موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

الدكتور سميح دغيم

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الدكتور سميح دغيم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

ولم يكن واحدا لأنّ كل جسم قابل للانقسام ، والواحد حقا لا يقبل الانقسام فقد ثبت أنّه ما وحّده من كيّفه (أ ، ش ٣ ، ٢٠٣ ، ٣١)

ذوات

ـ اعلم أنّ الذوات تتميّز عن غيرها بالصفات. وسواء في ذلك ما عرف من الذوات ضرورة أو بدلالة ، لأنّه إن أدرك فلا بدّ من إدراكه على صفة ، وإن عرف بدلالة فلا بدّ من تمييزها عمّا عداها من اختصاصها بصفة ليست لما خالفها. وكما أنّ هذه حالة الذوات فالصفات إنّما تتميّز عن غيرها بالأحكام ، فلا يحصل العلم بالصفة على طريق التفصيل والتمييز بينها وبين غيرها إلّا بعد أن نعلم حكمها. وهذا مستمرّ جار على طريقة واحدة إلّا في الصفة التي نعرفها ضرورة أو نجدها من أنفسنا ، أو كان العلم بها حقّها ممكنا من دون العلم بحكمها. وإن كان بدلالة فلا نحتاج في كشفها وتمييزها عن غيرها إلى معرفة حكمها. فإن لم تكن الحال كذلك فلا بدّ في تمييزها مما ذكرناه من إيراد القول في حكمها لتظهر الصفة (ق ، ت ١ ، ١٥٧ ، ٢)

ذوات في العدم

ـ البصريّون من مشايخهم ، كأبي علي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبّار وأتباعهم ، يقولون بأنّ الذّوات في العدم جواهر وأعراض ، وأبو القاسم البلخيّ والبغداديّون يقولون بأنّها أشياء ، والفاعل يجعلها جواهر وأعراضا (ط ، م ، ٧٦ ، ١٧)

٦٠١

ر

رؤيا

ـ زعم" النظّام" ومن قال بقوله فيما حكى عنه" زرقان" أنّ الرؤيا خواطر مثل ما يخطر البصر وما أشبهها ببالك ، فتمثلها وقد رأيتها (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ٥)

ـ قال" معمّر" : الرؤيا من فعل الطبائع وليس من قبل الله (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ٧)

ـ قال" صالح قبّة" ومن قال بقوله : الرؤيا حقّ وما يراه النائم في نومه صحيح كما ، أنّ ما يراه اليقظان صحيح ، فإذا رأى الإنسان في المنام كأنّه بإفريقية وهو ببغداد فقد اخترعه الله سبحانه بإفريقية في ذلك الوقت (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ١٠)

ـ قال بعض المعتزلة : الرؤيا على ثلاثة أنحاء :

منها ما هو من قبل الله كنحو ما يحذّر الله سبحانه الإنسان في منامه من الشرّ ويرغّبه في الخير ، ونحو منها من قبل الإنسان ، ونحو منها من قبل حديث النفس والفكر ، يفكّر الإنسان في منامه فإذا انتبه فكّر فيه فكأنّه شيء قد رآه (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ١٤)

ـ إنّ الرؤيا على أقسام ثلاثة. منها حديث النفس ، وهو أن يكون في نفسه حديث في حال اليقظة وقد استولى ذلك على قلبه ، فإذا نام ولم يستغرقه النوم وجد في نفسه ذلك فيكون متوهّما في حال اليقظة بعد ذلك أنّه كان ذلك رؤية حقيقة. قال : " والنوع الثاني ما يكون وسواس الشيطان يلقيه في قلبه في حال النوم". قال : " والثالث هو الرؤيا الصالحة التي قال النبيّ صلى الله عليه" الرؤيا الصالحة جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوّة" ، وقال المتأوّلون في قول الله تعالى (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (يونس : ٦٤) هو أنّها الرؤيا الصالحة يريها المؤمن في الدنيا أو ترى له ، وذلك بأن يلقي الملك في قلبه ويريه الله تعالى جدّه بعض ذلك ، فيكون حقيقة ولا ينكر أن يكون رؤية وعلما ويخرج النائم عن سهوه عن بعض المدركات حتى يكون رائيا على الحقيقة لذلك وسامعا لما يسمعه على الحقيقة" (أ ، م ، ٨٧ ، ٧)

ـ ذهب صالح تلميذ النظّام إلى أنّ الذي يري أحدنا في الرؤيا حق كما هو ، وأنّه من رأى أنّه بالصين وهو بالأندلس فإنّ الله عزوجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين (ح ، ف ٥ ، ١٩ ، ١٠)

ـ قال أبو محمد : والقول الصحيح في الرؤيا هو أنّها أنواع ، فمنها ما يكون من قبل الشيطان وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط ، ومنها ما يكون من حديث النفس وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدو أو لقاء حبيب أو خلاص من خوف أو نحو ذلك ، ومنها ما يكون من غلبة الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار ولزهر والحمرة والسرور ، ورؤية من غلب عليه الصفراء للنيران ، ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه ، وكرؤية من غلب عليه السوداء الكهوف والظلم والمخاوف ، ومنها ما يريه الله عزوجل نفس الحالم إذا صفت من أكدار الجسد وتخلّصت من الأفكار الفاسدة فيشرف الله تعالى به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد ، وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء

٦٠٢

والصفاء يكون تفاضل ما يراه في الصدق (ح ، ف ٥ ، ١٩ ، ١٧)

رؤية

ـ القول في رؤية الله عزوجل : أجمعت المعتزلة على أنّ الله سبحانه لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب ، فقال" أبو الهذيل" وأكثر المعتزلة : نرى الله بقلوبنا بمعنى أنّا نعلمه بقلوبنا ، وأنكر" هشام الفوطي" و" عباد بن سليمان" ذلك (ش ، ق ، ١٥٧ ، ١٠)

ـ ندين بأنّ الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ونقول : إنّ الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة ، كما قال الله عزوجل : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين : ١٥) وأن موسى عليه‌السلام سأل الله عزوجل الرؤية في الدنيا ، وأنّ الله تعالى تجلى للجبل ، فجعله دكّا ، فأعلم بذلك موسى أنّه لا يراه في الدنيا (ش ، ب ، ٢٢ ، ٣)

ـ الرؤية إذا أطلقت إطلاقا ومثلت برؤية العيان ، لم يكن معناها إلّا رؤية العيان. ورويت الرؤية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طرق مختلفة (ش ، ب ، ٤٠ ، ١)

ـ إنّ الرؤية لا تؤثر في المرئيّ لأنّ رؤية الرائي تقوم به ، فإذا كان هذا هكذا ، وكانت الرؤية غير مؤثرة في المرئيّ لم توجب تشبيها ولا انقلابا عن حقيقة ، ولم يستحل على الله عزوجل أن يري عباده المؤمنين نفسه في جنانه (ش ، ب ، ٤٤ ، ١٣)

ـ فإن قيل : كيف يرى؟ قيل : بلا كيف ؛ إذا الكيفية تكون لذي صورة ، بل يرى بلا وصف قيام وقعود ، واتكاء وتعلّق ، واتصال وانفصال ، ومقابلة ومدابرة ، وقصير وطويل ، ونور وظلمة ، وساكن ومتحرّك ، ومماس ومباين ، وخارج وداخل ، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك (م ، ح ، ٨٥ ، ١٥)

ـ ذكر (الأشعري) في الموجز وكتاب الرؤية الكبير أنّ الرؤية علم بالمرئيّ وكذلك السمع علم بالمسموع على وجه مخصوص. وذكر في العمد والنقض على الخالدي خلاف هذا القول ، وأنكر على الخالدي قوله إنّ وصف الله تعالى بأنّه راء وسامع على معنى أنّه عالم بالمرئيّ والمسموع ، وهذا الأولى بالحقّ عندي والأقرب من أصوله وقواعده (أ ، م ، ١١ ، ١٤)

ـ إنّ الرؤية لا تقتضي محلّا مخصوصا ولا تركيبا لمحلّها ، بل يجوز وجود الرؤية في كل جزء فيه حياة منفردا كان أو مجتمعا على أيّ هيئة كان من التركيب والتأليف (أ ، م ، ٨٢ ، ٢٥)

ـ إنّ الرؤية إدراك للمرئيّ على ما هو به ، كما أنّ العلم تبيّن للمعلوم على ما هو به ، وليس يحصل المعلوم على تلك الصفة لأجل العلم كما ليس يحصل المدرك على تلك الصفة لأجل الإدراك. فإذا كان ما يرى ممّا يستحيل كونه في مكان كان الإدراك له إدراكا له على ما هو به ، لا أنّه يصير بالإدراك أو عنده في مكان. فعلى هذا حكم القديم والمحدث سواء في هذا الباب. وإنّما يحدث الله الإدراك على مجرى العادة عند حدوث معان ومقابلة. أشياء لا لأجل تلك المعاني ولا لأجل المقابلة. وليس بمنكر عنده أن يحدث الله تعالى إدراكا لما أحدث سبب موجب ، بل يجري مجرى ما أجرى الله تعالى به العادة من إنبات الزرع عند البذر والولد عند الوطء (أ ، م ، ٨٨ ، ١٤)

٦٠٣

ـ إنّ الإدراك المقرون بالبصر هو الرؤية لا محالة ، كما أنّ النظر المقرون بذكر" إلى" مضافا إلى الوجه هو الرؤية بالعين لا محالة (أ ، م ، ٢٦٣ ، ٢٣)

ـ نقول : إنّ الشيء إنّما يرى لما هو عليه في ذاته ، وهم يقولون إنّما يرى لوجوده ، والقديم تعالى حاصل على كل واحدة من هاتين الصفتين ، فإذا لا شكّ أنّه تعالى حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلّا لكونه عليها ، فلا خلاف في إنّه حاصل على الصفة التي رئي لما رئي إلّا لكونه عليها ، ولا تتجدّد له صفة في الآخرة يرى عليها (ق ، ش ، ٢٥٤ ، ٨)

