى لم يزل سميعا بصيرا بمعنى سيسمع وسيبصر. وكذلك لم يزل غفورا ، رحيما ، محسنا ، خالقا ، رازقا ، مثيبا ، معاقبا ، مواليا ، معاديا ، آمرا ، ناهيا ، بمعنى أنّ ذلك سيكون منه (ش ، م ١ ، ٥٣ ، ٥)

ـ اتّفق المسلمون على أنّه سميع بصير لكنّهم اختلفوا في معناه. فقالت الفلاسفة والكعبي وأبو الحسين البصريّ : ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات ، وقال الجمهور منّا ومن المعتزلة والكراميّة أنّهما صفتان زائدتان على العلم. لنا أنّه تعالى حيّ ، والحيّ يصحّ اتّصافه بالسمع والبصر ، وكل من صحّ اتّصافه بصفة فلو لم يتّصف بها اتّصف بضدّها ، فلو لم يكن الله تعالى سميعا بصيرا كان موصوفا بضدّهما ، وضدّهما نقص ، والنقص على الله تعالى محال (ف ، م ، ١٢٧ ، ١١)

سنة

ـ أمّا مذهبه (الأشعري) في معنى السنّة فإنّه كان يقول إنّ معنى السنّة ما سنّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعنى قولنا" سنّه" أنّه بيّن طريقه وأوضح سبيله وشرّعه لخلقه وندبهم إليه وجعله منهاجا لهم يستنّون به ويرجعون إليه فيه. وكان يقول إنّ الوصف بالسنّة لا يختصّ ما هو فرض من ندب بل يعمّهما ويجري عليهما فيقال" سنّة واجبة" و" سنّة غير واجبة". وهذا خلاف ما يقع في وهم بعض المتفقّهة أنّ السنّة خلاف الفريضة بل كل فريضة سنّة وإن لم تكن كل سنّة فريضة (أ ، م ، ٢٦ ، ١)

ـ ما ذهب إليه الشافعيّ وغيره : في أنّ القرآن لا ينسخ بالسنّة القاطعة ، لأنّها إذا كانت دلالة على حدّ القطع ، فهي بمنزلة القرآن فلا يجوز ألّا تدلّ على النسخ ، وهي دالّة على سائر الأمور ، لأنّها في دلالتها لا يجوز أن تختصّ ، لهذه الجملة ما عدل الفقهاء ، من أصحاب الشافعي إلى أن نسخ الكتاب بالسنّة لا يوجد ؛ ولو وجدت سنّة يصحّ أن تكون ناسخة لوجب كونها ناسخة (ق ، غ ١٧ ، ٩٠ ، ٦)

ـ قولنا" نفل" يفيد أنّه طاعة ، غير واجبة ؛ وأنّ للإنسان فعله من غير لزوم وحتم. وكذلك وصفنا له بأنّه" تطوّع" يفيد أنّ المكلّف انقاد إليه مع أنّه قربة ، من غير لزوم وحتم. ويوصف بأنّه" سنّة". ويفيد في العرف أنّه طاعة ، غير واجبة. ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٧)

ـ ذكر قاضي القضاة ، أنّ قولنا" سنّة" لا يختصّ بالمندوب إليه دون الواجب. وإنّما يتناول كل ما علم وجوبه ، أو كونه ندبا بأمر النبي عليه‌السلام ، وبإدامة فعله. لأنّ السنّة مأخوذة من الإدامة. ولذلك يقال : إنّ الختان من السنّة. ولا يراد به أنّه غير واجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٩)

ـ حكي عن بعض الفقهاء أنّ قولنا" سنّة" يختصّ

٦٤٣

بالنفل ، دون الواجب. وهذا أشبهه من جهة العرف. ويوصف بأنّه" إحسان" إذا كان نفعا موصلا إلى الغير ، قصدا إلى نفعه. ويوصف بأنّه" مأمور به" ، لأنّ أمر الله تعالى قد تناوله. فهذه هي الأوصاف التي تختصّ" الندب" (ب ، م ، ٣٦٧ ، ٢٢)

ـ أمّا السنّة التي يؤخذ عنها أحكام الشريعة فهي المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمّا بتواتر يوجب العلم الضروري كنقل أعداد الركعات وأركان الصلاة ونحوها ، وإمّا بخبر مستفيض يوقع العلم المكتسب كنقلهم نصب الزكوات وأركان الحجّ ، وإمّا برواية آحاد توجب روايتهم العمل دون العلم (ب ، أ ، ١٧ ، ١٥)

ـ السنّة ، لغة ، الطريقة والعادة ، ودينا : الملّة. وعرفا : نقل خبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره ونهيه والإخبار عن فعله وتقريره. وفي عرف الفقهاء : ما لازمه الرسول من النقل (ق ، س ، ١٤٩ ، ٧)

سنّي موحّد

ـ الصحيح عندنا أنّ أمّة الإسلام تجمع المقرّين بحدوث العالم ، وتوحيد صانعه وقدمه ، وصفاته ، وعدله ، وحكمته ، ونفي التشبيه عنه ، وبنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورسالته إلى الكافة ، وبتأبيد شريعته ، وبأن كل ما جاء به حق ، وبأنّ القرآن منبع أحكام الشريعة ، وأنّ الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة إليها ، فكل من أقرّ بذلك كلّه ولم يشبه ببدعة تؤدّي إلى الكفر فهو السنيّ الموحّد (ب ، ف ، ١٣ ، ١٨)

سهو

ـ إنّما يشذّ عن ذلك على ما قاله رحمه‌الله السهو ، لأنّ المتقدّمين من شيوخنا أثبتوه معنى يضادّ العلم ولم يجعلوا أحدنا قادرا على السهو وإن وجبت قدرته على العلم. ويختلف كلام الشيخ أبي عبد الله في قدرتنا على السهو. فربّما قال إنّ العباد لا يقدرون عليه على مثل طريقة من تقدّم. وربّما قال : يقدرون عليه ، ولكن لا يقع لعدم الدواعي إليه. والصحيح على ما اختاره أبو إسحاق وقاضي القضاة أنّه ليس بمعنى وإنّما يرجع في السهو إلى زوال العلم عن أحدنا بالأمور المعتادة مع بقاء العقل أو بقاء بعض العلوم. فإذا كان الصحيح ذلك لم يخرج شيء من الأجناس عن القضية التي قدّمناها في أنّ القادر على الشيء وله جنس ضدّ يجب أن يقدر عليه أيضا. وهذا هو أحد الأدلّة على أنّ السهو ليس بمعنى ، وإلّا كان يجب إذا قدرنا على الاعتقاد أن نقدر عليه أيضا (ق ، ت ٢ ، ٨٦ ، ٦)

ـ اعلم أنّ السهو إن كان معنى ، فإنّما ينافي العلم والاعتقاد ؛ فأمّا أن ينافي الإرادة فلا ، لأنّه لو نافاها مع نفيه للعلم لأدّى إلى كونه نافيا لشيئين مختلفين غير متضادّين ، وذلك لا يصحّ على ما قدّمناه في باب الصفات (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦٢ ، ٤)

ـ إنّ من حق السهو أن يزيل التكليف ، إذا تعلّق السهو بالفعل. لأنّه لا يجوز منه ، تعالى ، أن يكلّفه إيجاد فعل هو ساه عنه. لأنّه إذا كان كذلك ، لم يمكنه أن يفعله أو يتحرّز من تركه على الوجه الذي ينبغي أن يفعل الواجب عليه. فيصير حاله مع هذا الفعل خاصّة ، كحال من لا عقل له في سائر الأفعال ؛ بل لا بدّ من ذلك ، لأنّ من لا عقل له قد يعرف الأفعال ويميّزها

٦٤٤

من غيره ، والساهي لا يصحّ ذلك فيه في نفس ما ينهي عنه. وليس كذلك حال المعرفة الواقعة عن النظر ، لأنّه إذا عرف سببها وتصوّرها ، خرج من أن يكون حكمه معها حكم الساهي مع الفعل الذي سها عنه. فلذلك حسن منه ، تعالى ، أن يكلّفه المعرفة من حيث يمكنه أن يوجدها بإيجاد سببها ، ويتحرّز من تركها ، وذلك يتعذّر في الساهي عن الفعل (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٨ ، ٢١)