ـ إنّ الواحد منّا لا يصحّ أن يرى الشيء إلّا بعينه إذا كانت صحيحة ، ومتى فقدناها أو لحقها فساد لا يصحّ أن نرى المرئيّات. وكذلك حاله في سائر الحواس ، فيجب أن يحتاج في رؤيته لما يراه إلى حاسّة ، وأن يستحيل أن يرى الشيء دونها. وإنّما صحّ في القديم تعالى أن يرى الأشياء وإن تعالى عن جواز الحواس عليه ، لأنّه حيّ لذاته ، فكما استغنى في كونه حيّا عن الحياة ومحلّها ، فكذلك يستغني عن التوصّل بمحل الحياة إلى إدراك المرئيّات. وليس كذلك حال الواحد منّا لأنّه حيّ بحياة تحلّ في بعضه ، فيحتاج في إدارك المدركات إلى استعمال محل الحياة في إدراكها ، فيصير آلة له ، ويختلف حالها بحسب ما هي آلة فيه من إدراك المدركات كما نقوله في حاجته إلى الآلات في بعض الأفعال من حيث كان قادرا بقدرة ، وإن استغنى جلّ وعزّ عنها في الأفعال لكونه قادرا لنفسه (ق ، غ ٤ ، ٣٦ ، ٤)

ـ إنّ الرؤية لو كانت معنى لاحتاجت في وجودها إلى صحّة الحاسّة ، ومتى ثبتت حاجتها إليها لم يصحّ القول بأنّها تولّده ، لأنّه لا سبيل إلى العلم بأنّها تولّده والحال ما قلناه. ومما يدلّ على ذلك أنّه لو كان رائيا بدونه لوجب صحّة وجود الرؤية في عينه والمرئي غائب كصحّة ذلك إذا كان حاضرا ، لأنّ المحل محتمل للرؤية في كلا الحالين ، وفي استحالة ذلك دلالة على صحّة ما قلناه (ق ، غ ٤ ، ٥١ ، ١٩)

ـ الرؤية في الحقيقة واقعة بالعين ، وإن كان يحتاج في ذلك إلى واسطة تارة ، واستغنائها عنها أخرى (ق ، غ ٤ ، ٦٥ ، ١٩)

ـ إنّ ما يمنع من الرؤية لا بدّ من كونه معقولا حتى يصحّ القول بأنّا لا نرى المرئيّات لأجلها ، كما أنّ الموانع عن الفعل لا بدّ من أن تكون معقولة. وقد علمنا أنّ الموانع المعقولة عن رؤية المرئيّات هي القرب المفرط والبعد المفرط والحجاب واللطافة والرقّة ، وأن يكون المرئيّ في غير جهة محاذاة الرائي ، أو يكون حالّا فيما هذا سبيله ، فما كان صفته ما ذكرناه امتنع رؤيته ، وما خلا من ذلك وهو مرئيّ في نفسه فيجب أن نراه. هذا إذا كان الرائي يرى المرئيّ بالحاسّة فقط ، فأمّا إذا رأى بالمرآة فإنّ كونه في غير جهة محاذاته لا يكون مانعا ، لأنّه يصحّ أن يرى وجهه في المرآة ، ولون وجهه ، وما خلفه ، وما عن يمينه ويساره ، لأنّ المرآة قد صارت في الحكم كأنّها عينه ، فما قابلها فيجب أن يكون بمنزلة ما قابل عينه في أنّه يراه ، فلذلك اختلف حال ما يراه بالمرآة لما يراه بحاسّة من غير واسطة ، وهذا لا يمتنع في المرئيّات كما لا يمتنع في الفعل (ق ، غ ٤ ، ١١٦ ، ٣)

ـ استدلّ أبو هاشم رحمه‌الله على أنّه جلّ وعزّ لا يرى بأنّه لو رئي لوجب أن يرى على أخصّ

٦٠٤

أوصافه ، لأنّ الرؤية تتعلّق بالمرئيّ على أخصّ أوصافه وقد دللنا على ذلك من قبل ، وبيّنا أنّ سائر الإدراكات هذه حالها في أنّها تتعلّق بالشيء على أخصّ أوصافه ، ولو رأيناه كذلك لوجب أن نراه قديما عالما قادرا حيّا لأنّ هذه الصفات هي أخصّ أوصافه ، ولو رأيناه كذلك لوجب أن نرى كل ما شاركه في هذه الصفات ، وفي استحالة ذلك دلالة على أنّه لا يصحّ أن يرى ، إذ القول بصحّة رؤيته يؤدّي إلى ما ذكرناه (ق ، غ ٤ ، ١٢٦ ، ١٤)

ـ إنّ الرؤية لا تتعلّق بالنفي وإنّما تتعلّق بما تختصّ به الذات من الأحوال ، فكيف يصحّ أن يقال إنّا أدركناه تعالى من حيث كان موجودا لنفسه ، ومن حيث استحقّ هذه الصفات على خلاف الوجه الذي استحققناها ، والوجوه التي تستحقّ عليها الصفات ، وما يجري مجرى النفي لا مدخل للإدراك فيه ، فقد صحّ أنّه لو رئي يرى على هذه الصفات ، وذلك يوجب أن يرى الواحد منّا عليها أيضا ، وذلك واضح الفساد (ق ، غ ٤ ، ١٢٧ ، ١٢)

ـ لا يصحّ أن يرى الشيء من حيث كان موجودا ، لعلمنا باستحالة رؤية كثير من الموجودات ، ودللنا على أنّ ما امتنع رؤيته علنيّا من غير مانع من صحّة حاسّتنا ، فيجب كونه غير مرئيّ وإن كان موجودا ، وبيّنا أنّ القول بأنّ كل موجود يصحّ أن يرى يؤدّي إلى الجهالات (ق ، غ ٤ ، ١٨٠ ، ١٢)

ـ إنّ عدم الشيء ، وإن أحال رؤيته ، فإنّ ذلك غير دالّ على أن وجوده هو المصحّح لرؤيته (ق ، غ ٤ ، ١٨٠ ، ١٧)

ـ لا يصحّ أن نجعل العلّة في صحّة رؤية الشيء نفي الصفة عنه ، أو استحالتها عليه ، وإنّما يرى الشيء لاختصاصه بصفة من الصفات ، ولذلك يعلم الرائي للجوهر كونه جوهرا متخيّرا ، ولا يعلم كونه مستغنيا عن محل ومكان بالرؤية ، بل يحتاج أن يستدلّ على ذلك. فبطل القول بأنّه إنّما رأى لهذه العلّة ، وبطل قياسهم القديم تعالى عليه (ق ، غ ٤ ، ١٨٣ ، ٢)

ـ إنّ من شرط صحّة الرؤية بحاسّة العين أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل (ق ، غ ٤ ، ١٨٧ ، ١١)

ـ استدلّوا على أنّه سبحانه يرى بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ، وأنّه جلّ وعزّ دلّ بذلك على أنّه يصحّ أن يرى ، لأنّ النظر إذا علّق بالوجه لم يحتمل إلّا الرؤية. قالوا : والنظر إذا عدّى بإلى لم يحتمل إلّا الرؤية ولم يحتمل الانتظار ، لأنّه لا يقال في زيد إنّه ناظر إلى فلان ، ويراد الانتظار ، وإنّما يقال هو منتظر فلانا ، قالوا : على أنّا إذا قسمنا النظر خرج من القسمة أنّ المراد بالآية الرؤية على ما نقوله ، ولذلك أنّ النظر يحتمل وجوها : منها الفكر ، ومنها التعطّف والرحمة ، ومنها الانتظار ، ومنها الرؤية (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ٩)

ـ إنّ الرؤية قد تكون بمعنى العلم في اللغة. يبيّن ذلك قوله جلّ وعزّ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (الفجر : ٦) ، و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (الفيل : ١) ... وقد ذكر أهل اللغة في كتبهم أنّ الرؤية إذا كانت بمعنى العلم تعدّت إلى مفعولين ، وإذا كانت بمعنى الإدراك لم تتعدّ إلّا إلى مفعول واحد. فإذا صحّ ذلك ، وأنّ الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، لم يمتنع أن يكون المراد بقوله : " ترون ربّكم" ، كما تعلمون القمر ليلة البدر ، ويكون هذا أصحّ

٦٠٥

لأنّه إن حمل على أنّه أراد يدركونه بالبصر كما يدركون القمر ، فيجب أن يدرك في جهة مخصوصة كالقمر ، فثبت أنّ وجه التشبيه فيه ، إذا حمل على العلم من حيث شاركه في أنّه ضروري ، أصحّ (ق ، غ ٤ ، ٢٣١ ، ٥)

ـ أمّا الوصف له (لله) بأنّه رائي فقد قال شيخنا أبو علي : إنّه يستعمل ذلك على وجهين : بمعنى مدرك للمرئيات ، وذلك لا يستعمل فيه إلّا عند إدراكه لها ، فأمّا بمعنى عالم فيستعمل فيه تعالى فيما لم يزل ، لأنّ ذلك حقيقة فيه. وقال : إنّ الرؤية في اللغة قد تكون حقيقة في العلم والإدراك على حدّ واحد ، وكذلك وصف الرائي بأنّه رائي قد يكون حقيقة على هذين الوجهين (ق ، غ ٥ ، ٢٢٣ ، ٦)

ـ إنّ الرؤية ثابتة لأنّها رديف العلم ، وقريبه ، وهي له تكملة. فانتفاء الجسميّة أوجب انتفاء الجهة التي هي من لوازمها ؛ وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية التي هي من روادفها ، أو مكملاتها ، ومشاركة لها في خاصّيتها ، وهي أنّها لا توجب تغيّرا في ذات المرئي ، بل تتعلّق به هو على ما هو عليه كالعلم ، ولا يخفى على عاقل أنّ هذا هو الاقتصاد في الاعتقاد (غ ، ق ، ٧٣ ، ٣)

ـ إن قلت : الرؤية عين النظر فكيف قيل أرني أنظر إليك؟ قلت : معنى أرني نفسك : اجعلني متمكّنا من رؤيتك بأن تتجلّى لي فأنظر إليك وأراك. فإن قلت : فكيف قال (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣) ولم يقل لن تنظر إلى قوله أنظر إليك؟ قلت : لمّا قال أرني بمعنى اجعلني متمكّنا من الرؤية التي هي الإدراك ، علم أن الطلبة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه ، فقيل لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ (ز ، ك ٢ ، ١١٢ ، ٧)

ـ زعم (بشر بن المعتمر) أنّ اللون والطعم والرائحة والإدراكات كلها من السمع ، والرؤية يجوز أن تحصل متولّدة من فعل العبد ، إذا كانت أسبابها من فعله (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ٥)

ـ (الأشعري) له قولان في ماهيّة الرؤية : أحدهما : أنّه علم مخصوص ، ويعني بالخصوص أنّه يتعلّق بالوجود دون العدم. والثاني : أنّه إدراك وراء العلم لا يقتضي تأثيرا في المدرك ، ولا تأثّرا عنه (ش ، م ١ ، ١٠٠ ، ١٧)

ـ قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ، فنقول النظر إمّا أن يكون عبارة عن الرؤية أو عن تقليب الحدقة نحو المرئى التماسا لرؤيته. والأوّل هو المقصود ، والثاني يوجب الامتناع عن أجرائه على ظاهره لأنّ ذلك إنّما يصحّ في المرئىّ الذي يكون له جهة ، فوجب حمله على لازمه وهو الرؤية ، لأنّ من لوازم تقليب الحدقة إلى سمت جهة المرئىّ حصول الرؤية (ف ، أ ، ٥٤ ، ١٨)

ـ من قولهم (المتكلّمون) : الرؤية تتعلّق بالموجودات المختلفة كالجواهر والأعراض ، ولا محالة أنّ متعلّق الرؤية فيها ليس إلّا ما هو ذات ووجود ، وذلك لا يختلف وإن تعدّدت الموجودات ، وأمّا ما سوى ذلك ، مما يقع به الاتّفاق والافتراق ، فأحوال لا تتعلّق بها الرؤية ، لكونها ليست بذوات ولا وجودات ، وإذا كان متعلّق الرؤية ليس إلّا نفس الوجود ، وجب أن تتعلّق الرؤية بالباري لكونه ، لا محالة ، موجودا (م ، غ ، ١٥٩ ، ٩)

ـ قيل : الرؤية معنى لا يتأثّر به المرئيّ ولا يتأثّر منه لا بأفعال ولا بانفعال ، وما هذا حكمه في

٦٠٦

تعلّقه فلا مانع من تعلّقه ، وصار حكمه حكم العلم من غير فرق (م ، غ ، ١٦٦ ، ١)

ـ إنّ الرؤية تستدعي المقابلة ، والمقابلة تستدعي الجهة ، والجهة توجب كونه جوهرا أو عرضا ، فإنّهم لم يبنوا ذلك إلّا على فاسد أصولهم في أنّ الإدراك بالبصر لا يكون إلّا بانبعاث الأشعّة من العين ، واتّصالها بالمبصر ، أو انطباع المبصر في البصر بسبب المقابلة وتوسّط المشف (م ، غ ، ١٦٧ ، ١٥)

ـ الرؤية تشخّص المرئيّ ، والتشخّص لا يمكن إلّا مع كون المتشخّص ذا جهة (أ ، ش ١ ، ١٩ ، ٣٣)

ـ إنّ جنس الرؤية يشهد بوجود الباري من غير محاضرة منه للحواس (أ ، ش ٣ ، ١٩٦ ، ٢١)

ـ الرؤية : المشاهدة بالبصر حيث كان أي في الدنيا والآخرة (ج ، ت ، ١٤٥ ، ٨)

رؤية الله

ـ إن قال قائل لم قلتم أن رؤية الله تعالى بالأبصار جائزة من باب القياس ، قيل له قلنا ذلك لأنّ ما لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى ويستحيل عليه فإنّما لا يجوز لأنّ في تجويزه إثبات حدثه أو إثبات حدث معنى فيه أو تشبيهه أو تجنيسه أو قلبه عن حقيقته أو تجويره أو تظليمه أو تكذيبه. وليس في جواز الرؤية إثبات حدثه لأنّ المرئيّ لم يكن مرئيّا لأنّه محدث ، ولو كان مرئيّا لذلك للزمهم أن يرى كل محدث وذلك باطل عندهم. على أنّ المرئيّ لو كان مرئيّا لحدوثه لكان الرائي محدثا للمرئي إذ كان مرئيّا لحدوثه. وليس في الرؤية إثبات حدوث معنى في المرئيّ لأنّ الألوان مرئيّات ولا يجوز حدوث معنى (فيها) ... وليس في إثبات الرؤية لله تعالى تشبيه الباري تعالى ولا تجنيسه ولا قلبه عن حقيقته لأنّا نرى السواد والبياض فلا يتجانسان ولا يتشبهان بوقوع الرؤية عليهما ولا ينقلب السواد عن حقيقته إلى البياض بوقوع الرؤية عليه ولا البياض إلى السواد. وليس في الرؤية تجويره ولا تظليمه ولا تكذيبه لأنّا نرى الجائر والظالم والكاذب ونرى من ليس بجائر ولا ظالم ولا كاذب. فلمّا لم يكن في إثبات الرؤية شيء مما لا يجوز على الباري لم تكن الرؤية مستحيلة ، وإذا لم تكن مستحيلة كانت جائزة على الله (ش ، ل ، ٣٢ ، ٣)

رؤية البصر

ـ قالوا (المعتزلة) : رؤية البصر هي إدراك البصر (ش ، ب ، ٤٧ ، ١٣)

رؤية العين

ـ الدليل على أنّ الله تعالى يرى بالأبصار قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ولا يجوز أن يكون معنى قوله (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) معتبرة كقوله (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧) لأن الآخرة ليست بدار اعتبار. ولا يجوز أن يعني متعطفة راحمة كما قال (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (آل عمران : ٧٧) أي لا يرحمهم ولا يتعطف عليهم لأنّ الباري لا يجوز أن يتعطف عليه. ولا يجوز أن يعني منتظرة لأنّ النظر إذا قرن بذكر الوجوه لم يكن معناه نظر القلب الذي هو انتظار ، كما إذا قرن النظر بذكر القلب لم يكن معناه نظر العين. لأنّ القائل إذا قال" أنظر بقلبك في هذا الأمر" كان معناه نظر القلب ، وكذلك إذا قرن النظر بالوجه لم يكن معناه إلّا

٦٠٧

نظر الوجه ، والنظر بالوجه هو نظر الرؤية التي تكون بالعين التي في الوجه. فصحّ أن معنى قوله تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) رائية إذ لم يجز أن يعني شيئا من وجوه النظر. وإذا كان النظر لا يخلو من وجوه أربع وفسد منها ثلاثة أوجه صحّ الوجه الرابع وهو نظر رؤية العين التي في الوجه (ش ، ل ، ٣٤ ، ١٥)

رؤية المعدوم

ـ كان (الأشعري) يذهب إلى إحالة رؤية المعدوم. وحكى في كتاب العمد أنّ من أصحابه من أجاز رؤية المعدوم. فأمّا هو فقد أنكر ذلك ، وقال : " علّة جواز رؤية الشيء وجوده ، والمعدوم ليس بموجود فيستحيل رؤيته" (أ ، م ، ٨١ ، ٦)

راء

ـ إنّ الواحد منّا يحتاج في كونه رائيا إلى حاسّة البصر ، وفسادها يحلّ بكونه رائيا (ق ، غ ٤ ، ٣٣ ، ١١)

ـ اعلم أنّ الرائي منّا إنّما يرى الشيء متى كانت حاسّته صحيحة والموانع مرتفعة ، ولا يحتاج في كونه رائيا ومدركا إلى علّة بها يصير كذلك : لأنّه كان يجب أن يصحّ أن لا يوجد مع صحّة حاسّته وحضور المرئيّ بين يديه وارتفاع الموانع ولا يرى الشيء على وجه (ق ، غ ٤ ، ٥٠ ، ٣)

ـ إنّ الرائي منّا لا يرى إلّا بشعاع ينفصل من عينه على وجه مخصوص (ق ، غ ٤ ، ٥٩ ، ٢)

ـ أمّا الرائي فإنّما يوصف لحصول الحال المخصوصة التي يقتضيها كونه حيّا (ق ، غ ٤ ، ٨١ ، ٥)

ـ اعلم أنّ الرائي لا يرى الشيء إلّا لاختصاصه بصفة من الصفات متى كان عليها رآه ، وإذا لم يكن عليها لم يره. ولذلك لا يرى المعدوم في حال عدمه ويرى الموجود. ولذلك لا يرى إلّا بعض الأجناس دون بعض ، ولا يدرك بسائر الحواس إلّا أشياء مخصوصة دون غيرها (ق ، غ ٤ ، ٨٢ ، ٣)

ـ إنّ الرائي منّا لا يرى برؤية في عينه ، ودللنا على بطلان هذا القول ، وبيّنا أنّه إنّما يرى بصحّة حاسّته إذا ارتفعت الموانع (ق ، غ ٤ ، ١٢٢ ، ١٣)

ـ أمّا الوصف له (لله) بأنّه رائي فقد قال شيخنا أبو علي : إنّه يستعمل ذلك على وجهين : بمعنى مدرك للمرئيات ، وذلك لا يستعمل فيه إلّا عند إدراكه لها ، فأمّا بمعنى عالم فيستعمل فيه تعالى فيما لم يزل ، لأنّ ذلك حقيقة فيه. وقال : إنّ الرؤية في اللغة قد تكون حقيقة في العلم والإدراك على حدّ واحد ، وكذلك وصف الرائي بأنّه رائي قد يكون حقيقة على هذين الوجهين (ق ، غ ٥ ، ٢٢٣ ، ٣)