ـ إنّ غرض الفقهاء بقولهم : سها في الصلاة ، ليس أنّه خرج من أن يعلم الصلاة وأركانها وشروطها ، وإنّما يعنون بذلك أنّه ظنّ أنّه ليس في الصلاة ، وزال عن قلبه العلم بأنّه داخل في الصلاة ، فأخذ يفعل أفعال غير المصلّى. وكذلك من سها في الصوم وأكل ، إنّما يريدون به أنّه زال عن قلبه العلم بأنّه داخل في الصوم ، فظنّ أنّه ليس بصائم يفعل ما يفعله المفطر. وهذا السهو لا يزيل عنه التكليف في سائر الوجوه ، لأنّه يفارق حاله حال السهو الحادث بالنوم والغشي والسكر ، لأنّه ينبئ عن زوال العلم بشيء مخصوص. وإذا ثبت ذلك ، لم يكلّف في تلك الحال الاستمرار على فعل الصوم والصلاة ، إذا زال عن قلبه بدخوله فيهما على وجه لا يمكنه إزالته عن نفسه. فإذا صحّ أن المراد بهذا القول ما ذكرناه ، فإنّما يجب سقوط التكليف عنه في ذلك الباب المخصوص ، ما دام السهو قائما دون سائر الأبواب التي يتناولها التكليف (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٩ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ مذهب أبي القاسم ، يقتضي أنّ الشيء الواحد يجوز أن ينفي شيئين مختلفين غير ضدّين ، لأنّه يقول في السهو ، إنّه يضادّ الإرادة والعلم ، ولا يجوز ذلك عند مشايخنا (ن ، م ، ١٦٤ ، ١٥)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ السهو عرض من الأعراض ، وإليه كان يذهب أبو علي. وقال أبو هاشم في بعض المواضع ، أنّ السهو يجري مجرى فساد القلب ، وقال في موضع آخر ، أنّه معنى يضادّ العلم ، وإليه يذهب الشيخ أبو عبد الله. وقال أبو إسحاق السهو ليس بمعنى ، وهو الصحيح عندنا (ن ، م ، ٣٤١ ، ١١)

ـ السهو الذهول عن المعلوم (ق ، س ، ٥٤ ، ١٢)

٦٤٥

ش

شاء

ـ قال (الحسن البصري) في قوله في الضلال والهدى ، وفي قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) (الأنعام : ١١٢) ، أنّ المراد إظهار قدرته على ما يريد ، كما قال : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (سبأ : ٩) ، وقال : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) (يس : ٦٧) ، وإنّما دلّ بذلك على قدرته ، فذلك غير الذي شاءه منهم (ر ، أ ، ١٢٢ ، ٥)

ـ قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) فإنّ هذا خبر عن قدرته وأنّ الذين عصوه وكفروا به لم يغلبوه وأنّه لو شاء لأدخلهم في الإيمان كرها وأجبرهم عليه جبرا (خ ، ن ، ٨٩ ، ١٤)

ـ قوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص : ٥٦) فإنّما أخبر نبيّه عليه‌السلام أنّه" لا يقبل منك من تحب قبوله منك ، ولكنّ الله قادر على أن يدخل في الإيمان من يشاء من حيث يجبره عليه ويضطرّه إليه". وقالوا فيها وجها آخر قالوا : " إنّك لا تحكم بالهداية لمن تحب لأنّك لا تعلم باطن الخلق ، ولكن الله يحكم لمن يشاء (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (الأنعام : ١١٧) أي من علم منه أن باطنه كظاهره فذلك المهتدي عنده ، وإنّما عليك أنت الحاكم بالظاهر" (خ ، ن ، ٩٠ ، ٤)

ـ إنّ الله تعالى مريد لكل شيء يجوز أن يراد قول الله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان : ٣٠) فأخبر أنّا لا نشاء إلا ما شاء أن نشاءه وقال تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) وقال تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) وقال (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (الأنعام : ١١٢) وقال (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (البقرة : ٢٥٣). فأخبر أنّه لو لم يرد القتال لم يكن وأن ما أراد من ذلك فقد فعله (ش ، ل ، ٣١ ، ٢)

ـ زعموا (المعتزلة) أنّ الله عزوجل يشاء ما لا يكون ، ويكون ما لا يشاء ، خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أنّ ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وردا لقول الله عزوجل : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان : ٣٠).

فأخبر أنّا لا نشاء شيئا إلّا وقد شاء الله أن نشاءه (ش ، ب ، ١٢ ، ٩)

ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) (إبراهيم : ١٩ ؛ فاطر : ١٦) أي هو قادر أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم ، إعلاما منه باقتداره على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم ، يقدر على الشيء وجنس ضدّه (ز ، ك ٢ ، ٣٧٢ ، ١٥)

ـ ولا تقولنّ لأجل شيء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) (الكهف : ٢٣) الشيء (غَداً) (الكهف : ٢٣) أي فيما يستقبل من الزمان ، ولم يرد الغد خاصة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الكهف : ٢٤) متعلّق بالنهي لا بقوله إنّي فاعل ، لأنّه لو قال إنّي فاعل كذا إلّا أن يشاء الله كان معناه : لا أن تعترض مشيئة الله دون فعله ، وذلك مما لا مدخل فيه للنهي. وتعلّقه بالنهي على وجهين : أحدهما ولا تقولّن ذلك

٦٤٦

القول إلّا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه. والثاني ولا تقولنّه إلّا بأن يشاء الله : أي إلّا بمشيئة الله وهو في موضع الحال : يعني إلّا ملتبسا بمشيئة الله قائلا إن شاء الله. وفيه وجه ثالث وهو أن يكون إن شاء الله في معنى كلمة تأبيد كأنّه قيل : ولا تقولنّه أبدا ، ونحوه قوله (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الأعراف : ٨٩) لأنّ عودهم في ملّتهم مما لن يشاءه الله ، وهذا نهي تأديب من الله (ز ، ك ٢ ، ٤٧٩ ، ١٦)

ـ (لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الشورى : ٨) أي مؤمنين كلهم على القسر والإكراه كقوله تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) وقوله تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) والدليل على أنّ المعنى هو الإلجاء إلى الإيمان قوله (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : ٩٩) وقوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) (يونس : ٩٩) بإدخال همزة الإنكار على المكره دون فعله دليل على أنّ الله وحده هو القادر على هذا الإكراه دون غيره ؛ والمعنى : ولو شاء ربّك مشيئة قدرة لقسرهم جميعا على الإيمان ، ولكنّه شاء مشيئة حكمة فكلّفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته وهم المرادون بمن يشاء (ز ، ك ٣ ، ٤٦١ ، ٢٣)

ـ (فَمَنْ شاءَ) (المزمل : ١٩) فمن اختار الخير لنفسه وحسن العاقبة (ز ، ك ٤ ، ٢٠١ ، ٩)

شاء

ـ يقال لهم (للقدرية) : خبرونا عن مطالبة رجل بحق ، فقال له : والله لأعطينّك ذلك غدا إن شاء الله ، أليس الله شائيا أن يعطيه حقه؟ فإن قالوا : نعم. يقال لهم : أفرأيتم إن جاء الغد فلم يعطه حقه ، أليس للا يحنث؟ فلا بدّ من نعم. فيقال لهم : فلو كان الله شاء أن يعطيه حقه لحنث إذا لم يعطه ، كما لو قال : والله لأعطينّك حقك إذا طلع الفجر غدا ، ثم طلع ولم يعطه يكون حانثا (ش ، ب ، ١٤٩ ، ١٢)

شارع

ـ إنّ الله تعالى خلق هذه الدار لمحنة أهلها ، وجعل لهم دارا يجزيهم فيها ، مما لو لا هي لكان يكون خلق هذه الدار بما فيها عبثا ؛ إذ يكون خلق الخلق للفناء بلا عواقب لهم ، وذلك عبث في العقول ؛ لأنّ كل شارع ـ فيما لا عاقبة له ـ عابث ، و ـ فيما لا يريد معنى يكون في العقل ـ هازل ؛ ولذلك قال (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون : ١١٥) (م ، ت ، ٦١ ، ٢)

شاك

ـ إنّ الساهي ليس بأكثر من أنّه غير عالم بالأمر الذي يصحّ أن يعلمه ، وغير ظان أو معتقد ، وغير شاك. كما قلنا أن كونه شاك يرجع إلى خروجه من أن يكون عالما بالشيء ، أو في حكم العالم به ، والطريقة في الموضعين واحدة (ن ، م ، ٣٤١ ، ١٦)

شأن

ـ الشأن : الطلب والقصد ، يقال شأنت شأنه : أي قصدت قصده (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٧)

ـ أمّا قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن : ٢٩) فإنّها شئون بيديها لا شئون يبتدئها (ز ، ك ٤ ، ٤٧ ، ٨)