رافضة

ـ أمّا جملة قول الرافضة فهو أنّ الله عزوجل ذو قدّ وصورة وحدّ يتحرّك ويسكن ويدنو ويبعد ويخفّ ويثقل ، وأنّ علمه محدث وأنّه كان غير عالم فعلم وأنّ جميعهم يقول بالبدء وهو أنّ الله يخبر أنّه يفعل الأمر ثم يبدو له فلا يفعله. هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفرا منهم يسيرا صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد فنفتهم الرافضة عنهم وتبرّت منهم. فأمّا جملتهم ومشايخهم مثل هاشم بن سالم وشيطان الطاق وعلي بن ميثم (وهشام) بن الحكم وعلي بن

٦٠٨

منصور والسكاك فقولهم ما حكيت عنهم ثم قولهم في القدر : إنّ الكافر كفر لعلّة وبسبب من قبل الله ألجأه إلى الكفر بل ألجأه إلى كفره واضطرّاه إليه وأدخلاه فيه ، وأنّ الله يشاء كل فاحشة ويريد كل معصية. ثم هم بأجمعهم يقولون بالرجعة إلى دار الدنيا قبل القيامة. ثم قولهم : إنّ القرآن بدّل وغيّر وزيد فيه ونقص منه وحرّف عن مواضعه. ثم مخالفتهم جميع الأمّة في الصلاة في كثير من الفرائض والسنن. ثم قولهم : إنّ النبيّ صلى الله عليه استخلف على أمته رجلا بعينه واسمه ونسبه ، وإنّ الأمّة بأسرها إلّا نفرا يسيرا اجتمعوا على خلاف رسول الله ومعصيته وتأخير من قدّم واستخلاف غيره. هذا قول الرافضة بأسرها (خ ، ن ، ١٤ ، ٧)

ـ الرافضة وصفت ربها بصفة الأجساد المحدثة فزعمت أنّه صورة وجوارح وآلات وأنّه تبدو له البدوات؟ وهذا قولها في ربها ؛ ومن اعتقد أن ما كان هذا صفته قديم لم يمكنه أن يدل على حدث جسم من الأجسام ، إذ كان لا يجد في الأجسام ما يستدلّ به على حدثه إلّا وقد وصف به ربه ـ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا (خ ، ن ، ١٠٦ ، ٢)

رب

ـ الرب بجميع صفاته خالق لم يزل ، لم يلد ولم يولد ولم يحدث له صفة (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)

ـ وقوله تعالى من بعد : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، يدلّ على أنّ غير الله يصحّ منه الفعل والخلق ؛ ألا ترى إلى فساد القول بأنّه أحسن الآلهة ، لمّا لم يصحّ إثبات إله سواه ، وصحّة القول بأنّه أرحم الراحمين ، لما صحّ إثبات راحم سواه. فإن قال : فيجب أن يقال في غيره تعالى إنّه خالق بالإطلاق؟ قيل له : لا يجب ؛ لأنّ التعارف أوجب أن لا يطلق هذا الاسم إلّا في الله تعالى ، كما اقتضى أن لا يطلق اسم الربّ إلّا فيه ، ثم لم يمتنع أن يكون العبد ربا لدابته وداره ، فإن صحّ هذا المعنى فيه ، فكذلك يجب أن يصحّ فيه معنى الخلق والفعل ، وإن منع فيه الإطلاق للإيهام (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ١٥)

ـ صفة الربّ أن يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته (ز ، ك ١ ، ٦٣٥ ، ١٧)

رجعة

ـ القول بالرجعة : ليس لنا أن نقول به وإن كانت غير مستحيلة في القدرة ، إذ كان لم يأت بها بل قد أتي بإبطالها ونفيها. ثم قال : وللسمع طرق ثلاث : أحدهما القرآن والآخر الإجماع والثالث الخبر الموجب للعلم. (قال) فأمّا القرآن فقد نطق بها في غير موضع ؛ منها قوله (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (غافر : ١١).

يقال له : هذه الآية تبطل القول بالرجعة ، لأنّ الله خلق بني آدم من نطف ميتة ثم يحييهم في دار الدنيا ثم يميتهم ثم يحييهم يوم القيامة فذلك موتتان وحياتان. وأحسب صاحب الكتاب (ابن الروندي) ليس يحسن الحساب أيضا فلذلك احتج بهذه الآية. قال : ومنها قوله (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة : ٢٥٩). يقال له : إنّا لم ننكر أن يكون الله قد أحيا من أخبر أنّه أحياهم ـ هذا لا يدفعه مسلم ـ وإنّما أنكرنا على الرافضة قولها : إنّ الله يعيد الخلق الذين أماتهم إلى دار الدنيا قبل القيامة (خ ، ن ، ٩٦ ، ٦)

٦٠٩

ـ إنّ الرفض مشتمل على أجناس من الكفر لا يشتمل عليه مذهب فرقة من فرق الأمة ، لأنّك إذا نظرت في مذاهب الخوارج مذهبا مذهبا لم تجد فيهم مشبّها ولا واصفا لله بما وصفته به الرافضة ، ولا قائلا بالبداء ولا مؤمنا بالرجعة إلى دار الدنيا قبل القيامة ، ولا رادّا للقرآن. وكذلك المرجئة لا تجد فيهم من التخليط ومخالفة القرآن والطعن على السنن ما تجده مع الرافضة ، وكذلك جميع أصناف فرق الأمّة لا تجد مع أحد منهم من الإفراط والغلو ومخالفة نص القرآن ومشهور السنن والطعن على المهاجرين والأنظار والإقدام عليهم بالإكفار ما تجده مع أصناف الرافضة (خ ، ن ، ١١٢ ، ١٧)

رحمة

ـ الرحمة تشمل أكثر الأمم السالفة وإن كان أكثرهم يعرضون على النار ، إمّا عرضة خفيفة حتى في لحظة أو في ساعة ، وإمّا في مدّة حتى يطلق عليهم اسم بعث النار. بل أقول أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان شملتهم الرحمة ، أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك ولم تبلغهم الدعوة فإنّهم ثلاثة أصناف : ـ صنف لم يبلغهم اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصلا فهم معذرون. ـ وصنف بلغهم اسمه وبعثه وما ظهر عليه من المعجزات ، وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم ، وهم الكفّار المخلّدون. ـ وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم تبلغهم بعثه وصفته ، بل سمعوا منذ الصبا أن كذّابا ملبسا اسمه محمد ادّعى النبوّة. كما سمع صبياننا أنّ كذابا يقال له المقفّع لعنه الله تحدّى النبوّة كذبا. فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول ، فإنّهم مع أنّهم سمعوا صفته ، سمعوا ضدّ أوصافه ، وهذا لا يحرّك داعية النظر في الطلب (غ ، ف ، ٨٦ ، ٨)

ـ الرحمة قيل هي النعمة ، وقال أبو الحسن : هي إرادة الإنعام (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٤)

رحمن

ـ إن اسم الرحمن هو المخصوص به الله لا يسمّى به غيره ، والرحيم يجوز تسمية غيره به ؛ فلذلك يوصف أنّ الرحمن اسم ذاتي ، والرحيم فعلي. وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة ؛ ودليل ذلك إنكار العرب الرحمن. ولا أحد منهم أنكر الرحيم (م ، ت ، ١٨ ، ٦)

رحيم

ـ إن اسم الرحمن هو المخصوص به الله لا يسمّى به غيره ، والرحيم يجوز تسمية غيره به ؛ فلذلك يوصف أنّ الرحمن اسم ذاتي ، والرحيم فعلي. وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة ؛ ودليل ذلك إنكار العرب الرحمن. ولا أحد منهم أنكر الرحيم (م ، ت ، ١٨ ، ٧)

رخص

ـ أمّا الرّخص فهو انخفاض مقدار السعر عمّا جرت به العادة في ذلك الوقت في ذلك المكان ؛ لأنّه لو انخفض سعر المتاع في مكان آخر كان لا يعتدّ به ، فكذلك في وقت آخر. ولذلك لا يوصف انخفاض سعر الثلج في الشتاء عمّا جرت به العادة في الصيف رخصا لما كان حال الزمانين في ذلك يختلف. وكذلك فانخفاض سعر الثلج في البلاد الباردة

٦١٠

عن سعره في البلاد الحارّة لا يعدّ رخصا. فلا بدّ إذا من اعتبار الوقت والمكان على الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٥٥ ، ١٦)

رزق

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الرزق يجري مجرى الخلق في أنّه لا يصحّ أن يوصف به البارئ تعالى في الأزل ، وإن وصفنا لله تعالى بأنّه رازق وللخالق بأنّه خالق هو وصف مشتقّ من الخلق والرزق ، وإنّه لا يصحّ أن يقال إنّ الله تعالى لم يزل خالقا رازقا لاستحالة وجود ما منه يشتقّ هذان الوصفان في الأزل الخلق والرزق (أ ، م ، ١٣٧ ، ٣)

ـ إنّ معنى الرزق فعل واقع على وجه مخصوص ، وهو أن يكون ممّا يتغذّى به الحيوان أو ينتفع به من دفع حرّ أو برد وأذى وضرر واستجلاب منفعة وتمكين من ذلك. هذا هو معنى وصفنا بأنّه رزق على الإطلاق. ثمّ معنى وصفنا له بذلك على التقييد بإضافة ونسبة مخصوصة إلى غيره فإنّما يفيد أنّ ذلك الغير الذي أضيف إليه بأنّه رزقه تغذّى به أو انتفع به أو تمكّن به من اجتلاب منفعة أو دفع مضرّة (أ ، م ، ١٣٧ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يقول : " لو كان معنى الرزق هو التمليك ، ومعنى التمليك التمكين والإقدار على ما مكّن منه ، لكان قد ملّك الكافرين الكفر ورزقهم من حيث مكّنهم منه وأقدرهم عليه ، والمخالفون فيه يأبون ذلك" (أ ، م ، ١٣٨ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الرزق هو ما ينتفع به وليس للغير المنع منه ، ولذلك لم يفترق الحال بين أن يكون المرزوق بهيمة أو آدميا. وهو ينقسم إلى ما يكون رزقا على الإطلاق وذلك نحو الكلاء والماء وما يجري مجراهما ، وإلى ما يكون رزقا على التعيين وذلك نحو الأشياء المملوكة (ق ، ش ، ٧٨٤ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ الرزق قد يصحّ أن يكون رزقا للمرزوق على جهة الإطلاق من دون إضافة وتعيين ، وقد يصحّ أن يضاف إليه على جهة التعيين. فالأوّل هو الأشياء التي خلقها الله تعالى مما يصحّ الانتفاع بها ولم يكن فيها ما يحظرها فيقال فيها إنّها أرزاق العباد. وهذا ظاهر فيما كان على أصل الإباحة. وربّما دخل فيه ما هو مملوك أيضا فيقال إنّ هذه النعم التي خلقها الله عزوجل من الثمار ونحوها هي أرزاق العباد. ويراد بذلك أنّه يصحّ منهم الانتفاع بها ، وأنّ الله تعالى إنّما خلقها لهذا الوجه (ق ، ت ٢ ، ٤١٩ ، ٢)