٦٤٧

شاهد الحال

ـ قال أبو محمد ورأيت بعض أصحابنا يذهب إلى شيء يسمّيه شاهد الحال وهو أنّ من كان مظهر الشيء من الديانات متحمّلا للأذى فيه ، غير مستجلب بما يلقي من ذلك حالّا ، فإنّه مقطوع على باطنه وظاهره قطعا لا شكّ فيه ، كعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيّب والحسن البصري وابن سيرين ومن جرى مجراهم ممّن قبلهم أو معهم أو بعدهم ، فإنّ هؤلاء رضي الله عنهم رفضوا من الدنيا ما لو استعملوه لما حطّ من وجاهتهم شيئا ، واحتملوا من المضض ما لو خفّفوه عن أنفسهم لم يقدح ذلك فيهم عند أحد ، فهؤلاء مقطوع على إسلامهم عند الله عزوجل وعلى خيرهم وفضلهم ، وكذلك نقطع على أنّ عمر بن عبيد كان يدين بإبطال القدر بلا شك في باطن أمره ، وأنّ أبا حنيفة والشافعي رضي الله عنهما كانا في باطن أمرهما يدينان الله تعالى بالقياس ، وأنّ داود بن علي كان في باطن الأمر يدين الله تعالى بإبطال القياس بلا شك ، وأنّ أحمد بن حنبل رضي عنه كان يدين الله تعالى بالتديّن بالحديث في باطن أمره بلا شكّ وبأنّ القرآن غير مخلوق بلا شكّ ، وهكذا كل من تناصرت أحواله وظهر جدّه في معتقد ما وترك المسامحة فيه واحتمل الأذى والمضض من أجله (ح ، ف ٤ ، ٦٢ ، ٢١)

شاهد هو أصل للعلم بالغائب

ـ إنّ من لا قدرة له يخرج الذي يكون منه مضطربا فاسدا ، ولا يملك الشيء وضدّه ، فثبت أنّ ما كان منه بقدرة كان واختيار ، وذلك أمارات الفعل الحقيقية في الشاهد الذي هو أصل للعلم بالغائب (م ، ح ، ٤٥ ، ١٣)

شاهد هو دليل الغائب

ـ كذلك لا يوجد في الشاهد قادر غير ممنوع لا فعل له ، وقادر على الكلام لا كلام له ، والشاهد هو دليل الغائب ، فلزم ذلك فيه ، وبالله التوفيق (م ، ح ، ٤٦ ، ١٠)

ـ لو كان ما يجوز في الشاهد هو دليل الغائب ليجب التفريق بين / الفعل والقول في الغائب ، كما وجب في الشاهد ، وهذا يبيّن وهمه (م ، ح ، ٢٤١ ، ١٥)

شاهد وغائب

ـ كان (الأشعري) يقول : " معنى قولنا (شاهد وغائب) كمعنى قولنا (أصل وفرع) و (منظور فيه ومردود إلى المنظور فيه) و (معلوم ومشكوك فيه مطلوب علمه من المعلوم) ". وكان يقول : " ليس المراد بالغيبة هاهنا البعد والحجاب ، وإنّما المراد غيبة العلم وذهاب العالم عن العلم به". وكان يقول في معنى المشاهدة والشاهد إنّ ذلك يرجع إلى المعلومات التي هي الأصل في باب الاستدلال (أ ، م ، ٢٨٦ ، ١٩)

ـ إنّ الواجب في حقائق الصفات أن تعلم في الشاهد أولا ، ثم تجري على الغائب (ق ، غ ٧ ، ٤٩ ، ١٩)

ـ بيّنا في باب الصفات أنّ حقيقة الصفة لا يجوز أن تختلف في الشاهد والغائب ، وكشفنا القول فيه ؛ فيجب أن تكون حقيقة المتكلّم أنّه فعل الكلام في القديم والمحدث جميعا ، وهذا يبطل وصفهم له بأنّه متكلّم فيما لم يزل. ويجب أن يوصف بذلك عند فعله الكلام (ق ، غ ٧ ، ٥٣ ، ١٤)

ـ إنّما تعقل الصفة في الشاهد ثم تثبت في الغائب على مثلها. ويفصل بينهما في وجه استحقاقها.

٦٤٨

فأمّا إذا لم تثبت في الشاهد أصلا فإثباتها في الغائب محال (ق ، غ ٧ ، ٧٦ ، ١٥)

ـ الدلالة على أنّه جلّ وعزّ لا يصحّ فيما يفعله (الله) متولّدا أن يبتدئه ، لأنّ هذه العلّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، ومما يدلّ على ذلك أنّا قد بيّنا أنّ الوجود لا يصحّ فيه تزايد ، فلو صحّ فيما نفعله بسبب أن نبتدئه لصحّ منّا ذلك وإن تقدّم السبب ، لأنّ تقدّمه لا يغيّر حال القدرة وحال القادر ، فكان يجب أن يكون ذلك السبب قد وجد من كلا الوجهين ، فلا يصحّ أن يوجد منهما جميعا ، وحاله في الوجود كحاله لو لم يجز أن يوجد إلّا من أحد الوجهين ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن لا يكون للوجه الآخر تأثير البتّة ، وقد علمنا فساد ذلك (ق ، غ ٩ ، ١١٦ ، ١)

ـ إنّ من حقّ القادر أن يصحّ الفعل منه على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه ؛ لأنّ الإيجاد من جهته كالفرع على صحّة وجوده في نفسه ، ولذلك نحيل كونه قادرا على الشيء إذا استحال وجوده في نفسه. وهذه القضيّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، فلذلك أثبتناه تعالى قادرا لم يزل. وإن استحال وقوع الفعل منه على وجه يصحّ وصفه بأنّه في الثاني أو في الثالث ولا ينقض ذلك كونه قادرا ، كما يصحّ أن يقدر أحدنا على ما يفعله بعد سنة ، وإن استحال وجوده في الأمقاط قبله ، ولا ينقض ذلك كونه قادرا. وليس كذلك العلّة ؛ لأنّ وجودها ولا (أثر لها) يوجب الحكم بنقض كونها علّة ؛ من حيث وجب فيها أن تكون موجبة (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٨)

ـ إنّ الخبر الصدق إذا كان الغرض فيه حصول دلالته على ما يدلّ عليه ، وظهور فائدته التي هي مراد المتكلّم ، وما يدلّ مراده عليه فلا بدّ من أن يقبح متى لم يحصل فيه ما ذكرناه من الغرض ، ولا فرق بين أن لا يحصل ذلك فيه لأمر يرجع إلى المواضعة ، أو إلى المخبر والمخاطب ، لأنّ في الوجهين جميعا يصير الخبر كلّا خبر ، ويصير الكلام كالسكوت ، ويقدح ذلك في طريقة البيان والإفادة بالكلام ، وما هذا حاله لا بدّ من أن يكون قبيحا ، في الشاهد والغائب ، لكنّ الشاهد يخالف الغائب من حيث نضطرّ إلى قصد المتكلّم ، ومن القديم تعالى لا يصحّ ذلك على ما قدّمنا القول فيه ، فلا يخرج خطاب أحدنا في الشاهد ، وإن صيّر بعض أخباره في حكم السكوت (من أن يقع) البيان به على طريقة الاضطرار ، أو إذا تغيّرت الحال ، وليس كذلك حال القديم تعالى ، لأنّا متى جوّزنا في بعض أخباره ما ذكرناه ، أدّى إلى أن يكون كل كلامه مما لا يقع به البيان ، وأن يكون وجوده كعدمه ، وإذا كان كون الفعل عبثا يقتضي قبحه ، فبأن يجب قبحه إذا اقتضى فيه وفي غيره أن يكون عبثا ولا يقع الغرض به ، أولى (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ١٧)

ـ الفرق بين الشاهد والغائب ، وهو حصول أمارة مميّزة من خطابه الذي يعمّى فيه المراد وبين ما يظهر وحصول الاضطرار إلى قصده مرّة بعد مرّة. وبيّنا أنّه لو كان خطاب الواحد منّا لا يكون إلّا دلالة على طريقة واحدة ، كما نقوله في خطابه تعالى ، لكانت الحال واحدة (ق ، غ ١٧ ، ٤٢ ، ١٧)

ـ إنّ إثبات المحدث في الغائب لا يمكن إلّا بعد إثباته في الشاهد ، ولو صحّ ما ذكرناه في الشاهد من أنّ أحدنا محدث لتصرّفه لم يتوجّه عليه الاعتراض ، لأنّ الصحيح لا يتوجّه عليه

٦٤٩

الاعتراض. وإن لم يصحّ هذا في الشاهد لم يثبت في الغائب محدث ، فلا يمكن أن يعترض به على ما في الشاهد (ن ، د ، ٣٠٣ ، ١٧)

ـ إن قيل : فما الدليل على أن الله تعالى قادر؟ قيل له : الدليل على ذلك صحّة وقوع الفعل. فإن قيل : فلم قلتم إن صحّة وقوع الفعل تدلّ على كونه قادرا؟ قيل له : نردّ ذلك إلى الشاهد ، فنقول : إنّا وجدنا في الشاهد جملتين صحّ من أحدهما الفعل وتعذّر على الآخر ، مع تساويهما في سائر الصفات ، فكان يجب أن يكون من صحّ منه الفعل مفارقا لمن تعذّر عليه بأمر من الأمور ، لولاه لم يكن هو بأن يصحّ منه الفعل أولى من أن يتعذّر ، ولا صاحبه بأن يتعذّر عليه أولى من أن يصحّ ـ وهذا الموضع هو الذي به نعلم المؤثّر بأدنى تأمّل (ن ، د ، ٤٦٩ ، ٥)

ـ إنّ كون أحدنا عالما لو كان أمرا زائدا على كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه لكان يجب في نفس العلم أن يكون أمرا زائدا على الاعتقاد الذي يقتضي سكون النفس كما ذهب إليه أبو الهذيل. وقد أبطلنا ذلك حيث تكلّمنا على شيخنا أبي الهذيل. فثبت بهذا أنّ المرجع بكونه عالما إنّما هو إلى كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه. فإذا كان هذا مدلول الدلالة وجب أن لا نعرف الحال كان شاهدا أو غائبا ، لأنّ ما كان من مدلول الدلالة لا يعرف في الشاهد والغائب ، فكان يجب على هذا أن يكون القديم تعالى حاصلا على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه ، وإن لم يوصف بذلك (ن ، د ، ٤٩٤ ، ١٧)

ـ إنّ صحّة الفعل لمّا كانت من حكم كون الذات قادرا لم يفترق الحال بين أن تكون الصفة ذاتية أو معنوية وكذلك صحّة الفعل على وجه الإحكام والاتساق لمّا كان من حكم كون الذات عالما لم يفترق الحال في ذلك بين الشاهد والغائب (ن ، د ، ٤٩٦ ، ٢)

ـ ما كان طريقا إلى الشيء وينكشف به لم يفترق الحال فيه شاهدا وغائبا ، لأنّه من هذا الوجه صار كالحقيقة فيه (ن ، د ، ٥٣١ ، ٩)

ـ إنّ مجرّد الصفة لا يقتضي العلم ولا يكون طريقا إليه ولا كاشفا عنه ؛ وإنّما الطريق إلى العلم تجدّد الصفة مع جواز أن لا تتجدّد وهذه الطريقة غير موجودة في الغائب ، فجاز أن يفترق الحال في ذلك شاهدا وغائبا. وكذلك صحّة أن يحيى ليس بشرط في وجود البنية ولا كاشفا عنها ، بل نحن نعلم البنية بالإدراك ضرورة ، فإذا لم يكن هذا الحكم طريقا إلى هذه الأمور جاز أن يختلف الحال في ذلك شاهدا وغائبا (ن ، د ، ٥٣٣ ، ٦)

ـ إنّ أحدنا إذا كان عالما قادرا إنما وجب أن يكون جسما ، لأنّه عالم بعلم وقادر بقدرة ، وكلاهما يحتاجان في وجودهما إلى محل مبني بنية مخصوصة وذلك لا يكون إلّا جسما ، فهذا هو العلّة في أنّ العالم القادر في الشاهد يجب أن يكون جسما ، وأنّ الجزء المنفرد لا يجوز أن يكون عالما قادرا. فإذا كان هذا هو العلّة في الشاهد فلا يجب في الغائب إذا فقدت هذه العلّة ، ولو كان عالما قادرا ، أن يكون جسما (ن ، د ، ٥٣٦ ، ٥)

ـ العلم ليس بمحكم في نفسه ، حتى يقال : إنّه إنّما وجب أن يكون عالما لفعله ما هو محكم من الأفعال ، فقد يعلم أحدنا بأنّه عالم بأن يعلم سكون نفسه ، وإن لم يستدلّ على ذلك بالأفعال المحكمة. يبيّن ما ذكرناه أنّه ، وإن كان هناك طريق آخر ، فما ذكرناه لا يخرج من أن يكون

٦٥٠

طريقا. فإذا ثبت أنّ كونه عالما طريق إلى كونه حيّا وجب أن لا يختلف شاهدا وغائبا لأنّ هذا هو حال الطريق (ن ، د ، ٥٥٣ ، ١)

ـ قد ثبت أنّ أحدنا حيّ ، وثبت أنّ كونه قادرا تعلّق بكونه حيّا ؛ والصفة متى تعلّقت بأخرى على طريقة الصحة فإنها لا تتعلّق إلّا بها ، شاهدا كان أو غائب (ن ، د ، ٥٥٤ ، ١٠)

ـ أمّا قولهم لا يفعل فعل من فاعلين هذا فعله كله ، وهذا فعله ، فإنّ هذا تحكم ونقصان من القسمة أوقعهم فيها جهلهم وتناقضهم ، وقولهم إنّما يستدلّ بالشاهد على الغائب ، وهذا قول قد أفسدناه في كتابنا في الأحكام في أصول الأحكام بحمد الله تعالى ، ونبيّن هاهنا فساده بإيجاز فنقول وبالله تعالى التوفيق ، أنّه ليس عن العقل الذي هو التمييز شيء غائب أصلا وإنّما يغيب بعض الأشياء من الحواس ، وكل ما في العالم فهو مشاهده في العقل المذكور لأنّ العالم كلّه جوهر حامل وعرض محمول فيه ، وكلاهما يقتضي خالقا أوّلا واحدا لا يشبهه شيء من خلقه في وجه من الوجوه ، فإن كانوا يعنون بالغائب الباري عزوجل فقد لزمه تشبيهه بخلقه إذ حكموا بتشبيه الغائب بالحاضر ، وفي هذا كفاية ، بل ما دلّ الشاهد كلّه إلّا أنّ الله تعالى بخلاف كل من خلق من جميع الوجوه ، وحاشا الله أن يكون جلّ وعزّ غائبا عنّا بل هو شاهد بالعقل ، كما نشاهد بالحواس كل حاضر ، ولا فرق بين صحّة معرفتنا به عزوجل بالمشاهدة بضرورة العقل ، وبين صحّة معرفتنا لسائر ما نشاهده (ح ، ف ٣ ، ٧٦ ، ١)

ـ نص هذا السمناني أيضا على أنّ الله تعالى لمّا كان حيّا عالما كان موصوفا بالحياة والعلم والقدرة والإرادة حتى لا يختلف الحال في ذلك في الشاهد والغائب ، هذا نص كلامه وهذا تصريح منه على أنّ الله تعالى حالا لم يخالفه فيها خلقه ، بل هو وهم فيها سواء ، ونص هذا السمناني على أنّه إذا كانت الصفات الواجبة لله تعالى في كونه عالما قادرا لا يغني وجوبها له عن ما هو مصحّح لها من الحياة فيه ، كما لا يوجب غناه عمّا يوجب كونه عالما قادرا عن القدرة والعلم (ح ، ف ٤ ، ٢١٠ ، ٤)

ـ قال السمناني : إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله مريدا لنفسه حسب ما قاله النجّار والجاحظ ، قيل له أنكرنا ذلك لما قدّمنا ذكره من أنّ الواحد من الخلق مريد بإرادة ولا يخلو أن يكون حقيقة المريد من له الإرادة ، أو كونه مريدا وجود الإرادة له ، وأي الأمرين كان وجبت مساواة الغائب الشاهد في هذا الباب (ح ، ف ٤ ، ٢١٠ ، ١٤)

ـ الجامع بين الشاهد والغائب أربعة : أحدها العلّة ؛ فإذا ثبت كون حكم معلولا بعلّة شاهدا وقامت الدلالة عليه ، لزم القضاء بارتباط العلّة بالمعلول شاهدا وغائبا ، حتى يتلازما وينتفي كل واحد منهما عند انتفاء الثاني ، وهذا نحو ما حكمنا بأنّ كون العالم عالما شاهدا ، معلّل بالعلم ... الطريقة الثانية في الجمع الشرط ؛ فإذا تبيّن كون الحكم مشروطا بشرط شاهدا ، ثم يثبت مثل ذلك الحكم غائبا ، فيجب القضاء بكونه مشروطا بذلك الشرط اعتبارا بالشاهد ؛ وهذا نحو حكمنا بأنّ كون العالم عالما مشروط بكونه حيّا ، فلمّا تقرّر ذلك شاهدا اطرد غائبا. والطريقة الثالثة الحقيقة : فمهما تقرّرت حقيقة شاهدا في محقّق اطردت في مثله غائبا ، وذلك نحو حكمنا بأنّ حقيقة العالم ، من قام به العلم. والطريقة الرابعة في الجمع الدليل ؛ فإذا

٦٥١

دلّ دليل على مدلول عقلا لم يوجد الدليل غير دالّ شاهدا وغائبا ، وهذا كدلالة الإحداث على المحدث (ج ، ش ، ٩٤ ، ٦)

ـ كما دلّت الأفعال على كونه عالما ، قادرا ، مريدا ، دلّت على العلم والقدرة والإرادة ، لأنّ وجه الدلالة لا يختلف شاهدا وغائبا (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٤)

ـ لم ننف (أصحاب الشهرستاني) الوجوه والاعتبارات العقليّة جمعا بين الشاهد والغائب بالعلّة والمعلول ، والدليل والمدلول ، وغير ذلك ، فإنّ العقل إذا وقف على المعنى الذي لأجله صحّ الفعل من الفاعل في الشاهد ، حكم على كل فاعل كذلك (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٢)