ـ أمّا إذا قيّد وعيّن فقيل في الشيء إنّه رزق لهذا الواحد فالغرض به أن يكون هو بالانتفاع أحقّ به من غيره حتى لا يكون لأحد أن يمنعه منه. ثم ينقسم ما هذا سبيله. فربّما صحّ أن تدخله طريقة الملك وربّما لم يصحّ. ألا ترى أنه قد يوصف الحيّ منا بأنّ الله عزوجل قد رزقه صحّة وعقلا أو ولدا وما أشبه ذلك فيكون ما هذا سبيله رزقا له ، ولا يقال : هو ملك له؟ وعلى ذلك صحّ أن تكون البهائم مرزوقة بالماء والكلأ وما يجري مجراهما ، ولا يقال إنّها مالكة لهذه الأشياء. وعلى ذلك يصحّ أن يوصف الله تعالى بالملك ويستحيل الرزق عليه (ق ، ت ٢ ، ٤١٩ ، ٨)

ـ أمّا حقيقة الرزق إذا قيّد وأضيف إلى معيّن فما بيّناه. فإن أطلق إطلاقا فيجب أن يكون المراد ما ذكرناه من الأمور التي خلقت للانتفاع بها ، وإن لم يكن البعض بذلك أحقّ من البعض إلّا عند سبب حادث. وعلى ذلك تجري حال

٦١١

الصدقات التي تجتمع عند الإمام فيجعل ذلك رزقا للأصناف الذين ذكرهم الله تعالى ، وإنّما يصير الواحد به أحقّ من غيره عند عطيّة الإمام أو من يلي من قبله. وكذلك القول في الغنائم التي تجتمع عند الإمام لأنّه لو لم يتولّ قسمتها فيهم لم يكن بعضهم أحقّ بشيء منه من غيره وإن جعلت أرزاقا للغانمين على الإطلاق (ق ، ت ٢ ، ٤٢٠ ، ١)

ـ لعلمنا بأنّ ما لا مدخل له في الانتفاع أصلا لا يجعل رزقا لأحد. وما يصحّ الانتفاع به على وجه ما يصحّ أن يجعل رزقا على أحد الوجهين من التعيين والإطلاق. وعلى ذلك لم يصحّ أن نجعل الطعام الذي لا يتأتّى انتفاع البهائم بها أرزاقا لها. وكذلك فلا نجعل الميتات والدم أو السموم وما يجري مجراها أرزاقا لنا ، إمّا لأن ذلك الشيء ممّا لا يصلح لانتفاعنا به أو إن صلح لذلك فنحن ممنوعون من هذا الضرب من الانتفاع. وعلى هذه الجملة لم يصحّ في الحرام أن نجعله رزقا للغاصب ، على ما نبيّنه من بعد (ق ، ت ٢ ، ٤٢١ ، ٩)

ـ اعلم أنّ الرزق من الله تعالى دون العباد ، لأنّ إضافته إليه أقوى وآكد من إضافته إلى غيره. ألا ترى أنّ الرزق إذا كان معناه ما ينتفع به على ما بيّناه فمعلوم أنّ نفس الشيء المنتفع به من طعام وغيره لا يكون إلّا من خلقه تعالى ، وثبوت استباحته إنّما هو بما قد تقرّر في عقولنا من حسن الانتفاع بما لا ضرر فيه على أحد؟ وإذا دخل في كونه مملوكا لنا فإنّما يحصل كذلك لوجوه جعلها الله تعالى أسباب للتمليك ، على ما نفصّله من بعد. فإذا كان كذلك صحّت الإضافة إليه من هذه الجهة. وبعد فإنّا نعلم أنّ المرء قد يجتهد فلا يرزق ، وقد يرزق عفوا من دون تكليف مشقّة ويرزق من حيث لا يحتسب ويدخل الشيء في ملكه من دون اختياره ، كما نقول في المواريث. فثبت وجوب إضافة الرزق إلى الله تعالى (ق ، ت ٢ ، ٤٢٥ ، ٢)

ـ فقد صار الرزق منقسما إلى وجهين. أحدهما يكون إحسانا من الله تعالى وتفضّلا ، فما هذا حاله ليس يجب. وربّما كان مما يعلم اختيار العبد عنده الطاعة أو التحرّز من القبيح ، فذلك هو اللطف الواجب (ق ، ت ٢ ، ٤٣١ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الرزق لا بدّ من أن يكون مضافا أو في حكم المضاف ؛ لأنّه لا بدّ من كونه رزقا للغير ، وهو في بابه كالملك ، فإذا أضيف إلى جملة العباد فالمراد به أنّ لهم أن ينتفعوا به من غير تخصيص. وعلى هذا الوجه يقال في الأمور المباحة كالماء والكلأ والصيد وما يتناول من البحر : إنّه رزق للكلّ ، لأنّ أحدا لم يستبدّ به ، فمن سبق إليه صحّ منه الانتفاع به وحسن. وفارق حاله ما قد اختصّ به بعض العباد ، لأنّه يحرم على الغير تناوله إلّا بإذن أو ما يجري مجراه (ق ، غ ١١ ، ٢٧ ، ٤)

ـ ولما قدّمناه في حدّ الرزق قلنا : إنّه تعالى لا يوصف بأنّه مرزوق ، وإنّ الشيء رزق له ، لاستحالة الانتفاع عليه ، وإنّما يوصف بذلك من يصحّ أن ينتفع. ولذلك صحّ أن يوصف تعالى بأنّه مالك لمّا لم يقتض ذلك صحّة الانتفاع بالشيء على الحدّ الذي اقتضاه الرزق ، ولذلك قد يوصف ما لا يملكه الإنسان بأنّه رزقه إذا أبيح له تناوله والانتفاع به ، وإن كان قبل التناول غير مالك له ؛ كالأمور المباحة ، وكبذل الطعام للغير ، إلى ما شاكله (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ٨)

ـ الذي قدّمناه في حدّ الرزق هو أولى ؛ لأنّه إذا

٦١٢

كان متى صحّ أن ينتفع به ولم يكن لأحد منعه من الانتفاع به علم رزقا له ، ومتى لم يكن كذلك لم يكن رزقا ، وإن كان قد يكون ملكا. فضمّ الملك إلى حدّ الرزق لا وجه له. ويجب أن يجعل حدّه ما قلناه فقط ، وهو الذي ذكره شيخنا أبو علي بن خلّاد في كتاب الأصول.

وهو مستمرّ على النظر (ق ، غ ١١ ، ٣٠ ، ١)

ـ قال بعضهم : إنّ الرزق هو النفع الذي يقع على جهة التقسيط له في الزمان ، وعلى مقدار حاجة المعطى. ولذلك قالوا : رزق السلطان جنده رزقا ، وقبضوا أرزاقهم ، وفصلوا بذلك بين هبة الملك وعطيّته ؛ لما كان ذلك يقع على ترتيب ، ولمّا كان ما أعطاه تعالى العباد هو على مقدار مرتّب قيل بأنّه رزق لهم (ق ، غ ١١ ، ٣١ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّ الرزق إذا كان عبارة عمّا يصحّ الانتفاع به ، وقد علمنا أنّ جميع ذلك من خلقه سبحانه ، فيجب ألا يصحّ أن يكون مقدورا للعبد لا على جهة المباشرة ولا على التولّد ؛ لأنّه لا يصحّ منه أن يولّد الأجسام ، والألوان ، والطعوم والأراييح وسائر ما ينتفع به. وقد دللنا على ذلك من قبل بما لا طائل في إعادته ، فيجب أن يكون من الله تعالى ؛ لأنّه الخالق له لينتفع به العباد ، على الوجه الذي أباح انتفاعهم به (ق ، غ ١١ ، ٤١ ، ٢)

ـ فإن قيل : أليس في جملة ما يصحّ أن ينتفع به الأصوات ، وقد تكون من فعل العبد ، فلم منعتم أن يكون في الرزق ما يفعله العبد. قيل له : إنّ الظاهر من الرزق أنّه يفيد ما تثبت عليه الأيدي ، ويصحّ التصرّف فيه ، والانتفاع به. وكل ذلك لا يكون إلّا من خلقه تعالى. والأصوات فلا يصحّ هذا الوجه فيها ، فلذلك لم نعدّه في هذا الباب ، وإنّما يقال : قد رزق فلان صوتا حسنا ، ويراد بذلك أنّه تعالى قد أعطاه آلة تصلح لذلك ، فتكون الآلة هي المضافة إلى الله تعالى دون الصوت الذي هو من فعله ، وإن كان لا يمتنع إضافة ذلك إليه تعالى ، من حيث مكّن منه ، وأعان عليه ؛ كما يقال في الإيمان : إنه من الله على هذا الحدّ (ق ، غ ١١ ، ٤١ ، ٩)

ـ اعلم أنّه لا شبهة في أنّ الرزق الذي يصل إليه من قبل الله تعالى خاصّة ـ بألّا يكون للعبد فيه صنع ـ يجب أن يضاف إلى الله تعالى وحده ، فيقال : إنّه منه وتدبيره وتقديره. وأمّا ما يصل إلى الإنسان من قبل غيره بسبب فعله اقتضى تملّكه وإباحة تصرّفه فيه ، فغير ممتنع أن يضاف إليه ، فيقال : إنّ هذا الرزق الواصل إلى زيد هو من جهة الواهب والمتصدّق ؛ لأنّه قد فعل ما به ملك ، فحلّ محل أن يخلقه تعالى له ، يدلّ على إباحة تصرّفه فيه. ويضاف مع ذلك إليه عزوجل ، لأنّ سبب تملّكه ، وإن كان من فعل العبد فإنّ تعالى قد فعل أمورا كثيرة لولاها وكل واحد منها لم يملك ذلك من جهة العبد ، ولا صحّ حصول سبب التملّك من جهته على ما قدّمناه. فيجب أن يضاف إليه تعالى ، ولذلك أضفنا الإيمان إلى الله سبحانه (ق ، غ ١١ ، ٥٣ ، ١٤)

ـ قال أهل الحقّ أنّ كل من أكل شيئا أو شرب فإنّما تناول رزق نفسه حلالا كان أو حراما ، ولا يأكل أحد رزق غيره (ب ، أ ، ١٤٤ ، ١٧)

ـ الرزق يتعلّق بمرزوق ، تعلّق النعمة بمنعم عليه ، والذي صحّ عندنا في معنى الرزق ، أنّ كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه ، فلا فرق بين أن يكون متعدّيا بانتفاعه ، وبين أن لا يكون متعدّيا به (ج ، ش ، ٣٠٧ ، ٤)

٦١٣

ـ ذهب بعض المعتزلة إلى أنّ الرزق هو الملك ، ورزق كل موجود ملكه ، وقد ألزم هؤلاء أن يكون ملك الباري تعالى رزقا له ، من حيث كان ملكا له ، فلم يجدوا عن ذلك انفصالا (ج ، ش ، ٣٠٧ ، ٦)

ـ المتأخرون (من المعتزلة) ، قالوا : رزق كل مرزوق ما انتفع به من ملكه وهؤلاء تحرّزوا عن ملك الباري تعالى لمّا قيّدوا بالانتفاع ، والرّب تعالى متقدّس عنه (ج ، ش ، ٣٠٧ ، ٩)

ـ إسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنّهم ينفقون الحلال الطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله ويسمّى رزقا منه (ز ، ك ١ ، ١٣٢ ، ٢)

ـ الرزق كل ما يتغذّى به من الحلال والحرام (ش ، ن ، ٤١٥ ، ١١)

ـ إذا كان الرزق بقضاء الله وقدره ، فمن حزن لفوات شيء منه فقد سخّط قضاء الله وذلك معصية ، لأنّ الرضا بقضاء الله واجب ، وكذلك من شكا مصيبة حلّت به فإنّما يشكو فاعلها لا هي ، لأنّها لم تنزل به من تلقاء نفسها ، وفاعلها هو الله ، ومن اشتكى الله فقد عصاه (أ ، ش ٤ ، ٣٤١ ، ٢٦)

ـ العدليّة : والرزق الحلال من المنافع والملاذ. المجبرة : بل والحرام. قلنا : نهى الله تعالى عن تناوله والانتفاع به ، فهو كما لا يتناول ولا ينتفع به ، وهو ليس برزق اتّفاقا ، وأيضا لم يسمّ الله تعالى رزقا إلّا ما أباحه به دون ما حرّمه (ق ، س ، ١٢٩ ، ١٤)

رسالة

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الإمامة شريعة من شرائع الدين ، يعلم وجوبها وفرضها سمعا. وكذلك كان يقول في الرسالة التي هي أصل الإمامة إنّها غير واجبة عقلا ، وإرسال الرسل من مجوّزات العقول دون موجباتها فيه ، وإنّ الله تعالى يتعبّد عباده بما أراد من أنواع العبادات لأجل أنّهم خلقه وملكه وفي قبضته وسلطانه ، وله أن لا يتعبّدهم ، فإن تعبّدهم على لسان الرسل بالعبادات فهو في ذلك حكيم ، وإن ترك ذلك لم يكن سفيها ولا جائرا (أ ، م ، ١٨٠ ، ١٨)

ـ الرسالة ، التي لها يوصف بأنّه مرسل لغيره ، لا تكون رسالة بأن يتكلّم بها فقط ، وإنّما تكون رسالة ، إذا حمّلها الرسول. ولا يكون محمّلا له الرسالة إلّا بأن يعلمها الرسول ، ويميّزها من غيره ، فيصير بحيث يمكنه أن يؤديها إلى غيره ؛ ولا يكون كذلك مع الغيبة ، وفقد العلم ، ولا قبل أن يخلق ، لأنّ ذلك يستحيل ، فيمن هذه حاله (ق ، غ ١٥ ، ٩ ، ١٤)

ـ إنّ الرسالة لا يعتبر فيها أن تكون معلومة من جهة المرسل فقط ؛ لأنّها إن علمت من جهته ، أو علمت من جهة رسوله المتحمّل الرسالة إليه ، فالحال واحدة ؛ فلا فرق بين أن يحمّله تعالى الرسالة ، أو يبعث إليه بالرسالة رسولا ، في أنّه ، في الحالتين ، يكون رسولا لله تعالى. ولا يجب في الرسول الثاني أن يكون رسولا للأوّل ؛ بل يجب أن يكون رسولا لله تعالى ، كما أنّ أحدنا إذا عرف أمره تعالى ، بواسطة ، لم يخرج من أن يكون مأمورا لله تعالى ، كما يكون كذلك لو عرف أمره بلا واسطة. والكلام فيما به يعلم أن الرسالة من جهته تعالى عند الكلام فيما قصدنا بيانه ؛ لأنه ، إن علم ذلك باضطرار أو استدلال بالمعجز وغيره ، لم يتغيّر الحكم فيما ذكرناه (ق ، غ ١٥ ، ١١ ، ٦)

ـ قال شيوخنا ، رحمهم‌الله ، إنّ الرسالة ليست

٦١٤

بمدح ولا ثواب ؛ لأنّهم لا يعقلون من هذه اللفظة ما يفيد المدح ؛ وإنّما عقلوا منها ، في اللغة ، ما يرجع إلى فعل المرسل وعلم الرسول ؛ وذلك لا يكون مدحا. وقالوا : هي مما يجوز أن يمدح بها لأنّهم علموا بالدليل أنّه لا يكون رسولا لله إلّا وقد يختصّ بأوصاف تقتضي المدح فيه والتعظيم ، وإن كانت هذه اللفظة لا تفيده ، فسوّغوا المدح ، كما سوّغوا بقولهم : موفق ومعصوم ؛ بل بقولهم : مطيع ، إلى ما شاكل ذلك ؛ وفرّقوا بينه وبين قولنا نبيّ في ذلك ، لأنّ هذه اللفظة موضوعة للرفعة ، فهي تفيد المدح بظاهرها ، لا بمعناها (ق ، غ ١٥ ، ١٢ ، ٢٤)

ـ الرسالة عبارة عن تبليغ الكلام ، والرسول عبارة عن المبلّغ (غ ، ق ، ١١٥ ، ٢)

ـ الرسالة لغة ، القول المبلّغ ، وشرعا : كالنبوّة. إلّا أنّه يقال في موضع شرحه لتبليغ شريعة لم يسبقه بتبليغ جميعها أحد (ق ، س ، ١٣٥ ، ٣)

رسم

ـ إنّ المقصود من الرسم ليس إلّا تمييز الشيء عمّا سواه ، تمييزا ، غير ذاتيّ. والتمييز كما يحصل بالخواص الوجوديّة الثابتة للشيء المرسوم دون غيره ، كذلك قد يحصل بالسلوب المختصّة به دون غيره (م ، غ ، ٢٨ ، ١٣)

رسم تام

ـ المشهور عند الحكماء أنّ الرسم التّامّ هو الّذي يميّز الشيء عن جميع ما عداه (ط ، م ، ١٠ ، ٢٣)

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٣)

رسم ناقص

ـ الرّسم النّاقص هو الّذي يميّزه عن بعض ما عداه (ط ، م ، ١١ ، ١)

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٣)

رسول

ـ إنّ معنى الرسول هو المرسل. فإذا قلنا إنّه رسول الله تعالى فمعناه أنّه الذي أرسله الله تعالى إلى خلقه برسالاته وعرّفه ما يبلّغه إلى خلقه من أحكام عباداته ووعده ووعيده وثوابه وعقابه. وكان يفرّق بين النبيّ والرسول ، ويقول إنّ كل رسول نبيّ وليس كل نبيّ رسولا ، وإنّه قد كان في النساء أربع نبيّات ولم يكن فيهنّ رسول ، بقوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) (يوسف : ١٠٩) مع قوله عليه‌السلام" كان في النساء أربع نبيّات". وكان يجمع بين الخبر والآية فيرتّبهما على هذا الوجه. وكان يقول إنّ الرسول هو من يرسل إلى الخلق ويوجب عليه تبليغ الرسالات ويؤمر الخلق بطاعته واتّباع أمره. وقد يكون نبيّا ولا يكون قد أرسل ولا أمر بأداء الرسالة ، وذلك بإبانة حاله من غيره بكرامات يخصّ بها حتى ترتفع منزلته بذلك وتشرف (أ ، م ، ١٧٤ ، ٨)

٦١٥

ـ اعلم أنّ الرسول ، من الألفاظ المتعدّية أي لا بدّ من أن يكون هناك مرسل ومرسل إليه ، وإذا أطلق فلا ينصرف إلّا إلى المبعوث من جهة الله تعالى دون غيره ، حتى إذا أردت غير ذلك فلا بدّ من أن تقيد (ق ، ش ، ٥٦٧ ، ٩)