ـ إنّ الطرد والعكس شاهدا وغائبا إنّما يلزم بعد تماثل الحكمين من كل وجه لا من وجه دون وجه ، والخصم ليس يسلّم تماثل الحكمين أعني عالميّة الباري تعالى وعالميّة العبد ، بل لا تماثل بينهما إلّا في اسم مجرّد ، وذلك أنّ العلمين إنّما يتماثلان إذا تعلّقا بمعلوم واحد ، والعالميّتان كذلك ، ومن المعلوم الذي لا مريّة فيه أنّ عالميّة الغائب وعالميّة الشاهد لا يتماثلان من كل وجه ، بل هما مختلفان من كل وجه ، فكيف يلزم الطرد والعكس والإلحاق والجمع. أليس لو ألزم طرد حكم للعالميّة في الغائب من تعلّقها بمعلومات لا تتناهى ، وحكم القادريّة في الغائب من صلاحية الإيجاد والتعلّق بالمقدورات التي لا تتناهى إلى غاية حتى يحكم على ما في الشاهد بذلك ، لم يلزم ، فلذلك احتياج العالميّة في الشاهد إلى علّة لا يستدعي طرده في الغائب ، فإذا لا تعويل على الجمع بين الشاهد والغائب بطريق العلّة والمعلول ، بل إن قام دليل في الغائب على أنّه عالم بعلم قادر بقدرة ، فذلك الدليل مستقل بنفسه غير محتاج إلى ملاحظة جانب الشاهد (ش ، ن ، ١٨٥ ، ١٥)

ـ من الجمع بين الشاهد والغائب الشرط والمشروط قالت الصفاتيّة ، ألستم وافقتمونا على أنّ الشرط وجب طرده شاهدا وغائبا ، فإنّ كون العالم عالما لمّا كان مشروطا بكونه حيّا في الشاهد وجب طرده في الغائب ، حتى إذا ثبت كونه حيّا بهذا الطريق ، كذلك في العلم ، وأنتم ما فرّقتم في الشرط بين الجائز والواجب ، لذلك يلزمكم في العلم أن لا تفرّقوا في العلّة بين الجائز والواجب. وهذا لازم على المعتزلة غير أنّ لهم ولغيرهم طريقا آخر في إثبات كونه تعالى حيّا بدون الشرط ، فإنّ الحياة بمجرّدها لم تكن شرطا في الشاهد ما لم ينضمّ إليها شرط آخر ، فإنّ البنية على أصلهم شرط في الشاهد ثم لم يجب طرده في الغائب ، وانتفاء الأضداد شرط حتى يتحقّق العلم ، ويجوز أن يكون المعنى الواحد شرطا لمعان كثيرة ، ويجوز أن تكون شروط كثيرة لمعنى واحد ، وبهذا يتحقّق التمايز بين الشرط والعلّة ، فلا يلزم الشرط على القوم ولكن يلزم على كل من قال بالعلّة والمعلول والشرط والمشروط. سؤال التقدّم والتأخّر بالذات وإن كانا متلازمين في الوجود ، فإنّ العلّة إنّما صارت مقتضية للحكم لاستحقاقها التقدّم عليه بذاته ، والمعلول إنّما صار مقتضيا للعلّة لاستحقاقه التأخّر عنها بذاته ، وبهذا أمكنك أن تقول إنّما صار العالم عالما لقيام العلم به ، ولا يمكنك أن تقول إنّما قام العلم به لكونه عالما ، ولو كان حكمهما في الذات حكما

٦٥٢

واحدا لم يثبت هذا الفرق. وبمثل هذا نفرّق بين القدرة الحادثة والمقدور ، فإنّ الاستطاعة وإن كانت مع الفعل وجودا إلّا أنّها قبل الفعل ذاتا واستحقاق وجود ، ولهذا أمكنك أن تقول حصل الفعل بالاستطاعة ، ولا يمكنك أن تقول حصلت الاستطاعة ، بالفعل ، وهذا قولنا في الشرط والمشروط ، فإنّ المحل يجب أن يكون حيّا أولا حتى يقوم العلم به والقدرة ، ولا يمكنك أن تقول العلم والقدرة أولا حتى يكون حيّا ، وإلّا فيرتفع التميّز بين الشرط والمشروط (ش ، ن ، ١٨٦ ، ١١)

ـ قال من حاول الجمع بين الغائب والشاهد بالحدّ ، والحقيقة حدّ العالم في الشاهد أنّه ذو العلم ، والقادر ذو القدرة ، والمريد ذو الإرادة ، فيجب طرد ذلك في الغائب ، والحقيقة لا تختلف شاهدا أو غائبا (ش ، ن ، ١٩٠ ، ١٧)

شبهة

ـ الاستدلال هنا : التعبير عمّا اقتفى أثره وتوصّل به إلى المطلوب. ويسمّى ذلك التعبير دليلا وحجّة إن طابق الواقع ما توصل به إليه ، وإلّا فشبهة ، ويعرف كونه شبهة بإبطاله بقاطع في القطعيّات والظنّيات معا ، أو ظنّي يستلزمه الخصم ، أو يدلّ على صحّة كونه دليلا ، قاطع في الظنّيات لا بغيرها (ق ، س ، ٥٧ ، ١٧)

شخص

ـ في لفظ الشخص ، هذا اللفظ ما ورد في القرآن ، لكنّه روى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا شخص أحبّ للغيرة من الله عزوجل ، وفي هذا الخبر لفظان يجب تأويلهما ، الأوّل الشخص والمراد منه الذات المعيّنة والحقيقة المخصوصة ، لأنّ الجسم الذي له شخص وحجميّة يلزم أن يكون واحدا ، فإطلاق اسم الشخصيّة على الوحدة إطلاق اسم أحد المتلازمين على الآخر ، والثاني لفظ الغيرة ومعناه الزجر لأنّ الغيرة حالة نفسانيّة مقتضية للزجر والمنع ، فكنّي بالسبب عن المسبّب هاهنا والله أعلم (ف ، س ، ١١٣ ، ٩)

شر

ـ إنّ الخير والشر بقضاء الله وقدره. وأنّا نؤمن بقضاء الله وقدره ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه. ونعلم أنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وأنّ العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلّا ما شاء الله كما قال عزوجل : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (الأعراف : ١٨٨). وأنّا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه (ش ، ب ، ٢١ ، ٤)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الشيء من الشيء على وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى أنّه جزؤه ، كقولك" الواحد من العشرة" و" اليد من الإنسان" و" الثمرة من الشجرة". وقد يكون الشيء منه على معنى أنّه أحدثه ، كما قال عزوجل (جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية : ١٣) أي" إحداثا". وقد يقال أيضا الشيء منه على معنى أنّه دعا إليه وحثّ عليه ورغّب فيه وأعان عليه ، كقولك" هذا أراه من فلان" على معنى أنّه هو الذي حثّ عليه ودعا إليه. وعلى هذا كان يقسّم سؤال السائل إذا قال" هل تقولون إنّ الشرّ من الله تعالى؟ " فيقول : " إن أردتم أنّه منه خلقا وأحداثا على معنى أنّه خلقه شرّا لغيره وصار الغير به شريرا فنعم ، كما يجعل الضرر

٦٥٣

ضررا لغيره ويكون غيره المضرور به فيكون هو الضارّ به والمضرّ ، كما قال المسلمون" لنا ربّ يضرّ وينفع". وإن أردتم معنى الأمر به والدعاء إليه فلا". وكذلك القول في الخير والإيمان وشكر النعمة إنّه من الله تعالى على هذين الوجهين بأنّه أمر به وأحدثه وأعان فيه (أ ، م ، ٩٧ ، ١٢)

ـ إنّما صار الشرّ شرّا لنهي الواحد الأوّل عنه ، وإنّما صار الخير خيرا لأمر به ، فلا بدّ من نعم ، فإذا كان هذا فقد ثبت أنّ من لا مبدع ولا مدبّر له ولا آمر فوقه لا يكون شيء من فعله شرّا ، إذ السبب في كون الشرّ شرّا هو الإخبار بأنّه شر ، ولا مخبر يلزم طاعته إلّا الله تعالى (ح ، ف ١ ، ٣٨ ، ١٨)

ـ الخير والشرّ عندهم (المعتزلة) من أفعال العباد ، واقعان بقدرة العباد ، خارجان عن مقدور الله تعالى ، فهما واقعان من العبد عندهم (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١١)

ـ إنّ الشرّ ليس شرّا لذاته ، بل هو من حيث ذاته مساو للخير ، ومماثل له ، والقدرة على الشيء قدرة على مثله. فإنّ إحراق بدن المسلم بالنار شرّ ، وإحراق بدن الكافر خير ، ودفع شر ؛ والشخص الواحد إذا تكلّم بكلمة الإسلام انقلب الإحراق في حقّه شرّا ؛ فالقادر على إحراق لحمه بالنار عند سكوته عن كلمة الإيمان ؛ لا بدّ وأن يقدر على إحراقه عند النطق بها ، لأنّ نطقه بها ، صوت ينقضي لا يغيّر ذات اللحم ، ولا ذات النار ، ولا ذات الإحراق ، ولا يقلب جنسا. فتكون الاحتراقات متماثلة ، فيجب تعلّق القدرة بالكلّ ، ويقتضي ذلك تمانعا ، وتزاحما (غ ، ق ، ٧٨ ، ١١)

ـ الخير والشرّ إمّا أمران إضافيّان بأن يكون شيء خيرا بالإضافة إلى شيء ، شرّا بالإضافة إلى شيء ، وإمّا أمران شرعيان فيرجع الحسن والقبح والخير والشرّ فيه إلى قول الشارع افعل لا تفعل (ش ، ن ، ٩٨ ، ١٧)

ـ إن قلت كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير ، وفاعل الشرّ شرّا من الشرّ ، مع أنّ فاعل الخير إنّما كان ممدوحا لأجل الخير وفاعل الشرّ إنّما كان مذموما لأجل الشرّ ، فإذا كان الخير والشرّ هما سببا المدح والذمّ وهما الأصل في ذلك فكيف يكون فاعلاهما خيرا وشرّا منهما. قلت لأنّ الخير والشرّ ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة وإنّما هما فعلان أو فعل وعدم فعل ، أو عدمان ، فلو قطع النظر عن الذات الحيّة القادرة التي يصدران عنها لما انتفع أحد بها ولا استضرّ ، فالنفع والضرر إنّما حصلا من الحيّ الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما ، فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير وفاعل الشرّ شرّا من الشرّ (أ ، ش ٤ ، ٢٥٧ ، ١٧)

شرائط الاجتهاد

ـ شرائط الاجتهاد خمسة : معرفة قدر صالح من اللغة ... ثم معرفة تفسير القرآن ... ثم معرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها ، والإحاطة بأحوال النقلة والرواة ... ثم معرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين من السلف الصالحين ، حتى لا يقع اجتهاده في مخالفة الإجماع. ثم التهدّي إلى مواضع الأقيسة ، وكيفية النظر والتردّد فيها ، من طلب أصل أو لا ، ثم طلب معنى مخيّل يستنبط منه ، فيعلّق الحكم عليه ، أو شبه يغلب على الظنّ فيلحق الحكم به. فهذه خمسة شرائط لا بدّ من

٦٥٤

مراعاتها حتى يكون المجتهد مجتهدا واجب الاتّباع والتقليد في حق العاميّ ، وإلّا فكل حكم لم يستند إلى قياس واجتهاد مثل ما ذكرنا فهو مرسل مهمل (ش ، م ١ ، ٢٠٠ ، ١)

شرائط التكليف

ـ إنّ الصبي قد فقد ما وجوده شرط في التكليف ، فقبح أن يكلّف أصلا. لأنّ العقل ، الذي فقده ، لا يختصّ ببعض الأفعال دون بعض ، فقبح أن يكلّف الجميع. وليس كذلك حال العاقل ، لأنّ شرائط التكليف قائمة. وإذا صحّ ذلك ، فيجب أن ينظر في المعرفة خاصّة وسببها ، وإن كان سبيله في أنّه يمكنه أن يوجدهما على الوجه الذي يقتضيه التكليف سبيل سائر الأفعال ، فلا مانع من تكليفه. وقد بيّنا أنّه لا مانع من ذلك ، وأنّ حاله مع النظر والمعرفة فيما معه يصحّ الإقدام عليه والتحرّز منه ، كحاله مع سائر الأفعال. فكما يحسن أن يكلّف أفعال جوارحه ، فكذلك يحسن أن يكلّف النظر والمعرفة. وقد بيّنا ، من قبل ، أنّه لا مانع يمنعه من أن يفعلهما على الحدّ الذي وجبا عليه ، لأنّه لا شرط في وجوبهما ما يؤثّر فيه عدم المعرفة بالله ، سبحانه. وقد بسطنا القول في ذلك من قبل ، من حيث دللنا على أنّه ليس من شرطه أن يتقرّب به إلى الله ؛ إلى غير ذلك من الوجوه التي بيّناها (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٨ ، ٣)

شرائط راجعة إلى الآمر

ـ أمّا الشرائط الرّاجعة إلى الآمر ، فتختلف بحسب الآمرين. فإن كان الآمر هو الله عزوجل ، وجب أن يعلم من حال المكلّف والمأمور به والأمر ما ذكرناه ؛ وأن يكون غرضه تعريض المكلّف للثّواب ، وأن يكون عالما بأنّه سيثيبه إن أطاع ولم تحبط طاعته. وإن كان الآمر لا يعلم الغيب ، وجب أن يعلم حسن ما أمره به ، وثبوت غرض فيه إمّا له أو لغيره ؛ وأن يظنّ أنّ المكلّف سيتمكّن من الفعل التّمكّن الذي ذكرناه. والدّلالة على اشتراط ما ذكرناه ، هو أنّ الله سبحانه ، مع حكمته ، لا يجوز أن يلزمنا المشاق مع إمكان إلزامه إيّانا غير شاق ، إلّا ليجعل في مقابلته الثّواب. وإلّا جرى إلزامه الشّاق مجرى ابتداء المضارّ من غير نفع. ولا يكون غرضه ما ذكرناه إلّا وهو سيثيب المطيع. فإذا كان عالما بما يكون ، فهو عالم أنّه يفعل ذلك. ولا يكون غرضه ما ذكرناه ، إلّا وقد أزاح علل المكلّف بالتّمكّن ، وتردّد الدّواعي التي يزول معها الإلجاء. ويدخل في ذلك الألطاف ورفع المفاسد. فلذلك لم يرد الأمر منه تعالى على وجه المفسدة. ولأنّه إن لم يكن المكلّف متمكّنا من الأمور التي ذكرناها ، في الوقت الذي يحتاج إليه الفعل ، كان قد كلّفه ما لا يطيقه. وقد دخل في ذلك ما يجب أن يتقدّم من التّمكين والأدلّة والأمارات. وقد دخل تحت تمكّن المكلّف من الفعل أن يكون الفعل غير مستحيل في نفسه. لأنّه لا يجوز أن يتمكّن القادر من فعل ما يستحيل في نفسه. فقد دخلت الشّرائط المذكورة تحت ما ذكرناه (ب ، م ، ١٧٨ ، ٢٢)

شرائط راجعة إلى حسن الأمر

ـ أمّا الشّرائط الرّاجعة إلى (حسن) الأمر فأشياء (أحدها) أن لا يكون ابتداء وجوده مقارنا لحال الفعل. وذلك قد دخل فيما تقدّم من الفعل الذي لا يمكن في نفسه. (وأحدها) أن يكون

٦٥٥

متقدّما قدرا من التقدّم ويحتاج إليه في الفعل.

وذلك داخل في تمكين المكلّف. (وأحدها) أن لا يكون واردا على وجه يكون مفسدة (ب ، م ، ١٧٨ ، ١٧)

شرائط النهي

ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ١٨)

شرائع

ـ اختلف قول شيوخنا ، رحمهم‌الله في جملة الشرائع هل يجوز أن يكون بعضها ألطافا في بعض ، أو هي أجمع ألطاف في العقليّات؟. فمنهم من يجعلها مصالح في العقليّات إلّا النوافل التي ذكرناها. ومنهم من يجوّز فيها الأمرين. وهذا الثاني هو الصحيح. وذلك لأنّ في الشرعيّات ما يناسب الفعل المخصوص الشرعيّ ، كما أنّ في العقل ما يناسبها. فإذا جوّزنا في الصلاة أن تكون لطفا في بعض العقليّات ، فما الذي يمنع أن يكون بعضها لطفا في بعض ، أو جميعها لطفا في الحجّ ؛ لأنّ القطع على ذلك ، إذا كان إنّما يمكن بالدليل ، فلا بدّ من التجويز مع فقد الدليل؟ وقوله تعالى ، منبّها على وجه كون الصلاة لطفا (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت : ٤٥) يدلّ على ما قلناه ؛ لأنّ الفحشاء والمنكر قد يشتملان على شرعيّ وعقلي. وكذلك القول فيما نبّه عليه من وجه الفساد في شرب الخمر ، فلا وجه للقطع على أحد الأمرين إلّا بدليل معيّن (ق ، غ ١٥ ، ٣٢ ، ١٨)

ـ إنّ الشرائع كالحدود المضروبة المؤقتة للمكلّفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطّوها إلى ما ليس لهم بحق (ز ، ك ١ ، ٥١١ ، ١٠)