ـ لا فرق في الاصطلاح بين الرسول والنبيّ (ق ، ش ، ٥٦٧ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ هذه اللفظة (الرسول) مأخوذة من إرسال المرسل له ، كما أنّ معلوما مأخوذ من علم العالم به. ولذلك متى أرسل أحدنا غيره يوصف هو بأنّه مرسل ، وذلك الغير بأنّه رسول. ولا يعتبر في هذا الوصف وقوع فعل من الرسول ؛ وإنّما المعتبر في ذلك بالإرسال الواقع من المرسل (ق ، غ ١٥ ، ٩ ، ٥)

ـ الرسالة ، التي لها يوصف بأنّه مرسل لغيره ، لا تكون رسالة بأن يتكلّم بها فقط ، وإنّما تكون رسالة ، إذا حمّلها الرسول. ولا يكون محمّلا له الرسالة إلّا بأن يعلمها الرسول ، ويميّزها من غيره ، فيصير بحيث يمكنه أن يؤديها إلى غيره ؛ ولا يكون كذلك مع الغيبة ، وفقد العلم ، ولا قبل أن يخلق ، لأنّ ذلك يستحيل ، فيمن هذه حاله (ق ، غ ١٥ ، ٩ ، ١٦)

ـ فمن جهة اللغة ، إذا قيل إنّه رسول لم يعرف به أنّه رسول لله ، وإن كان ذلك ، بالتعارف ، يفهم به هذا المعنى ، كما يفهم بقولنا عاص أنّه عاص لله ، لا لغيره. فحل قولنا" رسول" محل قولنا" رسول الله" ، من جهة التعارف. ولا فرق بين جهة اللغة ، في وصفنا له بأنّه رسول الله ، بين رسالة من رسالة ؛ فإنّما يعرف التخصيص في ذلك بالدليل ، أو التعارف (ق ، غ ١٥ ، ١٠ ، ٩)

ـ فيما يجب أن يختصّ به الرسول في الرسالة وسائر الأحوال : اعلم أنّه لا بدّ من الرسالة يتحمّلها عن الله تعالى. ولا بدّ من أن يقبل ذلك ويوطن نفسه على أدائها ، على الحدّ الذي ألزمه ، وأن يصبر على كل عارض دونه ، وإذا تحمّل ذلك ، وفعل ما ذكرناه ، فلا بدّ من أن يدّعي الرسالة ويدعو المبعوث إليه إلى القبول منه ، فعند ذلك لا بدّ من أن يظهر تعالى عليه ما يدلّ على حاله ، ليلزم الغير القبول منه ، بإظهار المعجز ، لأمر يرجع إلى المبعوث إليه ، لا إلى كونه رسولا فقط. ولو جاز ، من جهة العقل ، أن يحمّله رسالة لا يلزمه تأديتها ، لما وجب إظهار المعجز عليه ، وإنّما كان يجب إظهار المعجز الأول على من هو رسول الله ، أو عند مخاطبة الله تعالى إياه. فالذي له يكون رسولا هو الذي قلناه أولا ، والذي له يلزم القبول منه هو ظهور المعجز عند الادعاء والدعوة. ولا يجوز أن يبعث رسولا إلى غيره ، وإن كان ذلك الغير قد يقل ويكثر ، ولا بدّ من أن يكون متحمّلا لما يؤدّيه إلى ذلك الغير ، قلّ ما يتحمّله أو كثر ، ولا بدّ من كونه صلاحا للمؤدّى إليه ، لأنّه المقصد (ق ، غ ١٥ ، ١٧ ، ٢)

ـ جملة ما يجب أن نحصله : أنّه لا بدّ من أن نعرف الرسول ، ونميّزه ، من غيره ، ونعرف طرفا من أحواله ، ونعرف ادّعاءه للنبوّة ، وما يتّصل بذلك ؛ ولا بدّ من أن نعرف في المعجز مثل ذلك ، بأن نعرف عينه ، وطرفا من أحواله ، وتعلّقه بالدعوى. ولا بدّ من أن يعرف المرسل ، وما يختصّ به من صفاته ، ليصحّ أن يعلم ما يجوز أن يختاره ، وما لا يجوز ذلك فيه ، لكن يمكن أن يعلم أنّه لا يدلّ إلّا على صحّة ، ولا يصدق إلّا صادقا (ق ، غ ١٦ ، ١٤٤ ، ١٤)

٦١٦

ـ في الفرق بين الرسول والنبي : إنّ كلّ من نزل عليه الوحي من الله تعالى على لسان ملك من الملائكة وكان مؤيّدا بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبي ، ومن حصلت له هذه الصفة وخصّ أيضا بشرع جديد أو بنسخ بعض أحكام شريعة كانت قبله فهو رسول (ب ، ف ، ٣٤٢ ، ١٦)

ـ الرسول هو الذي يتتابع عليه الوحي ، من رسل اللبن إذا تتابع درّه. وكل رسول الله عزوجل نبيّ وليس كل نبيّ رسولا له (ب ، أ ، ١٥٤ ، ٣)

ـ الرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو بنسخ بعض أحكام شريعة قبله (ب ، أ ، ١٥٤ ، ٦)

ـ الرسالة عبارة عن تبليغ الكلام ، والرسول عبارة عن المبلّغ (غ ، ق ، ١١٥ ، ٣)

ـ إنّ محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والدليل عليه أنّه ادّعى النبوّة وظهرت المعجزة على يده ، وكل من كان كذلك كان رسولا حقّا. فالمقام الأولى : أنّه ادّعى النبوّة ، وذلك معلوم بالتواتر. والمقام الثاني : أنّه أظهر المعجزة (ف ، أ ، ٧١ ، ٥)

ـ نقول (الآمدي) : إنّ الرسول لا يأتي إلّا بما لا تستقلّ به العقول ، بل هي متوقّفة فيه على المنقول ؛ وذلك كما في مسالك العبادات ، ومناهج الديانات ، والخفيّ مما يضرّ وينفع من الأقوال والأفعال ، وغير ذلك مما تتعلّق به السعادة والشقاوة في الأولى والأخرى. وتكون نسبة النبيّ إلى تعريف هذه الأحوال ، كنسبة الطبيب إلى تعريف خواص الأدوية والعقاقير التي يتعلّق بها ضرر الأبدان ونفعها ؛ فإنّ عقول العوام قد لا تستقلّ بدركها ، وإن عقلتها عند ما ينبّه الطبيب عليها ، وكما لا يمكن الاستغناء عن الطبيب في تعريف هذه الأمور ، مع أنّه قد يمكن الوقوف عليها ، والتوصّل بطول التجارب إليها ؛ لما يفضى إليه من الوقوع في الهلاك والإضرار ؛ لخفاء المسالك ، فكذلك النبيّ (م ، غ ، ٣٢٦ ، ٣)

ـ لا رسول إلّا بوحي ومعجز وشريعة متجدّدة أو إحياء مندرسة قليل أم كثير. ولا فرق بين الرسول والنبي. الحشوية : يصحّ نبيّا من غير وحي ومعجز وشريعة. قلنا : لا دليل عليها إلّا المعجز ، وإلّا فالنبوّة عبث ، فلا بدّ من مصلحة ، لما مرّ (م ، ق ، ١١٣ ، ١٧)

رضا

ـ إنّ الرضا بالشيء هو المدح له والثناء عليه والإثابة عليه وكونه دينا وشرعا (ب ، ن ، ١٦٥ ، ٢١)

ـ أمّا الرضى فإنّه إرادة يتعلّق بفعل الغير إذا وقع على ما أردناه ويكون متقدّمه ، ويجب أن يكون من فعل الراضي بها ، ولا بدّ من ثبوت الاختبار فيها (ق ، ت ١ ، ٢٩٨ ، ١٧)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في العسكريات : إنّ حقيقة الرضا هو في إرادة الشيء ، إذا وقع على الوجه الذي أراده. وإنّما يقال رضي عن زيد إذا أراد تعظيمه وتبجيله ، واستحقّ الثواب على سبيل المجاز (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٤٣ ، ١٢)

ـ الرضا قال أبو الحسن الأشعريّ : إنّه إرادة إكرام المؤمنين ومثوبتهم على التأبيد ، وهذا من الله تعالى ؛ وأمّا من العبد فهو ترك الاعتراض (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٢)

رعاية الأصلح

ـ قال (بشر) : إنّ عند الله تعالى لطفا لو أتى به

٦١٧

لآمن جميع من في الأرض إيمانا يستحقّون عليه الثواب ، استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده وأكثر منه. وليس على الله تعالى أن يفعل ذلك بعباده ولا يجب عليه رعاية الأصلح لأنّه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح ، فما من أصلح إلّا وفوقه أصلح ، وإنّما عليه أن يمكّن العبد بالقدرة والاستطاعة ويزيح العلل بالدعوة والرسالة (ش ، م ١ ، ٦٥ ، ٥)

رغبة ورهبة

ـ الرغبة والرّهبة أصلا كل تدبير وعليهما مدار كلّ سياسة عظمت أو صغرت. فاجعلهما مثالك الذي يحتذى عليه وركنك الذي يستند إليه (ج ، ر ، ١٣ ، ١٥)

رفض

ـ إنّ الرفض مشتمل على أجناس من الكفر لا يشتمل عليه مذهب فرقة من فرق الأمة ، لأنّك إذا نظرت في مذاهب الخوارج مذهبا مذهبا لم تجد فيهم مشبّها ولا واصفا لله بما وصفته به الرافضة ، ولا قائلا بالبداء ولا مؤمنا بالرجعة إلى دار الدنيا قبل القيامة ، ولا رادّا للقرآن. وكذلك المرجئة لا تجد فيهم من التخليط ومخالفة القرآن والطعن على السنن ما تجده مع الرافضة ، وكذلك جميع أصناف فرق الأمّة لا تجد مع أحد منهم من الإفراط والغلو ومخالفة نص القرآن ومشهور السنن والطعن على المهاجرين والأنظار والإقدام عليهم بالإكفار ما تجده مع أصناف الرافضة (خ ، ن ، ١١٢ ، ١٤)