ـ قالوا (بعض الشيعة وكثير من المعتزلة) : أوردت الشرائع على كيفيّات مخصوصة ولا تقتضي ذلك نعمة السيد على عبده. قلنا : بل تقتضي الامتثال بفعلها ومطابقة مراده بتأديتها ، ولذلك وجبت. فلو كانت لطفا لم تجب ، لأنّ الحكيم لا يوجب ما لا يجب (ق ، س ، ١٣٦ ، ١٦)

شرائع المسلمين

ـ إنّ فرائض الدين والشرائع المسلمين ، وجميع فرائض المسلمين وسائر المكلّفين على ثلاثة أقسام : فقسم منها : يلزم جميع الأعيان وكل من بلغ الحلم وهو : الإيمان بالله عزوجل ،

٦٥٦

والتصديق له ، ولرسله ، وكتبه ، وما جاء من عنده ، والعبادات على كل مكلّف بعينه ؛ من نحو الصلاة ، والصيام ، وما سنذكره ونفصله فيما بعد إن شاء الله. والقسم الثاني : واجب على العلماء دون العامة ، وهو القيام بالفتيا في أحكام الدين ، والاجتهاد ، والبحث عن طرق الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، وهذا فرض على الكفاية دون الأعيان ، وما تنفذ به الأحكام من سنن الرسول عليه‌السلام ، وغسل الميت ، ومواراته ، والصلاة عليه ، والجهاد ، ودفع العدو ، وحماية البيضة وما جرى مجرى ذلك مما هو فرض على الكفاية. فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمّة. والقسم الثالث : من الواجبات من فرائض السلطان دون سائر الرعيّة : نحو إقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، وقبض الصدقات ، وتولية الأمراء ، والقضاة ، والسعادة ، والفصل بين المتخاصمين ، وهذا وما يتصل به من فرائض الإمام وخلفائه على هذه الأعمال دون سائر الرعيّة والعوام ، وليس في فرائض الدين ما يخرج عما وصفناه ويزيد على ما قلناه (ب ، ن ، ٢١ ، ١١)

شرح

ـ إنّما ذكر الله ، يا أمير المؤمنين ، الشرح والضيق في كتابه ، رحمة منه لعباده وترغيبا منه لهم في الأعمال التي يستوجبون بها ، في حكمته ، أن يشرح صدورهم ، وتزهيدا منه لهم في الأعمال التي يستوجبون بها ، في حكمته ، تضييق الصدور ، ولم يذكر لهم ذلك ليقطع رجاءهم ، ولا ليؤيسهم من رحمته وفضله ، ولا ليقطعهم عن عفوه ومغفرته وكرمه ، إذا هم صلحوا. وقد بين الله ، عزوجل ، في كتابه ، فقال تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة : ١٦) (ب ، ق ، ١١٦ ، ١٥)

شرط

ـ ثمّ بيّن ما يجوز دخول البدل فيه وما لا يجوز. فالذي يصحّ أن يدخله البدل هو ما كان منتظرا مستقبلا غير حاصل ولا ثابت. وإنّما كان كذلك لأنّا نقول في هذين الفعلين إنّ أحدهما يجوز وجوده بدلا من الآخر فنجعل عدم أحدهما شرطا في وجود صاحبه. ومعلوم أنّ الشرط لا يصحّ إلّا في أمر مستقبل ، لأنّ تقديره أنّه إن كان ، كان المشروط ، وإن لم يكن لم يكن المشروط ، وهذا لا يكون إلّا في المنتظر. والبدل قد حلّ هذا المحلّ لأنّ تقدير هذين الفعلين أنّه إن كان أحدهما لم يكن الآخر وإن لم يكن جاز كونه. فلهذا يجري في الكتب أنّ البدل يتضمّن معنى الشرط. ولهذا لا يجوز دخول البدل إلّا فيما يمتنع اجتماعه فلا يثبت البدل عندنا إلّا في الضدّين أو ما يجري مجراهما. فأمّا ما يصحّ اجتماعه فلا يدخله البدل. فلهذه الطريقة استوى البدل والشرط في أن لا يصحّ دخولهما في الماضي والمتقضّي لأنّه لا ينتظر بواحد منهما حال استقبال وانتظار. ويبيّن ذلك أنّا إذا علّقنا البدل بالقادر فقلنا : يجوز أن يفعل هذا بدلا من ذاك أو ذاك بدلا من هذا ، فإنّما يرجع به إلى حاله في كونه قادرا ولا يصحّ في القدرة إلّا أن تكون قبل الفعل. فينبغي أن يصحّ منه كلا الأمرين قبل وجود واحد منهما. فأمّا عند وجود أحدهما فقد زال تعلّق القادر به (ق ، ت ٢ ، ٧٠ ، ٨)

٦٥٧

ـ أمّا المدح فإنّه يستحقّ بالواجب إذا كان واجبا ، وكان فاعله عالما بوجوبه ، أو وجوب ما يوجد بوجوده ، ويفعله للوجه الذي له حسن ووجب ، وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى تكاملت هذه الشروط استحقّ المدح به. وكذلك القول في الندب ، وإنّما قلنا إنّ الفعل يجب أن يكون واجبا أو ندبا ، لأنّه قد ثبت في القبيح أنّه لا يستحقّ به المدح ، وفي المباح الذي ينتفع به فاعله ، ويفعله لهذا الوجه كمل ، فلم يبق إلا أنّه يستحق بالواجب والندب. وإنّما شرطنا كون فاعل الواجب عالما بوجوبه ، لأنّه متى لم يكن كذلك ، لم يصحّ أن يفعله الموجّه الذي له وجب ، فإذا وجب اشتراط هذا الوجه ، فما لا يتمّ إلّا به يجب كونه شرطا (ق ، غ ١٤ ، ١٧٨ ، ٤)

ـ إنّا قد نصف الشيء بأنّه" شرط" ونعني أنّ عليه يقف تأثير المؤثّر ، سواء ورد بلفظ الشّرط أو لم يرد بلفظ الشّرط. وذلك نحو الإحصان الذي يقف عليه تأثير الزّنا في وجوب الرّجم. وقد نعني أنّه وارد بلفظ الشّرط ، سواء كان شرطا في الحقيقة ، أو علّة مؤثّرة. فالأوّل نحو أن يقول سبحانه : " ارجموا الزّاني إن كان محصنا". والثاني أن يقول" ارجموا زيدا إن كان زانيا" (ب ، م ، ١١٤ ، ١٦)

ـ ذكر قاضي القضاة أنّ الشرط هو المعقول الذي يتعلّق به المشروط ، وإذا لم يكن يتعلّق به المشروط وهذا يلزم عليه أن تكون العلّة شرطا. وأيضا : فإنّ من لا يعرف الشّرط ، لا يعرف المشروط (ب ، م ، ١١٤ ، ٢١)

ـ ذكر قاضي القضاة أنّ الشّرط يجب اختصاصه بأمور ثلاثة : (أحدها) أن يكون متميّزا من غيره. وهذا لا بدّ منه ، ليتمكّن المكلّف من إيقاع الفعل عنده. (والثّاني) أن يكون مستقبلا ، لأنّ العبادة المعلّقة بالشّرط مستقبلة. فإن قيل : أليس قد يقول الإنسان لغيره" ادخل الدّار ، إن كان زيد قد دخلها بالأمس"؟ قيل : إذا قال ذلك ، كان شرط دخوله علمه ، بعد الأمر ، بأنّ زيدا قد كان دخلها. (وأحدها) أن يكون الشّرط ممكنا. وهذا لا بدّ منه. لأنّه إن لم يكن ممكنا وكلّف المأمور الفعل المشروط على كلّ حال ، كان قد كلّف ما لا يطيقه ، وبطل فائدة الشرط. وإن كلّف عند الشّرط ولم يكلّف عند فقده ، كان قد علّق المأمور به على شرط يعلم الآمر أنّه لا يحصل. وهذا عبث (ب ، م ، ١١٥ ، ٥)

ـ من حق الشرط أن يكون مصححا لا محيلا ، وأن يكون مصاحبا للمشروط لا منتفيا عنه (ن ، د ، ١٢ ، ٧)

ـ الشرط على ضربين : أحدهما ما يصحّ حصوله من دون المشروط ، والثاني ما لا يصحّ حصوله من دون المشروط ، وهو إذا كان الشرط مما لا ينفكّ عن المؤثر. وأمّا ما يصحّ حصوله من دون المشروط فهو إذا كان الشرط مما يصحّ أن ينفكّ عن المؤثر. فالأول كما نقول في وجود الجوهر ، فإنّه شرط في تحيّزه ، فلا جرم لا يصحّ أن يوجد الجوهر من دون التحيّز ، لأجل أنّ هذا الشرط لا ينفكّ عمّا هو مؤثّر فيه ، وهو كون الجوهر جوهرا. وأمّا الثاني فكما نقول في التحيّز مع كون الجسم متحركا إنّ التحيّز شرط في كونه متحركا ، ثم إنّه يجوز أن يحصل التحيّز وإن لم يحصل كون الجسم متحركا ، لأنّ هذا الشرط مما يصحّ أن ينفكّ عما هو مؤثر ، وهو حصول الحركة (ن ، د ، ٢٧ ، ١)

ـ أمّا وجود الشرط في صفاته فيجب أن يفصل

٦٥٨

القول في ذلك : إن كان صفة لا تجب له في كل حال وفي كل وقت فلا بدّ من وجود الشرط عليه ؛ وذلك نحو كونه مدركا ، فإنّه مشروط بوجود المدرك ، ويكون الشرط حقيقة فيه. وكذلك كونه مريدا وكارها ، فإنّه مشروط بكونه حيّا ويكونه عالما ، فصحّة حدوث المراد وإن كان صفة واحدة في كل حال وفي كل وقت ، فإنّه لا يطلق إدخال الشرط فيه ، لأنّ حدوثه يقتضي أن يكون المشروط إنّما يكون موجودا والشرط ، حتى إن كان الشرط كان المشروط ، وإن لم يكن الشرط لم يكن المشروط. وذلك إنّما يتصوّر فيما لا يكون واجبا على كل حال ، ولكن بعلّة فيها ما يدخل فيه ما يجري مجرى الشرط ، وإن لم يكن شرطا على وجه الحقيقة وفيها ما لا يدخل فيه أيضا ما يجري مجرى الشرط. أمّا ما هو عليه القديم في ذاته من الصفة ، فإنّه لا يدخل فيه ما يجري مجرى الشرط ، فكونه حيّا في حكم المشروط بكونه موجودا ، وكونه عالما في حكم المشروط بكونه حيّا موجودا (ن ، د ، ٤٦٠ ، ٣)

ـ اعلم أنّ أحد الضدّين إذا نافى الآخر ، فليس يصحّ أن تجعله علّة في انتفائه ، ولكنّا نجعله شرطا ، فيصير وجوده في وجوب انتفاء الضدّ به بمنزلة عدم المحل (أ ، ت ، ٢٦٤ ، ٩)

ـ إذا كان من حق العلّة أن يثبت الحكم بثباتها ويزول بزوالها ، فيجب إذا أثّر تأثير العلل في انتفاء الضدّ ، أن يكون متى زال يعود الأول موجودا لزوال العدم لزوال ما أثّر فيه. وإذا بطل عدمه عادت صفة الوجود ، لأنّه لا واسطة بينهما. وبعد ، فالعلل تتزايد أحكامها بتزايدها ، فيجب ، إذا انتفى الجزء الواحد بأجزاء كثيرة ، أن يتزايد الانتفاء ، وذلك محال. فصحّ بهذه الجملة أنّه ليس بعلّة. وإذا لم يكن علّة فهو شرط (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ١٦)

ـ إنّ الشرط من حقّه المصاحبة دون التقدّم (أ ، ت ، ٤٤٤ ، ٣)

ـ من تقدير انتفاء العلم انتفاء الإرادة ، ويعبّر عن هذا بالشرط وهو الذي لا بدّ منه لوجود الشيء. ولكن ليس وجود الشيء به ، بل عنده ، ومعه (غ ، ق ، ٢٢٣ ، ٦)

ـ لا مؤثّر حقيقة إلّا الفاعل. المعتزلة والفلاسفة وغيرهم : بل العلّة والسبب وما يجري مجراهما ، وهو الشرط والداعي. البهشميّة وغيرهم : والمقتضي. والعلّة عندهم ذات موجبة لصفة أو حكم ، وشرطها أن لا يتقدّم ما أوجبته وجودا بل رتبة ، وشرط الذي أوجبته أن لا يختلف عنها. والسبب عندهم ذات موجبة لذات أخرى ، كالنظر الموجب للعلم. والشرط عندهم ما يترتّب صحّة غيره عليه ، أو صحّة ما يجري مجرى الغير ، وهو نحو الوجود ، فإنّه شرط في تأثير المؤثّرات ، وشرطه أن لا يكون مؤثّرا (بالكسر) في وجود المؤثّر (بالفتح) (ق ، س ، ٦٠ ، ٧)

شرط الإمام

ـ نصّ أبو محمد بن متويه رحمه‌الله تعالى في كتاب الكفاية على أنّ عليّا عليه‌السلام معصوم وإن لم يكن واجب العصمة ولا العصمة شرط في الإمامة ، لكن أدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه ، وأنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة. والفرق ظاهر بين قولنا زيد معصوم وبين قولنا زيد واجب العصمة لأنّه إمام ، ومن شرط الإمام

٦٥٩

أن يكون معصوما ، فالاعتبار الأوّل مذهبنا ، والاعتبار الثاني مذهب الإماميّة (أ ، ش ٢ ، ١٣١ ، ٧)

شرط الخاطر

ـ يجب ذكر شرائطه (الخاطر) دون ذكره ، فبدأنا بذكر الوجه الذي له يجب النظر والمعارف ، وهو الذي يبيّن من حال الخاطر أنّه يتضمّن ذكر وجوب المعرفة باستحقاق العقاب على القبيح من جهته تعالى ، واستحقاق الثواب بالواجبات وتروك القبائح من جهته تعالى. لأنّا قد بيّنا أن هاتين المعرفتين هنا اللطف ، وفيهما يتبيّن وجه اللطف ، وأنّ ما عداهما إنّما يحتاج إليه لأنّهما يتفرّعان عليه أو لأنّهما لا يقعان على الوجه الذي يجب حصولهما عليه إلّا معه. فإذا ثبت ذلك ، وجب ذكرهما في (شرط) الخاطر ، لأنّ في ذكرهما ذكر الوجه الذي له تجب سائر المعارف. وقد بيّنا أن ذلك مما لا بدّ منه ، فلا يجب أن يقال : إن ذكر وجوب المعرفة بالثواب والعقاب شرط آخر سوى ما قدّمناه ، لأنّه داخل فيه (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٢ ، ١١)

ـ الشرط الثاني في أنّ الخاطر يجب أن يتضمّن ذكر الخوف من ترك النظر والمعارف ، فلأنّا قد بيّنا أنّ لمكان الخوف يلزمه النظر والمعارف ، ولو لا حصوله لما لزما ولما وجبا. فلا بدّ إذن من أن يتضمّنه الخاطر ، لأنّه السبب الذي عنده يجب النظر والمعرفة. فكما لا بدّ من ذكر الوجه الذي له يحسن منه تعالى الإيجاب وهو كونه لطفا ، فكذلك لا بدّ من ذكر الوجه الذي لم يعلم المكلّف وجوبهما وهو حصول الخوف من تركهما (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٢ ، ١٤)

ـ إن قيل : هلا جعلتم من شرط الخاطر أن يعرف العاقل في كل نظر يلزمه أنّه يؤدّي إلى معرفة مخصوصة لكي يعلم الملتمس المطلوب بما لزمه من النظر؟ قيل له : إنّ تعريف ذلك لا يصحّ للناظر في معرفة الله ، لأنّه متى عرف ما يؤدّي النظر إليه حالا بعد حال ، فقد استغنى عن النظر أصلا. لأنّ الملتمس به حصول هذه المعرفة ، فإذا حصلت أغنت عن النظر. وقد بيّنا من قبل في أبواب النظر أنّه لا يصحّ من العاقل أن ينظر فيما قد عرفه ليعرفه على الوجه الذي هو عالم به. وبيّنا ، أيضا فيما تقدّم ، أنّ العلم بالله ، سبحانه ، إذا كان باكتساب ، فتعريف ذلك له لا من جهة النظر يستحيل ، وفي ذلك سقوط ما سأل عنه. فأكثر ما يحصل للعاقل أن يظنّ في نظره أنّه يؤدّيه إلى الأمور التي تذكر له ، كأنّ الداعي يقول له : إن نظرت في تغيّر الأحوال عليك ، عرفت أنّ لك صانعا مدبّرا ؛ وإذا نظرت في حال الفاعل وأنّه يجب كونه قادرا حيّا عالما ، عرفت أنّ للمدبّر العالم هذه الصفات. ثم يسوق عليه ترتيب النظر على هذا الوجه فيظنّ أنّ الأمر على ما قاله. ثم يحصل له العلم عند النظر حالا بعد حال ، فيصير ظانّا أولا ، ثم يصير عارفا ثانيا عند فعله النظر حالا بعد حال. وهذه الطريقة لا ننكرها ، وإنّما ننكر أن يكون في قلبه المعارف قبل أخذه في النظر ، فإنّ ذلك محال على ما بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٧ ، ١٤)

شرط في الإيجاب

ـ لا يمتنع فيما يوجد مولّدا من شروط نحتاج إليها ، ثم الشرط تارة يرجع إلى الوجود وتارة إلى الإيجاب. فإذا تكلّمنا في أنّ النظر مولّد للعلم فالشرط في توليده له وإيجابه هو أن يعلم

٦٦٠