رقي

ـ نوع آخر من السحر يكون بالرقي وهو كلام مجموع من حروف مقطّعة في طوالع معروفة أيضا ، يحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع قوى أخرى ، وقد شاهدنا وجرّبنا من كان يرقي الدمل الحاد القوى الظهور في أول ظهوره فييبس ، يبدأ من يومه ذلك بالذبول ، ويتمّ يبسه في اليوم الثالث ، ويقلع كما تقلع قشرة القرحة إذا تمّ يبسها ، جرّبنا من ذلك ما لا نحصيه (ح ، ف ٥ ، ٤ ، ١٨)

روح

ـ قال" النظّام" : الروح هي جسم وهي النفس ، وزعم أنّ الروح حيّ بنفسه (ش ، ق ، ٣٣٣ ، ١٥)

ـ كان" الجبّائي" يذهب إلى أنّ الروح جسم ، وأنّها غير الحياة ، والحياة عرض ويعتلّ بقول أهل اللغة : خرجت روح الإنسان ، فزعم أنّ الروح لا تجوز عليها الأعراض (ش ، ق ، ٣٣٤ ، ١٠)

ـ أمّا الروح فهو الريح عنده ، وهو جسم لطيف وذلك هو المتردّد في تجاويف أعضاء الإنسان. والإنسان إنّما يحيا بالحياة لا بالروح ، ولكنّه إذا كان حيّا كان محلّا للروح لا أنّه بها يحيا (أ ، م ، ٢٥٧ ، ٥)

ـ اختلفوا (النصارى) فقال بعضهم : إنّ الكلمة هي العلم ؛ وقال بعضهم : إنّ المراد بالكلمة العلم ؛ وإنّما سمّي ذلك لأنّه يظهر بالنطق. ومن قول بعضهم : إنّ الكلمة والنطق ليسا العلم. وحكى عن بعضهم أنّه قال في الروح إنّها قدرة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١٣)

ـ وبعد ، فإنّ الروح لا بدّ من أن يبين من الجسد بصفة ؛ لأنّه إن لم يختصّ بالرقّة لم يكن روحا ،

٦١٨

وإنّما يوصف بذلك متى حصل في الحيّ ، وإلّا فهو من جنس الريح والنفس المردّد ، وما هذا حاله يستحيل كونه حيّا قادرا أصلا ؛ لأنّ الحياة تحتاج إلى رطوبة وبنية ، وذلك لا يوجد في الروح ، فلذلك قلنا : إنّ الروح كالدم في أنّ الحياة تحتاج إليها ، وليست من جملة الحيّ ، فكيف يصحّ أن يجعل الحيّ هو الروح ، ولم يثبت أنّه مما يصحّ أن يكون حيّا مريدا أصلا (ق ، غ ١١ ، ٣٣١ ، ١٥)

ـ إنّا قد دللنا على أنّ كل محلّ ندرك به الحرارة والبرودة والألم يجب أن يكون فيه حياة ، ودللنا على أنّ كل جزء فيه حياته ، فيجب كونه من جملة الحيّ وبيّنا أنّ الحيّ هو القادر المدرك ، وأنّه ـ وإن كان أجزاء كثيرة ـ في حكم الشيء الواحد من حيث كان حيّا واحدا وقادرا واحدا. فذلك يبطل قوله : إنّ الجسد موات ؛ لأنّ هذه تفيد انتفاء الحسّ والإدراك ، وإذا دللنا على ثبوتهما في أجزاء الجسد فقد بطل ما قاله. وإذا ثبت أنّ الروح من قبيل النفس والريح ، وأن ما اختصّ بهذه الصفة لا تحلّه الحياة وإن كان الحيّ بحياة يحتاج إلى كونه في البدن فقد بطل ما قاله : من أنّ الحيّ هو الروح (ق ، غ ١١ ، ٣٣٤ ، ١٣)

ـ إنّ الحيّ هو الجسم والروح جميعا : قد حكينا عن بشر بن المعتمر هذا القول. وعن هشام بن عمرو أنّه كان يجعل كل عرض لا يكون الإنسان إنسانا إلّا بها من أحد قسمي الإنسان ، وقد حكي عن بعضهم أنّ الروح هي الحياة. وعن بعضهم خلاف ذلك. وحكي عن أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة أنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما (ق ، غ ١١ ، ٣٣٥ ، ١١)

ـ إنّ الذي يجب كونه من جملة الحيّ ما يلحقه حكم الحياة ؛ فإذا لحق يده وسائر أطرافه هذا الحكم فصحّ أن يدرك بها الحرارة والألم وجب كونها من جملة الحيّ ، وإن كان فقدها لا يؤثّر في كونه حيّا ، وليس كذلك الروح وغيرها ؛ لأنّ الإدراك لا يصحّ بها فيجب ألّا تكون من جملة الحيّ ، وإن استحال كونه حيّا إلّا معها ؛ كما لا يجب ذلك في الدم والشعر وغيرهما من الأمور التي لا يجوز أن يكون حيّا إلّا معها (ق ، غ ١١ ، ٣٣٧ ، ١١)

ـ أمّا قول الشيخ أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة : إنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما ، فالمراد عندنا أنّه ذهب إلى أن الحيّ لا يكون حيّا إلّا بعرض يحلّه وبروح تحصل فيه ، وسمّاهما جميعا حياة. ولهذا قال : إنّ الحياة يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما ، وهذا خلاف في عبارة ؛ لأنّ الروح عبارة عن النفس المتردّد في مخارق الإنسان ، ولذلك وصفها الله ـ تعالى ـ بالنفث والنفخ ، وذلك من صفات الأجسام الدقيقة ، وقد ثبت فيما هذا حاله أنّه لا يجوز أن يوجب لغيره حالا ؛ لأنّ المجاور لا يختصّ بما جاوره اختصاص العلّة بالمعلول ، ولأنّه لو أوجب كونه حيّا لأوجبه لجنسه فكان غير الروح من الأجسام بمنزلة الروح في إيجابه كونه حيّا ؛ لأنّ الجواهر متماثلة ، وبطلان ذلك يبيّن فساد من قال بهذا القول. فأمّا إذا جعل الموجب لكونه حيّا العرض الحالّ وعبّر عن الروح بأنّها حياة من حيث لا يكون حيّا إلّا معها فإنّما خالف في عبارة ؛ لأنّ المعنى الذي قصده ممّا نقول به. وإنّما وجب ما ذكرناه من جهة العبارة ؛ لأنّ الحياة عبارة عن المعنى الذي به

٦١٩

صار حيّا ، ولم يصر حيّا بالروح كما لم يصر حيّا بالدم والبنية ، وإن احتيج إليهما جميعا (ق ، غ ١١ ، ٣٣٨ ، ٨)

ـ قد حكينا عنه (النظّام) في الإنسان أنّه الروح ، وأنّ الروح هي الحياة المشابكة لهذا الجسد ، وأنّها في الجسد على جهة المداخلة ، وأنّه جوهر واحد غير مختلف ، وهو قويّ حيّ عالم بذاته (ق ، غ ١١ ، ٣٣٩ ، ٢)

ـ قالت طائفة النفس هي النسيم الداخل الخارج بالتنفّس ، فهي النفس ، قالوا والروح عرض وهو الحياة فهو غير النفس ، وهذا قول الباقلاني ومن اتّبعه من الأشعريّة (ح ، ف ٥ ، ٧٤ ، ٨)

ـ إن قيل : بيّنوا : الروح ومعناه ، فقد ظهر الاختلاف فيه. قلنا : الأظهر عندنا ، أنّ الروح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة ، أجرى الله تعالى العادة استمرار حياة الأجسام ما استمرّت مشابكتها لها ، فإذا فارقتها يعقب الموت الحياة في استمرار العادة (ج ، ش ، ٣١٨ ، ١٢)

ـ إنّ الإنسان في الحقيقة هو النفس والروح ، والبدن آلتها وقالبها (النظّام) (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٩)

ـ إنّ الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل للقلب بأجزائه مداخلة المائيّة في الورد ، والدهنيّة في السمسم ، والسمنية في اللبن. وقال (النظّام) إنّ الروح هي التي لها قوة ، واستطاعة وحياة ومشيئة. وهي مستطيعة بنفسها ، والاستطاعة قبل الفعل (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٠)

ـ إنّ الروح جسم لطيف بخاري يتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية ينفذ في العروق الضوارب ، والحياة عرض قائم بالروح وحالّ فيها ، فللدماغ روح دماغية وحياة حالّة فيها ، وكذلك للقلب وكذلك للكبد (أ ، ش ٢ ، ٢٤٢ ، ٢٢)

ـ إنّ أبا القاسم البلخيّ من المعتزلة وأتباعه ذكروا : أنّ الروح الإنسانيّ جوهر ليس له صفة التحيّز (ط ، م ، ٢٢٩ ، ٢١)

روح الله

ـ قال شيخنا أبو علي : إنّ الغرض بوصفه عيسى بأنّه كلمة الله أنّ الناس يهتدون به كاهتدائهم بالكلمة. ومعنى قولنا إنّه روح الله أنّ الناس يحيون به في دينهم كما يحيون بأرواحهم الكائنة في أجسادهم. وذلك توسّع وتشبيه له بالكلمة التي هي الدلالة والروح الذي يحتاج الحيّ منّا إليه (ق ، غ ٥ ، ١١١ ، ١٨)

روح القدس

ـ قيل : " أيّدناه بروح القدس". يعني بالروح ، روح الله. ووجه إضافة روح عيسى إلى الله عزوجل ؛ (أن تكون أضيفت) تعظيما له وتفضيلا. وذلك أنّ كل خاص أضيف إلى الله ـ عزوجل ـ أضيف ؛ تعظيما لذلك الشيء ، وتفضيلا له ، كما يقال لموسى : كليم الله ، ولعيسى : روح الله ، ولإبراهيم : خليل الله ، على التعظيم والتفضيل (م ، ت ، ٢١٤ ، ١)

روح لاهوتي

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : وتفرّقت النصارى في المسيح ، فمنهم من جعل له روحين : أحدهما محدثا وهو روح الناسوتيّة ، يشبه أرواح الناس ، وروح لاهوتيّ قديمة ، جزء من الله ،

٦٢٠